المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لعبة الاختيار بين القط والفار


rasha retage
10-11-2015, 03:35 AM
في كتابها الرائع "فن الاختيار" تروي الدكتورة "شينا آينجر" موقفًا ليس طريفًا، لكنه يشبه مسابقة شركة الاتصالات الأردنية "أورانج" التي تبيعك "البرتقال" ثم تغريك بالتفاح. دخلت السيدة "آينجر" مطعمًا يابانيًا وطلبت شايًا أخضر، فقدم لها خاليًا من السكر، وحينما طلبت إضافة السكر أجابها النادل "لا يجب أن نضيف السكر إلى الشاي الأخضر"، فردت قائلة: "أنا من سيشرب الشاي وليس أنتم". وحينها جاء مدير المطعم معتذرًا بأنه لا يوجد سكر. ولأنها صدقت المدير طلبت فنجانًا من القهوة، وإذا بالنادل يحضر القهوة وفي طبقها قطعتان من السكر. فمدير المطعم الياباني يظن بأن مخالفة التقاليد أسوأ من الكذب؛ فبما أن اليابانيين يشربون الشاي الأخضر دون إضافات، فليس من حق غيرهم أن يشربوه حلوًا.

وكذلك شركات الاتصالات تظن أنها لا تكذب، بل تتجمل على "حساب الزبائن". فقد طرحت شركة "أورانج" ذات الأصول الفرنسية مسابقة سيارات المرسيدس فتحولت إلى شركة مسابقات، مدعومة بقوانين غير منطقية لتقتنص ما تريد من فلوس المساكين، الذين يظنون أنفسهم أحرارًا في اختياراتهم.

المفروض أن رسالة أية شركة اتصالات هي أن تلعب دورًا مميزًا في قطاع الاتصالات وخدمات الإنترنت وتراسل المعلومات لتنهض بخدماتها وتضيف قيمة لعملائها؛ لا أن تلعب مع عملائها القمار كما يلعب القط بالفار، حين يظن العملاء أنهم يختارون ما يريدون. قلة من الناس يقيمون اختياراتهم على أسس منطقية أو عقلانية، مما يجعل هذه المسابقات نوعًا من التلاعب بعواطف وحاجات الناس، واستغلالاً لأحلام اليقظة التي سرعان ما تتحول إلى كوابيس.

المشكلة في هذه المسابقات هي أسئلتها الساذجة، فهي لا تختلف عن السؤال الأول الذي كان يطرحه "جورج قرداحي" في بداية كل حلقة من برنامج "من سيربح المليون": "شيء كبير ومكور، من الخارج أخضر ومن الداخل أحمر، وفيه بزر كثير: هل هو بطيخ أم طبيخ؟" فهل هذه هي المسؤولية الاجتماعية؟ وهل هذه هي الأسئلة التي ستبني مجتمعًا مسؤولاً وتعزز مكانة شركة عالمية؟

الأخطر من ذلك أن الشركة لا تفصح عن عدد الأسئلة ولا عن عدد المشاركين في المسابقة، ولا عن عدد الإجابات أو الموعد الدقيق لإعلان اسم الفائز، ولا عن العدد النهائي لآلاف النقاط التي يجب أن تحصل عليها لتدخل السحب. ولست أعرف الوصف القانوني لهكذا التزام، ولكني أعرف أن أبسط شروط التعاقد واللعب وحتى المقامرة هي أن تكون القواعد واضحة للطرفين: من يدير اللعبة ومن يختار الدخول فيها. لكن "أورانج" تغري المتسابقين بأساليب نفسية خفية فيواصلون المراهنة على السراب في سلسلة محكمة من الرسائل المثيرة، مستثيرة مشاعرهم بالفوز وحاجتهم إلى إثبات وجودهم الإلكتروني على حافة الأوهام التي تداعب ضعفهم الإنساني وأضغاث أحلامهم المتواضعة.

ربما تحصل شركات الاتصالات على تراخيص حكومية تخولها التلاعب بالعملاء، فيتراءى لإدارتها التسويقية أن ما تفعله شرعي، لأنه سيحقق لها الملايين في بضعة أيام. ولكن ألف باء التسويق وفلسفة الأخلاق والتربية تضع الأخلاق فوق القانون في سلم القيم الإنسانية والمسؤولية المجتمعية. فلا يوجد فرد أو فريق أو مؤسسة أو مجتمع وضع القانون والسلطة والمال فوق الحرية والحق والجمال، وتحقق له الصمود والخلود.

تدير شركة "أورانج" في الأردن أكثر من مليوني عميل، ولي صديق جمع 200 ألف نقطة وما زال في قائمة الـ 2% من المتسابقين. وقد أجريت عملية حسابية بسيطة مفترضًا أن 10% فقط من العملاء يلعبون لعبة المرسيدس، فوجدت أنهم يدفعون في الأسبوع حوالي 30 مليون دولار. فإذا ما استمرت اللعبة شهرين فهذا يعني أن الشركة ستحصل على أكثر من 200 مليون دولار لكي تعلمنا أن المقبلات التي يأكلها الأردنيون في رمضان ليست المنسف (خيار رقم 1) بل هي السمبوسك (خيار رقم 2). وكل هذا يحدث باسم القانون وفي عصر حقوق المواطنين والمستهلكين. ولهذا، فسواء اخترنا تفاحة شركة الاتصالات أو برتقالتها المغرية، ففي الأولى سنخرج من الجنة، وفي الثانية سندخل النار.

نسيم الصمادي
Edara | Home page (http://edara.com/WeeklyArticles/Orange-Game-of-No-Choice.aspx)