المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخطاب الرسمي يغذّي الإرهاب


طين
20-04-2015, 11:52 AM
الخطاب الرسمي يغذّي الإرهاب






قال وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ في حوار مع صحيفة الصباح (في عددها الصادر يوم الثلاثاء 31 مارس 2015م) إنّ وزارته ستغلق 187 مسجدا، وأنّه قد "صدر بلاغ من الوزارة يمهل هذه المساجد لمدة معينة قصد تسوية وضعيتها وإلا سيتم اللجوء إلى غلقها.. وهذا الأجل سينتهي يوم 6 أفريل وإذا لم يقم صاحب المحل أو مالك البناء بتسوية هذا الملف وذلك بتقديم الجامع كهبة لوزارة الشؤون الدينية حتى يصبح الجامع تحت تصرّف الدولة ووزارة الشؤون الدينية والتي ستعمل هي على اختيار الإطار المسجدي المناسب.. اذا لم تقع هذه التسوية فانه سيقع غلق المساجد المخالفة لهذا التمشّي".وقالحول الاعتكاف: "لا سبيل للاعتكاف في المساجد من الآن وصاعدا..".وقال حول مسألة النقاب: "إذا تحوّل النقاب إلى خطر على المجتمع والى وسيلة يتخفّى بها الإرهابيون ومن يريدون شرّا بهذه البلاد فانه يجوز منعه.. فقد كشفت عمليات أمنية أن بعض الارهابيين يستغلون هذا الزي للتنقّل بحرية وبالتالي يتحوّل الأمر الى مصدر خطورة على أمن المجتمع وسلامته... ليس هناك حرج في منع النقاب لا شرعا ولا قانونا.. فالدين طلب ستر الجسد بلباس مقبول ومحترم ولم يفرض النقاب كما يعتقد البعض". وختم كلامه بقوله: "هذه الأرض هي أرض علم وتسامح ومحبة وانفتاح على كل الحضارات الإنسانية ووزارة الشؤون الدينية ودار الإفتاء والمجلس الإسلامي الأعلى سنكون جميعا سدّا منيعا لكل محاولات الاختراق وموجات التكفير..".

من الواضح أنّ وزارة الشؤون الدينية قرّرت إكراه الناس على التفويت في ممتلكاتهم من أجل بسط الدولة سيطرتها على المساجد؛ فالحلّ الذي قررته الوزارة كما جاء على لسان وزير الشؤون الدينية هو: "بتقديمالجامعكهبةلوزارةالشؤونالدينيةحتىيصبحالجامعت حتتصرّفالدولةووزارةالشؤونالدينية". وهذه الهبة التي يتحدث عنها الوزير هبة بالإكراه. والإكراه -كما في مجلة الالتزامات والعقود-: "إجبار أحد بغير حقّ على أن يعمل عملا لم يرتضه"، وهو من موجبات فسخ العقد إذا كان هو "السبب الملجئ للعقد". فهل يجوز شرعا وقانونا إكراه الناس على الهبة أي التفويت في ممتلكاتهم بدون عوض؟ وهل يعتبر هذا العقد وفق الفقه المالكي الذي يزعم الوزير تمثيله من العقود الجائزة أم من العقود الباطلة؟

وأما الاعتكاف الذي قرّر الوزير منعه، فقد قال فيه ابن أبي زيد في الرسالة: "والاعتكافمننوافلالخير.والعكوف:الملازمة.ولااعتكافإ لابصيام،ولايكونإلامتتابعا،ولايكونإلافيالمساجدكماقا لاللهسبحانه وتعالى {ولا تُبَاشِروهُنّ وَأَنْتُمْعَاكِفُونَفِيالْمَسَاجِدِ}".ومعنى هذا، أنّ وزير الشؤون الدينية قرّر محاربة شعيرة من الشعائر الدينية التي لا تكون إلا في المسجد فمنع الناس من الاعتكاف بحجة محاربة التطرّف والتشدّد.

وأما النقاب فقد تهجّم عليه الوزير واعتبره غير إسلامي، وأفتى بمنعه إذا تحوّل "إلى خطر على المجتمع والى وسيلة يتخفّى بها الإرهابيون ومن يريدون شرّا بهذه البلاد"، وهذه الحجة هي عينها حجة الدول الغربية الكافرة التي منعت النقاب في بلادها كبلجيكا وفرنسا. وقد نسي الوزير أنّ الإرهابيين يعتمدون في تنفيذ عملياتهم على وسائل نقل كالسيارات، فلماذا لا يمنعها بحجة الأمن؟ ونسي أيضا أن بعض الإرهابيين يتنكرون بزي الشرطة أو العسكر، فلماذا لا يمنع هذا اللباس سدّا للذريعة؟

فهل يعقل أن يتكلم وزير الشؤون الدينية في بلد الزيتونة عن عدم إسلامية النقاب ويغض الطرف عن العري المتفشي في المجتمع؟ وهل يعقل أن يتكلم وزير الشؤون الدينية في بلد الزيتونة عن منع الاعتكاف في المساجد مع أنه من صميم الدين ومن مظاهر العبادة التي لا تكون إلا في المساجد؟

إنّ هذا الخطاب من وزارة الشؤون الدينية يمثّل الخطاب الرسمي للحكومة التونسية، وهو خطاب سطحي متعجرف يدلّ على عقلية لائكيةمتسلطة ديكتاتورية لا علاقة لها بالفقه الإسلامي عامة ولا بمذهب مالك خاصة. وهذا الخطاب الرسمي الجعظري الفظّ الغليظ المتكبّر هو من أسباب التشدّد والغلو والتطرّف؛ لأنه يتكلم بلسان علمنة الدين، ولأنه يستفزّ الناس ولا يعظهم أو يقنعهم. فكيف تريد الدولة أن تعالج الإرهاب بالإرهاب؟ وكيف تريد الدولة أن تعالج التطرّف بالتطرّف؟ وكيف تريد الدولة أن تعالج الجهل بالجهل؟

إنّخطاب الحركات الإسلامية المسلّحة الداعية إلى القتال والعنف أقدر على التأثير في الشباب المسلم من خطاب وزارة الشؤون الدينية؛ لأنه يلتزم في خطابه بمنهجية شرعية رغم ضعف أصولها ووهن قواعدها. فنحن اليوم نعيش في زمن ارتقى فيه الوعي الإسلامي وارتفعت فيه درجة الفهم الشرعي، فلم يعد الشباب المسلم يستجيب لخطاب سلطوي غير مؤسس على أصول شرعية وقواعد فقهية معتبرة، وهم بلا شكّ يفضّلون الأعمش أو الأعور على الأعمى. ولهذا نقول: إن الخطاب الرسمي بسطحيته وعجرفته هو الذي يغذي الإرهاب ويبرّره. وإذا كانت الحكومة تظنّ أنّها ستحارب الإرهاب بخطة بن علي وأدواته ورجاله وخطابه فعليها أن تعيد النظر من الآن في استراتيجيتها؛ لأنّها فاشلة.