المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التغيير للأفضل


rasha retage
31-08-2015, 02:13 AM
التغيير للأفضل
أمثلة عملية على إخفاقات "التغيير" غير المدروس
لا يفضل أن يتم هذا التغيير بقرار فوقي، وإنما بمشاركة المعنيين في العملية بإبداء الرأي والمساهمة في مشروع التغيير، وعكس ذلك فقد يحدث استياء يؤدي إلى مقاومة التغيير، كما يفضل إعطاء المهلة الزمنية الكافية لإنضاج عملية التغيير وتقبل البدائل العملية، لأن الناس لا تحب المفاجآت في أنظمة العمل وأساليبه، ولا تتقبل ببساطة الوجوه والأشياء الجديدة، كما أنه من الحكمة اختيار السنة المناسبة والفترة المناسبة المفصلية والظروف الملائمة لإجراء التغيير، ويفضل كذلك أن تكون أهداف التغيير واضحة وأساسية ولا تتفرع عنها جهود جانبية تؤدي إلى تشتت الجهود والقدرات!

خلال العامين 1999، و2001 أشرفت على مشروع تغيير ودمج وخصخصة كبير، واخترنا لفريق العمل الطموح نحو 70 شخصاً من مختلف الإدارات والمواقع، وكان يتعلق بتأهيل الشركة المحلية "الكبيرة" للدخول بعملية دمج وخصخصة استراتيجية كبيرة مع مؤسسة عالمية كبرى، وعملنا ليلاً ونهاراً على إحداث تغييرات عملياتية وإدارية وتنظيمية كبرى في خمسة قطاعات أساسية هي العمليات والموارد البشرية والتسويق والمالية والمعلوماتية، كما بذل كل المشاركين أقصى جهدهم لتحقيق وتطبيق آفاق جديدة تسمح بانطلاقة المؤسسة الصناعية الكبرى لمواجهة تحديات المستقبل والتنافسية، ولإحداث المواءمة الاستراتيجية مع الشركة الفرنسية العالمية، كذلك فقد حقق المشروع خلال عامين نتائج ملموسة وغير مسبوقة، ممهداً لخصخصة الشركة المحلية ودمجها للانسجام مع كفاءة ومستوى وثقافة المؤسسة الجديدة، ولكن لم يقدر لكل توصيات مشروع التغيير الطموح أن تلقى الصدى العملي الموازي لقلة اهتمام بعض المديرين الكبار وتضارب الأجندات وضعف الجدية والتراخي بالتطبيقات الميدانية! كما أن غالبية العاملين شعروا بأن المشروع "مفروض عليهم" لأهداف وأجندات خفية، لذا عمل بعضهم لإجهاضه بسرية وخبث وبأسلوب باطني لئيم!

كثيراً ما يلجأ المسؤولون لإحداث التغيير والتطوير دون إعارة الاهتمام لثقافة العاملين وعاداتهم بالعمل، وحتى أحيانا دون أن تؤخذ "كرامة وأقدمية وكفاءة" الموظفين بالاعتبار، مما قد يؤدي إلى صدمات سيئة ذات رد فعل عكسي سلبي! ومن الحكمة هنا تبين أسلوب "لعب الأدوار"، بمعنى أن يتقمص القائد أو المدير شخصية وظروف العاملين بغرض تفهم الصعوبات والمعوقات والإحباطات التي قد يتعرضون لها وتنال من عزيمتهم، وعليه كذلك تجنب المفاجأة واعتماد الصراحة والشفافية بالتعامل مع الكادر الوظيفي.

لقد ثبت عالمياً وإنسانياً فشل أسلوب "الشعارات"، حتى أن عالم الجودة المرموق "ديمنغ" يقترح بصراحة "إلغاء الشعارات الموجهة إلى القوى العاملة"، ويحبذ بدلاً من ذلك جملة إجراءات فعالة منها: تأسيس منهجية فعالة للتدريب، إيجاد قيادات جديدة، إبعاد شبح الخوف من ثقافة المؤسسة، وخلق ثقة متبادلة مع الإدارة بجميع مستوياتها، إلغاء الحواجز وتشجيع الاتصال وتبادل المعلومات، ثم الاهتمام بتدريب الأفراد على أساليب العمل الجديدة والتحسين المستمر، كما ركز على أهمية إزالة العقبات التي تحرم الموظف والعامل من ملكية عمله والافتخار بإنجازاته، ثم تشجيع جميع العاملين على تلقي المعارف المهنية المتخصصة وتطوير قدراتهم الحرفية والمعرفية. وأستطيع أن أجزم بأن معظم سياسات التطوير والتغيير في عديد من مؤسساتنا العربية ما زالت ذات طابع شكلي استعراضي، وربما فردي-ارتجالي وبيروقراطي، وبعيدة عن الالتزام بخطط عملية لإدارة المشاريع وبخاصة في مجال الارتقاء بمستوى المهارات البشرية وتحقيق أهداف مشاريع التغيير!

يعتبر التغيير والتطوير الإداري تحدياً كبيراً لقدراتنا ومثابرتنا، فهو يتطلب تعاملاً مباشراً مع المتغيرات المختلفة، ويتعارض ذلك تلقائياً مع التهرب والتعالي والسعي المحموم لقطف ثمار النجاح قبل نضجها، كما يتطلب نفساً طويلاً وصبراً ومتابعةً حثيثةً، وكذلك قدرة متميزة على الإقناع، ولا ينسجم أبداً مع فرض الرأي والتعنت والتشنج، كذلك هنا تظهر الحاجة الماسة إلى المرونة بحيث تتلاءم الاقتراحات مع ظروف وقدرات العاملين واستعدادهم الوظيفي والنفسي لتقبل التغيير وتطبيقه بفاعلية، ويتطلب ذلك قدرة على إحداث تغيير إيجابي بناء في المناخ الوظيفي-الاجتماعي تسوده المودة والتعاون والانفتاح والمشاركة، بدلاً من التزمت والهيمنة والبيروقراطية والتظاهر والانغلاق على الذات.

وأسوق هنا أخيراً قصة عملية تعبر تماماً عن كل نصوص هذه الفقرة الأخيرة وبلا تعليق: فقد عملت في العام 2008 بمشروع إدارة تغيير كبير يتعلق بتطبيقات استراتيجية جديدة لإحدى المؤسسات الحكومية الكبرى، ومن ملاحظاتي الأولية لأجواء العمل ونفسيات العاملين المعنيين وأسلوب الإنجاز "الورقي" الصارم من قبل المستشار الأجنبي، فقد لاحظت فتوراً خفياً بالإقبال على برامج التدريب المتخصصة، وراهنت مدير المشروع اليوناني بأن هذا المشروع الاستراتيجي لن يرى النور حقيقة قبل ثلاث أو أربع سنوات على الأقل، فيما سخر هو بحدة من ادعائي وتشاؤمي، مؤكداً أن المشروع سيرى النور بعد عام ونصف على الأكثر! ونجح رهاني أخيراً عندما قرأت بالصحف المحلية أن المشروع قد أنجز جزئياً في العام 2013، أي بعد خمسة أعوام من إطلاقه، وما زال يعاني من ضعف التطبيق حتى الآن!
Edara | Home page (http://edara.com/WeeklyArticles/change-for-the-better.aspx)