المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ميزان الذهب


المراقب العام
04-11-2014, 12:54 PM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
لكل امرىء مزايا وعيوب , لا يخلو منهما جميعا أحد , و كثير من الناس عندما يحب لا يبصر العيوب , ويتجاهل عمداً كل مساوئ محبوبه , ولا يقّومه ..

وهو عندما يكره لا يبصر المزايا , ويتجاهلها تماماً كأنها لم تكن , وهذا منهج خاطئ لم يكن صاحب المنهج الإسلامي صلى الله عليه وسلم يتعامل به ولايعتمده كأسلوب مقبول , بل كان منهجه أن يتعامل مع الناس على أن فيهم الإيجابيات والسلبيات , وفيهم من الخير والشر , ولكن قد تغلب أحدى الصفتين الأخرى ... كما يتعامل معهم على مدار البحث عن الخير لأمته وإبعاد الضرر والشر عن أفرادهم وجماعاتهم , فربما يخرج من موقف شديد مع صنديد عتيد بكسب كبير وفوز لأمته ورسالته هائل .. لاشك أن المواقف تخضع في تقييمها لقواعد وضوابط لكننا ههنا نحاول أن نرى نموذجا مختصرا في أساليب تعامل الداعية الأعظم صلى الله عليه وسلم مع الناس وفي المواقف , ليتعلم الجاهلون .

فهل نعجب إذ نراه يتعامل مع أحد أعدائه , فيخاطبه بأدب الخطاب , ويناديه بما يحبه العرب من كناهم ؟! , فقد جاءه يوما عتبة بن ربيعة , أحد أكبر أعدائه , فأعطاه الفرصة للحديث بداية قبله , ولم يقاطعه , ثم لما أنهى حديثه تماما قال له : أفرغت ياابا الوليد ؟ , قال نعم : قال فاسمع ..وقرأ عليه القرآن " , فيكسب صلى الله عليه وسلم الجولة , ويهتز الصنديد العتيد بأسلوب الصادق الكريم ..ويعود إلى أهله صائحا : ماهذا بقول بشر وماهو بكاذب !

ويوم فتح مكة وهو المنتصر القوي بجيشه الجرار , وجاءه زعيمها أبو سفيان بن حرب يفاوضه , أحسن معاملته وأكرمه , وأمر مناديه أن ينادي في قريش : " من دخل دار أبو سفيان فهو آمن " ... فكانت فاتحة خير وفتح مبين ..

ويوم بدر وقد أُسر سبعون من المشركين قال : " لو أن المطعم بن عدي حياً لأطلقتهم " أخرجه في الصحيح , أي أنه لا ينسى للمطعم بن عدي وهو أحد المشركين أنه آواه ذات يوم ودخل مكة في جواره .

وههنا بين أيدينا موقف نحسبه فريدا في الحكم على أفعال الناس وسلوكياتهم , كما إنه موقف فريد في القضايا والأحكام , فقد أخطا رجل من صحابته صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأرسل لأعدائه يوم فتح مكة بسر حربي يختص بمسير الجيش ..

إن الجريمة ههنا كبيرة ولاشك , وعقوبتها ولاشك شديدة في كافة الأعراف , ولكن نحن ههنا أمام موقف مختلف .. ولنر كيف سار الأمر :
بداية أراد صلى الله عليه وسلم أن يثبت بالدليل القاطع التهمة الملقاة , فلما حصل علي الدليل , نادى ذلك الصحابي المتهم , ليستفسر منه عن سبب فعله ؟ فجاء به وسأله : ماحملك على ما صنعت ؟ وعندئذ قام عمر فقال : " دعني اضرب عنقه يا رسول الله " , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا ينسى سابقة أفعال الرجل الحسنة " , لعل الله أطلع على أهل بدر فقال : أفعلوا ما شئتم إني قد غفرت لكم " أخرجه البخاري .

إنه لم ينس أن الرجل من أهل بدر الذين أطلع الله على قلوبهم وغفر لهم باقي أعمالهم , فلا يعرف الفضل وقت الاختلاف إلا ذو فضل ، ولا يفعل ذلك إلا أهل العقل والحكمة , ومن يمتلكون الوسطية والعدل في الحكم على الناس .

ولم يقتصر هذا الأمر على الأحياء , بل تعداه مع الأموات أيضاً , فنهى صلى الله عليه وسلم عن سب الأموات , فمن مات فقد لقي ربه يحاسبه على عمله , وإن سبه لن يغير شيئاً بل سيؤذي الأحياء .

كذلك فقد حرص أن يتعامل مع الإنسان بشخصه لا بأهله وقرابته , فقد كان صاحبه خالد بن الوليد رضي الله عنه إبنا للوليد بن المغيرة , أحد أعدائه الألداء , وكان صاحبه عكرمة ابنا لأبي جهل أحد ألد أعدائه أيضا وكانت امرأة أخرى اسمها درة قد أسلمت وكانت بنتا لأبي لهب وأم جميل , اللذين قد أذاقاه أشد أذى , كان الثلاثة مسلمين وعاملهم صلى الله عليه وسلم وعاملهم المسلمون معاملة أحدهم , فلا فرق بينهم , ولا تأثير لسوء تاريخ آبائهم ولا أمهاتهم , فالمعامل شخصية , كما أن الحساب شخصي , وسيحاسب كل منا أمام ربه عن عمله هو لا عن عمل أبيه أو أمه .





خالد رُوشه