المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قطوف من حياة علماء وشيوخ عرفتهم (1) فضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين


أحمد الجوهري عبد الجواد
27-08-2015, 01:19 PM
حضرتُ مرَّاتٍ عديدةً خطبًا ومحاضراتٍ لفضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين (1943م - 2002م) رحمه الله تعالى.. فرأيتُ رجلاً جميل الخَلق سَمح الخُلُق، هادِئ الطباع ساكن النَّفس، بسَّام المحيَّا رَصين العِلم، بادي الصلاح ظاهِر الوقار، ملتزمَ المنهج واضِح الأسلوب، بارِع الحوار مرتَّب الأفكار.
*
كان الشيخ صفوت نور الدين رحمه الله يتكلَّم في هدوء المتأمِّل في غير عَجز أو شيخوخة؛ بل يدفعه إلى ذلك الغَوص في أعماق الكلام، يستخرج لآلِئه ودُرَره، ويبرز الآيات والبيِّنات على ما يشير إليه من كنوز.
*
وكان الشيخ الكبير رحمه الله رحمةً واسعة آيةً في هذا المجال، وأشهد لقد سمعتُ منه في محاضراته كشرح "حديث أَصحاب الغار" وغيره فوائدَ وعبرًا، أنبهرُ لها إلى اليوم بشدَّة، وقد مرَّ على هذا الحدَث 15 سنة!
*
ومثل ذلك يستطيع المرء قولَه في سلسلته الشهيرة: "حفظ الله للدِّين"، وفي سائر إنتاج الرجل الثريِّ.
*
وُلد الشيخ محمد صفوت نور الدين أحمد مرسي في العشرين من شهر يونيو لعام 1943م بقرية الملايقة، مركز بلبيس، إحدى مراكز محافظة الشرقيَّة في مصر، ونَشأ في أسرة متديِّنة، وحفِظَ القرآنَ في صغره، رغم أنَّه لم يك أزهريًّا وقتها، وكذلك لم يَلتحق بالأزهر بعدها.
*
وقد كان عمُّه فضيلة الشيخ عبدالله أحمد مرسي من رجالات أنصار السنَّة المحمديَّة في ناحية بلبيس، ورائدَ الدَّعوة السلفيَّة فيها، وكذلك والده، وكان يترأَّس فرعَ جماعة أنصار السنة المحمديَّة بمدينة بلبيس فترةً، وكان يعمل بالتدريس وعُرف عنه الحزم والقيام على تربية الأجيال، فكان لهذا أثر في توجُّه الفتى "محمد" إلى فِكر الجماعة وهو في المرحلة الإعداديَّة.
*
وهناك لازَم دُعاتها وعلماءها واستفَاد منهم، ودرس العلومَ الشرعية على أيديهم؛ إذ يسَّر الله له من علمائها ودعاتها: فضيلةَ الشيخ محمد علي عبدالرحيم رئيس جمعيَّة أنصار السنة المحمديَّة، والعالِمَ الأزهري السلفيَّ الشهير الدكتور محمد خليل هرَّاس، صاحب الشروح المتميزة والتقييدات النَّافعة على كُتب شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وفضيلة الشيخ العلاَّمة عبدالرحمن الوكيل، صاحب البيان الرَّصين والعلم الرَّزين، وفضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي الذي تولَّى منصبَ نائب رئيس هيئة كِبار العلماء بالمملكة العربيَّة السعودية، إلى آخرين كُثُر من علماء أنصار السنَّة المبارَكين، إضافة إلى معاصرته الكبار أمثال الشيوخ: محمد حامد، وجميل غازي، وغيرهما.
*
وبهذا جمع "محمد صفوت" العلمَ الشرعيَّ والمدنيَّ معًا، فإلى جانب العلوم الشرعية التي حصَّلها على أيدي هؤلاء النَّفر الكرام، فقد مضى في دراسته المدنيَّة حتى وصل إلى كليَّة المعلمين، وحصل منها على شهادة البكالوريوس في العلوم والتربية في العام 1964م، واشتغل بهذا المؤهِّل في التدريس، وترقَّى في درجاته الوظيفية إلى أن أصبح "موجهًا أول" في تخصُّصه بوزارة التربية والتعليم المصرية.
*
جمع الشيخُ العِلمين لا كجمع عاديٍّ بل برَع فيهما، ولقَّح كلاًّ منهما بالآخر، فاجتمع لديه مزيج كان له أثر واضح في كتاباته التي زخرَت بها مجلَّة التوحيد في ثلاثة أبواب منها؛ "في الافتتاحية، وباب السنَّة، وباب الردِّ على أسئلة القرَّاء"، وكان للتدريس أثر في احتكاكه بالنشْء وتنمية خِبرته بطرائق التربية وإفادته حُسن التوجيه.
*
أذكر أنَّنا ونحن طلابٌ حزاوِرَة كنَّا نسمع إلى شيوخنا في القاهرة - أوائل ما وفدنا إليها طلابًا في جامعة الأزهر- فكنَّا نشهد - كثيرًا - الصراعَ الحامي بين بعضهم في مسائلَ مشتهرة، بعضها لا يزال يشغل الساحةَ إلى اليوم، فاتصلنا على فضيلة الشَّيخ رحمه الله في مكتبِه بمقرِّ جماعة أنصار السنَّة المحمديَّة نسأله النُّصحَ في ذلك، وكان الشيخ يستقبل زوَّاره ويجيب مستفتيه عبر الهاتف يوم الأحد والأربعاء على ما أذكر، فكان ردُّ الشيخ الكريم علينا تربيةً تركَت أثرها فيَّ إلى اليوم وما زالت تجد منِّي استجابة لها؛ إذ قال لي ولإخواني، وقد عرَّفناه بأنفسنا كطلاب في الجامعة الأزهرية، حريصين على تلقِّي العلم الشرعي على طريقة السَّلَف، وطرحنا بين يديه أسئلتَنا، فقال بعمقِ فِكره المعهود:
"لا يزال أهل العِلم يختلفون في مسائل بينهم أخذًا وردًّا، والطالب الذكيُّ هو من يَسمع لشيوخه أَجمع ويعير اهتمامَه إلى كلِّ مفيد يقولونه، وليس مِن بين هذا المفيد أن يشغل نفسَه بالقيل والقال، فوصيَّتي إليكم أن تَستفيدوا - في جانب العلم - من كلِّ مَن يتحدَّث فيه بدليلٍ وفهم أصيل، وأمَّا الصراعات الجانبيَّة في بعض المسائل التي تُعتبر مسائل فرعيَّة قد وقع في مثلها الخلاف بين العلماء قديمًا وسيظل، فلا تَنشغلوا بها ولا تضيعوا أوقاتكم فيها".
*
كانت كلمات الشَّيخ الكريم تنطبع في فؤادي وأنا أسمعها كحبَّات المطر التي صادفَت أرضًا هامدة فاهتزَّت وربَت.. والشيخ في مجال التربية صاحبُ باعٍ طويل يحتاج مَن يقف على تراثه ويستخرجه منه، ومن رسائله المعروفة: "التربية بين الأصالة والتجديد".
*
ولقد سعيتُ - يحملني الشوقُ - إلى لقاء العالِم الجليل في مكتبه بالمركز العام - قَوَلَة، عابدين - وأنا في مرحلة الجامعة مرَّتين؛ وشجعني على ذلك ما عُرف عن الشيخ رحمه الله و ما أراه من أدبه الجم، وتواضعِه الشديد، لكنِّي لم أوفَّق للقائه في كِلتيهما؛ بسبب سفره المتكرِّر في رحلاتٍ للدعوة في الخارج.. فقد امتدَّ نشاطه الدَّعوي المبارَك إلى خارج مصر مشاركًا في المؤتمرات والندوات وإلقاء المحاضرات في هولندا وكندا وبلجيكا وغيرها من مختلف أنحاء العالم، ثمَّ توَّج ذلك النشاط الدعويَّ بافتتاح فرعٍ لأنصار السنَّة المحمديَّة في أمريكا.
*
لقد كان "الشيخ صفوت" يهتم بقضايا ومشاكل المسلمين في الغَرب اهتمامًا بالغًا، إلى جوار اهتمامه بنشر الدَّعوة في ربوع مِصر، وآثارُه في كلِّ ناحية منها شاهدة؛ يقول أحد تلامذته ومرافقيه - في إحدى رحلاته إلى أمريكا - وهو الشيخ محمد حسان: "لقد كنتُ أرى الشيخَ يَحمل مجلَّة التوحيد ويوزِّعها بنفسه على المسلمين في الخارج؛ لشدَّة حِرصه على أن تصلهم دَعوة التوحيد الصافية النقيَّة"، وكانت همَّته في ذلك تُثير الإعجابَ وتدفع على الجدِّ والعمل، ولهذا يقول التلميذ الشيخ محمد حسان عن أستاذه الرَّاحل:
"واللهِ لقد كانت همَّتي تَعلو كلَّما جالستُ الشيخ وتتبعتُ أحوالَه، وكل طلاب الشيخ ومحبِّيه يعلمون يقينًا أنَّه كان لا يعرف الكلَل والملَل؛ فمن مسجدٍ إلى مسجد، ومن بيتٍ إلى بيت، ليحلَّ مشكلة أو يصلِح بين متخاصمين".
*
وقال عنه الدكتور علي السالوس: "كان لي شَرف الاشتراك مع الفقيد في لقاءاتٍ ومؤتمرات داخل مصر وخارجها في أمريكا، فكان نِعْم المحاضِر، ونِعْم المناقِش ونِعم المجادِل بالحقِّ والتي هي أحسن، في سَمْت العلماء وتواضعهم وهدوئهم يتحدَّث ويناقِش ويجادِل، لم أره مرَّة يَجترئ على الفتيا بغير عِلم؛ بل دائمًا يُسند أقوالَه بالأدلَّة المعتبرة مستمسكًا بالكتاب والسنَّة، وما رأيتُه مرَّة يغضب لنفسه".
*
إنَّ آخر مؤتمر كان قبل وفاته رحمه الله في نُصرة قضايا الإسلام برياسته هو المؤتمر الذي عُقد بالمركز الدولي لدُعاة التوحيد والسنَّة بمسجد العزيز بالله، وقد انتهَت أعماله قَبل سفره إلى السعودية بيومين تقريبًا، وكان شِعار المؤتمر (القدس).. ولعلَّ في كتابه: "المسجد الأقصى ودعوة الرُّسل" برهانًا ثانيًا على تَحرُّق الرجل الكبير على قضايا المسلمين.
*
لقد كان العالِم الكبير رحمه الله مثالاً في الجلَد على طريق الدعوة، والحرصِ على الوصول بها وبلاغها، نحسبه والله تعالى حسيبه، ولا نزكِّي على الله أحدًا.
*
ولئن فاتني لقاؤه في مكتبه مرَّتين إلاَّ أنِّي عوَّضتُ مكان ذلك في لقاءين - غير محاضراته وخطبه الجماهيريَّة - انفردتُ به فيهما، فسلَّمتُ عليه وطرحتُ بعضَ الأسئلة بين يديه واستمعتُ إلى أجوبة الرجل الحَكيم ومعها دعواته لي بالتوفيق في الحياة العِلميَّة والحياة العامَّة، ومع ذلك نُصحه المعهود بالخير ولزوم الاستقامة.. فوجدتُه كما عرفتُه بَاسِمَ الوَجه رحبَ الصدر، كثيرَ الودِّ ظاهرَ التواضع، ولمستُ شاهدًا على ما كنتُ سمعتُ من قول الشيخ لإخوانه: "إنَّ كلمة الرئيس العام ليست منصبًا علميًّا؛ وإنَّما هي ترتيب إداريٌّ لينتظم العمل بين أفراد الجماعة"، يريد بذلك أن يقول: نحن سواء، فلا تنظروا إلى المناصب والدَّرجات؛ وإنَّما ركِّزوا على العمل والإنجازات، ومِن ثَمَّ تطوَّرَت الدَّعوة في حياة العالِم الفاضل، وتوسَّعَت حتى شملَت أرجاء فسيحة وعددًا وفيرًا من قرى الأرض المصريَّة ومدنها.
*
ويقول عن ذلك الشيخ صالح السدلان: "الشيخ صفوت نور الدين سَابع رئيس لأنصار السنَّة المحمديَّة بمصر، ودامَت رئاسته لها ما يَزيد على عشرة أعوام، شهدَت الجماعةُ خلالها ازدهارًا غير مسبوق من التنظيم والعملِ المؤسَّس الناجِح، فساهَم مساهمةً فعَّالة في نَشر دعوة التوحيد في مصر والعالَم الإسلامي، وأَرسى قواعدَ الجماعة على المنهج السَّلَفي الصَّحيح منهجِ أهل السنَّة والجماعة في إطار ضوابط لم تتعارَض مع الحكومات ممَّا كَتب لدعوته الاستمرارَ والنجاح".
*
وبعد:
فحياةُ الشيخ مليئة بالعِظات والعِبَر، ولا تكفيها - أبدًا - هذه العُجالة للاستقصاء، لكن النَّصيحة الجديرة بالذِّكر والذِّكرى ما قاله الشيخُ نفسه - وكأنَّه يعني نفسَه -: "علينا أن نجتمع حول من بَقي من العلماء لطلَب علمهم، فلا نضيِّع أعمارَهم ثمَّ نبكي عليهم بعد موتهم، وعلينا أن نسألَ عمَّن ورثَ علمَ مَن مات منهم، ولا نظن أنَّ العِلم مجرد نصٍّ محفوظ في الكتب؛ فإنَّ أهل الكتاب لم تَنفعهم كتبُهم التي بين أيديهم، فقد حرَّفوا بعضَها وأهملوا بقيَّتَها، فلم يَبق لهم من الدِّين شيء، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
*
رحم الله فضيلةَ الشيخ محمد صفوت نور الدين مرسي رحمةً واسِعة، ذلك الرجل صاحِب الهمَّة العالية في الدَّعوة إلى الله، والذي اختارَ اللهُ لقاءه بعد صلاة الجمعة، والفراغ من العُمرة، في البلد الحرام، وصُلِّي عليه صلاة الجنازة بعد صلاة المغرب في الحرم الشريف، وكان ذلك في الثالث عشر من رجب 1423هـ.

احمدالطحان
17-10-2015, 10:40 PM
اسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جمال سعدو
27-10-2015, 07:32 AM
شركة نقل اثاث بالرياض0569383319شركة نقل اثاث بالرياض0569383319شركة نقل اثاث بالرياض0569383319شركة نقل اثاث بالرياض0569383319شركة نقل اثاث بالرياض0569383319

فارس البورصة
09-11-2015, 04:04 PM
مجهووود رائع