المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكافحة الجريمة في الإسلام


الشيخ محمد الزعبي
05-01-2010, 05:17 PM
مكافحة الجريمة في الإسلام
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103)
قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي :( أيها الملكُ كنا قوماً أهلَ جاهليةٍ نَعبُدُ الأصنامَ و نأكلُ الميتةَ و نأتي الفواحشَ و نقطعُ الأرحامَ و نُسيءُ الجوارَ و يأكلُ القويُّ منّا الضعيفَ فكنَّا على ذلك حتى بعثَ اللهُ عزَّوجلَّ إلينا رسولاً منّا نَعرِفُ نَسبَهُ و صِدقَهُ و أمانتَهُ و عَفافَهُ فدعانا إلى الله لتوحيده و لنعبدَهُ و نخلعَ ما كنا نعبدُ نحنُ و آباؤنا من دونِهِ من الحجارةِ و الأوثانِ و أمرنا بصدقِ الحديثِ و أداءِ الأمانةِ و صلةِ الرحمِ و حُسْنِ الجوارِ و الكفِّ عن المحارمِ و الدماءِ و نَـهانا عن الفواحشِ و قولِ الزورِ و أكلِ مالِ اليتيمِ و قذفِ المحصنةِ و أن نعبدَ اللهَ لا نُشركَ به شيئاً و أمرنا بالصلاةِ و الزكاةِ و الصيامِ فصدقناه و آمنا به و اتبعناه على ما جاء به من عند الله فعبدنا الله وحده و لم نشرك به و حرمنا ما حرم علينا و أحللنا ما أحل لنا ) صحيح ابن خزيمة.
عندما نزل القرآن الكريم على العرب كانت الجريمة فيهم هي الأصل، فكانت الأوثان تعبد، والأرحام تقطع، والأموال تنهب، والأرواح تزهق، والغزوات على قدم وساق، ولعل أوجز ما يعبر عن حالهم هو قول شاعرهم وحكيمهم زهير ابن أبي سلمى :
ومن لا يذدْ عن حوضِهِ بسلاحِهِ يُهدمْ ومن لا يظلمِ الناسَ يُظلمِ
ولم يلبث نزول الوحي فيهم إلا ثلاثا وعشرين عاما حتى تغير حالهم من النقيض إلى النقيض، وأصبحت الجرائم فيهم استثناء بعد أن ظلت أصلا لمئات السنين، فتحولت العداوة إلى أخوة فاقت أخوة النسب، وتحول الانتقامُ إلى تسامحٍ، وانتشرَ الأمنُ في ربوعِهم حتى سارَ الواحدُ منهم من شرق الجزيرة إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها لا يخشى إلا اللهَ تعالى والذئبَ على غنمِهِ، وتحققَ فيهم قول القرآن الكريم : (واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) في حين أن القوانين الوضعية الحديثة التي يعتبرها أهلها أكثر القوانين إحكاما في مجال مكافحة الجريمة لم تنجح بعد فيما وضعت من أجله وهو مكافحة الجريمة بعد مرور أكثر من قرنين على تاريخ وضعها، وهذا باعتراف أهلها الأصليين.
منهجُ الإسلامِ في مكافحةِ الجريمةِ
الجريمةُ سلوكٌ شاذٌ، يُهددُ أمنَ الأفرادِ، واستقرارَ المجتمعاتِ، ويقوض أركانَ الدولِ، ولذلك اهتمت المجتمعاتُ قديماً وحديثاً بموضوعِ التصدي للجريمةِ ومكافحتِها، ولم يخلُ مجتمعٌ من آليةٍ ما لمكافحةِ الجريمة، وقد تطورت هذه الآلياتُ مع تطور المجتمعات، فبعد أن كانت مقصورةً على العقابِ وحْدَهُ، وصلت في الدولِ والمجتمعاتِ الحديثة إلى ثلاث، هي الوقايةُ-1- والإصلاحُ-2- والعقابُ-3-، وتكشفُ الإحصائياتُ الحديثةُ أن هذه الوسائل لم تحققْ ما هو مطلوبٌ منها، ولذلك انبرى الباحثون في علمي الإجرام والعقاب للبحث عن وسائلَ بديلةٍ، ولا يزالُ البحثُ ساريا. كما التأمت الجهودُ الدوليةُ حولَ مؤتمراتِ علمِ الإجرام التي تنظمُها هيئةُ الأممِ المتحدةِ بصورةٍ دوريةٍ .
وأنفقت بشأنِ ذلك أموالٌ طائلةٌ ولم يتغير شيءٌ في أرصدةِ الدولِ المشاركةِ من نِسبِ الجريمة، بل إن الجريمةَ في زيادةٍ مطردةٍ، وفي كلِ يومٍ يتخرج إلى المجتمع أو منه دفعاتٌ من المجرمين في مختلف صنوف الإجرام وأنواعِهِ مما يدُلُ على أن المناهج المتبعة في مكافحة الجريمة مُنيت بفشلٍ ذريعٍ, الأمرُ الذي يدعو إلى البحث عن مناهجَ بديلةِ إذا كانت هناك نيةٌ صادقةٌ لمكافحة الجريمة .
والإسلامُ باعتبارِهِ دينُ صلاحٍ وإصلاحٍ قد تصدى للظاهرة الإجرامية حتى أصبح وقوعُ جريمةٍ استثناءً من الأصل العام في الاستقامة، وكثيراً ما كان المجرمُ يسعى بنفسِهِ إلى إقامةِ الحدِ عليه أملا في تطهير نفسِهِ من الذنب الذي ارتكبه، وقد حدث ذلك كلُّهُ في مجتمعٍ كانت الجريمةُ فيه هي الأصل، خصوصاً جرائمُ القتلِ والسرقةِ والنهبِ والزنى، إلى جانبِ بقيةِ الجرائم الأخرى وإلى بعض ذلك يشير قوله تعالى : ( واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) (آل عمران:103)
وباستقراءِ نصوصِ الوحيِ المتعلقةِ بالموضوعِ والواردةِ في القرآنِ الكريمِ والسنةِ النبويةِ الشريفةِ، وبالتأملِ في أحداثِ السيرةِ النبويةِ وما صاحبها من أخبار، وما حكم به الخلفاءُ الراشدون، وما قاله بعضُ الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين – نجدُ أنَّ منهجَ الإسلامِ في مكافحةِ الجريمةِ يقومُ على أسلوبينِ رئيسيينِ، الأولُ هدفُهُ منعُ وقوعِ الجريمةِ أصلا، أما الثاني فهو يأتي بعد وقوعها وهدفُه منعُ تكرارِها سواءٌ من فاعلِها أو من غيرِهِ.
ويسمي علماءُ الإجرامِ المحدثون الأسلوبَ الأولَ وقايةً، والثاني يسمونه علاجاً أو عقاباً .
أولا : الأسلوب الوقائي :
يُشكلُ هذا الأسلوبُ سبقاً تشريعياً انفردَ بِهِ الإسلامُ على مدىً يَصلُ إلى أكثرَ من عشرةِ قرون، ولم يلتفت المشرعون الغربيون إلى هذا الأسلوب إلا في القرنين الأخيرين بعد دراساتٍ وبحوثٍ طويلةٍ يعودُ فيها الفضلُ إلى علماءِ الإجرامِ ومع ذلك فإن ما اقترحوه لا يزالُ عديمَ الفعاليةِ بدليلِ ما يُسجلُ من زياداتٍ مطردةٍ في نِسبِ الإجرام،
ويقوم هذا المنهج على المراحل التالية:
1-الإصلاح الذاتي :
فأولُ ما جاء به الإسلام هو تغيير النفوس من الداخل عن طريق الإقناع بالحجة والبرهان، فالقلب هو الذي بيده أمر الجوارح التي تقترف بها المعاصي وترتكب بها الجرائم، فإذا أمسك بزمام القلب فقد تم الإمساك أيضا بزمام الجوارح، لكن كيف تم للإسلام الإمساك بزمام القلوب ؟ .
لقد تم للإسلام ذلك عن طريق ربطه بالإيمان بالله تعالى لأن الإيمان عملية ضرورية و قوة خلاقة تَحملُ النَّاسَ على العملِ و الالتزامِ، و لم ينكر أحد هذا الدور للإيمان حتى الملحدون أنفسهم.
و لم يكن الإيمان الذي دعا إليه الإسلام مجردَ أقوالٍ أو أفكارٍ،بل ضَبطَهُ و حولَّهُ إلى حقيقةٍ واقعيةٍ عن طريقٍ العبادات، وهي أقوال وأفعال تصقل النفوس و تربيها حتى يكون تغيير القلب مصحوباً بتغير في الجوارح كلها، والمتأمل في أنواع العبادات وحسن ترتيبها وتنويعها يدرك هذه الحقيقة، فالصلاة مثلا وهي من أوائل وأهم العبادات المفروضة في الإسلام تتوزع على خمسة أوقات في اليوم وذلك يؤدي إلى المحافظة على تهذيب النفس وصفائها طوالَ اليوم، وقد كان لهذا التوزيعِ أثرٌ كبيرٌ في صرفِ الناسِ عن شرب الخمر قبل تحريمها نهائيا و ذلك عند نزول قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء:43) ،كما أن الصيام يعتبر مدرسة روحية لها الأثر الكبير في تهذيب النفوس و إماتة نوازع الشر فيها قبل أن تتحول إلى حقيقة واقعة و لذلك قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) وورد في الحديث الشريف عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائمٌ، مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)أخرجه البخاري إن أكثر الجرائم التي تقع من المسلمين اليوم تقع في العادة من أناس ضعيفي الإيمان، تاركي الصلاة والصيام، وهذا ما لاحظته بحق في المحيط الذي أعيش فيه، فما أحوج أولوا الأمر من المسلمين اليوم أن يهتموا بتقوية الإيمان و حمل الناس على الالتزام بالعبادات، لأن الجرائم تأتي في الحال الذي ينزل فيه الإيمان إلى أدنى درجاته، و لذلك ورد في الحديث : عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ، و لا يشرب الخمر حين يشرب و هو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق و هو مؤمن ، و لا ينتهب نُـهبةً يرفعُ الناسُ إليه أبصارَهم و هومؤمن ") .أخرجه البخاري و مسلم ، و غيرهما ، وبالمقارنة بين إحصائيات الجرائم في كل من أمريكا وروسيا ومصر والعربية السعودية لاحظت أن أدنى نسبة سجلت في السعودية ثُمَّ تليها مصر ثم أمريكا التي تُسرقُ فيها سيارةٌ كلَّ دقيقتين، وأعلى نسبةٍ سُجلت بروسيا، وهي نسب تتماشى مع مدى الالتزام الديني لا مع كثرة القوانين وكثرة رجال الشرطة وهذا الجانب على أهميته لا وجود له في التشريعات الوضعية الحديثة.
2 – واجب الأسرة :واجب الرجل نحوأهله وأولاده قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6) فينبغي على رب الأسرة أن يحافظ على أولادِهِ من أن يقعوا في النار كما يحافظ على صحتهم ومأكلهم ومشربهم وتعليمهم وهو مسؤول يوم القيامة قال الله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) (الصافات:24)
وقال النبي المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية ٌ وهي مسؤولة ٌ عن رعيتها والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته) متفق عليه. واجب الرجل والمرأة ومسؤليتهما عن تربية أولادهما واجب عظيم وكبير ,لأنَّ الأسرةَ إذا صلحت صلح المجتمع كلُّهُ وإذا فَسَدَت الأسرةُ فسدَ المجتمعُ كُلُّهُ.

3- واجب الأسرة الكبيرة (العاقلـــة ):
- واجب الجيران و الرفاق :5- واجب المجتمع :6- الدور التشريعي
ثانيا : الأسلوب العلاجي
1- حفظ النفس. 2-حفظ الدين. 3-حفظ العقل. 4-حفظ النسل. 5-حفظ المال.
والنظام العقابي في الإسلام استهدف حفظ هذه الكليات الخمس. فلحفظ النفس شرع القصاص. ولحفظ الدين شرع حد الردة. ولحفظ العقل شرع حد الخمر. ولحفظ النسل شرع حد الزنا. وللحفاظ على المال شرع حد السرقة. ولحماية هذه كلها شرع حد الحرابة. وبهذا يتبين أن الجرائم التي حددت لها الشريعة عقوبات ثابتة هي:
1– الاعتداء على النفس بالقتل أو الجرح.
2- الاعتداء على المال ( السرقة ).
3- الاعتداء على النسل أو الأسرة ( الزنا والقذف).
4- الاعتداء على العقل( تناول المسكرات ).
5- الاعتداء على الدين ( الردة ).
6- الاعتداء المنظم على الكليات مجتمعة ( الحرابة ).

حنين المغازي
18-01-2010, 11:59 PM
بارك الرحمن فيك شيخنا وأكثر الله لنا من امثالك يارب