المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصتي مع الشيخ الكبير .......


alsofi
15-03-2015, 06:46 PM
قصتي مع الشيخ الكبير

جلست بجانب احدهم ، ربما في الستين من عمره ، رأيته مهموما مغموما، يتوجع ، وتتساقط الدموع من عينيه، فقلت له : يا عم ما الذي أهم بك، لماذا انت حزين ، ومكتئب، والدموع على خَدَّك؟

قال: لا تسأل فربما لا تحتمل الأجابة

قلت: لا عليك ، تكلم واذني سامعت لك...

قال: هي الحياة أبكتني كما أبكت جدك، وأبكت والدك، وستبكيك عندما تكبُر.... يا ولدي اني عندما كنت صغيرا كنت أرى هذه الدنيا وأقول: متى سأكبُر ، وسأبني، وأعمر، وأشتري، وأصنع لنفسي مستقبلا لم يصنعه احد.... كنت أتمنى ان يكون لي ولد، وزوجه، وبيت، ويساره، واعمل، واجني المال، ووو....
فلما بدأت في سن الشباب ، وكان عمري عشرون عاما.... وأصبح لهفي وشوقي للدنيا وملذّاتها اكثر وأكثر.... مضت الأيام والأعوام وشوقي وحبي للدنيا يزيد، وكنت ابكي بُكَاء العاشق، المحب، المشتاق......

ولما حان موعد عرسي، واقترب اليوم الذي سأبدأ به الحياة الجديدة، الحياة التي امضيت سن طفولتي وانا أبني، واخطط من اجلها......

تزوجت وأصبح لدي شخص أستطيع ان اعرض عليه خطتي التي بنيتها في سنوات مضت، هذا الشخص هو الذي سيساعدني في الوصول الى هدفي وحلمي..( تذكّر زوجته وزاد تأثرا ).

فقاطعت حديثه قائلاً: وهل رزقك الله اولاد

قل : نعم.... وبعد سنة أتاني المولود الأول... وبدأت مسئوليتي تكبر، والحمل صار اثقل،

اظطررت للذهاب الى الغربة.... الى بلاد لا اعرفها من قبل، هناك حيث لم اجد احدا يواسيني ويشاركني همومي.... وبدأت بجمع الأموال على أمل ان ابني بيت خاص بي.... وأشتري سيارة فاخره، وعلى أمل ان ارجع الى زوجتي وولدي...

مضت الأشهر ، ومن بعدها مضت السنين، وانا ما زلت على حالتي مأملا ان أُكمل مشروع حياتي وارتاح.... وفي هذه السنين التي مضت رزقني الله سبعة من الأولاد، فكنت اشتاق ، وأحب، واعشق، والهف ان اراهم وانا ما زلت شابا.....

فهمست في أذنه : لماذا لم تسافر

قال: قد أخبرتك اني كنت مأملا على ان اكمل المشروع وارتاح بقية حياتي.....

اكمل قصته وأعينه تفيض من الدمع حزنا على ما فوت من وقت ، وعلى ما كان يظن انه سيكمل مشروعه ويبدأ بحياة عامرة بالصلاة، والصيام، والمكوث في المساجد.....

واصل قصته ، واستمعتها بما فيها من غرابة تهز الكيان ، ولا يحتمل سماعها اي إنسان.....

مِن الأمور المدهشة والعجيبة في قصته انه لم يدخل المسجد إلا في يوم الجمعة فقط ، بل وأحيانا يضيع صلاة الجمعه.....

يا الله كيف اسمع كلامه وهو يقول انه أفنى شبابه في اللهو واللعب...

خمسين سنة ، وهو على حالته هذه ، يلهث وراء الدنيا ، ولا يحسب للآخرة حساب....

قلت له ألم يوجد من يعظك وينصحك.... قال يا ولدي لم أكن اسمع المحاضرات، ولا اصلي الصلوات، بل وكنت افعل المحرمات، وحدود الله عندي منتهكات .....

وهكذا أمضى ساعتنا تلك شارحا لي قصته مع الدنيا وكيف استخفته واطاعها، وكيف كانت حياته تعيسه.....

وقبل ان نُكمل حديثنا قال: اما الآن فأنا مختلفٌ تماماً، هذه العشر السنوات الاخيرة امضيت وقتي هنا ( في المسجد) ...... اعتزلت الناس، الاعمال، الأهل، الأولاد، بل اعتزلت الدنيا باكملها .....

ويقول : انا ابكي الآن على أمل ان ابني حياة سعيدة، فبكائي مختلفٌ تماما عن بكائي في طفولتي... هناك كنت أسعى لبناء حياة فانية تنتهي مع موتي.... اما الآن فأنا ابكي لعل الله يرحمني ويوفقني لبناء حياة حقيقية، هناك... في الجنة .... حيث السعادة التي لا تنتهي ، والنعيم الذي لا ينقطع.....

وفي آخر دقائق طلبت منه نصيحة لي وللشباب في عمري فقال : اما انا فامضيت خمسين عاما من عمري في الهلاك والدرك ..... وأما انت يا ولدي فأنت الآن تمُر بمرحلة من مراحل عمرك هي الأفضل، والاجمل، إنها مرحلة الشباب .... فأدركها يرعاك الله ولا تفرط فيها ، فوالله انك لمسؤل عنها يوم القيامة، يا ولدي اريد ان تكون اجابتك لله عز وجل اجمل من إجابتي .... انا ساقول اني افنيت عمريفي اللهو واللعب والغرق في المعاصي والمحرمات .... اما انت فلديك وقت ان تعمل فيه لكي تقول لله عزوجل يا رب اني أطعتك واتبعت رسولك ، واحللت الحلال وحرمت الحرام فارحمني....
يا ولدي اني الآن اتحسر ندما لأَنِّي لم احفظ شئ من القرآن، يا ولدي ليت عمري يعود بي فسأعمل ، وأحفظ القرآن، وأتعلم، وأصلي، وأصوم، ووو

وهكذا انتهت قصتي مع هذا الكهل .... ارجوا من الله عز وجل ان ينفعنا واياكم بها

والحمد لله رب العالمين

محمد الصوفي