المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ألا سَجَرْتَ بها التَّنُّور؟!


المراقب العام
06-11-2014, 12:56 PM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
في ظروف مواتية تماما، يتم الإعلان عن الأمر الرباني ثم النبوي بهَجر ثلاثة تخلفوا عن غزوة تبوك، لقد كان أسلوباً تربوياً حكيماً مع هؤلاء الذين قد أُمِن جانب ثباتهم على الإيمان، وكانت الاستجابة كبيرة من قِبل مجتمع متكاتف مترابط لم يُخلّ واحد منهم بهذا الأمر، بل بلغ الأمر إلى زوجاتهم.

ويبقى الثلاثة غرباء بين أهليهم وأحبابهم!

ويشاء الله –تعالى- أن يكون كعب بن مالك –رضي الله عنه- أشد الثلاثة بلاء، وأصعبهم محنة، فهو الشاب الفتيّ الذي لا يستغني عن مقابلة الناس ومحاورتهم والأخذ والعطاء، فلا صبر له على البقاء في البيت مثل: مرارة بن الربيع أو هلال بن أمية –رضي الله عنهم أجمعين-.

حتى إذا استحكم البلاء وعظمت المصيبة، يأتي خطاب من ملك غسان يستغل الموقف ويسعى لتهجير ذلك العقل وتلك الموهبة الشعرية في كعب –رضي الله عنه- ويصل خطابه إلى كعب في أحلك الظروف، يقول فيه: بلغنا أن صاحبك قد جفاك فالحق بنا نُواسِك. إنها فرصة لضعفاء الإيمان للهرب من هذا المجتمع الذي هجره برمته، وترَكَهُ كأنْ ليس موجودا بينهم، لينطلق إلى مجتمع يُقِيمُ له وزنَه، كيف وقد دعاه ملكهم، ووعده بأن يواسيه، حري بمثل هذا العقل أن يهاجر إلى ذلك البلد.
لكن الإيمان الذي قد خالط بشاشة قلب كعب –رضي الله عنه- يأبى الخنوع لمثل هذا الإغراء وهذه المساومة.

بل إنه لم يكتف بالرفض فقط، إنما عمد تنور، كما يقول: فسَجَرْتُ بها التنور، فقد أحرق هذا الخطاب والإغراء في التنور، لئلا يطلع عليها مستقبلا في لحظة ضعف أو خَوَر فتلين قناته ويترك هذا المجتمع الفاضل والرعيل الفريد فيذوق بعدُ مرارة الألم ولات ساعة مندم.

وهنا موطن الشاهد من القصة.

كم نحتاج في الفتن والبلايا والرزايا أن ننأى بأنفسنا بعيدا عن الحِمى! لئلا نرتع فيه، وأن نبتعد ونجافي مواطن الهَلَكَة فلا نقربها فضلا عن أن نتعداها! "تلك حدود الله فلا تقربوها".

لسنا بحاجة إلى مغامرات ومقامرات في ديننا، ولسنا بحاجة إلى أن نختبر قوة إيماننا فنقع في فخ الاقتراب من الفتن وتتبع خطوات الشيطان.

"كَمَثَلِ الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك" ولو قال له الشيطان أول وهلة: اكفر، دون مقدمات لما كفر، ولكنه ظل معه أمدا طويلا يُحَسِّن إليه الاقتراب من المعصية والفتنة، بل ربما زيَّنها في صورة قُرْبة إلى الله -تعالى-، حتى جاء موعد حصاد هذا الجهد الجبار الذي عمله الشيطان ليقلب مسلما عابدا إلى كافر مخلد في نار جهنم –أعاذنا الله وإياكم-.

فحين تقلب صفحات هذه الشبكة العنكبوتية ليكن لك من نفسك رادع عن الاقتراب من مواطن الفتن، لئلا تزل بك قدم بعد ثبوتها.

ومثلها أو قريب منها القنوات الفضائية.

وحين تعزم نفسك على التوبة فلا تحتفظ بشيء من مخلفات الماضي التي تذكرك بالمعصية بل سارع واسجُرها في التنور.

وكلما دعتك نفسك في كل أمر من الأمور إلى الاقتراب من موطن الهلكة فقل في نفسك: إلى التنور أيتها الفكرة.

ردد هذه الكلمة على لسانك دائما: إلى التنور أيتها الفكرة، أو: ألا سجرت بها التنور، لتكون بعيداً بعيداً مواطن الهلكة.

وكما ذكر ابن القيم –رحمه الله- في أكثر من موضع: إذا جاءت الخاطرة فاطردها قبل أن تتحول إلى فكرة، ثم تتحول إلى هم ثم إلى عزيمة ثم إلى عمل ثم تتحول إلى عادة فيكون التخلص كل مرحلة أصعب من التي قبلها يصعب التخلص منها، كالشجرة الصغيرة التي تنبت ويسهل اقتلاعها، وكلما كبرت صار اقتلاعها أصعب.
هل لديك أمثلة أخرى في البعد عن الحِمَى؟ تذكرها واسجر بها التنور.

فهد السيف