المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا نجح زيد وفشل عمرو؟!


rasha retage
22-06-2015, 04:20 AM
يُحكى أن عمراً كان يشغل وظيفة هامة، وكان مثابراً على أداء عمله، وقد تميز بالصفات التالية: حبه للبحث والتفكير والتأمل الذهني، تقبله للنقد البناء وسعيه الدائم لتحسين وتطوير عمله، كما كانت لديه قناعات أساسية مبنية على الحقائق والبراهين كما يراها. ولوحظ أنه يتمتع بالحصانة ضد الإحباط ويستمر بمتابعة الإنجازات رغم انتقاد ومعارضة الآخرين، كما أنه لا يهتم كثيراً بالرسميات الاستعراضية والتنظيمية، ويسعى مثابراً وراء أفكاره حتى يتمكن من تنفيذها، ولكن رغم جديته الظاهرة فإنه يحب المواقف الكوميدية ويتمتع بروح مرحة، ويتجنب معارضة المتنفِّذين خوفاً من بطشهم، وإن كان يبدي أحياناً حماساً للمشروعات والأفكار الصائبة، ويظل قادراً على وضع الخطط ومتابعتها مع مراعاة الواقعية ودرجة التعقيد.

لقد قام مجبراً بتغيير مساره وأسلوب عمله عندما اقتضت الضرورة، ثم تبين أنه ليس ماهراً في العلاقات الإنسانية الواقعية، ولا يتمتع بشخصية جذابة اجتماعياً، وإن كان يتمتع بدرجة مقبولة من الذكاء العاطفي الحقيقي، والأسوأ أنه كان يميل إلى الاستقلال والعزلة أحياناً، منجذباً للحقائق كما ينجذب المسمار للمغناطيس! وفجأة تفاقم وضعه الوظيفي، فكثرت عليه الشكاوى، نظراً إلى نقطة ضعفه في مقته للنفاق والمجاملة، وعدم مراعاته للمحسوبية والواسطة، وعدم انضمامه لشلة متنفذة!

وهكذا فشل في أداء مهماته، وقررت اللجنة العليا الاستغناء عن خدماته، بعد أن عرضت عليه منصباً متواضعاً رفضه فوراً. وطلبت اللجنة الموقرة من زيد "الذي كان مستعداً دائماً" استلام العمل فوراً، فنجح الأخير نجاحاً باهراً، وذاعت شهرته في الأوساط الوظيفية القيادية، فهو دائماً ضاحك الوجه مبتسماً، يظهر غير ما يبطن، سلس المعاملة ولا يرفض طلباً، فهو "غير معقد" بالمفهوم الشعبي الدارج، يتقن المجاملة والنفاق إلى أبعد الحدود، يهتم كثيراً بالمحسوبية ويضع وزناً للشللية! فهو يراعي طلبات المتنفذين ويضعها في سلم الأولويات، لذا فقد قبل فوراً فكرة التعاون "التقني- الفني" مع مصنع "العدو"، نفس الفكرة التي كان عمرو يرفضها بإصرار ويعتبرها نوعاً من "هزيمة الذات"، حيث تبين لزيد أن "عمراً الخبيث" كان يتلف "مراسلات العدو" خلسة لكي يتجنب أية علاقة مشبوهة، ثم كوفئ زيدٌ مع مهندسين آخرين على تعاونه التقني السافر، وقبلوا دعوة لزيارة أرضهم المحتلة؛ تضمنت زيارة مصانع العدو، ووضع إكليل من الزهور واستنشاق البخور على ضريح "مجرم مشهور"!

وبعد الزيارة، قررت اللجنة العليا المبجلة رصد صفات زيد المميزة واعتمادها كمرجع قياسي، وكمعيار للنجاح "الوظيفي" في أداء العمل وتنفيذ التعليمات، وتوصلت بعد معاينة "مجهرية" للمزايا التالية: (زيد: متشكك لدرجة السخرية، وإن كان لا يظهر ذلك، يستمتع بنقد الآخرين بهدف السخرية منهم والتقليل من شأنهم، يسعى إلى جذب الانتباه بكل طريقة، ولا يخجل من السطو على أفكار الآخرين! عنيد مع أنه يشعر بالإحباط بسهولة عندما لا يحقق مراده، ولكنه ماهر في إخفاء انفعالاته وإحباطاته، يهتم بالاستعراض والرسميات، غير قادر على تجميع أفكاره حيث يقفز من فكرة إلى أخرى! متزمت في حقيقته، ويصطنع السخرية اللاذعة للإساءة إلى الآخرين! غير ديموقراطي في إدارته، ويعتبر أي معارضة لأفكاره تحدياً شخصياً له لتبرير الانتقام، يحب البقاء في دائرة الضوء، لافتاً الانتباه إلى أعماله ومنجزاته المحدودة، وساعياً إلى الشهرة المزيفة على الرغم من محدودية ذكائه وضعف قدراته اللغوية، وهو مستعد دائماً لتغيير مساره ونهج أفكاره لركوب الموجة وتمييز نفسه وقدراته)!

لقد أثبت مهاراته في العلاقات الإنسانية الظاهرة، ويعرف تماماً كيف يستغل علاقاته لدعم مركزه وتعزيز إنجازاته، كما يفضل الموظفين المتزلفين ومحدودي القدرة! ثم تغيرت الإدارة، وجاءت إدارة جديدة تحكمها روح التغيير، فقررت فتح الملفات ودراسة الحالة وتحديد أسباب الفساد المستشري في المؤسسة، فشكلت لجنة لدراسة الأسباب التي أدت إلى نجاح زيد وفشل عمرو، ولتقصي أسباب "السمعة الحسنة" لعمرو التي كانت منتشرة في أوساط الموظفين البسطاء والمخلصين، وقامت اللجنة بالتقصي ودراسة الملفات والمشروعات، ومقابلة عدد كبير من العاملين، ثم احتدت المناقشات وساد الجدل وتبودلت الاتهامات، وأخيراً وبعد طول انتظار، وبعد أشهر من التحقيقات، ظهرت النتائج "الموضوعية"، حيث تم تلخيصها على النحو التالي: "لقد كان عمرو مبتكراً وفعالاً ومبدعاً ونزيهاً ووطنياً، وكان زيد مدعياً ومنافقاً ومتزلفاً وفاسداً"! وهكذا.. نصحت اللجنة إدارة المؤسسة الجديدة بالتحفظ وترك "الطابق مستوراً" والمحافظة على سرية نتائج التحقيق!

بقلم: مهنَّد النابلسي
Edara | Home page (http://edara.com/WeeklyArticles/one_won_and_one_lost.aspx)