المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هياط رواد الأعمال الجدد.. من السبب؟


rasha retage
19-04-2015, 06:14 AM
نحتاج إلى تعريف معنى كلمة "هياط"، فهي كلمة متداولة في السعودية، ومعناها في اللغة (الصياح والجلبة)، أما المعنى الدلالي المستخدم في لغة الشارع فهو (التباهي أو الاستعراض) أو (التباهي بشدة دون أساس). مثلاً: لو تباهى شخص بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة "كامبريدج" وهو فعلاً من عمل عليها وتعب، فهنا يحق له التباهي بها، أما إن كانت الجامعة غير معروفة أو الكل يعلم بأنه حصل عليها بغير مجهود وقام بالتنظير على الناس والتباهي بمجال شهادته، فيمكن تسميته "مهايطي". وكذلك الحال بالنسبة إلى من استعرض بمعرفته لمهارة محددة، مثلاً من "يهايط" بين أصدقائه بأنه يستطيع عمل أفضل لحم مشوي وعندما حان وقت الرحلة وأسند إليه واجب الشواء، تجده قد أحرق اللحم وتعشَّى أصحابه (صامولي مع جبن كاسات).

ما دخل ذلك في ريادة الأعمال؟
في نهايات عام 2013 وحتى نهاية عام 2014، سمعت هذه الكلمة كثيرًا في أوساط عالم ريادة الأعمال، فالمستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال يصفون رواد الأعمال (بالمهايطية) ورواد الأعمال يصفون المستثمرين (بالمهايطية)، بل إن الجهات التي من شأنها أن تنظم وتعرف الناس بهذا العالم تجدها تصف كلاً من المستثمرين ورواد الأعمال (بالمهايطية)، وبطبيعة الحال يصف كل من المستثمرين ورواد الأعمال هذه الجهات (بالمهايطية)، ولعل الجميع يصف البيئة والمجتمع (بالمهايطي) لعدم دعمه للمبادرات والأفكار المحلية.

هل دخت؟ نعم هي حلقة متكاملة الكل يصف الكل (بالمهايطي). وهناك أسباب كثيرة تبرر صحة ذلك من وجهة نظر كل طرف، وهنا أود أن أعرض بعضها على عجل لمعرفة العلاقة بين الأطراف (مستثمرين – رواد أعمال – مجتمع – جهات منظمة – إعلام):

أولاً: التوقعات. الكل لديه توقعات مسبقة من الأطراف الأخرى ويفاجأ بعدم توفرها، وبهذا تجده يصطدم بالواقع فيخيب أمله. مثلاً: رواد الأعمال يتوقعون من الجهات المنظمة أن توفر لهم كل شيء، وأن تقف بصفهم لمجرد أن لديهم فكرة عبقرية. بل إن على المستثمرين أن يدعموهم بشكل مفتوح دون حساب لكل أفكارهم، وعلى أهاليهم وأقاربهم أن يدعموهم بقراراتهم. والمستثمرون يتوقعون أنهم بمجرد أن يعرضوا بضعة آلاف من أموالهم فيجب أن يتملكوا رائد الأعمال، أو تقدم لهم الجهات المنظمة ميزات إضافية. وهذه الجهات تعتقد أنها بمجرد توفير مقر أو دعمها لمؤتمر فإنها ستغير واقع الحال وسيشكرها الجميع.
ثانيًا: التقصير وحداثة المفهوم. هل كل الأطراف مقصرة؟ نعم. إن كان الجميع يعرف بأن الجميع مقصر، فلمِ لا يمكن حل الموضوع؟ السبب ببساطة أن مفهوم ريادة الأعمال مفهوم جديد لا يتعدى عمره بضع سنوات في مجتمع ما زال يعتقد بأن الوظيفة الحكومية هي كل شيء مهما كان راتبها متواضعًا. والمستثمر يعتقد بأن 60 ألف ريال بإمكانها أن تفتح مشروعًا رياديًا كما فعل أسلافه بالسابق عندما فتحوا مغسلة ملابس أو بقالة أو حلاقة. ورائد الأعمال يسمع عن استحواذات بمليارات الدولارات لشركات لم يتعدَّ عمرها السنة الواحدة، وتضم عشرة مبرمجين فقط. والجهات المنظمة ما زالت تعيش في عصر البيروقراطية وتتصادم مع التنظيمات التي تجبرها أن تبقى مكتوفة الأيدي.
ثالثًا: الإعلام. هناك واجب كبير على الإعلام في إبراز كل التجارب الناجحة ونشر ثقافة ريادة الأعمال، بل ويجب أن يكون طرفًا خامسًا في هذه المعادلة. ولكن بما أن الإعلام السائد والتقليدي هزيلان، والإعلام الجديد أصبح أكثر تأثيرًا، فلربما لم ير البعض أهميته. ولكن هذا الطرف ما زالت لديه قوة تأثيرية على شرائح في المجتمع غير موجودة في الإعلام الجديد، ولربما هو الجيل السابق الذي بيده صناعة القرار والبدء في تقبل التغيير وعدم مقاومته. ولذا فإنه من الواجب على الإعلام الالتفات بشكل صحيح وغير مكرر وذكي ليكون طرفًا في هذه المعادلة.
رابعًا: الشهرة والتقديس. هذه النقطة تعتمد بشكل كبير على النقطة السابقة، ألا وهي أن المجتمع وبشكل تلقائي يبدأ في تقديس كل مشهور. وأقصد بالتقديس هنا أن هذا الشخص المشهور عندما يتم المبالغة في عرضه، يصبح أمام الناس الشخص الذي لا يخطئ وعليه أن يعرف كل شيء عن كل شيء، وفي أول غلطة يخيب آمال الناس، وتصبح هناك ردة فعل مبالغة ضده وضد كل مبادئه ومفاهيمه، فالمجتمع بالغ في التقبل وردة الفعل لأن الإعلام بالغ في العرض، والضحية الجميع.

لذا، وفي المحصلة النهائية، فإن حداثة مفهوم ريادة الأعمال، واستعجال الجميع في الحصول على نتيجة، وقلة النماذج الناجحة، وتصادم الجميع في هذا الوقت طبيعي حتى يصبح هناك نضوج لدى كل الأطراف. ولكن ما هو ليس بطبيعي هو استسلام الجميع. فلقد سمعنا أسفًا عن إغلاق شركة كبيرة كانت تستثمر في عدد كبير من الشركات الناشئة، وسمعنا عن بضعة مشاريع ريادية توقفت وتحول أصحابها إلى موظفين، وشاهدت مستثمرين خرجوا للبحث عن فرص بالخارج، وعندما قابلت أحدهم في أحد المؤتمرات خارج المملكة وقلت له لماذا تبحث في الخارج ولديك الكثير في الداخل قال لي: أنتم يالشباب السعودي مهايطي. وشاهدنا جهات منظمة أصبح كل همها المشاركة الخارجية في المؤتمرات المتخصصة في هذا المجال، وهذا بالتأكيد أثر على وجودهم في الداخل، وأصبح كل همهم هو الهدايا التي ستوزع كجوائز لزوار المعرض. والإعلامي الكسول الذي لا يود أن يتعب نفسه في البحث عن نماذج جديدة يعود ويكرر عرض نفس النماذج بغلاف جديد، الكل بدأ يشعر بالاستياء منه عندما يقرأ تاريخ الصلاحية عليه.

هل الهياط صحي؟ مثال نشاهده دائمًا هو هياط الجيش الأمريكي منذ الحرب العالمية عندما قام بعرض إعلانات التجنيد وخلق أسطورة الجندي الذي لا يقهر، وما زالت مستمرة حتى الآن عبر أفلام "هوليوود" كون أمريكا هي المخلص من كل الكوارث الطبيعية والكونية، والتي تقف بالمرصاد لكل التهديدات حتى غزو الكائنات الفضائية للأرض، وأسطورة الجندي الأمريكي الذي يملك رخصة لقيادة أي آلة في أي مكان ويستطيع استعمال أي سلاح ويجيد كل فنون القتال. فهل نفع كل هذا؟ توقف قليلاً وفكر ما انطباعك الداخلي الصادق عن أمريكا والجيش الأمريكي.

هل الهياط صحي؟ نعم هو صحي وضروري، ولكن بشكل متوازن ومدروس من قِبل الجميع، وذلك لوقت محدود حتى يصبح هناك ثقافة عامة وبيئة متقبلة وأكثر نضوجًا، وعندها حتى لو كان هناك هياط فسيتم كشفه مباشرة وعدم التأثر به لأن الجميع متفهم.

في النهاية أتمنى أن يخفف الناس من وصف بعضهم بالمهايطية، بما أننا كلنا كذلك، ومن جهة أخرى أن يترك الجميع أعمالهم تتحدث عنهم، وعلى الجميع واجب نشر مفهوم الريادة في بيئته المحيطة.
بقلم: محمد بدوي
المصدر edara.com