المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مبادئ المعاملات والأداب من القرآن العظيم - سلسلة متجددة


Saber Abbas
27-02-2010, 06:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا وحبيبنا سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم.
نعيش في هذا البحث إن شاء الله تعالى مع أعظم دستور للمعاملات عرفه الإنسان . حيث الأداب الربانية الرفيعة والأخلاق التي إن طبقناها لأصبحنا خير أمة أخرجت للناس.
ويعتمد هذا البحث على كتاب الله ( القرآن العظيم ) والأحاديث الصحيحة التي وردت في كتب الصحاح كالبخاري ومسلم . والمراجع العلمية التي أهتمت بهذا الجانب وهي كثيرة .
. والله الموفق إلى صالح الأعمال.

الجزء الأول

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ -1 الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -2 الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ -3 مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ -4 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ -5 اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ -6 صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ-7

****

نلاحظ هنا كيف بدأ القرآن العظيم بصفة الرحمة لله عز وجل ليدلك أن الإسلام كله رحمة .
قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ -107 الأنبياء

الرحمن الرحيم

الاسمان مشتقان من الرحمة , الرحمة التامة وهي إفاضة الخير على العباد.
والرحمة العامة تعم جميع الخلائق , فإن رحمة الله تامة عامة
ومن رحمة تعالى أن أنعم علينا بالإيجاد ثم بالهداية للإيمان
ثم بأسباب السعادة في الدنيا ثم السعادة في الأخرة
قال رسول الله :
إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق : إن رحمتي سبقت غضبي ، فهو مكتوب عنده فوق العرش .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 7554
خلاصة الدرجة: صحيح

وقال رسول الله :
إن لله مائة رحمة . أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام . فبها يتعاطفون . وبها يتراحمون . وبها تعطف الوحش على ولدها . وأخر الله تسعا وتسعين رحمة . يرحم بها عباده يوم القيامة
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2752
خلاصة الدرجة: صحيح

وقال رسول الله :
الراحمون يرحمهم الله ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: ابن دقيق العيد - المصدر: الاقتراح - الصفحة أو الرقم: 127
خلاصة الدرجة: صحيح
فيجب أن نتخلق بهذا الخلق ألا وهو الرحمة , فالراحمون يرحمهم الرحمن .

*****
خلق الاستقامة

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

ندرك من الآية مدى قيمة الاستقامة على طريق الحق , فالطريق المستقيم هو أقرب الطرق الى الهدف أما الطرق المعوجة فلا تؤدي إلى شئ إلا الهلاك - والطريق المستقيم هو طريق المؤمنين الذين أنعم الله عليهم في الدنيا والاخرة

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ.

*****

ومع أنوار سورة البقرة نلاحظ فضيلة التقوى من أولها , وكيف تؤدي التقوى بصاحبها إلى الفلاح في الدنيا والجنات في الاخرة , فالتقوى هي خوف من الله تعالى في القلب ينعكس على كل جوارح الإنسان فيكون عبدا ربانيا , لايعصي الله ولا يعصي رسول الله
قال تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم -1 ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ -2 الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ -3 وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ -4 أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ-5

أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة, المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم, والحق المبين.
والهدى: ما تحصل به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة.
والتقوى اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه, بامتثال أوامره, واجتناب النواهي, فاهتدوا به, وانتفعوا غاية الانتفاع.
والهداية نوعان: هداية البيان, وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان,

فإقامة الصلاة, إقامتها ظاهرا, بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها, وهو حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ – 45 العنكبوت
وكثيرا ما يجمع الله تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن, لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق،
فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول, فلا يفرقون بين أحد منهم.
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وحصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم,

وفي نهاية الربع الأول بشرى للمؤمنين الذين يعملون الصالحات , بكل ما تعنيه كلمة الإصلاح , سواء للدنيا أو للآخرة.
قال تعالى:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - 25

****
وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

أفراح الأمة
27-02-2010, 07:30 AM
جزاااااااك الله الف خير
ما شاء الله
فكرة جميلة
ومتابعين معك ان شا ء الله في هذه الدروس

بارك الله فيك
وجعله في ميزان حسناتك
زفتح لك من ايواب الخييييير

Saber Abbas
27-02-2010, 02:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثانى

وبعض آيات من سورة البقرة

وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 148

فالخلق الذي ينبهنا اليه ربنا في الآية السابق هو الهمة وبذل الجهد والمنافسة الشريفة في عمل الخيرات, والخيرات كثيرة لا تعد ولكن حسبنا ان نقول أنها تشمل الخيرات التي تقربنا من الله تعالى سواء كانت للدنيا كاتقان العمل أو للآخرة بالصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد والبر بجميع اشكاله وألوانه.

*****
ومن الأخلاق التي وردت في هذا الجزء خلق الصبر .

قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ - 153
فالصبر هو: حبس النفس وكفها عما تكره, فهو ثلاثة أقسام:
صبرها على طاعة الله حتى تؤديها,
وعن معصية الله حتى تتركها,
وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها،
فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر, فلا سبيل لغير الصابر, أن يدرك مطلوبه، خصوصا الطاعات الشاقة المستمرة, فإنها مفتقرة أشد الافتقار, إلى تحمل الصبر, وتجرع المرارة الشاقة، فإذا لازم صاحبها الصبر, فاز بالنجاح,
فلهذا أمر الله تعالى به, وأخبر أنه ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ أي: مع من كان الصبر لهم خلقا, وصفة, وملكة بمعونته وتوفيقه, وتسديده، فهانت عليهم بذلك, المشاق والمكاره, وسهل عليهم كل عظيم, وزالت عنهم كل صعوبة، وهذه معية خاصة, تقتضي محبته ومعونته, ونصره وقربه, وهذه منقبة عظيمة للصابرين، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله, لكفى بها فضلا وشرفا،
وأما المعية العامة, فهي معية العلم والقدرة, كما في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ وهذه عامة للخلق.

وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة لأن الصلاة هي عماد الدين, ونور المؤمنين, وهي الصلة بين العبد وبين ربه، فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة, مجتمعا فيها ما يلزم فيها, وما يسن, وحصل فيها حضور القلب, الذي هو لبها فصار العبد إذا دخل فيها, استشعر دخوله على ربه, ووقوفه بين يديه, موقف العبد الخادم المتأدب, مستحضرا لكل ما يقوله وما يفعله, مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه لا جرم أن هذه الصلاة, من أكبر المعونة على جميع الأمور فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولأن هذا الحضور الذي يكون في الصلاة, يوجب للعبد في قلبه, وصفا, وداعيا يدعوه إلى امتثال أوامر ربه, واجتناب نواهيه، هذه هي الصلاة التي أمر الله أن نستعين بها على كل شيء.

وقال تعالى بعدها :
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ -155 الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ -156 أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون -157

******

وجاءت في الجزء الثاني آيات الصيام وذلك لان مدرسة الصيام هي التي تخرج المتقين على أكمل وجه.

قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ -183

فالتقوى خلق عظيم يلزمه تدريبات عظيمة , والصيام مجال كبير لترسيخ هذا الخلق.
فالتقوى معناها الخوف من الله لكي لا ارتكب الآثام , والخوف في القلب ينعكس على جوارح الإنسان فلا ترى منه غش أو غدر أو خيانة لأنه يخاف يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار.

فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب ونحوها, التي تميل إليها نفسه, متقربا بذلك إلى الله, راجيا بتركها, ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى, فيترك ما تهوى نفسه, مع قدرته عليه, لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان, فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم, فبالصيام, يضعف نفوذه, وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب, تكثر طاعته, والطاعات من خصال التقوى.

******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

ياسر ابوزيد
27-02-2010, 05:19 PM
جزاكم الله خيرا

Saber Abbas
27-02-2010, 10:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثالث
وبعض آيات من سورة البقرة

لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ -256 اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - 257

نعيش اليوم مع مبدأ الحرية , وعلى قمتها الحرية الدينية .
هذا المبدأ قرره الإسلام قبل أن تعرف البشرية ما يسمى بحقوق الإنسان.
فالحرية هي أساس نهضة الأمم وتقدمها , فبقدر حرية الأفراد بقدر قوة دولتهم . ولا خوف من الحرية إن كان القانون يطبق على الصغير والكبير, الغني والفقير.

يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه لا يكون إلا على أمر خفية أعلامه، غامضة أثاره، أو أمر في غاية الكراهة للنفوس، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول، وظهرت طرقه، وتبين أمره، وعرف الرشد من الغي، فالموفق إذا نظر أدنى نظر إليه آثره واختاره،
والمكره ليس إيمانه صحيحا،

﴿الله ولي الذين آمنوا﴾ وهذا يشمل ولايتهم لربهم، بأن تولوه فلا يبغون عنه بدلا ولا يشركون به أحدا، قد اتخذوه حبيبا ووليا، ووالوا أولياءه وعادوا أعداءه، فتولاهم بلطفه ومنَّ عليهم بإحسانه، فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم، وكان جزاؤهم على هذا أن سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور.

وبهذا السلوك الواضح المعالم كانت معاملات سلفنا الصالح الذين فتحوا البلاد لتحرير البشرية من عبادة العباد إلى عبادة الخالق جل وعلى.
فانظروا كيف كانت قوتهم المستمدة من الحرية التي أعطاها لهم الله تعالى بإيمانهم . فإذا أردنا أن تكون لنا عزة وكرامة وسيادة في هذا العالم , يجب أن نرسخ مبدأ الحرية , التي كرمنا الله بها .
******

المعاملات المالية
أدب التعامل سواء بالقول أو الفعل

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ -262 قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ -263
أي: الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله وسبيله، ولا يتبعونها بما ينقصها ويفسدها من المن بها على المنفق عليه بالقلب أو باللسان ,ولا أذية له قولية أو فعلية، فهؤلاء لهم أجرهم اللائق بهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فحصل لهم الخير واندفع عنهم الشر لأنهم عملوا عملا خالصا لله سالما من المفسدات.

﴿قول معروف﴾ أي: تعرفه القلوب ولا تنكره، ويدخل في ذلك كل قول كريم فيه إدخال السرور على قلب المسلم، ويدخل فيه رد السائل بالقول الجميل والدعاء له ﴿ومغفرة﴾ لمن أساء إليك بترك مؤاخذته والعفو عنه، ويدخل فيه العفو عما يصدر من السائل مما لا ينبغي، فالقول المعروف والمغفرة خير من الصدقة التي يتبعها أذى، لأن القول المعروف إحسان قولي، والمغفرة إحسان أيضا بترك المؤاخذة، وكلاهما إحسان , فهما أفضل من الإحسان بالصدقة التي يتبعها أذى بمنّ أو غيره،

أنظر أخي المسلم وينظر العالم معنا إلى مستوى الأخلاق في الإسلام ,

******

إن الإسلام يعتبر المال وسيلة للتعامل وليس سلعة في حد ذاته
ولو تحول المال إلى سلعة فسوف يحقق ربحا مؤقتا لفئة من الناس . ولكنه سيعود بالأزمات المالية والفقر على قطاعات كبيرة من المجتمع .
ولعل ما نلاحظه في هذه الأيام من إنهيار الإقتصاد لدول عديدة
من جراء ذلك المفهوم الخاطئ في التعاملات المالية .

وفي ظل الإنفاق تظهر لنا صورتين لنوعين من البشر
النوع الأول أناس ينفقون أموالهم ليلا ونهارا سرا وعلانية مما أنعم الله عليهم من ثروات , وتكون النتيجة زيادة تلك الثروات في الدنيا.. وفي الأخرة النعيم المقيم.
النوع الثاني أناس يبخلون بما أعطاهم الله من ثروات , بل يرمون تلك الثروة ( مثل القمح ) في البحار لكي لا يقل سعرها.
وحين ينفقون الأموال يأخذون عليها فوائد مضاعفة " الربا "

النموذج الأول

الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ -274

النموذج الثاني

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ -275

الذين يتعاملون بالربا - وهو الزيادة على رأس المال-
لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الجنون;
ذلك لأنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا, في أن كلا منهما حلال, ويؤدي إلى زيادة المال,
فأكذبهم الله, وبيَّن أنه أحل البيع وحرَّم الربا; لما في البيع والشراء من نفع للأفراد والجماعات,
ولما في الربا من استغلال وضياع وهلاك. فمن بلغه نهي الله عن الربا فارتدع , فله ما مضى قبل أن يبلغه التحريم لا إثم عليه فيه, وأمره إلى الله فيما يستقبل من زمانه,
فإن استمرَّ على توبته فالله لا يضيع أجر المحسنين, ومن عاد إلى الربا ففعله بعد بلوغه نهي الله عنه,
فقد استوجب العقوبة, وقامت عليه الحجة,
ولهذا قال سبحانه: (فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

******

خلق الأمانة

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ - 283

وقد اشتملت هذه الأحكام الحسنة التي أرشد الله عباده إليها على حكم عظيمة ومصالح عميمة دلت على أن الناس لو اهتدوا بإرشاد الله تعالى لصلحت دنياهم مع صلاح دينهم، لاشتمالها على العدل والمصلحة، وحفظ الحقوق وقطع المشاجرات والمنازعات، وانتظام أمر المعاش، فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا نحصي ثناء عليه.

والأمانة لفظ جامع يتضمن موضوعات كثيرة ولو تحدثنا عن الأمانة ما وسعنا هذا المقام ولكن حسبنا أن نتذكر أننا يجب أن نتخلق بهذه الصفة العظيمة آلا وهي الأمانة التي يقوم عليها صلاح الدنيا والاخرة .
ونتذكر أن رسولنا الأمين صلى الله عليه واله وسلم كان يعرف بهذه الصفة , فهو الصادق الأمين صلى الله عليه وأله وسلم.

قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم:
إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6496
خلاصة الدرجة: [صحيح]

ومن الحديث الطويل لإبي سفيان مع هرقل , روى البخاري :

أخبرني أبو سفيان : أن هرقل قال له : سألتك ماذا يأمركم ؟ فزعمت : أنه أمركم بالصلاة ، والصدق ، والعفاف ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، قال : وهذه صفة نبي .
الراوي: أبو سفيان بن حرب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2681
خلاصة الدرجة: [صحيح]

وعن عبدالله بن عباس , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى جماعة من التجار فقال يا معشر التجار فاستجابوا له ومدوا أعناقهم فقال إن الله باعثكم يوم القيامة فجارا إلا من صدق ووصل وأدى الأمانة
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: ابن جرير الطبري - المصدر: مسند علي - الصفحة أو الرقم: 48
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح

*****

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-02-2010, 01:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع
(1)
بعض آيات من سورة ال عمران

الوحدة بين شعوب الأمة الإسلامية
ومبدأ التكامل بين الدول

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ- 103

وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم, ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم.

المنطقة العربية من الخليج الي المحيط تربطها الجغرفيا الواحدة واللغة الواحدة والتكامل الطبيعي بين مناطقها من حيث الزراعة والصناعة والعمالة والثروات الطبيعية وفوق كل هذا يوحد بينها الدين الواحد - فهذه أرض الرسالات - إن أمل كل عربي من المحيط إلى الخليج - أمل الكبار أمل الشباب أمل النساء حتى أمل الأطفال - هو تحقيق اتحاد الأمة بما تمثله من قوة وحفاظا على ثرواتنا من طمع الغرب والشرق .

وليس غريبا على الدولة الإسلامية أن تحتضنن طوائف وملل مختلفة , فالإسلام هو التسامح , وقد دل على ذلك تاريخة, واليوم مانراه من افتعال للصراع الطائفي ماهو إلا كذبة صنعها أعداء الإسلام , وصدقها بعض المحللين , فإن التعايش السلمي بين أبناء المنطقة هو الأصل الذي نلمسه جميعا من المشرق الى المغرب, سواء بين طوائف إسلامية أو دينية أخرى, فالجميع يسود بينهم الحب والتعاون ,أما الصراع الطائفي فهذه كذبة يراد بها إحتلال المنطقة برمتها.

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ – 159 الأنعام

قد نختلف في بعض الآراء ولكن في إطار علمي
مثل علماء المدارس الفقهية , كل بحسب فهمه للنص
الذي يحتمل وجوه عديدة , وفي ذلك مرونة لصلاحية الشريعة لكل
زمان ومكان ..
أما مانراه اليوم من نزاع وفرقة وضعف فليس من الإسلام في شئ
فلو تصورنا أن العالم الإسلامي يجمعهم كيان واحد
مع إعتبار إستقلالية الدول كما هي.
ولكن يجمعهم سوق مشتركة , يجمعهم دفاع مشترك ,
تجمعهم شبكة مواصلات موحدة ميسرة لتنقل المسلم بحرية في بلاد الإسلام.
تجمعهم عملة مشتركة , يجمعهم مشاريع زراعية وصناعية مشتركة
حيث التكامل التجاري فيما بينهم.

أود أن يتيقن المسلمون في كل مكان أنه مالم تتوحد الأمة و ما لم يتحقق الإستقلال السياسي الحقيقي وما لم يتم وقف استغلالها طائفياً وقومياً وقبليةً لصالح الدول الكبرى ومالم تُعَد صياغة هذه الأمة وتشكيلها بحسب مكوناتها كأمة تجمع بينها عقيدة ورسالة تمثل منهج حياة ودعوة للإنسانية جمعاء، فإنها ستبقى خائرة القوى صريعة على مذابح الآخرين .

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ – 46الأنفال
وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ولا يكون لأحد ممن بعدهم فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم . قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب.

ولترسيخ مبدأ الوحدة بين المسلمين
شرعت صلاة الجماعة في جميع الأوقات في المساجد .
ثم يجتمع الجميع في المسجد الجامع
يوم الجمعة حيث الشحنة الإيمانية التي تملئ القلوب
بحب الله تعالى , وحب رسوله صلى الله عليه وسلم , وحب المؤمنين
وحب الهداية للناس أجمعين.

وكذلك فريضة الزكاة , حيث تدعم الصلة بين الأغنياء والفقراء , ونشر روح الحب بين أفراد المجتمع , فلا حقد ولا حسد , فالكل يتعاون لرفعة مجتمعه .

وانظر إلى فريضة الحج وكيف تجمع قلوب المؤمنين على صعيد عرفة في ميقات واحد محدد لا يتخلف عنه فرد في أنحاء العالم .
أما فريضة الصوم , فهي تجمع شمل الأمة في بدء صومها ويوم عيدها .
فيعيشوا شهرا كاملا على قلب واحد من صيام وقيام وزكاة فطر وترقب ليلة القدر.

واذكروا نعمة الله عليكم
إذ كنتم -أيها المؤمنون- قبل الإسلام أعداء (قبائل متفرقة), فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله
, وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض, فأصبحتم -بفضله- إخوانا متحابين,
وكنتم على حافة نار جهنم بكفركم وشرككم , فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار.
وكما بيَّن الله لكم معالم الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم; لتهتدوا إلى سبيل الرشاد, وتسلكوها, فلا تضلوا عنها

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
02-03-2010, 03:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع
(2)
بعض آيات من سورة ال عمران

مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ -104 وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ-105

من الأمور المعروفة, أنه إذا بلغ أي شئ حدا كبيرا من خصائصه, أثر على من حوله بتلك الخصائص , ومن الأمثلة المادية على ذلك, إذا بلغت جمرة النار حدا كبيرا فإنها تؤثر على من حولها بإشاعة الدفئ , وكذلك قطعة الثلج إذا بلغت من البروده مداها فهي تؤثر على من حولها بالبرد , فإذا بلغت القيم والأداب حدا كبيرا , فإن الأمر الطبيعي أن تتعدى تلك القيم والأداب على من حولنا, وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأولئك هم الفائزون بجنات النعيم,

والآيات الكريمة تدل على ذلك الأمر الهام

قال تعالى في سورة ال عمران :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ -102 وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ -103

هذه الكمالات - من تقوى وإعتصام بكتاب الله - إذا اجتمعت في أمة لابد لها أن تنير على من حولها بهذه الأنوار .. ولذلك جاءت الآيات بعدها تقرر هذا المبدأ .. قال تعالى :

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ -104


أما إذا حدث العكس وكان الفجور بالغا حدا كبير فستجد من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف . نعوذ بالله من ذلك.

قال تعالى في نفس السورة ( ال عمران ) :

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ -98

يوبخ تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بآيات الله التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولما بلغوا حدا كبيرا في كفرهم , لم يكتفوا بذلك بل تعدوا على غيرهم.
قال تعالى في الآية التالية :

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ -99

وهكذا نفهم حقيقة الأمور بجلاء ولا ننخدع بمن يرفعون شعارات الحرية , ونجدهم يحاربون على سبيل المثال ( الحجاب) , أما السفور والعري فهو حرية شخصية , ولماذا لا يكون الحجاب حرية شخصية ؟ لأنه يمثل الفضيلة والآداب التي ينادي بها الإسلام.

ومن هنا ندرك أهمية الدور المنوط بالمسلمين كأفراد ودول,

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ -104

الدعوة إلى الخير, بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانى , الخير للبشر فيما يصلح دنياهم وآخرتهم .
ثم تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , كل في موقعه .

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :
كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2558
خلاصة الدرجة: [صحيح]

وفي واقع الأمر إننا جميعا على سفينة واحدة ألا وهي كوكب الأرض, فإن صلحت عم الخير على الجميع , وإن فسدت لحق الدمار بالجميع.

ونستمع لمعلم الإنسانية وهو يوضح ذلك الأمر
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا
الراوي: النعمان بن بشير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2493
خلاصة الدرجة: [صحيح]

هل أدركنا أهمية ذلك المبدأ الخطير؟

وتعالوا نستمع إلى كلام ربنا , وكيف كان مصير من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ – 78 كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ – 79 المائدة

أي: كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك.
وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة.

******
ومن الوظائف التي إستحدثتها الشريعة الإسلامية – وظيفة المحتسب- وهذه الوظيفة قائمة على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ,ويتم أختيار المحتسب من علية القوم ويساعده معاونوه في مراقبة الأسواق من الفساد والخش والإحتكار.
فينحصر الفساد إلى أدنى مستوى, ويعم الرخاء والإستقرار في مجتمعاتنا.

********

ونختم بأن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببا في خيرية أمة الإسلام
قال تعالى :
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ – 110 ال عمران

يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس،

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

الأرقم
03-03-2010, 01:20 PM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل صابر على ما تنقله من درر ولكن اسمح لي ببعض التنبيهات على ما كتبت فالمؤمنون نصحة :
قلتم بارك الله فيكم
وقال رسول الله :
الراحمون يرحمهم الله ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: ابن دقيق العيد - المصدر: الاقتراح - الصفحة أو الرقم: 127
خلاصة الدرجة: صحيح

ومعلوم لديكم أن ابن دقيق العيد ليس محدثا فقد توفي توفي بالقاهرة في صبيحة يوم الجمعة لتسعة أيام بقيت من صفر 702 هـ وكتابه المذكور الإقتراح في معرفة الإصطلاح هو كتاب في علم المصطلح وليس كتاب للأسانيد فزمن الإسناد انتهى قبل الشيخ بحوالي 400سنة .

الأمر الثاني :
وعن عبدالله بن عباس , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى جماعة من التجار فقال يا معشر التجار فاستجابوا له ومدوا أعناقهم فقال إن الله باعثكم يوم القيامة فجارا إلا من صدق ووصل وأدى الأمانة
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: ابن جرير الطبري - المصدر: مسند علي - الصفحة أو الرقم: 48
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح

أخرجه ابن حبان في "الضعفاء " (1/224 - 225) ، ومن طريقه ابن
الجوزي في "الموضوعات " (2/237) ، والطبري في "تهذيب الآثار" (4/48/96) ،
والطبراني في "المعجم الكبير" (12/68/12499) من طريق الحارث بن عبيدة
الحمصي عن عبدالله بن عثمان بن خُثَيْمٍ عن سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى جماعة من التجار ، فقال : " يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! " ، فَاسْتَجَابُوا
لَهُ وَمَدُّوا إليه أَعْنَاقَهُمْ ؛ فقال : "إن الله ... " الحديث . وقال ابن حبان - وأقره ابن
الجوزي والذهبي - :
"وهذا ليس له أصل صحيح يرجع إليه . والحارث يأتي عن الثقات ما ليس
من حديثهم ، " لا يعجبني الإحتجاج بحديثه إذا انفرد" . وقال الهيثمي في "مجمع
الزوائد " (4/72) :
"رواه الطبراني في ؛ "الكبير" ، وفيه الحارث بن عبيد ، وهو ضعيف " . كما في السلسلة الضعيفة .

ويغني عنه حديث في مسند الإمام أحمد وقوى إسناده الشيخ شعيب الأرنؤوط محقق المسند :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن التجار هم الفجار قال قيل : يا رسول الله أو ليس قد أحل الله البيع قال بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون ويأثمون

Saber Abbas
03-03-2010, 02:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتقدم بخالص الشكر لجميع الأخوة المتابعين لهذه السلسلة الهامة.
وجزاكم الله خيرا على هذه المداخلات الهامة ,
و إن شاء الله تعالى سيتم التدقيق في سند الأحاديث مرة أخرة .

دمتم في رعاية الله ورزقنا الإخلاص فيما نقول .
وتقبل الله منا صالح الأعمال
وفي إنتظار مداخلاتكم دائما وتفنيد ما ترونه وتصحيح ما وقع مني من أخطاء .

بارك الله فيكم وسدد خطاكم

Saber Abbas
03-03-2010, 10:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع
( 3 )
بعض آيات من سورة ال عمران


وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ -133
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ – 134

******
مبدأ التكافل الإجتماعي ومواجهة الفقر على الأرض

إن حالات الفقر التي تشهدها دول العالم الثالث أو الدول المتخلفة نتيجة عدم إستغلال ما لديها من ثروات تتطلب وقفة إنسانية من الشعوب المتحضرة والغنية, بأن تساعد وبصفة عاجلة بإرسال مساعدات غذائية وخاصة للأطفال , ثم وفي نفس الوقت إرسال معونات صناعية للنهوض بالتنمية في تلك البلدان الفقيرة .

هذا ما يطلبه منا الإسلام ,

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ....

وهذا ما تحقق في عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز , حيث لم يجد موزعوا أموال الزكاة من يأخذها في عصره وذلك لكثرة الأموال والرخاء, ومع ذلك لم يهدرها ولم يلقي بها في البحر , بل زوج الشباب على نفقة الدولة , إلى غير ذلك من الأمور.

*******
وبنظرة سريعة على الواقع المؤلم اليوم , طالعتنا bbc
الإثنين, 21 سبتمبر/ أيلول, 2009,

ملايين لترات الحليب تسكب على الأرض لرفع الأسعار

رغم اعلان الاتحاد الاوروبي عن مزيد من الدعم لمنتجي الالبان في دول الاتحاد الـ27، واصل المزارعون الاوروبيون احتجاجهم على انخفاض اسعار الحليب عالميا.
واتسع نطاق الاحتجاجات، من بلجيكا الى فرنسا وهولندا والمانيا والنمسا وايطاليا وغيرها، وقام المزارعون بسكب ملايين اللترات من الحليب على الارض وقطع الطرق على شاحنات نقله الى شركات التصنيع الكبرى.
هذا في الوقت الذي ادى فيه الركود الاقتصادي العالمي الى زيادة كبيرة في اعداد من يعانون من نقص التغذية في دول العالم النامي.
وحسب تقديرات الامم المتحدة، أدت الأزمة الإقتصادية العالمية إلى تجاوز آعداد الفقراء في العالم المليار نسمة، فيما يعاني 2.5 مليار نسمة من سوء التغذية.

*****
لا شك أن هذا التصرف سفه وتبذير ولا يمكن أن يصدر من إنسان لديه وعي بنعمة الله عليه , وأنه لو شاء الله تعالى لأفقرهم , ولكنه الإختبار..
*****
فهل أدركت الشعوب الإسلامية قيمة الثروة ؟

وأن البشرية سوف تسعد في ظل الإسلام الذي يحض على الإنفاق على الفقراء والمساكين وجميع وجوه الخير مثل إنشاء العيادات الطبية والمدارس وبناء المصانع وإنشاء الطرق التي تعد شراين الحياة للشعوب, حيث تسهل حركة التنمية وبدونها لن تخطو دولة فقيرة خطوة واحدة نحو التقدم . بل تتراجع إلى ما تحت خط الفقر.
وقد أدرك ذلك الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: لو عثرت قدم بغلة في العراق, لخشيت أن يسألني ربي : لما لم تسوي لها الطريق يا عمر.

وأورد البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال:
بينما رجل يمشي بطريق ، وجد غصن شوك على الطريق فأخره ، فشكر الله له فغفر له ....
الراوي: أبو هريرة - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 652
خلاصة الدرجة: [صحيح]

وجاء في صحيح البخاري أيضا, عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال:
إياكم والجلوس بالطرقات . فقالوا : يا رسول الله ، مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ، فقال : فإذا أبيتم إلا المجلس ، فأعطوا الطريق حقه . قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر
الراوي: أبو سعيد الخدري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6229
خلاصة الدرجة: [صحيح]

ولقد إهتم الإسلام بالطرق لأنها كما قلنا تعد شراين الحياة في السعي على الأرزاق , فإن عطلت إنهار الأقتصاد وساد الفقر .
ولذلك نجد الدول المتقدمة إقتصاديا تهتم بتوسعة وإنشاء شبكات طرق بصفة مستمرة وذلك لتنشيط الحركة التجارية وتوفير الجهد والوقت في التنمية.
*****
وعلينا أن نتعلم من معلم البشرية صلى الله عليه وآله وسلم , وكيف عالج حالة الفقر لدى شخص قادر على العمل .
فقد ورد في سنن أبي داود :

أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال ائتني بهما قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين قال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع .
الراوي: أنس بن مالك - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1641

وهكذا نتعلم كيف نستغل الطاقة البشرية في التنمية والخروج من الفقر.
ولأهمية الزراعة في حياة الشعوب يخبرنا معلم الإنسانية صلوات ربي وسلامه عليه :
إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها .
الراوي: أنس بن مالك - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 9
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح على شرط مسلم

وهكذا ننهض بالمجتمعات الفقيرة ,
*****
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ -133
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ – 134

وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لاغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة واسعة, عرضها السموات والأرض, أعدها الله للمتقين.
الذين ينفقون أموالهم في اليسر والعسر, والذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر, وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم. وهذا هو الإحسان الذي يحب الله أصحابه.

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

الأرقم
04-03-2010, 06:45 AM
جزاك الله خيرا أخي الكريم الفاضل على حسن قبولك وبارك الله في همتك

Saber Abbas
04-03-2010, 12:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع
( 4 )
بعض آيات من سورة ال عمران

مبادئ البحث والتفكر في كون الله تعالى

مبدأ التدبر والتأمل


إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ -190

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ -191

إن في خلق السموات والأرض على غير مثال سابق, وفي تعاقُب الليل والنهار,
واختلافهما طولا وقِصَرًا لدلائل وبراهين عظيمة على وحدانية الله لأصحاب العقول السليمة.

هذه أولى مبادئ الإكتشافت العلمية , التأمل والتدبر فيما حولنا من قوانين وضعها الله تعالى في الكون مثل قانون الجاذبية إلى غير ذلك من قوانين قامت عليها كل الصناعات الحديثة.

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

فلو تأملنا الطاقة الشمسية وقلنا : رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ
ونحاول أن نستفيد منها كطاقة نظيفة , نولد منها الكهرباء ونسير بها الشاحنات والمركبات والسفن , فإن المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج منطقة مشمسة يحسدنا العالم عليها , فيجب أن نستغل هذه النعمة كطاقة بديلة نظيفة متجددة إلى ما شاء الله تعالى.

والمتأمل في البحار من حولنا يجد أنها تحيط بنا من كل جانب بدءا من الخليج شرقا و نهاية بالمحيط غربا والبحر الأحمر في الوسط والبحر المتوسط في الشمال والغرب .

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ

فهل أنشئنا الأساطيل لصيد الأسماك كما تفعل الدول المتقدمة التي ترسل أساطيلها للصيد من شواطئنا مقابل مبالغ للسماح لهم بذلك.
هل فكرنا في عمل أساطيل وبوارج وغواصات للدفاع عن الحدود البحرية .

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ

هل نظرنا إلى السماء وكيف استغلت الدول المتقدمة الفضاء لصناعة الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية.
فهل كنا من أولي الألباب الذين حركتهم هذه الأيات الكونية وصنعنا الطائرات للدفاع عن سمائنا من المعتدين . وصنعنا الأقمار الصناعية لسهولة الإتصالات والبث الإعلامي الإسلامي للدعوة إلى دين الله تعالى. لإنقاذ البشرية من الهلاك في الدنيا والأخرة.

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ -164البقرة

وتلفتنا الأيات إلى النظر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض
والمتأمل في عظمة خلق السماوات والأرض يخر ساجد لله
وتدور الأرض حول محورها دون شعور منا بهذه الحركة الدقيقة
الناعمة , فكيف للأرض وهي جماد أن تدور بانتظام عبر ملايين السنيين
بهذه الدقة حيث ينشأ الليل والنهار.
وتدور في نفس الوقت في مدار حول الشمس وبنفس الدقة حيث تنشأ الفصول الأربعة ويختلف طول الليل والنهار مع هذا المدار.
أين المحرك لهذه الأرض ؟؟ ومن يديره ؟؟

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ

ونهبط إلى الأرض ونرى العجب
أولا البحار
وتشمل أكثر من سبعين في المائة من مساحة الأرض وبها قوانين وضعها الله تعالى حتي تصلح لجريان السفن عليها والغواصات فيها .

ثانيا مياه الأمطار وتكوين الأنهار وعلاقة كل من الشمس والبحار
والسحاب في منظومة علمية دقيقة لإستمرار الحياة على الأرض
حيث تتبخر المياه من البحار ومن سطح الأرض بفعل حرارة الشمس
مكونة السحاب الذي سخره الله بحيث لا ينفلت من الأرض,
وينقى الماء ثم يعود مرة أخرى إلى ينابيع الأنهار,
وتجري الأنهار وتتحرك يشرب منها جميع المخلوقات,
فقد نقاها خالقها لكي تصلح للشرب والري ,
ولأنها أي مياه الأنهارمتحركة فهي لا تعطب وتتجه دائما لتصب في البحار, وللحفاظ على مياه البحار من العطب وضع الله فيها
الأملاح التي لا تتبخر مع الماء الصاعد إلى السحاب
سبحان الخالق العظيم .

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

*****
وقد ذم اللّه تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته
فقال: وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون -105 وما يؤمن أكثرهم باللّه إلا وهم مشركون- 106(يوسف)
ومدح عباده المؤمنين:
الذين يذكرون اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض
ربنا ما خلقت هذا باطلا
أي ما خلقت هذا الخلق عبثاً، بل بالحق لتجزي الذين أساءوا بما عملوا، وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى

واليكم بعض الحقائق العلمية : من ( موسوعة الإعجاز العلمي )
التي تدل علي قدرة الله تعالى في الكون وتفرده سبحانه بالملك
وتقدير كل شئ بحكمة بالغة . بحيث لو زادت أو نقصت لحدث إختلال
1. الجاذبية :
إذا كانت أقوى: فالجو سيحتجز كثيراً من غاز الأمونيا والميتان.
إذا كانت أضعف: جو الكوكب سوف يخسر كثيراً من الماء.
2. البعد عن النجم الأم: ( الشمس )
إذا كانت الأرض أبعد: الكوكب سيكون بارداً جداً.
إذا كانت الأرض أقرب: الكوكب سيكون ساخناً جداً.
3. سمك القشرة:
إذا كانت أكثر سمكاً: كثير من الأوكسجين سوف ينتقل من الجو إلى القشرة.
إذا كانت أرق : النشاط البركاني سيكون كبيراً جداً.
4. فترة الدوران:
إذا كانت أطول: فروق درجات الحرارة اليومية سيكون كبيراً جداً.
إذا كانت أقصر: سرعات الرياح الجوية ستكون كبيرة جداً.
5. التفاعل التجاذبي مع القمر:
إذا كان أكبر: فإن تأثيرات المد على المحيطات والجو ودور الدوران سيكون قاسياً جداً.
إذا كان أقل: فإن تغيرات في الميل المداري سوف يسبب عدم استقرار مناخي.
6. الحقل المغناطيسي:
إذا كان أقوى: العواصف الكهرطيسية ستكون عنيفة.
إذا كان أضعف: الحماية غير ملائمة من الإشعاعات النجمية القاسية.
7. نسبة الضوء المنعكسة إلى مجمل كمية الضوء الساقط على السطح :
إذا كان كبيراً: ستحل عصور جليدية.
إذا كان صغيراً: ستذوب الثلوج وتغرق الأرض في الماء، ثم تصبح جافة قاحلة بفعل ملح البحار.
8. نسبة الأوكسجين إلى النتروجين في الجو:
إذا كانت كبيرة: توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة كبيرة.
إذا كانت أصغر: توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة بطيئة.
9. مستوى غاز الكربون وبخار الماء في الجو:
إذا كانت كبيرة: ترتفع درجة حرارة الجو بشكل أكبر.
إذا كانت أصغر: تنخفض درجة حرارة الجو.
10. مستوى الأوزون في الجو:
إذا كان أكبر: درجة حرارة السطح ستكون منخفضة جداً.
إذا كان أقل: درجة حرارة السطح ستكون عالية جداً. وسيكون هناك كثير من الإشعاع فوق البنفسجية عند السطح.
11. النشاط الزلزالي:
إذا كان أكبر: سيتحطم كثير من أشكال الحياة.
إذا كان أقل: فإن المادة الغذائية على قيعان المحيطات (الآتية من مقذوفات الأنهار) لن تخضع للدورة المتكررة.

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

*****

فعلينا الإهتمام بالبحث العلمي ونشجع عليه فإن الله تعالى أمرنا بهذا.

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ
لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ -5
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ -6 يونس


اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مجيبٌ -61هود

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
04-03-2010, 11:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع
( 5 )
بعض آيات من أول سورة النساء

نظام المواريث في أعظم تقسيم يدرس في كليات الحقوق والمعاهد الدينية.

لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا - 7

كان العرب في الجاهلية - من جبروتهم وقسوتهم لا يورثون الضعفاء كالنساء والصبيان، ويجعلون الميراث للرجال الأقوياء لأنهم -بزعمهم- أهل الحرب والقتال والنهب والسلب، فأراد الرب الرحيم الحكيم أن يشرع لعباده شرعًا، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم.

****
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا – 8

وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب فقال: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ أي: قسمة المواريث ﴿أُولُو الْقُرْبَى﴾ أي: الأقارب غير الوارثين بقرينة قوله: ﴿الْقِسْمَةَ﴾ لأن الوارثين من المقسوم عليهم. ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين﴾ أي: المستحقون من الفقراء. ﴿فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾ أي: أعطوهم ما تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد ولا تعب، ولا عناء ولا نَصَب، فإن نفوسهم متشوفة إليه، وقلوبهم متطلعة، فاجبروا خواطرهم بما لا يضركم وهو نافعهم.

*****
ومع أعظم نظام تأمين عرفته البشرية

وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا - 9
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا - 10

قيل: إن هذا خطاب لمن يحضر مَنْ حضره الموت وظلم في وصيته، أن يأمره بالعدل في وصيته والمساواة فيها، بدليل قوله: ﴿وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا﴾ أي: سدادا، موافقا للقسط والمعروف. وأنهم يأمرون من يريد الوصية على أولاده بما يحبون معاملة أولادهم بعدهم.
وقيل: إن المراد بذلك أولياء السفهاء من المجانين والصغار والضعاف أن يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية بما يحبون أن يعامل به مَنْ بعدهم من ذريتهم الضعاف ﴿فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ﴾ في ولايتهم لغيرهم، أي: يعاملونهم بما فيه تقوى الله، من عدم إهانتهم والقيام عليهم، وإلزامهم لتقوى الله.
ولما أمرهم بذلك، زجرهم عن أكل أموال اليتامى، وتوعد على ذلك أشد العذاب فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ أي: بغير حق. وهذا القيد يخرج به من جواز الأكل للفقير بالمعروف، ومن جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى.
فمَنْ أكلها ظلمًا فـ ﴿إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ أي: فإن الذي أكلوه نار تتأجج في أجوافهم وهم الذين أدخلوها في بطونهم. ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ أي: نارًا محرقة متوقدة. وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب، يدل على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها، وأنها موجبة لدخول النار، فدل ذلك أنها من أكبر الكبائر. نسأل الله العافية.

*******
مصادر قانون المواريث
في الشريعة الإسلامية

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ ,
فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ,
وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ,
وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ,
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ ,
فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ,
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا - 11
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ,
فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ,
وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ,
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ,
وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ,
فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ -12

وقد إشتملت الآيات السابقة أحكام المواريث لكل من الأبناء , والأباء والأزواج و الأخوة لأم والوصية.

*******
أما الأخوة الأشقاء أو لأب فقد شملتهم الآية الأخيرة من السورة .

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - 176

******


هذه الآيات هن آيات المواريث المتضمنة لها. فإنها مع حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري "ألْحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" - مشتملات على جل أحكام الفرائض،
بل على جميعها على التفصيل في كتب الفقه والقانون ، إلا ميراث الجدات فإنه غير مذكور في ذلك. لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، مع إجماع العلماء على ذلك.


*******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
05-03-2010, 10:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الخامس
( 1 )
بعض آيات من سورة النساء

تتوالى مبادئ المعاملات في هذا الجزء من سورة النساء , وخاصة في المعملات المالية كما ورد في أول السورة, نظام المواريث في أعظم تقسيم يدرس في كليات الحقوق والمعاهد الدينية ,
كما ركزت السورة على قواعد المعاملات الآسرية والعلاقة الطيبة بين أفرادها ,ثم وضعت ضوابط لحمايتها من التفكك نتيجة الشقاق و الطلاق .

واليوم نتكلم عن التأكيد على حرمة الأموال وحرمة الدماء .

حرمة أكل آموال الناس بالباطل
وتحريم قتل النفس مطقا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ,
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا - 29
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا - 30

وهنا نلاحظ أن أمر التحريم جاء صريحا ومباشرا من الله تعالى
فلو أنك بين مجتمع مؤمن وتركت مالك سهوا في مكان ما , ثم تذكرت وعدت إلى نفس المكان ستجدها حتما أو تجدها في الأمانات محفوظة لصاحبها ليأخذها , وهذا الكلام بعيدا عن أحكام اللقطة, فلها ضوابط نتكلم عنها إن شاء الله في حينها .
وكذلك لو تركت متجرك وذهبت للصلاة لا ينقص منه شئ في ظل مجتمع مؤمن .
وكذلك لو سرت وحدك دون حرس بين مجتمع مؤمن لن تتعرض للقتل لأن ذلك محرما أشد التحريم في شريعة الله تعالى.

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا – 93 النساء

فهل أدركنا قيمة الإيمان في تربية الشعوب ؟
أما ما نره اليوم من تشويه متعمد لصورة الإسلام , يرجع إلى إلإنتشار السريع للإسلام بين الناس وخاصة بين العلماء منهم , لأنه نور من الله أرسله لإخراج البشرية من ظلمات الكفر والشرك والإلحاد إلى نور الإيمان وسعادة الدنيا والأخرة .

وأنظروا إلى حياة الصحابة وهم في مكة بين الكفار يعذبون وكيف أصبحت حياتهم بعد تمكينهم في الأرض ,
قال خباب بن الأرت :
شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ؟ فقال : ( قد كان من قبلكم ، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ) .
الراوي: خباب بن الأرت المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6943
خلاصة الدرجة: [صحيح]

*****
ونعود إلى بعض معانى الآيات الكريمة التي نحن بنورها

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل، وهذا يشمل أكلها بالغصب والسرقة، وأخذها بالقمار والمكاسب الرديئة.
بل لعله يدخل في ذلك أكل مال نفسك على وجه البطر والإسراف، لأن هذا من الباطل وليس من الحق.

يقول صلى الله عليه وآله وسلم : مَن ظَلَم قيد شبر من الأرض طُوِّقه من سبع أراضين ... [رواه البخاري].

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : من حمل علينا السلاح فليس منا . ومن غشنا فليس منا
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 101
خلاصة الدرجة: صحيح

ثم إنه - لما حرم أكلها بالباطل - أباح لهم أكلها بالتجارات والمكاسب الخالية من الموانع، المشتملة على الشروط من التراضي وغيره.

﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ ومن رحمته أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود.
وتأمل هذا الإيجاز والجمع في قوله: ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾ ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ كيف شمل أموال غيرك ومال نفسك وقتل نفسك وقتل غيرك.
مع أن إضافة الأموال والأنفس إلى عموم المؤمنين فيه دلالة على أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومصالحهم كالجسد الواحد، حيث كان الإيمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية.
ولما نهى عن أكل الأموال بالباطل ، أباح لهم ما فيه مصلحتهم من أنواع المكاسب والتجارات، وأنواع الحرف والإجارات، فقال: ﴿إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ أي: فإنها مباحة لكم.
وشرط التراضي - مع كونها تجارة - لدلالة أنه يشترط أن يكون العقد لا يشوبه تحريم كعقد الربا لأن الربا ليس من التجارة، بل مخالف لمقصودها، وأنه لا بد أن يرضى كل من المتعاقدين ويأتي به اختيارًا.
ومن تمام الرضا أن يكون المعقود عليه معلوما، لأنه إذا لم يكن كذلك لا يتصور الرضا.
وأن يكون مقدورًا على تسليمه، لأن غير المقدور عليه شبيه ببيع القمار، فبيع الغرر بجميع أنواعه خال من الرضا فلا ينفذ عقده.

فبأي طريق حصل الرضا انعقد به العقد. ثم ختم الآية بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ ومن رحمته أن عصم دماءكم وأموالكم وصانها ونهاكم عن انتهاكها.

ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ أي: أكل الأموال بالباطل وقتل النفوس ﴿عُدْوَانًا وَظُلْمًا﴾ أي: لا جهلا ونسيانا ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾ أي: عظيمة كما يفيده التنكير ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾

*******
تنشئ اليوم بعض الدول معاهد لدراسة مكافحة الفساد والرشى والغش ,
ولقد عالج الإسلام هذه الآمور منذ 15 قرنا من الزمان ,
وإن ما نجده من تخلف وفقر ينشأ من الفساد والرشى والغش , ولذلك يجب أن يربى الناس على كون هذه الأشياء مخالفة لعقيدة الإيمان , وإن لم يعاقب عليها في الدنيا فسوف يسئل عنها يوم الحساب الذي هو أت لا ريب , فمن يفلت من الموت ؟ ومن يهرب من البعث يوم القيامة ؟
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) المطففين


********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
06-03-2010, 02:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الخامس
( 2 )
بعض آيات من سورة النساء

تتوالى مبادئ الآداب والمعاملات في هذا الجزء من سورة النساء .

ومن المبادئ الإيمانية الهامة في الإسلام تحريم الكبائر.

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً -31

إن تبتعدوا -أيها المؤمنون- عن كبائر الذنوب كالإشراك بالله وعقوق الوالدين وقَتْلِ النفس بغير الحق وغير ذلك, نكفِّر عنكم ما دونها من الصغائر, وندخلكم مدخلا كريمًا, وهو الجنَّة.
وقيل أيضا هي ما ورد عليها وعيد - كالقتل والزنا والسرقة .
قال تعالى: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم –32 النجم

وهكذا يتضح لنا كيف بنيت الحضارة الإسلامية , بنيت على التوحيد , على الأمن على النفس وعلى الأمن على الأموال وحفظ النسل وحفظ العقل.
ولا يتصور عاقل أن هذه الأمور تصبح مهدرة ثم ينعم الإنسان بالأمان .
ولذلك رتبت الشريعة الإسلامية عقوبات مقدرة على تلك الجرائم .
فتطور المجتمعات لا يغير من قواعد الأمن شيئا .
فلا يتصور في يوم من الأيام أن تكون النفس مهدرة ,
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ...-178 البقرة
ولا يتصور في يوم من الأيام أن تكون الأعراض مهدرة .
قال تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ... – 2 النور
ولا يتصور أن يأتي يوم تكون السرقة مباحة ولا عقاب عليها .
قال تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ – 38 المائدة
ولا يتصور في يوم من الأيام أن يكون الترويع والفساد في الأرض شيئا حسنا .
قال تعالى :

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ – 33 المائدة

ولا يتصور أن يأتي يوم تكون المخدرات والخمور التي تغيب العقل مستحسنة .
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَاللأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ – 90 المائدة

وهكذا ندرك أن شريعة الإسلام جاءت لحسم أمور ثابتة لا يتصور أن تحدث دون عقاب وإلا فسدت المجتمعات وأصبحت غابة.
أما الأمور المتجددة متروكة للقواعد العامة في العدالة التي أمرنا الله تعالى بها : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا – 58 النساء
فتوضع القوانين طبقا لإحتياجات البشر في جميع الأمور المتجددة مثل قانون البحار وقانون الطيران وقانون المرور والقوانين الإدارية والقانون الدولي وإلى غير ذلك من أمور , على أساس مبادئ العدالة التي جاء بها الإسلام .

******
وإليكم بعض ما ورد من أحاديث شريفة في بيان الكبائر .

روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , قال:
ألا أنبئكم بأكبر الكبائر . قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس فقال - ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ، ألا وقول الزور ، وشهادة الزور . فما زال يقولها ، حتى قلت : لا يسكت .
الراوي: أبو بكرة نفيع بن الحارث المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 5976
خلاصة الدرجة: [صحيح]

جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما الكبائر ؟ قال : ( الإشراك بالله ) . قال : ثم ماذا ؟ قال : ( ثم عقوق الوالدين ) . قال : ثم ماذا ؟ قال : ( ثم عقوق الوالدين ) . قال : ثم ماذا ؟ قال : ( اليمين الغموس ) . قلت : وما اليمين الغموس ؟ قال : ( الذي يقتطع مال امرئ مسلم ، هو فيها كاذب ) .
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص -المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6920
خلاصة الدرجة: [صحيح]

وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون - 105 وما يؤمن أكثرهم باللّه إلا وهم مشركون – 106 - يوسف

ومن خصائص الآلهية , الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة.

وكثيرا ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين
كقوله " أن اشكر لي ولوالديك " 14 لقمان وكقوله " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " 23 الإسراء

من الكبائر شتم الرجل والديه . قالوا : يا رسول الله ! وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال . نعم . يسب أبا الرجل ، فيسب أباه . ويسب أمه .
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص - المصدر: مقدمة الصحيح - الصفحة أو الرقم: 90
خلاصة الدرجة: صحيح

الإضرار في الوصية من الكبائر
الراوي: عبدالله بن عباس - المصدر: تفسير القرآن - الصفحة أو الرقم: 2/244
خلاصة الدرجة: صحيح

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ – 180 فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - 181 البقرة

أكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات من الكبائر
الراوي: أبو هريرة- المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 6/127
خلاصة الدرجة: ثابت

منع ابن السبيل من الكبائر
الراوي: أبو أيوب الأنصاري - المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 6/127
خلاصة الدرجة: ثابت

السرقة وشرب الخمر من الكبائر
الراوي: عمران بن حصين- المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 6/127
خلاصة الدرجة: ثابت

الإشراك بالله وقتل الولد والزنا بحليلة الجار من الكبائر
الراوي: عبد الله بن مسعود ا- المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 6/127
خلاصة الدرجة: ثابت

السحر والفرار من الزحف أي من الكبائر
الراوي: عبد الله بن عمر - المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 6/127
خلاصة الدرجة: ثابت

إن أكبر الكبائر الكفر والكبر
- المصدر: مجموع الفتاوى ابن تيمية - الصفحة أو الرقم: 18/330
خلاصة الدرجة: صحيح

قال ابن عمر : إن الكبائر تسع , الإشراك بالله وقتل نسمة يعني بغير حق ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والذي يستسحر ، والإلحاد في المسجد يعني الحرام ، وبكاء الوالدين من العقوق ،
- المصدر: موافقة الخبر الخبر- ابن حجر العسقلاني - الصفحة أو الرقم: 1/343

*******
روى مسلم في صحيحه , قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
الصلوات الخمس . والجمعة إلى الجمعة . ورمضان إلى رمضان . مكفرات ما بينهن . إذا اجتنب الكبائر
الراوي: أبو هريرة - المصدر: مقدمة الصحيح - الصفحة أو الرقم: 233
خلاصة الدرجة: صحيح



*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
08-03-2010, 12:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الخامس
( 3 )
بعض آيات من سورة النساء

واستكمالا لمبادئ الآداب والمعاملات نعيش في أنوار بعض آيات من سورة النساء .

وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً -32

مبدأ التكامل بين البشر

إن المتأمل في جميع المخلوقات يجد أمرا عظيما مبهرا الا وهو التكامل بين جميع الكائنات فالكل يحتاج إلى الكل وما خلق الله شيئا عبثا أبدا.
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ – 115 فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ - 116 المؤمنون
فلو أنك طبيب تحتاج إلى مهندس لتصميم عيادتك ولو أنك صانع تحتاج إلى مزارع ليحصد لك ما تأكله . وكذلك الرجل يحتاج إلى زوجة والمرأة تحتاج إلى زوج , لتكتمل المنظومة التي أبدعها الله تعالى في الكون , فكل ميسر لما خلق له ,
وبعيدا عن هذا الإدراك يصاب الإنسان بعدم الرضا والحسد والبغض لمن حوله وينشأ الصراع الذي لا جدوى منه , حيث لا يغير من قدر الله شيئا.
فالحسد كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله , والحسد إعتراض على قدر الله في مخلوقاته , لا يليق بالمؤمن أن يقع في مثل هذا المرض الخطير ,
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6065
خلاصة الدرجة: [صحيح]

فالإنسان إذا أراد شئ فعليه بالوهاب يطلب منه ما يريد فإن خزائن الله لا تنفد والدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ,
قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ – 186 البقرة

فالأمر الذي يهم المؤمن هو المستقبل الحقيقي للإنسان ألا وهو الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل , قال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ - 48 المائدة

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون , قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ – 22 عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ – 23 تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ – 24 يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ – 25 خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ – 26 المطففين .
حيث أن التنافس حينئذ يكون في فعل الخيرات والنفع للإنسانية مهما كان موقعك ,

وإن ما نجده اليوم من مشاكل إجتماعية وجرائم سواء جنائية أو مدنية ما هي إلا نتيجة الحسد الأعمى والحقد والفساد .
ونسيان المنعم الذي بيده خزائن كل شئ ويعطي من يشاء بغير حساب.
وهذا ليس كلام إنشائي , ولكنها الحقيقة التي يغفل عنها كثير من الناس.

*******

الأخلاق الكريمة التي تتمسك بها المؤمنة الصالحة , وعلاج لبعض الحالات الشاذة إن وجدت

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ,
وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً -34
والمعنى :
الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن, بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل, وبما أعطوهن من المهور والنفقات.
فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن, مطيعات لله تعالى ولأزواجهن,
حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه,
واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم, فانصحوهن بالكلمة الطيبة,
فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة, فاهجروهن في الفراش, ولا تقربوهن,
فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن, فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه - بل الناصح لمن يحب الرفيق به الرقيق , فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن , فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن, وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن .

*****

مبدأ الإصلاح بين الزوجين

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً -35

وباستعمال الحكمين الأسلوب الطيب والنية الخالصة لله في الإصلاح , يوفق الله بين الزوجين. إن الله تعالى عليم, لا يخفى عليه شيء من أمر عباده, خبير بما تنطوي عليه نفوسهم.

*****
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
10-03-2010, 12:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الخامس
( 4 )
بعض آيات من سورة النساء

تتوالى مبادئ المعاملات والأداب في هذا الجزء

أهمية بر الوالدين والأقربين والعناية باليتامى والمساكين والجار القريب والبعيد

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً -36

يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له , فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا من مخلوقاته .
كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل " أتدري ما حق الله على العباد ؟ "
قال الله ورسوله أعلم قال " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
ثم أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم "

ثم أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين, فإن الله سبحانه جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود ,
وكثيرا ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين
كقوله تعالى : " أن اشكر لي ولوالديك " 14 لقمان , وكقوله جل وعلا : " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " 23 الإسراء
ثم عطف على الإحسان إليهما الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء.
كما جاء في الحديث " الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة "
ثم قال تعالى " واليتامى " وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم, فأمر الله بالإحسان إليهم .. ثم قال " والمساكين " وهم المحاويج من ذوي الحاجات , الذين لا يجدون من يقوم بكفايتهم فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم .
والجار ذي القربى يعني الذي بينك وبينه قرابة والجار الجنب الذي ليس بينك وبينه قرابة .
"والصاحب بالجنب" الرفيق في السفر أو العمل .. وقيل الزوجة "وابن السبيل" المنقطع في سفره "
وما ملكت أيمانكم" من الأرقاء بتحريرهم - وقد قضى الإسلام على نظام الرق .
إذ أن مصدر الرق كان الأسر في الحروب ,
قال تعالى في سورة محمد : حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً....
وبذلك أغلق باب الإسترقاق ,وجعل من التقرب إلى الله عتق وتحرير العبيد المستبقين من النظم السابقة .

******
وإن أكثر ما يحول بين الإنسان وفعل الخير صفة البخل وعدم الإخلاص في النفقة, ولذلك جاء النهي عن البخل والرياء مشددا .

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً - 37

وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا - 38

﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ أي: يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة. ﴿وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ بأقوالهم وأفعالهم ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فجمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم، وهذه هي صفات الكافرين، فلهذا قال تعالى: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ أي: كما تكبروا على عباد الله ومنعوا حقوقه وتسببوا في منع غيرهم من البخل وعدم الاهتداء، أهانهم بالعذاب الأليم والخزي الدائم . فعياذًا بك اللهم من كل سوء.
ثم أخبر عن النفقة الصادرة عن رياء وسمعة وعدم إيمان به فقال: ﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ﴾ أي: ليروهم ويمدحوهم ويعظموهم ﴿وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أي: ليس إنفاقهم صادرا عن إخلاص وإيمان بالله ورجاء ثوابه. أي: فهذا من خطوات الشيطان وأعماله التي يدعو حزبه إليها ليكونوا من أصحاب السعير. فلهذا قال: ﴿وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ أي: بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهلاك من قارنه .
فكما أن من بخل بما آتاه الله، وكتم ما مَنَّ به الله عليه عاص آثم مخالف لربه، فكذلك من أنفق وتعبد لغير الله فإنه آثم عاص لربه مستوجب للعقوبة، لأن الله إنما أمر بطاعته وامتثال أمره على وجه الإخلاص، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾


مبدأ الأمانة و العدل

إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً - 58

والأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي: كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله. وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها. قالوا: لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها؛ فوجب ذلك.
وفي قوله: ﴿إِلَى أَهْلِهَا﴾ دلالة على أنها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمِن، ووكيلُه بمنزلته؛ فلو دفعها لغير صاحبها لم يكن مؤديا لها.
﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأموال والأعراض، القليل من ذلك والكثير، على القريب والبعيد، والبر والفاجر، والولي والعدو.
والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به وهو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والأحكام، لأن شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون.

*****

مبدأ الإستقرار

ومبدأ الإستقرار من أخلاق المجتمعات الراقية والمتحضرة, ويتأتى الإستقرار بالطاعة على الحق وعدم المنازعة , فالكل متساوي أمام الشريعة , فإن حدث إختلاف وتنازع في مسئلة ما , فيرد الأمر الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً -59

أمر من الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما.
وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله،
ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى الرسول أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.
فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم.



*****

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
12-03-2010, 06:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء السادس
( 1 )
بعض آيات من سورة المائدة


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ - 1

الوفاء بالعقود من أهم المبادئ التي تصنع الاستقرار في المجتمعات الفاضلة والمتحضرة.
وما كثرت المنازعات أمام المحاكم إلا بسبب عدم الوفاء بالعقود.

هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الإنتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم.
والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع.
فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها .

******

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ - 8

العدل هو أساس نهضة الأمم وإستمرارها وبدون العدل تنهار , و يدعونا ربنا أن نعدل حتى مع من نبغضهم , وإن ذلك العدل يقربنا من تقوى الله العلي الحكيم ,
بهذه المبادئ - الوفاء - العدل - الإيمان - العمل الصالح بكل مجالاته تنهض الأمم وتحيا قوية غير متخلفة.

وأن يكون ذلك القيام لله وحده، لا لغرض من الأغراض الدنيوية، وأن تكونوا قاصدين للقسط، الذي هو العدل، لا الإفراط ولا التفريط، في أقوالكم ولا أفعالكم، وقوموا بذلك على القريب والبعيد، والصديق والعدو.
﴿ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ ﴾ أي: لا يحملنكم بغض ﴿ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا ﴾ ولو كان كافرا أو مبتدعا، فإنه يجب العدل معه ، وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق.
﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ أي: كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم، فإن تم العدل كملت التقوى.

*****

وإذا تحققت المبادئ السابقة من رحمة وأمانة وصدق واستقامة وعدل
كان من الضروري حماية المجتمع من شرار الخلق الذين يفسدون في
الأرض,

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ - 33 إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ – 34

المحاربون لله ولرسوله، هم الذين بارزوه بالعداوة، وأفسدوا في الأرض بالكفر والقتل، وأخذ الأموال، وإخافة السبل وقطع الطريق.
والمشهور أن هذه الآية الكريمة في أحكام قطاع الطريق، الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي، فيغصبونهم أموالهم، ويقتلونهم، ويخيفونهم، فيمتنع الناس من سلوك الطريق التي هم بها، فتنقطع بذلك.
فأخبر الله أن جزاءهم ونكالهم -عند إقامة الحد عليهم- أن يفعل بهم واحد من هذه الأمور.
واختلف المفسرون: هل ذلك على التخيير، وأن كل قاطع طريق يفعل به الإمام أو نائبه ما رآه المصلحة من هذه الأمور المذكورة؟ وهذا ظاهر اللفظ، أو أن عقوبتهم تكون بحسب جرائمهم، فكل جريمة لها قسط يقابلها، كما تدل عليه الآية بحكمتها وموافقتها لحكمة الله تعالى.
﴿ذَلِكَ﴾ النكال ﴿ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ﴾ أي: فضيحة وعار ﴿ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ فدل هذا أن قطع الطريق من أعظم الذنوب، موجب لفضيحة الدنيا وعذاب الآخرة، وأن فاعله محارب لله ولرسوله.
وإذا كان هذا شأن عظم هذه الجريمة، علم أن تطهير الأرض من المفسدين، وتأمين السبل والطرق، عن القتل، وأخذ الأموال، وإخافة الناس، من أعظم الحسنات وأجل الطاعات، وأنه إصلاح في الأرض، كما أن ضده إفساد في الأرض.

******

إذا تحققت الأخلاق على النحو الذي أرادها الله تعالى – تحقق الرخاء وتوزعت الثروات بالعدل, فلا وجود لفقير معدم وذلك لان لهم حق في زكاة أموال الأغنياء – وبناء على ما تقدم تكون جريمة السرقة لامبرر لها, بل تكون سبب في إشاعة الفزع وعدم الثقة بين الناس .

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - 38 فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ - 39


السارق: هو من أخذ مال غيره المحترم خفية، بغير رضاه. وهو من كبائر الذنوب الموجبة لترتب العقوبة ، وهو قطع اليد اليمنى، كما هو في قراءة بعض الصحابة.
ولكن السنة قيدت عموم هذه الآية من عدة أوجه ووضعت شروطا شديدة لذلك الحد وضمانات حتى لا يطبق إلا على مجرم شديد الإجرام لم تفد فيه سبل الإصلاح,
وضعت شروطا في الشئ المسروق , ووضعت شروطا في السارق , وذلك ضمانا لتحقيق العدالة ,
أولا الشروط في الشئ المسروق ,
منها: الحرز، فإنه لابد أن تكون السرقة من حرز، وحرز كل مال: ما يحفظ به عادة. فلو سرق من غير حرز فلا قطع عليه.
ومنها: أنه لابد أن يكون المسروق نصابا، وهو ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما يساوي أحدهما، فلو سرق دون ذلك فلا قطع عليه.
ولو كان غير محرز لم يكن ذلك سرقة شرعية. ولا قطع فيه.
ومن الحكمة أيضا أن لا تقطع اليد في الشيء النزر التافه، فلما كان لابد من التقدير، كان التقدير الشرعي مخصصا للكتاب.
والحكمة في قطع اليد في السرقة، أن ذلك حفظ للأموال، واحتياط لها،

ثانيا الشروط في السارق ,
أن يكون بالغا عاقل , أن يكون مكتفيا , أي لابد أن يكون ضمن حماية مالية تسد حاجاته الأساسية من مأكل وملبس وعلاج هو وأسرته , مثال ذلك التأمين ضد البطالة ونحوها فيحصل على ما يغنيه في معيشته,
ولذلك كان في عام المجاعة زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه , لم يطبق حد السرقة وذلك لإنتفاء شرط من شروط الحد ألا وهو الغنى .
وهكذا نرى أن السارق - في ظل المجتمع الإسلامي الذي يوفر له الحياة الكريمة – قد إرتكب جريمة قد تؤدي إلى هلاك أسرة تعتمد على ما لديها من مال لشراء الغذاء والدواء فوجب محاسبته وخاصة بعد كل الشروط السابقة التي تجعل من السرقة جريمة بشعة يجب ردعها لمنع من تسول له نفسه إقتراف ذلك الجرم في حق الآمنين المسالمين .

وإذا وجدت أدنى شبهة سواء في الشروط في المال أو في الشخص المتهم , لا يطبق الحد ..لقول الرسول صلى الله عليه وسلم , ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ...
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: العلل الكبير - الصفحة أو الرقم: 228

فقد جاء الإسلام لحماية المجتمع من الفساد وحماية الأفراد من الكسب الحرام....
ولذلك ساد الإستقرار والأمان في البلدان التي طبقت فيها شريعة الله.
ولم يطبق الحد إلا نادرا . عبر عشرات السنين , فإن الحدود تحدث أثارا قوية في ردع من تسول له نفسه ترويع المجتمع بتلك الجرائم البشعة.
ولعل من زار بعض البلدان غير الإسلامية يجد إعلانات كبيرة مكتوب عليها : إذا إستوقفك لص أعطه ما يريد فإن حياتك أغلى من المال .
وقد حدث في حالات إنقطاع التيار الكهربي جرائم سرقة وسطو ونهب في تلك البلدان الكبيرة والمتحضرة , حيث غاب الجانب الإيماني أولا ثم غاب الرادع النفسي للعقوبة ثانيا ,

بينما في دولة مثل السعودية حيث تطبيق الحدود إذا ذهبت إليها فأنت أمن,
تمشي وحدك عبر الصحراء الشاسعة والتي تغري بقطع الطريق والسرقة ولكن لا يجرؤ إنسان أن يتعرض لك بإذى , لماذا ؟ لأن هذا البلد يطبق الحدود.

ولذلك قال تعالى : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ -179 البقرة


********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
13-03-2010, 02:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء السادس
( 2 )
بعض آيات من سورة المائدة

مبدأ القيادة والإستقلالية للأمة الإسلامية

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ - 48
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ - 49
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ - 50

********
يقول تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ الذي هو القرآن العظيم، أفضل الكتب وأجلها.
﴿بِالْحَقِّ﴾ أي: إنزالا بالحق، ومشتملا على الحق في أخباره وأوامره ونواهيه.﴿مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ لأنه شهد لها ووافقها، وطابقت أخباره أخبارها، وشرائعه الكبار شرائعها، وأخبرت به، فصار وجوده مصداقا لخبرها.
﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ أي: مشتملا على ما اشتملت عليه الكتب السابقة، وزيادة في المطالب الإلهية والأخلاق النفسية. فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه.
وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة، والأحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد والتحريف فهو مردود ومحرف.

﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ وهنا نلاحظ المركز القيادي لأمة الإسلام, حيث التكليف الإلهي بالحكم بشريعة الله التي هي العدل المطلق لصالح البشرية المعذبة التي تتخبط في الفساد والظلم والعدوان.
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ من الحكم الشرعي الذي أنزله الله عليك. ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ أي: لا تجعل اتباع أهوائهم الفاسدة المعارضة للحق بدلا عما جاءك من الحق .
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ﴾ أيها الأمم جعلنا ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ أي: سبيلا وسنة، وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الأمم، هي التي تتغير بحسب تغير الأزمنة والأحوال، وكلها ترجع إلى العدل في وقت شرعتها، وأما الأصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان، فإنها لا تختلف، فتشرع في جميع الشرائع.
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ تبعا لشريعة واحدة، لا يختلف متأخرها ولا متقدمها.
﴿وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ فيختبركم وينظر كيف تعملون، ويبتلي كل أمة بحسب ما تقتضيه حكمته، ويؤتي كل أحد ما يليق به، وليحصل التنافس بين الأمم فكل أمة تحرص على سبق غيرها، ولهذا قال: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ أي: بادروا إليها وأكملوها، فإن الخيرات الشاملة لكل فرض ومستحب، من حقوق الله وحقوق عباده.
بالمبادرة إليها، وانتهاز الفرصة حين يجيء وقتها ويعرض عارضها، ثم الاجتهاد في أدائها كاملة على الوجه المأمور به.

ويستدل بهذه الآية، على المبادرة لأداء الصلاة وغيرها في أول وقتها، وعلى أنه ينبغي أن لا يقتصر العبد على مجرد ما يجزئ في الصلاة وغيرها من العبادات من الأمور الواجبة، بل ينبغي أن يأتي بالمستحبات، التي يقدر عليها لتتم وتكمل، ويحصل بها السبق.

﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾ الأمم السابقة واللاحقة، كلهم سيجمعهم الله ليوم لا ريب فيه. ﴿فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ من الشرائع والأعمال، فيثيب أهل الحق والعمل الصالح، ويعاقب
أهل الباطل والعمل السيئ.


﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾

وهذه الآية تدل على أنه إذا حكم، فإنه يحكم بينهم بما أنزل الله من الكتاب والسنة، وهو القسط الذي تقدم, .. قال تعالى: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾ ودل هذا على بيان القسط، وأن مادته هو ما شرعه الله من الأحكام، فإنها المشتملة على غاية العدل والقسط، وما خالف ذلك فهو جور وظلم.
﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ كرر النهي عن اتباع أهوائهم لشدة التحذير منها. ولأن ذلك في مقام الحكم والفتوى، وهو أوسع، وهذا في مقام الحكم وحده، وكلاهما يلزم فيه أن لا يتبع أهواءهم المخالفة للحق، ولهذا قال: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ أي: إياك والاغترار بهم، وأن يفتنوك فيصدوك عن بعض ما أنزل الله إليك.

﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾ عن اتباعك واتباع الحق ﴿فَاعْلَمْ﴾ أن ذلك عقوبة عليهم وأن الله يريد ﴿أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ فإن للذنوب عقوبات عاجلة وآجلة، ومن أعظم العقوبات أن يبتلى العبد ويزين له ترك اتباع الرسول، وذلك لفسقه.
﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ أي: طبيعتهم الفسق والخروج عن طاعة الله واتباع رسوله.

﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ أي: أفيطلبون بتوليهم وإعراضهم عنك حكم الجاهلية ؟ وهو كل حكم خالف ما أنزل الله على رسوله.
فمن أعرض عن الأول ابتلي بالثاني المبني على الجهل والظلم والغي، ولهذا أضافه الله للجاهلية، وأما حكم الله تعالى فمبني على العلم، والعدل والقسط، والنور والهدى.
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ فالموقن هو الذي يعرف الفرق بين الحكمين ويميز – بإيقانه - ما في حكم الله من الحسن والبهاء، وأنه يتعين - عقلا وشرعا - اتباعه.
واليقين، هو العلم التام الموجب للعمل.

******

وفي الحديث القدسي لرب العزة

عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال
" يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما .
فلا تظالموا ......
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2577
خلاصة الدرجة: صحيح

*******

وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ولا يكون لأحد ممن بعدهم فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم .
قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة .
وساد العدل والرخاء في ظل شريعة الله ونعمت الدنيا بحكم الإسلام.
فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب

******
فمن آسماء الله تعالى الحسنى أنه الحكم العدل
الحكم بمعنى الفصل بين المنازعات ,
قال تعالى : أفغير الله أبتغي حكما -114الأنعام
وقال تعالى : واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين – 109 يونس
وأحكم الأمر : أتقنه , قال تعالى : ثم يحكم الله آياته – 52 الحج
والحاكم هو الذي لا راد لقضائه , ولا معقب لحكمه هو الله.
قال تعالى : إن الحكم إلا لله - 57 الأنعام
فهو وحده المجازي كل نفس بما عملت سبحانه وتعالى.
والعدل المنزه عن الظلم , قال تعالى : وما ربك بظلام للعبيد – 46 فصلت
وقال تعالى :
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ – 90 النحل

فهو العدل المطلق.
هو الله .

******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
14-03-2010, 01:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء السابع
( 1 )
وبعض آيات من سورة المائدة

مبدأ المرجعية في الحلال والحرام

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ – 87 وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ – 88

من الأمور الخطيرة التي يقع فيها الإنسان تحريم وتحليل الأشياء بغير مرجعية تحدد له الحلال والحرام , وبذلك يقع فريسة لشياطين الإنس والجن ليحطموا كيانه البدني , بواسطة تزين المحرمات مثل الخمر ولحم الخنزير والدم , وتحريم الطيبات من اللحم المذبوح بطريقة شرعية , وغيرها من الطيبات من الرزق .
وتعاني الإنسانية هذه الأيام - من جراء هذه المخلافات - العديدة من الأمراض التي لم تكن من قبل .
قال تعالى :
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ – 41 الروم
أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها , وتركهم الحلال الطيب .
ويقول تعالى :
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 32 قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ – 33 الأعراف
ينكر تعالى على من تعنت، وحرم ما أحل اللّه من الطيبات من أنواع اللباس على اختلاف أصنافه، والطيبات من الرزق، من مأكل ومشرب بجميع أنواعه،
فمَن هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم اللّه بها على العباد، ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسَّعه اللّه ؟
وهذا التوسيع من اللّه لعباده بالطيبات، جعله لهم ليستعينوا به على عبادته،

وقال تعالى في سورة النحل :

فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ - 114 إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ - 115 وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ - 116
يأمر تعالى عباده بأكل ما رزقهم الله من الحيوانات والحبوب والثمار وغيرها. ﴿حَلالا طَيِّبًا﴾ أي: حالة كونها متصفة بهذين الوصفين بحيث لا تكون مما حرم الله أو أثرا عن غصب ونحوه. فتمتعوا بما خلق الله لكم من غير إسراف ولا تَعَدٍّ.
ولا تحرموا وتحللوا من تلقاء أنفسكم، كذبا وافتراء على الله وتقولا عليه.
فالله تعالى ما حرم علينا إلا الخبيثات تفضلا منه، وصيانة لنا عن كل مستقذر.

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ من المطاعم والمشارب، فإنها نعم أنعم الله بها عليكم، فاحمدوه إذ أحلها لكم، واشكروه ولا تردوا نعمته بكفرها أو عدم قبولها، أو اعتقاد تحريمها، فتجمعون بذلك بين القول على الله الكذب، وكفر النعمة، واعتقاد الحلال الطيب حراما خبيثا، فإن هذا من الاعتداء.

والله قد نهى عن الاعتداء فقال: ﴿وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك.
ثم أمر بضد ما عليه المشركون، الذين يحرمون ما أحل الله فقال: ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا﴾ أي: كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم، بما يسره من الأسباب، إذا كان حلالا, لا سرقة ولا غصبا ولا غير ذلك من أنواع الأموال التي تؤخذ بغير حق، وكان أيضا طيبا، وهو الذي لا خبث فيه، فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث.

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه. ﴿الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ فإن إيمانكم بالله يوجب عليكم تقواه ومراعاة حقه، فإنه لا يتم إلا بذلك.
ويدخل في هذه الآية أنه لا ينبغي للإنسان أن يتجنب الطيبات ويحرمها على نفسه، بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه.

*******

فقد جاءت شريعة الله رحمة وهداية لجميع البشر.


قال تعالى لجميع البشر رحمة لهم :

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ - 168 البقرة

******

وقال تعالى لأحبابه المؤمنين :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ - 172 إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ – 173 البقرة

هذا أمر للمؤمنين خاصة, بعد الأمر العام, وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي, بسبب إيمانهم, فأمرهم بأكل الطيبات من الرزق, والشكر لله على إنعامه , باستعمالها بطاعته , والتقوي بها على ما يوصل إليه ، فأمرهم بما أمر به المرسلين في قوله : ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا – 51 المؤمنون ﴾


*****

وقال تعالى لأهل الكتاب رحمة بهم :

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – 157 الأعراف

وهذا من دلائل النبوة لرسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه, الذي علم الإنسانية.
فهذا وصفه في التوراة والإنجيل.
يأمرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار , وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق، والعفاف، والبر، والنصيحة، وما أشبه ذلك، وينهى عن الشرك باللّه، وقتل النفوس بغير حق، والزنا، وشرب ما يسكر العقل، والظلم لسائر الخلق، والكذب، والفجور، ونحو ذلك‏.‏

فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه،
فإنه ‏﴿ ‏يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ‏﴾‏ من المطاعم والمشارب، و الزواج‏.‏
‏﴿ ‏وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ‏ ﴾ ‏من المطاعم والمشارب والفواحش، والأقوال والأفعال‏.‏
‏﴿ ‏وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم ‏﴾‏ فالإسلام مع عظم تعاليمه إلا أنه دين سهل واضح المعالم , سمح ميسر، لا إصر فيه، ولا أغلال، ولا مشقات ولا تكاليف ثقال‏.‏

قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ – 107 الأنبياء

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-03-2010, 09:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء السابع
( 2 )
وبعض آيات من سورة المائدة

واستكمالا لمبدأ المرجعية في تحديد الحلال والحرام, نعيش مع تلك الآيات الكريمة.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - 90 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ – 91

وقد ورد في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال:
كل مسكر خمر . وكل مسكر حرام . ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ، لم يتب ، لم يشربها في الآخرة .
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2003
خلاصة الدرجة: صحيح

لا سبيل للإنسانية وخاصة المؤمنين النهوض والفوز في الدنيا والأخرة إلا بترك المحرمات , فإنها من عمل الشيطان، وأنها رجس.
خصوصا هذه الفواحش المذكورة، وهي الخمر وهي: كل ما خامر العقل أي: غطاه بسكره،
والميسر، وهو: جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين، كالمراهنة والقمار ونحوها،
والأنصاب التي هي: الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من دون الله،
والأزلام التي يستقسمون بها، فهذه الأربعة نهى الله عنها وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها. وأنها من عمل الشيطان، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان.
ومن المعلوم أن العدو يحذر منه، وتحذر مصايده وأعماله، خصوصا الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه، فإنها فيها هلاكه، فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين، والحذر منهـا، والخوف من الوقوع فيها.
ومنها: أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو: الفوز بالمطلوب المحبوب وهي السعادة في الدنيا والفوز بالجنة في الأخرة ، والنجاة من المرهوب وهي الشقاء في الدنيا والنار في الأخرة .
فالخمر والميسر موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء.
فإن في الخمر من انغلاق العقل ، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى القتل. وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء.
ومنها: أن هذه الأشياء تصد القلب، وتبعد الإنسان عن ذكر الله وعن الصلاة، اللذين خلق لهما العبد، وبهما سعادته،
فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها، وتجعله من أهل الخبث، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه، فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها، وتحول بين العبد وبين فلاحه، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة ؟" فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها ؟"
ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها، عرضا بقوله: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ لأن العاقل - إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد - انزجر عنها وكفت نفسه .
********
وقد وردت عدة أحاديث في كتب الصحاح عن تلك المحرمات , قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :

لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة ، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم ، حين ينتهبها وهو مؤمن .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2475
خلاصة الدرجة: صحيح

إن من أشراط الساعة : أن يرفع العلم ويثبت الجهل ، ويشرب الخمر ، ويظهر الزنا.
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 80
خلاصة الدرجة: صحيح

أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن ، فنظر إليهما ، فأخذ اللبن ، قال جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة ، لو أخذت الخمر غوت أمتك .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4709
خلاصة الدرجة: صحيح

لما أنزلت الآيات من آخر سورة البقرة ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن علينا ، ثم حرم التجارة في الخمر .
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4543
خلاصة الدرجة: صحيح

*******

و لا شك أن البلدان التي تبيح صنع الخمور وبيعها تعاني كثيرا من المشاكل المترتبة على ذلك سواء بالإنفاق على معالجة الإدمان , أو الحوادث جراء المسكرات.
ولذلك ندرك قيمة تحريم هذه الخبائث في المجتمع الإسلامي النظيف الذي يسعى للرقي بذلك الإنسان وحمايته من شياطين الإنس والجن.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
16-03-2010, 02:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الجزء السابع
(3)
ختام سورة المائدة

مبدأ الصدق في حياة المؤمن


قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - 120


والصادقون هم الذين استقامت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهدْي القويم، فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق،

قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم:
إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا .
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6094
خلاصة الدرجة: صحيح

*****
وإن من أعظم المبادئ التي جاء بها الإسلام مبدء الصدق ,
ولا يجتمع الإيمان و الكاذب في الإسلام أبدا.

قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم ، فقيل : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : لا
الراوي: صفوان بن سليم - المصدر: التمهيد - الصفحة أو الرقم: 16/253
خلاصة الدرجة: حسن


وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يجيء كل يوم خميس يقوم قائما لا يجلس فيقول: إنما هما اثنتان, فأحسن الهدي هدي محمد وأصدق الحديث كتاب الله.
وشر الأمور محدثاتها وكل محدث ضلالة,
إن الشقي من شقي في بطن أمه وإن السعيد من وعظ بغيره.
ألا فلا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل, فإن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما ليس آتيا .
وإن من شرار الناس بطال النهار جيفة الليل.
وإن قتل المؤمن كفر وإن سبابه فسوق.
ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
ألا إن شر الروايا روايا الكذب وإنه لا يصلح من الكذب جد ولا هزل,
ولا أن يعد الرجل صبيه ثم لا ينجزه ألا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الصادق يقال له صدق وبر وإن الكاذب يقال له كذب وفجر ,
وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إن العبد ليصدق فيكتب عند الله صديقا وإنه ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ألا هل تدرون ما العضة هي النميمة التي تفسد بين الناس.
الراوي: عبدالله بن مسعود - المصدر: شفاء العليل - الصفحة أو الرقم: 1/105
خلاصة الدرجة: متواتر

******
ومبدء الصدق يكون في جميع المعاملات
وخلق الصدق يؤدي إلى الثقة بين أفراد المجتمع.

روى البخاري في صحيحه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ابن الأتبية على صدقات بني سليم ، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاسبه قال : هذا الذي لكم ، وهذه هدية أهديت لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا .
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإني أستعمل رجالا منكم على أمور مما ولاني الله ، فيأتي أحدكم فيقول : هذا لكم وهذه هدية أهديت لي ، فهلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ، فوالله ، لا يأخذ أحدكم منها شيئا بغير حقه ، إلا جاء الله يحمله يوم القيامة .
الراوي: أبو حميد الساعدي المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:7197
خلاصة الدرجة: صحيح

******
ويتجلى مبدء الصدق في الخصومات بالمحاكم .
فلو ذهب شخص إلى محام وتولى الدفاع عنه بكل أشكال الطرق
وهو يعلم أنه ليس على حق وحكم له القاضي بناء على هذا الدفاع ,
ماذا يفعل ؟ لنستمع إلى معلم الإنسانية قيمة الصدق:

سمع النبي صلى الله عليه وسلم جلبة خصام عند بابه ، فخرج عليهم فقال : إنما أنا بشر ، وإنه يأتيني الخصم ، فلعل بعضا أن يكون أبلغ من بعض ، أقضي له بذلك ، وأحسب أنه صادق ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار ، فليأخذها أو ليدعها .
الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7185
خلاصة الدرجة: صحيح

*******
أهمية مبدأ الصدق في حياة الإنسان
وأنه حبل النجاة إلى مرضاة الله تعالى .

وكلنا يعرف قصة كعب بن مالك الذي تخلف في غزوة تبوك, وكيف نجاه الله بصدقه .
قال كعب : فوالله ما أعلم أحد أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني ، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا ، وأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار - إلى قوله - وكونوا مع الصادقين .سورة التوبة
الراوي: كعب بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4678
خلاصة الدرجة: صحيح


*******
أهمية الصدق في العقيدة

من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، صادقا من قلبه دخل الجنة.
الراوي: معاذ بن جبل - ابن خزيمة - المصدر: التوحيد - الصفحة أو الرقم: 787/2

من قال : لا إله إلا الله صادقا من قلبه ، دخل الجنة.
- المصدر: الاستذكار - الصفحة أو الرقم: 4/92
خلاصة الدرجة: صحيح

قال تعالى في وصف المنافقين:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ- 8 - يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ -9 فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ -10 - سورة البقرة
واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي, والنفاق العملي،
كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " آية المنافق ثلات: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان " وفي رواية: " وإذا خاصم فجر "
وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام, فهو الذي وصف الله به المنافقين في الآيات السابقة،
ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة, وبعد أن هاجر, فلما كانت وقعة " بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم, فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة, ولتحقن دماؤهم, وتسلم أموالهم, فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم, وفي الحقيقة ليسوا منهم.
فمن لطف الله بالمؤمنين, أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها, لئلا يغتر بهم المؤمنون,
فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله بقوله: ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ لأن الإيمان الحقيقي, ما تواطأ عليه القلب واللسان, وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين.
والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا, ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤلاء المنافقون, سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك, فعاد خداعهم على أنفسهم،
لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم شيئا , وعباده المؤمنون, لا يضرهم كيدهم شيئا، فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان, فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم, وصار كيدهم في نحورهم, وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا, والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة.
ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع, بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم, والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك.

وفي قوله عن المنافقين: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين, وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ .- 110 الأنعام
وقال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ – 5 الصف
وقال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ – 125 التوبة
فعقوبة المعصية, المعصية بعدها, كما أن من ثواب الحسنة, الحسنة بعدها، قال تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى – 76 مريم

****

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
17-03-2010, 11:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثامن
( 1 )
بعض آيات من آواخر سورة الأنعام وبداية
سورة الأعراف

إشتملت تلك الآيات على كثير من المبادئ الهامة في حياة الإنسان عبر العصور المختلفة , ولأن هناك ضرورات ثابتة في حياة البشر لا تتغير بتغير الزمان أو المكان فكان لابد لها من تلك المبادئ الثابتة التي تنظمها وتضع لها الضوابط حتي تستقيم المجتمعات ضمن منظومة تشريعية متكاملة لحقوق الفرد والمجتمع.

قال تعالى :

قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ -151

وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ -152

وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ -153

أهم المبادئ التي نحاول أن نلتمسها من الآيات الكريمة.

حرية الإرادة بالتوجه لله الحق وحده بالعبادة , الإحسان إلى الأباء , حقوق الطفل وعدم قتلهم من الفقر, تحريم الفواحش , تحريم قتل النفس , صيانة مال اليتيم , الوفاء في الكيل والميزان , العدل في القول , الوفاء بعهد الله تعالى.

أولا- التحرر من العبودية لغير الله سبحانه , أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ...
فالتوحيد هو أساس الحرية التي يسعى اليها الإنسان , فإذا أسلم العبد لله, وشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله , فقد تحققت له الحرية الحقيقية لا الحريات الزائفة التي تدور حول الإنفلات الأخلاقي الذي نشاهده اليوم والذي يؤدي إلى الأمراض النفسية والهلاك في الدنيا والأخرة.

ثانيا- الإحسان إلى الآباء , وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...
وهذه قمة الأخلاق التى لا تعرفها الحضارة اليوم , فغاية ما يفعلونه إنشاء دور للمسنين ووضعهم فيها دون مراعاة لمشاعرهم في الحاجة الى حنان الآبناء والأحفاد...

ثالثا- حقوق الطفل , وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ...
فقد أمرنا الله تعالى بعدم قتلهم بسبب الفقر , فإن الذي خلقنا هو الذي يرزقنا وإياهم , والذي يتصور غير ذلك ليس بمؤمن.
وحقوق الطفل كثيرة في الشريعة الإسلامة منها الإختيار الجيد لأمه ,
ومنها العناية بتعليمه والإهتمام بالرياضة مثل السباحة والرماية وركوب الخيل إلى غير ذلك.
علموا بنيكم السباحة والرمي ...
المصدر: مختصر المقاصد - الصفحة أو الرقم: 658
والعدل بين الأبناء , ورد أن صحابيا سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية ، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله ، قال : ( أعطيت سائر ولدك مثل هذا ) . قال : لا ، قال : ( فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) . قال : فرجع فرد عطيته .
الراوي: النعمان بن بشير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2587
خلاصة الدرجة: صحيح
وقبل كل شئ ينشأ في رحاب الصلة بالله تعالى,
حيث يؤمر الطفل بالصلاة في عمر سبع سنوات., لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع .
المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 495

رابعا- عدم القرب من الفواحش ماظهر منها وما بطن, وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ....
والنهي هنا جاء مشددا حيث كان النهي عن مجرد الإقتراب من الفواحش من تحرش وزنا وما شابه ذلك ...

خامسا- حماية النفس الإنسانية من القتل, وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ...
تحريم قتل النفس مطلقا إلا بالقانون , كعقوبة القتل العمد..
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
اجتنبوا السبع الموبقات . قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات
الراوي: أبو هريرة -المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6857
خلاصة الدرجة: صحيح

قال تعالى: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ َتعْقِلُونَ...

سادسا- صيانة مال اليتيم , وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ...
بالنهي عن تبديد ماله الذي ورثه , ولكن إن كان التعامل مع مال اليتيم لتنميته واستثماره فلا بأس , فإذا بلغ اليتيم الرشد فيسلم إليه ماله...

سابعا- الوفاء في المعاملات المالية , وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا...
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
من حمل علينا السلاح فليس منا . ومن غشنا فليس منا
الراوي: أبو هريرة - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 101
خلاصة الدرجة: صحيح

الوفاء في الكيل في حالة البيع بهذه الوسيلة,( المكيال)
والوفاء والدقة في الميزان في حالة البيع بهذه الوسيلة ( الميزان)
وهذا بقدر الإمكان قال تعالى : لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا...

ثامنا- العدل في القول , وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى...
العدل في القول ولو كان الذي عليه الحق قريب , فالعدل أساس الملك وبدون العدل تنهار الأمم..

تاسعا- الوفاء بعهد الله , وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ, ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
في حال الإتفاق بين الأفراد بعهود معينة, وجب الوفاء بها, وكذلك العهود المبرمة بين الدول , وما كانت المنازعات وماكانت الحروب إلا بعدم الوفاء بالعهود..

عاشرا- اتباع طريق الله المستقيم , وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ...
والطريق المستقيم هو الطريق الموصل إلى السعادة في الدنيا وإلى جنات الله في الأخرة...والنهي عن إتباع طرق الشيطان لانها تبعدنا عن طريق الحق والهدية.

هذه المبادئ العظيمة مرتبطة بعقيدة التوحيد ولا يمكن أن نفصل بينها.
قال تعالى: ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.


وتأكيدا لتلكم المبادئ جاءت الآية-33 من سورة الأعراف

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ .



********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
18-03-2010, 03:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثامن
( 2 )
بعض آيات من سورة الأعراف

وتتوالى المبادئ والأخلاق راجين من الله تعالى أن تسود بيننا .

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ -55 وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ - 56

الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فأمر بدعائه ﴿تَضَرُّعًا﴾ أي: إلحاحا في المسألة، ودُءُوبا في العبادة، ﴿وَخُفْيَةً﴾ أي: لا جهرا وعلانية، يخاف منه الرياء، بل خفية وإخلاصا للّه تعالى.
﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ أي: المتجاوزين للحد في كل الأمور،
ومن الاعتداء كون العبد يسأل اللّه مسائل لا تصلح له، أو يتنطع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه.

******

﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ﴾

والفساد يقع بعمل المعاصي, فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق، كما قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾41 الروم
إن كثيرا من المشكلات المعاصرة سببها الرئيسي الفساد.
وكثيرا ما نرى مشاريع عملاقة صنعت سلفا ودمرها الفساد من إهمال وسرقة ورشاوى وغيرها.
وقضايا البيئة والتلوث وترشيد إستخدام الطاقة , واستخدام الوسائل النظيفة مثل الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء وتسير المركبات.
كل هذا وغيره تشير إليه تلك الآية الكريمة.

﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ﴾

يعتبر هذا نصا دستوريا ثابتا لا يتغير بتغير الزمان أو المكان.
وبذلك ندرك مدى صلاحية الشريعة الإسلامية على مدى العصور .

وإذا كان الفساد يظهر بسبب المعاصي والمخالفات,
فأن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة.

﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أي: خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، طمعا في قبولها، وخوفا من ردها، لا دعاء عبد قد أعجبته نفسه، ونزل نفسه فوق منزلته، أو دعاء من هو غافل لاَهٍ.
وحاصل ما ذكر اللّه من آداب الدعاء: الإخلاص فيه للّه وحده، لأن ذلك يتضمنه الخفية، وإخفاؤه وإسراره،
وأن يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا، ولا آمنا ولا غير مبال بالإجابة، وهذا من إحسان الدعاء، فإن الإحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها، وأداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه،
ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ في عبادة اللّه، المحسنين إلى عباد اللّه، فكلما كان العبد أكثر إحسانا، كان أقرب إلى رحمة ربه، وكان ربه قريبا منه برحمته، وفي هذا من الحث على الإحسان ما لا يخفى.

******

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال:
أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، و أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربة ، أو يقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، و لأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد ، يعني مسجد المدينة شهرا ، و من كف غضبه ستر الله عورته ، و من كظم غيظه ، و لو شاء أن يمضيه أمضاه, ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ، و من مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام ، و إن سوء الخلق يفسد العمل ، كما يفسد الخل العسل .
الراوي: عبدالله بن عمر - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 906
خلاصة الدرجة: صحيح

*****
وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-03-2010, 08:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء التاسع
( 1 )
بعض آيات من سورة الأعراف

قد يقول إنسان ما فائدة الإيمان ؟ في التعامل بين الناس؟
وتجيب الآيات الكريمة علي هذا التساؤل وتضع قواعد
للأمان والرخاء ثم بيان لعاقبة المكذبين .

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ -96 أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ – 97 أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ – 98 أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ - 99

لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال، فالمؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده .
ولو استعملوا تقوى اللّه تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم اللّه،
والتقوى هي الخشية من الله تعالى في القلب تنعكس على جميع جوارح الإنسان , فإذا تحقق الإيمان والتقوى بين المجتمعات , لفتح الله تعالى عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب، ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ بالعقوبات والبلايا ونزع البركات، وكثرة الآفات، هي بعض جزاء أعمالهم، وإلا فلو آخذهم بجميع ما كسبوا، ما ترك عليها من دابة. ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾41 الروم
﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى﴾ أي: المكذبة، بقرينة السياق ﴿أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا﴾ أي: عذابنا الشديد ﴿بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ﴾ أي: في غفلتهم، وغرتهم وراحتهم.
﴿أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ أي: أي شيء يؤمنهم من ذلك، وهم قد فعلوا أسبابه، وارتكبوا من الجرائم العظيمة، ما يوجب بعضه الهلاك؟!
﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويملي لهم، إن كيده متين، ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾
وقد بين لنا ربنا أوصافهم في آية آخرى , قال تعالى :
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ – 27 البقرة
ولا يقتصر الخسران في الدنيا بل يشمل الأخرة , نسأل الله السلامة .
قال تعالى: (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) الزمر/15
فإن من أمن من عذاب اللّه، فهو لم يصدق بالجزاء على الأعمال، ولا آمن بالرسل حقيقة الإيمان.
وهذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ، على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنا على ما معه من الإيمان.
بل لا يزال خائفا وجلا أن يبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيا بقوله: ﴿يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك﴾ وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن، فإن العبد - ولو بلغت به الحال ما بلغت - فليس على يقين من السلامة.


وقوله تعالى " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا " أي آمنت قلوبهم بما جاء به الرسل وصدقت به واتبعوه واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات " لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " أي قطر السماء ونبات الأرض, وهذه هي الثروة الحقيقية للبشر ومن دونها لا يجدي شئ.
كيف يعيش الإنسان دون ماء عزب , كيف يعيش الإنسان دون أن تنبت الأرض بإذن ربها تلك الثمار التي يتقوت بها الإنسان وغيره من سائر المخلوقات , فإن البركة في هذه الأشياء الهامة من مياه عزبة وثمار طيبة وثروة سمكية وثروة حيوانية وثروة معدنية , هي الأساس الحقيقي للحياة الطيبة التي يتطلع إليها الإنسان . وكلها هبة من الله تعالى ,

قال تعالى " ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " أي ولكن كذبوا رسلهم فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم.

هل أدركنا ضرورة الإيمان برسالة الله تعالى وتطبيق ما ورد فيها من أداب وأخلاق وبيان لحقيقة التقوى حتى نسعد في الدنيا والآخرة. قال تعالى :
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – 97 النحل
****
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
21-03-2010, 11:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء التاسع
( 2 )
بعض آيات من سورة الأنفال

مبدأ الإصلاح بين المؤمنين

من المبادئ الهامة والتي سنجدها في مواضع عديدة, توحيد الصف بين المؤمنين . وإن حدث شقاق بين الأخوة وجب الإسراع للصلح بينهم بكافة الوسائل كما سنرى إن شاء الله في سورة الحجرات.
والإشارة هنا صريحة بالإصلاح بين المؤمنين والطاعة المطلقة لله تعالى ولرسوله صلوات ربي وسلامه عليه واله .
فإن توحيد الصف فيه القوة, والتنازع والتفرقة يتبعها الضعف والهوان.

******

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ -1
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ – 2
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ – 3 أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ – 4

تضمنت الآيات السابقة عددا من المبادئ والأخلاق الهامة , منها الإزعان لحكم الله تعالى في تقسيم الغنائم . ومنها التقوى والإصلاح بين المؤمنين . ثم الطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه واله وسلم.
ثم تدبر آيات الله سبحانه لزيادة الإيمان وحقيقة التوكل على الله تعالى, مع التأكيد على التزامهم بإقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله تبارك وتعالى, الذي أعد لهم الدرجات العلا في الجنة.

وإليكم ماورد مفصلا من كتب التفسير لهذه الآيات الكريمة.

الأنفال هي الغنائم التي ينفلها اللّه لهذه الأمة من أموال الكفار، وكانت هذه الآيات في هذه السورة قد نـزلت في قصة بدر أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين، .فحصل بين بعض المسلمين فيها نـزاع، فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها، فأنـزل اللّه ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَال﴾ كيف تقسم وعلى من تقسم؟
(قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي حكم تقسيمها لله تعالى ورسوله ,فلا اعتراض لكم على حكم اللّه ورسوله،. بل عليكم إذا حكم اللّه تعالى في أمر أن ترضوا بحكمه , و إذا حكم رسوله أن ترضوا بحكمه, وذلك داخل في قوله ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه..

﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾
أي: أصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر، بالتوادد والتحاب والتواصل..فبذلك تجتمع كلمتكم، ويزول ما يحصل - بسبب التقاطع -من التخاصم، والتشاجر والتنازع.
ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم، والعفو عن المسيئين منهم فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر،.
والأمر الجامع لذلك كله قوله تعالى : ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فإن الإيمان يدعو إلى طاعة اللّه ورسوله،.كما أن من لم يطع اللّه ورسوله فليس بمؤمن.
ومن نقصت طاعته للّه ورسوله، فذلك لنقص إيمانه،ولما كان الإيمان قسمين: إيمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء، والفوز التام، وإيمانا دون ذلك ذكر الإيمان الكامل فقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ الألف واللام للاستغراق لشرائع الإيمان.
﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: خافت ورهبت، فأوجبت لهم خشية اللّه تعالى الانكفاف عن المحارم، فإن خوف اللّه تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب.
﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم،.
لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه،أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقا إلى كرامة ربهم،أو وجلا من العقوبات، وازدجارا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان.
﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾ وحده لا شريك له ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي: يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع مضارهم الدينية والدنيوية، ويثقون بأن اللّه تعالى سيفعل ذلك.
والتوكل هو الحامل للأعمال كلها، فلا توجد ولا تكمل إلا به.
﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ من فرائض ونوافل، بأعمالها الظاهرة والباطنة، كحضور القلب فيها، الذي هو روح الصلاة ولبها،. ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ النفقات الواجبة، كالزكوات، والكفارات، والنفقة على الزوجات والأقارب، والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير.
﴿أُولَئِكَ﴾ الذين اتصفوا بتلك الصفات ﴿هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان، بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، بين العلم والعمل، بين أداء حقوق اللّه وحقوق عباده.
وقدم تعالى أعمال القلوب، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها،.وفيها دليل على أن الإيمان، يزيد وينقص، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها.
وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه،.وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب اللّه تعالى والتأمل لمعانيه.
ثم ذكر ثواب المؤمنين فقال تعالى: ﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أي: عالية بحسب علو أعمالهم. ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ وهو ما أعد اللّه لهم في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

******
والى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
23-03-2010, 10:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء العاشر
وبعض آيات من سورة الأنفال
( 1 )

مبدء القوة والسلام
وحماية الحدود (الرباط) بصفة دائمة.

إن المتتبع لهذه السلسلة - مبادئ الأداب والمعاملات من القرآن العظيم -
يلاحظ مدى رقي حضارة الدولة الإسلامية , بما تشكله من عدل وأمان وسلام لها وللعالم . وقد إستمرت قرابة من ثلاثة عشر قرنا من الزمان هي الدولة الأولي في العالم , ولم نرى مثالا لذلك في أي أمة في العالم وسوف تعود لها ريادة العالم مرة أخرى إن شاء الله تعالى , وذلك لأنها الأمة الوحيدة التي تحمل رسالة الله تعالى إلى البشرية.

ولحماية هذه المبادئ من عبث العابثين في الداخل أو الخارج جاءت الآيات صريحة في سورة الأنفال وسورة التوبة.
تحض على الاستعداد الدائم بالقوة المتفوقة بحيث لايفكر أي غاصب بالتجرؤ والاعتداء على الديار الإسلامية.
بحيث يشكل هذا الاستعداد بالقوة رادعا نفسيا في قلوب أعداء السلام .
وبذلك يتحقق الأمن والسلام , بل يطلب أعداء السلام من المسلمين أن يسالموهم.

قال تعالى:
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ - 60

أي ﴿وَأَعِدُّوا﴾ لأعدائكم الساعين في هلاككم وإبطال دينكم. ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على صد عدوانهم وقتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والإدارة .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ ألا إن القوة الرَّمْيُ ﴾
ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال ،وكانت ترمز لها في الماضي الخيل, ولهذا قال تعالى: ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾
وفي معنى الرباط , أنها دوام المحافظة بقوة على الثغور التي قد ينفذ منها الأعداء إلينا، سواء البر أو البحر أو الجو .
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) آل عمران/200،

عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط.
أخرجه مالك 1/326؛ ومسلم؛ والنسائي 1/90؛ وانظر: الترغيب والترهيب 1/97)

وتوحي كلمة (رباط) بالقوة يقال فلان رابط الجأش: إذا قوي قلبه،وتتحقق القوة بالوحدة بين صفوف المسلمين وعدم الفرقة فالفرقة ضعف , والوحدة قوة, مع الاستعداد الدائم المستمر لتطوير وسائل الدفعات بحيث تتواكب مع أرقى الدفاعات العالمية.

ومن أعظم ما يعين على الاستعداد بالقوة, النفقات المالية.
ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّه﴾ِ قليلا كان أو كثيرا ْ ﴿يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ أجره يوم القيامة مضاعفا أضعافا كثيرة، حتى إن النفقة في سبيل اللّه، تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.﴿ْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ أي: لا تنقصون من أجرها وثوابها شيئا.

******

والسلام هو الأصل في الإسلام, وما شرعت الحروب في الإسلام إلا لردع المعتدين .. ونشر حرية العقيدة والأختيار للشعوب المستضعفة.
فهذا هو مبدء القتال في الإسلام ,
قال تعالى:
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ -190 سورة البقرة

أولا أن يكون القتال في سبيل الله , في مواجهة الذين يقاتلوننا.
دفاعا عن الأوطان و الأعراض وحرية الإنسان.
ثانيا تحريم الإعتداء , وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.
ولذلك أمرنا الله تعالى بقبول السلام حال طلبه الأعداء.
ونستمع إلى كلام الله تعالى.

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ – 61 وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ – 62 وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ -63 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – 64

يقول تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا﴾ أي: الكفار المحاربون، أي: مالوا ﴿لِلسَّلْمِ﴾ أي: الصلح وترك القتال.
﴿فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ أي: أجبهم إلى ما طلبوا متوكلا على ربك، فإن في ذلك فوائد كثيرة.
منها: أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك، كان أولى لإجابتهم.
ومنها: أن في ذلك إجماما لقواكم، واستعدادا منكم لقتالهم إن قاتلوكم.
ومنها: أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضا، وتمكن كل من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه،.
فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان، لحسنه في أوامره ونواهيه، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم، وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه ، فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له،.
فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين،.ولا يخاف من السلم إلا خصلة واحدة، وهي أن يكون الكفار قصدهم بذلك خداع المسلمين، وانتهاز الفرصة فيهم،.فأخبرهم اللّه أنه حسبهم وكافيهم خداعهم، وأن ذلك يعود عليهم ضرره،
فقال: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ أي: كافيك ما يؤذيك، وهو القائم بمصالحك ومهماتك، فقد سبق من كفايته لك ونصره ما يطمئن به قلبك.
﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: أعانك بمعونة سماوية، وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء، ومعونة بالمؤمنين بأن قيضهم لنصرك.
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوة غير قوة اللّه،
فلو أنفقت ما في الأرض جميعا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة ﴿مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا اللّه تعالى.
﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ومن عزته أن ألف بين قلوبهم، وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ ال عمران
ثم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ أي: كافيك ﴿وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: وكافي أتباعك من المؤمنين،.وهذا وعد من اللّه لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله، بالكفاية والنصرة على الأعداء.
فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع والاستعداد بالقوة ، فلابد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها.

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-03-2010, 09:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء العاشر
( 2 )
وبعض آيات من سورة التوبة

مبدأ تأمين من يريد أن يتعرف على الإسلام,


وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ - 6

أي: طلب منك أن تجيره، وتمنعه من الضرر، لأجل أن يسمع كلام اللّه، وينظر حالة الإسلام.
وهذا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وله وسلم , وإلى كل المسلمين عبر العصور, فهم خير أمة أخرجت للناس.
﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ ثم إن أسلم، فذاك، وإلا فأبلغه مأمنه، أي: المحل الذي يأمن فيه، والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم ، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، وهذا ما نلاحظه اليوم من إعتناق كثير من الناس للإسلام من مجرد التعرف عليه , فلذلك أمر اللّه رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه تعالى.
هل أدركنا رحمة الله تعالى بعبادة ؟ وهل أدركنا المسؤلية الملقاة على عاتق المسلمين ببلاغ رسالة ربهم الحق إلى العالمين ؟

******
وإستكمالا للمبدأ السابق في تأمين من يريد سماع كلام الله تعالى ( القرآن العظيم ) , جاء الأمر بترسيخ مبدأ التراحم بين المؤمنين حتى يكونوا مثالا حيا للنموذج الإنساني المتحضر والراقي أخلاقيا والمتصل بربه دائما بالصلاة والمنفق للزكاة ليعم الخير على المجتمع الإسلامي المترابط بطاعة الله تعالى والطائع لرسول الله صلى الله عليه وسلم, رحمة الله للعالمين .

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ -71
وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – 72

أي: ذكورهم وإناثهم ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ في المحبة والموالاة، والانتماء والنصرة.
﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وهو: اسم جامع، لكل ما عرف حسنه، من العقائد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم، ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وهو كل ما خالف المعروف وناقضه من العقائد الباطلة، والأعمال الخبيثة، والأخلاق الرذيلة.

﴿وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي: لا يزالون ملازمين لطاعة اللّه ورسوله على الدوام.
﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ أي: يدخلهم في رحمته، ويشملهم بإحسانه.
﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ أي: قوي قاهر، ومع قوته فهو حكيم، يضع كل شيء موضعه اللائق به.
ثم ذكر ما أعد اللّه لهم من الثواب فقال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾ جنات جامعة لكل النعيم والفرح ، تجري من تحت قصورها ودورها وأشجارها الأنهار الغزيرة، المروية للبساتين الأنيقة، التي لا يعلم ما فيها من الخيرات والبركات إلا اللّه تعالى.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ لا يبغون عنها حِوَلا ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ قد زخرفت وحسنت وأعدت لعباد اللّه المتقين، قد طاب مرآها، وطاب منزلها ، وجمعت من المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون، حتى إن اللّه تعالى قد أعد لهم غرفا في غاية الصفاء والحسن، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها.
فهذه المساكن الطيبة، التي حقيق بأن تسكن إليها النفوس، وتنزع إليها القلوب، وتشتاق لها الأرواح، لأنها في جنات عدن، أي: إقامة لا يتحولون منها.
﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾ يحله على أهل الجنة ﴿أَكْبَرُ﴾ مما هم فيه من النعيم، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي يسعى إليها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضا رب العالمين، أكبر من نعيم الجنات.
﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ حيث حصلوا على كل مطلوب، وانتفى عنهم كل محذور، وحسنت وطابت منهم جميع الأمور، فنسأل اللّه أن يجعلنا معهم بجوده وكرمه إنه الوهاب الكريم .

******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

راجية الجنة
26-03-2010, 11:25 AM
مجهود راقى جدا اسأل الله لك الاخلاص قولا وعملا سرا وجهرا

جزاك الله خيرا ونفع بك وجعل عملك فى ميزان حسناتك

مصطفى الديب
26-03-2010, 03:34 PM
♥ جزاكم الله خيرا وبارك الله فيك ♥

أم عمار
27-03-2010, 02:40 AM
جزاكم الله خير الجزاء

ورزقنا الله وإياكم حسن الفهم لكتابه العظيم وأن يرزقنا حسن العمل

جهد مبارك إن شاء الله وجعله الله في موازين أعمالكم ونفع بكم

Saber Abbas
27-03-2010, 10:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الحادي عشر
(1)
و بعض أيات من سورة يونس

إن من أهم المبادئ التي أتى بها الإسلام مبدأ التدبر والعلم في كل ما يحيط بنا سواء في الأرض أو في السماء , والبحث العلمي المبني على الأدلة هو منهج الإسلام , وقد إعتمدت ذلك المنهج الأمم المتقدمة ماديا فوصلوا إلى ما نراه ونلمسه من حضارة مادية ساعدت الإنسان في حركته على الأرض من تنقلات ومساكن وإتصالات ورفهية ,
ولكن المنهج الإسلامي كان أعمق بكثير من الحضارة المادية البحتة , حيث استوعب تلك الحضارة وتجاوزها وجعلها طريقا للتقرب إلى رب العالمين , الذي وهبنا الحياة وخلق لنا ما في السموات والأرض جميعا منه. وجعل كل ما حولنا مادة للتعلم , نتعلم ولا ننسى الخالق لكل شئ. فتتحقق الساعدة بالتعلم في الدنيا و الأخرة .
ونستمع إلى آيات الله تعالى :

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ -5 إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ -6

الله تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء, وجعل القمر نورًا, وقدَّر القمر منازل , فبالشمس تعرف الأيام , وبالقمر تعرف الشهور والأعوام,
وهكذا بدوران الأرض حول محورها مرة كل يوم ينشأ الليل والنهار.
وبدورانها مرة حول الشمس كل عام يتغير كل من طول الليل وطول النهار, و تنشأ الفصول الأربعة ,

وهذه الآيات تدل على عظيم كماله وبديع صنعه جل وعلا ، يفصل الآيات لقوم يعلمون , ومن هنا ندرك أهمية العلم ,
فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها، وكيفية استنباط الدليل على أقرب وجه، والتقوى تحدث في القلب الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، الناشئين عن الأدلة والبراهين، وعن العلم واليقين.
وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة، دال على كمال قدرة الله تعالى، وعلمه، وحياته، وقيوميته، وما فيها من الأحكام والإتقان والإبداع والحسن، دال على كمال حكمة الله، وحسن خلقه وسعة علمه. وما فيها من أنواع المنافع والمصالح - كجعل الشمس ضياء، والقمر نورا، يحصل بهما من النفع الضروري وغيره ما يحصل- يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه، وما فيها من التخصيصات دال على مشيئة الله وإرادته النافذة.
وذلك دال على أنه وحده المعبود والمحبوب المحمود، ذو الجلال والإكرام والأوصاف العظام، الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة إلا إليه، ولا يصرف خالص الدعاء إلا له، لا لغيره من المخلوقات ، المفتقرات إلى الله في جميع شئونها.
وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكر في مخلوقات الله، والنظر فيها بعين الاعتبار، فإن بذلك تنفتح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة، وفي إهمال ذلك، تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة.
قال تعالى:
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ- 38
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ - 39
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ -40 يس

وقد تأكد علميا في هذا العصر أن الشمس تجري بمجموعتها بسرعات كبيرة حيث مستقرها بإذن الله تعالى.
وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها, قدَّره الله لها لا تتعداه ولا تقصر عنه, ذلك تقدير العزيز الذي لا يغالَب, العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء.

والقمرَ آية في خلقه, حيث دورانه حول الأرض في منازل محددة كل ليلة , لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ
وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.
وهنا إشارة إلى مدارات جميع أجرام السماء , وقد وضعت بإحكام ودقة متناهيه , بحيث أنك ترى ملايين النجوم والكواكب والأقمار تجري بسرعات هائلة ولا يحدث بينها تصادم.

إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ -6


*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
29-03-2010, 02:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الحادي عشر
( 2 )
و بعض أيات من سورة يونس

وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ -25
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - 26

مبدأ الإحسان في حياة المؤمن

سمى الله الجنة "دار السلام" لسلامتها من جميع الآفات والنقائص، وذلك لكمال نعيمها وتمامه وبقائه.
ولما دعا إلى دار السلام، كأن النفوس تشوقت إلى الأعمال الموجبة لها الموصلة إليها، فأخبر عنها بقوله:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ

أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق، بأن عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة- بمعنى الإخلاص- في عبوديته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي، من بذل الإحسان في المعاملات المالية، والإحسان فيما يقومون به من أعمال في جميع المجالات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهلين، ونصيحة المعرضين، وغير ذلك من وجوه البر والإحسان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، الراوي: شداد بن أوس - المصدر: غاية المرام -الألباني - الصفحة أو الرقم: 38
خلاصة الدرجة: صحيح
ومن هنا ندرك مدى أهمية أن نحسن في كل أمور الحياة , عقيدة وسلوك ومعاملات . ولكي نعرف حقيقة الإحسان يجب أن نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . الراوي: عمر بن الخطاب - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 5005
خلاصة الدرجة: صحيح
أي أن تدرك أن كل أمور حياتك التي هي عبادة لله تعالى تحت المراقبة الربانية الدائمة , قال تعالى :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ – 16 إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ - 17 مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ – 18 سورة ق
وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه، المطلع على ضميره وباطنه، القريب منه في جميع أحواله، فيستحي منه أن يراه، حيث نهاه، أو يفقده، حيث أمره، وكذلك ينبغي له أن يجعل الملائكة الكرام الكاتبين منه على بال، فيجلهم ويوقرهم، ويحذر أن يفعل أو يقول ما يكتب عنه، مما لا يرضي رب العالمين .
وبقدر هذه المعرفة في إحاطة المراقبة بكيان الإنسان ظاهرا وباطنا , بقدر سلوك الإنسان سواء في عمله أو معاملاته مع سائر المخلوقات.
وخير دليل على ذلك , الجيل الأول من هذه الأمة الذين أحسنوا في كل شئ , فأضاءوا الدنيا بشتى العلوم التي كانت نواة للحضارة الحديثة.
وما زال العلماء من المسلمين الذين يلتزمون مبدأ الإحسان متفوقون في العالم .
فالإحسان في العمل يجعل من أي مجتمع مجتمعا متحضرا راقي.
والأمثلة أمام أعيننا لا تحتاج إلى إشارة.
أما المجتمعات التي تركت الإحسان في العمل كان مصيرها التخلف والفقر والذل والهوان ومد يد طلب العون من الأمم التي أخذت بمبدأ الإحسان في العمل في كافة المجالات من صناعة وزراعة وإنشاء شبكات طرق ومدن جيدة وتطوير دفعاتها وتطوير مناهج تعليمها وتشجيع المواهب الشابة لمزيد من الإختراعات وتبني تنفيذها .
فهل أدركنا ما عندنا من كنوز المبادئ التي ترقى بالإنسان في الدنيا والنعيم الدائم في الأخرة ؟
******
وقد ورد ذكر المحسنين كثيرا في القرآن العظيم , وكان بعضها مقرونا بحب الله تعالى لهم.
*****
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ – 133 ال عمران
****
فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ – 148 ال عمران
***
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ – 13 المائدة
****
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ – 93 المائدة
*****
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ - 114
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ – 115 هود
*****
وورد في الحديث الشريف:

إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، و ليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته
الراوي: شداد بن أوس - المصدر: غاية المرام -الألباني - الصفحة أو الرقم: 38
خلاصة الدرجة: صحيح
*****
بينما نحن عند رسول الله ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى رسول الله ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، ثم قال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال : صدقت فعجبنا إليه يسأله ويصدقه ، ثم قال : أخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله خيره وشره قال : صدقت .
قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم بها من السائل قال : فأخبرني عن أماراتها ؟ قال : أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان . قال عمر : فلبثت ثلاثا ، ثم قال لي رسول الله : يا عمر هل تدري من السائل قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنه جبريل عليه السلام أتاكم ليعلمكم أمر دينكم .
الراوي: عمر بن الخطاب - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 5005
خلاصة الدرجة: صحيح

********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-04-2010, 02:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الحادي عشر
( 3 )
و بعض أيات من سورة يونس

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا..

مبدأ الهداية و الرحمة للمؤمنين وأسباب السعادة

قد يظن البعض أن الإيمان يضيق على الناس و يعيش مكتئبا مهموما , وهذا تصور خاطئ تماما . وقد حرص أعداء الإسلام على ترويج الصور الكئيبة عن المسلمين وإظهار حالتهم على أسوء مايكون وذلك لتنفير الناس من الدخول في دين الله .
وفي واقع الأمر لو عرف الناس مدى السعادة التي يحياها المؤمن الحق لتنافسوا في الدخول في الإسلام أمما وشعوبا . قال تعالى :
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ -97 النحل
وقال تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ -21 الروم

فحياة المؤمن كلها مودة ورحمة على من حوله بينه وبين أهله وبينه وبين أهل بلدته وبينه وبين العالم أجمع , فالمؤمن مكلف بتبليغ رسالة الله تعالى للعالم , وبالتالي فهو محب لمن يدعوه .

بينما غير المؤمن يعيش حياة تعيسة كلها القلق والخوف والضياع بين الملذات الفانية والتمزق النفسي الذي يؤدي به إلى الإنتحار أو العيادات النفسية. فهو مبغض لنفسه ولمن حوله ولا تحركه إلا المنافع المادية إن ضعفت أمامه غدر بك .

قال تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ – 31 الحج

ونستمع إلى آيات سورة يونس وأسباب السعادة للبشر

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ - 57 قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ - 58

يقول تعالى - مرغبًا للخلق في الإقبال على هذا الكتاب العظيم، بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أي: تعظكم، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله، المقتضية لعقابه وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها.
﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة.
وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان ليصل بالقلب إلى أعلى درجات اليقين.
وإذا صح القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية، تبعته الجوارح كلها، فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده.
﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فالهدى هو العلم بالحق والعمل به.
والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به، فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين.
وإذا حصل الهدى، وحلت الرحمة الناشئة عنه، حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور.
ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك فقال: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ﴾ الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده ﴿وَبِرَحْمَتِهِ﴾ الدين والإيمان، وعبادة الله ومحبته ومعرفته. ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ من متاع الدنيا ولذاتها.
فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين، لا نسبة بينها، وبين جميع ما في الدنيا، مما هو مضمحل زائل عن قريب.
وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم كما قال تعالى, عن قوم قارون له: ﴿لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ القصص 76 .
وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل المناقض لما جاءت به الرسل: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ غافر 83

********

مبدأ الولاية لله تعالى

أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ - 62 الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ – 63 لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - 64

يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه، ويذكر أعمالهم وأوصافهم، وثوابهم فقال: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والأهوال.
﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على ما أسلفوا، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال، وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثبت لهم الأمن والسعادة، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
ثم ذكر وصفهم فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وصدقوا إيمانهم، باستعمال التقوى، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي.
فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله تعالى وليًا، و ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾
أما البشارة في الدنيا، فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق.
وأما في الآخرة، فأولها البشارة عند قبض أرواحهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلا تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾30 فصلت
وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم.
وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم.
﴿لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ بل ما وعد الله فهو حق، لا يمكن تغييره ولا تبديله .
﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور، والظفر بكل مطلوب محبوب، وحصر الفوز فيه، لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى.
والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب، رتبه الله في الدنيا والآخرة، على الإيمان والتقوى، ولهذا أطلق ذلك، فلم يقيده.
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم في الآخرة من عقاب الله, ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا
وأخلاق هؤلاء الأولياء, أنهم الذين صدَّقوا الله واتبعوا رسوله وما جاء به من عند الله, وكانوا يتقون الله بامتثال أوامره, واجتناب معاصيه

******
وإلى الجزء التالي إن شاء الله

بيسان
02-04-2010, 11:48 AM
بارك الله فيكم
وجعل الله هذا المجهود فى ميزان حسناتكم

Saber Abbas
03-04-2010, 09:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثاني عشر
(1)
و بعض أيات من سورة هود

هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا..

مبدأ عمارة الأرض في جميع ميادين الحياة

جاء الإسلام لإزاحة الجهل والتخلف سواء في العقائد أو المعاملات , وأنار للإنسان الطريق المستقيم لقيام حضارة على هذا الكوكب مبنية على العلم والإيمان.
وبهذا المفهوم الواضح قامت الحضارة الإسلامية التي هي أساس الحضارة الحديثة في الجانب المادي , ولإسباب عديدة تسلم شعلة الحضارة المادية أخرون.
فالحضارة على الأرض لابد أن تبلغ ذروتها هذا تقدير الله تعالى.
قال تعالى : حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ -24 يونس
ولكن على المسلمين إدراك حقيقة في غاية الأهمية وهي أنهم مطالبون بالإمساك بشعلة الحضارة كما فعل أسلافنا وذلك ليكونوا منارة وهداية للبشرية لإنقاذها من الكفر والشرك والإحاد , فالحضارة في الإسلام وسيلة للتقرب من الخالق تبارك وتعالى , ووسيلة لفهم آيات الله تعالى في الكون .
قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ – 53 فصلت
وبناءا على ذلك يكون البحث العلمي واجب إيماني للنهوض بشعوبنا في شتى مجالات الحياة دون الإعتماد الكلي على الإستيراد ممن يسيئون إلى الإسلام والمسلمين وينظرون إليهم على أنهم شعوب متخلفة ,

وكلنا قرأنا ما ورد في الصحافة, عما يحدث في سويسرا وهولندا من حذر لبناء المأذن
أربعة مساجد فقط في سويسرا لها مآذن (رويترز)
أعلن حزب الحرية اليميني الهولندي أنه سيطالب الحكومة بإجراء استفتاء على حظر بناء مآذن للمساجد على غرار الاستفتاء الذي أجرته سويسرا، ودعا إلى حظر القرآن الكريم أيضا..

وكنا ننظر إليهم سابقا – أيام العصر الذهبي للدولة الإسلامية – على أنهم شعوب متخلفة ولكن لم نسئ إليهم بل كانت دور العلم في الدولة الإسلامية مفتوحة للجميع وجميع مؤلفات علماء الإسلام في متناول الجميع , وهذا هو الفرق بين أن نكون متحضرين فنساعد العالم . وبين أن نكون غير ذلك تضيع ثرواتنا في الإستيراد لكل متطلبات الحياة .
فهيا لعمارة أوطاننا بالعلم والإيمان لتتحقق لنا السيادة والكرامة بين الأمم.

ونستمع إلى كلام ربنا


وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ
هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا
فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ -61

﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ﴾ أي: خلقكم فيها ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ أي: استخلفكم فيها وطلب منكم إعمارها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك، فلا تشركوا به في عبادته.
﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ مما صدر منكم، من الكفر، والشرك، والمعاصي, وأقلعوا عنها، ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ أي: ارجعوا إليه بالتوبة النصوح، والإنابة، ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ أي: قريب ممن دعاه دعاء مسألة، أو دعاء عبادة، يجيبه بإعطائه سؤله، وقبول عبادته، وإثابته عليها، أجل الثواب، واعلم أن قربه تعالى نوعان: عام، وخاص، فالقرب العام: قربه بعلمه، من جميع الخلق، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ والقرب الخاص: قربه من عابديه، وسائليه، ومحبيه، وهو المذكور في قوله تعالى ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾
وفي هذه الآية، وفي قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ وهذا النوع، قرب يقتضي إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم، ولهذا يقرن، باسمه "القريب" اسمه "المجيب"



إن غيرنا من الأمم المتحضرة التزمت بعمارة الأرض , وكان أولى بالمسلمين أن يهتموا به حتى يطبقوا أخلاقيات الإسلام بكل جوانبها فنحن أمة متحضرة , وإن الواقع الإيماني يفرض علينا ذلك .
قال تعالى:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ -190ال عمران
هذه أول مبادئ الإكتشافت العلمية , التأمل والتدبر فيما حولنا من قوانين وضعها الله تعالى في الكون مثل قانون الجاذبية إلى غير ذلك من قوانين قامت عليها كل الصناعات الحديثة.
قال تعالى: .. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ – 9 الزمر

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
06-04-2010, 05:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثاني عشر
(2)
بعض آيات من خواتم سورة هود
وترسيخ مبدأ الاستقامة

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ - 112
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ -113

الاستقامة هي سلوك ما شرعه الله من الشرائع، واعتقاد ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا نزيغ عن ذلك يمنة ولا يسرة، والدوام على ذلك، ولا نطغى بأن نتجاوز ما حده الله لنا من الاستقامة.

وفي الحديث الشريف, أن معاذ بن جبل أراد سفرا فقال يا رسول الله أوصني, قال اعبد الله ولا تشرك به شيئا قال زدني يا رسول الله قال إذا أسأت فأحسن
قال زدني قال: استقم ولتحسن خلقك .
الراوي: معاذ بن جبل المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: الأمالي المطلقة - الصفحة أو الرقم: 132
خلاصة الدرجة: حسن

وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول : اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا .
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2407
خلاصة الدرجة: حسن


عن سفيان بن عبدالله الثقفي قال , قلت يارسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك, قال:
قل آمنت بالله ثم استقم .
الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4395
خلاصة الدرجة: صحيح

والاستقامة تشمل جميع جوانب الحياة , وبقدر تحقق الاستقامة في أي مجتمع بقدر ازدهاره حضاريا , فالاستقامة تعني عدم الإنحراف عن الحق , والانحراف والفساد في أي مجتمع يقضي عليه حتما .
ولذلك أمرنا المولى جل جلاله بالاستقامة في أول سورة في القرآن العظيم .
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - 6 صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ - 7
فالطريق المستقيم هو الطريق الواضح الموصل إلى الله, وإلى جنته, وهو معرفة الحق والعمل به, فامرنا أن ندعوه دائما في جميع صلواتنا اهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط.
فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام, وترك ما سواه من الأديان, والهداية في الصراط, تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا.
فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته, لضرورته إلى ذلك.
وهذا الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .



وقوله: ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي: لا يخفى عليه من أعمالكم شيء, وسيجازيكم عليها، ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة، وترهيب من ضدها، ولهذا حذرهم عن الميل إلى من تعدى الاستقامة فقال: ﴿وَلا تَرْكَنُوا﴾ أي: لا تميلوا ﴿إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ فإنكم، إذا ملتم إليهم، ووافقتموهم على ظلمهم، أو رضيتم ما هم عليه من الظلم ﴿فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ إن فعلتم ذلك ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ يمنعونكم من عذاب الله، ولا يحصلون لكم شيئا، من ثواب الله.
﴿ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ أي: لا يدفع عنكم العذاب إذا مسكم، ففي هذه الآية: التحذير من الركون إلى كل ظالم، والمراد بالركون، الميل والانضمام إليه بظلمه وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم.
وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة بأنفسهم؟!! نسأل الله العافية من الظلم.


وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ - 114 وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ - 115

يأمر تعالى بإقامة الصلاة كاملة ﴿طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ أي: أوله وآخره، ويدخل في هذا، صلاة الفجر، وصلاتا الظهر والعصر،﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ ويدخل في ذلك، صلاة المغرب والعشاء، ويتناول ذلك قيام الليل، فإنها مما تزلف العبد، وتقربه إلى الله تعالى.
﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ أي: فهذه الصلوات الخمس، وما ألحق بها من التطوعات من أكبر الحسنات، وهي: مع أنها حسنات تقرب إلى الله، وتوجب الثواب، فإنها تذهب السيئات وتمحوها، والمراد بذلك: الصغائر، كما قيدتها الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر"،
قال تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا﴾ 31 النساء
ذلك و لعل الإشارة، لكل ما تقدم، من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم، وعدم مجاوزته وتعديه، وعدم الركون إلى الذين ظلموا، والأمر بإقامة الصلاة، وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات، الجميع ﴿ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ يفهمون بها ما أمرهم الله به، ونهاهم عنه، ويمتثلون لتلك الأوامر الحسنة المثمرة للخيرات، الدافعة للشرور والسيئات، ولكن تلك الأمور، تحتاج إلى مجاهدة النفس، والصبر عليها، ولهذا قال:﴿وَاصْبِرْ﴾ أي: احبس نفسك على طاعة الله، وعن معصيته، وإلزامها لذلك، واستمر ولا تضجر.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ بل يتقبل الله عنهم أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم، بأحسن ما كانوا يعملون، وفي هذا ترغيب عظيم، للزوم الصبر، بتشويق النفس الضعيفة إلى ثواب الله، كلما ونت وفترت.

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ .

******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
09-04-2010, 06:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثالث عشر
(1)
مع بعض ايات من سورة يوسف

مبدأ العفو والتسامح عند المقدرة


نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ - 3

ومع قصة يوسف و إخوته الذين تأمروا عليه وهو صغير .. ووضعوه في البئر حيث الهلاك.

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ - 10

ولكن الله تعالى أنجاه من هذه المؤامرة ..

وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ - 19 وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ - 20

وتربى يوسف في بيت العزيز في مصر , وتعرض إلى أشد الفتن ولكنه كان أمينا ولم يقع في الحرام , بل فضل السجن على الوقوع في الفاحشة.

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ - 33 فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - 34 ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ -35

وتمر الأحداث ويرى ملك مصر رؤيا منامية لا يستطيع أحد تفسيرها , وتذكر ساقي الملك قدرة يوسف في تفسير الرؤيا ,
فلما أراد الله تعالى أن يخرج يوسف من السجن، أرى الله الملك هذه الرؤيا العجيبة، الذي تأويلها يتناول جميع الأمة، ليكون تأويلها على يد يوسف، فيظهر من فضله، ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين،
ومن التقادير المناسبة أن الملك الذي ترجع إليه أمور الرعية هو الذي رآها، لارتباط مصالحها به.

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ - 43
قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعَالِمِينَ - 44
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي – 45
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ - 46
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ - 47
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ - 48
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ - 49

وتتعرض المنطقه الى سنوات من الشدة
ولولا فضل الله على يوسف بأن فسر رؤيا الملك بالعمل الجاد في الزراعة سبع سنين وتخزين كميات كبيرة تكفي لفترات الجدب القادمة لحدثت كارثة ومجاعة لا يعلمها إلا الله , ولكن فضل الله عظيم.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أي: بعد السبع الشداد ﴿عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ أي: فيه تكثر الأمطار والسيول، وتكثر الغلات، وتزيد على أقواتهم، حتى إنهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على أكلهم، ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب، مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك، لأنه فهم من التقدير بالسبع الشداد، أن العام الذي يليها يزول به شدتها،.ومن المعلوم أنه لا يزول الجدب المستمر سبع سنين متواليات، إلا بعام مخصب جدا، وإلا لما كان للتقدير فائدة، فلما رجع الرسول إلى الملك والناس، وأخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا، عجبوا من ذلك، وفرحوا بها أشد الفرح.

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ -54
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ - 55
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ - 56
ولأجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ -57

فبالتقوى تترك الأمور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها، وبالإيمان التام يحصل تصديق القلب، بما أمر الله بالتصديق به، وتتبعه أعمال القلوب وأعمال الجوارح، من الواجبات والمستحبات.
ويصبح يوسف وزيرا للمالية...
ويأتي أخوة يوسف إلى مصر في طلب الإمداد بالقمح ..

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ -88

وكان في إمكان يوسف أن ينتقم لما حدث له ولكن أخلاق المؤمن لا تعرف الحقد والانتقام ,
قال تعالى: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين – ال عمران 134

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ - 89
قَالُوا أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ - 90
قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ - 91
قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ – 92

****
وكذلك عفا نبينا صلى الله عليه وسلم عفوا عاما عن الذين أسأوا إليه وإلى المسلمين... فى فتح مكة حيث قال لاهل قريش الذين قاتلوه وأذوه . , لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .
ولجأت صناديد قريش وعظماؤها إلى الكعبة ، يعني دخلوا فيها ، قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف بالبيت فجعل يمر بتلك الأصنام ويطعنها بسية القوس ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا . حتى إذا فرغ وصلى جاء فأخذ بعضادتي الباب ، ثم قال : يا معشر قريش ما تقولون ؟ قالوا : نقول : ابن أخ وابن عم رحيم كريم . ثم أعاد عليهم القول : ما تقولون ؟ قالوا : مثل ذلك قال : فإني أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، فخرجوا فبايعوه على الإسلام
المصدر: الأحكام الصغرى - الصفحة أو الرقم: 558
خلاصة الدرجة: [أشار في المقدمة أنه صحيح الإسناد]

وبهذا يتأكد للعالمين سماحة الإسلام , وعلى البشرية اليوم أن يتعرفوا إلى مبادئ الإسلام التي إن طبقت لعم التراحم والحب بين الناس جميعا .

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ -108

*****

و إلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
11-04-2010, 11:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثالث عشر
(2)
وبعض آيات من سورة الرعد

إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ

****
مبدأ تغير النفس والعمل الجاد

إن أكثر ما يضيع الإنسان والمجتمعات الأماني الفارغة دون عمل ودون الهمة والنشاط والسعي لطلب ما يسعده في الدنيا والأخرة .
قال تعالى في سورة النساء :
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا -123 وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا -124

أي: لَيْسَ الأمر والنجاة والتزكية بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ . والأماني: أحاديث النفس المجردة عن العمل، وهذا عامّ في كل أمر، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية ؟!
فإن أماني أهل الكتاب قد أخبر الله بها أنهم قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ - سورة البقرة -111
وكذلك أدخل الله في ذلك من ينتسب إلى الإسلام لكمال العدل والإنصاف، فإن مجرد الانتساب إلى أي دين كان، لا يفيد شيئا إن لم يأت الإنسان ببرهان على صحة دعواه، فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها .

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا

دخل في ذلك سائر الأعمال القلبية والبدنية ، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى. والإيمان شرط لجميع الأعمال، لا تكون صالحة ولا تقبل ولا يترتب عليها الثواب ولا يندفع بها العقاب إلا بالإيمان.
فالأعمال بدون الإيمان كأغصان شجرة قطع أصلها وكبناء بني على موج الماء، فالإيمان هو الأصل والأساس والقاعدة التي يبنى عليه كل شيء، وهذا القيد ينبغي التفطن له في كل عمل أطلق، فإنه مقيد به.

والعمل ضرورة لصدق الإنسان على ما يعتقده ,
ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :
الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
الراوي : شداد بن أوس - المحدث : السفاريني الحنبلي – المصدر : شرح كتاب الشهاب - الصفحة أو الرقم - 289 خلاصة الدرجة : إسناده صحيح

وهذا تكريم لبني البشر إذ جعلهم مختارين بين سلوك طريق الإيمان أو سلوك طرق الشر.
ولقد شملتنا العناية الإلهية منذ كنا في بطون الأمهات لا حول لنا ولا قوة إلى أن خرجنا إلى الدنيا ضعافا رضع , فوهب الله تعالى لنا نعم لا تعد ولا تحصى . وعلم الإنسان مالم يعلم , وأرسل له الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم لإرشاده للطريق المستقيم حتى يسعد في الدنيا والأخرة .
ومع بعض آيات من سورة الرعد.

اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ – 8
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ - 9
سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ - 10
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ – 11

يخبر تعالى بعموم علمه وسعة اطلاعه وإحاطته بكل شيء فقال: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى من بني آدم وغيرهم، وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ أي: تنقص مما فيها إما أن يهلك الحمل أو يتضاءل أو يضمحل وَمَا تَزْدَادُ الأرحام وتكبر الأجنة التي فيها، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ لا يتقدم عليه ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه.
فإنه عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ في ذاته وأسمائه وصفاته الْمُتَعَالِ على جميع خلقه بذاته وقدرته وقهره.
سَوَاءٌ مِنْكُمْ في علمه وسمعه وبصره.
مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أي: مستقر بمكان خفي فيه، وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ أي: داخل سربه في النهار والسرب هو ما يختفي فيه الإنسان إما جوف بيته أو غار أو مغارة أو نحو ذلك.
لَه أي: للإنسان مُعَقِّبَاتٌ من الملائكة يتعاقبون في الليل والنهار.
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي: يحفظون بدنه وروحه من كل من يريده بسوء، ويحفظون عليه أعماله، وهم ملازمون له دائما، فكما أن علم الله محيط به، فالله قد أرسل هؤلاء الحفظة على العباد، بحيث لا تخفى أحوالهم ولا أعمالهم، ولا ينسى منها شيء،

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ

من النعمة والإحسان ورغد العيش بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها.
وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا أي: عذابا وشدة وأمرا يكرهونه، فإن إرادته لا بد أن تنفذ فيهم.
فـإنه لا مَرَدَّ لَهُ ولا أحد يمنعهم منه، وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ يتولى أمورهم فيجلب لهم المحبوب، ويدفع عنهم المكروه، فليحذروا من الإقامة على ما يكره الله خشية أن يحل بهم من العقاب ما لا يرد عن القوم المجرمين.

وقد ورد في سورة الأنفال تأكيد ذلك المعنى , ومثالا حيا لمن كذبوا رسالة ربهم وماذا كان مصيرهم.

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - 53 كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ - 54

ذَلِكَ العذاب الذي أوقعه اللّه بالأمم المكذبين وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم، بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم،فإن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها ويزيدهم منها، إن ازدادوا له شكرا. حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ من الطاعة إلى المعصية فيكفروا نعمة اللّه ويبدلوها كفرا، فيسلبهم إياها ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم.
وللّه الحكمة في ذلك والعدل والإحسان إلى عباده، حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم، وحيث جذب قلوب أوليائه إليه، بما يذيق العباد من النكال إذا خالفوا أمره.
وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يسمع جميع ما نطق به الناطقون، سواء من أسر القول ومن جهر به،ويعلم ما تنطوي عليه الضمائر، وتخفيه السرائر، فيجري على عباده من الأقدار ما اقتضاه علمه وجرت به مشيئته.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ أي: فرعون وقومه وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ حين جاءتهم فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ كل بحسب جرمه.
وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ من المهلكين المعذبين كَانُوا ظَالِمِينَ لأنفسهم، ساعين في هلاكها، لم يظلمهم اللّه، ولا أخذهم بغير جرم اقترفوه،فليحذر المخاطبون أن يشابهوهم في الظلم، فيحل اللّه بهم من عقابه ما أحل بأولئك الفاسقين.

*****
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
13-04-2010, 11:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثالث عشر
(3)
وبعض آيات من سورة الرعد

الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

****
القلوب المطمئنة

مع اليقين بالله مالك الكون, الرزاق, المهيمن, العليم, البصير بعباده, المدافع عن المؤمنين , يعيش المؤمن حياة مطمئنة بذكر الله تعالى مع كلام الله تلاوة وتدبرا.
فإن الفزع والخوف من المجهول ليس من أخلاق المؤمنين .
وبهذه الطمئنينة ترى المؤمن في حالة سلام مع النفس وسلام مع من حوله , لا ينظر لما في أيدي الناس , كلها أعراض زائلة , .. لا يزاحم ولا يتدافع كما يفعل بعض الناس , يكاد الفرد أن يقتل أخاه من شدة التدافع في أمور تافهة ومحسومة , فلا يأخذ الإنسان إلا ما كتب له. ولكنها عدم الطمئنينة .
فالمؤمن مفتاح للخير, كما ورد في الحديث الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من الناس ناسا مفاتيحا للخير مغاليقا للشر ، و من الناس مفاتيحا للشر مغاليقا للخير.
فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخير على يديه ، و ويل لمن جعل مفتاح الشر على يديه .
الراوي: أنس بن مالك - المصدر: تخريج كتاب السنة - الألباني - الصفحة أو الرقم: 297
خلاصة الدرجة: حسن

فالمؤمن الذاكر يرى بنور الله , محب الخير للبشر , مكلف بنشر رسالة الله تعالى إليهم .
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ - 37 لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ -38 النور
هل أدركنا قيمة الذكر في حياة المؤمن ؟ وأن دوام الذكر مع القرآن العظيم ينعكس على الأخلاق والمعاملات , ليعم الخير والسعادة على المؤمن وعلى من حوله في الدنيا وفي الأخرة النعيم المقيم فضلا من الله ورحمة.

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ -28 الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ -29

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضرها أفراحها ولذاتها.
﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ أي: حقيق بها وحريٌّ أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله، ذكر العبد لربه، من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك.
وقيل: إن المراد بذكر الله كتابه الذي أنزله ذكرى للمؤمنين، فعلى هذا معنى طمأنينة القلوب بذكر الله: أنها حين تعرف معاني القرآن وأحكامه تطمئن لها، فإنها تدل على الحق المبين المؤيد بالأدلة والبراهين، وبذلك تطمئن القلوب، فإنها لا تطمئن القلوب إلا باليقين والعلم، وذلك في كتاب الله، مضمون على أتم الوجوه وأكملها، وأما ما سواه من الكتب التي لا ترجع إليه فلا تطمئن بها، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة وتضاد الأحكام.
﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ﴾ -82 النساء. وهذا إنما يعرفه من خبر كتاب الله وتدبره، وتدبر غيره من أنواع العلوم، فإنه يجد بينها وبينه فرقا عظيما.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: آمنوا بقلوبهم بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وصدقوا هذا الإيمان بالأعمال الصالحة، أعمال القلوب كمحبة الله وخشيته ورجائه، وأعمال الجوارح كالصلاة ونحوها،
﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ أي: لهم حالة طيبة ومرجع حسن.
وذلك بما ينالون من رضوان الله وكرامته في الدنيا والآخرة، وأن لهم كمال الراحة وتمام الطمأنينة، ومن جملة ذلك شجرة طوبى التي في الجنة، التي يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها، كما وردت بها الأحاديث الصحيحة.
طوبى شجرة في الجنة ، مسيرة مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها .
الراوي: أبو سعيد الخدري - المصدر: صحيح الجامع - الألباني - الصفحة أو الرقم: 3918
خلاصة الدرجة: حسن

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
14-04-2010, 12:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثالث عشر
(4)
وبعض آيات من سورة أبراهيم

كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

*****
تطالعنا سورة إبراهيم بمقاصد الرسالة الالهية .
إخراج الناس من ظلمات الكفر والشرك والإلحاد وجميع المعتقدات الباطلة . وكذلك إخراجهم من ظلمات الجهل والتخلف وسوء الأخلاق والفقر والصراعات الدموية البغيضة على تفاهات , الخروج من كل تلك الظلمات إلى نور التوحيد والهداية والعلم والأخلاق الفاضلة وآداب المعاملات بين البشر والرحمة.
قال تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ – 107 الأنبياء
فالذين أمنوا ، قبلوا هذه الرحمة، وشكروها، وقاموا بها، وغيرهم كفرها، وبدلوا نعمة الله كفرا، وأبوا رحمة الله ونعمته .

******

الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ – 1 اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ - 2 الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ - 3

يخبر تعالى أنه أنزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لنفع الخلق، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة، وقوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أي: لا يحصل منهم المراد المحبوب لله، إلا بإرادة من الله وعونة، ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم.
ثم فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب فقال: ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ أي: الموصل إليه وإلى دار كرامته، المشتمل على العلم بالحق والعمل به، وفي ذكر ﴿العزيز الحميد﴾ بعد ذكر الصراط الموصل إليه إشارة إلى أن من سلكه فهو عزيز بعز الله قوي ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره، حسن العاقبة.
وليدل ذلك على أن صراط الله من أكبر الأدلة على ما لله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأنه كما أن له ملك السماوات والأرض خلقا ورزقا وتدبيرا، فله الحكم على عباده بأحكامه الدينية، لأنهم ملكه، ولا يتركهم سدى.
فلما بيَّن الدليل والبرهان توعد من كفر وكذب، فقال: ﴿وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ ثم وصفهم بأنهم ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾ فرضوا بها واطمأنوا، وغفلوا عن الدار الآخرة.
﴿وَيَصُدُّونَ﴾ الناس ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الذي بينه في كتبه وعلى ألسنة رسله، فهؤلاء قد نابذوا مولاهم بالمعاداة والمحاربة، ﴿وَيَبْغُونَهَا﴾ أي: سبيل الله ﴿عِوَجًا﴾ أي: يحرصون على تهجينها وتقبيحها، للتنفير عنها، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
﴿أُولَئِكَ﴾ الذين ذكر وصفهم ﴿فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ لأنهم ضلوا وأضلوا، وشاقوا الله ورسوله وحاربوهما، فأي ضلال أبعد من هذا؟" وأما أهل الإيمان فبعكس هؤلاء يؤمنون بالله وآياته، ويستحبون الآخرة على الدنيا ويدعون إلى سبيل الله الحق ويبينون فضلها لأنها سبب السعادة في الدنيا والأخرة.
******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
16-04-2010, 08:33 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثالث عشر
(5)
وبعض آيات من سورة أبراهيم

الكلمة الطيبة

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ – 24 تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ -25
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ -26
يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء - 27


يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَة﴾ " وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وفروعها ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ وهي النخلة مصداقا للحديث الشريف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هل تدرون ما الشجرة الطيبة ؟ قال : ابن عمر : فأردت أن أقول : هي النخلة ، فمنعني مكان عمر ، فقالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي النخلة
الراوي: عبد الله بن عمر المحدث: ابن جرير الطبري - المصدر: تفسير الطبري - الصفحة أو الرقم: 8/1/258
خلاصة الدرجة: صحيح

﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ في الأرض ﴿وَفَرْعُهَا﴾ منتشر ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ وهي كثيرة النفع دائما، ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا﴾ أي: ثمرتها ﴿كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ فكذلك شجرة الإيمان ، أصلها ثابت في قلب المؤمن، علما واعتقادا. وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والأخلاق المرضية، والآداب الحسنة في السماء دائما يصعد إلى الله منه من الأعمال والأقوال التي تخرجها شجرة الإيمان ما ينتفع به المؤمن وينفع غيره،
ولأهمية الكلمة في الإسلام يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، لا يلقي لها بالا ، يرفع الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6478
خلاصة الدرجة: [صحيح]

ومثال على ذلك واقعة حدثت أيام النبي صلى الله عليه وسلم ,
عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فقال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه حتى يرضى ربنا وبعدما يرضى من أمر الدنيا والآخرة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من القائل الكلمة قال فسكت الشاب ثم قال من القائل الكلمة فإنه لم يقل بأسا فقال يا رسول الله أنا قلتها لم أرد بها إلا خيرا قال ما تناهت دون عرش الرحمن تبارك وتعالى .
الراوي: عامر بن ربيعة المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 774


وفي حديث أخر قال نبينا صلوات ربي وسلامه عليه :
كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس ، يعدل بين الاثنين صدقة ، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها ، أو يرفع عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2989
خلاصة الدرجة: [صحيح]

والشاهد من الحديث : والكلمة الطيبة صدقة.


﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾
فإن في ضرب الأمثال تقريبا للمعاني المعقولة من الأمثال المحسوسة، ويتبين المعنى الذي أراده الله غاية البيان، ويتضح غاية الوضوح، وهذا من رحمته وحسن تعليمه.
فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه، فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها، في قلب المؤمن.
ثم ذكر ضدها وهي كلمة الكفر وفروعها فقال: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ المأكل والمطعم وهي: شجرة الحنظل ونحوها، ﴿اجْتُثَّتْ﴾ هذه الشجرة ﴿مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ أي: من ثبوت فلا عروق تمسكها، ولا ثمرة صالحة، تنتجها، بل إن وجد فيها ثمرة، فهي ثمرة خبيثة، كذلك كلمة الكفر والمعاصي، ليس لها ثبوت نافع في القلب، ولا تثمر إلا كل قول خبيث وعمل خبيث يستضر به صاحبه، ولا ينتفع، فلا يصعد إلى الله منه عمل صالح ولا ينفع نفسه، ولا ينتفع به غيره.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3221
خلاصة الدرجة: صحيح


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها الناس يهوي بها أبعد مما بين السماء والأرض .
الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 4/381
خلاصة الدرجة: ( حسن )

هل أدركنا إهمية الكلمة في الإسلام ؟
إن بعض وسائل الإعلام الهابطة تستهين بالكلام , وليل نهار تؤذي أسماعنا بخبيث الكلام .
فهل بعد هذا التوضيح ستواصل بث القبيح من الكلام الفاحش والمخل بالآداب ؟
وهل يعرف العالم أن الإسلام يهتم بمجرد الكلمة وأن لها قواعد وأداب ؟
نسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والاخرة .

******

وإلي الجزء التالي إن شاء الله

Saber Abbas
17-04-2010, 10:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الرابع عشر
( 1 )
بعض آيات من سورة الحجر

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ - 9

إن من دواعي فخر أمة الإسلام أن دستورها باقي ببقاء الله له , لم يحرف ولم يزاد فيه أو ينقص منه , وهذه الخاصية لم تكن إلا في القرآن العظيم كلام الله للبشرية لإخراجهم من الظلمات إلى النور.

فالقرآن العظيم فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر، ﴿وإنا له لحافظون﴾ أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ، واستودعه في قلوب أمته مع تمام تدوينه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم.
( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) -8 سورة المنافقون

فبقدر تمسكنا بهذا الدستور في جميع معاملاتنا وأخلاقنا وتأدبنا بآدابه بقدر عزتنا وكرمتنا في الدنيا والأخرة , ومن فضل الله على البشرية أن حفظ لهم هذا القرآن على مدى الزمان إلى أن يشاء الله تعالى.

وقد اشتمال القرآن العظيم على منهاج تطبيقي في المعاملات الإنسانية ,
وبيان الفرائض والعبادات التي تقربنا الى الله تعالى
كتاب وضع مبادئ القيم الرفيعة والأخلاق العالية وجميع المعاملات والآداب.
كتاب أتى بشريعة صالحة لكل زمان ومكان.
كتاب أتى بأخبار الرسل السابقين والأمم السابقة.
كتاب بين بداية خلق الإنسان ونشئة الكون.
كتاب به أخبار الدار الأخرة,
كتاب به معجزات علمية تم اكتشافها حديثا وسوف تستمر إلى يوم القيامة ,

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

جاء في الحديث: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ستكون فتنة . قلت : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم, و خبر ما بعدكم, و حكم ما بينكم,
هو بالفصل ليس بالهزل,
من تركه من جبار قصمه الله, و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم,
وهو الصراط المستقيم,
وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, و لا تلتبس به الألسن, و لا يخلق على كثرة الرد, و لا تنقضي عجائبه,
من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم
الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: ابن تيمية - المصدر: حقوق آل البيت - الصفحة أو الرقم: 22
خلاصة الدرجة: مشهور

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) المرسلات

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
18-04-2010, 10:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع عشر
( 2 )
بعض آيات من سورة الحجر


قد يتسائل إنسان عن سبب إعراض بعض الناس عن أخلاق الإسلام الفاضلة وآدابه والمعاملات الحضارية التي وردت ؟
هناك أسباب عديدة منها النفس الأمارة بالسوء وإتباع الأهواء الباطلة والتربية إلى غير ذلك من عوامل, ولكن الذي يحرك كل هذه العومل السلبية شياطين الإنس أو الجن , ولكن الإنسان يمكن دفع أذى شياطين الإنس والجن بكل سهوله حيث أنها ليست عوامل إجبار وقهر , فالإنسان بما وضع الله تعالى فيه من إدراك وحرية إختيار يميز بين الخير والشر , قادر على تجنب طرق الشيطان واتباع الطريق المستقيم .
والدليل على ذلك ما أورده الله تعالى لنا عن خطاب إبليس يوم القيامة للذين اتبعوه:

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ -22 سورة إبراهيم

أما في الدنيا فإن الله تعالى هدانا لطرق الدفاع عن أنفسنا من الشيطان الرجيم.
قال تعالى:

وَإِمَّا يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - 200 إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ - 201 وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ‏ - 202 الأعراف

وقال تعالى:

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ - 98 إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - 99 إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ – 100 النحل

ورد في الحديث الشريف
استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس ، وأحدهما يسب صاحبه ، مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة ، لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) . فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني لست بمجنون .
الراوي: سليمان بن صرد المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6115
خلاصة الدرجة: [صحيح]


وقال تعالى:

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - 36 فصلت

*******

ونعود إلى سورة الحجر و موقف إبليس من أمر السجود لأبينا أدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لكي ندرك مدى العداوة من الشياطين للإنسان.

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ -28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ -29 فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ -30 إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ -31

*****
نعيش اليوم مع بيان تكريم الله تعالى للإنسان من بداية نشئته حيث أمر الله تعالى الملائكة للسجود لأدم فسجدوا إلا إبليس إستكبر وأبى .
ومن تلك اللحظة يتبين لنا مدى العداوة من إبليس للإنسان ,
ومع وضوح تلك الحقيقة إلا أن كثيرا من الناس يقع فريسة للشيطان بطاعته في معصية الله تعالى وترك مبادئ الأخلاق الفاضلة التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى,
قال تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ – 60 وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ – 61 وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ – 62 يس

أي لا تطيعوه؟ وهذا التوبيخ، يدخل فيه التوبيخ عن جميع أنواع الكفر والمعاصي، لأنها كلها طاعة للشيطان وعبادة له،

*******

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ -26 وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ -27 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ -28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ -29 فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ -30 إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ -31 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ -32 قَالَ لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ -33 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ -34 وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ -35 قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ -36 قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ -37 إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ -38 قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ -39 إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ -40 قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ -41 إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ – 42 وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ -43 لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ -44

يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام، وما جرى من عدوه إبليس، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ﴾ أي آدم عليه السلام ﴿مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ أي: من طين قد يبس بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت، كصوت الفخار، والحمأ المسنون: الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه.
﴿وَالْجَانَّ﴾ وهو: أبو الجن أي: إبليس ﴿خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ﴾ خلق آدم ﴿مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ أي: من النار الشديدة الحرارة، فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ جسدا تاما ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ فامتثلوا أمر ربهم.
﴿فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ تأكيد بعد تأكيد ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد، وذلك تعظيما لأمر الله وإكراما لآدم حيث علم ما لم يعلموا.
﴿إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ وهذه أول عداوته لآدم وذريته، قال الله: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ فاستكبر على أمر الله وأبدى العداوة لآدم وذريته وأعجب بعنصره، وقال: أنا خير من آدم.
﴿قَالَ﴾ الله معاقبا له على كفره واستكباره ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ أي: مطرود مبعد من كل خير، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ﴾ أي: الذم والعيب، والبعد عن رحمة الله، ﴿إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ ففيها وما أشبهها دليل على أنه سيستمر على كفره وبعده من الخير.
﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي﴾ أي: أمهلني ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ وليس إجابة الله لدعائه كرامة في حقه وإنما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ممن ليس كذلك، ولذلك حذرنا منه غاية التحذير، وشرح لنا ما يريده منا.
﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ﴾ أي: أزين لهم الدنيا وأدعوهم إلى إيثارها على الأخرى، حتى يكونوا منقادين لكل معصية. ﴿وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي: أصدهم كلهم عن الصراط المستقيم، ﴿إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ أي: الذين أخلصتهم واجتبيتهم لإخلاصهم، وإيمانهم وتوكلهم.
قال الله تعالى: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ أي: معتدل موصل إليَّ وإلى دار كرامتي.
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات، بسبب عبوديتهم لربهم وانقيادهم لأوامره أعانهم الله وعصمهم من الشيطان.
﴿إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ﴾ فرضي بولايتك وطاعتك بدلا من طاعة الرحمن، ﴿مِنَ الْغَاوِينَ﴾ والغاوي: ضد الراشد فهو الذي عرف الحق وتركه، والضال: الذي تركه من غير علم منه به.
﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي: إبليس وجنوده، ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ كل باب أسفل من الآخر، ﴿لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ﴾ أي: من أتباع إبليس ﴿جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ بحسب أعمالهم. قال الله تعالى: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ سورة اشعراء
ولما ذكر تعالى ما أعد لأعدائه أتباع إبليس من النكال والعذاب الشديد ذكر ما أعد لأوليائه من الفضل العظيم والنعيم المقيم فقال:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ -45 ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ -46 وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ -47 لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ -48

********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-04-2010, 09:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الرابع عشر
( 3 )
بعض آيات من سورة الحجر

قانون الفطرة
وعقوبات المخالفين لها

موضوع اليوم عن الفطرة التي خلقها الله تعالى للإنسان ووضع لها قوانين للحفاظ على الحياة والقيم والأخلاق.
والفطرة تحرك الكائن الحي نحو بقاءه وإصلاحه , وكلنا رأينا الطفل يلتقم سدي أمه دون أن يتعلم ذلك من بشر , تلك هي الفطرة .
وإذا لم تأكل لفترة طويلة ينبهك الم الجوع إلى ذلك فتتناول الغذاء اللازم للحفاظ على الجسم من الهلاك , تلك هي الفطرة .
وللحفاظ على النوع على ظهر الأرض شرع الله للبشرالزواج , وشدد العقاب على أي علاقة غير الزواج وذلك حفاظا للفطرة السليمة التي تحافظ على بقاء الإنسان .
وهكذا نجد أن الفطرة التي خلقها الله تعالى تؤدي إلى الإصلاح والبقاء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وبعض الناس يخالف أمر الفطرة ويظن أنه يسعد نفسه , فمن يشرب الخمر وهي ضارة للصحة ومغيبة للعقل , فهو مخالف للفطرة .
وكثيرا ما نسمع وخاصة في الغرب بقوانين لحماية الشواذ أي الخارجين على الفطرة . ويعلم الجميع أن هذا الشذوذ كان سببا لأخطر أمراض العصر , مرض فقد المناعة – الإيدز.
فقد جاءت شريعة الله تعالى لحماية الإنسان من الوقوع في مثل هذه الجرائم التي تحطم الكيان الإنساني جسدا وروحا .

ومع نموذج واضح لما حدث لشواذ البشر حتى يكونوا عبرة لمن تسول له نفسه الخروج عن الفطرة الطاهرة التي خلقها الله تعالى.

قوم لوط

وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ – 67 قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ – 68 وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ – 69 قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ – 70 قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ – 71 لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ – 72 فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ – 73 فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ – 74 إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ – 75 وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ -76 إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ -77

وتبدأ القصة بذهاب الملائكة إلى نبي الله لوط عليه السلام لتخبره بهلاك القرية الأثمة التي خالفت الفطرة وبدلوها بالشذوذ .
وعلم القوم بمقدم ضيوف إلى لوط فجاءوا حتى وصلوا إلى بيته فجعلوا يعالجون لوطا على أضيافه، ولوط يستعيذ منهم ويقول: ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُون وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُون﴾ أي: راقبوا الله تعالى . وإن كان ليس فيكم خوف من الله فلا تفضحون في أضيافي، وتنتهكوا منهم الأمر الشنيع.
فـ ﴿قَالُوا﴾ له جوابا عن قوله ولا تخزون : ﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ أن تضيفهم فنحن قد أنذرناك، فـ ﴿قَالَ﴾ لهم لوط من شدة الأمر الذي أصابه: ﴿هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ فلم يبالوا بقوله.

ولهذا قال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ وهذه السكرة هي سكرة محبة الفاحشة التي لا يبالون معها بلوم.
فلما بينت له الرسل حالهم، زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب، فامتثل أمر ربه وسرى بأهله ليلا فنجوا، وأما أهل القرية ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾ أي: وقت شروق الشمس حين كانت العقوبة عليهم أشد، ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ أي: قلبنا عليهم مدينتهم، ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ لضرب كل شاذ من هذا البلد.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ أي: المتأملين المتفكرين، الذين لهم فكر وروية وفراسة، يفهمون بها ما أريد بذلك، من أن من تجرأ على معاصي الله، خصوصا هذه الفاحشة العظيمة، فأن الله سيعاقبهم بأشنع العقوبات، كما تجرأوا على أشنع السيئات.
﴿وَإِنَّهَا﴾ أي: مدينة قوم لوط ﴿لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ للسالكين، يعرفه كل من تردد في تلك الديار ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وفي هذه القصة من العبر:
فهي دليل واضح على عقاب من تجرأوا على مخالفة الفطرة , ولهذه وضعت الشريعة عقوبة شديدة لمرتكبي تلك الجريمة المنكرة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به .
الراوي: - المحدث: الإمام أحمد - المصدر: تنقيح تحقيق التعليق - الصفحة أو الرقم: 3/302
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وهكذا نجد مبادئ الإسلام في جميع المعاملات مبنية على الفطرة السليمة الطاهرة وهي دعوة جميع الأنبياء , وما يحدث الأن من الإعتراف للشواذ ماهو إلا نذير شؤم على المجتمعات التي تسمح بهذا الفجور.
ونقول لهم وما قوم لوط منكم ببعيد .

وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ -76 إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ -77


*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
22-04-2010, 09:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع عشر
( 4 )
بعض آيات من سورة الحجر

مبدأ الصفح الجميل

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ – 85 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ - 86

ولعل هذا الوصف للعفو لم نجده إلا في القرآن العظيم , فهو الصفح الحسن الذي قد سلم من الحقد والأذى القولي والفعلي، دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة، كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة، لكي تكون رادعة لغيرهم ولا تتكرر.

فإن المؤمن منشغل بإمور أعظم من الرد على أحقاد نفسية أو مكائد شيطانية للوقيعة بين الإخوة في النسب أو الأخوة في العقيدة أو أبناء الوطن الواحد , فالصفح الجميل يزيل كل هذه الأحقاد بل ينقلب إلي حب ومودة , وهذا الذي نهدف إليه حتى نتفرغ لإبلاغ رسالة ربنا إلى العالمين بكل هذا الصفح الجميل الذي يفوت على الشيطان مكائده للصد عن سبيل الله ,

قال تعالى في سورة فصلت:

وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ - 35

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا . وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.

الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2588
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فإن الإهتمام بأمر الأخرة من الرجاء في عفو الله تعالى , يتطلب منا الإخلاص والعمل الكثير لنكون أهلا للعفو . وكذلك الخوف من عذاب الأخرة يتطلب منا الإخلاص والعمل الكثير لنكون أهلا للنجاة . هل أدركنا قيمة الصفح الجميل ؟

حتى الإهتمام بإمور الدنيا يتطلب منا ذلك الصفح الجميل , ولذلك نلاحظ أن الآية تصدرت بالنظر في خلق السماوات والأرض ,
إن واقعنا الذي نلاحظه الأن الإهتمام بصغائر الأمور ولذلك نقع فريسة التناحر والأحقاد والتمزق في جسد الأمة الواحدة وينتهي بنا الأمر إلى التخلف , فلا وقت للتناحر والاختلاف والتربص بما تفوه به الناس وإشاعة البغضاء بين الأمة الواحدة .

فالحق واضح الدلالة ولكن المجادلة بغير الحق صفة الضعفاء , ولذلك ترك الجدال ولو كنت على حق من الصفح الجميل , لأن الحق راسخ في النفس البشرية ولكنها المكابرة العمياء.

قال تعالى:

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ‏ -99 الأعراف

هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي‏:‏ ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.

الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: النووي - المصدر: تحقيق رياض الصالحين - الصفحة أو الرقم: 264
خلاصة حكم المحدث: صحيح

ونختم بهذه الواقعة التي رواها البخاري في صحيحه :

قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، فنزل على بن أخيه الحر بن قيس بن حصن ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته ، كهولا كانوا أو شبانا ، فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي ، هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه ؟ قال : سأستأذن لك عليه ، قال ابن عباس : فاستأذن لعيينة ، فلما دخل قال : يا ابن الخطاب ، والله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى هم بأن يقع به ، فقال الحر : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين . وإن هذا من الجاهلين ، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافا عند كتاب الله .

الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7286
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ – 85 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ - 86

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
24-04-2010, 09:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الرابع عشر
(5)

ومع بعض آيات من سورة النحل

قد يظن إنسان أن الدين في وادي والعلوم والحضارة في وادي أخر,
قد يكون هذا الأمر في الديانات الوثنية أو الديانات المحرفة .
أما في الإسلام فالدين هو رسالة الله تعالى للبشر لإخراجهم من ظلام الجهل إلى نور العلم والحضارة الحقيقية القائمة على الأخلاق والمبادئ التي تحقق السعادة في الدنيا والأخرة.
وهذا الكلام ليس كلام إنشائي بل بالدليل القاطع من القرآن العظيم , وأليكم بعض العلوم التي تضمنتها الآيات في صدر سورة النحل.


1 - علوم السماوات والارض

خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)

خلق الله السموات والأرض بالحق; ليستدِل بهما العباد على عظمة خالقهما, وأنه وحده المستحق للعبادة, تنزَّه -سبحانه- وتعاظم عن شركهم.

2 - العلوم الإنسانية ( علم الأجنة ) من طب وتشريح .

خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)


وقال تعالى في سورة المؤمنون : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ -12 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ – 13 ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ – 14
سبحان الله وصف دقيق لمراحل تخليق الجنين أسلم الكثير من العلماء لما سمعوا بهذه الآيات وقالوا أنها تمثل أعلى ما وصل إليه العلم الحديث.

3 - علوم الأنعام التي نأكلها وننتفع بها.

وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)

والأنعامَ من الإبل والبقر والغنم خلقها الله لكم -أيها الناس- وجعل في أصوافها وأوبارها الدفء, ومنافع أُخر في ألبانها وجلودها وركوبها, ومنها ما تأكلون.

ولكم فيها زينة تُدْخل السرور عليكم عندما تَرُدُّونها إلى منازلها في المساء, وعندما تُخْرجونها للمرعى في الصباح.
وقال تعالى:
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ - 66

4 - علوم وسائل النقل
وكيف أشار الله تعالى إلي كل ما نعلمه , وما لا نعلمه من وسائل قديمة وحديثة ومستجدة لا نعرفها .

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)

وخلق لكم الخيل والبغال والحمير; لكي تركبوها, ولتكون جمَالا لكم ومنظرًا حسنًا; ويخلق لكم من وسائل الركوب وغيرها ما لا عِلْمَ لكم به; لتزدادوا إيمانًا به وشكرا له.
فهذا بيان لكل مكتشف في وسائل النقل , فعلى الإنسان تطوير صناعة المواصلات , و على العلماء إستخدام الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية في تسير تلك المركبات بدلا من التلوث البيئي الذي نعاني منه .

وعلى الله بيان الطريق المستقيم لِهدايتكم, وهو الإسلام, ومن الطرق ما هو مائل لا يُوصل إلى الهداية, وهو كل ما خالف الإسلام من الملل والنحل. ولو شاء الله هدايتكم لهداكم جميعًا للإيمان.

5 - علوم المياه والزراعة

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)

هو الذي أنزل لكم من السحاب مطرًا, فجعل لكم منه ماءً تشربونه, وأخرج لكم به شجرًا تَرْعَوْن فيه دوابّكم, ويعود عليكم دَرُّها ونفْعُها.

يُخرج لكم من الأرض بهذا الماء الواحد الزروع المختلفة, ويُخرج به الزيتون والنخيل والأعناب, ويُخرج به كل أنواع الثمار والفواكه. إن في ذلك الإخراج لدلالةً واضحة لقوم يتأملون, فيعتبرون.


6 - علوم الفلك والفضاء

وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)

وسخَّر لكم الليل لراحتكم, والنهار لمعاشكم, وسخَّر لكم الشمس ضياء, والقمر نورًا ولمعرفة السنين والحساب, وغير ذلك من المنافع, والنجوم في السماء مذللات لكم بأمر الله لمعرفة الأوقات, والاهتداء بها في الظلمات. إن في ذلك التسخير لَدلائلَ واضحةً لقوم يعقلون ويتعاملون مع هذه الظواهر الكونية بكل ما أتاهم الله تعالى من علم , فيعرفون عظمة الخالق سبحانه , وينعمون من جراء ما يستفيدون منه كالطاقة الشمسية وغيرها.

7 - علوم الثروات الباطنة في الأرض
من معادن وبترول وغيرها.

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)

تلفتنا الآيات للتنقيب عن المعادن وجميع الثروات التي سخرها الله تعالى لنا في باطن الأرض.
وسخَّر ما خلقه لكم في الأرض من الدوابِّ والثمار والمعادن, وغير ذلك مما تختلف ألوانه ومنافعه. إن في ذلك الخَلْق واختلاف الألوان والمنافع لَعبرةً لقوم يتعظون, ويعلمون أنَّ في تسخير هذه الأشياء علاماتٍ على وحدانية الله تعالى وإفراده بالعبادة.

8 - علوم البحار
وما يخرج منها, والسفن والمركبات والغواصات

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)

تلفتنا الآيات إلى قيمة الثروة السمكية التي لو استغلت على حق لم ترى جائع على وجه الأرض. فهي ثروة مجانية في البحار والأنهار ولكن علينا الهمة والسعي لكي نحصل عليها .
وهو الذي سخَّر لكم البحر; لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لحمًا طريًا, وتستخرجوا منه زينة تَلْبَسونها كاللؤلؤ والمرجان, وترى السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء, وتركبونها; لتطلبوا رزق الله بالتجارة والربح فيها, ولعلكم تشكرون لله تعالى على عظيم إنعامه عليكم, فلا تعبدون غيره

9 - علوم البيئة
التي تبحث في طبيعة الأرض والجبال والسهول والوديان والانهار والمسالك والطرق.

وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)

وللمزيد للتعرف على تفاصيل هذه العلوم , علينا بالإعجاز العلمي.

وأرسى في الأرض جبالا تثبتها حتى لا تميل بكم, وجعل فيها أنهارًا; لتشربوا منها, وجعل فيها طرقًا; لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها.

10 – علوم الفلك و النجوم
ومواقعها العظيمة , التي تحدد معالم الاتجاهات في الليل وفي الصحاري الواسعة والمحيطات المائية الكبيرة.

وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)

وجعل في الأرض معالم تستدلُّون بها على الطرق نهارًا, كما جعل النجوم للاهتداء بها ليلا. وأيضا للمزيد من المعلومات علينا بالبحث العلمي.
هل أدركنا شمول رسالة الله تعالى للحياة كلها ؟ وهل يستطيع مكابر بعد هذه الأدلة أن ينحي الدين عن الحياة الواقعية ؟


ثم يطرح ربنا على البشرية هذا السؤال

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17)

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)

*********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-04-2010, 02:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الرابع عشر
(6)
ومع بعض آيات من سورة النحل

مبادئ العدل والإحسان
والوفاء بالعهود


وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)


أن المبادئ التي جاءت في القرآن العظيم شملت جميع مناحي الحياة.

وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ

فهو مبين فيه أتم تبيين بألفاظ واضحة ومعان جلية ، وأدلة متنوعة لتستقر في القلوب فتثمر من الخير والبر بحسب ثبوتها في القلب، وحتى إنه تعالى يجمع في اللفظ القليل الواضح معاني كثيرة يكون اللفظ لها كالقاعدة والأساس .
فلما كان هذا القرآن تبيانا لكل شيء صار حجة الله على العباد كلهم. فانقطعت به حجة الظالمين وانتفع به المسلمون فصار هدى لهم يهتدون به إلى أمر دينهم ودنياهم، ورحمة ينالون به كل خير في الدنيا والآخرة. فالهدى ما نالوه به من علم نافع وعمل صالح.
والرحمة ما ترتب على ذلك من ثواب الدنيا والآخرة، كصلاح القلب وبره وطمأنينته، وتمام العقل الذي لا يتم إلا بتربيته على معانيه التي هي أجل المعاني وأعلاها، والأعمال الكريمة والأخلاق الفاضلة، والرزق الواسع والنصر على الأعداء بالقول والفعل ونيل رضا الله تعالى وكرامته العظيمة التي لا يعلم ما فيها من النعيم المقيم إلا الرب الرحيم.

******

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)

فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده ،
فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة , بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية كالزكاة والحقوق البدنية كالصلاة , و الحقوق المركبة منهما كالحج .

ومعاملة الخلق بالعدل التام ، فيؤدي كل وال ما عليه تحت ولايته.
والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه.
ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك فلا تبخس لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم.
فالعدل واجب، والإحسان فضيلة تقدم للناس بالمال والبدن والعلم، وغير ذلك من أنواع النفع حتى إنه يدخل فيه الإحسان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره.
وخص الله إيتاء ذي القربى - وإن كان داخلا في العموم- لتأكد حقهم وتعين صلتهم وبرهم، والحرص على ذلك.
ويدخل في ذلك جميع الأقارب قريبهم وبعيدهم لكن كل ما كان أقرب كان أحق بالبر.
وقوله: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾ وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر كالشرك بالله والقتل بغير حق والزنا والسرقة والعجب والكبر واحتقار الخلق وغير ذلك من الفواحش.
ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية متعلق بحق الله تعالى.
وبالبغي كل عدوان على الخلق في الدماء والأموال والأعراض.

فصارت هذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات لم يبق شيء إلا دخل فيها، فهذه قاعدة ترجع إليها سائر الجزئيات، فكل مسألة مشتملة على عدل أو إحسان أو إيتاء ذي القربى فهي مما أمر الله به.
وكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر أو بغي فهي مما نهى الله عنه.
وبهذه الآيات يعلم حسن ما أمر الله به وقبح ما نهى عنه .
فتبارك من جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور والفرقان بين جميع الأشياء.
ولهذا قال: ﴿يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ أي: بما بينه لكم في كتابه بأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم عما فيه مضرتكم.
﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ما يعظكم به فتفهمونه وتعقلونه، فإنكم إذا تذكرتموه وعقلتموه عملتم بمقتضاه فسعدتم سعادة لا شقاوة معها في الدنيا والآخرة.
ولما أمر الله تعالى بما هو واجب في أصل الشرع أمر بوفاء ما أوجبه العبد على نفسه فقال تعالى:

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)

*********
وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-04-2010, 11:25 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(1)
ومع بعض آيات من سورة الإسراء

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ - 1
تطالعنا السورة بمعجزة الإسراء , من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى.
إن أفواج الحجيج قبل إحتلال القدس كانوا يذهبون الى زيارة المسجد الأقصى بعد أداء فريضة الحج , إعمالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجد الحرام ، ومسجد الأقصى ، ومسجدي هذا
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1995
وليس من المتصور إن ينقطع المسلمون في أنحاء المعمورة عن زيارة المسجد الأقصى ؟
فكان يجب ان يكون هناك طريق من الأردن الى المسجد الأقصى تقوم على حمايته قوات إسلامية لتيسير وصول وفود الحجيج.

******

إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا - 9

نعيش مع هذه الآيات ومع هداية القرآن ودستور الأخلاق الدائم.

مبدأ أدب الحوار مع الوالدين
والإحسان إليهما والدعاء لهما.


وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا -23
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا -24
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا -25

لما نهى تعالى عن الشرك به أمر بالتوحيد فقال: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ ﴾ قضاء دينيا وأمر أمرا شرعيا ﴿ أَنْ لا تَعْبُدُوا ﴾ أحدا من أهل الأرض والسماوات الأحياء والأموات.
﴿ إِلا إِيَّاهُ ﴾ لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي له كل صفة كمال، وله من تلك الصفة أعظمها على وجه لا يشبهه أحد من خلقه، وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة الدافع لجميع النقم الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور فهو المتفرد بذلك كله وغيره ليس له من ذلك شيء.
ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي لأنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر.
﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا ﴾ أي: إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف. ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾ وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية.
﴿ وَلا تَنْهَرْهُمَا ﴾ أي: تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا، ﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ﴾ بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.
﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ أي: تواضع لهما ذلا لهما ورحمة واحتسابا للأجر لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد.
﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا ﴾ أي: ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا، جزاء على تربيتهما إياك صغيرا.
وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق التربية.


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
27-04-2010, 12:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(2)

ومع بعض آيات من سورة الإسراء

عشنا في اللقاء السابق مع أدب الحوار مع الوالدين,
واستكمالا لمبادئ البر والرحمة من القرآن العظيم نعيش تلك اللحظات المباركة.

مبادئ البر بالفقراء وبذل العطاء لهم وخاصة الأقارب

إهتمت شريعة الإسلام بالتكافل بين أفراد المجتمع بحيث لا يكون هناك فقيرا معدما أبدا في الدولة الإسلامية , ففرضت الزكاة على الأموال إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول. لتوزع على الفقراء والمساكين ووجوه الخير الأخرى كما حددتها الآية 60 من سورة التوبة.

وتأكيدا لمبدأ التكافل الإجتماعي بينت الآيات في سورة الإسراء ضوابط الإنفاق بحيث نبتعد عن البخل وعن التبذير , فكلا الأمرين مذموم في الإسلام , وكثيرا ما نلاحظ في بعض المجتمعات وجود فقراء تحت خط الفقر , وبجانبهم أغنياء فوق حد الغنى يقومون بتبذير أموالهم في ملذات وتفاهات ويحرمون الفقراء من حقهم الذي شرعه الله من أموال الزكاة والصدقات.
وإن في واقع الأمر قد يكون الفقراء سببا في هذا الغنى الفاحش للأغنياء, فالعمال الذين يعملون لدى الأغنياء مقابل رواتب لا تكفيهم ويعانون من الفقر , بينما الأغنياء يزدادون ثروات طائلة نظير هذه العماله الفقيره , وكذلك العاملون في مجال الزراعة والصيد إلى أخره , ولذلك كله قد أمرنا الله تعالى أن نعطي الحقوق لهؤلاء الفقراء وسماها حقا لأنه لا يوجد فقير معدم إلا وقد منعه أخاه الغني حقه , بكل صور المنع المتمثلة في منع الزكاة أو قلة الأجر وما إلى ذلك , مع التبذير في ترف الحياة التي لا طائل من ورائها إلا الشقاء.

ونستمع إلى كلام ربنا تبارك وتعالى:


وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا -26
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا -27
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا -28
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا -29
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا -30

يقول تعالى:
﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾
من البر والإكرام الواجب والمسنون وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة.
﴿ وَالْمِسْكِينَ ﴾ آته حقه من الزكاة ومن غيرها لتزول مسكنته
﴿ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾ وهو الغريب المنقطع به عن بلده،
فيعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق فإن ذلك تبذير قد نهى الله عنه وأخبر :
﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾
لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار :
﴿ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ﴾الفرقان67
وقال هنا : كناية عن شدة الإمساك والبخل . ﴿ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾
﴿ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ . فتنفق فيما لا ينبغي، أو زيادة على ما ينبغي.

﴿ فَتَقْعُدَ ﴾ إن فعلت ذلك ﴿ مَلُومًا ﴾ أي: تلام على ما فعلت
﴿ مَحْسُورًا ﴾ أي: حاسر اليد فارغها فلا بقي ما في يدك من المال .
وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى مع القدرة والغنى، فأما مع العدم أو تعسر النفقة الحاضرة فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا فقال :
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا ﴾
أي: تعرض عن إعطائهم إلى وقت آخر ترجو فيه من الله تيسير الأمر.
﴿ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا ﴾
أي: لطيفا برفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر لينقلبوا عنك مطمئنة خواطرهم كما قال تعالى:
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾ سورة البقرة
وهذا أيضا من لطف الله تعالى بالعباد أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه لأن انتظار ذلك عبادة،
ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك ولعل الله ييسر له بسبب رجائه.
ثم أخبر تعالى أنه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره ويضيقه على من يشاء حكمة منه،
﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾
. فيجزيهم على ما يعلمه صالحا لهم ويهديهم بلطفه وكرمه
وهكذا نفهم مبادئ الإسلام , إيمان بالقلب وإذعان كامل لشريعة الله تعالى التى أرسلها رحمة للعالمين في كافة مناحي الحياة .

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
30-04-2010, 05:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(3)
ومع بعض آيات من سورة الإسراء

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا -31

*****
عشنا في اللقاءين السابقين مع أدب الحوار مع الوالدين
ومبادئ البر بالفقراء وبذل العطاء لهم وخاصة الأقارب.
واستكمالا لمبادئ القرآن العظيم نعيش تلك اللحظات المباركة.
مع حقوق الطفل في الإسلام و التي سبقت كل قوانين العالم, بل نرى الأن وفي ظل الحضارة الحديثة بيع الأطفال علنا جهارا نهارا في بعض البلدان الإفريقية وذلك بسب الفقر.
وتتنوع المجتمعات الإنسانية من حيث العناية بالثروة البشرية.
فهناك بلدان إهتمت بالثروة البشرية وجعلتها سببا في التنمية والبناء .
وهناك بلدان تعاني من نقص السكان كما هو الحال في بعض البلدان الأوربية ولكنها تهتم بالعناية بالإنسان من حيث الصحة والتعليم بمستويات عالية .
أما البلدان التي تعاني من التكدس السكاني والمعانة من عدم توفير الخدمات اللازمة من مرافق ومدارس ومستشفيات , فهذا لا يرجع لكثرة النسل ولكن يرجع لعدم إستغلال هذه الثروة البشرية وتوظيفها في مشاريع عملاقة مثل إنشاء المدن الجديدة واستصلاح الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية وإنشاء اساطيل للصيد , وتشيد مصانع تستوعب هذه العمالة البشرية المتوفرة.
كما تقوم بعض البلدان الأسيوية بتدريب الأيدي العاملة وتصديرها للبلاد الغنية لتعود بثروات طائلة وبذلك تعتبر الثروة البشرية موردا هاما لمن يحسن إستخدامها .

******
وقد إهتمت شريعة الإسلام بالإنسان من قبل أن يولد وذلك بالإختيار الجيد سواء من ناحية الأب أو الأم .
جاء في الحديث الشريف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 1614
خلاصة حكم المحدث: حسن

وجاء في الحديث الشريف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5090
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وبعد الأختيار السليم لكلا الزوجين , أهتم الإسلام بالطفل حال إرضاعه , قال تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ....233 سورة البقرة
ثم العناية بتعليمه والإهتمام بالرياضة مثل السباحة والرماية وركوب الخيل إلى غير ذلك.
علموا بنيكم السباحة والرمي ...
المحدث: الزرقاني - المصدر: مختصر المقاصد - الصفحة أو الرقم: 658

وأمرنا الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعدل بين الأبناء ,
ورد أن صحابيا سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية ، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله ، قال : ( أعطيت سائر ولدك مثل هذا ) . قال : لا ، قال : فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم . قال : فرجع فرد عطيته .
الراوي: النعمان بن بشير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2587
خلاصة الدرجة: صحيح

وقبل كل شئ ينشأ في رحاب الصلة بالله تعالى,
حيث يؤمر الطفل بالصلاة في عمر سبع سنوات., لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع .
الراوي: جد عمرو بن شعيب المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 495


وعلى رأس العناية بالطفل تحريم قتل الأولاد


وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا -31

وهذا من رحمته بعباده حيث كان أرحم بهم من والديهم، فسبحان الله الرحيم بنا,
فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم خوفا من الفقر والإملاق وتكفل برزق الجميع.
وأخبر أن قتلهم كان خطأ كبيرا أي: من أعظم كبائر الذنوب لزوال الرحمة من القلب والعقوق العظيم والتجرؤ على قتل الأطفال الذين لم يجر منهم ذنب ولا معصية.
وكان تحريم قتل الأولاد هنا الخوف من الفقر واحتمال وقوعه مع كثرة الأولاد , وجاء التحريم في سورة الأنعام سابقا في حالة الفقر الفعلي للأبوين .
وبذلك يكون التحريم في كل الحالات سواء الفقر الفعلي أو الخوف من وقوعه.
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ..151 الأنعام
أي: بسبب الفقر وضيقكم من رزقهم، كما كان ذلك موجودا في الجاهلية القاسية الظالمة.
فقد تكفل الله تعالى برزق الجميع، فلستم الذين ترزقون أولادكم، بل ولا أنفسكم،
فقد أمرنا الله تعالى بعدم قتلهم بسبب الفقر , فإن الذي خلقنا هو الذي يرزقنا وإياهم , والذي يتصور غير ذلك ليس بمؤمن.

وورد في الحديث الشريف:

بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط ، فقال : ( أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو له كفارة وطهور ، ومن ستره الله فذلك إلى الله : إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
الراوي: عبادة بن الصامت المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7468
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس : ( تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله ، فأمره إلى الله : إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه ) . فبايعناه على ذلك .
الراوي: عبادة بن الصامت المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7213
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم
الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1532

وبهذا ندرك عناية الإسلام بالطفل الذي هو بهجة الحاضر ورجل المستقبل .
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-05-2010, 03:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(4)
ومع بعض آيات من سورة الإسراء
عشنا في اللقاءات السابقة مع البر بالوالدين وجعلها مقترنة بعقيدة التوحيد .

وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا -23
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا -24
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا -25

ثم مبادئ البر بالفقراء وبذل العطاء لهم وخاصة الأقارب.

وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا -26
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا -27
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا -28
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا -29
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا –30

ثم تحريم قتل الأطفال .

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا –31

******

واستكمالا لمبادئ القرآن العظيم نعيش تلك اللحظات المباركة , حيث طهارة المجتمع من الفاحشة وانهيار الأخلاق.
إن أي بناء سليم يتكون من لبنات سليمة . وإن أي جسم سليم يتكون من خلاية حية سليمة , أما إذا كانت اللبنات هشة أو ضعيفة إنهار البناء
فكما أن الخلية هي اللبنة في تكوين جسم الإنسان كذلك الأسرة هي اللبنة في تكوين المجتمعات البشرية , فإن صلحت الأسر صلح المجتمع وإذا انهارت الأسر إنهارت المجتمعات , ولذلك جاء التحريم الشديد لأي علاقة غير الزواج في تكوين الأسر في المجتمع الإسلامي المبني على العفة والطهارة وصلة الأرحام بين الأسر والتألف بين أفرادها ..
ومازلنا مع آيات سورة الإسراء التي تعتبر دستورا في المعاملات والأداب .
قال تعالى:
وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً -32

والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن: " من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه.
ووصف الله الزنى وقبحه بأنه ﴿كَانَ فَاحِشَةً﴾ أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر, لتضمنه التجريء على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: ﴿وَسَاءَ سَبِيلا﴾ أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.

*******
وقد ورد في الحديث الشريف :

أن فتى شابا أتى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقال : يا رسول الله إئذن لي بالزنا ؟ فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا : مه مه ؟
فقال : أدنه فدنا منه قريبا قال : فجلس .
قال : أتحبه لأمك قال : لا والله ، جعلني الله فداءك
قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.
قال : أفتحبه لابنتك ؟ قل : لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداءك
قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم.
قال : أفتحبه لأختك ؟ قل : لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداءك
قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم .
قال : أفتحبه لعمتك ؟ قل : لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداءك
قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم .
قال : أفتحبه لخالتك ؟ قل : لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداءك
قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم .
قال فوضع يده عليه وقال : اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .
الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 501
خلاصة حكم المحدث: صحيح

******
ومما لا شك فيه أن إذاعة الفاحشة يؤدي إلى ضياع الأخلاق عند الشباب ومن ثم الضعف الذي يؤدي إلى إنهيار المجتمع والقضاء عليه.
ولقد دأبت بعض وسائل الإعلام على نشر الفاحشة وخاصة الأفلام السينمائية , ونذكرهم بقول الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدنيا و الأخرة وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ 19 النور
وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم،

هل أدركنا قيمة الأداب و الأخلاق في الإسلام ؟ وأنها تؤدي إلى صلاح وقوة المجتمع وتماسكه, وأن إشاعة الفاحشة تؤدي إنهيار المجتمعات عاجلا أم أجلا.

********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
02-05-2010, 12:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(5)
ومع بعض آيات من سورة الإسراء

وما زلنا مع الدستور الإلهي الذي يأخذ بأيد البشر إلى أرقى الأخلاق والمبادئ وحماية النفس الإنسانية من الإعتداء عليها .

وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا -33

حرمة قتل النفس إلا بالقانون في جرائم القصاص

وهذا شامل لكل نفس ﴿ حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى ومسلم وكافر غير محارب.
﴿ إِلا بِالْحَقِّ ﴾ كالنفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة والباغي في حال بغيه إذا لم يندفع إلا بالقتل.
﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ﴾ أي: بغير حق ﴿ فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ ﴾ وهو أقرب ورثته من ناحية العصب, ﴿ سُلْطَانًا ﴾ أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل، ما يسمى اليوم بالأدلة الجنائية , تتقدم بها النيابة العامة إلى المحكمة الجنائية وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص كالقتل كالعمد .
ونجد هنا توجيه للقاضي ﴿ فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ والإسراف مجاوزة الحد إما أن يمثل بالقاتل أو يقتله بغير ما قتل به أو يقتل غير القاتل.
وطبقا للشريعة الإسلامية السمحة يمكن لولي الدم أن يسقط عقوبة القصاص مقابل الدية أو بغيرها , وتطبق عقوبة أخرى مثل الحبس .
والنهي عن القتل ورد كثيرا في القرآن العظيم ذلك لشناعة هذا الجرم, وقد وضعت له أشد العقوبات في الدنيا وفي الأخرة, قال تعالى:
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا - 93 النساء
وهنا وعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول.
فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار. فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته.
*****
وقد جاء في الحديث الشرف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا تواجه المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار " قيل : يا رسول الله ! هذا القاتل . فما بال المقتول ؟ قال " إنه قد أراد قتل صاحبه " .
الراوي: الأحنف بن قيس المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2888
خلاصة حكم المحدث: صحيح

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من حمل علينا السلاح فليس منا.
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7070
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح ، فإنه لا يدري ، لعل الشيطان ينزغ في يده ، فيقع في حفرة من النار
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7072
خلاصة حكم المحدث: صحيح

هل أدركنا كيف يحافظ الإسلام على حياة الإنسان ؟
أين هذا وما يشاع اليوم من أن الإسلام دين عنف ودماء ؟
إن الإسلام هو الضمانة الحقيقية للأمن والأمان إذا طبق.
وصدق الله العظيم إذ قال :

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ – 107 الأنبياء

******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
04-05-2010, 01:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(6)
ومع بعض آيات من سورة الإسراء

وما زلنا مع الدستور الإلهي الذي يأخذ بأيد البشر إلى أرقى الأخلاق والمبادئ وحماية النفس الإنسانية من الإعتداء عليها , وحماية الأموال , والوفاء بالعهود والمواثيق . والدقة في المعملات التجارية من بيع وشراء. وكلنا يعلم أن كتب الفقه تناولت هذه المعاملات بشئ كبير من التفصيلات ووضع التعريفات والشروط لها. وحسبنا هنا أن نشير إليها ونعلم علم اليقين أن القرآن العظيم وهو مصدر كل هذه التشريعات والقوانين لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ووضع لها أساسا. ويقوم رجال الشريعة والقانون وخاصة في البلدان الإسلامية بوضع تقنينات ونصوصا قانونية مصدرها القرآن العظيم والحديث الصحيح , فإن العدالة المطلقة في شريعة الله سبحانة , أما القوانين الوضعية وإن كانت تبتغي العدل إلا أنها لن ترقى إلى شريعة الله تعالى .
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ – 49 أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ -50 المائدة

*****
ونعود لبقية آيات سورة الإسراء
وقد سبق أن إشتملت سورة الأعراف على تأكيد تلك المبادئ الهامة من الآيات 151 الى 153
إشتملت تلك الآيات على كثير من المبادئ الهامة في حياة الإنسان عبر العصور المختلفة , ولأن هناك ضرورات ثابتة في حياة البشر لا تتغير بتغير الزمان أو المكان فكان لابد لها من تلك المبادئ الثابتة التي تنظمها وتضع لها الضوابط حتي تستقيم المجتمعات ضمن منظومة تشريعية متكاملة لحقوق الفرد والمجتمع .

أهم المبادئ التي نحاول أن نلتمسها من الآيات الكريمة والتي تكلمنا عنها في اللقاءات السابقة عن حرية الإرادة بالتوجه لله الحق وحده بالعبادة ,والإحسان إلى الأباء ,وحقوق الطفل .وتحريم الفواحش , وتحريم قتل النفس.
واليوم نتكلم بعون الله تعالى عن صيانة مال اليتيم ,والوفاء بالعهد ,والوفاء في الكيل والميزان.
وأهمية العلم والتخصص فيما يتناوله الإنسان , ثم نختم بخلق التواضع.


وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً -34
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً -35

المحافظة على أموال اليتيم والوفاء بالعهد
وأمانة المعاملات في البيع والشراء.

وهذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم الذي فقد والده وهو صغير غير عارف بمصلحة نفسه ولا قائم بها, فأمر الله تعالى أولياءه بحفظه وحفظ ماله وإصلاحه وأن لا يقربوه ﴿ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ من التجارة فيه وعدم تعريضه للأخطار، والحرص على تنميته، وذلك ممتد إلى أن ﴿ يَبْلُغَ ﴾ اليتيم ﴿ أَشُدَّهُ ﴾ أي: بلوغه وعقله ورشده، فإذا بلغ أشده زالت عنه الولاية وصار ولي نفسه ودفع إليه ماله.
كما قال تعالى: ﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾-6 النساء ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ﴾ الذي عاهدتم الله عليه والذي عاهدتم الخلق عليه. ﴿ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ﴾ أي: مسئولين عن الوفاء به وعدمه، فإن وفيتم فلكم الثواب الجزيل وإن لم تفوا فعليكم الإثم العظيم.
والوفاء بالعهد صفة الأنبياء.
أخبر أبو سفيان : أن هرقل قال له : سألتك ماذا يأمركم ؟ فزعمت : أنه أمركم بالصلاة ، والصدق ، والعفاف ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، قال : وهذه صفة نبي .
الراوي: أبو سفيان بن حرب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2681
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسن العهد من الإيمان .
الراوي: - المحدث: الزرقاني - المصدر: مختصر المقاصد - الصفحة أو الرقم: 381
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم ، و ما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت ، و لا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر .
الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 107
خلاصة حكم المحدث: صحيح على شرط مسلم

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس بخمس . قيل يا رسول ا لله0 ما خمس بخمس قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم ( الفقر ، و لا ظهرت فيهم الفاحشة ، إلا فشا فيهم ) الموت ، و لا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر ، و لا طففوا المكيال إلا حبس عنهم النبات ، و أخذوا بالسنين
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 765
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره

آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6095
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً -35
وهذا أمر بالعدل وإيفاء المكاييل والموازين بالقسط من غير بخس ولا نقص.
ويؤخذ من عموم المعنى النهي عن كل غش في ثمن أو مثمن أو معقود عليه والأمر بالنصح والصدق في المعاملة.
﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ من عدمه ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ﴾ أي: أحسن عاقبة به يسلم العبد من التبعات وبه تنزل البركة.

******
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً -36

أمانة العلم

أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك، ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ﴾ فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى.
*****

خلق التواضع

وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً -37
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا -38

يقول تعالى: ﴿ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا ﴾ أي: كبرا وتيها وبطرا متكبرا على الحق ومتعاظما على الخلق.
﴿ إِنَّكَ ﴾ في فعلك ذلك ﴿ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا ﴾ في تكبرك بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق مبغوضا ممقوتا قد اكتسبت أشر الأخلاق واكتسيت أرذلها من غير إدراك لبعض ما تروم.
﴿ كُلُّ ذَلِكَ ﴾ المذكور الذي نهى الله عنه فيما تقدم من قوله: ﴿ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَر َ﴾ والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك ﴿ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾ أي: كل ذلك يسوء العاملين ويضرهم والله تعالى يكرهه ويأباه.

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
05-05-2010, 11:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(7)
ومع بعض آيات من سورة الإسراء

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً - 70

إن الاسلام أول من نادى بحقوق الإنسان , وكانت كرامة الانسان منحة من الله وفضل
ولعل من قرأ وثيقة حقوق الإنسان يدرك أنها أتت متأخرة , فقد سبقتها رسالة الله تعالى منذ 1431 سنة ,
فالإسلام أول من قرر حرية العقيدة ( لا إكراه في الدين )
وحرية الإرادة بالتوجه لله الحق وحده بالعبادة , الإحسان إلى الأباء , حقوق الطفل وعدم قتلهم من الفقر, تحريم الفواحش , تحريم قتل النفس , صيانة مال اليتيم , صيانة المال بالوفاء في الكيل والميزان , العدل في القول , الوفاء بعهد الله تعالى.
وجميع الحقوق تشمل الرجال والنساء على السواء في الإسلام.

قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ -151

وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ -152

وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ -153الأعراف

******

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ

وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة.
﴿ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ ِ﴾ بجميع وسائل النقل سواء التي تسير على الأرض أو التي تسير جوا مثل الطائرات .
قال تعالى في سورة الجاثية: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ - 12 وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ - 13
يخبر تعالى بفضله على عباده وإحسانه إليهم بتسخير البحر لسير المراكب والسفن بأمره وتيسيره، ﴿ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بأنواع التجارات والمكاسب، ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ الله تعالى فإنكم إذا شكرتموه زادكم من نعمه وأثابكم على شكركم أجرا جزيلا.
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ أي: من فضله وإحسانه، وهذا شامل لأجرام السماوات والأرض ولما أودع الله فيهما من قوانين تعينكم على التنقل عبر الفضاء بالمركبات الفضائية أو في جو الأرض بواسطة الطائرات وغير ذلك مما هو معد لصالح بني آدم . فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه ولهذا قال: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ وجملة ذلك أن خلقها وتدبيرها وتسخيرها دال على نفوذ مشيئة الله وكمال قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان وبديع الصنعة وحسن الخلقة دال على كمال حكمته وعلمه، وما فيها من السعة والعظمة والكثرة دال على سعة ملكه وسلطانه،
فهو سبحانه كرم بني أدم بنعمة العقل وما أودعه فيه من تفاعلات وفهم ومدركات ليقوم بالتصنيع والإبتكار والتطوير المستمر لإنجازات سابقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قال تعالى: ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ - 96 إبراهيم
وإن كثير من المخلوقات تدلك على ذلك فإذا نظرت إلى النحل كيف يقوم ببناء الخلية بناءا هندسيا غاية الدقة وكيف يقوم بإمتصاص رحيق الأزهار وكيف يخرج من بطونه شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ؟ في أي الكليات درس هذا ؟ ومن علمه هذا؟
بل قل من أوضع فيه هذا البرنامج الذي لا يتخلف عبر العصور؟
وكذلك إذا نظرت إلى الحرير الطبيعي ..! تخرجه دودة الحرير وتتغذى على ورق التوت ..! في أي مصنع أخرجت هذا الحرير الطبيعي وكيف يتكون ؟
وإذا عدنا إلى الإنسان نجده نزل من بطن أمه لا يعلم شئ ..!
قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ - 78 النحل

أي: هو المنفرد بهذه النعم حيث ﴿ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ ولا تقدرون على شيء ثم إنه ﴿ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ ﴾ خص هذه الأعضاء الثلاثة، لشرفها وفضلها ولأنها مفتاح لكل علم ، فلا وصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة وإلا فسائر الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة هو الذي أعطاهم إياها، وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به، وذلك لأجل أن يشكروا الله، باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله تعالى .

هل أدركنا مدى تكريم الله تعالى للإنسان؟

وكل ذلك دال على أنه وحده المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له وأن رسله صادقون فيما جاءوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة لا تقبل ريبا ولا شكا.

وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

﴿وَالْبَحْرِ﴾ في السفن والمراكب والغواصات وذلك بالقوانين التي أودعها الله تعالى للطفو والإبحار عبر الأمواج المائية والرياح .
﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ من المآكل والمشارب والملابس . فما من طيب تتعلق به حوائجهم إلا وقد أكرمهم الله به ويسره لهم غاية التيسير.
﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ﴾ بما خصهم به من المناقب وفضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات.
وهذا التكريم الآلهي لبني البشر يدلك على مدى أهمية رسالة الله تعالى التي توضحه وتبينه للناس حتى يعلم الجميع أنهم متساون في التكريم على ظهر الأرض , وعليهم التوجه بقلوبهم إلى خالقهم حتى يديم عليهم نعمة التكريم في الدنيا والأخرة . فالبعد عن منهج الله في العدل يلحق الضرر بالبشرية حيث يطغى بعضهم على بعض ويأكل القوي الضعيف, ويستعبد السادة العبيد. وقد حدث ذلك عبر العصور المختلفة إلى أن جاء الإسلام ينير للبشر طريق الحرية والكرمة,

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
07-05-2010, 11:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(8)
ومع بعض آيات من سورة الكهف

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا - 30

والأمر بالعمل الصالح ورد كثيرا في القرآن العظيم مما يدل على أهميته..
فالإسلام عقيدة وشريعة , فدائما نلاحظ إقتران الإيمان بالعمل الصالح وذلك عبر آيات القرآن من أوله إلى أخره.
فالبعمل الصالح تنهض الأمم والشعوب وتقوى, فلا توجد على ظهر الأرض أمة تنهض بالعمل الصالح ثم تجدها متخلفة أو فقيرة أو محتلة أو ضعيفة ...أما الشعوب المتكاسلة عن العمل فسرعان ما ينخر فيها الضعف ويطمع في ثرواتها الطامعون ويسعى في غزوها الغاصبون...!
وقد أدرك ذلك المسلمون الأوئل فكانوا خير أمة أخرجت للناس. وإليكم هذا النموذج ..
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة ، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري ، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ، فقال عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلني على السوق ، فربح .....
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3937
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وورد أيضا , أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء,
قال: ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين ؟
قال رجل أنا آخذهما بدرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثة قال رجل أنا آخذهما بدرهمين . فأعطهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فائتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما, ففعل فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خيرا لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع .
الراوي: أنس المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 2/45


و من هذه الأحاديث ندرك كيف فهم المسلمون قيمة العمل في الإسلام ,
والأمر بالعمل الصالح قد وجهه الله تعالى لرسله صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين..
قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ – 51 المؤمنون
الأعمال الصالحة، التي هي صلاح في جميع الأزمنة، قد اتفقت عليها الأنبياء والشرائع، أولا – في العقيدة كالأمر بتوحيد الله، وإخلاص الدين له، ومحبته، وخوفه، ورجائه، والبر، والصدق، والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين واليتامى، والحنو والإحسان إلى الخلق،
ثانيا - الأعمال الصالحة لمجالات الحياة المختلفة من تصنيع وتشيد للبناء والمدن والطرق والعمل في مجال الزراعة والصيد وإنشاء المصانع لتصنيع كل مايلزم الإنسان في حياته اليومية...
قال تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ - 10 أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ – 11 سبأ
أي: ولقد مننا على عبدنا ورسولنا, داود عليه الصلاة والسلام, وآتيناه فضلا من العلم النافع, والعمل الصالح, والنعم الدينية والدنيوية، ومن نعمه عليه, ما خصه به من أمره تعالى الجمادات, كالجبال والحيوانات, من الطيور, أن تُؤَوِّب معه, وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها.
ومن فضله عليه, أن ألان له الحديد, ليعمل الدروع السابغات, وعلمه تعالى كيفية صنعته, بأن يقدره في السرد, أي: يقدره حلقا, ويصنعه كذلك, ثم يدخل بعضها ببعض.
قال تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ – 80 الأنبياء
وقال تعالى:
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ – 13 سبأ
الشكر: تصور النعمة وإظهارها، ويضاده الكفر، وهو: نسيان النعمة، وسترها،
وقيل: أصله من عين شكرى، أي: ممتلئة، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه.
والشكر ثلاثة أضرب:شكر القلب، وهو تصور النعمة.وشكر اللسان، وهو الثناء على المنعم.وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه بالبذل والعطاء والمساعدة .

وقد تفضل الله تعالى على سائر البشر بأن علمهم مالم يكونوا يعلموا..
قال تعالى :
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ -3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ -4 عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ – 5 العلق

*****
والعمل الصالح كما يفيد في الدنيا فهو يفيد في الأخرة, قال تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 82 سورة البقرة

ويجب أن يدرك الأنسان أن جميع أعماله مراقبة , فالدنيا دار إختبار لأعمال الإنسان.
قال تعالى:
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ – 110 سورة البقرة

*****
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
11-05-2010, 09:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس عشر
(9)
ومع بعض آيات من سورة الكهف

من المبادئ الهامة في الإسلام الإجتهاد في تحصيل العلم ,

وقد ورد في نهاية الجزء الذي معنا قصة الإصرار والتصميم على طلب التعلم , وذلك من نبي الله موسى عليه السلام.
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال:
قام موسى النبي خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا أعلم ، فعتب الله عليه ، إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن عبدا من عبادي بمجمع البحرين ، هو أعلم منك . قال : يا رب ، وكيف به ؟ فقيل له : احمل حوتا في مكتل ، فإذا فقدته فهو ثم ،

*****

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا -60 فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا – 61 فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا – 62 قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا – 63 قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا – 64

فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا – 65
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا – 66
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا – 67 وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا – 68
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا – 69
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا - 70

*******
ونستفيد من هذه القصة الهامة مدى الحرص على طلب العلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غدا لعلم يتعلمه فتح الله له به طريقا إلى الجنة وفرشت له الملائكة أكنافها ، وصلت عليه ملائكة السماء وحيتان البحر ، وللعالم من الفضل على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، والعلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ بالعلم أخذ بحظ وافر ، وموت العالم مصيبة لا تجبر ، وثلمة لا تسد ، ونجم طمس ، وموت قبيلة أيسر من موت عالم .
الراوي: أبو الدرداء المحدث: ابن القيم - المصدر: مفتاح دار السعادة - الصفحة أو الرقم: 1/254
خلاصة حكم المحدث: حسن

فقد كانت بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم المصدر الرئيسي للعلم والعلماء , قال تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ -152 فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ – 153 سورة البقرة

ولقد كان المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعة علمية تخرج منها خير أمة , وخيرة العلماء ,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره .
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 187
خلاصة حكم المحدث: صحيح

ولم يأتي الأمر في طلب الزيادة إلا في طلب العلم , قال تعالى: ...وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا – 114 طه

فإن العلماء أشد الناس خشية لله تعالى وذلك لإدراكهم ومشاهدتهم لآيات الله في النفس والأفاق.

قال تعالى في سورة فاطر: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا, وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ -27 َمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ, إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ - 28

******

بالعلم والبحث العلمي الجاد تنهض الأمم ,
وبهذا الأسلوب الراقي في الأخلاق تعلم علماؤنا, فملكوا العالم وأشاعوا نور المعرفة على سائر الأرض التي كانت مفتاحا لكل العلوم التي نراها الأن.

******
وإلى الجزء التالي إن شاء الله

Saber Abbas
12-05-2010, 03:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس عشر
(1)
وهذا الجزء يتضمن أواخر سورة الكهف وسورة مريم وسورة طه.
ومن مبادئ المعاملات والأداب التي نحاول أن نتخلق بها من هذا الجزء الزاخر بالمعطيات الكثيرة , كيفية التعامل مع جميع البشر ومن مواقع مختلفة.
فالآيات الكريمة تجيب عن أسئلة هامة...!

أولها كيف يتعامل القائد مع الرعية ؟
ثانيا كيف يتعامل الأبن المؤمن مع أبيه غير المؤمن ؟
ثالثا كيفية تعامل الأب المؤمن مع أهل بيته ؟
ورابعا كيفية تعامل الداعية -إلى دين الله- مع الملوك والزعماء ؟

وبعون من الله تعالى نحاول أن نتدبر هذه الآداب والأخلاق عسى أن نتخلق بها فننعم بها في الدنيا ونكون من الفائزين إن شاء الله في الأخرة.

*****
أولا كيف يتعامل القائد مع الرعية ؟

والنموذج الذي نراه في الآيات التالية لقائد قوي جاب مشارق الأرض ومغربها ودافع عن الضعفاء وحقق العدل بين الرعية,
( ذو القرنين )
قال تعالى عنه في أوخر سورة الكهف:

إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا – 84 فَأَتْبَعَ سَبَبًا - 85
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا – 86
قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا – 87
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا – 88

﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ﴾ أي: ملكه الله تعالى، ومكنه من النفوذ في أقطار الأرض، وانقيادهم له.
﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ أي: أعطاه الله من الأسباب الموصلة للمهام التي يبتغيها، ما به يستعين على فتح البلدان، وسهولة الوصول إلى أقاصي العمران، وعمل بتلك الأسباب التي أعطاه الله إياها، أي: استعملها على وجهها.
حتى إذا بلغ مغرب الشمس، أي أقصى مكان للأرض من جهة الغرب ,وجد أقواما ﴿قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ أي: إما أن تعذبهم بما أقترفوه من أثام ، وإما أن تحسن إليهم، فخير بين الأمرين، لأن الظاهر أنهم كفار أو فساق، أو فيهم شيء من ذلك، لأنهم لو كانوا مؤمنين غير فساق، لم يرخص في تعذيبهم، فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء، لتوفيق الله له لذلك، فقال: سأجعلهم قسمين: ﴿أَمَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ بالكفر ﴿فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾ أي: تحصل له العقوبتان، عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة.
﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى﴾ أي: فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة، ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ أي: وسنحسن إليه، ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة، وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين الأولياء، العادلين العالمين، حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل فرد، بما يليق بحاله.

أولا- بردع الظالم حتى لا يتجرأ الناس على الظلم , و يسود الأمن والأمان بين الناس..
ثانيا- مكافئة الصالحين حتى نشجع غيرهم على الإصلاح , ليعم الرخاء بإذن الله , وهذا ما فعله ذو القرنين.
*****

ثالثا - الدفاع عن المظلومين
و مساعدتهم في إنشاء دفاعاتهم ضد المعتدين والمفسدين في الارض

حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا -93
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا – 94
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا – 95
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ
قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا – 96
فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا – 97

﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾ قال المفسرون: ذهب متوجها من المشرق، قاصدا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان، سدا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وجد من دون السدين قوما، لا يكادون يفقهون قولا، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية، ما فقه به ألسنة أولئك القوم وفقههم، وراجعهم، وراجعوه، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم.... فقالوا: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ﴾ بالقتل وأخذ الأموال وغير ذلك.
﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ أي جعلا ﴿عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ ودل ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان السد، وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه، فبذلوا له أجرة، ليفعل ذلك، فلم يكن ذو القرنين ذا طمع، ولا رغبة في الدنيا، ولا تاركا لإصلاح أحوال الرعية، بل كان قصده الإصلاح، فلذلك أجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة، ولم يأخذ منهم أجر، وشكر ربه على تمكينه واقتداره، فقال لهم: ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ﴾ أي: مما تبذلون لي وتعطوني، وإنما أطلب منكم أن تعينوني بقوة منكم بأيديكم ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ أي: مانعا من عبورهم عليكم.
﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ أي: قطع الحديد، فأعطوه ذلك.
﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ أي: الجبلين اللذين بني بينهما السد ﴿قَالَ انْفُخُوا﴾ النار أي: أوقدوها إيقادا عظيما، واستعملوا لها المنافيخ لتشتد، فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس، الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد ﴿قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ أي: نحاسا مذابا، فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد استحكاما هائلا، وامتنع من وراءه من الناس، من ضرر يأجوج ومأجوج.
﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ أي: فما لهم استطاعة، ولا قدرة على الصعود عليه لارتفاعه، ولا على نقبه لإحكامه وقوته.
****
وقد ود في الحديث الشريف نماذج كثير في تطبيق العدل ,
أن امرأة من بني مخزوم سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فلم يجترئ أحد أن يكلمه ، فكلمه أسامة بن زيد ، فقال : إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه.
وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه ، لو كانت فاطمة لقطعت يدها.
الراوي: عائشة المحدث: البخاري المصدر: صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 3733
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وأنظروا كيف كان حال العرب في الجاهلية , وكيف أصبح حالهم بعد عدل الإسلام ...!
ويتجلى ذلك في قول جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة : أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف ،
فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ،
وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ، و أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام .
*****
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ
إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا - 58 النساء

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
17-05-2010, 12:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس عشر
(2)

عشنا في اللقاء السابق في كيفية تعامل القائد مع الرعية ؟
قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا – 86
قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا – 87
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا – 88

وإن شاء الله تعالى نستكمل اليوم مبادئ التعامل مع البشر من مواقع مختلفة وكيفية تعامل الأبن المؤمن مع أبيه غير المؤمن ؟
قال تعالى في سورة مريم :

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا -41
إِذْ قَالَ لأبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا – 42
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا -43
يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا – 44
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا – 45
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا – 46
قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا – 47

ومع هذا النموذج الرائع والأدب الرفيع في المخاطبة نتعلم..!
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ جمع الله له بين الصديقية والنبوة.
فالصديق: كثير الصدق، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله، المصدق بكل ما أمر بالتصديق به،. وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل إلى القلب ، المؤثر فيه ، الموجب لليقين ، والعمل الصالح الكامل،.
وإبراهيم عليه السلام، هو أفضل الأنبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي دعا الخلق إلى الله، وصبر على ما ناله من العذاب العظيم، فدعا القريب والبعيد، واجتهد في دعوة أبيه، مهما أمكنه، وذكر الله مراجعته إياه ، فقال : ﴿ إِذْ قَالَ لأبِيهِ ﴾ مهجنا له عبادة الأوثان: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ أي: لم تعبد أصناما، ناقصة في ذاتها ، وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا، بل لا تملك لأنفسها شيئا من النفع ، ولا تقدر على شيء من الدفع ، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل أيضا أن الذي يجب أن نتوجه إليه بالعبادة من له الكمال والقدرة، وهو الله تعالى.
﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ أي: يا أبت لا تحقرني وتقول: إني ابنك، وإن عندك ما ليس عندي، بل قد أعطاني الله من العلم ما لم يعطك، والمقصود من هذا قوله: ﴿ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ أي: مستقيما معتدلا، وهو: عبادة الله وحده لا شريك له، وطاعته في جميع الأحوال،.
وفي هذا من لطف الخطاب ولينه ، ما لا يخفى ، فإنه لم يقل: " يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل " أو " ليس عندك من العلم شيء " وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علما، وأن الذي وصل إلي لم يصل إليك ولم يأتك، فينبغي لك أن تتبع الحجة وتنقاد لها.....!!
﴿ يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ﴾ لأن من عبد غير الله، فقد عبد الشيطان، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾يس..
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾ فمن اتبع خطواته، فقد اتخذه وليا وكان عاصيا لله بمنزلة الشيطان. فإن المعاصي تمنع العبد من رحمة الله ، وتغلق عليه أبوابها ، كما أن الطاعة أكبر الأسباب لنيل رحمته ، ولهذا قال: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ أي: بسبب إصرارك على الكفر، وتماديك في الطغيان ﴿ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ أي: في الدنيا والآخرة، فتنزل بمنازله الذميمة، وترتع في مراتعه الوخيمة .
فتدرج الخليل عليه السلام بدعوة أبيه، بالأسهل فالأسهل، فأخبره بعلمه، وأن ذلك موجب لاتباعك إياي، وأنك إن أطعتني، اهتديت إلى صراط مستقيم .
ثم نهاه عن عبادة الشيطان، وأخبره بما فيها من المضار.
ثم حذره عقاب الله ونقمته إن أقام على حاله، وأنه يكون وليا للشيطان.
فقال له الأب: ﴿ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ التي هي من الحجر والأصنام، ولام إبراهيم عن رغبته عنها، وهذا من الجهل المفرط، والكفر الوخيم، وقال : ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ ﴾ أي: عن شتم آلهتي، ودعوتي إلى عبادة لله ﴿ لأرْجُمَنَّكَ ﴾ أي: قتلا بالحجارة. ﴿ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ أي: لا تكلمني زمانا طويلا،.
فأجابه الخليل جواب عباد الرحمن عند خطاب الجاهلين، ولم يشتمه، بل صبر، ولم يقابل أباه بما يكره،
وقال: ﴿ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ أي: لا أزال أدعو الله لك بالهداية والمغفرة، بأن يهديك للإسلام، الذي تحصل به المغفرة، ﴿ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ أي: رحيما رءوفا بحالي، معتنيا بي، فلم يزل يستغفر الله له رجاء أن يهديه الله، فلما تبين له أنه عدو لله، وأنه لا يفيد فيه شيئا، ترك الاستغفار له، وتبرأ منه.
وقد أمرنا الله باتباع ملة إبراهيم، وسلوك طريقه في الدعوة إلى الله، بطريق العلم والحكمة واللين والسهولة، والانتقال من مرتبة إلى مرتبة والصبر على ذلك، وعدم السآمة منه، والصبر على ما ينال الداعي من أذى الخلق بالقول والفعل، ومقابلة ذلك بالصفح والعفو، بل بالإحسان القولي والفعلي.
ونلاحظ في الأيات السابقة كيف تعامل " نبي الله إبراهيم " مع أبيه المشرك , بكل أدب وأخلاق ودون عقوق, لعل الشباب في هذه الأيام يعي هذا السلوك الرفيع في المعاملات والآداب.. وخاصة مع الأباء ,
قال تعالى في سورة لقمان : ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ﴾ لأن حق اللّه، مقدم على حق كل أحد، و "لا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق"
ولم يقل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما " بل قال : ﴿ فَلا تُطِعْهُمَا ﴾ أي: بالشرك ، وأما برهما، فاستمر عليه، ولهذا قال: ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما.
﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ وهم المؤمنون باللّه، وملائكته وكتبه، ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه.

******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
21-05-2010, 01:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس عشر

(3)


كانت اللقاءات السابقة في كيفية تعامل القائد مع الرعية ؟

وكيفية تعامل الأبن المؤمن مع أبيه غير المؤمن ؟

وإن شاء الله تعالى نعيش اليوم مع كيفية تعامل الآباء تجاه الآبناء والآهل بصفة عامة...


وفي الحديث, خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي ....

الراوي: عائشة المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 1616


والخيريه تقتضي الخوف عليهم من عذاب الأخرة.

قال تعالى في سورة التحريم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ -6


أي: يا من من الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه.

فـ ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالا، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد ، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزروجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه.

*******

سورة مريم


نلاحظ في الأيات التالية كيف كان " رسول الله إسماعيل عليه السلام " يأمر أهله بالصلاة والزكاة , متخلقا بصدق الوعد ...

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا – 54
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا – 55

أي: واذكر في القرآن الكريم، هذا النبي العظيم، الذي خرج منه الشعب العربي، أفضل الشعوب وأجلها، الذي منهم سيد ولد آدم.

﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ أي: لا يعد وعدا إلا وفى به. وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله أو مع العباد، ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه له وقال: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ وفى بذلك ومكن أباه من الذبح، الذي هو أكبر مصيبة تصيب الإنسان، ثم وصفه بالرسالة والنبوة، التي هي أكبر منن الله على عبده، وأهلها من الطبقة العليا من الخلق.

﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ أي: كان مقيما لأمر الله على أهله، فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود، وبالزكاة المتضمنة للإحسان إلى العبيد، فكمل نفسه، وكمل غيره، وخصوصا أخص الناس عنده وهم أهله ، لأنهم أحق بدعوته من غيرهم. ﴿ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ وذلك بسبب اجتهاده فيما يرضيه، ارتضاه الله وجعله من خواص عباده وأوليائه المقربين.


*****

والأمر بالصلاة يوفر الجهد في تربية الأبناء , فالوالد يطمئن على ابنه طالما حافظ على الصلاة وأنه لن ينحرف في المعاصي والمنكرات

إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

******

والصلاة التي هي الصلة بيننا بين خالقنا وساحة القرب من رب العالمين , قال تعالى :... وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ – 19 العلق

هي مفتاح لكل خير وبركة ,

قال تعالى في سورة العنكبوت: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ 45


يأمر تعالى بتلاوة وحيه وتنزيله، وهو هذا الكتاب العظيم، ومعنى تلاوته اتباعه، بامتثال ما يأمر به، واجتناب ما ينهى عنه، والاهتداء بهداه، وتصديق أخباره، وتدبر معانيه، وتلاوة ألفاظه، فصار تلاوة لفظه جزء المعنى وبعضه، وإذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب، علم أن إقامة الدين كله، داخلة في تلاوة الكتاب. فيكون قوله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾من باب عطف الخاص على العام، لفضل الصلاة وشرفها، وآثارها الجميلة، وهي ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾


والفحشاء: كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس.


والمنكر: كل معصية تنكرها العقول والفطر.


ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها. وثَمَّ في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر اللّه، بالقلب واللسان والبدن. فإن اللّه تعالى، إنما خلق الخلق لعبادته، وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة، وفيها من عبوديات الجوارح كلها، ما ليس في غيرها، ولهذا قال: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾


قال تعالى في سورة الأعلى : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى - 14 وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى - 15




﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ من خير وشر، فيجازيكم على ذلك أكمل الجزاء وأوفاه.


******

وحين يلتزم الأهل بالصلاة تعم الرحمة والبركة , ويطمئن الجميع , حيث أنهم في صلة دائمة مع الله تعالى,


﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ طه 132


أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها.


﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، والصبر معها دائما، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع،


﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ أي: رزقك علينا قد تكفلنا به، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟! ورزق الله عام للمتقي وغيره، فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿ لِلتَّقْوَى ﴾ التي هي فعل المأمور وترك المنهي، فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 83 القصص


******

ولم تسقط الصلاة حتى في حالة الحرب,


وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا - 101 وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا - 102


فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا - 103 النساء


أي: فإذا فرغتم من صلاتكم، صلاة الخوف وغيرها، فاذكروا الله في جميع أحوالكم وهيئاتكم، ولكن خصت صلاة الخوف بذلك لفوائد. منها: أن القلب صلاحه وفلاحه وسعادته بالإنابة إلى الله تعالى في المحبة وامتلاء القلب من ذكره والثناء عليه.


وأعظم ما يحصل به هذا المقصود الصلاة، التي حقيقتها أنها صلة بين العبد وبين ربه.


ومنها: أن فيها من حقائق الإيمان ومعارف الإيقان ما أوجب أن يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة.


ومنها: أن الخوف يوجب من قلق القلب وخوفه ما هو مظنة لضعفه، وإذا ضعف القلب ضعف البدن عن مقاومة العدو، والذكر لله والإكثار منه من أعظم مقويات القلب.


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
22-05-2010, 01:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس عشر
(4)
كانت اللقاءات السابقة في كيفية تعامل القائد مع الرعية ؟
وكيفية تعامل الأبن المؤمن مع أبيه غير المؤمن ؟
وكيفية تعامل الآباء تجاه الآبناء والآهل بصفة عامة..؟
وإن شاء الله تعالى نعيش اليوم مع كيفية تعامل الداعية إلى الله تعالى مع الزعماء والملوك.

سورة طه

أخلاق الدعاة

وإجابة على السؤال الأخير وهو كيفية التعامل مع الملوك والزعماء, نجد الأمر من الله تعالى الى رسوله " موسى عليه السلام " بالذهاب إلى فرعون وكيفية التعامل معه بالقول اللين الطيب ؟
قال تعالى:
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي – 42 اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - 43
فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى - 44
قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى – 45 قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى - 46

لما امتن الله على موسى بما امتن به، من النعم الدينية والدنيوية قال له: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ﴾ هارون ﴿ بِآيَاتِي ﴾ أي: الدلائل والبراهين على صدقه كاليد، والعصا ونحوها، في تسع آيات إلى فرعون وملئه، ﴿ وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ أي: لا تفترا، ولا تكسلا، عن مداومة ذكري بل استمرَّا عليه، فإن ذكر الله فيه معونة على جميع الأمور، يسهلها، ويخفف حملها.
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ أي: جاوز الحد، في كفره وطغيانه، وظلمه وعدوانه.
﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا ﴾ أي: سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ﴾ ما ينفعه فيأتيه، ﴿ أَوْ يَخْشَى ﴾ ما يضره فيتركه،
فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وقد فسر القول اللين في قوله في سورة النازعات: ﴿ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى -18 وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى -19 ﴾ فإن في هذا الكلام، من لطف القول وسهولته، وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل، فإنه أتى بـ " هل " الدالة على العرض والمشاورة، التي لا يشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس، التي أصلها، التطهر من الشرك، الذي يقبله كل عقل سليم، ولم يقل " أزكيك " بل قال: " تزكى " أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه، الذي رباه، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، التي ينبغي مقابلتها بشكرها، وذكرها

﴿ قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا ﴾ أي: يبادرنا بالعقوبة والإيقاع بنا، قبل أن تبلغه رسالاتك، ونقيم عليه الحجة ﴿ أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾ أي: يتمرد عن الحق، ويطغى بملكه وسلطانه وجنده وأعوانه.
﴿ قَالَ لا تَخَافَا ﴾ أن يفرط عليكما ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ أي: أنتما بحفظي ورعايتي، أسمع أقوالكما، وأرى جميع أحوالكما، فلا تخافا منه، فزال الخوف عنهما، واطمأنت قلوبهما بوعد ربهما.

*****
إن صلاح الحكام فيه خير كثير للرعية ولذلك أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسائل إلى ملوك وزعماء العالم يدعوهم إلى الإسلام الذي هو دين الحق , لخيرهم وخير شعوبهم .

فرسالات الله تعالى للجميع , وعلى الدعاة أن يتحلوا بالأداب الرفيعة والأخلاق العالية , وليكن سلوكهم داعي إلى الله قبل قولهم.
قال تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ – 33 فصلت
ولا يخشى الداعية من إلتزام الحق والصدق مخافة المفسدين.
قال تعالى:
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا – 39 الأحزاب
ولتكن الحكمة وسيلته في الدعوة إلى الله تعالى مع العلم والفهم.
قال تعالى:
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ – 125 النحل
أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح ﴿بِالْحِكْمَةِ﴾ أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده.
ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.
إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به.
وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإن حدث جدال , فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا.
ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها.
وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ علم السبب الذي أداه إلى الضلال، وعلم أعماله المترتبة على ضلالته وسيجازيه عليها.
﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ علم أنهم يصلحون للهداية فهداهم ثم منَّ عليهم فاجتباهم.

******

وبهذه الأخلاق تتكامل حلقات التعامل بين البشر.
أخلاق فاضلة من القادة ,عدل ودفاع وتنمية , كما فعل ذو القرنين .
أخلاق فاضلة من الأبناء تجاه الأباء .. ولو كانوا مخالفين لهم في الدين ,كما فعل نبي الله " إبراهيم عليه السلام"

أخلاق فاضلة من الأباء تجاه الأهل والأبناء , كما فعل نبي الله إسماعيل عليه السلام.

أخلاق فاضلة من الدعاة تجاه الحكام والزعماء.., كما فعل "نبي الله موسى عليه السلام"
وقد جسد كل هذه الأداب والأخلاق رسولنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى أله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

*****
وفي ظل هذه الأخلقيات والآداب المتكاملة الحلقات , نجد الأمر من الله تبارك وتعالى لنبيه " سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " ومن باب أولى موجه إلينا , بطلب الزياده في العلم ..., فالتعليم هو أساس النهوض بالأمم,

والعلم والأخلاق لا يفترقان فإذا غابت الأخلاق فإن العلم وحده قد يدمر صاحبه.

وكذلك الأخلاق والآداب لابد لها من مرجعيه إيمانيه تستند إليه على علم , حتى لاتحكم بالعادات والأعراف الفاسدة.

وخير ضابط للعلم والآخلاق هو القرأن العظيم , رسالة الله تعالى للعالمين .

(..وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا )114

*******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-05-2010, 08:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء السابع عاشر
( 1 )
بعض أيات من سورة الأنبياء

مبدأ اليقظة والوعي لما يدور من حولنا.
وعدم الغفلة والإستغراق في اللهو واللعب.


اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ – 1 مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ – 2 لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ - 3 قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - 4

هذا تعجب من حالة الناس، وأنه لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعون إلى نذير، وأنهم قد قرب حسابهم ، ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة ، والحال أنهم في غفلة معرضون ، أي: غفلة عما خلقوا له ، وإعراض عما زجروا به.
كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها ولدوا، فالدنيا مرحلة نمر بها كما ممرنا بمراحل قبل نزولنا إليها ...
وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ، ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم، ولهذا قال: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ﴾ يذكرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه وما يضرهم، ويرهبهم منه ﴿ إِلا اسْتَمَعُوهُ ﴾ سماعا، تقوم عليهم به الحجة، ﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ – 2 لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ أي: قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية ، فترى إنسان لديه مال كثير ولديه شركات ومصانع ويعمل لديه مئات العمال , ومع ذلك لا يعطي لنفسه وقتا ليتقرب فيه إلى الله تعالى , هموم الدنيا تلاحقه , فلا ينام إلا بواسطة منوم , ولا يستيقظ إلا بمنبه , هذا في جانب الإشتغال بإمور مهمهة وهي العمل , فما بالنا بمن منهمك بنفس الطريقة ولكن في اللعب , أو اللهو المحرم ..
إن العمل الجاد مطلب شرعي وكذلك القيام ببعض الترفيه مطلوب والرياضة مطلوبة ولكن على الإنسان أن يدرك أن العمل جزء من حياته وليس كل حياته وكذلك الترفيه جزء من الحياة وليس كل الحياة وكذلك الرياضة جزء من الحياة وليس كل الحياة ..
إذا حدث توازن لحياة الإنسان أقبل بقلبه على أمر الله ونهيه، وفقه المراد منه، وتسعى جوارحه، في عبادة ربه، التي خلقوا لأجلها، ويجعل القيامة والحساب والجزاء في وعيه دائما ، فبذلك يتم للإنسانية أمرهم، وتستقيم أحوالهم،
وفي معنى قوله: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ قولان: أحدهما أن هذه الأمة هي آخر الأمم، ورسولها آخر الرسل، وعلى أمته تقوم الساعة، فقد قرب الحساب منها بالنسبة لما قبلها من الأمم، لقوله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين " وقرن بين إصبعيه، السبابة والتي تليها.
والقول الثاني: أن المراد بقرب الحساب الموت، وأن من مات، قامت قيامته، ودخل في دار الجزاء على الأعمال، وأن هذا تعجب من كل غافل معرض، لا يدري متى يفجأه الموت، صباحا أو مساء، فهذه حالة الناس كلهم، إلا من أدركته العناية الربانية، فاستعد للموت وما بعده.
ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد، ومقابلة الحق بالباطل، وأنهم تناجوا، وتواطأوا فيما بينهم، أن يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم، إنه بشر مثلكم، فما الذي فضله عليكم، وخصه من بينكم، وقولوا: ﴿ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ هذا وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما شاهدوا من الآيات الباهرة ما لم يشاهد غيرهم، ولكن حملهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد، والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به، وسيجازيهم عليه، ولهذا قال: ﴿ قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ ﴾ أي: الخفي والجلي ﴿ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ ﴾ أي: في جميع ما احتوت عليه أقطارهما ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ لسائر الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بما في الضمائر، وأكنته السرائر.

*******
ونمضي مع سورة الأنبياء وثمرة الإصلاح

فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ – 94
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ﴾ أي: الأعمال التي تفيد البشر في كل مجالات حياتهم ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ بالله وبرسله وشريعته ، وما جاءوا به ﴿ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ أي: لا نضيع سعيه ولا نبطله، بل نضاعفه له أضعافا كثيرة.
﴿ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ أي: مثبتون له في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي مع الحفظة. أي: ومن لم يعمل من الصالحات، أو عملها وهو ليس بمؤمن، فإنه محروم، خاسر في دينه، ودنياه.

فالإصلاح في الارض يؤدي إلى التمكين عليها والسيادة في الدنيا..
ويؤدي إلى ميراث الأرض في الآخرة ..
وهذا قانون وسنن الله تعالى.. جاءت في جميع الرسالات..
قال تعالى:
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ -105
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ - 106
والعبادة هنا بمعناها الشامل , فإن أفعال الإنسان كلها تصبح عبادة إذا ابتغي به مرضات الله تعالى ...
, فالطبيب في عيادته عابدا لله , والعامل في مصنعه عابدا لله , والمهندس في مكتبه أو موقعه عابدا لله , والمحامي مدافعا عن المظلوم عابدا لله , والتاجر في متجره عابدا لله , وتأتي الفرائض التي فرضها الله علينا لتدعم الصله بين العبد وربه مباشرة , فالمؤمن يقف بين يدي الله تعالى خمس مرات يوميا يجدد العهد بالالتزام بما أمر الله والنهي عن المحرمات , " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " , وهكذا بقية الفرائض... وبهذا يتحقق الوعي المطلوب والفهم لرسالة الإسلام.

إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ - 106

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-05-2010, 12:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء السابع عاشر
( 2 )
بعض أيات من سورة الأنبياء

مبدأ الرحمة

وقد تأكد هذا المبدأ كثيرا في القرآن العظيم والأحاديث الصحيحة.
فالمقصد لرسالة الإسلام هي الرحمة للعالمين.
قال تعالى:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ -107

فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة للعالمين، فالمؤمنون به، قبلوا هذه الرحمة، وشكروها، وقاموا بها، وغيرهم كفرها، وبدلوا نعمة الله كفرا، وأبوا رحمة الله ونعمته .
وفي الحديث الشريف, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة .
الراوي: أبو صالح المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 490
خلاصة حكم المحدث: حسن أو صحيح

وقال تعالى في سورة ال عمران:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ - 159

أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك.
﴿ ولو كنت فظا ﴾ أي: سيئ الخلق ﴿ غليظ القلب ﴾ أي: قاسيه، ﴿ لانفضوا من حولك ﴾ لأن هذا ينفرهم.
فالأخلاق الحسنة تجذب الناس إلى دين الله ، وترغبهم فيه ، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص ، والأخلاق السيئة تنفر الناس عن الدين ، وتبغضهم إليه ، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص.
أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات ، الاقتداء بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومعاملة الناس بما كان يعاملهم به ، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالا لأمر الله، وجذبا لعباد الله لدين الله ؟.
ثم أمره الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله، فيجمع بين العفو والإحسان.
﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
ومنها: أن فيها تسميحا لخواطرهم، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث، فإن من له الأمر على الناس - إذا جمع أهل الرأي: والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث - اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم ، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع ، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته ، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة ، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي: المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله ، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم،
فإذا كان الله تعالى يقول لرسوله - صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلا، وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-: ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ فكيف بغيره؟!
ثم قال تعالى: ﴿ فإذا عزمت ﴾ أي: على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إلى استشارة ﴿ فتوكل على الله ﴾ أي: اعتمد على حول الله وقوته ، متبرئا من حولك وقوتك ، ﴿ إن الله يحب المتوكلين ﴾ عليه، اللاجئين إليه.

******
ومن مظاهر الرحمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته أنه حريص على هديهم يحب لهم الخير.

قال تعالى في سورة التوبة:
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ – 128 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ – 129

يمتن الله تعالى على عباده بما بعث فيهم رسوله صلى الله عليه وسلم الذي من أنفسهم، يعرفون حاله، ويتمكنون من الأخذ عنه، ولا يأنفون عن الانقياد له، وهو صلى الله عليه وسلم في غاية النصح لهم، والسعي في مصالحهم.
﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ أي: يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم ويعنتكم.
﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾ فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر. ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم.
أين هذه الرحمة وما يشاع اليوم من أن الإسلام دين عنف ؟ وماذا نفعل لإناس صموا أذانهم عن سماع الحق واكتفوا بما تردده شياطين الإنس عن دين الإسلام .
فإن حقيقة الإسلام تأخذ من مصادره وليس ممن يحاولون تشويهه بتصرفاتهم المنافية للإسلام..
فالإسلام جاء بالرحمة لجميع البشر...

ورد في الحديث الشريف:
إن لله مائة رحمة . فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم . وتسعة وتسعون ليوم القيامة .
الراوي: سلمان الفارسي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2753
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من لم يرحم الناس لا يرحمه الله
الراوي: جرير بن عبدالله البجلي المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1922
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح

وروى البخاري واقعة تدل على مدى الرحمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تقبلون الصبيان ؟ فما نقبلهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ) .
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5998
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

قيل : يا رسول الله ! ادع على المشركين . قال " إني لم أبعث لعانا . وإنما بعثت رحمة " .
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2599
خلاصة حكم المحدث: صحيح

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
30-05-2010, 02:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



الجزء السابع عاشر

( 3 )


بعض أيات من سورة الحج



مبادئ الحفاظ على التمكين في الأرض.



كلنا يعلم أن العرب قبل الإسلام كانوا قبائل متفرقة يدور بينهم صراعات على أتفه الأسباب , و كانت أغلب صراعاتهم لصالح الرومان والفرس , ولكن بعد أن أنعم الله عليهم بالإسلام , أصبحوا خير أمة أخرجت للناس ومكن لهم الله في الأرض وانتصروا على الفرس والروم وسادوا الأرض في زمن قياسي استمر أكثر من عشرة قرون بلا منازع... الدولة العظمى الأولى في العالم المتفوقة علميا وصناعيا ودفاعيا .

وقد وضع لنا الله تعالى مبادئ لإستمرار ذلك التمكين في الأرض.

قال تعالى:


الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ - 41



﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ ﴾ أي: ملكناهم إياها، وجعلناهم المتسلطين عليها ، من غير منازع ينازعهم ، ولا معارض ، ﴿ أَقَامُوا الصَّلاةَ ﴾ في أوقاتها، وحدودها ، وأركانها، وشروطها، في الجمعة والجماعات.


وقد قال تعالى فيمن ضيعوا الصلاة : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا – 59 مريم


فأضاعوا الصلاة التي أمروا بالمحافظة عليها وإقامتها، فتهاونوا بها وضيعوها، وإذا ضيعوا الصلاة التي هي عماد الدين، وميزان الإيمان والإخلاص لرب العالمين، التي هي آكد الأعمال، وأفضل الخصال، كانوا لما سواها من دينهم أضيع، وله أرفض، والسبب الداعي لذلك، أنهم اتبعوا شهوات أنفسهم وإراداتها فصارت هممهم منصرفة إليها.


والعودة إلى إقامة الصلاة هي الضمانة الأولى للتمكين في الأرض.


فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا - 59 إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا – 60 مريم


﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ التي عليهم خصوصا، وعلى رعيتهم عموما، آتوها أهلها , شريعة وقانونا .


وهناك فرق بأن يخرج الناس زكاة أموالهم فيما بينهم أو وضعها الجمعيات الخيرية وفي هذه الحالة تسقط الفريضة ولا شئ في ذلك , وبين أن تقوم جهات معنية بذلك وفق القانون بجمع الزكاة التي هي فريضة وتوزيعها على الفقراء ومصارف الزكاة الأخرى , وخير مثال لذلك في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز حيث جمع أموال الزكاة التي كانت كثيرة فأغنى الفقراء وزوج الشباب وتبقى من أموال الزكاة الكثير .


وهكذا تصبح دولة الإسلام من اغنى دول العالم..



﴿ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ﴾ وهذا يشمل كل معروف حسنه شرعا وعقلا ، من حقوق الله ، وحقوق الآدميين ، ﴿ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ كل منكر شرعا وعقلا .


ومن هنا ندرك أهمية الدور المنوط بالمسلمين كأفراد ودول,


قال تعالى في سورة ال عمران :


وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - 104


الدعوة إلى الخير, بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانى , الخير للبشر فيما يصلح دنياهم وآخرتهم

ثم تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , كل من موقعه .

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :
كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته.
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2558

خلاصة الدرجة: صحيح


وفي واقع الأمر إننا جميعا على سفينة واحدة ألا وهي كوكب الأرض, فإن صلحت عم الخير على الجميع , وإن فسدت لحق الدمار بالجميع ...


قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا.
الراوي: النعمان بن بشير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2493

خلاصة الدرجة: صحيح


هل أدركنا أهمية ذلك المبدأ الخطير؟


وتعالوا نستمع إلى كلام ربنا , وكيف كان مصير من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - 78


كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ - 79 المائدة



******


ومن الوظائف التي إستحدثتها الشريعة الإسلامية – وظيفة المحتسب- وهذه الوظيفة قائمة على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ويتم أختيار المحتسب من علية القوم ويساعده معاونوه في مراقبة الأسواق من الفساد والغش والإحتكار ... فينحصر الفساد إلى أدنى مستوى, ويعم الرخاء والإستقرار في مجتمعاتنا...


الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ .



*********



وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
03-06-2010, 10:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 1 )
وبعض أيات من سورة المؤمنون

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ – 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ - 2 وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ -3 وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ -4
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ -5 إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ -6
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ -7
وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ -8
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ - 9
أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ – 10 الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - 11

هذا تنويه من الله، بذكر عباده المؤمنين، وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي: شيء وصلوا إلى ذلك، وفي ضمن ذلك، الحث على الاتصاف بصفاتهم، والترغيب فيها. فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الآيات، يعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان، زيادة ونقصا، كثرة وقلة، فقوله ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي: قد فازوا وسعدوا ونجحوا، وأدركوا كل ما يرام المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين الذين من صفاتهم الكاملة أنهم ﴿ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضرا لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدبا بين يدي ربه، مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثابا عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ ﴾ وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة ، ﴿ مُعْرِضُونَ ﴾ رغبة عنه ، وتنزيها لأنفسهم ، وترفعا عنه ، وإذا مروا باللغو مروا كراما، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرم من باب أولى وأحرى، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه - إلا في الخير- كان مالكا لأمره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: " كف عليك هذا " فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة، كف ألسنتهم عن اللغو والمحرمات.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ أي مؤدون لزكاة أموالهم، على اختلاف أجناس الأموال، مزكين لأنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال التي تزكو النفس بتركها وتجنبها، فأحسنوا في عبادة الخالق، في الخشوع في الصلاة، وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ عن الزنا ، ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو إلى ذلك ، كالنظر واللمس ونحوهما. ﴿ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾.
﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾ غير الزوجة ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ الذين تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه، المتجرئون على محارم الله.
وقد تم القضاء على عصر العبيد بفضل الله على البشرية برسالة الإسلام - فقد أغلق الإسلام مصادرالرق من جذورها.
إذ أن مصدر الرق كان الأسر في الحروب , وقد أغلق هذا الباب.
قال تعالى في سورة محمد : حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً .
وبذلك أغلق باب الإسترقاق. وجعل من التقرب إلى الله عتق العبيد المستبقين من النظم السابقة..سواء هبة أو مكاتبة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في سورة النور.
وتتحرر المملوكة إذا أنجبت لسيدها , وبهذا النهج تم القضاء على نظام العبيد تماما . ومن يدعي الأن أنه يوجد من يتاجرون في البشر وخاصة في الدول الإفريقية الفقيرة , فإنها تعتبر مخالفة لكل قوانين الأرض اليوم ولا دليل على شرعيتها ولا تعامل معاملة العبيد .
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ أي: مراعون لها، ضابطون، حافظون، حريصون على القيام بها وتنفيذها، وهذا عام في جميع الأمانات التي هي حق لله، والتي هي حق للعباد، قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ ﴾ 72 الأحزاب فجميع ما أوجبه الله على عبده أمانة ، على العبد حفظها بالقيام التام بها، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين، كأمانات الأموال والأسرار ونحوهما، فعلى العبد مراعاة الأمرين، وأداء الأمانتين ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ 58 النساء
وكذلك العهد، يشمل العهد الذي بينهم وبين ربهم والذي بينهم وبين العباد، وهي الالتزامات والعقود، التي يعقدها العبد، فعليه مراعاتها والوفاء بها، ويحرم عليه التفريط فيها وإهمالها ،
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ أي: يداومون عليها في أوقاتها وحدودها وأشراطها وأركانها، فمدحهم بالخشوع بالصلاة، وبالمحافظة عليها، لأنه لا يتم أمرهم إلا بالأمرين.
﴿ أُولَئِكَ هم الْوَارِثُونَ - 10 الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ﴾ الذي هو أعلى الجنة ووسطها وأفضلها، لأنهم حلوا من صفات الخير أعلاها وذروتها، أو المراد بذلك جميع الجنة، ليدخل بذلك عموم المؤمنين، على درجاتهم و مراتبهم كل بحسب حاله، ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ لا يبغون عنها حولا لاشتمالها على أكمل النعيم وأفضله وأتمه، من غير مكدر ولا منغص.

وبهذه الأخلاق والأداب تتكون المجتمعات الفاضلة .. التي يتطلع إليها الإنسان الحر العاقل.
******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
07-06-2010, 07:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 2 )
وبعض أيات من سورة المؤمنون

هذه دعوة لتجلية حقيقة جميع رسالات الله تعالى إلى أهل الأرض وعالمية الرسالة. فكثيرا ما نسمع اليوم عن مؤتمرات حوار الأديان , وقد دعى الإسلام إلى ذلك منذ 15 قرن . وتعالوا نستمع إلى كلام الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ - 51 وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ - 52 فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ - 53 فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ - 54 أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ - 55 نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ - 56

إن الرسل كلهم صلوات ربي وسلامه عليهم، متفقون على إباحة الطيبات من المآكل، وتحريم الخبائث منها، وأنهم متفقون على كل عمل صالح وإن تنوعت بعض أجناس المأمورات، واختلفت بها الشرائع، فإنها كلها عمل صالح، ولكن تتفاوت بتفاوت الأزمنة.
ولهذا قال تعالى للرسل: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ أي: جماعتكم - يا معشر الرسل- جماعة واحدة متفقة على دين واحد، وربكم واحد.
﴿ فَاتَّقُونِ ﴾ بامتثال أوامري، واجتناب زواجري. وقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، لأنهم بهم يقتدون، وخلفهم يسلكون، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾172 البقرة . فالواجب من كل المنتسبين إلى الأنبياء وغيرهم، أن يمتثلوا هذا، ويعملوا به،

وقد تأكد هذا المعنى في مواضع عديدة قال تعالى في سورة الأنبياء: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ – 92 الأنبياء
وقال تعالى في سورة ال عمران :
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ - 64
أي: هلموا نجتمع على الكلمة التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، ﴿ ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ﴾ فنفرد الله بالعبادة ونخصه بالحب والخوف والرجاء ولا نشرك به نبيا ولا ملكا ولا وليا ولا صنما ولا وثنا ولا حيوانا ولا جمادا ﴿ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله﴾ بل تكون الطاعة كلها لله ولرسله، فلا نطيع المخلوقين في معصية الخالق.
*******
معاير الإيمان
فإن القلوب تظهر على حقيقتها أمام هذه المعاير التي لا ينكرها أحد من البشر..
فعلى كل إنسان عرض نفسه أمام هذه الآيات . ثم يقرر بعد ذلك حقيقة ماهو عليه...

إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ - 57 وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ - 58 وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ - 59 وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ - 60 أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ – 61 وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ - 62

﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴾ أي: وجلون، مشفقة قلوبهم كل ذلك من خشية ربهم، خوفا أن يضع عليهم عدله، فلا يبقى لهم حسنة، وسوء ظن بأنفسهم، أن لا يكونوا قد قاموا بحق الله تعالى، وخوفا على إيمانهم من الزوال، ومعرفة منهم بربهم، وما يستحقه من الإجلال والإكرام.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي : الإيمان بالقرآن العظيم بأنه كلام الله أنزله على قلب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. والذي بشرت به الرسالات السابقة .
و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، ويتفكرون أيضا في الآيات القرآنية ويتدبرونها.
ويتفكرون أيضا في الآيات الأفقية، كما في قوله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ ﴾ 190 ال عمران
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ ﴾ أي: لا شركا جليا، كاتخاذ غير الله معبودا، يدعوه ويرجوه ولا شركا خفيا، كالرياء ونحوه، بل هم مخلصون لله، في أقوالهم وأعمالهم وسائر أحوالهم.
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ﴾ أي: يعطون من أنفسهم مما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه، من صلاة، وزكاة، وحج، وصدقة، وغير ذلك ، ﴿ وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ أي: خائفة ﴿ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ أي: خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربهم، وما يستحقه من أصناف العبادات.
﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ أي: في ميدان التسارع في أفعال الخير، همهم ما يقربهم إلى الله تعالى.
ومع هذا، قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة، أنهم سابقون.
﴿ وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ﴾ أي: بقدر ما تسعه النفس البشرية , رحمة من الله وحكمة، لتيسير طريق الوصول إليه، ولتعمر جادة السالكين في كل وقت إليه. ﴿ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ ﴾ وهو الكتاب الأول، الذي فيه كل شيء، وهو يطابق كل واقع يكون. ﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾

على هذه المعاير النورانية يستطيع أي إنسان أن يرى نفسه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الإيمان والإخلاص.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
11-06-2010, 03:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 3 )
وبعض أيات من سورة المؤمنون

وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - 73 وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ – 74

هل يدرك العالم اليوم مدى حاجتهم إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ,
إن البشرية تتخبط بين الإلحاد والإنغماس في الشهوات , والغرور ببعض الإنجازات والصناعات التي هي في الحقيقة نعمة من الله تعالى على بعض العقول البشرية سخرها لهم لتعينهم على مصاعب الحياة وتجعلها ميسرة حتى يتسنى لهم القيام بفعل الخيرات , ويدركوا عظيم قدرة الله تعالى في الأنفس والأفاق.
إن ميزان العدل الذي يتطلع إليه العالم يوجد في رسالة ربهم , التي تهديهم إلى الصراط المستقيم.
وذلك بتدبر كلام الله تعالى , والتعرف على رسول الرحمة والهداية محمد صلى الله عليه وسلم، وكمال صدقه وأمانته، وأنه لا يسألهم عليه أجرا، وإنما سعيه لنفعهم ومصلحتهم، وأن الذي يدعوهم إليه صراط مستقيم، سهل على العاملين لاستقامته، موصل إلى المقصود، سماحة في عقيدة التوحيد، سماحة في المعاملات والأخلاق والأداب ، دعوة تشهد لها العقول والفطر بحسنها ، وموافقتها للمصالح ، فأين يذهبون إن لم يتابعوك ؟ فإنهم ليس عندهم ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعتك، لأنهم ﴿ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ متجنبون منحرفون، عن الطريق الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته، ليس في أيديهم إلا ضلالات وجهالات.
وهكذا كل من خالف الحق، لا بد أن يكون منحرفا في جميع أموره، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ...﴾ 50 القصص

وعلى الصراط المستقيم نسير بقوة الأخلاق الحسنة في دفع السيئات والإستعاذه بالله تعالى من الشياطين .

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ - 96 وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ – 97 وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ - 98

هذا من مكارم الأخلاق، التي أمر الله رسوله بها فقال: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ أي: إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء، ومن نتائج ذلك، أنه تخف الإساءة عنك، في الحال، وفي المستقبل، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الرب، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾40 الشورى.. وقال تعالى: ﴿ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ -34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ - 35 فصلت ﴾
وقوله: ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ أي: بما يقولون من الأقوال المتضمنة للكفر والتكذيب بالحق.
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ ﴾ أي اعتصم بحولك وقوتك متبرئا من حولي وقوتي ﴿ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ – 97 وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ أي: أعوذ بك من الشر الذي يصيبني بسبب مباشرتهم وهمزهم ومسهم، ومن الشر الذي بسبب حضورهم ووسوستهم، وهذه استعاذة من مادة الشر كله وأصله، ويدخل فيها، الاستعاذة من جميع نزغات الشيطان، ومن مسه ووسوسته، فإذا أعاذ الله عبده من هذا الشر، وأجاب دعاءه، سلم من كل شر، ووفق لكل خير.

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
13-06-2010, 01:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 4 )
وبعض أيات من سورة النور

سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ – 1

هذه سورة النور.. يذكر فيها النور بلفظه متصلاً بذات الله : الله نور السماوات والأرض - ويذكر فيها النور بآثاره ومظاهره في القلوب والأرواح ؛ ممثلة هذه الآثار في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء هذه السورة. وهي آداب وأخلاق نفسية وعائلية وجماعية، تنير القلب، وتنير الحياة؛ ويربطها بذلك النور الكوني الشامل أنها نور في الأرواح، وإشراق في القلوب، وشفافية في الضمائر، مستمدة كلها من ذلك النور الكبير...

وتمتلئ سورة النور بالأنوار , وتوضح أسبابه من معاملات وآداب وأخلاق, وتضع الحدود المانعة للرذيلة وأشاعة الفاحشة في المجتمع الإيماني الذي يراقب الله في السر والعلانية..

*****

وهي تبدأ بإعلان قوي حاسم عن تقرير هذه السورة وفرضها بكل ما فيها من حدود وتكاليف، ومن آداب وأخلاق : ( سورة أنزلناها وفرضناها. وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ).. فيدل هذا البدء الفريد على مدى اهتمام القرآن بالعنصر الأخلاقي في الحياة؛ ومدى عمق هذا العنصر وأصالته في العقيدة الإسلامية، وفي فكرة الإسلام عن الحياة الإنسانية..

والمحور الذي تدور عليه السورة كلها هو محور التربية التي تشتد في وسائلها إلى درجة الحدود.
وترق إلى درجة اللمسات الوجدانية الرفيقة، التي تصل القلب بنور الله وبآياته المبثوثة في الكون وثنايا الحياة. والهدف واحد في الشدة واللين. هو تربية الضمائر, ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة، حتى تتصل بنور الله تعالى .
وتتداخل الآداب النفسية الفردية ، وآداب البيت والأسرة، وآداب المجمتع والقيادة.. بوصفها نابعة كلها من معين واحد هو العقيدة في الله ، متصلة كلها بنور واحد هو نور الله تعالى الذي أشرقت به الظلمات في السماوات والأرض ، والقلوب والضمائر، والنفوس والأرواح.

*******


ويجري سياق السورة حول محورها الأصيل ( محور التربية ) في خمسة مبادئ:

المبدأ الأول يتضمن الإعلان الحاسم الذي تبدأ به؛ ويليه بيان حد الزنا، وتفظيع هذه الفعلة، وتقطيع ما بين الزناة والمجتمع المسلم ، فلا هي منهم ولا هم منها.
ثم بيان حد القذف وعلة التشديد فيه ؛ واستثناء الأزواج من هذا الحد مع التفريق بين الزوجين بالملاعنة.
ثم حديث الإفك وقصته.. ويختم بتقرير مشاكلة الخبيثين للخبيثات، ومشاكلة الطيبين للطيبات. وبالعلاقة التي تربط بين هؤلاء وهؤلاء.

******
المبدأ الثاني يتناول وسائل الوقاية من الجرائم الأخلاقية ، وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية... فيبدأ بآداب البيوت والاستئذان على أهلها، والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم.. والحض على تزويج الأيامى وتحريرهم بالمكاتبة وغيرها.. والتحذير من دفع الفتيات إلى البغاء.. وكلها أسباب وقائية لضمانة الطهر والتعفف في عالم الضمير والشعور، ودفع المؤثرات التي تهيج الميول الحيوانية ، وترهق أعصاب المؤمنين المتطهرين، وهم يقاومون عوامل الإغراء والغواية.

******

المبدأ الثالث يتوسط مجموعة الآداب التي تتضمنها السورة، فيربطها بنور الله تعالى . ويتحدث عن أطهر البيوت التي يعمرها هذا النور , وهي بيوت الله تعالى ( المساجد ).
وفي الجانب المقابل الذين كفروا وأعمالهم كسراب من اللمعان الكاذب؛ أو كظلمات بعضها فوق بعض.
ثم يكشف عن فيوض من نور الله في الآفاق : في تسبيح الخلائق كلها لله. وفي إزجاء السحاب. وفي تقليب الليل والنهار. وفي خلق كل دابة من ماء، ثم اختلاف أشكالها ووظائفها وأنواعها وأجناسها، مما هو معروض في صفحة الكون للبصائر والأبصار..

*******

المبدأ الرابع يصور أدب المؤمنين الخالص وطاعتهم. ويعدهم، على هذا، الاستخلاف في الأرض والتمكين في الدين، والنصر على الكافرين.
ويفضح المنافقين الرافضين للأدب الواجب مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الطاعة والتحاكم.

********

المبدأ الخامس يقرر آداب الاستئذان والضيافة في محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء. وإلى آداب المجمتع المسلم كله كأسرة واحدة، مع نبيها ومربيها ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتتم السورة بإعلان ملكية الله لما في السماوات والأرض، وعلمه بواقع الناس، وما تنطوي عليه قلوبهم، ورجعتهم إليه، وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم. وهو بكل شيء عليم.

وإن شاء الله تعالى نتناول بالتفصيل تلكم المبادئ والأخلاق في اللقاءت المقبلة..
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-06-2010, 02:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 5 )
وبعض أيات من سورة النور

يجري سياق السورة حول محورها الأصيل ( محور التربية ) في خمسة مبادئ:

المبدأ الأول

يتضمن الإعلان الحاسم الذي تبدأ به,

سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ – 1
ففريضة الآداب والأخلاق فيها كفريضة الحدود والعقوبات. هذه الآداب والأخلاق المركوزة في الفطرة، والتي ينساها الناس تحت تأثير المغريات والانحرافات، فتذكرهم بها تلك الآيات البينات، وتردهم إلى منطق الفطرة الواضح المبين.

ويليه بيان حد الزنا، وتفظيع هذه الفعلة،

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - 2

هذا الحكم في الزاني والزانية البكرين ، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة، وأما الثيب، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ، أن حده الرجم.
ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة بهما في دين الله تعالى، تمنعنا من إقامة الحد عليهم ، سواء رأفة طبيعية، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله تعالى.
فالرحمة الحقيقية هي حفظ المجتمعات من الرذيلة .
وأمر تعالى أن يكون تطبيق الحد علنيا ليكون ردعا لمن تسول له نفسه انتهاك حرمات الله تعالى في المجتمع الإسلامي الطاهر النظيف.

*******

عدم مخالطة الزناة في المجتمع الأسري الإسلامي.

الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ - 3

وهذا دليل صريح على تحريم زواج الزانية حتى تتوب، وكذلك تزويج الزاني حتى يتوب، فإن مقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، أشد الاقترانات والازدواجات, فحرم الله ذلك، لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد بغير آباءهم..
وفي هذا دليل أن الزاني ليس مؤمنا حين ارتكابه ذلك الجرم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فهو وإن لم يكن مشركا، فلا يطلق عليه اسم المدح، الذي هو الإيمان المطلق.

******

ثم بيان حد القذف وعلة التشديد فيه؛

ليس من السهل وليس من حسن الظن بالمؤمن أن يقذفه إنسان لمجرد وهم أو مكر لإشاعة الفاحشة في الذين أمنوا وهم الأطهار الحرصين كل الحرص على نظافة قلوبهم قبل أجسادهم..
ولذلك جاء بيان حد القذف وعلة التشديد فيه؛
وهذا دليل على أن القذف من كبائر الذنوب.

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – 4 إلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ - 5

*****
واستثناء الأزواج من هذا الحد مع التفريق بين الزوجين بالملاعنة.

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ – 6 وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ – 7 وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ – 8 وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ – 9 وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ - 10

وإنما كانت شهادات الزوج على زوجته، دارئة عنه الحد، لأن الغالب، أن الزوج لا يقدم على رمي زوجته، التي يدنسه ما يدنسها إلا إذا كان هناك أمر خطير قد شاهده وإلا لتعرض للعنة والطرد من رحمة الله إن كان كاذبا .
فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ بأن يقول: " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به ".
﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ أي: يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة، مؤكدا تلك الشهادات، بأن يدعو على نفسه، باللعنة إن كان كاذبا، فإذا تم لعانه، سقط عنه حد القذف. وبقية عليه اللعنة إن كان كاذبا...

ونلاحظ هنا تربية الضمير في المرقبة لله تعالى على ما نقول وأن العقاب واقع لا محال إن كان الكذب والأنتقام هو الدافع على الملاعنة , وإنه لأمر خطير أن يتعرض الإنسان للعنة التي هي الطرد من رحمة الله تعالى بسبب الكذب.

﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ - وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ) وتزيد في الخامسة، مؤكدة لذلك، أن تدعو على نفسها بالغضب، فإذا تم اللعان بينهما، فرق بينهما القاضي إلى الأبد، وانتفى الولد الملاعن عليه.
وإنه لأمر خطير أن يتعرض الإنسان لغضب الله تعالى بسبب الخيانة ..
وبهذه المبادئ التربوية للضمير المؤمن تنعدم فيه تلك الجرائم. المخلة بالآداب في ظل التراحم الأسري الذي أرسى دعائمة الإسلام.

فالعلاقة الأسرية في الإسلام مبنية على المودة والرحمة, في ظل عقيدة تفرض على كلا الزوجين مراقبة الله تعالى في السر والعلانية,
ولكن قد تطرأ حالات شاذة سواء من قبل الرجل أو المرأة, لذا وضع لها الإسلام حلولا عملية لمنع الوقوع في تلك الجرائم الأخلاقية.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى.

Saber Abbas
16-06-2010, 04:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 6 )
وبعض أيات من سورة النور

إن شاء الله نستكمل الحديث عن المبدأ الأول وحديث الإفك وقصته التي توضح خطورة الشائعات التي يبثها أعداء الإسلام ويرددها العامة من المسلمين دون فهم ولا تدبر حيث لا يدركون خطورة الكلمة .

وقد ثبت في الصحاح والسنن والمسانيد حادثة الإفك.
كانت غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست وخرج النبي صلى الله عليه واله وسلم في تلك الغزوة بالسيدة عائشة معه, أقرع بين نسائه فخرج سهمها وفي تلك الغزوة قال فيها أهل الإفك ما قالوا فأنزل الله عز وجل براءتها .
الراوي: محمد بن إسحاق - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 6/145
خلاصة حكم المحدث: رجاله ثقات.

وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته، ومعه زوجته السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه, ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها ولم ينتبه حملة الهودج لعدم وجودها، ثم استقل الجيش راحلا، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم، وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، في أخريات القوم وذلك للنظر في الموقع للتأكد أن الجيش لم يترك شئ , فرأى أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة أي في وضح النهار، سبحان الله أمر جلي واضح ..ولكنه الإبتلاء للمجتمع الإيماني بأن يحسن الظن بأخلاق المؤمنين وأن الإيمان يفرض رقابة ذاتية على المؤمن لعلمه أن الله تعالى يراه وأن الله تعالى كاشفا لرسوله صلى الله عليه وسلم كل أمر يسوءه..كما حدث في وقائع كثيرة الكل يعلمها علم اليقين..
ولكن المنافقين وهم أشد كرها للإسلام ورسوله نسوا أن الله تعالى سميع عليم..


فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال، أشاع ما أشاع، ووشى الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وتناسى المتكلمون أن الله تعالى مطلع يسمع ويرى وليس من المعقول أن يخبر نبيه بجميع الأخطار التي تحاك به من أعداءه ولا يخبره بشأن خطير كالذي يقولونه ظلما وعدونا ودون علم..
بأبي أنت وأمي يارسول الله كم تحملت من الآلام من أجلنا..

وانحبس الوحي مدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة حيث كانت لا تتصور أن يتحدث الناس بمثل هذا الكلام عن المؤمن أو المؤمنة,
ولو وضع أي مؤمن نفسه مكان الصحابي الجليل صفوان هل سيخطر بباله أن ينظر نظرة سوء لأمه السيدة عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ؟؟... فحزنت حزنا شديدا،
فتغش رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه من الوحي ثم سري عنه فمسح وجهه بيده ثم قال أبشري يا عائشة قد أنزل الله عز وجل براءتك فقالت عائشة والله ما كنت أظن أن ينزل القرآن في أمري ولكني كنت أرجو لما يعلم الله من براءتي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في أمري رؤيا فيبرئني الله بها عند نبيه صلى الله عليه وسلم.

فأنزل الله تعالى براءتها في هذه الآيات، ووعظ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ ﴾ أي: الكذب الشنيع، وهو رمي أم المؤمنين ﴿ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ أي: جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق في إيمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين ومنهم المنافق.

﴿ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم،

لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم،
ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد.
والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه وعدم فهمه لحقيقة العقيدة.

﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ ﴾ وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك.
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ ﴾ أي: معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أبي بن سلول - لعنه الله - ﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.
ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال: ﴿ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ أي: ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرا، وهو السلامة مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل، ﴿ وَقَالُوا ﴾ بسبب ذلك الظن ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ أي: تنزيها لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة، ﴿ هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ أي: كذب وبهت، من أعظم الأشياء، وأبينها. فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام، أن يبرئه بلسانه، ويكذب القائل لذلك.
﴿ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، بأربعة شهداء أي: عدول مرضيين. ﴿ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود.
﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
ولكن من فضل الله عليكم ورحمته، أن شرع لكم التوبة، وجعل العقوبة مطهرة للذنوب.

******

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ أي: العفائف عن الفجور التي لم يخطر ذلك بقلوبهن, الذين يرمونهم ﴿ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير.
وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته.
وذلك العذاب يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار، ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم،
﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ أي: جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعده ووعيده، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق.

*******

﴿ ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له،
وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء -خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح.
فكيف وهي هي؟" صديقة النساء وأفضلهن وأعلمهن وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك، بحيث لا يبقى لمبطل مقالا، ولا لشك وشبهة مجالا، فالله تعالى كاشفا لرسوله كل مؤامرات البشر ضده , وكاشفا له طهارة أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها وسائر ال البيت الكرام,
فقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾ والإشارة إلى أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ تستغرق الذنوب ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ في الجنة صادر من الرب الكريم.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-06-2010, 04:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 7 )
وبعض أيات من سورة النور

ويجري سياق السورة حول محورها الأصيل ( محور التربية ) في خمسة مبادئ: تحدثنا في اللقاءات السابقة عن المبدأ الأول.

وإن شاء الله تعالى نتناول اليوم الحديث عن المبدأ الثاني.

حيث يتناول وسائل الوقاية من الجرائم الأخلاقية، وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية. فيبدأ بآداب البيوت والاستئذان على أهلها، والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم....والتحذير من دفع الفتيات إلى البغاء.. وكلها أسباب وقائية لضمان الطهر والتعفف في عالم الضمير والشعور، ودفع المؤثرات التي تهيج الميول الحيوانية، وترهق أعصاب المؤمنين المتطهرين، وهم يقاومون عوامل الإغراء والغواية.


ومع أخلاقيات الإستئذان وحرمات المنازل تطالعنا الأيات التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ -27
فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ -28

يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " فبسبب الإخلال به ، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت ، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة الجسد.
ومنها: أن ذلك يوجب الريبة من الداخل بدون إذن، لأن الدخول خفية، يدل على الشر، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حَتَّى يَسْتَأْنِسُوا أي: يستأذنوا .. سمي الاستئذان استئناسا، لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة, ﴿ وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ وصفة ذلك، ما جاء في الحديث: " السلام عليكم، أأدخل "؟
﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ لاشتماله على عدة مصالح، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة، فإن أذن، دخل المستأذن.
﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ﴾ أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه،
﴿ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ أي: أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم الحسنات. ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم ﴾
وبهذا الأدب الرفيع المستوى والحساسية المرهفة للشخصية المؤمنة نهض المسلمون الأوائل بفتح القلوب ونشر الإسلام بتلك الأخلاق التي لا تجد لها نظيرا بين أخلاقيات الأمم .

*******

لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ -29

مثل الفنادق وبيوت الضيافة ومساكن العاملين إن كانت خالية وليس فيها ساكن، فأسقط الحرج في الدخول إليها، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ من أحوالكم الظاهرة والخفية، وعلم مصالحكم، فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه وتضطرون، من الأحكام الشرعية.

*******

ومن الأخلاق الرفيعة التي تضع حائل ضد الرذائل تلك الأخلاق التي تناولتها الأيات التالية .

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ -30


﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات، وإلى كل ما يخاف بالنظر إليهم الفتنة، وإلى زينة الدنيا التي تفتن، وتوقع في المحذور...
﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ أطهر وأطيب، وأنمى لأعمالهم، فإن في هذا الحفظ، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه،
فمن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره عن المحرم، أنار الله بصيرته، ولهذا سماه الله حفظا، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه، لم ينحفظ .
، ويجوز النظر في بعض الأحوال لحاجة، كنظر الشاهد والطبيب والخاطب، ونحو ذلك.
ثم ذكرهم الله تعالى بعلمه بأعمالهم، ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات.

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ
أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ
أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ -31

﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ وهذا لكمال الاستتار، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن،
ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن، ليستثني منه قوله: ﴿ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ أي: أزواجهن ﴿ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾ يشمل الأب بنفسه، والجد وإن علا، ﴿ أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن ﴾ ويدخل فيه الأبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا ﴿ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ ﴾ أشقاء، أو لأب، أو لأم. ﴿ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ والإضافة تقتضي الجنسية، أي: النساء المسلمات، اللاتي من جنسكم، ففيه دليل لمن قال: إن المسلمة لا يجوز أن تنظر إليها الذمية...
﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ﴾ أي: أو الذين يتبعونكم، ويتعلقون بكم، من الرجال الذين لا إربة لهم في هذه الشهوة، ..
﴿ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ﴾ أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء.
﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن لإفتعال جلب النظر، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة.
ولما أمر تعالى بهذه الأوامر الحسنة، ووصى بالوصايا المستحسنة، وكان لا بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك، أمر الله تعالى بالتوبة، فقال تعالى:

وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
20-06-2010, 01:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 8 )
وبعض أيات من سورة النور

تحدثنا في اللقاءات السابقة عن المبدأ الأول و الثاني.
من مبادئ التربية الأخلاقية في الإسلام والتي وردت في سورة النور.
وبعون من الله تعالى نواصل بقية تلكم المبادئ.

******
المبدأ الثالث

ونتيجة حتمية للأخلاقيات السابقة وهي العفة والطهارة والحس المرهف في أدب الإستئذان نتيجة لكل ذلك يستنير القلب بنور الله تعالى ويستمد ذلك النور في بيوت الله تعالى.

والمبدأ الثالث يتوسط مجموعة الآداب التي تتضمنها السورة، فيربطها بنور الله. ويتحدث عن أطهر البيوت التي يعمرها هذا النور , وهي بيوت الله تعالى ( المساجد )

اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36)
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)
لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)

الله نور السموات والأرض منورهما يدبر الأمر فيهما ويهدي أهلهما، فهو- سبحانه - نور، وحجابه نور، به استنارت السموات والأرض وما فيهما، وكتاب الله وهدايته نور منه سبحانه، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض.
مثل نوره الذي يهدي إليه, وهو الإيمان والقرآن في قلب المؤمن كمشكاة, وهي الكُوَّة في الحائط غير النافذة، فيها مصباح، حيث تجمع الكوَّة نور المصباح فلا يتفرق، وذلك المصباح في زجاجة، كأنها - لصفائها - كوكب مضيء كالدُّر،
فذلك مثل الهدى يضيء في قلب المؤمن. والله يهدي ويوفق لاتباع القرآن مَن يشاء، ويضرب الأمثال للناس؛ والله بكل شيء عليم, لا يخفى عليه شيء..
هذا النور المضيء في مساجد أَمَرَ الله أن يُرْفع شأنها وبناؤها، ويُذْكر فيها اسمه بتلاوة كتابه والتسبيح والتهليل، وغير ذلك من أنواع الذكر، يُصلِّي فيها لله في الصباح والمساء.
رجال لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذِكْرِ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة لمستحقيها, يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب بين الرجاء في النجاة والخوف من الهلاك، وتتقلب فيه الأبصار تنظر إلى أي مصير تكون؟
ليعطيهم الله ثواب أحسن أعمالهم، ويزيدهم من فضله بمضاعفة حسناتهم. والله يرزق مَن يشاء بغير حساب، بل يعطيه مِنَ الأجر ما لا يبلغه عمله، وبلا عدٍّ ولا كيل.

*******

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)

وفي الجانب المقابل الذين كفروا وأعمالهم كسراب من اللمعان الكاذب؛ أو كظلمات بعضها فوق بعض.
والذين كفروا بربهم وكذَّبوا رسله، أعمالهم التي ظنوها نافعة لهم ، كسراب، وهو ما يشاهَد كالماء على الأرض المستوية في الظهيرة، يظنه العطشان ماء، فإذا أتاه لم يجده ماء... فالكافر يظن أن أعماله تنفعه , فإذا كان يوم القيامة لم يجد لها ثوابًا ، ووجد الله سبحانه وتعالى له بالمرصاد فوفَّاه جزاء عمله كاملا . والله سريع الحساب ، فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد، فإنه لا بدَّ مِن إتيانه.
أو تكون أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج, من فوق الموج موج آخر، ومِن فوقه سحاب كثيف، ظلمات شديدة بعضها فوق بعض، إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدة الظلمات ، فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلال وفساد الأعمال . ومن لم يجعل الله له نورًا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به فما له مِن هاد....

******

ثم يكشف عن فيوض من نور الله في الآفاق: في تسبيح الخلائق كلها لله تعالى . وفي إزجاء السحاب. وفي تقليب الليل والنهار. وفي خلق كل دابة من ماء، ثم اختلاف أشكالها ووظائفها وأنواعها وأجناسها، مما هو معروض في صفحة الكون للبصائر والأبصار..

وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ -45

*******


المبدأ الرابع

وبهذا النور في أيات الله تعالى تتحرك العقول المؤمنة للبحث والعلم والإعمار في الأرض,
متجهة بالعبادة لله رب العالمين ملتزمة بشريعته التي تنظم حركتهم في الحياة حتى لا يقعوا في الفساد والرذيلة ,

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - 51 وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ - 52

*******
ويختم ذلك المبدأ بوعد الله للمؤمنين الذين يعملون الصالحات

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - 55

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
21-06-2010, 02:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن عشر
( 9 )
وبعض أيات من سورة النور

تحدثنا في اللقاءات السابقة عن المبدأ الأول و الثاني والثالث والرابع من مبادئ التربية الأخلاقية في الإسلام والتي وردت في سورة النور.
وبعون من الله تعالى نواصل بقية تلكم المبادئ.

******
المبدأ الخامس

والمبدأ الخامس يقرر آداب الاستئذان والضيافة في محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء. وإلى آداب المجتمع المسلم كله كأسرة واحدة.

العناية بتربية الأطفال على الفضائل

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - 58

أمر المؤمنين أن يستأذنهم الذين تحت رعايتهم من الخدم والعاملين، والذين لم يبلغوا الحلم منهم.
قد ذكر الله حكمته وأنه ثلاث عورات للمستأذن عليهم، وقت نومهم بالليل بعد العشاء، وعند انتباههم قبل صلاة الفجر، فهذا - في الغالب - أن النائم يستعمل للنوم في الليل ثوبا غير ثوبه المعتاد، وأما نوم النهار، فلما كان في الغالب قليلا، قد ينام فيه الإنسان بثيابه المعتادة، قيده بقوله: ﴿ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ﴾ أي: للقائلة، وسط النهار.
ففي هذه الأحوال الثلاثة، يكون الخدم والأولاد الصغار كغيرهم، لا يمكنون من الدخول إلا بإذن، وأما ما عدا هذه الأحوال الثلاثة فقال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ﴾ فإنهم يحتاج إليهم دائما، فيشق الاستئذان منهم في كل وقت، ولهذا قال: ﴿ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ أي: يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم.
﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ له العلم المحيط بالواجبات والمستحيلات والممكنات، والحكمة التي وضعت لكل شيء .

******

العناية بتربية الأطفال بعد البلوغ

وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - 59

وفي هاتين الآيتين فوائد، منها: وجوب التعليم للآداب الشرعية، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ ﴾ الآية، ولا يمكن ذلك، إلا بالتعليم والتأديب،
ومنها: الأمر بحفظ العورات، والاحتياط لذلك من كل وجه.
ومنها: أن الصغير الذي دون البلوغ، لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة، ولا يجوز أن ترى عورته.
ومنها: أن الحكم المذكور المفصل، إنما هو لما دون البلوغ، فأما ما بعد البلوغ، فليس إلا الاستئذان.

******

وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - 60

أي: لا يطمعن في الزواج، ولا يطمع فيهن الرجال ، وذلك لكونها كبيرة السن طاهرة النفس نقية السريرة , الجميع يتطلع لحنانها ودعاءها كأم وجدة.
﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ ﴾ أي: حرج وإثم ﴿ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾ أي: الثياب الظاهرة، كالخمار ونحوه، الذي قال الله فيه للنساء : ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ فهؤلاء، يجوز لهن أن يكشفن وجوههن لآمن المحذور منها وعليها،
ولما كان نفي الحرج عنهن في وضع الثياب، ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء، دفع هذا الاحتراز بقوله: ﴿ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ﴾ أي: غير مظهرات للناس زينة، من تجمل بثياب ظاهرة ونحو ذلك ﴿ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ﴾
والاستعفاف: طلب العفة، بفعل الأسباب المقتضية لذلك، من ترك كل ما يخشى منه الفتنة، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ بالنيات والمقاصد.

*******
اليسر في التشريع

لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - 61

يخبر تعالى عن منته على عباده، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج بل يسره غاية التيسير،
وقوله تعالى : ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ فكل ذلك جائز، أكل أهل البيت الواحد جميعا، أو أكل كل واحد منهم وحده.
﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا ﴾ نكرة في سياق الشرط، يشمل بيت الإنسان وبيت غيره، سواء كان في البيت ساكن أم لا، فإذا دخلها الإنسان ﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد، من توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت، من غير فرق بين بيت وبيت،
ثم مدح هذا السلام فقال تعالى : ﴿ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ أي: سلامكم بقولكم: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيبة نفس للمحيا، ومحبة وجلب مودة.
*******
وتتم السورة بإعلان ملكية الله لما في السماوات والأرض، وعلمه بواقع الناس، وما تنطوي عليه حناياهم، ورجعتهم إليه، وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم. وهو بكل شيء عليم.

أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - 64

********

وإلى الجزء التالى إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
22-06-2010, 05:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع عشر
( 1 )
وبعض أيات من سورة الفرقان

مبدأ الإختيار

من أعظم النعم على الإنسان أن كرمه الله تعالى وجعله مختارا في أمور كثيرة وأمده بالعقل والفطرة لكي يميز بين الخير والشر والحق والباطل , وأن فترة الإختيار مرتبطة بعمر الإنسان, بعد البلوغ حتى الموت.
ومن رحمة الله تعالى أن بين لنا عاقبة إختيار سبيل الخير وعاقبة إختيار سبيل الشر ..
ونتيجة هذا الإختيار تظهر يوم القيامة, يوم الحسرة والندامة على من أعرض عن سبيل الحق . الذي دعى إليه رسول الله, صلى الله عليه وسلم. وسلكه المؤمنون معه ومن بعده.

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا - 27 يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا - 28 لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا – 29

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ بشركه وكفره وتكذيبه للرسول تأسفا وتحسرا وحزنا وأسفا. ﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا ﴾ أي طريقا بالإيمان به وتصديقه واتباعه.
ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم هي سبيل النجاة حيث أنها الحق الواضح المبني على اليقين والبرهان.

والمتتبع لهذه السلسلة يجد المنهج التشريعي المتكامل في كل مناحي الحياة . فهل يوجد سبيل أخر مثله على وجه الأرض لكي تحيد إليه الإنسانية المعذبة ؟... لا سبيل إلا رسالة الله تعالى ( القرآن العظيم ) وهدي رسوله , صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ – 108 يوسف

هذه دعوة الإسلام يقين وبرهان , وهذا سبيل كل مؤمن يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي ....
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ، ولا يهودي ، ولا نصراني ، فلا يؤمن بي ؛ إلا دخل النار .
الراوي: سعيد بن جبير - المصدر: السلسلة الصحيحة : الألباني- الصفحة أو الرقم: 3093
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح رجاله ثقات.
وذلك لشدة وضوح الدلائل والبراهين على صدقه وأن رسالته التي بشر بها كل الأنبياء هي خاتمة الرسالات وهي السبيل الوحيد للوصول إلى رضوان الله تعالى.
وهي السبيل الذي يدعو إلى العلم والمدنية والتحضر في ظل إيمان القلب بخالقه حيث الهداية.
وفي المقابل سبل الشهوات والظلمات والضلال حتى ولو لبست ثياب المدنية والتحضر والعلم فإنها لن تغني عن الإنسان شيئا إلا لحظات متعة قليلة في الدنيا وشقاء في الإخرة.
﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا ﴾ وهو الشيطان الإنسي أو الجني، حبيبا وهو أعدى عدو لي الذي لم تفدني ولايته إلا الشقاء والخسار والخزي والبوار.
﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ حيث زين له ما هو عليه من الضلال بخدعه وتسويله. ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا ﴾ يزين له الباطل ويقبح له الحق، ويعده الأماني ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه ومن جميع أتباعه حين قضي الأمر، وقضى الله بين الخلق ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ... ﴾ الآية 22 إبراهيم .
فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان وليتدارك الممكن قبل أن لا يمكن، وليوال من ولايته فيها سعادته وهو سبيل الرسول الذي ارتضاه الله للبشرية لينقذهم من العذاب.
وليعاد من تضره صداقته من شياطين الجن والإنس. ويحاول أن يسلك سبيل الصالحين قبل أن يأتي يوم لا ينفع الندم..
والله الموفق.
*******
ومن الأمور الهامة التي تعين على سلوك الطريق المستقيم
أن يكون كل ما نقوم به من أعمال و معاملات مبنيا على حق التوكل على الله تعالى مدبر الكون ومصيره. فلا يتم أمر إلا بإذنه , فهو المعين والهادي لكل أمور المؤمن.
وحقيقة التوكل هو بذل غاية الجهد مع التعلق بتوفيق الله تعالى في تحقيق ما نصبوا إليه. فكذلك تفعل بقية المخلوقات.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا .
الراوي: عمر بن الخطاب - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 1/111
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا - 58

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ﴾ الذي له الحياة الكاملة المطلقة ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾ أي: اعبده وتوكل عليه في الأمور المتعلقة بك والمتعلقة بالخلق. ﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ يعلمها ويجازي عليها.
وعلى هذه المبادئ النورانية يسير المؤمن في طريق الهدى والنجاة.
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ – 31 ال عمران

********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-06-2010, 10:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع عشر
( 2 )
وبعض أيات من سورة الفرقان

عِبَادُ الرَّحْمَنِ

الصورة الحقيقية والمشرقة للمؤمنين , في مشيتهم وردهم بالسلام على من يجهل عليهم . وعبادتهم لربهم ودعائهم , وفي معاملاتهم المالية المتزنة, وفي إخلاصهم لله تعالى...وفي أمنهم للناس حيث لا يقترفون جرائم القتل, واحترامهم للمحارم فلا يزنون .. ولا يشهدون الزور , رحماء فيما بينهم..
وإليكم تلكم الصورة

وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً -63
وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً -64
وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً - 65
إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً – 66

وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً - 67
وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً - 68 يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً - 69 إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً – 70
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً – 71

وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً - 72
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً – 73 وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً – 74
أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً - 75 خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً – 76

*******

( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً )..

ها هي ذي السمة الأولى من سمات عباد الرحمن: أنهم يمشون على الأرض مشية سهلة هينة، ليس فيها تكلف ولا تصنع، وليس فيها خيلاء... فيها وقار وسكينة، وفيها جد وقوة. ولا يمشون متماوتين منكسي الرؤوس ممن يريدون إظهار التقوى والصلاح .
قال أبو هريرة: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأنما الأرض تطوى له ـ وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث.
وقال على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا مشى تكفأ تكفياً كأنما ينحط من صبب.
وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة.

( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً ) لا عن ضعف ولكن عن ترفع عن الدنايا والجهل ؛ وعن صيانة الوقت والجهد أن ينفقا فيما لا طائل من وراءه.
( والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً. والذين يقولون: ربنا اصرف عنا عذاب جهنم. إن عذابها كان غراماً. إنها ساءت مستقراً ومقاماً )..
يبيتون لربهم سجداً وقياماً، يتوجهون لربهم وحده، ويقومون له وحده، ويسجدون له وحده. ينام الناس وهم قائمون ساجدون؛ ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن، ذي الجلال والإكرام.

وهم في قيامهم وسجودهم وتطلعهم وتعلقهم تمتلىء قلوبهم بالتقوى، والخوف من عذاب جهنم. يقولون: ( ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً. إنها ساءت مستقراً ومقاماً )..
وهم يتوجهون إلى ربهم في ضراعة وخشوع ليصرف عنهم عذاب جهنم. لا يطمئنهم أنهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً , فالمؤمن يعيش بين الرجاء والخوف، الرجاء في رحمة الله تعالى , والخوف من التقصير, فيأملون أن يتداركهم فضل الله وسماحته وعفوه ورحمته، فيصرف عنهم عذاب جهنم.
( إِن عذابها كان غراماً إِنها ساءت مستقراً ومقاماً ) أي ملازماً لا يتحول عن صاحبه , فهذا ما يجعله مروعاً..

*****

نموذج القصد والاعتدال والتوازن
في المعاملات المالية


( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواماً )..

وهذه سمة الإسلام التي يحققها في حياة الأفراد والجماعات؛ ويتجه إليها في التربية والتشريع، يقيم بناءه كله على التوازن والاعتدال.
فالإسراف مفسدة للنفس والمال والمجتمع؛ والتقتير مثله حبس للمال عن انتفاع صاحبه به وانتفاع المجتمع من حوله .
فالمال أداة اجتماعية لتحقيق خدمات اجتماعية. والإسراف والتقتير يحدثان اختلالاً في المحيط الاجتماعي والمجال الاقتصادي، وحبس الأموال يحدث أزمات ومثله إطلاقها بغير حساب. ذلك فوق فساد القلوب والأخلاق.

والإسلام وهو ينظم هذا الجانب من الحياة يبدأ به من نفس الفرد، فيجعل الاعتدال سمة من سمات الإيمان .
( وكان بين ذلك قواماً )..

*****
إن اقتران المعاملات بعقيدة التوحيد يعطيها قوة الإلزام لدى الفرد المؤمن .

( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون. ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفوراً رحيماً. ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً )

1- توحيد الله أساس هذه العقيدة، ومفرق الطريق بين الوضوح والاستقامة والبساطة في الاعتقاد؛ وبين الغموض والالتواء والتعقيد، الذي لا يقوم على أساسه نظام صالح للحياة.

2 - الأمتناع من قتل النفس ـ إلا بالحق أي بالتشريع العقابي الذي ينص على إعدام من اقترف جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد . وتطبقه السلطة الحاكمة وليس الأفراد.
فهذا المبدأ وهو عدم قتل النفس يعد مفرق الطريق بين الحياة الاجتماعية الآمنة المطمئنة التي تحترم فيها الحياة الإنسانية ويقام لها وزن؛ وبين حياة الغابات والكهوف التي لا يأمن فيها الإنسان على نفسه ولا يطمئن إلى عمل أو بناء...

3 – الامتناع من مقاربة الزنا , فهو التزام الحياة النظيفة التي يشعر فيها الإنسان بارتفاعه عن الحياة الهابطة الغليظة التي لا هم للذكران والإناث فيها إلا إرضاء ذلك السعار.
وإنما جعلت الحياة الزوجية النظيفة لعمارة الأرض والتراحم بين الأسر وتربية الأجيال تلو الأجيال في ظل علاقات أسرية واضحة .

*****

وباب التوبة دائماً مفتوح، يدخل منه كل من استيقظ ضميره، وأراد العودة والمآب. لا يصد عنه قاصد، ولا يغلق في وجه لاجئ، أياً كان، وأياً ما ارتكب من الآثام.

روى الطبراني من حديث أبي المغيرة عن صفوان بن عمر عن عبد الرحمن بن جبير " عن أبي فروة، أنه أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها ولم يترك حاجة ولا داجة، فهل له من توبة؟ فقال: " أسلمت؟ " فقال: نعم. قال: " فافعل الخيرات واترك السيئات، فيجعلها الله لك خيرات كلها " قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: " نعم ". فما زال يكبر حتى توارى ".

ويضع قاعدة التوبة وشرطها: ( ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً ).. فالتوبة تبدأ بالندم والإقلاع عن المعصية، وتنتهي بالعمل الصالح الذي يثبت أن التوبة صحيحة وأنها جدية.
وهو في الوقت ذاته ينشئ التعويض الإيجابي في النفس للإقلاع عن المعصية. فالمعصية عمل وحركة، يجب ملء فراغه بعمل مضاد وحركة، وإلا حنت النفس إلى الخطيئة بتأثير الفراغ الذي تحسه بعد الإقلاع. وهذه لمحة في منهج التربية القرآني عجيبة، تقوم على العلم المحيط بالنفس الإنسانية من الخالق سبحانه وتعالى!

*****
ونعود إلى سمات عباد الرحمن

وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً - 72
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً – 73
وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً – 74
أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً - 75 خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً – 76

هذه صفات عباد الرحمن , فهل وجد على الأرض صفات مثلها ,
هذه هي الصورة الصحيحة للإسلام نراها من خلال آيات القرآن العظيم.
وبهذه المبادئ ساد المسلمون العالم. وليس بغيرها.

******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-06-2010, 10:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع عشر
( 3 )
وبعض أيات من سورة الشعراء

تحدثنا في اللقاء السابق في أواخر سورة الفرقان عن عباد الرحمن وعن أهم ما يميزهم.
في مشيتهم وردهم بالسلام على من يجهل عليهم . وعبادتهم لربهم ودعائهم , وفي معاملاتهم المالية المتزنة, فالمال أداة اجتماعية لتحقيق خدمات اجتماعية. والإسراف والتقتير يحدثان اختلالاً في المحيط الاجتماعي والمجال الاقتصادي.
وتميزو أيضا في إخلاصهم لله تعالى...وفي أمنهم للناس حيث لا يقترفون جرائم القتل, واحترامهم للمحارم فلا يزنون .. ولا يشهدون الزور , رحماء فيما بينهم..

وإن شاء الله تعالى نتحدث اليوم عن الإصلاح والبعد عن الفساد. من خلال بعض آيات من سورة الشعراء..
وفي معرض الحديث عن نبي الله "صالح" عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام , نستمع إلى كلام الله تعالى:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ - 150 وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ – 151 الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ - 152

فالإصلاح في الأرض هو هدف رسالة الإسلام التي هي رسالة جميع الأنبياء.
قال تعالى في سورة هود:

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ -61
أي: استخلفكم فيها وطلب منكم إعمارها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك، فلا تشركوا به في عبادته.
فنحن مطالبون بالإمساك بشعلة الحضارة كما فعل أسلافنا وذلك لنكون منارة هداية للبشرية وإنقاذها من الكفر والشرك والإحاد , فالحضارة في الإسلام وسيلة للتقرب من الخالق تبارك وتعالى , ووسيلة لفهم آيات الله تعالى في الكون . ولا يكون ذلك إلا بالإصلاح..

وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ – 151 الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ - 152

والفساد في المجتمعات كالمرض يصيب الإنسان , إن لم يتم معالجته يظل البدن في حالة إعتلال وضعف بحيث لا يستطيع النهوض بما يطلب منه.
والأخطر من ذلك أن يتم الفساد على إنه الإصلاح . قال تعالى في سورة الكهف:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا – 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا - 104 أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا - 105 ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا – 106
أي: بطل واضمحل كل ما عملوه من عمل، يحسبون أنهم محسنون في صنعه، فكيف بأعمالهم التي يعلمون أنها باطلة، وأنها محادة لله ورسله ؟

وقال تعالى في سورة البقرة عن المنافقين:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ - 11 أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ – 12
أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي, ﴿ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض, وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح, قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية, مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة, وأرجى لرجوعه.
﴿ ألا إنهم هم المفسدون ولَكن لا يشعرون ﴾ فإنه لا أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله, وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه, وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح, فهل بعد هذا الفساد فساد؟"
وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا, لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار, والنبات, بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به, لهذا خلق الله الخلق, وأسكنهم في الأرض, وأدر لهم الأرزاق, ليستعينوا بها على طاعته وعبادته ، فإذا عمل فيها بضده, كان فسادا, وخرابا لها عما خلقت له.
ولذلك قال تعالى في سورة الروم:
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ – 41
أي: استعلن الفساد في البر والبحر و فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.
﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ عن أعمالهم التي جلبت لهم الفساد ، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.

وقال تعالى في سورة الأعراف:

وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ - 56

*******

وإلي الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
27-06-2010, 11:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء العشرون
( 1 )
وبعض أيات من سورة االنمل

مكانة المرأة في الإسلام

ونستمع إلى تلك المشاهد الرائعة لنبي الله "سليمان"وموقفه من مملكة سبأ, وقصة إسلام ملكتها.
ويبدأ المشهد بمجلس نبي الله "سليمان" ينظر أمر الرعية.

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ – 20 لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ – 21

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ – 22
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ – 23

فمكث الهدهد زمنًا غير بعيد ثم حضر فعاتبه سليمان على مغيبه وتخلُّفه, فقال له الهدهد: علمت ما لم تعلمه من الأمر على وجه الإحاطة, وجئتك من مدينة "سبأ" بـ "اليمن" بخبر خطير الشأن, وأنا على يقين منه.
إني وجدت امرأةً تحكم أهل "سبأ", وأوتيت من كل شيء من أسباب الدنيا, ولها عرش عظيم تجلس عليه لإدارة ملكها.

وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ – 24

وجدتُها هي وقومها يعبدون الشمس معرضين عن عبادة الله, وحسَّن لهم الشيطان أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها, فصرفهم عن الإيمان بالله وتوحيده, فهم لا يهتدون إلى الله وتوحيده وعبادته وحده.

أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ - 25 اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ – 26*

قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ – 27 اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ – 28

قال سليمان للهدهد: سنتأمل فيما جئتنا به من الخبر أصدقت في ذلك أم كنت من الكاذبين فيه؟ اذهب بكتابي هذا إلى أهل "سبأ" فأعطهم إياه, ثم تنحَّ عنهم قريبًا منهم بحيث تسمع كلامهم, فتأمل ما يتردد بينهم من الكلام.
ذهب الهدهد وألقى الكتاب إلى الملكة فقرأته, فجمعت أشراف قومها, وسمعها تقول لهم: إني وصل إليَّ كتاب جليل المقدار من شخص عظيم الشأن.

********

قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ - 29
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - 30 أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ - 31

ثم بيَّنت ما فيه فقالت: إنه من سليمان, وإنه مفتتح بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" ألا تتكبروا ولا تتعاظموا عما دعوتكم إليه, من الإسلام لله تعالى وعبادته وحده لا شريك له.
وهكذا كانت الفتوحات الإسلامية على مر العصور دعوة الملوك لدين الله تعالى ونشر حرية العقيدة وحرية الدعوة لرسالة الله لشعوبهم.

قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ – 32
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ - 33
فكان جواب قوات الدفاع : نحن أصحاب قوة في العدد والعُدَّة وأصحاب النجدة والشجاعة في شدة الحرب,
أما القرار السياسي موكول إليكِ, وأنتِ صاحبة الرأي, فتأملي ماذا تأمريننا به؟ فنحن سامعون لأمرك مطيعون لك.

قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ – 34 وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ – 35
وكان قرارها السياسي حكيما رائعا يدل على عدم التهور والتورط .
قالت محذرةً لهم من مواجهة سليمان بالعداوة, ومبيِّنة لهم سوء مغبَّة القتال: إن الملوك إذا دخلوا بجيوشهم قريةً عنوةً وقهرًا خرَّبوها وصيَّروا أعزَّة أهلها أذلة, وقتلوا وأسروا, وهذه عادتهم المستمرة الثابتة لحمل الناس على أن يهابوهم.
وإني مرسلة إلى سليمان وقومه بهديَّة مشتملة على نفائس الأموال . فإن كان من الملوك الطغاة أخذ الهدية وفرح بها , وننتظر ما يرجع به الرسل من نتائج .

فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ – 36

فلمَّا جاء رسول الملكة بالهديَّة إلى سليمان, قال مستنكرًا ذلك متحدثًا بأَنْعُمِ الله عليه: أتمدونني بمالٍ تَرْضيةً لي؟
فما أعطاني الله من النبوة والملك والأموال الكثيرة خير وأفضل مما أعطاكم، بل أنتم الذين تفرحون بالهدية التي تُهدى إليكم.

ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ – 37
وقال سليمان عليه السلام لرسول أهل "سبأ": ارجع إليهم, فوالله لنأتينَّهم بجنود لا طاقة لهم بمقاومتها ومقابلتها, ولنخرجنَّهم مِن أرضهم أذلة,هم صاغرون مهانون, إن لم ينقادوا لدين الله وحده, ويتركوا عبادة من سواه.

قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ – 38
قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ – 39
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ – 40


قال سليمان مخاطبًا من سَخَّرهم الله له من الجن والإنس: أيُّكم يأتيني بسرير ملكها العظيم قبل أن يأتوني منقادين طائعين؟

قال مارد قويُّ شديد من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك هذا, وإني لقويٌّ على حَمْله, أمين على ما فيه, آتي به كما هو لا أُنقِص منه شيئًا ولا أبدله.
قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا آتيك بهذا العرش قبل ارتداد أجفانك إذا تحرَّكَتْ للنظر في شيء ...
فلما رآه سليمان حاضرًا لديه ثابتًا عنده قال: هذا مِن فضل ربي الذي خلقني وخلق الكون كله؛ ليختبرني: أأشكر بذلك اعترافًا بنعمته تعالى عليَّ, أم أكفر بترك الشكر؟ ومن شكر لله على نعمه فإنَّ نَفْعَ ذلك يرجع إليه, ومن جحد النعمة وترك الشكر فإن ربي غني عن شكره, كريم يعم بخيره في الدنيا الشاكر والكافر, ثم يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة.

قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ - 41

قال سليمان لمن عنده: غيِّروا سرير ملكها الذي تجلس عليه إلى حال تنكره إذا رأته; لنرى أتهتدي إلى معرفته أم تكون من الذين لا يهتدون؟

فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ – 42
فلما جاءت ملكة "سبأ" إلى سليمان في مجلسه قيل لها: أهكذا عرشك؟ قالت: إنه يشبهه. فظهر لسليمان أنها أصابت في جوابها, وقد علمت قدرة الله وصحة نبوة سليمان عليه السلام, فقال: وأوتينا العلم بالله وبقدرته مِن قبلها, وكنا منقادين لأمر الله متبعين لدين الاسلام.

وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ – 43

ومَنَعَها عن عبادة الله وحده ما كانت تعبده مِن دون الله تعالى, إنها كانت كافرة ونشأت بين قوم كافرين, واستمرت على دينهم, وإلا فلها من الذكاء والفطنة ما تعرف به الحق من الباطل, ولكن العقائد الباطلة تُذهب بصيرة القلب.

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ – 44
قيل لها: ادخلي القصر, وكان صحنه مِن زجاج تحته ماء, فلما رأته ظنته ماء تتردد أمواجه, وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء, فقال لها سليمان: إنه صحن أملس من زجاج صاف والماء تحته. فأدركت عظمة ملك سليمان, وقالت: رب إني ظلمت نفسي بما كنت عليه من الشرك, وأعلنت إسلامها لله تعالى مع سليمان داخلة في دين رب العالمين أجمعين.

وهكذا نجد بالدليل القرآني مكانة المرأة العظيم ودورها الرائع في إدارة شئون البلاد وبصيرة قلبها بعقيدة التوحيد .

فعجبا لأمر من يدعون أن المرأة مظلومة ومقهورة في الإسلام . فهو إدعاء من يجهل حقيقة الإسلام , أو يعرف ولكنه يعلن العداوة له مستخدما المرأة سلاح لأغراضه الخبيثة , ولكن هيهات .. فالمرأة المسلمة على مر العصور كانت أقوى من كل المؤامرات , ونرى اليوم ونسمع العالم كله يقف عاجزا أمام خلع حجاب المرأة المسلمة.
فالمرأة في الإسلام ليست سلعة توضع للإعلان , فهي طبيبة ومدرسة وعالمة وصحفية ووزيرة إلى أخر تلك المناصب , محافظة على كرامتها كأنسان لا يعرض جسده للأعين المريضة .

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-06-2010, 11:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء العشرون
( 2 )
وبعض أيات من سورة القصص
نعيش اليوم مع بعض مشاهد النصره والإغاثة للضعيف.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره وحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
الراوي: أبو هريرة - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 15/239 إسناده صحيح
وهذه أخلاق الشهامة والمروءة التي تعرف في أوقات الشدائد.

ومع هذا المشهد من سورة القصص
لنبي الله "موسى" عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

*****
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ -22 وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ -23
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ -24

اتجه موسى ـ عليه السلام ـ فريداً وحيداً عبر الصحراء في اتجاه مدين في جنوبي الشام وشمالي الحجاز. مسافات شاسعة، وأبعاد مترامية، لا زاد ولا استعداد، فقد خرج من المدينة خائفاً يترقب،
حيث عزم الملأ من قوم فرعون على قتل "موسى", بسبب علمهم بأنه قتل رجل من حاشية فرعون.
وكان موسى يرى ويسمع كل مايحدث لبني إسرائيل من استعباد وقهر وظلم من فرعون ورجاله.
فأسرع على الفور لنجدة ذلك المستضعف ودفع الرجل الأخر بوكزة قوية فسقط ميتا.
وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ, فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ,
فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ, قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ -15
إن القتل شئ بشع , أدرك "موسى" على الفور فداحة هذا الأمر الذي لم يقصده أصلا , وأصيب بالغم ..قال تعالى: وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ..40 طه
فالإنسان في فسحة من دينه مالم يصب دما كما ورد في الحديث الشريف .

ونقرأ ذلك ونتعجب على هذا الكم الهائل من القتلى يوميا عمدا مع سبق الإصرار والترصد لأبرياء , فلا يدري القاتل لماذا يقتل ولا يدري المقتول لماذا قتل.

*******

فتوجه "موسى" إلى الله تعالى أن يغفر له.
وخرج منزعجاً بنذارة الرجل الناصح، لم يتزود ولم يتخذ دليلاً. ولكن نلاحظ شيئا عظيما آلا وهو التعلق بربه مستسلما له :

عسى ربي أن يهديني سواء السبيل..

ومرة أخرى نجد موسى ـ عليه السلام ـ في قلب المخافة، بعد فترة من الأمن. بل من الرفاهية. ونجده وحيداً مجرداً من قوى الأرض الظاهرة جميعاً، يطارده فرعون وجنده، ويبحثون عنه في كل مكان، لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلاً.
ولكن اليد التي رعته وحمته هناك ترعاه وتحميه هنا، ولا تسلمه لأعدائه أبداً. فها هو ذا يقطع الطريق الطويل، ويصل إلى حيث لا تمتد إليه اليد الباطشة بالسوء:

وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ -23
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ -24

لقد انتهى به السفر الشاق الطويل إلى ماء لمدين. وصل إليه وهو مجهد. وإذا هو يطلع على مشهد لا تستريح إليه النفس ذات المروءة، السليمة الفطرة، كنفس موسى ـ عليه السلام ـ وجد الرعاة الرجال يوردون أنعامهم لتشرب من الماء؛ ووجد هناك امرأتين تمنعان غنمهما عن ورود الماء. والأولى عند ذوي المروءة والفطرة السليمة، أن تسقي المرأتان وتصدرا بأغنامهما أولاً، وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما.

ويعود بنا الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام . حيث العناية بها وتكريمها , وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ما أكرم النساء إلا كريم ، و لا أهانهن إلا لئيم.

ولم يقعد موسى الهارب المطارد، المسافر المكدود، ليستريح، وهو يشهد هذا المنظر المنكر المخالف للمعروف. بل تقدم للمرأتين يسألهما عن أمرهما الغريب:

قال: ما خطبكما ؟..
قالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير.

فأَطلعتاه على سبب انزوائهما وتأخرهما وذودهما لغنمهما عن الورود. إنه الضعف، فهما امرأتان وهؤلاء الرعاة رجال. وأبوهما شيخ كبير لا يقدر على الرعي ومجالدة الرجال.
وثارت نخوة موسى ـ عليه السلام ـ وفطرته السليمة. فتقدم لإقرار الأمر في نصابه. تقدم ليسقي للمرأتين أولاً، كما ينبغي أن يفعل الرجال ذوو الشهامة.
وهو غريب في أرض لا يعرفها، ولا سند له فيها ولا ظهير. وهو مكدود قادم من سفر طويل بلا زاد ولا استعداد. وهو مطارد، من خلفه أعداء لا يرحمون. ولكن هذا كله لا يقعد به عن تلبية دواعي المروءة والنجدة والمعروف، وإقرار الحق الطبيعي الذي تعرفه النفوس:

فسقى لهما..

مما يشهد بنبل هذه النفس التي صنعت على عين الله تعالى. كما تدل على قوته التي ترهب حتى وهو في إعياء السفر الطويل. ولعلها قوة نفسه التي أوقعت في قلوب الرعاة رهبته أكثر من قوة جسمه. فإنما يتأثر الناس أكثر بقوة الأرواح والقلوب.

ثم تولى إلى الظل فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير..

رب إني في خيرك الدائم ونعمك التي لا تعد ولا تحصى.. رب إني فقير.

فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ - 25
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ - 26 قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ - 27 قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ -28

وما نكاد نستغرق مع موسى ـ عليه السلام ـ في مشهد المناجاة حتى يعجل السياق بمشهد الفرج، معقباً في التعبير بالفاء،
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء. قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا..
ونلاحظ هنا أخلاق الحياء عند الفتاة...
وقد جاءته ( تمشي على استحياء ) مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال. ( على استحياء ). في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء. جاءته لتنهي إليه دعوة في كلمات معدودة ( إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ). فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح؛
ويستجيب "موسى" للقاء الشيخ الكبير.

( فلما جاءه وقص عليه القصص، قال: لا تخف. نجوت من القوم الظالمين )
فقد كان موسى في حاجة إلى الأمن؛ كما كان في حاجة إلى الطعام والشراب. ولكن حاجة نفسه إلى الأمن كانت أشد من حاجة جسمه إلى الزاد. ومن ثم أبرز السياق في مشهد اللقاء قول الشيخ الوقور: ( لا تخف ) فجعلها أول لفظ يعقب به على قصصه ليلقي في قلبه الطمأنينة، ويشعره بالأمان. ثم بين وعلل: ( نجوت من القوم الظالمين ) فلا سلطان لهم على مدين، ولا يصلون لمن فيها بأذى ولا ضرار.

( قالت: إحداهما: يا أبت استأجره. إن خير من استأجرت القوي الأمين ).

إنها وأختها تعانيان من رعي الغنم، ومن مزاحمة الرجال على الماء، ومن الاحتكاك الذي لا بد منه للمرأة التي تزاول أعمال الرجال. وهي تتأذى وأختها من هذا كله؛ وتريد أن تكون امرأة تأوي إلى بيتها؛ والمرأة العفيفة الروح، النظيفة القلب، السليمة الفطرة، لا تستريح لمزاحمة الرجال، ولا للتبذل الناشئ من هذه المزاحمة...

وها هو ذا شاب قوى أمين. رأت من قوته ما يهابه الرعاء فيفسحون له الطريق ويسقي لهما. ورأت من أمانته ما يجعله عف اللسان والنظر حين توجهت لدعوته.
فهي تشير على أبيها باستئجاره ليكفيها وأختها مؤنة العمل والاحتكاك والتبذل. وهو قوي على العمل، أمين على المال. فالأمين على العرض هكذا أمين على ما سواه.
فالعفة تتضح في التصرف العادي البسيط بلا تكلف ولا اصطناع.

واستجاب الشيخ لاقتراح ابنته. ولعله أحس من نفس الفتاة ونفس موسى ثقة متبادلة، وميلاً فطرياً سليماً، صالحاً لبناء أسرة.
( قال: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين، على أن تأجرني ثماني حجج. فإن أتممت عشراً فمن عندك. وما أريد أن أشق عليك. ستجدني إن شاء الله من الصالحين )

وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه من غير تحديد ـ
ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجال على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل كانت النساء تعرض نفسها على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو من يرغب في تزويجهن منهم.
كان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدب جميل، لا تخدش معه كرامة ولا حياء..
عرض عمر ـ رضي الله عنه: ابنته حفصة على أبي بكر فسكت وعلى عثمان فاعتذر، فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا طيب خاطره، عسى أن يجعل الله لها نصيباً فيمن هو خير منهما. ثم تزوجها ـ صلى الله عليه وسلم .
وعرضت امرأة نفسها على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاعتذر لها. فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء. فزوجها رجلاً لا يملك إلا سورتين من القرآن، علمها إياهما فكان هذا صداقها.

وبمثل هذه البساطة والوضاءة سار المجتمع الإسلامي يبني بيوته ويقيم كيانه. في غير تصنع ولا التواء.

وهكذا صنع الشيخ الكبير ـ صاحب موسى ـ فعرض على موسى ذلك العرض واعداً إياه ألا يشق عليه ولا يتعبه في العمل؛ راجياً بمشيئة الله أن يجده موسى من الصالحين في معاملته ووفائه.
وهو أدب جميل في التحدث عن النفس وفي جانب الله. فهو لا يزكي نفسه، ولا يجزم بأنه من الصالحين. ولكن يرجو أن يكون كذلك، ويكل الأمر في هذا لمشيئة الله.

وقبل موسى العرض وأمضى العقد؛ في وضوح ودقة، وأشهد الله فهو الشهيد الموكل بالعدل بين المتعاقدين. وكفى بالله وكيلاً.

( قال: ذلك بيني وبينك. أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ. والله على ما نقول وكيل )

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أبعدهما وأطيبهما.
المصدر: صحيح البخاري – عن عبدالله بن عباس - الصفحة أو الرقم: 2684

********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-07-2010, 01:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الجزء العشرون
( 3 )
وبعض أيات من أواخر سورة القصص

ونعيش إن شاء الله تعالى مع وظيفة المال الحقيقية,
فهو وسيلة تعامل بين البشر لتسهيل التبادل التجاري بين الشعوب والبيع والشراء بين الأفراد,
أما القيمة الحقيقية للمال فهو فيما يمثلة من معادن نفيثة مثل الذهب والفضة. وما يقابلها من سلع وخدمات .
وإذا توفر المال الحقيقي ونعني به الذهب والفضة وليس العملة الورقية , تحقق الرخاء في ذلك المجتمع حيث يمكن في مقابله شراء متطلبات المعيشة للفرد والجماعة.
وقد تكون الثروة الحقيقية لبلد ما في زراعته ورعيه , وقد تكون في بلد أخر في صناعته , ويكون المال هو الوسيلة للتبادل بين كل هذه الثروات فتتحقق بذلك وظيفة المال , ولذلك كان النهي عن تعطيل المال وكنزه ..
قال تعالى:
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب أليم – 34 يوم يحمى عليها في نار جهنم , فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم , هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون – 35 التوبة. .
ولذلك فرضت الزكاة على المال إذا بلغ نصابا معينا ومضى على إدخاره عام, 2.5% من قيمة المال وبذلك يحرص صاحبه على تشغيلة وتنميته. سواء بالتجارة أو الصناعة وبذلك تنشط الحياة وتنتفي البطالة ,
أما إذا أصبح المال سلعة تباع في مقابل عائد وهو الربا فهذه هي الإنتكاسة التي وقع فيها كثير من بنوك العالم. وكان مصيرها الإنهيار.

50 بنكا منهارا منذ مطلع العام
أعلنت السلطات الأميركية إغلاق ثمانية بنوك جديدة: ثلاثة منها في فلوريدا واثنان في كاليفورنيا وواحد في كل من ماساتشوستس وميشيغان وواشنطن، ليرتفع عدد البنوك المنهارة بالولايات المتحدة منذ مطلع هذا العام إلى 50 بنكا. المصدر وكالات السبت 3/5/1431 هـ - الموافق 17/4/2010 م الجزيرة نت
********
ويأتي المثال الحي لنموذج من البشر لم يعلم حقيقة وظيفة المال وعمل على كنزه دون أن ينتفع به قومه. ونحاول أن نتدبر تلك الوقعة لأنها تمثل عبرة لكل البشر عبر العصور المختلفة.

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ -76

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ -77

إن قارون كان من قوم موسى -عليه الصلاة والسلام- فتجاوز حدَّه في الكِبْر والتجبر والبغي , والبغي عليهم يشمل شتى الصور,
فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم - كما يصنع طغاة المال في كثير من الأحيان - وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال . حق الفقراء في أموال الأغنياء بالزكاة, , فتفسد القلوب , وتفسد الحياة . وربما بغى عليهم بهذه وبغيرها من الأسباب .
وآتينا قارون من كنوز الأموال شيئًا عظيمًا, حتى إنَّ مفاتحه لَيثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء,
إذ قال له قومه لا تفرح. . فرح الزهو المنبعث من الاعتزاز بالمال , والاحتفال بالثراء , والتعلق بالكنوز , والابتهاج بالملك والاستحواذ . . لا تفرح فرح البطر الذي ينسي المنعم بالمال ; وينسي نعمته , وما يجب لها من الحمد والشكران . لا تفرح فرح الذي يستخفه المال , فيشغل به قلبه , ويطير له لبه , ويتطاول به على العباد . .
إن الله لا يحب الفرحين المأخوذين بالمال , المتباهين , المتطاولين بسلطانه على الناس .
والتمس فيما أتاك الله من الأموال ثواب الدار الآخرة, بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا, فالمال ليس للتخزين في خزائن يصعب حمل مفاتيحها , ومن حولك الاف البشر لا يجدون ما يسد جوعهم أو مسكن يسترهم أو ملبس يستر عوراتهم . وشباب عاطل لا يجد المال لعمل مشاريع تعود عليه وعلى مجتمعه بالخير.
ولكن قارون إستخدم المال في تخزينه وحبسه عن المهمة التي خلقها الله تعالى له , وهي تفعيله بين الناس سواء بالتجارة وإنشاء المصانع وإنشاء المدارس والمستشفيات والعمران بتشيد المساكن وإنشاء شبكات الطرق والمرافق , وبهذا يعم الخير على جميع فئات المجتمع , ويعود عليه أيضا نتيجة عائد الإستثمار لهذه المشاريع,
وبإخراج زكاة هذه الثروات الهائلة يعم الخير على فقراء قومه فيدعون له بالبركة , ويذهب الحسد والغل ويعم الخير على الجميع.
قال تعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ -7 إبراهيم
أما في حالة نسيان وظيفة المال الحقيقية سوف تنحصر الإهتمامات في الإسراف في الملذات والتكبر والتعالي بالثروة , بل الأسوأ من ذلك إستخدام هذا الغنى في الطغيان على الأخرين بطردهم من ديارهم والإعتداء عليهم. وبث الفساد بينهم وحرمانهم من حقهم في مال الله الذي جعله أمانة في يد الأغنياء ليسعدوا ويسعدوا من حولهم.

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ -77

ولا تترك حظك من الدنيا, بأن تتمتع فيها بالحلال دون إسراف, وأحسن بالتصرف الصحيح في المال حتى يعم الخير على الجميع, كما أحسن الله إليك بهذه الأموال الكثيرة, ولا تلتمس ما حرَّم الله عليك من البغي على قومك, إن الله لا يحب المفسدين.

******

قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي,
أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً, وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ -78

قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أُعطيتُ هذه الكنوز بما عندي من العلم والقدرة, ولكنه جهل مصير المتكبرين من الأمم السابقة.
أولم يعلم قارون أن الله قد أهلك مِن قبله من الأمم مَن هو أشد منه بطشًا, وأكثر جمعًا للأموال؟ ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون; لعلم الله تعالى بها, إنما يُسْألون سؤال توبيخ وتقرير, ويعاقبهم الله على ما علمه منهم.

*******

فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ -79
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ -80

فخرج قارون على قومه في زينته, مريدًا بذلك إظهار عظمته وكثرة أمواله, وحين رآه الذين يريدون زينة الحياة الدنيا قالوا: يا ليت لنا مثل ما أُعطي قارون من المال والزينة والجاه, إن قارون لذو نصيب عظيم من الدنيا.
وقال الذين أوتوا العلم بالله وشرعه وعرفوا حقائق الأمور للذين قالوا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون: ويلكم اتقوا الله وأطيعوه, ثوابُ الله خير لمن آمن به وبرسله, وعمل الأعمال الصالحة, خيرٌ مما أوتي قارون, ولا يَتَقَبَّل هذه النصيحة ويوفَّق إليها ويعمل بها إلا مَن يجاهد نفسه, ويصبر على طاعة ربه, ويجتنب معاصيه.
وقد ورد في الحديث الشريف:
إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي ربه فيه ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل ،
وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ،
وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما يخبط في ماله بغير علم ، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقا ، فهو بأخبث المنازل ،
وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته فوزرهما سواء
المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2325
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح
********
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ -81

فخسفنا بقارون وبداره الأرض, فما كان له من جند ينصرونه من دون الله, وما كان ممتنعًا من الله إذا أحلَّ به نقمته.

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ -82

وصار الذين تمنوا حاله بالأمس يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم: إن الله يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده, ويضيِّق على مَن يشاء منهم, لولا أن الله منَّ علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا لَخسف بنا كما فعل بقارون, ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون, لا في الدنيا ولا في الآخرة؟

تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ -83


********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
03-07-2010, 10:18 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء العشرون
( 4 )
وبعض أيات من سورة العنكبوت

مبدأ الإختبار في هذه الحياة

أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ - 2 وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ - 3

قدر الله تعالى أن تكون الدنيا دار إختبار , ولذلك خلق فينا الإدراك وحرية الاختيار في مسائل هامة من حياتنا وعلى رأسها حرية العقيدة , وحرية المعاملات والآداب . ليتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل،
قال تعالى:
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 1 الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ- 2 الملك
وقال تعالى:
وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ -168 الأعراف

والاختبار قد يكون بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وتسلط الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة،
فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق فقد صدق.
وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقل ومستكثر، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه،
فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها.

******
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ - 4

أي: أحسب الذين همهم فعل السيئات وارتكاب الجنايات، أن أعمالهم ستهمل، وأن اللّه سيغفل عنهم، أو يفوتونه، فلذلك أقدموا عليها، وسهل عليهم عملها؟ ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي: ساء حكمهم، فإنه حكم جائر، لتضمنه إنكار قدرة اللّه وحكمته،
قال تعالى في سورة المؤمنون: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ - 115 فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ -116

*******

مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ – 5 وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ - 6

يعني: يا أيها المحب لربه، المشتاق لقربه ولقائه، المسارع في مرضاته، أبشر بقرب لقاء الحبيب، فإنه آت، وكل آت إنما هو قريب، فتزود للقائه، وسر نحوه، مستصحبا الرجاء، مؤملا الوصول إليه، وليس بالتمني تنال العلا ولكن بمجاهدة النفس والهوى. والمعاملات الصالحة والآداب الرفيعة وأخلاق الإسلام الراقية.
﴿ وَمَنْ جَاهَدَ ﴾ نفسه وشيطانه، ودافع عن أرضه وعرضه من أي غاصب محتل . ﴿ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾ لأن نفعه راجع إليه، وثمرته عائدة إليه، والله غني عن العالمين.
وفي حقيقة الأمر أن الأوامر والنواهي يحتاج المكلف فيها إلى جهاد، لأن نفسه تتثاقل بطبعها عن الخير، وشيطانه ينهاه عنه، وعدوه الكافر يمنعه من إقامة دينه، كما ينبغي، وكل هذا معارضات تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ - 7

يعني أن الذين منَّ اللّه عليهم بالإيمان والعمل الصالح، سيكفر اللّه عنهم سيئاتهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات، ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وهي أعمال الخير، من واجبات ومستحبات، فهي أحسن ما يعمل العبد، لأنه يعمل المباحات أيضا، وغيرها.

*******
وهذا نموذج من الاختبار
كيف تكون بارا بوالديك محسنا إليهم وهما يجاهداك للكفر والشرك؟
وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ - 8

أي: وأمرنا الإنسان، ووصيناه بوالديه حسنا، أي: ببرهما والإحسان إليهما، بالقول والعمل، وأن يحافظ على ذلك، ولا يعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله.
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه. فالشرك دعوة تقوم على الجهل والتخبط بغير دليل. ﴿ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ فأجازيكم بأعمالكم، فبروا والديكم وقدموا طاعتهما، إلا على طاعة اللّه ورسوله، فإنها مقدمة على كل شيء.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ - 9

أي: من آمن باللّه وعمل صالحا من أقوال وأفعال وآداب، فإن اللّه وعده أن يدخله الجنة في جملة عباده الصالحين، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كل على حسب درجته ومرتبته عند اللّه، فالإيمان الصحيح والعمل الصالح عنوان على سعادة صاحبه.

*********

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
06-07-2010, 03:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الحادي والعشرون
( 1 )
وبعض أيات من سورة العنكبوت

مبدأ الحوار مع أهل الكتاب


وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -46

وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلا الْكَافِرُونَ -47

وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ -48

بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ -49

إن دعوة الله التي حملها نوح - عليه السلام - والرسل بعده حتى وصلت إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم, لهي دعوة واحدة من عند إله واحد , ذات هدف واحد , هو رد البشرية الضالة إلى ربها , وهدايتها إلى طريقه , وتربيتها بمنهاجه .
وكل جيل من أجيال المؤمنين هو حلقة في تلك السلسلة الطويلة الممتدة على مدار القرون .
وعليه جاء مبدأ حوار أهل الكتاب بالحكمة, والنهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى ; لبيان حكمة مجيء الرسالة الجديدة , والكشف عما بينها وبين الرسالات قبلها من صلة , والإقناع بضرورة الأخذ بالصورة الأخيرة من صور دعوة الله , الموافقة لما قبلها من الدعوات , المكملة لها وفق حكمة الله وعلمه بحاجة البشر . . ( إلا الذين ظلموا منهم ) فانحرفوا عن التوحيد .
فمجادلة أهل الكتاب بالحسنى مقصورة على من لم يظلم منهم ولم يعتدي علينا , ولم ينحرف عن دين الله . وعن التوحيد الخالص الذي جاءت به جميع الرسالات .
وقولوا:آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم , و إلهنا وإلهكم واحد , ونحن له مسلمون . .
فنحن نؤمن بالله خالق الكون الواحد الأحد, فإذن لا حاجة إلى الشقاق والنزاع , والجدل والنقاش . وكلهم يؤمنون بإله واحد , والمسلمون يؤمنون بما أنزل إليهم وما أنزل إلى من قبلهم , وهو في صميمه واحد , والمنهج الإلهي متصل الحلقات .

وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلا الْكَافِرُونَ -47

******
وهذا الإسلوب أي المجادلة بالتي هي أحسن تؤتي ثمارها بشكل عجيب وإليكم هذا المثال ( المصدر الموسوعة الحرة )

(يوسف إستس) ولد 1944 م. هو أمريكي تحول إلى الإسلام، واسمه قبل إسلامه هو جوسيف إدوارد إستس أو جوزيف إيستس، ولد في الولايات المتحدة ونشأ في أسرة بروتستانتية مسيحية وأصبح قسيسا.
حصل على شهادة ماجستير في الفنون سنة 1974م وشهادة الدكتوراة في علم اللاهوت.
فبعد تعامله مع شخص مسلم مصري اسمه محمد, اعتنق (يوسف إستس) الإسلام سنة1991 م هو وزوجه ووالده وزوجة والده، ثم تعلَّم بعدها اللغة العربية والدراسات الإسلامية من سنة 1991 م إلى سنة 1998 م في مصر والمغرب وتركيا.
ويعمل في مجال الدعوة في الولايات المتحدة وله أشرطة ومحاضرات بالإنكليزية.

*****
ويقول يوسف إستس:
من خلال مدة شهرين تقريباً قضاها مسلم مصري مع أسرتنا وفي بيتنا اكتشفنا من وجوده وطريقة حياته ومعيشته ونظامه ومن خلال مناقشتنا له أموراً جديدة علينا, لم نكن نعلمها عن المسلمين وليست عندنا كنصارى...!

*****
ففي ذات يوم قال لي والدي : إنه سيأتي إلينا رجل من مصر قد نقيم معه تجارة في مجال بيع السلع المختلفة. ففرحت في نفسي وقلت : سوف نتوسع في تجارتنا وتصبح تجارة دولية تمتد إلى أرض ذلك الضخم أعني (أبا الهول) ! ثم قال لي والدي : لكنني أريد أن أخبرك أن هذا الرجل الذي سيأتينا مسلم وهو رجل أعمال. فقلت منزعجاً : مسلم !! لا.. لن أتقابل معه. فقال والدي : لابد أن تقابله. فقلت : لا.. أبداً...
وأصرّ والدي على رأيه بأن أقابل ذلك المصري المسلم.. ثم تنازلت أنا عن إصراري لأني كنت أسكن مع والدي في منزله.. وخشيت أن أسبب مشكلة فلا أستطيع البقاء عنده.
ومع ذلك لما حضر موعد اللقاء لبست قبعة مكتوب عليها : " عيسى هو الرب " وعلقت صليباً كبيراً في حزامي، وأمسكت بنسخة من الكتاب المقدس في يدي وحضرت إلى طاولة اللقاء بهذه الصورة، ثم تطرقنا في الحديث عن ديانته وتهجمت على الإسلام والمسلمين حسب الصورة المشوهة التي كانت لدي، وكان هو هادئاً جداً وامتص حماسي واندفاعي , ثم دعاه والدي للإقامة عندنا في المنزل، وكان المنزل يحويني أنا وزوجتي ووالدي ثم جاء هذا المصري واستضفنا كذلك قسيساً آخر لكنه يتبع المذهب الكاثوليكي.
فصرنا نحن الخمسة.. أربعة من علماء ودعاة النصارى ومسلم مصري واحد.. أنا ووالدي من المذهب البروتستانتي النصراني ومعنا قسيس كاثوليكي المذهب وزوجتي كانت من مذهب متعصب له جانب من الصهيونية، وللمعلومية والدي قرأ الإنجيل منذ صغره وصار داعياً ذو منصب معترفا به في الكنيسة، والقسيس الكاثوليكي له خبرة 12 عاماً في دعوته في القارتين الأمريكيتين، وزوجتي كانت تتبع مذهب الإنجيليين الجدد الذي له ميول صهيونية، وأنا نفسي درست الإنجيل والمذاهب النصرانية واخترت بعضاً منها أثناء حياتي وانتهيت من حصولي على شهادة الدكتوراة في العلوم اللاهوتية.
وكنا نحن النصارى في البيت يحمل كل منا نسخة مختلفة من الكتاب المقدس ونتناقش عن الاختلافات في العقيدة النصرانية وفي الأناجيل المختلفة على مائدة مستديرة، والمسلم يجلس معنا ويتعجب من اختلاف كتبنا.. فقد كان مع والدي في تلك الفترة نسخة الملك جيمس وكانت معي نسخة الريفازد إيديشن (المُراجع والمكتوب من جديد) التي تقول: إن في نسخة الملك جيمس الكثير من الأغلاط والطوام الكبيرة !! حيث أن النصارى لما رؤوا كثرة الأخطاء في نسخة الملك جيمس اضطروا إلى كتابته من جديد وتصحيح ما رأوه من أغلاط كبيرة، والإنجيل الثالث مع زوجتي هو نسخة القسيس المعاصر جيمي سواقرت،
أما القسيس الكاثوليكي فكانت لديه نسخة أخرى لمذهبه فيها 73 سفراً، أما الإنجيل في مذهبنا ففيه 66 سفراً، وكل الأناجيل مختلفة وفي داخلها اختلافات كثيرة.

قال يوسف إستس : فسألنا المسلم المصري وكان اسمه (محمد) : كم نسخة مختلفة من القرآن عندكم ؟ فقال : ليس لدينا إلا نسخة واحدة، والقرآن موجود كما أنزل بلغته العربية منذ أكثر من 1400 سنة !. فكان هذا الجواب كالصاعقة لنا !

وعلى العموم.. لما كنا نجلس في بيتنا نحن النصارى الأربعة المتدينين مع المسلم المصري (محمد) ونناقش مسائل الاعتقاد حرصنا أن ندعو هذا المسلم إلى النصرانية بعدة طرق..
فكان جوابه محدداً بقوله : أنا مستعد أن أتبع دينكم إذا كان عندكم في دينكم شيء أفضل من الذي عندي في ديني. قلنا : بالطبع يوجد عندنا. فقال المسلم : أنا مستعد إذا أثبتم لي ذلك بالبرهان والدليل.
فقلت له : الدين عندنا لم يرتبط بالبرهان والاستدلال والعقلانية.. إنه عندنا شيء مسلّم وهو مجرد اعتقاد محض ! فكيف نثبته لك بالبرهان والدليل ؟!..
فقال المسلم : لكن الإسلام دين عقيدة وبرهان ودليل وعقل ووحي من السماء. فقلت له : إذا كان عندكم الاعتماد على جانب البرهان والاستدلال فإني أحب أن أستفيد منك وأن أتعلم منك هذا وأعرفه.
ثم لما تطرقنا لمسألة التثليث.. وكل منا قرأ ما في نسخته ولم نجد شيئاً واضحاً.. سألنا الأخ (محمد) : ما هو اعتقادكم في الإله في الإسلام. فقال :
(قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد)،
تلاها بالعربية ثم ترجم لنا معانيها.. وكأن صوته حين تلاها بالعربية دخل في قلبي حينها.. وكأن صوته لا زال يرن صداه في أذني ولاأزال أتذكره.. أما معناها فلا يوجد أوضح ولا أفضل ولا أقوى ولا أوجز ولا أشمل منه إطلاقاً. فكان هذا الأمر مثل المفاجأة القوية لنا.. مع ما كنا نعيش فيه من ضلالات وتناقضات في هذا الشأن وغيره.

****
ثم طلب القسيس الكاثولكي من الأخ (محمد) أن يصطحبه معه ليرى صلاة المسلمين في المسجد، فأخذه معه وذهب به مرتين إلى أحد المراكز الإسلامية فرأى وضوء المسلمين وصلاتهم وبقي ينظر إليهم ثم عادا إلى المنزل.
وتوجهنا بسؤالنا للقسيس الكاثوليكي : أي أنواع الموسيقى يستخدمونها أثناء الصلاة ؟ فقال : ولا واحدة. فقلنا متعجبين : يعبدون ربهم ويصلون بدون موسيقى ؟!! فقال القسيس الكاثوليكي : نعم، وأنا أشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. وأعلن إسلامه.

*****
فقلت له : لماذا أسلمت.. ءأنت متيقن مما تفعله ؟ قلت له ذلك وأنا في نفسي أحترق وأتمنى أني أسلمت قبله حتى لا يسبقني لما هو أفضل.
وصعدت أنا وزوجتي إلى الأعلى.. فقالت لي : أظن أني لن أستمر بعلاقتي معك طويلاً. فقلت لها : لماذا ؟ هل تظنين أني سأسلم ؟ قالت : لا. بل لأني أنا التي سوف تسلم ! فقلت لها : وأنا أيضاً في الحقيقة أريد أن أسلم.
قال : فخرجت من باب البيت وخررت على الأرض ساجداً تجاه القبلة وقلت : يا إلهي.. اهدني. وشعرت مباشرة بانشراح صدري للإسلام.. ثم دخلت البيت.. وأعلنت إسلامي.

يقول يوسف إستس : فأرى أن إسلامنا جميعاً كان بفضل الله ثم بالقدوة الحسنة في ذلك المسلم الذي كان حسن الدعوة وكان قبل ذلك حسن التعامل، وكما يقال عندنا : لا تقل لي.. ولكن أرني.

****
كان إسلام الشيخ يوسف وأسرته عام 1991م، وتوفي والده في شهر ذي القعدة عام 1422هـ، وكان الشيخ يوسف مع كبر سنه يحضر أباه الطاعن في السن المُقعد على الكرسي المتحرك إلى الصلاة ويضعه في الصف ليحضر صلاة الجماعة (مشهد مؤثر جداً مع كونهما داعيين للنصرانية سابقاً). ولا يكاد يمر يوم إلا ويسلم على يديه الكثير، ولا يكتفي الشيخ بتلقين الشهادة فحسب بل يتابع المسلمين الجدد ويعلمهم أمور دينهم، حتى أنه يتكلف السفر لهم أحياناً، وله عدة أشرطة مرئية لمحاضرات عن حقيقة الإسلام ، وعن التعريف الواضح بالإسلام، وعن فهم الإسلام.. وغيرها.

******
فهل أدركنا الأن معنى الآية الكريمة ؟ وأنها تؤتي ثمارها عبر العصور المختلفة والأماكن المختلفة , وبهذا الفهم لدين الرحمة والتسامح إنتشر الإسلام في ربوع الأرض.

وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -46

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
07-07-2010, 11:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الحادي والعشرون
( 2 )
وبعض أيات من سورة الروم

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ - 20 وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – 21

والناس يعرفون تلك المشاعر للمودة والرحمة بين الزوجين وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم . ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجا , وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر النبيلة, وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب , وراحة للجسم والقلب , واستقرارا للحياة والمعاش , وأنسا للأرواح والضمائر , واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء .

وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً

وقد كانت المودة والرحمة من أهم المبادئ في المعاملات الإسلامية , فمن المعلوم أن تلك المبادئ تنعكس على كل المجتمع الإيماني والكل يسعد بها ..
فالرجل إن كان سعيدا في بيته انعكس ذلك على سلوكه بين الناس في الشارع وفي العمل , فتراه مهذبا مبتسما عطوفا متعاونا بين زملاءه يعامل من تحت يده من العاملين برحمة مع عدم التفريط.
أما إذا رأيت شخصا عابس الوجه جبارا نكدا ظالما لمن تحت يديه من العاملين , فيكون غالبا ما يعاني في بيته من عدم المودة والرحمة.
وكذلك المرأة إن كانت سعيدة في بيتها إنعكس ذلك بالضرورة على سلوكها بين أبناءها وجيرانها وزملاءها في العمل .

ولذلك جعل الله تعالى المودة والرحمة هي أساس بناء الأسرة المؤمنة.

وبذلك يتفرغ الإنسان للتفكر في متطلبات الحياة والتقرب إلى الله بعمل الصالحات وأداء الفرائض دون الإنشغال في مشاكل تافهة يصنعها الشيطان للتفريق بين الأسر وشل حركة الحياة في المجتمع الإيماني.
ولذلك تجد الآيات التالية تحض على التفكر والتعلم والتدبر في ملكوت السماوات والأرض .

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ – 22

والعَالِمُون هم أهل العلم الذين يفهمون العبر ويتدبرون الآيات. والآيات في ذلك كثيرة: فمن آيات خلق السماوات والأرض وما فيهما، أن ذلك دال على عظمة سلطان اللّه وكمال اقتداره الذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة، وكمال حكمته لما فيها من الإتقان وسعة علمه، لأن الخالق لا بد أن يعلم ما خلقه ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ﴾-الملك .. ، وأنه وحده الذي يستحق أن يعبد ويوحد لأنه المنفرد بالخلق فيجب أن يفرد بالعبادة، فكل هذه أدلة عقلية نبه اللّه العقول إليها وأمرها بالتفكر فيها واستخراج العبرة منها.
﴿ واخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾ على كثرتكم وتباينكم مع أن الأصل واحد ومخارج الحروف واحدة، ومع ذلك لا تجد صوتين متفقين من كل وجه ولا لونين متشابهين من كل وجه إلا وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز. وهذا دال على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته.

وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ – 23

أي: سماع تدبر وتعقل للمعاني والآيات في ذلك.
واقتضت حكمة الله تعالى أن يكون هناك وقت للراحة والسكون ليستريحوا به ويستجموا وانتشارهم في وقت أخر ، لمصالحهم الدينية والدنيوية ولا يتم ذلك إلا بتعاقب الليل والنهار عليهم، والمنفرد بذلك هو المستحق للعبادة.

وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 24

أي: ومن آياته أن ينزل عليكم المطر الذي تحيا به البلاد والعباد ويريكم قبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يُخَاف ويُطْمَع فيه.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ دلالة واضحة على عموم إحسانه وسعة علمه وكمال إتقانه، وعظيم حكمته وأنه يحيي الموتى كما أحيا الأرض بعد موتها.
﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي: لهم عقول تعقل بها ما تسمعه وتراه وتحفظه، وتستدل به عل ما جعل دليلا عليه.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
11-07-2010, 09:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الحادي والعشرون
( 3 )
وبعض أيات من سورة الروم

مبدأ عدم التفرق في الدين الواحد

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ - 30
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ – 31
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ – 32

وفي الحديث الشريف, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود إلا يولد على الفطرة .
ثم يقول : اقرؤا : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم .
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2658
خلاصة حكم المحدث: صحيح

*******
فالإنسان - دون تدخل من عوامل خارجية تؤثر على معتقداته -يدرك أن له خالق صنعه على أحسن حال . ويتطلع الإنسان للتقرب إلى خالقه ولكنه لا يعرف كيف يكون ذلك . فمن رحمة الله تعالى علينا أن بعث الرسل لتبين لنا الطريق إلى الله تعالى , واكتملت الرسالات بالرسالة الخاتمة رسالة الإسلام التي نزلت على قلب خاتم الرسل الكرام وخير الأنام النبي الأعظم محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى اله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ورسالة الإسلام واضحة المعالم ليلها كنهارها تجمع القلوب ولا تفرقهم.
وقد حاول الشيطان التفرقة بين المسلمين دوما ومنذ بداية الإسلام ,
وقد ورد في الحديث رواية جابر بن عبد الله أنه قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة . فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار . فقال الأنصاري : يا للأنصار ! وقال المهاجري : يا للمهاجرين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . " ما بال دعوى الجاهلية ؟ " قالوا : يا رسول الله ! كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار . فقال " دعوها . فإنها منتنة "
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2584
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وقال تعالى في سورة ال عمران :

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ - 103

********

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ - 30 مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ – 31 مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ – 32

يقول السعدي في تفسيره:
يأمر تعالى بالإخلاص له في جميع الأحوال وإقامة دينه فقال: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ ﴾ أي: وجهه إلى الدين الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان بأن تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها.
وشرائعه الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة، والإحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة بأن تعبد اللّه فيها كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وخص اللّه إقامة الوجه لأن إقبال الوجه تبع لإقبال القلب ويترتب على الأمرين سَعْيُ البدن ولهذا قال: ﴿ حَنِيفًا ﴾ أي: مقبلا على اللّه في ذلك معرضا عما سواه.
وهذا الأمر هو ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع اللّه في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذا حقيقة الفطرة.
ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته أفسدها كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"
﴿ لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ أي: لا أحد يبدل خلق اللّه فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه اللّه، ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ أي: الطريق المستقيم الموصل إلى اللّه وإلى كرامته، فإن من أقام وجهه للدين حنيفا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ فلا يتعرفون الدين القيم وإن عرفوه لم يسلكوه.
﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ ﴾ وهذا تفسير لإقامة الوجه للدين، فإن الإنابة إنابة القلب وانجذاب دواعيه لمرضاة اللّه تعالى.
ويلزم من ذلك حمل البدن بمقتضى ما في القلب فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة، ولا يتم ذلك إلا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة فلذلك قال: ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات.
وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو إلى الإنابة والتقوى لقوله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾-45 العنكبوت فهذا إعانتها على التقوى.
ثم قال: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ فهذا حثها على الإنابة.
وخص من المنهيات أصلها والذي لا يقبل معه عمل وهو الشرك فقال: ﴿ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ لكون الشرك مضادا للإنابة التي روحها الإخلاص من كل وجه.
ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا فقال: ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾ مع أن الدين واحد وهو إخلاص العبادة للّه وحده وهؤلاء المشركون فرقوه، منهم من يعبد الأوثان والأصنام. ومنهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين ومنهم يهود ومنهم نصارى.
ولهذا قال: ﴿ وَكَانُوا شِيَعًا ﴾ أي: كل فرقة من فرق الشرك تألفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل ومنابذة غيرهم ومحاربتهم.
﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ ﴾ من العلوم المخالفة لعلوم الرسل ﴿ فَرِحُونَ ﴾ به يحكمون لأنفسهم بأنه الحق وأن غيرهم على باطل، وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق, بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد.
وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة، والأخوة الإيمانية قد عقدها اللّه وربطها أتم ربط، فما بال ذلك كله يُلْغَى ويُبْنَى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية أو فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا، ويتميز بها بعضهم عن بعض؟
فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان وأعظم مقاصده التي كاد بها للمسلمين؟

*****
قد نختلف في بعض الآراء ولكن في إطار علمي وهذا إثراء للمعرفة,
مثل علماء المدارس الفقهية كالمدرسة الحنفية والمدرسة الشافعية , كل بحسب فهمه للنص الذي يتسع للإجتهاد والذي يحتمل وجوه عديدة , وفي ذلك مرونة لصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان , وداعى إلى توحيد كلمة الأمة لا فرقتها.
وإن من أفضل الجهاد الأن السعي في جمع كلمة المسلمين وإزالة ما بينهم من الشقاق .

*********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
13-07-2010, 12:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الحادي والعشرون
( 4 )
وبعض أيات من سورة الروم

مبدأ التكافل

فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - 38 وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ – 39

لقد كفل الإسلام حق الجميع في العيش الكريم ولذلك فرض زكاة المال على الأغنياء لترد على الفقراء وتوزع عليهم بصفة حقهم في ذلك المال الذي وهبه الله تعالى للأغنياء ليقوموا بإنفاقه على المشاريع التي تخدم الجميع . ويكون عونا في التنمية والرعاية الصحية عبر بناء المستشفيات , والتطور العلمي ببناء المدارس والجامعات ..
وبذلك ندرك قيمة المال الحقيقية ..

أما إذا إنحصرت المنفعة في الزيادة الربوية عبر إقراض الفقراء فسوف تزداد الفجوة بين الفقراء والأغنياء وتنتهي إلى كارثة كما نرى في واقعنا المعاصر.
وما دام المال مال الله , أعطاه رزقا لبعض عباده , فالله صاحب المال الأول قد وهبه لفئات من عباده , يؤديها إليهم من يضع يده على ذلك المال . ومن ثم سماها حقا . ويذكر هنا من هذه الفئات ( ذا القربى والمسكين وابن السبيل )

وهذا هو أساس النظرية الإسلامية في المال .
وإلى هذا الأساس ترجع جميع التفريعات في النظرية الاقتصادية للإسلام . فما دام المال مال الله , فهو خاضع إذن لكل ما يقرره الله بشأنه بوصفه المالك الأول , سواء في طريقة تملكه أو في طريقة تنميته , أو في طريقة إنفاقه . وليس واضع اليد حرا في أن يفعل به ما يشاء .
وهو هنا يوجه أصحاب المال الذين اختارهم ليكونوا أمناء عليه إلى خير الطرق للتنمية والفلاح . وهي إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل , والإنفاق بصفة عامة في سبيل الله: ( ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون ).
هذه هي الوسيلة المضمونة لمضاعفة المال:إعطاؤه بلا مقابل وبلا انتظار رد ولا عوض من الناس . إنما هي إرادة وجه الله .
أليس هو الذي يبسط الرزق ويقدر ? أليس هو الذي يعطي الناس ويمنع ?
فهو الذي يضاعف إذن للمنفقين ابتغاء وجهه ; وهو الذي ينقص مال المرابين الذين يبتغون وجوه الناس . . ذلك حساب الدنيا , وهناك حساب الآخرة وفيه أضعاف مضاعفة . فهي التجارة الرابحة هنا وهناك !
أما إذا حدث سوء تصرف في المال بأن ينفق بتبذير في الملذات ويحرم منه الفقراء العاملون والمقعدون فسوف يظهر الفساد بين المجتمع ولذلك أتت الآية رقم 41 مبينة ذلك بوضوح.

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ – 41

فظهور الفساد هكذا واستعلاؤه لا يتم عبثا , ولا يقع مصادفة ; إنما هو تدبير الله وسنته . . ( ليذيقهم بعض الذي عملوا ) من الشر والفساد , حينما يكتوون بناره , ويتألمون لما يصيبهم منه: ( لعلهم يرجعون ) فيعزمون على مقاومة الفساد , ويرجعون إلى الله وإلى العمل الصالح وإلى المنهج القويم .

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-07-2010, 09:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الحادي والعشرون
( 5 )
وبعض أيات من سورة لقمان

مبدأ الإيمان المقترن بالعمل الصالح

لا إيمان لمن لا أمان له, ولا إسلام لمن لا يسلم الناس من لسانه ويده, والمتتبع لهذه السلسلة يدرك مدى الإرتباط القوي بين قواعد السلوك الأخلاقي والمعاملات والأداب وبين الإيمان , ولأهمية هذا الأمر تأكد كثيرا في سور القرآن العظيم , ومنها صدر سور لقمان.

الم -1 تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ -2 هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِين - 3 الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ – 4 أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – 5

والكتاب الحكيم الذي تضمن كل هذه التعاليم الربانية , يبين أنها هدى ورحمة للمحسنين , وأهم ما يميزهم أنهم يقيمون الصلاة , قال تعالى: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا – 103 النساء وتفعيل أوقاتها بحيث لا تضيع بحجة وقت العمل... فقد لوحظ إن الذين يضيعون الصلاة هم أول من أضاعوا العمل..

وأوقات الصلاة موزعة توزيعا لا يضر بالعمل بل لتنشيط الإنسان ليتهيأ للعمل. فالأوقات هي البكور للعمل وكسب الرزق وأوقات الراحة ثم أوقات التفاعل مع قضايا الحياة المختلفة.

ونبدأ بصلاة الفجر حيث ينتهي الإنسان من أدائها حوالي الخامسة صباحا , ولو بدأ العمل بعدها لكان هناك ثمان ساعات للعمل المتواصل دون أنقطاع من صلاة مفروضة, وبعد العمل الجاد طيلة ثماني ساعات أو سبع ساعات ( حسب قانون العمل لكل بلد ) نذهب نستريح بصلاة الظهر, ففي الحديث ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال أقم الصلاة , أرحنا بها – المصدر : صحيح الجامع ) .. وبعد صلاة الظهر يكون في العادة تناول وجبة الغداء ثم القيلولة وهي فترة قليلة للنوم يستعيد فيها الإنسان نشاطه ويستعد لصلاة العصر وبعد العصر يقوم الإنسان بنشاطات مختلفة منها التحصيل العلمي بالقراءة , ومنها نشاطات رياضية , ومنها القيام بالزيارات العائلية , ومنها التسوق , ومنها المشاركات في الندوات الثقافية .
وإذا إلتزمنا بذلك لشجعنا الناس على أداء فريضة الفجر في موعدها وشجعنا على النشاط في العمل المبكر حيث البركة وتوفير الطاقة الكهربية حيث نستغل إشراق الصباح ,
وفي حالة العمل الليلي فبعد صلاة العشاء حتى الفجر قرابة ثمان ساعات متواصلة لا يقطعها وقت لصلاة مفروضة .

وهكذا نجد أن مواقيت الصلاة جاءت محكمة وبدقة بحيث بإلتزامها تستقيم أموار الحياة كلها ..وفي ضياعها ضياع عمر الإنسان دون محصلة لنفسه تنفعه في الأخرة . وبماذا يفوز من كسب الدنيا وخسر الأخرة؟ لا شئ..

هذا عن جانب الصلاة , أما عن جانب الزكاة فهي الأمان من الفقر , حيث لا يتهرب منها المؤمن كما يفعل المتهربون من الضرائب, بل يسعى لتقديمها إلى الجهة التي تجمعها ثم تعيد توزيعها على الفقراء والمساكين وبقية المصارف التي ذكرت في الآية 60 من سورة التوبة.
يأخذها الفقير بكل عزة وكرامة فهذا حقه الذي شرعه الله له, و تقوم الدولة بتحديد تلك المعاشات بحيث تتناسب والحد المطلوب للحياة الكريمة , فهل أدركنا قيمة الفرائض في الإسلام . إنها منهاج الحياة كله , مستقيمة مع العقيدة , مستقيمة مع الفطرة , مستقيمة على الطريق إلى الخالق الواحد المدبر الخبير . .

******

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ – 6
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ – 7

. وفي الجانب الآخر فريق من الناس يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم , ويتخذ تلك الآيات هزوا . وهؤلاء يعاجلهم بمؤثر نفسي مخيف مناسب لاستهزائهم بآيات الله: ( أولئك لهم عذاب مهين ).
ولهو الحديث كل كلام يلهي القلب ويأكل الوقت , ولا يثمر خيرا ولا يؤتي حصيلة تليق بوظيفة الإنسان المستخلف في هذه الأرض لعمارتها بالخير والعدل والصلاح .
والنص عام لتصوير نموذج من الناس موجود في كل زمان وفي كل مكان . وكثيرا ما نرى منهم اليوم .
يشتريه بماله ويشتريه بوقته , ويشتريه بحياته . يبذل تلك الأثمان الغالية في لهو رخيص , يفني فيه عمره المحدود , الذي لا يعاد ولا يعود , يشتري هذا اللهو ( ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ) فهو جاهل محجوب , لا يتصرف عن علم , ولا يرمي عن حكمة وهوسيىء النية والغاية , يريد ليضل عن سبيل الله . يضل نفسه ويضل غيره بهذا اللهو الذي ينفق فيه الحياة . وهو سيىء الأدب يتخذ سبيل الله هزوا , ويسخر من المنهج الذي رسمه الله للحياة وللناس .

****

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ – 8 خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – 9

وحيثما ذكر الجزاء في القرآن العظيم ذكر قبله العمل الصالح مع الإيمان . فطبيعة هذه العقيدة تقتضي ألا يظل الإيمان في القلب حقيقة مجردة راكدة معطلة مكنونة ; إنما هو حقيقة حية فاعلة متحركة , ما تكاد تستقر في القلب ويتم تمامها حتى تتحرك لتحقق ذاتها في العمل والحركة والسلوك ; ولتترجم عن طبيعتها بالآثار البارزة في عالم الواقع , المنبئة عما هو كائن منها في عالم الضمير .
وهؤلاء الذين آمنوا وحققوا إيمانهم بالعمل الصالح ( لهم جنات النعيم خالدين فيها ) لهم هذه الجنات وهذا الخلود تحقيقا لوعد الله الحق . ( وعد الله حقا ) فقد بلغ من فضل الخالق على العباد أن يوجب على نفسه الإحسان إليهم جزاء إحسانهم لأنفسهم فهو الغني عن الجميع .
( وهو العزيز الحكيم ). . القادر على تحقيق وعده , الحكيم في الخلق والوعد والتحقيق .

********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
17-07-2010, 09:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الحادي والعشرون
( 6 )
وبعض أيات من سورة لقمان


وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ -12

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ -13

وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ -14

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ -15

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ -16

يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ -17

وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ -18

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ -19

إن سلوك أي إنسان هو انعكاس لما تلقاه من تربية في البيت والمدرسة والبيئة المحيطة به ,
ومن هنا نلاحظ أهمية دور الأب في النصيحة لأولاده , حيث أنها نصيحة خالصة لوجه الله تعالى , مبرأة من كل شبهة .

وتوصية الولد بالوالدين تتكرر في القرآن الكريم , وفي وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلا . ومعظمها في حالة الوأد - وهي حالة خاصة في ظروف خاصة .
فالفطرة مدفوعة إلى رعاية الجيل الناشىء لضمان امتداد الحياة , كما يريدها الله ; وإن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال , في غير تأفف ولا شكوى ; بل في غير انتباه ولا شعور بما يبذلان.... بل في نشاط وفرح وسرور كأنهما هما اللذان يأخذان .
فأما الوليد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت إلى الجيل المضحي المدبر المولي الذاهب في أدبار الحياة , بعدما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة .
وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوض الوالدين بعض ما بذلاه , ولو وقف عمره عليهما . وهذه الصورة الموحية: ( حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين ) والأم بطبيعة الحال تحتمل النصيب الأوفر ; وتجود به في انعطاف أشد وأعمق وأحنى وأرفق . .
روى الحافظ أبو بكر البزار في مسنده - بإسناده - عن بريد عن أبيه أن رجلا كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها , فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها ? قال:" لا . ولا بزفرة واحدة " . هكذا . . ولا بزفرة . . في حمل أو في وضع , وهي تحمله وهنا على وهن .

فيجب على الإنسان أن يتوجه إلى شكر الله المنعم الأول , وشكر الوالدين المنعمين التاليين ; ويربط بهذه الحقيقة حقيقة الآخرة: ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )

ولكن رابطة الوالدين بالوليد - على كل هذا الانعطاف وكل هذه الكرامة - إنما تأتي في ترتيبها بعد رابطة العقيدة .
فبقية الوصية للإنسان في علاقته بوالديه: ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ). . فإلى هنا ويسقط واجب الطاعة , وتعلو رابطة العقيدة على كل رابطة .
ولكن الاختلاف في العقيدة , لا يسقط حق الوالدين في المعاملة الطيبة والصحبة الكريمة: ( وصاحبهما في الدنيا معروفا ) فهي رحلة قصيرة على الأرض لا تؤثر في الحقيقة الأصيلة.
( واتبع سبيل من أناب إلي ) من المؤمنين ( ثم إلي مرجعكم ) بعد رحلة الأرض المحدودة ( فأنبئكم بما كنتم تعملون ) ...

( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر , واصبر على ما أصابك . إن ذلك من عزم الأمور ). .
وهذا هو طريق العقيدة المرسوم . . توحيد لله ودوام الصله به بإقامة الصلاة, وشعور برقابته , وتطلع إلى ما عنده , وثقة في عدله , وخشية من عقابه . ثم انتقال إلى دعوة الناس وإصلاح حالهم , وأمرهم بالمعروف , ونهيهم عن المنكر .
( واصبر على ما أصابك . إن ذلك من عزم الأمور ). . وعزم الأمور هو عدم التردد بعد العزم والتصميم على التزام طريق الخير .
( ولا تصعر خدك للناس , ولا تمش في الأرض مرحا . إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك , واغضض من صوتك . إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) .

والصعر داء يصيب الإبل فيلوي أعناقها . والأسلوب القرآني يختار هذا التعبير للتنفير من الحركة المشابهة لهذا المرض . حركة الكبر والازورار , وإمالة الخد للناس في تعال واستكبار .. فهذا مرض خطير.
والمشي في الأرض مرحا هو المشي في تخايل ونفخة وقلة مبالاة بالناس . وهي حركة كريهة يمقتها الله ويمقتها الخلق . وهي تعبير عن شعور مريض بالذات , يتنفس في مشية الخيلاء . ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) .
( واغضض من صوتك ) والغض من الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته . وما يزعق أو يغلظ في الخطاب إلا سيء الأدب , أو شاك في قيمة قوله , أو قيمة شخصه ; يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة .

نلاحظ هنا قيمة التربية في تشكيل الأجيال القوية بالآداب والأخلاق فهم عنوان لما يؤمنون به من مبادئ وقيم.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-07-2010, 12:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الحادي والعشرون
( 7 )
وبعض أيات من سورة السجدة


أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ – 18 أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – 19 وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ – 20 وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ – 21 .

وما يستوي المؤمنون والفاسقون في طبيعة ولا شعور ولا سلوك , حتى يستووا في الجزاء في الدنيا وفي الآخرة سواء . قال تعالى في سورة البقرة أية 99 ( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ )

وفي اللغة : فسق فلان: خرج عن حجر الشرع، وذلك من قوله: فسق الرطب، إذا خرج عن قشره (وهذا قول الفراء. انظر تفسير الرازي 2/147)، وهو أعم من الكفر.
والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به، ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه،
وإذا قيل للكافر الأصلي: فاسق، فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة، قال الله تعالى: ( ففسق عن أمر ربه ) الكهف/ 50 ... وقال الله تعالى : (ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور/55

والمؤمنون مستقيمو الفطرة متجهون إلى الله , عاملون على منهاجه القويم . والفاسقون منحرفون شاردون مفسدون في الأرض لا يستقيمون على الطريق الواصل المتفق مع نهج الله للحياة , وقانونه الأصيل .

أولا - فالمؤمن واسع الأفق لأنه يؤمن بالله خالق السماوات والأرض
رب العالمين , فهو لا يستغرب شيئا بعد هذا الإيمان .
بينما الفاسق ضيق الأفق فلا ينظر إلا للمادة ولا يتصور حياة في الأخرة , لا يرى إلا العدم .
ثانيا - المؤمن عزيز النفس فهو يعلم أنه لا ضار ولا نافع إلا هو سبحانه,
بينما المشرك والملحد والكافر يطأطئ رأسه لمخلوق مثله .
ثالثا - المؤمن مع عزة نفسه متواضع لأنه يعلم أن الكبرياء لله تعالى وحده ,بينما ترى الفاسق متكبر بغير الحق .
رابعا - المؤمن حريص على تزكية نفسه بالصالحات لأنه يعلم أن الإيمان
ليس بالتمني ولكن بالعمل الصالح , فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
بينما الفاسق يمني نفسه بالأماني الكاذبة .
خامسا - المؤمن لا يتسرب الى قلبه اليأس فهو يعلم أن الله له ملك السماوات والأرض , فهو يبذل الجهد متوكلا على الله الواحد الذي بيده خزائن السموات والأرض .
بينما الفاسق سرعان مايتسرب اليأس إلي قلبه فتتحطم نفسيته وقد يقدم على الإنتحار .
سادسا - المؤمن ثابت العزم قوي الإرادة ليقينه بأنه يعتمد على مالك الملك, وليس للفاسق هذا اليقين .
سابعا - المؤمن لا يلوث نفسه بالطمع والدناءة وقبيح الأعمال ,
لأنه يعلم أن الأمر كله لله يرزق من يشاء بغير حساب .
بينما الفاسق عن الدين لا يعبأ من أي مصدر يحصل على المال .
ثامنا - المؤمن يسير حياته وفق شريعة الله التي تحدد له الحلال والحرام
فهو أمن في الدنيا والأخرة بإذن الله تعالى .
بينما الفاسق منفلت لشهواته ورغباته لا يخاف إلا من الشرطي.

فلا عجب إذن أن يختلف طريق المؤمنين والفاسقين في الآخرة , وأن يلقى كل منهما الجزاء الذي يناسب رصيده وما قدمت يداه .
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى - التي تؤويهم وتضمهم ( نزلا ) ينزلون فيه ويثوون , جزاء ( بما كانوا يعملون ). .
( وأما الذين فسقوا فمأواهم النار ). . يصيرون إليها ويأوون ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ) وهو مشهد فيه حركة المحاولة للفرار والدفع للنار . ( وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ). فهو التقريع زيادة على الدفع والتعذيب .
ذلك مصير الفاسقين في الآخرة . وليسوا مع هذا متروكين إلى ذلك الموعد . فالله يتوعدهم بالعذاب في هذه الدنيا قبل عذاب الآخرة: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر). .
وهنا تتجلى صفات الرحمة على العالمين حيث أن مظاهر العذاب التي تقع على الفاسقين في الدنيا قد تذكرهم بخالقهم ويعودوا إلى الطريق المستقيم ( لعلهم يرجعون ). . وتستيقظ فطرتهم , ويردهم ألم العذاب إلى الصواب . ولو فعلوا لما صاروا إلى مصير الفاسقين الذين رأيناه في مشهدهم الأليم في الأخرة .
فأما إذا ذكروا بآيات ربهم فأعرضوا عنها وجاءهم العذاب الأدنى فلم يرجعوا ولم يعتبروا فإنهم إذن ظالمون ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ?) وإنهم إذن يستحقون الانتقام في الدنيا والآخرة: ( إنا من المجرمين منتقمون ) . . فالأنتقام والتهديد من الجبار المتكبر فهو الذي يتوعد هؤلاء الضعاف المساكين بالانتقام .


إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ - 15
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ – 16
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – 17

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
22-07-2010, 02:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الحادي والعشرون
( 8 )
وبعض أيات من سورة الأحزاب


مازلنا مع مبادئ المعاملات والأداب والتي جسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)

******

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2)
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)

فتقوى الله والشعور برقابته واستشعار جلاله هو الأساس لجميع المبادئ , وهو الحارس القائم في أعماق الضمير على التشريع والتنفيذ للمعاملات والأداب والأخلاق .
ثم النهي عن طاعة الكافرين والمنافقين , واتباع توجيههم أو اقتراحهم , والاستماع إلى رأيهم أو تحريضهم: ( ولا تطع الكافرين والمنافقين ). فليس عند الكافرين والمنافقين ما يصلح لأمر العقيدة وليس عندهم إلا الفساد لإمور الدنيا والأخرة .
( واتبع ما يوحى إليك من ربك ). فهذه هي الجهة التي تأتي منها التوجيهات , وهذا هو المصدر الحقيق بالاتباع . رسالة الله تعالى التي تحمل الرحمة للعالمين.. ثم يبقى ذلك النهي قائما في كل بيئة وكل زمان , يحذر المؤمنين أن يتبعوا آراء الكافرين والمنافقين إطلاقا , وفي أمر العقيدة وأمر التشريع وأمر التنظيم الاجتماعي بصفة خاصة . ليبقى منهجهم خالصا لله , غير مشوب بتوجيه من سواه .

******

مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)

إنه قلب واحد , فلا بد له من منهج واحد يسير عليه . ولا بد له من تصور كلي واحد للحياة وللوجود يستمد منه . ولا بد له من ميزان واحد يزن به القيم , ويقوم به الأحداث والأشياء . وإلا تمزق وتفرق ونافق والتوى , ولم يستقم على اتجاه .
ولا يملك الإنسان أن يستمد آدابه وأخلاقه من معين ; ويستمد شرائعه وقوانينه من معين آخر ; ويستمد أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية من معين ثالث ; ويستمد فنونه وتصوراته من معين رابع . . فهذا الخليط لا يكون إنسانا سويا له قلب . إنما يكون شخوصا ليس لهم هوية واضحة يرفعون بها رؤسهم أما العالم.
وصاحب العقيدة لا يملك أن تكون له عقيدة حقا , ثم يتجرد من مقتضياتها وقيمها الخاصة في موقف واحد من مواقف حياته كلها , صغيرا كان هذا الموقف أم كبيرا . لا يملك أن يقول كلمة , أو يتحرك حركة , أو ينوي نية . أو يتصور تصورا , غير محكوم في هذا كله بعقيدته - إن كانت هذه العقيدة حقيقة واقعة في كيانه - لأن الله لم يجعل له سوى قلب واحد , يخضع لناموس واحد , ويستمد من تصور واحد , ويزن بميزان واحد .

وبعد هذا البيان في تعيين المنهج والطريق يأخذ في إبطال "عادة الظهار وعادة التبني" . ليقيم المجتمع على أساس الأسرة الواضح السليم المستقيم:

( وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ )

كان الرجل في الجاهلية يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي . أي حرام محرمة كما تحرم علي أمي . ومن حينها يحرم عليه معاشرتها كزوجة ; ثم تبقى معلقة , لا هي مطلقة فتتزوج غيره , ولا هي زوجة فتحل له . وكان في هذا من القسوة ما فيه , وكان طرفا من سوء معاملة المرأة في الجاهلية والاستبداد بها .
فإن قولة باللسان لا تغير الحقيقة الواقعة , وهي أن الأم أم , والزوجة زوجة ; ولا تتحول طبيعة العلاقة بكلمة ... ومن ثم لم يعد الظهار تحريما أبديا كتحريم الأم كما كان في الجاهلية .

( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ )

وكان هناك أبناء لهم آباء معروفون . ولكن كان الرجل يعجب بأحد هؤلاء فيأخذه لنفسه , ويتبناه , ويلحقه بنسبه , فيعرف بين الناس باسم الرجل الذي تبناه , ويدخل في أسرته . وكان هذا يقع بخاصة في السبي , حين يؤخذ الأطفال والفتيان في الحروب والغارات ; فمن شاء أن يلحق بنسبه واحدا من هؤلاء دعاه ابنه , وأطلق عليه اسمه , وعرف به , وصارت له حقوق البنوة وواجباتها .
ومن هؤلاء زيد بن حارثة الكلبي . وهو من قبيلة عربية . سبي صغيرا في غارة أيام الجاهلية ; فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة - رضي الله عنها - فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهبته له .
ثم طلبه أبوه وعمه فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم - فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأعتقه , وتبناه , وكانوا يقولون عنه : زيد بن محمد . وكان أول من آمن به من الموالي .

فلما شرع الإسلام ينظم علاقات الأسرة على الأساس الطبيعي لها , ويحكم روابطها , ويجعلها صريحة لا خلط فيها ولا تشويه . . أبطل عادة التبني هذه وكل ما ترتب عليها في الجاهلية من عدم زواج مطلقة الأبن المتبنى وغيرها . ورد علاقة النسب إلى أسبابها الحقيقية . . علاقات الدم والأبوة والبنوة الواقعية . وقال: ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ). . ( ذلكم قولكم بأفواهكم ). . والكلام لا يغير واقعا , ولا ينشئ علاقة غير علاقة الدم.

( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل )

*******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
24-07-2010, 05:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثاني والعشرون
( 1 )
وبعض أيات من سورة الأحزاب

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا - 35

إن الإنسان ليقرآ النص القرآني مئات المرات ; ثم يقف الموقف , أو يواجه الحادث , فإذا النص القرآني جديد , يوحي إليه بما لم يوح من قبل قط , ويجيب على السؤال الحائر , ويفتي في المشكلة المعقدة , ويكشف الطريق الخافي , ويرسم الاتجاه الصحيح لقلب المؤمن حيث اليقين الجازم في الأمر الذي يواجهه , وإلى الاطمئنان العميق .
وليس ذلك لغير القرآن في قديم ولا حديث .

ونلاحظ اليوم إتهامات لنا- ممن يجهلون الإسلام – بعدم المساواة والظلم للمرأة والقهر وتنحيتها في كثير من جوانب الحياة , ثم يلحون على نزع حجابها لأنه نوع من أنواع التسلط والقهر ضد المرأة ...!

وحين نقرأ في رسالة الله ( القرآن العظيم ) نجد إجابات عن كل هذه الأسئلة وغيرها وكأنه ينزل علينا هذه الأيام .
إن خطاب التكليف في الإسلام كان لعموم الإنسان سواء ذكر أو أنثى إلا في بعض الأيات التي إختصت النساء في الأمور الخاصة بهن مثل الرضاع والحجاب وغيرها.
قال تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ - 233 البقرة
ففي الآية السابقة إشتمال على أحكام خاصة للنساء وأحكام خاصة للرجال , وذلك لإختلاف طبيعة دور كل من الرجل والمرأة في الحياة , أما فيما يتعلق بالأحكام المشتركة بين الرجل والمرأة فهي كثيرة ومنها آية الأحزاب التي معنا.

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا - 35

قال السعدي في تفسيرة
ولما كان حكمهن والرجال واحدًا، جعل الحكم مشتركًا، فقال: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ﴾ وهذا في الشرائع الظاهرة، إذا كانوا قائمين بها. ﴿ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ وهذا في الأمور الباطنة، من عقائد القلب وأعماله.
﴿ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ﴾ أي: المطيعين للّه ولرسوله ﴿ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ﴾ في مقالهم وفعالهم ﴿ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ﴾ على الشدائد والمصائب ﴿ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ ﴾ في جميع أحوالهم،خصوصًا في عباداتهم، خصوصًا في صلواتهم، ﴿ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ﴾ فرضًا ونفلاً ﴿ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ ﴾ شمل ذلك، الفرض والنفل. ﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ﴾ عن الزنا ومقدماته، . ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ﴾ أي: في أكثر الأوقات، خصوصًا أوقات الأوراد المقيدة، كالصباح والمساء، وأدبار الصلوات المكتوبات .
﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً ﴾ أي: لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي، ما بين اعتقادات، وأعمال قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع متعد وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشر، الذي من قام بهن، فقد قام بالدين كله، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان.
فجازاهم على عملهم ﴿ ْمَغْفِرَةً ﴾ لذنوبهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات. ﴿ وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل اللّه أن يجعلنا منهم.

******

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا - 36
أي: لا ينبغي ولا يليق، ممن اتصف بالإيمان، إلا الإسراع في مرضاة اللّه ورسوله، والهرب من سخط اللّه ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة ﴿ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ﴾ من الأمور، وحتَّما به وألزما به ﴿ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ أي: الخيار، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة، أن الرسول أولى به من نفسه، فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجابًا بينه وبين أمر اللّه ورسوله.
﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا ﴾ أي: بَيِّنًا، لأنه ترك الصراط المستقيم الموصلة إلى كرامة اللّه، إلى غيرها، من الطرق الموصلة للعذاب الأليم، فذكر أولاً السبب الموجب لعدم معارضته أمر اللّه ورسوله، وهو الإيمان، ثم ذكر المانع من ذلك، وهو التخويف بالضلال، الدال على العقوبة والنكال.
******
نلاحظ مما سبق تساوي كل من الرجل والمرأة بالأحكام التي تقربنا من الله تعالى ..
فأين التفرقة التي يزعمها أعداء الإسلام ؟
****
أما عن حجاب المرأة لم يكن في يوم لتسلط الرجال بل كان عن عقيدة واقتناع إستجابة لأوامر الله تعالى .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا - 59
هذه الآية، التي تسمى آية الحجاب، أمر اللّه نبيه، أن يأمر النساء عمومًا، ويبدأ بزوجاته وبناته، لأنهن آكد من غيرهن، ولأن الآمر لغيره ينبغي أن يبدأ بأهله، قبل غيرهم كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ -6 التحريم
أن ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ﴾ وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه، أي: يغطين بها، وجوههن وصدورهن.
ثم ذكر حكمة ذلك، فقال: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ﴾ دل على وجود أذية، إن لم يحتجبن، وذلك، لأنهن إذا لم يحتجبن، ربما ظن أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن من في قلبه مرض، فيؤذيهن، فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن.
﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ حيث غفر لكم ما سلف، ورحمكم، بأن بين لكم الأحكام، وأوضح الحلال والحرام، فهذا سد للباب من جهتهن.
فإن الأمر بالحجاب ليس تسلط من الرجال كما يزعم الجاهلون ولكنه أمر من الله تعالى للمؤمنات حفاظا عليهن من الأعين المريضة , والمؤمنة تلبس حجابها بكل حرية بل تتحدى بذلك من يريدون لها التعري بدعوى الحرية .

فالحرية الحقيقية هي الإلتزام بمبادئ الشريعة في المعاملات والأخلاق والأداب .

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-07-2010, 10:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثاني والعشرون
( 2 )
وبعض أيات من سورة سبأ

مازلنا مع مبادئ المعاملات والأداب والأخلاق في الإسلام والتي تتناسق مع الكون من حولنا , فهي الطريق المستقيم وصراط العزيز الحميد والمنهج الذي أراده الله تعالى للوجود ; واختاره للبشر ,
وكل من وهبه الله العلم يدرك تلك الحقيقة .

وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ – 6

وقد ورد أن المقصود بالذين أوتوا العلم هم أهل الكتاب , الذين يعلمون من كتابهم أن هذا القرآن هو الحق , وأنه يقود إلى صراط العزيز الحميد .

فالقاعدة المعروفة في القانون أن التشريع الجديد يلغي العمل بالتشريعات القديمة , وبهذا المنطق تسير كل قوانين الأرض .

فالقرآن العظيم هو الكتاب الأخير المنزل من عند الله تعالى, فوجب العمل به كأخر تشريعات الله تعالى لأهل الأرض , وخاصة أنه تفرد على سائر الكتب بأنه معجز في بيانه ومعجز في آياته ومعجز في موضوعاته .

جاء في الحديث: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ستكون فتنة . قلت : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم, و خبر ما بعدكم, و حكم ما بينكم,
هو بالفصل ليس بالهزل,
من تركه من جبار قصمه الله, و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم,
وهو الصراط المستقيم,
وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, و لا تلتبس به الألسن, و لا يخلق على كثرة الرد, و لا تنقضي عجائبه,
من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم
الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: ابن تيمية - المصدر: حقوق آل البيت - الصفحة أو الرقم: 22
خلاصة الدرجة: مشهور

ومجال الآية أكبر وأشمل . فالذين أوتوا العلم في أي زمان وفي أي مكان , من أي جيل ومن أي قبيل , يرون هذا متى صح علمهم واستقام .
والقرآن كتاب مفتوح للأجيال . وفيه من الحق ما يكشف عن نفسه لكل ذي علم صحيح . وهو يكشف عن الحق المستكن في كيان هذا الوجود كله . وهو أصدق ترجمة وصفية لهذا الوجود وما فيه من حق أصيل .

( ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ) .

وصراط العزيز الحميد هو المنهج الذي أراده للوجود ; واختاره للبشر لينسق خطاهم مع خطى هذا الكون الذي يعيشون فيه . وهو الناموس الذي يهيمن على أقدار هذا الكون كله , بما فيه من الحياة البشرية التي لا تنفصل في أصلها ونشأتها , ولا في نظامها وحركتها عن هذا الكون وما فيه ومن فيه .
يهدي إلى صراط العزيز الحميد بما ينشئه في إدراك المؤمن من تصور للوجود وروابطه وعلاقاته وقيمه ; ومكان هذا الإنسان منه , ودوره فيه ; وتعاون أجزاء هذا الكون من حوله - وهو معها - في تحقيق مشيئة الله وحكمته في خلقه ; وتناسق حركات الجميع وتوافقها في الاتجاه إلى باريء الوجود .
ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بتصحيح منهج التفكير , وإقامته على أسس سليمة , متفقة مع السنن الكونية على الفطرة البشرية ; بحيث يؤدي هذا المنهج بالفكر البشري إلى إدراك طبيعة هذا الكون وخواصه وقوانينه , والاستعانة بها , والتجاوب معها بلا عداء ولا اصطدام ولا تعويق .
ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بمنهجه التربوي الذي يعد الفرد للتجاوب والتناسق مع المجتمع البشري . ويعد المجتمع البشري للتجاوب والتناسق - أفراداً وجماعات - مع مجموعة الخلائق التي تعمر هذا الكون ! ويعد هذه الخلائق كلها للتجاوب والتناسق مع طبيعة الكون الذي تعيش فيه . . كل ذلك في بساطة ويسر ولين .

ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بما فيه من نظم وتشريعات مستقيمة مع فطرة الإنسان وظروف حياته ومعاشه الأصيلة , متناسقة مع القوانين الكلية التي تحكم بقية الأحياء , وسائر الخلائق ; فلا يشذ عنها الإنسان بنظمه وتشريعاته . وهو أمة من هذه الأمم في نطاق هذا الكون الكبير .
إن هذا الكتاب هو الدليل إلى هذا الصراط . الدليل الذي وضعه خالق الإنسان وخالق الصراط , العارف بطبيعة هذا وذاك .
قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك

( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ )

قال تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ -121 البقرة

طالعتنا الجزيرة نت السبت 15/6/1431 هـ - الموافق 29/5/2010 م

آلاف البريطانيات يعتنقن الإسلام
– المصدر – تايمز

قالت ذي تايمز إن آلاف الشابات البريطانيات اللاتي يعشن في المملكة المتحدة قررن اعتناق الدين الإسلامي، وذلك في خضم الجدل الدائر الآن في أوروبا حول حظر ارتداء البرقع.
وأضافت الصحيفة التي تصدر من لندن، في تقرير لها اليوم السبت، أن أعداد المهتديات إلى الإسلام في ازدياد، في وقت تقل فيه نسبة الذين يؤدون الصلوات كل أسبوع في كنيسة إنجلترا عن 2% من السكان.
وتشكل النسوة اللاتي يؤدين الصلاة بمسجد لندن المركزي في حي ريجنتس بارك نحو ثلثي المسلمين الجدد تقريباً ممن نطقوا بالشهادتين, أعمار معظمهن تقل عن ثلاثين عاما.
وتشير الإحصائيات التي تتناول أعداد من بدَّلوا دينهم، كما ورد في التعداد السكاني لعام 2001 بالمملكة المتحدة, إلى أن ما لا يقل عن ثلاثين ألف بريطاني اعتنقوا الإسلام.
ويرى كفين برايس، من مركز دراسات سياسة الهجرة بجامعة سوانسي، أن هذا العدد ربما يقارب الآن خمسين ألف شخص أغلبهم من النساء.
وتؤكد التحليلات الأساسية لتلك البيانات أن أعداد الفتيات المتعلمات تعليما جامعيا، واللاتي تتراوح أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات، هن أكثر اعتناقا للإسلام.

********

فلا يوجد على ظهر الأرض كتاب كالقرآن بالإسلوب الإلهي .
حيث إشتماله كافة جوانب الحياة . بدءا بعقيدة التوحيد , وأسماء و صفات الجلال لله تعالى.
وشريعة متكاملة صالحة لكل زمان ومكان , متكاملة بهذا المستوى الراقي تحقق العدل والأمان في المجتمعات الإنسانية.
وجاء القرآن بدستور للأخلاق رفيع المستوى شهد له العالم, فدخلوا في دين الله أفواجا بسبب تلك الأخلاق.
كما جاء بأخبار الأمم السابقة التي لايعرفها إلا متخصصون في علوم التاريخ ,
واشتمل على أخبار الدار الأخرة , وبيان بدء الخلق . حيث لا يستطيع عقل بشري أن يخوض في ذلك الأمر.
وبه إشارات لعلوم تم إكتشافها حديثا , ومازال عطاء القرآن متجدد في هذا المجال .
ومع كل ذلك فالقرآن معجز في بيانه ونظمه وترتيب آياته .
وقد أعجز العرب والعجم أن يأتوا بمثله .
قال تعالى :
قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا – 88 الإسراء

*******

وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ – 6

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-07-2010, 11:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثاني والعشرون
( 3 )
وبعض أيات من سورة سبأ

نعيش اليوم مع نماذج حية لبعض مبادئ الإسلام الخالدة

1 - العمل الجاد والمتقن . 2 - المفهوم الحقيقي للشكر , 3 - عاقبة جحود النعمة ؟


العمل الجاد والمتقن


وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ -10
أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ –11
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ -12 يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ
اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ – 13
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ – 14


ولقد آتينا داود نبوة, وكتابًا وعلمًا, وقلنا للجبال والطير: سبِّحي معه, وألنَّا له الحديد, فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء
وياخذنا الحديث هنا عن أهمية صناعة الوسائل الدفاعية للجنود والأفراد لإتقاء إعتداءات وأسلحة المحتل الغاصب . قال تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ – 80 الأنبياء
والسابغات الدروع . روي أنها كانت تعمل قبل داود - عليه السلام - صفائح . الدرع صفيحة واحدة فكانت تصلب الجسم وتثقله . فألهم الله داود أن يصنعها رقائق متداخلة متموجة لينة يسهل تشكيلها وتحريكها بحركة الجسم ; وأمر بتضييق تداخل هذه الرقائق لتكون محكمة لا تنفذ منها الرماح . وهو التقدير في السرد . وكان الأمر كله إلهاماً وتعليماً من الله .
واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير. .
لا في الدروع وحدها بل في كل ما تعملون ; مراقبين الله الذي يبصر ما تعملون ويجازي عليه , فلا يفلت منه شيء , والله به بصير . .
والقطر النحاس . وسياق الآيات يشير إلى أن هذا كان معجزة خارقة كإلانة الحديد لداود . وقد يكون ذلك بأن فجر الله له عيناً بركانية من النحاس المذاب من الأرض . أو بأن ألهمه الله إذابة النحاس حتى يسيل ويصبح قابلاً للصب والطرق . وهو فضل من الله كبير.

ونتعلم من ذلك قيمة العمل والدقة في التصنيع الذي يرقى بالشعوب والأمم.

*******

أما سليمان , فقد سخر الله له الجن يعملون له مايشاء , وسخر له الريح , وأتاه الله الملك, وظل سليمان يعمل ويراقب ملكه حتى توفاه الله جالسا على كرسيه متكئا على عصاه .
فلم يزل الشياطين يعملون لسليمان, عليه الصلاة والسلام, كل بناء ، وكانوا قد موهوا على الإنس, وأخبروهم أنهم يعلمون الغيب , ويطلعون على المكنونات ، فأراد اللّه تعالى أن يُرِيَ العباد كذبهم في هذه الدعوى , فمكثوا يعملون على عملهم، وقضى اللّه الموت على سليمان عليه السلام, واتَّكأ على عصاه, وهي المنسأة، فصاروا إذا مروا به وهو متكئ عليها, ظنوه حيا, وهابوه.
فغدوا على عملهم كذلك سنة كاملة على ما قيل, حتى سلطت دابة الأرض على عصاه, فلم تزل ترعاها, حتى باد وسقط فسقط سليمان عليه السلام وتفرقت الشياطين وتبينت الإنس أن الجن ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ وهو العمل الشاق عليهم، فلو علموا الغيب, لعلموا موت سليمان, الذي هم أحرص شيء عليه, ليسلموا مما هم فيه.
هم الجن الذين يعبدهم بعض الناس فهؤلاء هؤلاء هم سخرة لعبد من عباد الله .
وهؤلاء هم محجوبون عن الغيب القريب ; وبعض الناس يطلب عندهم أسرار الغيب البعيد .

******
المفهوم الحقيقي للشكر

والشكر: اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى, وتلقيها افتقارا إليها, وصرفها في طاعة اللّه تعالى, وصونها عن صرفها في المعصية.

اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ

والمعنى الحقيقي للشكر أنه عمل وليس قول بالسان فقط... بل هو الزيادة والعطاء والفيض مما أعطاك الله ,
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ – 7 إبراهيم
الشكر: تصور النعمة وإظهارها, ويضاده الكفر، وهو: نسيان النعمة، وسترها،
ودابة شكور: مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها،
وقيل: أصله من عين شكرى، أي: ممتلئة، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه.

والشكر ثلاثة أضرب:

أولا : شكر القلب، وهو تصور النعمة.
ثانيا : وشكر اللسان، وهو الثناء على المنعم.
ثالثا : وشكر سائر الجوارح، بفيض ما أنعم الله به عليك على العباد , فإن جاد عليك بالقوة فعليك مساعدة الضعفاء وأن جاد عليك بالغنى فعليك مساعدة الفقراء وإن جاد عليك بالعلم فعليك تعليمه للناس وهكذا في كل أمور الحياة التي أفاض الله عليك منها بنعمه الكثيرة.
وقال: اعملوا ولم يقل اشكروا؛ لينبه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح.
وإذا وصف الله تعالى بالشكر في قوله ( والله شكور حليم ) – 17 التغابن
فإنما يعني به إنعامه على عباده، وجزاؤه بما أقاموا من العبادة .
والشكير: نبت في أصل الشجرة غض، وقد شكرت الشجرة: كثر غصنها.
. ومعنى الشكر لله أي العطاء يكون خالصا لوجه الله , وليس رياء.

******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
27-07-2010, 04:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثاني والعشرون
( 4 )
وبعض أيات من سورة سبأ

عشنا في اللقاء السابق مع العمل الجاد والمتقن والمفهوم الحقيقي للشكر, واليوم إن شاء الله تعالي نتناول عاقبة جحود النعمة وعدم الشكر .
في صورة مجسدة لدولة سبأ .

مبدأ الصبر والشكر


لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ -15

فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ - 16 ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ - 17

وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّاماً آمِنِينَ - 18

َقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ - 19


وتبدأ القصة بوصف ما كانوا فيه من رزق ورغد ونعيم، وما طاب إليهم من شكر المنعم بقدر ما يطيقون:

( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال. كلوا من رزق ربكم واشكروا له. بلدة طيبة ورب غفور )..

وسبأ اسم لقوم كانوا يسكنون جنوبي اليمن؛ وكانوا في أرض مخصبة ما تزال منها بقية إلى اليوم.
وقد ارتقوا في سلم الحضارة حتى تحكموا في مياه الأمطار الغزيرة التي تأتيهم من الجنوب والشرق، فأقاموا خزاناً طبيعياً يتألف جانباه من جبلين، وجعلوا على فم الوادي بينهما سداً به عيون تفتح وتغلق، وخزنوا الماء بكميات عظيمة وراء السد، وتحكموا فيها وفق حاجتهم. فكان لهم من هذا مورد مائي عظيم. وقد عرف باسم " سد مأرب ".

وهذه الجنان عن اليمين والشمال رمز لذلك الخصب والوفرة والرخاء والمتاع الجميل، ومن ثم كانت آية تذكر بالمنعم الوهاب. وقد أمروا أن يستمتعوا برزق الله شاكرين:

( كلوا من رزق ربكم واشكروا له )...

وذكروا بالنعمة. نعمة البلد الطيب وفوقها نعمة الغفران على القصور من الشكر والتجاوز عن السيئات.

( بلدة طيبة ورب غفور )

سماحة في الأرض بالنعمة والرخاء. وسماحة في السماء بالعفو والغفران. فماذا يقعدهم عن الحمد والشكران؟. ولكنهم لم يشكروا ولم يذكروا .
والشكر كما تبين لنا في اللقاء السابق هو الفيض والعطاء من نعم الله الوهاب .
والبشر علي الأرض منهم الأغنياء ومنهم الفقراء , فالأغنياء في إختبار, كيف ينفقون أموالهم وهو الشكر على النعم ؟ والفقراء في إختبار كيف يصبرون وكيف يصيرون حياتهم وفق واقعهم .
ولو تأملت المجتمعات الغنية قليلا لأدركت أنه كان من الممكن أن يكونوا هم الفقراء وغيرهم هم الأغنياء . ولكنه قدر الله تعالى , ليحدث التعاون بين البشر , ويحدث التكامل من حيث العمالة , والتجارة والحركة بين الشعوب .
فمن صالح الدول الغنية مساعدة الدول الفقيرة في النهوض من فقرهم لكي يشكلوا ذلك التعاون وتبادل المصالح فيما بينهم , أما إذا بخل الأغنياء بما لديهم من نعم الله تعالى سواء النعم المادية من غذاء ودواء وملابس وغيرها أو التقنيات الحديثة لينهضوا بمجتمعاتهم من حيث الصناعة والزراعة ولا يكونوا عبئا على غيرهم. فإن عاقبة الكفر بالنعمة تكون وخيمة عليهم حيث منعوا نعمة الله عن عباد الله .

( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل: خمط وأثل وشيء من سدر قليل )..


أعرضوا عن شكر الله، وعن العمل الصالح، والتصرف الحميد فيما أنعم الله عليهم، فسلبهم سبب هذا الرخاء الجميل الذي يعيشون فيه؛ وأرسل السيل الجارف الذي يحمل العرم في طريقه وهي الحجارة لشدة تدفقه، فحطم السد وانساحت المياه فطغت وأغرقت؛ ثم لم يعد الماء يخزن بعد ذلك فجفت واحترقت. وتبدلت تلك الجنان الفيح صحراء تتناثر فيها الأشجار البرية الخشنة:

( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل: خمط وأثل وشيء من سدر قليل )..

والخمط شجر الأراك أو كل شجر ذي شوك. والأثل شجر يشبه الطرفاء. والسدر النبق. وهو أجود ما صار لهم ولم يعد لهم منه إلا قليل.

( ذلك جزيناهم بما كفروا )..

والأرجح أنه كفران النعمة..

( وهل نجازي إلا الكفور )..

وكانوا إلى هذا الوقت ما يزالون في قراهم وبيوتهم. ضيق الله عليهم في الرزق، وبدلهم من الرفاهية والنعماء خشونة وشدة؛ ولكنه لم يمزقهم ولم يفرقهم.
وكان العمران ما يزال متصلاً بينهم وبين القرى المباركة: مكة في الجزيرة، وبيت المقدس في الشام. فقد كانت اليمن ما تزال عامرة في شمال بلاد سبأ ومتصلة بالقرى المباركة. والطريق بينهما عامر مطروق مسلوك مأمون:

( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدّرنا فيها السير. سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين )..

وقيل كان المسافر يخرج من قرية فيدخل الأخرى قبل دخول الظلام. فكان السفر فيها محدود المسافات، مأموناً على المسافرين. كما كانت الراحة موفورة لتقارب المنازل وتقارب المحطات في الطريق.

وغلبت الشقوة على سبأ، فلم ينفعهم النذير الأول؛ ولم يوجههم إلى التضرع إلى الله، لعله يرد عليهم ما ذهب من الرخاء. بل دعوا دعوة الحمق والجهل:

( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا )..

تطلبوا الأسفار البعيدة المدى؛ التي لا تقع إلا مرات متباعدة على مدار العام. لا تلك السفرات القصيرة المتداخلة المنازل، التي لا تشبع لذة الرحلات! وكان هذا من بطر القلب وظلم النفس:

( وظلموا أنفسهم )..

واستجيبت دعوتهم، ولكن كما ينبغي أن تستجاب دعوة البطر:

( فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق )..

شردوا ومزقوا؛ وتفرقوا في أنحاء الجزيرة مبددي الشمل؛ وعادوا أحاديث يرويها الرواة، وقصة على الألسنة والأفواه. بعد أن كانوا أمة ذات وجود في الحياة.

( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور )..

يذكر مبدأ الصبر إلى جوار مبدأ الشكر.. الصبر في البأساء. والشكر في النعماء. وفي قصة سبأ آيات لهؤلاء وهؤلاء.

********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-07-2010, 09:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثاني والعشرون
( 5 )

وبعض أيات من سورة فاطر

مبدأ العزة

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ – 10

حقيقة العزة حين تستقر في قلوب المؤمنين فإنها تنظم السلوك والمعاير للتعامل فيما بينهم وبين سائر الأمم , بحيث تجنب الإنسان الخوف إلا من الله تعالى.

إن العزة كلها لله تعالى . وليس شيء منها عند أحد سواه . فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره . ليطلبها عند الله , فهو واجدها هناك وليس بواجدها عند غيره ,

والعزة الصحيحة حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس . حقيقة تستقر في القلب فيستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله . حقيقة يستعلي بها على نفسه أول ما يستعلي . يستعلي بها على شهواته المذلة , ورغائبه القاهرة , ومخاوفه ومطامعه من الناس وغير الناس . ومتى استعلى على هذه فلن يملك أحد وسيلة لإذلاله وإخضاعه . فإنما تذل الناس شهواتهم ورغباتهم , ومخاوفهم ومطامعهم .

إن العزة ليست عناداً جامحاً يستكبر على الحق ويتشامخ بالباطل . وليست طغياناً فاجراً يضرب في عتو وتجبر وإصرار . وليست اندفاعاً باغياً يخضع للنزوة ويذل للشهوة . وليست قوة عمياء تبطش بلا حق ولا عدل ولا صلاح . . كلا , إنما العزة استعلاء على شهوة النفس , واستعلاء على القيد والذل , واستعلاء على الخضوع الخانع لغير الله . ثم هي خضوع لله وخشوع ; وخشية لله وتقوى , ومراقبة لله في السراء والضراء . . ومن هذا الخضوع لله ترتفع الجباه .

فإن العزة بيد اللّه، ولا تنال إلا بطاعته، وقد ذكرها بقوله: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى ﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ﴾ من أعمال القلوب وأعمال الجوارح ﴿ يَرْفَعُهُ ﴾ اللّه تعالى إليه أيضا، كالكلم الطيب.

وقيل: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة، فهي التي ترفع كلمه الطيب، فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه.

وأما السيئات فإنها بالعكس، يريد صاحبها الرفعة بها، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا إهانة ونزولا، ولهذا قال: ( وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ يهانون فيه غاية الإهانة. ﴿ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئا، لأنه مكر بالباطل، لأجل الباطل.

والذين يمكرون السيئات يمكرونها طلباً للعزة الكاذبة , والغلبة الموهومة . قال تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ – 206 البقرة

فالمفسد في الأرض بمعاصي الله, إذا أمر بتقوى الله تكبر وأنف، و ﴿ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ ﴾ فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين.

وقد يبدو في الظاهر أنهم أعلياء , وأنهم أعزاء وأنهم أقوياء .

ولكن القول الطيب هو الذي يصعد إلى الله , والعمل الصالح هو الذي يرفعه إليه . وبهما تكون العزة في معناها الواسع الشامل .

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.


*******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
31-07-2010, 11:25 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثالث والعشرون
( 1 )
وبعض أيات من سورة يس

أهمية حرية الكلمة وحرية الدعوة إلى الله تعالى,

قال تعالى : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ...256 البقرة

رسالة الله إلى البشرية لخيرهم جميعا فإن الله تعالى خلقنا ووضع لنا شريعة نسير على هداها لكي لا يبغي إنسان على إنسان ولا جماعة على جماعة , ولكن أهل الشر يرفضون مجرد الإستماع إلى رسل الله تعالى,

وإليكم هذا المثال الحي لهذه القضية:

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ – 13
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ – 14
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ – 15
*******
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ -16 وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ – 17
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ – 18
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ - 19

فقالت هؤلاء الرسل الثلاثة: ﴿ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ فلو كنا كاذبين، لأظهر اللّه خزينا، ولبادرنا بالعقوبة.
﴿ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي: البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الأمور المطلوب بيانها، فإن اهتديتم، فهو حظكم وتوفيقكم، وإن ضللتم، فليس لنا من الأمر شيء.
فقال أصحاب القرية لرسلهم: ﴿ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ أي: لم نر على قدومكم علينا واتصالكم بنا إلا الشر،
وهذا من أعجب العجائب، أن يجعل من قدم عليهم بأجل نعمة ينعم اللّه بها على العباد، وأجل كرامة يكرمهم بها، وضرورتهم إليها فوق كل ضرورة، قد قدم بحالة شر، ولكن الخذلان وعدم التوفيق، يصنع بصاحبه أعظم مما يصنع به عدوه.
ثم توعدوهم فقالوا: ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ﴾ أي: نقتلنكم رجما بالحجارة أشنع القتلات ﴿ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
فقالت لهم رسلهم: ﴿ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾ وهو ما معهم من الشرك والشر، ﴿ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ﴾ أي: بسبب أنا ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم، قلتم لنا ما قلتم.
﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ متجاوزون للحد نفورا واستكبارا.

*******
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ -20 اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ -21
وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ -22
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ -23 إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ -24 إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ -25

﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى ﴾ حرصا على نصح قومه حين سمع ما دعت إليه الرسل وآمن به، وعلم ما رد به قومه عليهم فقال : ﴿ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ فأمرهم باتباعهم ونصحهم على ذلك، وشهد لهم بالرسالة، ثم ذكر تأييدا لما شهد به ودعا إليه، فقال: ﴿ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ﴾ أي: اتبعوا من نصحكم نصحا يعود إليكم بالخير، وليس يريد منكم أموالكم ولا أجرا على نصحه لكم وإرشاده إياكم، فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه.
﴿ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه، ولا ينهون إلا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه.
ولكن القوم لم يقبلوا نصحه، بل عادوا لائمين له على اتباع الرسل، وإخلاص الدين للّه وحده، فقال: ﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي: وما المانع لي من عبادة من هو المستحق للعبادة، لأنه الذي فطرني، وخلقني، ورزقني، وإليه مآل جميع الخلق، فيجازيهم بأعمالهم، فالذي بيده الخلق والرزق، والحكم بين العباد، في الدنيا والآخرة، هو الذي يستحق أن يعبد بإتباع شرعه ، ويثنى عليه ويمجد، دون من لا يملك نفعا ولا ضرا، ولا عطاء ولا منعا، ولا حياة ولا موتا ولا نشورا،
ولهذا قال: ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ ﴾ لأنه لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه، فلا تغني شفاعتهم عني شيئا، وَلَا هُمْ يُنْقذون من الضر الذي أراده اللّه بي.
﴿ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي: إن عبدت آلهة هذا وصفها .
فجمع في هذا الكلام، بين نصحهم، والشهادة للرسل بالرسالة، والاهتداء والإخبار بِتعيُّن عبادة اللّه وحده، وذكر الأدلة عليها، وأن عبادة غيره باطلة، وذكر البراهين عليها، والإخبار بضلال من عبدها، والإعلان بإيمانه جهرا،
فقال: ﴿ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾ فقتله قومه، لما سمعوا منه وراجعهم بما راجعهم به.
وفي غياب الحرية يقتل صاحب الرآي لا لجريمة إرتكبها ولكن لأنه قال كلمة الحق , ولأن خصومه لا برهان لهم ليردوا كلامه فهم ضعاف الحجة ضعاف النفوس فقتلوه , فاستقبلته السماء وفتحت له الجنة أبوابها,
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ في الحال: فقال مخبرا بما وصل إليه من الكرامة على توحيده وإخلاصه، وناصحا لقومه بعد وفاته، كما نصح لهم في حياته: ﴿ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ﴾ أي: بأي: شيء غفر لي، فأزال عني أنواع العقوبات، ﴿ وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ .

******
عقاب من رفض رسالة الله وقتل المؤمن

وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ – 28 إنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ - 29
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون - 30
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ -31
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ - 32

﴿ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ أي: صوتا واحدا، تكلم به بعض ملائكة اللّه، ﴿فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ قد تقطعت قلوبهم في أجوافهم، وانزعجوا لتلك الصيحة، فأصبحوا خامدين، لا صوت ولا حركة، ولا حياة بعد ذلك العتو والاستكبار، ومقابلة أشرف الخلق بذلك الكلام القبيح، وتجبرهم عليهم.

*******
العبرة من تاريخ السابقين

ومن لم يتعظ بتاريخ الأمم يقع فيما وقع فيه الطغاة والظالمين.

أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ -31 * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ - 32

ألم ير هؤلاء ويعتبروا بمن قبلهم من القرون المكذبة، التي أهلكها الله تعالى وأوقع بها عقابها، وأن جميعهم قد باد وهلك، فلم يرجع إلى الدنيا، ولن يرجع إليها، وسيعيد اللّه الجميع خلقا جديدا، ويبعثهم بعد موتهم، ويحضرون بين يديه تعالى، ليحكم بينهم بحكمه العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة ﴿ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾40 النساء

والكون من حولنا شاهد صدق للرسل, وكذلك العقل , فهل أعملنا العقول في فهم آيات الله تعالى من حولنا ؟

وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ - 33 وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ - 34 لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ - 35 سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ - 36

ومن موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة

مع أن مفهوم الأزواج يراد به عادة الذكر و الأنثى ، إلا أن عبارة " و مما لا يعلمون " لها دلالات أوسع من ذلك ، و قد كشفت إحدى هذه الدلالات في أيامنا هذه
حيث تم اكتشاف ما سمي " التكافؤ" يثبت أن المادة تكون ثنائية مع ضدها الذي يسمى ( ضد المادة ) مثال على ذلك فإن الإلكترون في ضد المادة تحمل شحنة موجبة بينما تحمل بروتونات " ضد المادة " شحنة سالبة .
ْ
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ -37 وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ – 38 وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ – 39 لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ – 40
ْ
وعلامة لهم دالة على توحيد الله وكمال قدرته: هذا الليل ننزع منه النهار, فإذا الناس مظلمون.

وإنسلاخ طبقة النهار تم ثبوتها حديثا حيث لا يزيد سمكها عن مائتي كيلو متر فوق مستوى سطح البحر, فإن سماء القمر على سبيل المثال مظلمة حتى مع سطوع الشمس , لأنه لا توجد على القمر طبقة النهار التي تشع الضياء أذا سطعت الشمس .
وهنا إشارة إلى مدارات جميع أجرام السماء , وقد وضعت بإحكام ودقة متناهيه , بحيث أنك ترى ملايين النجوم والكواكب والأقمار تجري بسرعات هائلة ولا يحدث بينها تصادم .

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ -41 وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ -42 وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ – 43 إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ – 44

ودليل لهم وبرهان على أن الله وحده المستحق للعبادة, المنعم بالنعم, أنَّا حملنا مَن نجا مِن ولد آدم في سفينة نوح المملوءة بأجناس المخلوقات; لاستمرار الحياة بعد الطوفان.
وهذه آية على عظيم قدرة الله تعالى حيث علم الإنسان صناعة ما نراه من وسائل النقل , من سيارات وسفن وطائرات إلى غير ذلك من مستجدات لا يعلمها إلا الله تعالى ( وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ).

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-08-2010, 11:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الجزء الثالث والعشرون
( 2 )
وبعض أيات من سورة يس

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ -60
وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ -61
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ -62

*****
مفهوم العبادة

يظن كثير من الناس أن العبادة تعني الصلاة وبقية الفرائض من صيام وزكاة وحج وحسب , ولكن في حقيقة إن الأمر أكثر من ذلك, فالعبادة تعني الطاعة والإذعان لشريعة الله في الإسلام في سائر الأمور, قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ – 56 الذاريات
هذه الغاية، التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته أي طاعته في كل ما أمر والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، المتضمنة لمعرفته ومحبته،
فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله،
والناس كلهم عبيد الله بل الأشياء كلها كذلك بالتسخير لقوانين الله الكونية، وبعضها بالاختيار وهم عباد الله المؤمنين ويسمون عباد لا عبيد،
ويطلق لفظ عباد علي كافة الناس بعد الموت. قال تعالى: يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ – 17 الفرقان
وذلك لأن الجميع طائع ولا مجال للتمرد والعصيان في البرزخ أو الدار الأخرة.
وتعد الطاعة لأوامر وإغواءات الشيطان عبادة له رغم لا سجود ولا صلاة ولا صوم للشيطان ومع ذلك قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ....
ليدل ذلك على أن طاعة الشيطان في المحرمات يعد عبادة حيث يحلل الحرام ويحرم الحلال.
وفي الحديث الشريف , قدم [ عدي بن حاتم ] على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نصراني فسمعه يقرأ هذه الآية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )31 التوبة قال : فقلت له : إنا لسنا نعبدهم ، قال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ، قال : قلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم
الراوي: عدي بن حاتم الطائي - المصدر: حقيقة الإسلام و الإيمان, لابن تيمية - الصفحة أو الرقم: 111
خلاصة حكم المحدث: حسن
أي يُحِلُّون لهم ما حرم اللّه فيحلونه، ويحرمون لهم ما أحل اللّه فيحرمونه، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها.
وكانوا أيضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم، ويتخذون قبورهم أوثانا تعبد من دون اللّه، وتقصد بالذبائح، والدعاء والاستغاثة.
ومن الناس يجعل نفسه عبدا للدنيا وأعراضها، وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها، وإياه قصد النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ( تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار ) (أخرجه البخاري في كتاب الرقائق 7/175)

*******
والإقرار بالالتزام بالطاعة لله أي العبادة - يتكرر في جميع الصلوات بقرآءة فاتحة الكتاب ,
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ -5
فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة. و الاستعانة هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية, والنجاة من جميع الشرور, فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.

*******

وبهذا المفهوم الواضح للعبادة وهو الطاعة لشريعة الله تعالى متمثلة في كتاب الله القرآن العظيم وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم. تستقيم حركة الحياة لدى المؤمن مع ضرورة الحرص على أداء الفرائض وعلى رأسها الصلاة والزكاة.
قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ -31 إبراهيم

قل -أيها الرسول- لعبادي الذين آمنوا: يؤدوا الصلاة بحدودها, ويخرجوا بعض ما أعطيناهم من المال في وجوه الخير الواجبة والمستحبة مسرِّين ذلك ومعلنين, من قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لا ينفع فيه فداء ولا صداقة.

******

ومن التوجيهات المهمة لعباد الله الالتزام بالقول الحسن الطيب. قال تعالى:
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً - 53 الإسراء

وقل لعبادي المؤمنين يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك ألقى الشيطان بينهم العداوة والفساد والخصام. إن الشيطان كان للإنسان عدوًا ظاهر العداوة.

*******

وعلى الإنسان الطائع لله أي العابد والملتزم بشريعة الله, أن يتوجه بالدعاء في كل أموره فإن ربي قريب مجيب. قال تعالى:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَان فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ – 186البقرة

وإذا سألك -أيها النبي- عبادي عني فقل لهم: إني قريب منهم, أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني, فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه, وليؤمنوا بي, لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم. وفي هذه الآية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده, القرب اللائق بجلاله.

********

وعباد الله ليس للشيطان عليهم سلطان لإغوائهم
قال تعالى:
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ (42) الحجر

أي إن عبادي الذين أخلصوا لي لا أجعل لك سلطانًا على قلوبهم تضلُّهم به عن الصراط المستقيم, لكن سلطانك على مَنِ اتبعك مِنَ الضالين المشركين الذين رضوا بولايتك وطاعتك بدلا من طاعتي.

********

ومن النتائج العظيمة لعبادة الله والأعمال الصالحة التمكين في الأرض. قال تعالى:
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ (105) الأنبياء

ولقد كتبنا في الكتب المنزلة من بعد ما كُتِب في اللوح المحفوظ: أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون الذين قاموا بما أُمروا به, واجتنبوا ما نُهوا عنه, وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

******
وعلى المؤمن ألا يضيق على نفسه , فإن لم يستطع عبادة الله في أرض ما فإن أرض الله واسعة . قال تعالى:
يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) العنكبوت

يا عبادي الذين آمنوا إن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان وعبادة الله وحده, فهاجِروا إلى أرض الله الواسعة, وأخلصوا العبادة لي وحدي.

*******

والمؤمن لا يقنط من رحمة الله تعالى فلو وقع الإنسان في بعض المعاصي والذنوب وجب عليه الرجوع والتوبة , قال تعالى:
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) الحجر
وقال تعالى:
قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر

قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي, وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.

*******
ومن أعظم البشريات للمؤمن في الأخرة أن يدخل في عداد عباد الله الصالحين , قال تعالى:
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) الفجر

يا أيتها النفس المطمئنة إلى ذِكر الله والإيمان به, وبما أعدَّه من النعيم للمؤمنين, ارجعي إلى ربك راضية بإكرام الله لك, والله سبحانه قد رضي عنك, فادخلي في عداد عباد الله الصالحين, وادخلي معهم جنتي.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
03-08-2010, 12:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثالث والعشرون
( 3 )
وبعض أيات من سورة الصافات

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ - 171 إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ - 172 وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ - 173

قد سبقت كلمة اللّه التي لا مرد لها ولا مخالف لها لعباده المرسلين وجنده المفلحين، أنهم الغالبون لغيرهم، المنصورون من ربهم، نصرا عزيزا، يتمكنون فيه من إقامة دينهم، وهذه بشارة عظيمة للمؤمنين.
وخير دليل لنصر الله تعالى, نصره لعبده وحبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم,
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾40 التوبة أي: إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، فاللّه غني عنكم، لا تضرونه شيئا، فقد نصره الله ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ من مكة لما هموا بقتله، وسعوا في ذلك، وحرصوا أشد الحرص، فألجؤوه إلى أن يخرج.
﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ ﴾ أي: هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه. ﴿ إِذْ هُمَا فِي الْغَار ِ﴾ لجآ إلى غار ثور في أسفل مكة، فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب.
فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما، فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال.
﴿ إِذْ يَقُولُ ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ لِصَاحِبِهِ ﴾ أبي بكر لما حزن واشتد قلقه، ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ بعونه ونصره وتأييده.
﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ أي: الثبات والطمأنينة، والسكون المثبتة للفؤاد، ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال ﴿ لا تحزن إن اللّه معنا ﴾
﴿ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ﴾ وهي الملائكة الكرام، الذين جعلهم اللّه حرسا له، ﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ﴾ أي: الساقطة المخذولة، فخذلهم اللّه ولم يتم لهم مقصودهم، بل ولا أدركوا شيئا منه.
ونصر اللّه رسوله بدفعه عنه، وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع، فإن النصر على قسمين:
أولا : نصر المسلمين على عدوهم بأن يتم اللّه لهم ما طلبوا، وقصدوا، من نصر وعزة.
والثاني : نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر، فنصر اللّه إياه، أن يرد عنه عدوه، ويدافع عنه، ولعل هذا النصر أنفع النصرين، ونصر اللّه رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع.
وقوله ﴿ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾ أي كلماته القدرية وكلماته الدينية، هي العالية على كلمة غيره، التي من جملتها قوله: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ فدين اللّه هو الظاهر العالي على سائر الأديان، بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة والسلطان الناصر.
﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ﴾ لا يغالبه مغالب، ولا يفوته هارب، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ يضع الأشياء مواضعها، وقد يؤخر نصر حزبه إلى وقت آخر، اقتضته الحكمة الإلهية.

*********

وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ .

والنصر يكون للمؤمنين حتى ولو كانوا قلة, قال تعالى : كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ – 249 البقرة
وقد يخطئ من يظن أن النصر بالكثرة العددية .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل : يا رسول الله .. وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت .
الراوي: ثوبان - المصدر: صحيح أبي داود - الألباني- الصفحة أو الرقم: 4297
خلاصة حكم المحدث: صحيح
والكثرة العددية ليست المعيار للنصر ولكن المعيار الأول الإيمان بأن النصر من عند الله تعالى ينصر من يشاء ,
والمعيار الثاني الإعداد المستمر للقوة وذلك لقوله تعالى : وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...- 60 الأنفال
والمعيار الثالث وحدة الصف بين جميع المؤمنين لقوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ – 46 الأنفال

وخير مثال لذلك يوم حنين حيث قال بعض المؤمنون لن نهزم اليوم من قلة.
قال تعالى :
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ – 25 ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ – 26 ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ – 27 التوبة

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه، فسار إليهم صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين فتحوا مكة، وممن أسلم من الطلقاء أهل مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، والمشركون أربعة آلاف، فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم، وقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة.
فلما التقوا هم وهوازن، حملوا على المسلمين حملة واحدة ، وفروا ولم يبق مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، إلا نحو مائة رجل، ثبتوا معه، وجعلوا يقاتلون المشركين، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يركض بغلته نحو المشركين ويقول: ﴿ أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ﴾
ولما رأى من المسلمين ما رأى، أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في الأنصار وبقية المسلمين، وكان رفيع الصوت، فناداهم: يا أصحاب السمرة، يا أهل سورة البقرة.
فلما سمعوا صوته، عطفوا عطفة رجل واحد، فاجتلدوا مع المشركين، فهزم اللّه المشركين، هزيمة شنيعة، واستولوا على معسكرهم .
وذلك قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ﴾ وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف.
﴿ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا ﴾ أي: لم تفدكم شيئا، قليلا ولا كثيرا ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ أي: على رحبها وسعتها، ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ أي: منهزمين.
﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ والسكينة ما يجعله اللّه في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات، مما يثبتها، ويسكنها ويجعلها مطمئنة، وهي من نعم اللّه العظيمة على العباد.
﴿ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ وهم الملائكة، أنزلهم اللّه معونة للمسلمين يوم حنين، يثبتونهم، ويبشرونهم بالنصر.
﴿ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بالهزيمة والقتل.
﴿ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ يعذبهم اللّه في الدنيا، ثم يردهم في الآخرة إلى عذاب غليظ.
وبهذه الدروس العملية نتعلم كيف يأتي النصر لأمتنا وجميع بلدان المسلمين.

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ - 171 إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ - 172 وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ - 173

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
05-08-2010, 09:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثالث والعشرون
( 4 )
وبعض أيات من سورة ص

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ – 27
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ – 28
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ – 29

إن المتدبر لخلق السماوات والأرض يدرك مدى الحكمة والقدرة والتنظيم لهذا الكون ولا مجال للصدفة أوالعشوائية أو الفساد , فهل تأخرت الشمس عن سطوعها يوما منذ ملايين السنين ؟ هل تمرد القمر عن مساره حول الأرض فاختل توقيته ؟ هل توقفت الأرض في دورتها حول محورها يوما منذ ملايين السنين ؟ أو دورانها حول الشمس ؟
هذا عن الكون من حولنا , منتظم دقيق يعمل بمقتضى قانون الله في الكون دون خلل ولا فساد.
كذلك المخلوقات على وجه الأرض (الغير مكلفة شرعا) تسير وفق فطرة الله التي فطرها عليها , فلو ذهبت لبيئة لم يسكنها إنسان لوجدتها نظيفة منظمة غير مختلة ليس بها عوادم ضارة تلوث الهواء ولا مخلفات تلوث الماء , فالشجر يمد الكائنات الحيونية بالأكسوجين. والحيوانات تمد النبات بالكربون والسماد . وتعمل الأوراق الخضراء من النبات على إختزان الطاقة من الشمس , وبهذه الدقة في المنظومة الكونية تتحرك النجوم والكواكب والأقمار حتى الكائنات على وجه الأرض.

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا..

يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السماوات والأرض، وأنه لم يخلقهما باطلا، أي: عبثا ولعبا من غير فائدة ولا مصلحة.
﴿ ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله. ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار ِ﴾ فإنها التي تأخذ الحق منهم، وتبلغ منهم كل مبلغ.
وإنما خلق اللّه السماوات والأرض بالحق وللحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السماوات والأرض، وأن البعث حق، وسيفصل اللّه بين أهل الخير والشر.
ولا يظن الجاهل بحكمة اللّه أن يسوي اللّه بينهما في حكمه، ولهذا قال:
﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار ِ﴾ هذا غير لائق بحكمتنا وحكمنا.
وفي المقابل لم يلتزم الإنسان - إلا من رحم الله – ولم يزعن لقانون الفطرة , فظهر الفساد في البر والبحر , قال تعالى:﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ 41 الروم
أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.
هذه المذكورة ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.
ولا يظن الجاهل بحكمة اللّه أن يسوي اللّه بين المؤمنين الصالحين والمفسدين في حكمه، ولهذا قال:
﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار ِ﴾ هذا غير لائق بحكمتنا وحكمنا.
والعمل الصالح اقترن بالإيمان في كل آيات القرآن , قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴾ 9 العنكبوت
أي: من آمن باللّه وعمل صالحا، فإن اللّه وعده أن يدخله الجنة في جملة عباده الصالحين، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كل على حسب درجته ومرتبته عند اللّه، فالإيمان الصحيح والعمل الصالح عنوان على سعادة صاحبه، وأنه من أهل الرحمن، والصالحين من عباد اللّه تعالى.
أما الفساد: فمعناه خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس، والبدن، والأشياء الخارجة عن الاستقامة،
والفجور: شق ستر الديانة، يقال: فجر فجورا فهو فاجر، وجمعه: فجار وفجرة. قال تعالى: ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ) 7 المطففين، وقال تعالى: ( وإن الفجار لفي جحيم ) 14 الانفطار ، وقال تعالى: ( أولئك هم الكفرة الفجرة ) 42 عبس ، وقال تعالى: ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) 5 القيامة ، أي: يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها. وقيل: معناه ليذنب فيها. وقيل: معناه يذنب ويقول غدا أتوب، ثم لا يفعل فيكون ذلك فجورا لبذله عهدا لا يفي به.
وسمي الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور.
وورد في دعاء القنوت في الوتر: ( ونخلع ونترك من يفجرك )

*******

﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ﴾ فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، فهو أجل كتاب جاء إلى العالم منذ أنشأه اللّه.
﴿ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.

﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ﴾ أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب.

وبهذا المفهوم ندرك أهمية البحث العلمي كأهم مبدأ من مبادئ الإسلام في ظل الإيمان والتقوى والعمل الصالح والبعد عن الفساد والفجور في الأرض.

*********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
08-08-2010, 01:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثالث والعشرون
( 5 )
وبعض أيات من سورة ص

مبدأ الصبر عند المرض والابتلاء
ومع هذه الصورة الحية لنبي الله ( أيوب ) عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ – 41 ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ – 42 وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ – 43 وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ – 44

﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ﴾ حين أصابه الضر، فصبر على ضره، فلم يشتك لغير ربه، ولا لجأ إلا إليه داعيا، وإليه لا إلى غيره شاكيا، فقال: رب ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾ أي: بأمر مشق متعب معذب، وكذلك هلك أهله وماله. ولكنه صبر.
فقيل له: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾ أي: اضرب الأرض بها، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى، ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، وشفاه اللّه تعالى.
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ﴾ في الدنيا، وأغناه اللّه، وأعطاه مالا عظيما ﴿ رَحْمَةً مِنَّا ﴾ بعبدنا أيوب، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا ثوابا عاجلا وآجلا. ﴿ وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ ﴾ أي: وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب ويعتبروا، فيعلموا أن من صبر على الضر، أن اللّه تعالى يثيبه ثوابا عاجلا وآجلا، ويستجيب دعاءه إذا دعاه.
﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ﴾ أي حزمة شماريخ ﴿ فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ﴾
قال المفسرون: وكان في مرضه وضره، قد غضب على زوجته في بعض الأمور، فحلف: لئن شفاه اللّه ليضربنها مائة جلدة، فلما شفاه اللّه، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه، رحمها اللّه ورحمه، فأمره أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، فيبر في يمينه. وهذا وجه من وجوه التيسير في الفتوى حيث أنه أبر بقسمه ولم يتسبب في إلام زوجته الوفية.
﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ﴾ أي: ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه اللّه تعالى. ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ ﴾ الذي كمل مراتب العبودية، في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء.
﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ أي: كثير الرجوع إلى اللّه، في مطالبه الدينية والدنيوية، كثير الذكر لربه والدعاء، والمحبة.
وهذه الصور الوقعية تعلمنا الصبر حين الإصابة بالمرض والتضرع إلى الله تعالى وطلب الشفاء منه مع أخذ الدواء , فالله تعالى خالق الداء والدواء . ولا نضجر ولا نيأس من رحمة الله .

*********

فالمرض يصيب الإنسان , فيكون رفعة وزيادة في حسنات المؤمن ,
وقد يكون كفارة من الذنوب لبعض المؤمنين.
وقد يكون عقابا لبعض الناس ,

وتلاحظ ذلك من تصرف المريض , فالمؤمن يدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه فهو راضي وفرح بمعية الله تعالى , ففي الحديث القدسي : إن الله عز وجل يقول ، يوم القيامة : يا ابن آدم ! مرضت فلم تعدني . قال : يا رب ! كيف أعودك ؟ وأنت رب العالمين . قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده . أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2569
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وآخر يذنب فيصيبه البلاء فيحمد الله تعالى , ويتذكر قول حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يصيب المسلم ، من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5641
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وتجد شخص يصيبه المرض فينهار ويشتكي ويسخط وتسود الدنيا في وجهه وييأس , فيعد هذا عقاب له والله أعلم .

*******
ونتعلم مما سبق أن الله تعالى رحيم بعباده يبتليهم ليرحمهم ويرفع من درجاتهم في الجنة أو يكفر عنهم سيئاتهم , أو يذكرهم بأن الدنيا دار بلاء وليست الجنة فعودوا إلى ربكم من قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أت الله بقلب سليم.

وليعلم الإنسان أن الشفاء بيد الله وحده , وأن الله تعالى خلق الدواء وجعله سببا فلا ترد سببا خلقه الله لك. ولكن كن على يقين أن الأمر كله لله تعالى ,فقد يكون هناك شخصان بنفس المرض ويتناولا نفس الدواء , فيشفى أحدهم ولا يشفى الأخر . لأن الأمر كله مرده إلى الله نعالى, وقد أخبرنا الله في سورة الشعراء الآية 80 عن قول إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال:

وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ

********
والقرآن خير شفاء لقلوب المؤمنين , ويتيقن بذلك المداومون على قرآته.
قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ - 57 يونس

هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة.
وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه.
وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين.
وإذا صح القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية، تبعته الجوارح كلها، فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده. ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فالهدى هو العلم بالحق والعمل به.
والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به، فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين.
وإذا حصل الهدى، وحلت الرحمة الناشئة عنه، حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور.
ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك فقال: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ﴾ الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده ﴿وَبِرَحْمَتِهِ﴾ الدين والإيمان، وعبادة الله ومحبته ومعرفته.

وقال تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ - 82 الإسراء

فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة، وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به، وأما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خسارًا، إذ به تقوم عليهم الحجة، فالشفاء الذي تضمنه القرآن عام لشفاء القلوب، من الشبه، والجهالة، والآراء الفاسدة، والانحراف السيئ، والقصود السيئة
فإنه مشتمل على العلم اليقيني، الذي تزول به كل شبهة وجهالة، والوعظ والتذكير، الذي يزول به كل شهوة تخالف أمر الله، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها.
وأما الرحمة، فإن ما فيه من الأسباب والوسائل التي يحث عليها، متى فعلها العبد فاز بالرحمة والسعادة الأبدية، والثواب العاجل والآجل .

وقد خلق الله تعالى لنا دواء حلو الطعم رحمة منه وفضل, قال تعالى:
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ - 68 ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ - 69 النحل

فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه.

******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
12-08-2010, 05:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الرابع والعشرون
( 1 )
وبعض أيات من سورة الزمر

أهمية الصدق

وقد تأكد هذا المبدأ كثيرا في سور القرآن العظيم وذلك لعظمه في بناء الأمم والحضارات. ولن يكون تكرارا إذا تحدثنا اليوم عن أهمية الصدق حيث أن الصدق يشمل جميع جوانب الحياة ولن نستطيع أن نغطي كل هذه الجوانب في لقاء واحد. فجميع مبادئ الإسلام تقوم على الصدق.

*****

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ - 32
وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ -33
لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ -34
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ -35

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا .
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6094
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة .
الراوي: الحسن بن علي بن أبي طالب المحدث: ابن حبان - المصدر: المقاصد الحسنة - الصفحة أو الرقم: 256
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

******
الصدق , هو أساس رسالة الاسلام , وأساس جميع المعاملات في الشريعة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء .
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 3/38
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وقال تعالى في سورة التوبة الآية 119: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.
أي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ باللّه، وبما أمر اللّه بالإيمان به، قوموا بما يقتضيه الإيمان، وهو القيام بتقوى اللّه تعالى، باجتناب ما نهى اللّه عنه والبعد عنه.
﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، الذين أقوالهم صدق، وأعمالهم، وأحوالهم لا تكون إلا صدقا خلية من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة.

******

والصدق يجب أن يكون سلوكا عمليا في تربية الأطفال.

عن عبد الله بن عامر : دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت ها تعال أعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أردت أن تعطيه ؟ قالت : أعطيه تمرا ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة .
الراوي: عبد الله بن عامر المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4991

*******
ويوم القيامة يكون الصدق أمانا لصحابه.

﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 119 المائدة.
والصادقون هم الذين استقامت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهدْي القويم، فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق، إذا أحلهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

******

ولذلك كان من مبادئ الإسلام الأساسية تحريم الكذب , بل نفي الإيمان والإسلام عن الكاذب, فالمؤمن لا يكون كذابا ابدا.

ونعود إلى معاني الآيات التي معنا من سورة الزمر.

يقول تعالى، محذرا ومخبرا: أنه لا أظلم وأشد ظلما ﴿ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ ﴾ إما بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة، أو الإخبار بأن اللّه تعالى قال كذا، أو أخبر بكذا، أو حكم بكذا وهو كاذب.
﴿ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ﴾ أي: ما أظلم ممن جاءه الحق المؤيد بالبينات فكذبه، فتكذيبه ظلم عظيم منه، لأنه رد الحق بعد ما تبين له، فإن كان جامعا بين الكذب على اللّه والتكذيب بالحق، كان ظلما على ظلم.
﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ﴾
ولما ذكر الكاذب المكذب وجنايته وعقوبته، ذكر الصادق المصدق وثوابه، فقال: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ في قوله وعمله، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم، ممن صدق فيما قاله عن خبر اللّه وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق.
﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ أي: بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن قد لا يصدق به، بسبب استكباره، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق، فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره.
﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به.
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ من الثواب، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فكل ما تعلقت به إرادتهم ومشيئتهم، من أصناف اللذات والمشتهيات، فإنه حاصل لهم، معد مهيأ، ﴿ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ الذين يعبدون اللّه كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم .

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-08-2010, 11:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الرابع والعشرون
( 2 )

وبعض أيات من سورة غافر

ما يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ – 2 كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ – 3 وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ – 4

يخبر تبارك وتعالى أنه ما يجادل في آياته إلا الذين كفروا والمراد بالمجادلة هنا، المجادلة لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل، فهذا من صنيع الكفار. فهم وحدهم من بين هذا الوجود الهائل يشذون ; وهم وحدهم من بين هذا الخلق العظيم ينحرفون . وهم - بالقياس إلى هذا الوجود - أضعف وأقل من النمل بالقياس إلى هذه الأرض . وهم حين يقفون في صف يجادلون في آيات الله ; ويقف الوجود الهائل كله في صف معترفاً بخالق الوجود مستنداً إلى قوة العزيز الجبار . . هم في هذا الموقف مقطوع بمصيرهم , مقضي في أمرهم ; مهما تبلغ قوتهم ; ومهما يتهيأ لهم من أسباب المال والجاه والسلطان.

*****
وأما المؤمنون فيخضعون لله تعالى وشريعته التي أرسلها رحمة للعالمين وقد تعرفنا على جانب منها ضمن هذه السلسلة .
ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال تعالى: ﴿ فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ﴾ أي: ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب، فمهما تقلبوا , وتحركوا , وملكوا , واستمتعوا , فهم إلى اندحار وهلاك وبوار .
فالواجب على الإنسان، أن ينظر إلى الحقائق الشرعية ويزن بها الناس، ولا يزن الحق بالناس، كما عليه من لا علم ولا عقل له.
ثم هدد من جادل بآيات الله ليبطلها، كما فعل من قبله من الأمم من قوم نوح وعاد والأحزاب من بعدهم، الذين تحزبوا وتجمعوا على الحق ليبطلوه، وعلى الباطل لينصروه، ﴿ و هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ ﴾ من الأمم ﴿ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ﴾ أي: يقتلوه. وهذا أبلغ ما يكون الرسل الذين هم قادة أهل الخير الذين معهم الحق الذي لا شك فيه ولا اشتباه، هموا بقتلهم، فهل بعد هذا البغي والضلال والشقاء إلا العذاب العظيم الذي لا يخرجون منه؟
ولهذا قال في عقوبتهم الدنيوية والأخروية: ﴿ فَأَخَذْتُهُمْ ﴾ أي: بسبب تكذيبهم وتحزبهم ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ كان أشد العقاب وأفظعه، ما هو إلا صيحة أو حاصب ينزل عليهم أو يأمر الأرض أن تأخذهم، أو البحر أن يغرقهم فإذا هم خامدون.
﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ ومتى حقت كلمة الله على أحد فقد وقعت , وقضي الأمر , وبطل كل جدال .

******
وفي المقابل نجد المؤمنين المهتدين الطائعين ونصر الله إياهم , واستغفار الملائكة لهم , واستجابة الله لدعائهم , وما ينتظرهم في الآخرة من نعيم .

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ – 7 رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – 8 وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – 9

يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم، وفي ضمن ذلك الإخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله، وقربهم من ربهم، وكثرة عبادتهم ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم فقال: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ﴾ الذي وسع السماوات و الأرض والنجوم وسائر الكواكب والكرسي، وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم،
﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة ، أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن بإيمانه واتباعه شريعة ربه تسبب لهذا الفضل العظيم.

********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
20-08-2010, 04:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الجزء الرابع والعشرون
( 3 )
وبعض أيات من سورة غافر

مبدأ الدفاع عن الحق

استكمالا للقاء السابق الذي تحدثنا فيه عن الذين يجادلون بالباطل
لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل، وهم حين يقفون في صف من يجادلون في آيات الله ; يقفون في موجهة الكون الهائل كله المسبح لله و المعترف له بخلق كل شئ.
واليوم نعيش مع الصورة الحية لرجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه , ويدافع عن رسول الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام . بعد أن أصدر فرعون قرار بقتله. وذلك لأنه يبلغ رسالة ربه , ويدعو إلى عبادة الله الخالق الرازق المهيمن, ويبطل عبادة فرعون,
﴿ وقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ﴾ وذلك إمعانا في إستخفاف قومه, فقال: ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ﴾ الذي أنتم عليه وهي عبادة فرعون ﴿ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ .
فقام المؤمن ليرد تلك المزاعم الباطلة ويدافع عن رسول الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .

******

وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ – 28
يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ -29
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ – 30
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ – 31
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ - 32
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ -33
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ – 34
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ – 35

********
يبدأ الدفاع بتفظيع ما هم مقدمون عليه - أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ
أي: كيف تستحلون قتله، ولا ذنب له إلا، أنه يقول ربي الله، ولم يكن أيضا قولاً مجردًا عن البينات، ولهذا قال: ﴿ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ لأن بينته اشتهرت عندهم اشتهارًا علم به الصغير والكبير، أي: فهذا لا يوجب قتله. حيث ظهرت حجته واستعلى برهانه .
ثم قال لهم مقالة عقلية تقنع كل عاقل، فقال: ﴿ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ﴾أي: موسى بين أمرين، إما كاذب في دعواه أو صادق فيها، فإن كان كاذبًا فكذبه عليه، وضرره مختص به، وليس عليكم في ذلك ضرر . وإن كان صادقًا وقد جاءكم بالبينات، وأخبركم أنكم إن لم تجيبوه عذبكم الله عذابًا في الدنيا وعذابًا في الآخرة، فإنه لا بد أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وهو عذاب الدنيا.
ثم انتقل رضي الله عنه وأرضاه وغفر له ورحمه - إلى أمر أعلى من ذلك، وبيان قرب موسى من الحق فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ فلأمر كله لله تعالى فهو الذي أرسل موسى , وأنه تعالى لا يهدي من يدعي عليه كذبا . أو يكذب برسالته إستكبارا .
وقد أيد الله تعالى "موسى" بمعجزات لا ينكرها إلا متكبر كذاب.

ثم حذر قومه ونصحهم، وخوفهم عذاب الآخرة، ونهاهم عن الاغترار بالملك الظاهر، فقال: ﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ أي: في الدنيا ﴿ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ﴾ ؟ وهذا من حسن دعوته، ليفهمهم أنه ينصح لهم كما ينصح لنفسه، ويرضى لهم ما يرضى لنفسه.
﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ معارضًا له في ذلك، ومغررًا لقومه أن يتبعوا موسى: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ أي الديكتاتورية الحمقاء والرأي الواحد حتي ولو كان خطأ.
رأى أن يستخف قومه فيتابعوه، ليقيم بهم ملكه على الباطل.
﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ ﴾ مكررًا دعوة قومه غير آيس من هدايتهم، كما هي حالة الدعاة إلى الله تعالى، لا يزالون يدعون إلى ربهم، ولا يردهم عن ذلك راد،
فقال لهم: ﴿ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ﴾ يعني الأمم المكذبين، الذين تحزبوا على أنبيائهم، واجتمعوا على معارضتهم، ثم بينهم فقال: ﴿ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ أي: مثل عادتهم في الكفر والتكذيب وعادة الله فيهم بالعقوبة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة، ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ﴾ فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه، ولا جرم أسلفوه.
ولما خوفهم العقوبات الدنيوية، خوفهم العقوبات الأخروية، فقال: ﴿ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمِ التَّنَادِ ﴾ أي: يوم القيامة، حين ينادي أهل الجنة أهل النار: ﴿ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا ﴾ 44 الأعراف إلى آخر الآيات.
﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ 50 الأعراف
وحين ينادي أهل النار مالكًا ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَاكِثُونَ ) 77 الزخرف
فخوفهم رضي الله عنه هذا اليوم المهول، وتوجع لهم أن أقاموا على شركهم بذلك، ولهذا قال: ﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِين مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ لا من أنفسكم قوة تدفعون بها عذاب الله، ولا ينصركم من دونه من أحد .
﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ لأن الهدى بيد الله تعالى، فإذا منع عبده الهدى لعلمه أنه غير لائق به، لخبثه، فلا سبيل إلى هدايته.
﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي أمركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له، ﴿ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ﴾ في حياته ﴿ حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ ازداد شككم وشرككم، و ﴿ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ﴾ أي: هذا ظنكم الباطل، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى، لا يأمرهم وينهاهم، ولهذا قال: ﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ﴾ وهذا هو وصفهم الحقيقي الذي وصفوا به موسى ظلمًا وعلوا، فهم المسرفون بتجاوزهم الحق وعدولهم عنه إلى الضلال، وهم الكذبة.
فالذي وصفه السرف والكذب، لا ينفك عنهما، لا يهديه الله، ولا يوفقه للخير، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه، فجزاؤه أن يعاقبه الله، بأن يمنعه الهدى، كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾5 الصف.. و قال تعالى :﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾110 الأنعام . وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾258 البقرة
ثم ذكر وصف المسرف الكذاب فقال: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ ﴾ التي بينت الحق من الباطل، وصارت -من ظهورها- بمنزلة الشمس للبصر، فهم يجادلون فيها على وضوحها، ليدفعوها ويبطلوها ﴿ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ﴾ أي: بغير حجة وبرهان، وهذا وصف لازم لكل من جادل في آيات الله، فإنه من المحال أن يجادل بسلطان، لأن الحق لا يعارضه معارض، فلا يمكن أن يعارض بدليل شرعي أو عقلي أصلا،
﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ لأنه تضمن التكذيب بالحق والتصديق بالباطل ونسبته إليه، وهذه أمور يشتد بغض الله لها ولمن اتصف بها، وكذلك عباده المؤمنون يمقتون على ذلك أشد المقت موافقة لربهم،
﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ متكبر في نفسه على الحق برده وعلى الخلق باحتقارهم، جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
وهذا ما حدث لفرعون أصبح يتخبط في أقوله ويستخف بعقول العوام
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ – 36 أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ – 37

******

وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ – 38
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ – 39
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ – 40
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ – 41
تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ – 42
لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ – 43
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ – 44
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ – 45

*******
وهكذا كانت عاقبة الذين يجادلون بالباطل مهما بلغوا من قوة وأثار في الأرض , لم تنفعهم لأن الحضارة لا تبنى على الكذب والإستعلاء على الحق, إنما تبنى الحضارات وتبقى مادامت بجانب الحق والصدق.
وأن الله تعالى يدافع عن الذين أمنوا طالما دافعوا عن مبادئ الحق.

فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ – 45

**********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
21-08-2010, 03:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الرابع والعشرون
( 4 )
وبعض أيات من سورة فصلت

مبدأ العلم

حم – 1 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 3

يخبر تعالى عباده أن هذا القرآن العظيم ﴿ تَنْزِيلُ ﴾ صادر ﴿ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ الذي وسعت رحمته كل شيء، الذي من أعظم رحمته وأجلها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم والهدى، والنور، والشفاء، والرحمة، والخير الكثير، فهو الطريق للسعادة في الدارين.
ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال: ﴿ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ﴾ أي: فصل كل شيء , وهذا يستلزم من علماء المسلمين تدبر آياته والبحث في كافة العلوم التي أتى بها على الإجمال حتى يستوعبها البشر في كافة العصور .
﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصلت آياته وجعل عربيًا. ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما تبين لفظه، ويتضح لهم الهدى من الضلال، والْغَيِّ من الرشاد.
وقد حافظ القرآن العظيم على اللغة العربية ونشرها في ربوع الأرض وجعلها من اللغات الحية في العالم.
وقد استوعبت اللغة العربية جميع علوم الأرض , والدليل على ذلك ما قام به علماء الإسلام بالترجمة لكتب العلوم في العصر الذهبي للدولة الإسلامية , والبحث العلمي في جميع أصول المعرفة سواء الرياضية في الجبر والهندسة أو العلوم الكيمائية أو الطبية أو علم الفلك من نجوم وكواكب أو الجغرافية أو التاريخية والشريعة والقانون.
والتفوق في العلوم الصناعية في كافة المجالات مثل صناعة السفن والأساطيل البحرية وإنشاء الترع والسدود و إنشاء المدن وما ترتب عليها من مرافق وإضاءة .

وأما الجاهلون، الذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالاً، ولا البيان إلا عَمًى فهؤلاء لم يُسَقِ الكلام لأجلهم، ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ 6 البقرة

******
أما الإعتماد على القوة الغاشمة دون هداية من الله تعالى, فتهلك أصحابها عاجلا أو أجلا , وقد ورد في سورة فصلت نموذج لأمتين عاد وثمود.

فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – 15 فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ – 16

هذا تفصيل لقصة هاتين الأمتين، عاد، وثمود. ﴿ فَأَمَّا عَادٌ ﴾ فكانوا - مع كفرهم باللّه، وجحدهم بآيات اللّه، وكفرهم برسله - مستكبرين في الأرض، قاهرين لمن حولهم من العباد، ظالمين لهم، قد أعجبتهم قوتهم.
﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ قال تعالى ردًا عليهم : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ فلولا خلقه إياهم، لم يوجدوا فلو نظروا إلى هذه الحال نظرًا صحيحًا، لم يغتروا بقوتهم، فعاقبهم اللّه عقوبة، تناسب قوتهم، التي اغتروا بها.
﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ ﴾ أي: ريحًا عظيمة، من قوتها وشدتها، لها صوت مزعج، كالرعد القاصف. فسخرها اللّه عليهم ﴿ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾
7 الحاقة - فدمرتهم وأهلكتهم، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم. وقال هنا: ﴿ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ الذي فضحهم بين الخليقة. ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ أي: لا يمنعون من عذاب اللّه، ولا ينفعون أنفسهم.

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ – 17 وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ – 18

وأما ثمود وهم القبيلة المعروفة الذين سكنوا الحجر وحواليه، الذين أرسل اللّه إليهم صالحًا عليه السلام، يدعوهم إلى توحيد ربهم، وينهاهم عن الشرك وآتاهم اللّه الناقة، آية عظيمة، لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، يشربون لبنها يومًا ويشربون من الماء يومًا، وليسوا ينفقون عليها، بل تأكل من أرض اللّه، ولهذا قال هنا: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ﴾ أي: هداية بيان.
ولكنهم - من ظلمهم وشرهم - استحبوا العمى - الذي هو الكفر والضلال- على الهدى - الذي هو: العلم والإيمان - ﴿ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾.

﴿ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-08-2010, 06:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الرابع والعشرون
( 5 )
وبعض أيات من سورة فصلت

استكمالا للقاء السابق - الذي تحدثنا فيه عن أهمية العلم والعلماء في الإسلام - نتحدث اليوم إن شاء الله عن عوامل صيانة ذلك العلم من الإنحراف وجعله في خدمة الإنسانية لا وبالا ودمارا عليها.
ويبدأ ذلك بإعلان أن كل ما بنا من نعم فمن الله وحده لا شريك له. فهو وحده الوهاب والممد لكل المواهب والعلوم والمنعم برزق كل الكائنات.
ومع هذا اليقين يجب الإلتزام بالاستقامة على طريق الحق والعدل التي بينته رسالة الله القرآن العظيم وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وفي ظل تلك المبادئ والمعاملات والأخلاق والأداب ينعم المؤمن في الدنيا وتتحقق له العزة والكرامة في هذا العالم المليئ بالمتناقضات.
ويعيش المؤمن في أنوار الاستقامة على شرع الله إلى أن تتنزل عليه ملائكة الرحمة تبشره بالنعيم الأبدي .

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ - 30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ – 31 نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ – 32

يخبر تعالى عن أوليائه، وفي ضمن ذلك، تنشيطهم، والحث على الاقتداء بهم، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ أي: اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم، علمًا وعملاً، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ الكرام، أي: يتكرر نزولهم عليهم، مبشرين لهم عند الاحتضار. ﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾ على ما يستقبل من أمركم، ﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾ على ما مضى، فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل، ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ فإنها قد وجبت لكم وثبتت، وكان وعد الله مفعولاً، ويقولون لهم أيضا - مثبتين لهم، ومبشرين: ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ يحثونهم في الدنيا على الخير، ويزينونه لهم، ويرهبونهم عن الشر، ويقبحونه في قلوبهم، ويدعون الله لهم، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف، وخصوصًا عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، وعلى الصراط، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم، ويدخلون عليهم من كل باب ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ -24 الرعد ﴾ ويقولون لهم أيضا: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا ﴾ أي: في الجنة ﴿ مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ﴾ قد أعد وهيئ. ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ أي: تطلبون من كل ما تتعلق به إرادتكم وتطلبونه من أنواع اللذات والمشتهيات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
﴿ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ أي: هذا الثواب الجزيل، والنعيم المقيم، نُزُلٌ وضيافة ﴿ مِنْ غَفُورٍ ﴾ غفر لكم السيئات، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ حيث وفقكم لفعل الحسنات، ثم قبلها منكم. فبمغفرته أزال عنكم المحذور، وبرحمته، أنالكم المطلوب.

******
وهذه بعض النماذج لأقوال وأعمال المؤمنين ...

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ – 33

هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا وطريقة، وحالة ﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾ بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها،والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه، خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ومن الدعوة إلى الله، تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.
ومن الدعوة إلى الله، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله، والحث على ذلك، بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك، الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.
ومن ذلك، الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم، والعوارض، والمصائب، بما يناسب ذلك الحال، إلى غير ذلك، مما لا تنحصر أفراده، مما تشمله الدعوة إلى الخير كله، والترهيب من جميع الشر.
ثم قال تعالى: ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ أي: مع دعوته الخلق إلى الله، بادر هو بنفسه، إلى امتثال أمر الله، بالعمل الصالح، الذي يُرْضِي ربه. ﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ أي: المنقادين لأمره، السالكين في طريقه، وهذه مرتبة الصديقين.

*******
والمؤمن ليس عنده الوقت ليقابل السيئة بالسيئة , فهو صاحب مهمة أكبر في هذا الوجود , وهي أشرف مهمة تتعلق بجذب القلوب لتعريفهم برسالة الله تعالى ودعوتهم إلى الخير.

وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – 34
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ – 35
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ – 35

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ﴾ أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ – 60 الرحمن ﴾
ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال:﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ أي: كأنه قريب شفيق.
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا ﴾ أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟".
فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع للّه رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك بطيب خاطر.
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق.

*******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-08-2010, 06:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(1)
وبعض أيات من سورة الشورى

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ , كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ, اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ – 13

لقد جاء في مطلع السورة قوله تعالى : كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم...
فكانت هذه إشارة إجمالية إلى وحدة المصدر , ووحدة المنهج , ووحدة الاتجاه . وهنا يقرر أن ما شرعه الله للمسلمين هو - في عمومه - ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى . وهو أن يقيموا دين الله الواحد , ولا يتفرقوا فيه . ويرتب عليها نتائجها من وجوب الثبات على المنهج الإلهي القديم , دون التفات إلى أهواء المختلفين .
والدين هو المنهاج أو الدستور للدولة بما تحويه من قوانين ولوائح, ونفهم ذلك من الأية الكريمة ( لكم دينكم ولي دين ) فهل للكافرين دين ؟ نعم لهم دين يحكم تحركاتهم متمثل في القوانين المطبقة لديهم , بعيدة كانت أو قريبة من شريعة الإسلام .
وللمسلمين دين أي شريعة تحكم تصرفاتهم وتبنى عليها كافة المعاملات . والفرق كبير بين دين الله تعالى ودين البشر.
فشريعة الله رغم كونها تحكم جميع التصرفات للإنسان الظاهرة , فهي أيضا تحكم ضميره حيث تجعل منه رقيبا على تصرفاته, قال تعالى في سورة المجادلة :
أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ, مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا, ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - 7
بينما لا يوجد ذلك في شرائع البشر , وبالتالي كثرت الجرائم الأخلاقية بينهم .
ولهذا كان الأمر بإقامة الدين, أي شريعة الله المتثلة في العبادات والمعاملات حسب التقسيمات الفقهية , والإجتهاد في جعل التشريعات المستحدثة تسير وفق هذه الشريعة الغراء.
وهذه أكبر منة أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه، فالدين الذي شرعه الله لهم، لا بد أن يكون مناسبا لأحوالهم، موافقا لكمالهم، بل إنما كملهم الله واصطفاهم، بسبب قيامهم به، فلولا الدين الإسلامي، ما ارتفع أحد من الخلق، فهو روح السعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب.
فقد جاء الإسلام لينقذ البشرية كلها مما انتهت إليه من انحلال وفساد واضطهاد . وجاء لهداية البشرية يدلها الطريق إلى الله على هدى وعلى نور . فتم تحرير الشعوب المستضعفة في معظم الأرض وأصبحت الشمس لا تغيب عن أرض الإسلام . وكان ذلك في ظل إقامة الدين الإسلامي الذي هو شريعة الله تنظم حياة البشر وتحقق العدل والمساواة بين الناس ولا تجبر إنسان على الدخول في الإسلام بل تحميهم وتحمي أماكن عبادتهم , وتنشر نور الإسلام في حرية , فدخل الناس في دين الله أفواجا.
ولهذا قال تعالى : ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ﴾ أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى ولا تعاونون على الإثم والعدوان. ﴿ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ أي: ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزابا، وتكونون شيعا يعادي بعضكم بعضا مع اتفاقكم على أصل دينكم.
ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجمع والصلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق.
﴿ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْه ﴾ أي: شق عليهم غاية المشقة، حيث دعوتهم إلى الإخلاص للّه وحده، كما قال عنهم: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾45 الزمر
﴿ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ أي يختار من خليقته من يعلم أنه يصلح للاجتباء لرسالته وولايته ومنه أن اجتبى هذه الأمة وفضلها على سائر الأمم، واختار لها أفضل الأديان وخيرها.
﴿ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ هذا السبب الذي من العبد، يتوصل به إلى هداية الله تعالى، وهو إنابته لربه، وانجذاب دواعي قلبه إليه، وكونه قاصدا وجهه، فحسن مقصد العبد مع اجتهاده في طلب الهداية، من أسباب التيسير لها، كما قال تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ﴾16 المائدة
وفي هذه الآية، أن الله ﴿ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ .مع العلم بأحوال الصحابة رضي الله عنهم، وشدة إنابتهم، دليل على أن قولهم حجة، خصوصا الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم أجمعين.

*******

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ - 14
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – 15

لما أمر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم، ونهاهم عن التفرق، أخبرهم: أنكم لا تغتروا بما أنزل الله عليكم من الكتاب، فإن أهل الكتاب لم يتفرقوا حتى أنزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع، ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم، وذلك كله بغيا وعدوانا منهم، فإنهم تباغضوا وتحاسدوا، وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة، فوقع الاختلاف، فاحذروا أيها المسلمون أن تكونوا مثلهم.
﴿ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: بتأخير العذاب القاضي ﴿ إلى أجل مسمى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ ولكن حكمته وحلمه، اقتضى تأخير ذلك عنهم. ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ أي: الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم ممن ينتسب إلى العلم منهم ﴿ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ﴾ أي: لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف، حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا، فإن خلفهم اختلفوا شكا وارتيابا، والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم.
﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ ﴾ أي: فللدين القويم والصراط المستقيم، الذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله، فادع إليه أمتك وحضهم عليه، وجاهد عليه، من لم يقبله، ﴿ وَاسْتَقِمْ ﴾ بنفسك ﴿ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ أي: استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالا لأوامر الله واجتنابا لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك.
ومن المعلوم أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له.
﴿ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ أي: أهواء المنحرفين عن الدين، من الكفرة والمنافقين .
﴿ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ﴾ أي: لتكن مناظرتك لهم مبنية على هذا الأصل العظيم، الدال على شرف الإسلام وجلالته وهيمنته على سائر الأديان .
وقوله تعالى: ﴿ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ أي: في الحكم فيما اختلفتم فيه.
﴿ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ أي: هو رب الجميع، لستم بأحق به منا. ﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ من خير وشر ﴿ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ﴾ أي: بعد ما تبينت الحقائق، واتضح الحق من الباطل، والهدى من الضلال، لم يبق للجدال والمنازعة محل.
﴿ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ يوم القيامة، فيجزي كلا بعمله، ويتبين حينئذ الصادق من الكاذب.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

أبو محمد القسامي
03-09-2010, 08:14 AM
جزاكم الله خيرا

Saber Abbas
03-09-2010, 05:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(2)
وبعض أيات من سورة الشورى

فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - 36 وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ - 37
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - 38
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ – 39

تقرر الآيات السابقة ثلاثة مبادئ هامة لبناء المجتمعات المتحضرة..
أولا . طهارة الأفراد , بالزهد وإجتناب الكبائر والفواحش.
ثانيا . الاستجابة لأوامر الله تعالى وعلى رأسها إقامة الصلاة وتفعيل أوقاتها كما ذكرنا من قبل , ثم تفعيل مبدء الشورى كأهم مبدء في تسير أمور الدول والمجتمعات... ثم النهوض بالجانب الأقتصادي بحيث يزيد وتنفق على الفقراء سواء في مجتمعك أو للأمم الفقيرة وتحبيبهم في الإسلام .
ثالثا . يترتب على المبدئين السابقين العزة والنصر للأمة الإسلامية.

*******


فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - 36 وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ - 37

هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة، وذكر الأعمال الموصلة إليها فقال: ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ من ملك ورياسة، وأموال وبنين، وصحة وعافية بدنية. ﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ لذة منغصة منقطعة. ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ من الثواب الجزيل، والأجر الجليل، والنعيم المقيم ﴿ خَيْرٌ ﴾ من لذات الدنيا، خيرية لا نسبة بينهما ﴿ وَأَبْقَى ﴾ لأنه نعيم لا منغص فيه ولا كدر، ولا انتقال.
ثم ذكر لمن هذا الثواب فقال: ﴿ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ أي: جمعوا بين الإيمان الصحيح، المستلزم لأعمال الإيمان الظاهرة والباطنة، وبين التوكل الذي هو أساس لكل عمل، فكل عمل لا يصحبه التوكل غير تام.
والتوكل هو الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد، ودفع ما يكرهه, مع الثقة به تعالى.
﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ﴾ والفرق بين الكبائر والفواحش - مع أن جميعهما كبائر- أن الفواحش هي الذنوب الكبار التي في النفوس داع إليها، كالزنا ونحوه، والكبائر ما ليس كذلك، هذا عند الاقتران، وأما مع إفراد كل منهما عن الآخر فإن الآخر يدخل فيه.
﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ أي: قد تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح.
فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير، كما قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ – 35 فصلت ﴾

*****
مبدأ الشورى

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - 38

﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ ﴾ أي: انقادوا لطاعته، ولبَّوْا دعوته، وصار قصدهم رضوانه، وغايتهم الفوز بقربه.
﴿ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
﴿ وَأَمْرُهُمْ ﴾ الديني والدنيوي ﴿ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ أي: لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي في مصالح البلاد العليا والدفاع والجهاد لصد المعتدين، وإعداد الميزانيات المالية لجميع القطاعات بحيث ينشأ التوازن لتلبية الحاجات الملحة للإنسان من التطوير والبحث العلمي والتصنيع الثقيل كتصنيع الطائرات والبوارج البحرية والغواصات والتعمير وتوفير المساكن والخدمات اللازمة من طعام وشراب والعمل على التنمية المستمرة في مجال إنشاء المدن وشبكات الطرق والعمل على صيانتها, وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء، أو غيره، وكالبحث في المسائل الدينية عموما، فإنها من الأمور المشتركة، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله، وهو داخل في هذه الآية.
والشورى كأهم مبدأ تنادي به اليوم الدول المتحضرة تحت مسمى الديمقرطية , وجد في الإسلام منذ 15 قرن كمعيار من أهم معاير الحكم في الإسلام القائم على الشورى وعدم الاستبداد بالرأي.
وقد أمر الله تعالى نبيه بالإلتزام بذلك المبدأ كي يكون ملزما للأمة من بعده فقال تعالى :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ – 159 ال عمران ﴾
﴿وشاورهم في الأمر﴾ أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي: والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي: المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلا، وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-: ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ فكيف بغيره؟!
ثم قال تعالى: ﴿ فإذا عزمت ﴾ أي: على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إلى استشارة ﴿ فتوكل على الله ﴾ أي: اعتمد على حول الله وقوته، متبرئا من حولك وقوتك، ﴿ إن الله يحب المتوكلين ﴾ عليه، اللاجئين إليه.

*******

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ – 39

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ ﴾ أي: وصل إليهم من أعدائهم ﴿ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ لقوتهم وعزتهم، ولم يكونوا أذلاء عاجزين عن الانتصار.
فوصفهم بالإيمان، وعلى الله، واجتناب الكبائر والفواحش الذي تكفر به الصغائر، والانقياد التام، والاستجابة لربهم، وإقامة الصلاة، والمشاورة في أمورهم ، والإنفاق في وجوه الإحسان ، والقوة والانتصار على أعدائهم، فهذه خصال الكمال قد جمعوها فحق لهم النصر والعزة والسعادة في الدنيا والأخرة.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
10-09-2010, 07:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(3)
وبعض أيات من سورة الشورى

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ - 40 وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ – 41 إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – 42 وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ – 43

ومازالت المبادئ تتوالى مع سورة الشورى, ونعيش فيها مع مبدء العفو والانتصار للحق وعدم الظلم ثم نختم بمبدء الصبر والغفران لمن أساء من غير ضعف ولا تفريط للعدالة.

ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.

1- مرتبة العدل

جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.

2- مرتبة الفضل

وهي العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.
وفي جعل أجر العافي على الله ما يحث على العفو، وأن يعامل المؤمن غيره من الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.

3- مرتبة الظلم

وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله: ﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين يعتدون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم.
﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ﴾ أي: انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه ﴿ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ أي: لا حرج عليهم في ذلك.
فالذي ينتصر بعد ظلمه , ويجزي السيئة بالسيئة , ولا يعتدي , ليس عليه من جناح . وهو يزاول حقه المشروع . فما لأحد عليه من سلطان . ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد . إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس , ويبغون في الأرض بغير الحق .
فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف له الناس ليكفوه ويمنعوه من ظلمه ; وفيها باغ يجور ولا يجد من يقاومه ويقتص منه .
والله يتوعد الظالم الباغي بالعذاب الأليم . ولكن على الناس كذلك أن يقفوا له ويأخذوا عليه الطريق.
﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ ﴾ أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية ﴿ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ وهذا شامل للظلم والبغي على الناس، في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي: موجع للقلوب والأبدان، بحسب ظلمهم وبغيهم.

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ – 43

ومجموعة النصوص في هذه القضية تصور الاعتدال والتوازن بين الاتجاهين ; وتحرص على صيانة النفس من الحقد والغيظ , ومن الضعف والذل , ومن الجور والبغي , وتعلقها بالله ورضاه في كل حال . وتجعل الصبر زاد الرحلة الأصيل .
ومجموعة صفات المؤمنين ترسم طابعاً مميزاً للأمة التي تقود البشرية وترجو ما عند الله وهو خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.

﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ ﴾ على ما يناله من أذى الخلق ﴿ وَغَفَرَ ﴾ لهم، بأن سامح لهم عما يصدر منهم، ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ أي: لمن الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر.
فإن ترك الانتصار للنفس بالقول أو الفعل، من أشق شيء عليها، والصبر على الأذى، والصفح عنه، ومغفرته، ومقابلته بالإحسان، أشق وأشق، ولكنه يسير على من يسره الله عليه، وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك، ثم إذا ذاق العبد حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق.
قال تعالى:
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ – 35 فصلت

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
11-09-2010, 07:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(4)
وبعض أيات من سورة الزخرف


أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ - 32
وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ – 33 وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ – 34 وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ – 35

مبدأ التكامل وحقيقة السنن الإلهية.

ومبدأ التكامل بين البشر يقتضي أن يسخر الجميع لخدمة الجميع. وليس كما نرى من مبادئ البشر خدمة طبقة لصالح طبقة. أو استعلاء طبقة على طبقة , أو استعلاء فرد على فرد . . . إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض . والأرض تدور بالجميع , والتفاوت في الرزق هو الذي يسخر هذا لذاك , ويسخر ذاك لهذا في دورة الحياة .
العامل مسخر للمهندس ومسخر لصاحب العمل . والمهندس مسخر للعامل ولصاحب العمل . وصاحب العمل مسخر للمهندس وللعامل على السواء . . وكلهم مسخرون للخلافة في الأرض بهذا التفاوت في المواهب والاستعدادات , والتفاوت في الأعمال والأرزاق . .

إن الإسلام يقرر الحقائق الخالدة المركوزة في فطرة هذا الوجود ; الثابتة ثبات السماوات والأرض ونواميسها التي لا تختل ولا تتزعزع .
وطبيعة هذه الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت في مواهب الأفراد والتفاوت فيما يمكن أن يؤديه كل فرد من عمل ; والتفاوت في مدى اتقان هذا العمل . وهذا التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة للخلافة في هذه الأرض .
ولو كان جميع الناس نسخاً مكرورة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض بهذه الصورة . ولبقيت أعمال كثيرة جداً لا تجد لها مقابلاً من الكفايات , ولا تجد من يقوم بها - والذي خلق الحياة وأراد لها البقاء والنمو , خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتة تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها .
ذلك شأن الرزق والمعاش في هذه الحياة الدنيا . ووراء ذلك رحمة الله تعالى.

( وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )

والله يختار لهذه الرحمة من يشاء , ممن يعلم أنهم لها أهل . ولا علاقة بينها وبين عرض الحياة الدنيا ; ولا صلة لها بقيم هذه الحياة الدنيا . فهذه القيم عند الله زهيدة زهيدة . ومن ثم يشترك فيها الأبرار والفجار , وينالها الصالحون والطالحون . بينما يختص برحمته المختارين. .
وإن قيم هذه الأرض لمن الزهادة والرخص بحيث - لو شاء الله - لأغدقها إغداقاً على الكافرين به . ذلك إلا أن تكون فتنة للناس , تصدهم عن الإيمان بالله.

وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ – 33 وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ – 34 وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ – 35

فهكذا - لولا أن يفتتن الناس . والله أعلم بضعفهم وتأثير عرض الدنيا في قلوبهم - لجعل لمن يكفر بالرحمن صاحب الرحمة الكبيرة العميقة - بيوتاً سقفها من فضة , وسلالمها أو مصاعدها من ذهب. بيوتاً ذات أبواب كثيرة . قصورا . فيها سرر للاتكاء , وفيها زخرف للزينة . . رمزاً لهوان هذه الفضة والذهب والزخرف والمتاع ; بحيث تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن.
( وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
متاع زائل , لا يتجاوز حدود هذه الدنيا . ومتاع زهيد يليق بالحياة الدنيا
( وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )
وهؤلاء هم المكرمون عند الله بتقواهم ; فهو يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى ; ويؤثرهم بما هو أقوم وأغلى . ويميزهم على من يكفر بالرحمن ممن يبذل لهم من ذلك المتاع الرخيص ما يبذله للحيوان.
وإن عرض الحياة الدنيا الذي ضرب الله له بعض الأمثال من المال والزينة والمتاع ليفتن الكثيرين . وأشد الفتنة حين يرونه في أيدي الفجار , ويرون أيادي الأبرار منه خالية ; أو يرون هؤلاء في عسر أو مشقة أو ابتلاء , وأولئك في قوة وثروة وسطوة واستعلاء . والله يعلم وقع هذه الفتنة في نفوس الناس . ولكنه يكشف لهم عن زهادة هذه القيم وهوانها عليه ; ويكشف لهم كذلك عن نفاسة ما يدخره للأبرار الأتقياء عنده . والقلب المؤمن يطمئن لاختيار الله للأبرار وللفجار.
فزخارف الدنيا لا تدل على قربى من الله تعالى ولا تنبىء عن رضى , ولا تشي باختيار.

وفي الحديث القدسي :
من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا.
الراوي: عبيد الله بن محصن الأنصاري
- المصدر: صحيح ابن ماجه - لصفحة أو الرقم: 3357
خلاصة حكم المحدث: حسن

وهكذا يضع القرآن الأمور في نصابها ; ويكشف عن سنن الله في توزيع الأرزاق في الدنيا والآخرة ; ويقرر حقيقة القيم كما هي عند الله ثابتة .

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
14-09-2010, 02:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(5)
وبعض أيات من سورة الدخان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, حم - 1 وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ – 2 إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ – 3 فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ – 4 أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ – 5 رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ – 6 رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ – 7 لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ – 8

والليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن هي - والله أعلم - الليلة التي بدأ فيها نزوله ; وهي إحدى ليالي رمضان , الذي قيل فيه: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ). وكانت هذه الليلة موعد هذا الاتصال المبارك .
قال تعالى:
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ-1 وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ -2 لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ -3 تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ -4 سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ - 5

وهي ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب نبينا محمد ـ صلى الله عليه وأله وسلم ـ ليلة ذات الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعاً . والعظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري.

وإنها لمباركة حقاً تلك الليلة التي يفتح فيها ذلك الفتح على البشرية , والتي يبدأ فيها استقرار هذا المنهج الإلهي في حياة البشر ; والتي يتصل فيها الناس بالنواميس الكونية الكبرى مترجمة في هذا القرآن ترجمة يسيرة , تستجيب لها الفطرة السليمة ; وتقيم على اساسها عالماً إنسانياً مستقراً على قواعد الفطرة واستجاباتها , متناسقاً مع الكون الذي يعيش فيه , طاهراً نظيفاً كريماً ; يعيش فيه الإنسان على الأرض موصولاً بالسماء في كل حين.
ولقد عاش الذين أنزل القرآن لهم أول مرة فترة عظيمة في كنف السماء , موصولين مباشرة بالله ; يطلعهم أولاً بأول على ما في نفوسهم ; ويشعرهم أولاً بأول بأن عينه عليهم , ويحسبون هم حساب هذه الرقابة , وحساب هذه الرعاية , في كل حركة وكل هاجسة تخطر في ضمائرهم ; ويلجأون إليه أول ما يلجأون , واثقين أنه قريب مجيب. وقد انسحب ذلك الإيمان في كل معاملاتهم وأخلاقهم .
ومضى ذلك الجيل وبقي بعده القرآن كتاباً مفتوحاً موصولاً بالقلب البشري , يصنع به حين يتفتح له ما صنعه في قلوب المؤمنين الأوائل ; خير أمة أخرجت للناس , نشروا رسالة ربهم في ربوع الأرض في أقل من ثلاثين سنة , مع السيادة المطلقة كدولة أولى في العالم استمرت أكثر من عشرة قرون متتالية,
وبقي هذا القرآن منهجاً واضحاً كاملاً صالحاً لإنشاء حياة إنسانية نموذجية في كل بيئة وفي كل زمان . حياة إنسانية تعيش في بيئتها وزمانها في نطاق ذلك المنهج الإلهي المتميز الطابع , بكل خصائصه دون تحريف . وهذه سمة المنهج الإلهي وحده . الذي يحمل طابع الدوام والكمال , والصلاحية المستمرة وتلبية الحاجات في كل ظرف وفي كل حين .
أنزل الله هذا القرآن في هذه الليلة المباركة . . أولاً للإنذار والتحذير: ( إنا كنا منذرين ). فالله يعلم غفلة هذا الإنسان ونسيانه وحاجته إلى الإنذار والتنبيه .
وهذه الليلة المباركة بنزول هذا القرآن كانت فيصلاً وفارقاً بهذا التنزيل:
( فيها يفرق كل أمر حكيم )
وقد فرق فيها بهذا القرآن في كل أمر , وفصل فيها كل شأن , وتميز الحق الخالد والباطل الزاهق , ووضعت الحدود , وأقيمت المعالم لرحلة البشرية كلها بعد تلك الليلة إلى يوم الدين ; فلم يبق هناك أصل من الأصول التي تقوم عليها الحياة غير واضح . فالقرآن العظيم أنار العقول والقلوب بنور العلم والإيمان.

*****

رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - 5 رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ – 6 لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ – 7

و تتجلى رحمة الله بالبشر في تنزيل هذا القرآن , بهذا اليسر , الذي يجعله سريع اللصوق بالقلب , وتحول الكائن البشري إلى إنسان كريم , والمجتمع البشري إلى مجتمع متراحم مترابط في ظل عقيدة الرحمة.
إن هذه العقيدة - التي جاء بها القرآن - في تكاملها وتناسقها - جميلة في ذاتها جمالاً يحبّ ويعشق ; وتتعلق به القلوب ..

( رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) نزل بها هذا القرآن في الليلة المباركة . . ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ). يسمع ويعلم , وينزل ما ينزل للناس على علم وعلى معرفة بما يقولون وما يعملون , وما يصلح لهم ويصلحون به من السنن والشرائع والتوجيه السليم. .

( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ )

فما ينزله للناس يربيهم به , هو طرف من ربوبيته للكون كله , وطرف من نواميسه التي تصرف الكون , بشرط الثبات واليقين.
وهو الإله الواحد الذي يملك الموت والحياة ; وهو رب الأولين والآخرين.

( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ )

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
16-09-2010, 01:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(6)
وبعض أيات من سورة الجاثية


حم - 1 تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ – 2 إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ - 3

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 4

وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 5 تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ - 6


مازلنا نعيش مع أنوار مبادئ الإسلام التي التزم بها المسلمون الأوائل فسادوا العالم , فملأوا الدنيا نورا وعدلا.

منطق العلم واليقين

آيات الله تعالى في الكون من حولنا لا تدع مجالا للشك لأي عاقل لأن يدرك أن للكون إله خالق مدبر حكيم عليم يدير هذا الكون الهائل. وكان يجب على هذا الإنسان العاقل أن يذعن لرسالة ربه التي تنير له طريق السعادة في الدنيا والأخرة, فلو أرسل لك شخص برسالة فمن السفه أن تلقها دون أن تعرف محتواها , فما بالك برسالة الله رب العالمين للبشر. فمن رحمة الله تعالى بالإنسانية أن أرسل لهم خير البشر صلوات ربي وسلامه عليه بخير كتاب على وجه الأرض القرآن العظيم لتحقيق الرحمة والعدل فيما بينهم والنجاة والنعيم في الأخرة.


تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ – 2 إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ - 3


وكتاب الله تعالى يطلب منك التدبر والتأكد والتفحص والعلم بالآيات المكتوبة والآيات الكونية من حولك , وذلك لكونه الحق من عند الله تعالى لا يأتيه الباطل من قريب أو بعيد بل هو الحق المطلق.

والآيات المبثوثة في السماوات والأرض لا تقتصر على شيء دون شيء , ولا حال دون حال . فحيثما مد الإنسان ببصره وجد آيات الله تطالعه في هذا الكون العجيب . .

وأي شيء ليس آية ؟

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 4

هذه السماوات بأجرامها الضخمة , وأفلاكها الهائلة , وهي - على ضخامتها – تدور في أفلاكها في دقة واطراد وتناسق .

وهذه الأرض الواسعة العريضة بالقياس إلى البشر , وهي ذرة , أو هباءة بالقياس إلى النجوم الكبيرة . ثم بالقياس إلى هذا الفضاء الفسيح . . تتوه لولا القدرة التي تمسك بها وتنتظمها في العقد الكوني الذي لا يتوه شيء فيه.

وقد أودع الله تعالى خصائص دقيقة مقصودة متراكبة متجمعة متناسقة . لو اختلت خصيصة واحدة منها أو تخلفت ما أمكن أن تقوم فيها الحياة أو تدوم على الأرض.

وكل شيء في هذه الأرض وكل حي . . آية . . وكل جزء من كل شيء ومن كل حي في هذه الأرض . . آية . . والصغير الدقيق كالضخم الكبير . . آية . . هذه الورقة الصغيرة في هذه الشجرة الضخمة أو النبتة الهزيلة . . آية . . آية في شكلها وحجمها , آية في لونها وملمسها . آية في وظيفتها وتركيبها . وهذه الشعرة في جسم الحيوان أو الإنسان . . آية . . آية في خصائصها ولونها وحجمها . وهذه الريشة في جناح الطائر . . آية . . آية في مادتها وتنسيقها ووظيفتها . وحيثما مد الإنسان ببصره في الأرض أو في السماء تزاحمت الآيات وتراكبت , وأعلنت عن نفسها لقلبه وسمعه وبصره.

ولكن , من الذي يرى هذه الآيات ويستشعرها ؟ لمن تعلن هذه الآيات عن نفسها ؟ لمن ؟

إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ – 3

فالإيمان هو الذي يفتح القلوب لتلقي الأصداء والأضواء والأنداء ; والإحساس بما فيها من آيات الله المبثوثة في الأرض والسماء . تشير كلها إلى الخالق العظيم .

ثم ينتقل بهم السياق من آفاق الكون إلى ذوات أنفسهم ; وهي أقرب إليهم , وهم بها أكثر حساسية.:

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 4

وخلق هذا الإنسان بهذا التكوين العجيب , وبهذه الخصائص الفريدة , وبهذه الوظائف اللطيفة الدقيقة المتنوعة الكثيرة . خارقة . خارقة نسيناها لطول تكرارها , ولقربها منا ! ولكن التركيب العضوي لجارحة واحدة من جوارح هذا الإنسان مسألة تدير الرأس عجباً ودهشة واستهوالاً لهذا التركيب العجيب.

إن الحياة في أبسط صورها معجزة . في الإميبا ذات الخلية الواحدة . وفيما هو أصغر من الإميبا ! فكيف بها في هذا الإنسان الشديد التركيب والتعقيد ؟ وهو في تركيبه النفسي أشد تركباً وتعقداً من تركيبه العضوي.

وحوله تلك الخلائق التي تدب على الأرض أنواعاً وأجناساً , وأشكالاً وأحجاماً , لا يحصيها إلا الله . وأصغرها كأكبرها معجز في خلقه . معجز في تصريفه . معجز في تناسب حياته على هذه الأرض , بحيث لا يزيد جنس عن حدود معينة , تحفظ وجوده وامتداده , وتمنع طغيانه على الأجناس الأخرى طغيان إبادة وإفناء . واليد الممسكة بزمام الأنواع والأجناس تزيد فيها وتنقص بحكمة وتقدير ; وتركب في كل منها من الخصائص والقوى والوظائف ما يحفظ التوازن بينها جميعاً . .

النسور جارحة ضارية وعمرها مديد . ولكنها في مقابل هذا نزرة قليلة البيض والفراخ بالقياس إلى العصافير والزرازير . . ولنا أن نتصور كيف كان الأمر يكون لو كان للنسور نسل العصافير ؟ وكيف كانت تقضي على جميع الطيور ؟

والأسود كذلك في عالم الحيوان كاسرة ضارية . فكيف لو كانت تنسل كالظباء والشاء ؟ إنها ما كانت تبقي على لحم في الغابة ولا غذاء . . ولكن اليد التي تمسك بالزمام تجعل نسلها محدوداً بالقدر المطلوب ! وتكثر من ذوات اللحوم من الظباء والشاء وما إليها لسبب معلوم... .

والذبابة الواحدة تبيض في الدورة الواحدة مئات الألوف . . وفي مقابل هذا لا تعيش إلا حوالي أسبوعين اثنين . فكيف لو افلت الزمام فعاشت الذبابة الواحدة أشهراً أو سنين ؟ لكان الذباب يغطي الأجسام ويأكل العيون ؟ ولكن اليد المدبرة هناك تضبط الأمور وفق تقدير دقيق محسوب فيه حساب كل الحاجات والأحوال والظروف... .

وهكذا وهكذا . في الخلق ذاته . وفي خصائصه . وفي تدبيره وتقديره . في عالم الناس , وعالم الدواب . . في هذا كله آيات . آيات ناطقة . ولكن لمن ؟ من الذي يراها ويتدبرها ويدركها ؟

إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ - 3

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 4

واليقين هو الحالة المهيئة للقلوب كي تحس , وكي تتأثر , وكي تنيب . . اليقين الذي يدع القلوب تقر وتثبت وتطمئن ; وتتلقى حقائق الكون في هدوء ويسر وثقة من غير شك أعمى يتخبط في ظلمات الجهل والشتات.

ثم ينتقل بهم من ذوات أنفسهم وحركة الأحياء حولهم , إلى الظواهر الكونية , وما ينشأ عنها من أسباب الحياة لهم وللأحياء جميعاً.

وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 5 تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ - 6

واختلاف الليل والنهار ظاهرتان قد لا يلحظهما الإنسان من كثرة التكرار,

ولكن أية عجيبة تطالع الحس البشري وهو يواجه الليل أول مرة أو يواجه النهار ؟ إن القلب الشاعر المتفتح يرى هذه العجيبة دائماً , وينتفض لها دائماً ; ويرى يد الله التي تدير الكون كله كلما رأى الليل والنهار.

وتنمو معارف البشر , ويتسع علمهم عن بعض الظواهر الكونية , ويعرفون أن الليل والنهار ظاهرتان تنشآن عن دورة الأرض حول محورها أمام الشمس مرة في كل أربع وعشرين ساعة . ولكن العجيبة لا تنقص شيئاً بهذه المعرفة . فإن دورة الأرض هذه عجيبة أخرى . دورة هذا الجرم حول نفسه بهذه السرعة المنتظمة , وهو عائم في الهواء , سابح في الفضاء , غير مستند إلى شيء إلا إلى القدرة التي تمسك به وتديره كما شاءت بهذا النظام الذي لا يتخلف , وبهذا القدر الذي يسمح للأحياء والأشياء أن تظل على سطح هذا الكوكب السابح السارح الدائر في الفضاء.

ويتوسع البشر في علمهم فيدركون أهمية هاتين الظاهرتين على سطح الأرض بالقياس إلى الحياة والأحياء ;ويعرفون أن تقسيم الأوقات بين الليل والنهار بهذه النسبة على سطح هذا الكوكب عامل رئيسي لوجود الحياة وبقاء الأحياء ; وأنه لو لم توجد هاتان الظاهرتان بهذا القدر وعلى هذا النظام لتغير كل شيء على هذه الأرض , وبخاصة تلك الحياة الإنسانية التي تخص المخاطبين . من الأحياء ! ومن ثم تزداد هاتان الظاهرتان أهمية في الحس البشري ولا تنقصان.

وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 5

فهذه الأشعة التي تنزل من السماء ليست أقل أثراً في إحياء الأرض من الماء . فحرارة الشمس تبخر الماء من البحار فتتكاثف وتنزل أمطاراً , وتجري عيوناً وأنهاراً ; وتحيا بها الأرض بعد موتها . تحيا بالماء وتحيا بالحرارة والضياء سواء.

وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

والرياح تمضي شمالاً وجنوباً , وشرقاً وغرباً , منحرفة ومستقيمة , دافئة وباردة , وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب ; وحساب كل شيء فيه حساباً دقيقاً لا يترك شيئاً للمصادفة العمياء . . ولتصريف الرياح علاقة معروفة بدورة الأرض , وبظاهرتي الليل والنهار , وبالرزق الذي ينزل من السماء . وكلها تتعاون في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون .

آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

فللعقل هنا عمل , وله في هذا الميدان مجال.

وبهذه المبادئ يعيش المؤمن حياة اليقين مع آيات الله تعالى , سواء المكتوبة في القرآن العظيم أو المبثوثة في الكون.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
18-09-2010, 08:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(7)
وبعض أيات من سورة الجاثية

تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ - 6

لاحظنا في اللقاء السابق كيف بنيت مبادئ الإسلام على العلم والمنطق واليقين المحسوس. ورأينا كيف خاطب القرآن العقول والضمائر.
فمن لم يؤمن بهذه الآيات فلا رجاء في أن يؤمن بسواها ; ومن لم توقظه هذه الإشارات الموحية فلن توقظه الصرخات من غير هذا الصوت المستجاب.

تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ - 6

إن أي كلام لن يبلغ كلام الله في القرآن . وإن أي إبداع لن يبلغ إبداع الله في الكون . وإن أية حقيقة لن تبلغ حقيقة الله في الثبوت والوضوح واليقين . فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ...؟؟؟

*****

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - 7 يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - 8 وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ – 9 مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ – 10 هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ – 11

وهنا لا يليق بمن لا يؤمن إلا التهديد والتنكيل.:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ أي: كذاب في مقاله أثيم في فعاله.
وأخبر أن له عذابا أليما وأن ﴿ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾ تكفي في عقوبتهم البليغة.
وأنه ﴿ لا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا ﴾ من الأموال ﴿وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ يستنصرون بهم. ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) . ولا سبيل للنجاة من هذا العذاب إلا بهداية الله تعالى.
﴿ هَذَا هُدًى ﴾ وهذا وصف عام لجميع القرآن فإنه يهدي إلى معرفة الله تعالى بصفاته المقدسة وأفعاله الحميدة، ويهدي إلى معرفة رسله وأوليائه وأعدائه، وأوصافهم، ويهدي إلى الأعمال الصالحة والمبادئ الخالدة في الأخلاق والمعاملات ويدعو إليها ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها، ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال ويبين الجزاء الدنيوي والأخروي، فالمهتدون اهتدوا به فأفلحوا وسعدوا، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ الواضحة القاطعة ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ﴾

*******

وكما رأينا أيات الله تعالى في الأنفس والآفاق كالشمس لا ينكرها إلا من فقد عقله وقلبه. ثم بعد تلكموا الآيات الواضحة نجد شيئا في غاية الأهمية ألا وهو التسخير ..فلولا أن سخر لنا الله تعالى كل ماحولنا سواء في الأرض أو السماء لهلك الإنسان على ضعفه أمام كل هذا الكون المهول بكل بحاره وأنهاره و جباله وبراكينه وزلازله ووحوشه , ولكنها نعمة التسخير لذلك الإنسان.

اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ – 12 وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – 13

يخبر تعالى بفضله على عباده وإحسانه إليهم بتسخير البحر لسير المراكب والسفن والغواصات بأمره وتيسيره، ﴿ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بأنواع التجارات والمكاسب، ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ الله تعالى فإنكم إذا شكرتموه زادكم من نعمه وأثابكم على شكركم أجرا جزيلا.
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ أي: من فضله وإحسانه، وهذا شامل لأجرام السماوات من نجوم وكواكب وأقمار, والأرض وأنواع الحيوانات وأصناف الأشجار والثمرات وأجناس المعادن وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو من ضروراته، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه ولهذا قال: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ وجملة ذلك أن خلقها وتدبيرها وتسخيرها دال على نفوذ مشيئة الله وكمال قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان وبديع الصنعة وحسن الخلقة دال على كمال حكمته وعلمه، وما فيها من السعة والعظمة والكثرة دال على سعة ملكه وسلطانه، وما فيها من التخصيصات والأشياء المتضادات دليل على أنه الفعال لما يريد، وما فيها من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية دليل على سعة رحمته، وشمول فضله وإحسانه وبديع لطفه وبره، وكل ذلك دال على أنه وحده المألوه المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له وأن رسله صادقون فيما جاءوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة لا تقبل ريبا ولا شكا.
فالعلم واليقين هما أساس جميع مبادئ الإسلام.
فلا مجال للشك والخرافات والأوهام.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
21-09-2010, 12:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(1)
وبعض أيات من سورة الاحقاف

مبدأ الاستقامة على الحق


إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ -13
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ -14

والاستقامة على الحق من أهم المبادئ الإسلامية , حيث بدأت مع أول سور القرآن العظيم ... ( اهدنا الصرط المستقيم )
وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم.
الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي - المصدر: صحيح الجامع
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فالإسلام عقيدة في القلب تنعكس على كل تصرفات الإنسان , من أول الإقرار بوحدانية الخالق جل وعلا الذي خلقنا من العدم وأمدنا بكل وسائل الحفاظ على الحياة من هواء ومياه وغذاء...قال تعالى:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ – 32 وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ - 33 وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ – 34 " إبراهيم

فنعم الله لا تعد ولا تحصى..ثم أمدنا بمنهج التربية في المعاملات والأخلاق ومبادئ التشريع القائمة على العدل في الحكم بين الناس..وهكذا نجد أمامنا طريق واضح المعالم لا غموض فيه يصل القلب بخالقه بالعبادات المفروضة وعلى رأسها الصلاة حيث يقف المؤمن بين يدي ربه خمس مرات في اليوم والليلة يستمد منه العون والمغفرة على التقصير والغفلة ..ويسئله الثبات على الطريق المستقيم. وبذلك يعم الأمن بين البشر والحب والرخاء .
فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
فالذين أقروا بربهم وشهدوا له بالوحدانية والتزموا طاعته
وداموا على ذلك، و ﴿ اسْتَقَامُوا ﴾ مدة حياتهم ﴿ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ من كل شر أمامهم، ﴿ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على ما خلفوا وراءهم.
﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ أي: أهلها الملازمون لها الذين لا يبغون عنها حولا ولا يريدون بها بدلا، ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ من الإيمان بالله المقتضى للأعمال الصالحة التي استقاموا عليها.

******
وقال تعالى في سورة فصلت:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلا تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ - 30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ – 31 نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ – 32

أي: اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم، علمًا وعملاً، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

********
وقد ورد ذكر الصراط المستقيم 23 مرة في القرآن العظيم مما يدل على أهمية ذلك الأمر. .. وجدير بالذكر أن الصراط المستقيم وهو الطريق الموصل إلى رضوان الله تعالى يحاول كل من شياطين الإنس والجن الصد عنه.
فقد ورد في سورة الأعراف مقولة إبليس بعد إمتناعه عن السجود لأدم :
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ - 16 ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ – 17

أي: قال إبليس - لما أبلس وأيس من رحمة اللّه - ﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ ﴾ أي: للخلق ﴿ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي: لألزمن الصراط ولأسعى غاية جهدي على صد الناس عنه وعدم سلوكهم إياه..
﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾ أي: من جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريق يتمكن فيه من إدراك بعض مقصوده فيهم.
ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم، وكان جازما ببذل مجهوده على إغوائهم، ظن وصدق ظنه فقال: ﴿ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ فإن القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم،

******
ولذلك يجب أن يستعين الإنسان بربه في سلوك هذا الطريق المستقيم, قال تعالى في سورة يونس:
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ – 25
والله يختص برحمته من يشاء، وذلك عدله وحكمته، وليس لأحد عليه حجة بعد البيان والرسل،
والصرط المستقيم واضح المعالم بالحجة والبرهان لا غموض فيه....
قال تعالى في سورة النساء:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا - 174 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا – 175

يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة، ويقيم عليهم الحجة،
وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية، الآيات الأفقية والنفسية ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ ﴾ -53 فصلت
وفي قوله: ﴿ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته، حيث كان من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية، فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر، أن أوصل إليكم البينات، ليهديكم بها إلى الصراط المستقيم، والوصول إلى جنات النعيم.
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴾ وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه ِ﴾ أي: اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل، وتنزيهه من كل نقص وعيب. ﴿ وَاعْتَصَمُــوا بِـهِ ﴾ أي: لجأوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرأوا من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم. ﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ ﴾ أي: فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة، فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات، ويدفع عنهم البليات والمكروهات.
﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ أي: يوفقهم للعلم والعمل، معرفة الحق والعمل به.

وقال تعالى في سورة المائدة:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ - 15 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - 16

نسئل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم فبه سعادة الدنيا والآخرة.

*********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

ramevic
21-09-2010, 05:14 PM
جزاكم الله خيرا

Saber Abbas
23-09-2010, 01:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(2)
وبعض أيات من سورة الاحقاف


عشنا في اللقاء السابق مع مبدأ الاستقامة , والجدير بالذكر أن الاستقامة تبدأ من البيت حيث التراحم والترابط بين أفراد الأسرة التي تنعكس على المجتمع بصفة عامة , ولذلك كان التشديد والتأكيد على الأمر بالإحسان إلى الوالدين وخاصة الأم , وقد فطر الله تعالى الوالدين على حب أولادهم فلا يأكلوا حتى يأكل أولادهم وإن مرضوا سهروا على تمريضهم. وقد ينسى الإنسان هذه المرحلة العمرية التي ظل يتلقى فيها الرعاية, وذلك من فضل الله تعالى أن فطر الأبوين على ذلك, وزد على ذلك تحمل الأم متاعب الحمل والام الوضع والرضاعة , والنظافة للرضيع والأخذ بيده خطوة بخطوة حتى يشتد عوده.
قد ينسى الإنسان كل هذا , ولكن الله تعالى الرحيم بعباده يذكره دائما بالإحسان إلى من جعلهما سببا في وجوده على الأرض. وخاصة الأم.

وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ - 15 أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ – 16

هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة وغير ذلك من وجوه الإحسان.
ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين،
وإنما ذلك مدة طويلة قدرها ﴿ ثَلاثُونَ شَهْرًا ﴾ للحمل تسعة أشهر ونحوها والباقي للرضاع هذا هو الغالب.
ويستدل بهذه الآية مع قوله: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع - وهي سنتان - إذا سقطت منها السنتان بقي ستة أشهر مدة للحمل، وفي الغالب تكون فترة الحمل تسعة أشهر قد تزيد أيام قليلة بعدها أو تقل , فلكل إنسان موعد نزول إلى هذه الدنيا , كما أن له موعد خروج. ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ أي: نهاية قوته وشبابه وكمال عقله، ﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ﴾ أي: ألهمني ووفقني ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ﴾ أي: نعم الدين ونعم الدنيا، وشكره بصرف النعم في طاعته سبحانه, والاعتراف بالعجز عن الشكر والاجتهاد في الثناء بها على الله، والنعم على الوالدين نعم على أولادهم وذريتهم لأنهم لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها، خصوصا نعم الدين فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم.
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾ العمل الذي يرضاه الله ويقبله ويثيب عليه. ﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ﴾ لما دعا لنفسه بالصلاح دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله: ﴿ وَأَصْلِحْ لِي ﴾
﴿ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾ من الذنوب والمعاصي ورجعت إلى طاعتك ﴿ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
﴿ أُولَئِكَ ﴾ الذين ذكرت أوصافهم ﴿ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ﴾ وهو الطاعات لأنهم يعملون أيضا غيرها. ﴿ وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ فِي جملة ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ فحصل لهم الخير والنعيم الأبدي وزال عنهم الشر والمكروه.
﴿ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ أي: هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد صادق من أصدق القائلين الذي لا يخلف الميعاد.

*********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
24-09-2010, 09:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(3)
وبعض أيات من سورة الاحقاف


عشنا في اللقاء السابق مع البر بالوالدين والأخلاق العالية في التعامل بين أفراد الأسرة حيث تنعكس تلك الأخلاق على المجتمع.
واليوم نرى الصورة المقابلة , صورة من يتضجر من النصح , ويستخف بمبدأ البعث والحساب , مستكبرا متعاليا بالباطل , سواء بما لديه من مال أو بعض من ظواهر العلم , فلا يوقر الوالدين ولا يخاف العقاب في الأخرة, يطلق العنان لأهوائه تتحكم فيه إلى حين الأجل والوعد الحق حيث لا ينفع الندم....

وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ - 17 أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ - 18 وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ – 19

لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه ذكر حالة العاق وأنها شر الحالات فقال: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ ﴾ إذ دعواه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر وخوفاه الجزاء.
وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية وفلاحه السرمدي فقابلهما بأقبح مقابلة فقال: ﴿ أُفٍّ لَكُمَا ﴾ أي: تبا لكما ولما جئتما به.
ثم ذكر وجه استبعاده وإنكاره لذلك فقال: ﴿ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ﴾ من قبري إلى يوم القيامة ﴿ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ﴾ على التكذيب وسلفوا على الكفر وهم الأئمة المقتدى بهم لكل كفور وجهول ومعاند؟
﴿ وَهُمَا ﴾ أي: والداه ﴿ يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ﴾ عليه, ويقولان له: ﴿ وَيْلَكَ آمِنْ ﴾ أي: يبذلان غاية جهدهما ويسعيان في هدايته أشد السعي حتى إنهما - من حرصهما عليه - أنهما يستغيثان الله له استغاثة الغريق ويبينان له الحق فيقولان: ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ ثم يقيمان عليه من الأدلة ما أمكنهما، وولدهما لا يزداد إلا عتوا ونفورا واستكبارا عن الحق وقدحا فيه، ﴿ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي: إلا منقول من كتب المتقدمين , بدون تدبر للقرآن العظيم... وأنى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ؟...فلا يوجد على ظهر الأرض كتابا يشبهه..
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ أي: حقت عليهم كلمة العذاب ﴿ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾ على الكفر والتكذيب فسيدخل هؤلاء في غمارهم وسيغرقون في تيارهم.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴾ والخسران فوات رأس مال الإنسان، وإذا فقد رأس ماله فالأرباح من باب أولى وأحرى، فهم قد فاتهم الإيمان ولم يحصلوا على شيء من النعيم ولا سلموا من عذاب الجحيم.
﴿ وَلِكُلٍّ ﴾ من أهل الخير وأهل الشر ﴿ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾ أي: كل على حسب مرتبته من الخير والشر ومنازلهم في الدار الآخرة على قدر أعمالهم ولهذا قال: ﴿ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ بأن لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم.

وبهذا ندرك أهمية التربية الإيمانية في المجتمعات حيث أنها تفيد الأباء والأمهات حين الكبر. فالمؤمن بار بوالديه محسن إليهما , بينما الكافر غير بار بوالديه , يسخر منهما وينهرهما, وكثير ما نرى أباء وأمهات في دور المسنين هملا منسيا في ظل حضارة مادية لا تقدر القيم والأخلاق ولا تؤمن بحساب في الأخرة.
ولا سبيل إلا حضارة الإسلام التي تجمع كل من الإيمان بقيم السماء العالية والعلوم النافعة للبشرية في جميع مجالات الحياة .
قال تعالى:
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ -77 القصص

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-09-2010, 06:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(4)
وبعض أيات من سورة محمد


أهم صفات المؤمنين والكافرين


الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ – 1
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ – 2 ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ - 3

بيان إضلال الأعمال التي تصدر من الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله . سواء صدوا هم أم صدوا وصدوا غيرهم ,
فهذا البيان يفيد ضياع هذه الأعمال وبطلانها ,
وهذه الأعمال التي أضلت ربما كان المقصود منها بصفة خاصة الأعمال التي يأملون من ورائها الخير . والتي يبدو على ظاهرها الصلاح . فلا قيمة لعمل صالح من غير إيمان . فهذا الصلاح شكلي لا يعبر عن حقيقة وراءه . فلا بد من مرجعية إيمانية تصدر عنها الأفعال .
وحينئذ يكون للعمل الصالح معناه . ويكون له هدفه وتكون له آثاره وفق المنهج الإلهي الذي يربط أجزاء هذا الكون , ويجعل لكل عمل ولكل حركة وظيفة وأثرا في كيان هذا الوجود , وفي قيامه بدوره , وانتهائه إلى غايته.


وفي الجانب الآخر: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ – 2

والإيمان الأول يشمل الإيمان بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم... وتبين الآية صفات ذلك الإيمان: ( وهو الحق من ربهم ) ويؤكد هذا المعنى ويقرره . وإلى جوار الإيمان المستكن في الضمير , العمل الظاهر في الحياة . وهو ثمرة الإيمان الدالة على وجوده وحيويته وانبعاثه.
وهؤلاء: ( كفر عنهم سيئاتهم ) . . في مقابل إبطال أعمال الذين كفروا فإن السيئة تغفر للمؤمنين . وهو تقابل تام مطلق يبرز قيمة الإيمان وقدره عند الله , وفي حقيقة الحياة ....
( وأصلح بالهم ) . . وإصلاح البال نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في القدر والقيمة والأثر, ومتى صلح البال , استقام الشعور والتفكير , واطمأن القلب والضمير , وارتاحت المشاعر والأعصاب , ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام . . وماذا بعد هذا من نعمة أو متاع ?

والسؤال لماذا إبطال عمل الكافر وإصلاح عمل المؤمن ؟
وتجيب الآيات ...

ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ - 3

فالباطل ليست له جذور ضاربة في كيان هذا الوجود ; ومن ثم فهو ذاهب هالك ; وكل من يتبعه وكل ما يصدر عنه ذاهب هالك كذلك . ولما كان الذين كفروا اتبعوا الباطل فقد ضلت أعمالهم , ولم يبق لهم منها شيء ذو قيمة.
والحق ثابت تقوم عليه السماوات والأرض , وتضرب جذوره في أعماق هذا الكون . ومن ثم يبقى كل ما يتصل به ويقوم عليه . ولما كان الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم , فلا جرم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم .
فهو أمر واضح مقرر يقوم على أصوله الثابتة , ويرجع إلى أسبابه الأصلية .
( كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ) . وكذلك يضع لهم القواعد التي يقيسون إليها أنفسهم وأعمالهم . فيعلمون المثل الذي ينتمون إليه ويقاسون عليه . ولا يحتارون في الوزن والقياس...

*********

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ - 7

هذا أمر منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره.

فقد حقق الصحابة رضوان عليهم أسباب النصر كلها من إيمان كامل , بالقول الذي إستقر في قلوبهم والعمل به على أرض الواقع. قال تعالى:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ - 47 الروم

ثم الإعداد بالقوة في كل ميادين الحياة طبقا لمفهوم الآية الكريمة :
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ....60 الأنفال

ثم الثبات عند لقاء العدو , والإبتعاد عن المعاصي والمخالفات , مع عدم الفرقة والتمزق الذي يضيع الأمم.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - 45
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ – 46 الأنفال

وهذا ما تحقق للصحابة رضوان الله عليهم جميعا .

فقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ولا يكون لأحد ممن بعدهم فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم . قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب .


********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-09-2010, 06:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(5)
وبعض أيات من سورة الفتح

الحديبية فتح وفضل الله على رسوله والمؤمنين

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً – 1 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً – 2 وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً – 3

لقد أري رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في منامه أنه يدخل الكعبة هو والمسلمون محلقين رؤوسهم ومقصرين .
وكان المشركون قد منعوهم منذ الهجرة من دخول مكة , حتى في الأشهر الحرم التي يعظمها العرب كلهم في الجاهلية , ويضعون السلاح فيها ; ويستعظمون القتال في أيامها , والصد عن المسجد الحرام . حتى أصحاب الثارات كانوا يتجمعون في ظلال هذه الحرمة , ويلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فلا يرفع في وجهه سيفا , ولا يصده عن البيت المحرم . ولكنهم خالفوا عن تقاليدهم الراسخة في هذا الشأن ; وصدوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمين معه طوال السنوات الست التي تلت الهجرة . حتى كان العام السادس الذي أري فيه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] هذه الرؤيا . وحدث بها أصحابه - رضوان الله عليهم - فاستبشروا بها وفرحوا..

ورواية ابن هشام لوقائع الحديبية هي أوفى مصدر نستند إليه في تصورها .
وهي في جملتها تتفق مع رواية البخاري ورواية الإمام أحمد .

قال ابن إسحاق:ثم أقام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالمدينة شهر رمضان وشوالا "بعد غزوة بني المصطلق وما جاء في أعقابها من حديث الإفك" وخرج في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا . واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه ;
وخرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بمن معه من المهاجرين والأنصار , ومن لحق به من العرب - وكان أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة. ; وساق معه الهدي , وأحرم بالعمرة , ليأمن الناس من حربه , وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له..
وخرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي . فقال : يا رسول الله ...هذه قريش قد سمعت بمسيركَ , قد لبسوا جلود النمور , وقد نزلوا بذي طوى , يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا .
فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " يا ويح قريش ... لقد أكلتهم الحرب . ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب ? فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا , وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين , وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة .
فما تظن قريش ? فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله , أو تنفرد هذه السالفة " .
ثم قال: " من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها ؟
فقال رجلا من أسلم : أنا يا رسول الله . فسلك بهم طريقا وعرا أجرل بين شعاب . فلما خرجوا منه - وقد شق ذلك على المسلمين - وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي , قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] للناس : " قولوا نستغفر الله ونتوب إليه " . فقالوا ذلك . فقال:" والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل , فلم يقولوها.. "
فأمر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الناس فقال :" اسلكوا ذات اليمين " مهبط الحديبية من أسفل مكة.
فسلك الجيش ذلك الطريق . فلما رأت جنود قريش ذلك , رجعوا راكضين إلى قريش .
وخرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته . فقال الناس : خلأت الناقة . فقال : " ما خلأت . وما هو لها بخلق . ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ".
ثم قال للناس:" انزلوا " قيل له : يا رسول الله , ما بالوادي ماء ينزل عليه . فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه . فنزل في قليب من تلك القلب , فغرزه في جوفه , فجاش بالرواء...

فلما اطمأن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي , في رجال من خزاعة , فكلموه , وسألوه ما الذي جاء به ? فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا , وإنما جاء زائرا للبيت , ومعظما لحرمته . ثم قال لهم نحوا مما قال لبشر بن سفيان ; فرجعوا إلى قريش فقالوا : يا معشر قريش , إنكم تعجلون على محمد . إن محمدا لم يأت لقتال , وإنما جاء زائرا لهذا البيت . فاتهموهم وجبهوهم , وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا . فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدا , ولا تحدث بذلك عنا العرب.
فدعا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عثمان ابن عفان , فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب , وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته .
قال ابن إسحاق : فخرج عثمان إلى مكة , فلقيه أبان بن سعيد بن العاص , حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها ; فحمله بين يديه , ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]...
فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش , فبلغهم عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ما أرسله به ; فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إليهم:إن شئت أن تطوف بالبيت فطف . فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] واحتبسته قريش عندها , فبلغ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل...

قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر , أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال - حين بلغه ان عثمان قد قتل -:" لا نبرح حتى نناجز القوم " . فدعا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الناس إلى البيعة , فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة . .
قال ابن هشام: عن ابن عمر , أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بايع لعثمان , فضرب بإحدى يديه على الأخرى...

قال ابن إسحاق : قال الزهري : ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]
فلما رآه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مقبلا قال:- " قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل " . فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] تكلم فأطال الكلام . وتراجعا . ثم جرى بينهما الصلح..

فلما التأم الأمر , ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر , فقال : يا أبا بكر , أليس برسول الله ? قال : بلى .. قال : أولسنا بالمسلمين ? قال : بلى .. قال : أوليسوا بالمشركين ? قال : بلى ... قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ?
قال أبو بكر: يا عمر , الزم غرزه , فإني أشهد أنه رسول الله . قال عمر : وأنا أشهد انه رسول الله .
ثم أتى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : يا رسول الله , ألست برسول الله ? قال : بلى ! قال : أولسنا بالمسلمين ? قال: بلى ! قال : أوليسوا بالمشركين ? قال : بلى ! قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ?
قال:" أنا عبد الله ورسوله , لن أخالف أمره , ولن يضيعني " .
فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ , مخافة كلامي الذي تكلمت به , حين رجوت أن يكون خيرا...
ثم دعا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - فقال: " اكتب باسم الله الرحمن الرحيم "
فقال سهيل: لا أعرف هذا , ولكن اكتب باسمك اللهم . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]" اكتب باسمك اللهم " فكتبها .
ثم قال:" اكتب:هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو " .
فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ; ولكن اكتب اسمك واسم أبيك . قال: فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " اكتب:هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله . سهيل بن عمرو .
اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين , يأمن فيهن الناس , ويكف بعضهم عن بعض , على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليه , ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه.
وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه , ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه
وأنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة , وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك , فدخلتها بأصحابك , فأقمت بها ثلاثا , معك سلاح الراكب. السيوف في القرب , لا تدخلها بغيرها...

فبينما رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو , إذ جاء أبو جندل بن سهيل ابن عمرو يرسف في الحديد , قد انفلت إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] .
فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه , ثم قال: يا محمد , قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا . قال: " صدقت " فجعل ينتره بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين , أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني ? فزاد الناس إلى ما بهم .
فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]:" يا أبا جندل , اصبر واحتسب , فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا , إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا , وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله , وإنا لا نغدر بهم " .

وجدير بالذكر هنا أن نذكر حكم النساء المهاجرات إلى الله ورسوله.
هل يدخلن في حكم المعاهدة ؟

قال تعالى في سورة الممتحنة:
يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن , الله أعلم بإيمانهن , فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار , لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن , وآتوهم ما أنفقوا , ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ; ولا تمسكوا بعصم الكوافر , واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا . ذلكم حكم الله يحكم بينكم , والله عليم حكيم ..

وقد ورد في سبب نزول هذه الأحكام أنه كان بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه:"على ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا" . . فلما كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمون معه بأسفل الحديبية جاءته نساء مؤمنات يطلبن الهجرة والانضمام إلى دار الإسلام في المدينة ; وجاءت قريش تطلب ردهن تنفيذا للمعاهدة . ويظهر أن النص لم يكن قاطعا في موضوع النساء , فنزلت هاتات الآيتان تمنعان رد المهاجرات المؤمنات إلى الكفار , يفتن في دينهن وهن ضعاف..
ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها , تنظم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته دون تأثر بسلوك الفريق الآخر , وما فيها من شطط وجور . على طريقة الإسلام في كل معاملاته الداخلية والدولية .
وأول إجراء هو امتحان هؤلاء المهاجرات لتحري سبب الهجرة , فلا يكون تخلصا من زواج مكروه , ولا طلبا لمنفعة , ولا جريا وراء حب فردي في دار الإسلام...
قال ابن عباس: كان يمتحنهن : بالله ما خرجت من بغض زوج , وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض , وبالله ما خرجت التماس دنيا , وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله...
وهذا هو الامتحان . . وهو يعتمد على ظاهر حالهن واقرارهن مع الحلف بالله . فأما خفايا الصدور فأمرها إلى الله , ولا سبيل للبشر إليها.

*****
روى الإمام أحمد باسناده - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في سفر . قال : فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد علي . قال : فقلت ثكلتك أمك يابن الخطاب . ألححت . كررت على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ثلاث مرات , فلم يرد عليك ... قال: فركبت راحلتي , فحركت بعيري , فتقدمت , مخافة أن يكون نزل في شيء . قال : فإذا أنا بمناد يا عمر . قال: فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء . قال: فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] :" نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " .
ورواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن مالك رحمه الله.

*****
وبهذا يتضح أن صلح الحديبية كان فتح وفضل من الله تعالى على رسوله والمؤمنين.

قال تعالى:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً - 27 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً - 28

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
30-09-2010, 08:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(6)
وبعض أيات من سورة الفتح

صورة وضيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام
الأطهار المختارين من بين البشر ليكونوا حملة مشعل الحضارة المتكاملة لسائر البشر رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم وحشرنا في زمرتهم,
ونقول للواقفين على خلافات التاريخ دعوكم من الأوهام فإن الظن أكذب الحديث ..
فإن الوقائع تقع الأن في ثورة التسجيل بالصوت والصورة عبر الأقمار الصناعية والحاسوب ومع ذلك لا يتفق إثنين على صحتها وذلك لدواعي السياسة..فما بالنا بحوادث حدثت منذ 1431 عام فهل لعاقل أن ينصب نفسه حكما لأناس أطهار كانت غايتهم نشر رسالة الله تعالى في كافة الأرض..؟

يجب أن تصحح المناهج الفكرية المذهبية لتلتقي في رافد مستقيم عزب ليس به شوائب الحقد والضغينة على أسياد البشر الذين فتحوا البلاد في أقل من 30 عاما من مشرقها إلى مغربها يتصدرون العالم كدولة أولى استمرت 13 قرن بحضارة مستنيرة جمعت بين العلم والإيمان والعدل والأخلاق, وليست حضارة عرجاء تنظر إلى الجانب المادي فقط .

فحضارة الإسلام حضارة متكاملة الجوانب والأركان.

وإليكم تلكم الصورة الوضيئة التي نرى فيها كرامة الإنسانية مجسدة في هذه الأنوار البشرية...


مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ, تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً, سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ, وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ, وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً – 29

وتبدأ الآية بإثبات صفة محمد صلى الله عليه وسلم , صفته التي أنكرها سهيل بن عمرو ومن وراءه من المشركين: ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ). .
والمؤمنون لهم حالات شتى . وتتناول الآية الحالات الثابتة في حياتهم , ونقط الإرتكاز الأصيلة في هذه الحياة . وتبرزها وتصوغ منها الخطوط العريضة في الصور الوضيئة . . وإرادة التكريم واضحة في اختيار هذه الصور.
( أشداء على الكفار رحماء بينهم ). . أشداء على الكفار وفيهم آباؤهم وإخوتهم وذوو قرابتهم وصحابتهم , ولكنهم قطعوا هذه الوشائج جميعا . رحماء بينهم وهم فقط إخوة دين . فهي الشدة لله والرحمة لله . وهي الحمية للعقيدة , والسماحة للعقيدة . فليس لهم في أنفسهم شيء , ولا لأنفسهم فيهم شيء . وهم يقيمون عواطفهم ومشاعرهم , كما يقيمون سلوكهم وروابطهم على أساس عقيدتهم وحدها . يشتدون على أعدائهم فيها , ويلينون لإخوتهم فيها . وقد تجردوا من الأنانية ومن الهوى , ومن الانفعال لغير الله .
( تراهم ركعا سجدا ). . والتعبير يوحي كأنما هذه هيئتهم الدائمة التي يراها الرائي حيثما رآهم . ذلك أن هيئة الركوع والسجود تمثل حالة العبادة في الصلاة , وهي الحالة الأصيلة لهم في حقيقة نفوسهم ; فعبر عنها تعبيرا يثبتها كذلك في زمانهم , حتى لكأنهم يقضون زمانهم كله ركعا سجدا...وكأن حياتهم كله طاعة لله تعالى..
( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ). . فهذه هي صورة مشاعرهم الدائمة الثابتة . كل ما يشغل بالهم , وكل ما تتطلع إليه أشواقهم , هو فضل الله ورضوانه . ولا شيء وراء الفضل والرضوان يتطلعون إليه ويشتغلون به...
( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ). . سيماهم في وجوههم من الوضاءة والإشراق والصفاء والشفافية , وليست هذه السيما هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله: ( من أثر السجود ). . فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة . فهو أثر هذا الخشوع . أثره في ملامح الوجه , حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة . ويحل مكانها التواضع النبيل , والشفافية الصافية , والوضاءة الهادئة , والذبول الخفيف الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلا...
( ذلك مثلهم في التوراة ). . وصفتهم التي عرفهم الله بها في كتاب موسى , وبشر الأرض بها قبل أن يجيئوا إليها .
( ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه ). .. فهو زرع نام قوي لا يضعف العود بل يشده . ( فآزره فاستغلظ ) الزرع وضخمت ساقه وامتلأت . ( فاستوى على سوقه ) لا معوجا ومنحنيا . ولكن مستقيما قويا سويا....
هذه صورته في ذاته . فأما وقعه في نفوس أهل الخبرة في الزرع , العارفين بالنامي منه والذابل . المثمر منه والبائر . فهو وقع البهجة والإعجاب: ( يعجب الزراع ). وفي قراءة يعجب ( الزارع ). . وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هذا الزرع النامي القوي المخصب البهيج . . وأما وقعه في نفوس الكفار فعلى العكس . فهو وقع الغيظ والكمد: ( ليغيظ بهم الكفار ). . وتعمد إغاظة الكفار يوحي بأن هذه الزرعة هي زرعة الله . أو زرعة رسوله , وأنهم ستار للقدرة وأداة لإغاظة أعداء الله...
لتبقى نموذجا للأجيال , تحاول أن تحققها , لتحقق معنى الإيمان في أعلى الدرجات...
وفوق هذا التكريم كله , وعد الله بالمغفرة والأجر العظيم: ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ). . وهو وعد يجيء في هذه الصيغة العامة بعدما تقدم من صفتهم , التي تجعلهم أول الداخلين في هذه الصيغة العامة..
مغفرة وأجر عظيم . . وذلك التكريم وحده حسبهم . وذلك الرضى وحده أجر عظيم . ولكنه الفيض الإلهي بلا حدود ولا قيود , والعطاء الإلهي عطاء لا ينقطع..

جعلنا الله منهم ومعهم في جنات النعيم.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
04-10-2010, 03:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(7)
وبعض أيات من سورة الحجرات

مبدأ الصلح بين المؤمنين

إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ - 10

إنما المؤمنون إخوة في الدين, فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن تُرحموا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم , لا يظلمه , ولا يحقره , ولا يسلمه , بحسب إمر من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

إن عقيدة التوحيد تلزم المؤمنين بطاعة الله ورسوله
ومن الأمور الهامة التي أمرنا الله بها عدم التنازع فيما بيننا
قال تعالى:
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ - 46 الأنفال

وورد في تفسير ابن كثير هذا المعنى:

وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ولا يكون لأحد ممن بعدهم فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم . قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب

وقد ترسخت روح الترابط بين الأمة الواحدة قرونا عديدة إعمالا لقوله تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ - 103 ال عمران

أي تمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم, ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم.

قد نختلف في بعض الآراء ولكن في إطار علمي وإطار المصلحة العمة , مثل علماء المدارس الفقهية , كل بحسب فهمه للنصوص التي تحتمل وجوه عديدة للتأويل لمعطيات العصور المتتالية , وفي ذلك مرونة لصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ..

أما مانراه اليوم من نزاع وفرقة وضعف فليس من الإسلام في شئ, أود أن يتيقن المسلمون في كل مكان أنه مالم تتوحد الأمة و ما لم يتحقق الإستقلال السياسي الحقيقي وما لم يتم وقف استغلالها طائفياً وقومياً وقبليةً لصالح الدول الكبرى ومالم تُعَد صياغة هذه الأمة وتشكيلها بحسب مكوناتها كأمة تجمع بينها عقيدة ورسالة تمثل منهج حياة ودعوة للإنسانية جمعاء، فإنها ستبقى خائرة القوى صريعة على مذابح الآخرين...
فيجب العمل على توحيد صف الأمة بكل السبل...
فلو تصورنا أن العالم الإسلامي يجمعهم كيان واحد , مع إعتبار إستقلالية الدول بوضعها الحالي , ولكن يجمعهم سوق مشتركة , يجمعهم دفاع مشترك , تجمعهم شبكة مواصلات موحدة ميسرة لتنقل المسلم بحرية في الأقطار الإسلامية , تجمعهم عملة مشتركة , يجمعهم مشاريع زراعية وصناعية مشتركة حيث التكامل التجاري فيما بينهم . لعادت الهيبة لأمتنا وعادت حضارتها المجيدة...

********

فإن حدث تنازع وتقاتل بين الأخوة وجب علي المجتمع الإسلامي فض ذلك النزاع بأسرع مايمكن , حتى يصل بإستعمال القوة على الفئة الباغية حتى تفيئ إلى أمر الله تعالى..

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ – 9 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ – 10

ورد في تفسير السعدي

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ هذا عقد، عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون، ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له، ما يكرهون لأنفسهم،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم آمرًا بحقوق الأخوة الإيمانية : لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام....
المصدر: صحيح البخاري - لصفحة أو الرقم: 6065 الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وقال صلى الله عليه و سلم : إن المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا . وشبك أصابعه ..
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري المصدر: صحيح البخاري - لصفحة أو الرقم: 481
خلاصة حكم المحدث: صحيح

**********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
08-10-2010, 02:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(8)
وبعض أيات من سورة الحجرات

عرضنا في اللقاء السابق مبدأ الصلح بين المؤمنين , وفي هذا اللقاء إن شاء الله تعالى نستعرض بعض السلبيات التي يجب تجنبها حيث أنها تؤجج العداوة بين المؤمنين...


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ - 11
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ - 12


إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدى القرآن مجتمع له أدب رفيع , ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس . وهي من كرامة المجموع . ولمز أي فرد هو لمز لذات النفس , لأن الجماعة كلها وحدة , كرامتها واحدة.
والقرآن العظيم في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب: يا أيها الذين آمنوا . وينهاهم أن يسخر قوم بقوم , أي رجال برجال , فلعلهم خير منهم عند الله , أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله تعالى....
فقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير . والرجل القوي من الرجل الضعيف , والرجل السوي من الرجل غير السوي . وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخام . وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم . وذو العصبية من اليتيم . . . وقد تسخر الجميلة من القبيحة , والشابة من العجوز , والمعتدلة من المشوهة , والغنية من الفقيرة . . ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس , فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين...
ولكن القرآن لا يكتفي بهذا الإيحاء , بل يستجيش عاطفة الأخوة الإيمانية , ويذكر الذين آمنوا بأنهم نفس واحدة من يلمزها فقد لمزها : ( ولا تلمزوا أنفسكم ). . واللمز: العيب .
ومن السخرية واللمز- التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها , ويحسون فيها سخرية وعيبا . ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به . ومن أدب المؤمن ألا يؤذي أخاه بمثل هذا .
وقد غير رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أسماء وألقابا كانت في الجاهلية لأصحابها , أحس فيها بحسه المرهف , وقلبه الكريم بما يزري بأصحابها , أو يصفهم بوصف ذميم....

﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾
أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب...
﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فهذا –هو- الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابلة –على- ذمه.
﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فالناس قسمان: ظالم لنفسه غير تائب ، وتائب مفلح ...

******
ومن الأمور الأخرى التي تؤجج الصراعات داخل المجتمع الإيماني سوء الظن والغيبة والتجسس.. ولذلك قال تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ – 12

والنداء بالذين أمنوا يدل على أن المؤمن لا يصدر منه تلك النقائص ..وأن كرامة الإنسان فوق كل إعتبار..فلا يتركوا نفوسهم نهبا لكل ما يهجس فيها حول الآخرين من ظنون وشبهات وشكوك . وتعلل هذا الأمر: ( إن بعض الظن إثم ). وما دام النهي منصبا على أكثر الظن , والقاعدة أن بعض الظن إثم , فإن إيحاء هذا التعبير للضمير هو اجتناب الظن السيء أصلا , لأنه لا يدري أي ظنونه تكون إثما...
بهذا يطهر القرآن الضمير من داخله أن يتلوث بالظن السيء , فيقع في الإثم ; ويدعه نقيا بريئا من الهواجس والشكوك , أبيض يكن لإخوانه المودة التي لا يخدشها ظن السوء ; والبراءة التي لا تلوثها الريب والشكوك ...
فالمؤمن بريء نظيف فلا يصبح الظن أساسا للطعن في أخلاقه ومعاملاته ..
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا ظننت فلا تحقق " .
ومعنى هذا أن يظل الناس أبرياء , مصونة حقوقهم , وحرياتهم , واعتبارهم . حتى يتبين بوضوح أنهم ارتكبوا ما يؤاخذون عليه . ولا يكفي الظن بهم لتعقبهم بغية التحقق من هذا الظن الذي دار حولهم...

ومن هنا ندرك مدى صيانة كرامة الإنسان في الإسلام وحماية حرياتهم وحقوقهم , قبل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان..

( وَلا تَجَسَّسُوا ) والتجسس قد يكون هو الحركة التالية للظن ; وقد يكون حركة ابتدائية لكشف العورات , والاطلاع على السوءات...
وهذا المبدأ من مباديء الإسلام الرئيسية في نظامه الاجتماعي , وفي إجراءاته التشريعية والتنفيذية...
إن للناس حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم التي لا يجوز أن تنتهك في صورة من الصور , ولا أن تمس بحال من الأحوال...
ففي المجتمع الإسلامي الرفيع الكريم يعيش الناس آمنين على أنفسهم , آمنين على بيوتهم , آمنين على أسرارهم , آمنين على عوراتهم . ولا يوجد مبرر - مهما يكن - لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات . ْ
وعن مجاهد:لا تجسسوا , خذوا بما يظهر لكم , ودعوا ما ستر الله...
﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ والغيبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه ﴾
ثم ذكر مثلاً منفرًا عن الغيبة، فقال: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ شبه أكل لحمه ميتًا، المكروه للنفوس -غاية الكراهة -، باغتيابه، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه، وخصوصًا إذا كان ميتًا، فاقد الروح، فكذلك، - فلتكرهوا - غيبته، وأكل لحمه حيًا.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ والتواب، الذي يأذن بتوبة عبده، فيوفقه لها، ثم يتوب عليه، بقبول توبته، رحيم بعباده، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم، وقبل منهم التوبة، وفي هذه الآية، دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر.

وبذلك ندرك عظمة هذه المبادئ الخالدة التي وردت في رسالة الله للعالمين للأخذ بأيديهم من أوحال المعاملات السيئة إلى المبادئ التي تحقق كرامة الإنسان وسعادته في الدنيا والأخرة...

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
12-10-2010, 01:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(9)
وبعض أيات من سورة الحجرات

عالمية الرسالة


يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – 13

هذه دعوة للتعارف بين الشعوب والقبائل , دعوة للتسابق إلى الرفعة والكرامة عند الله تعالى , طريقها التقوى أي الوقاية من الأثام والمعاصي وإلتزام ما يرضي الله تبارك وتعالى من أداب وأخلاق ومعاملات وإحسان في كل ما نقوم به من أعمال , والمحافظة على الفرائض من صلاة وزكاة وصيام وحج لمن استطاع إليه سبيلا.
فرسالة الإسلام دعوة لكرامة الأنسان حيث تلغي العنصرية البغيضة والعرقية التي لا أساس لها إلا في نفوس المتكبرين, فلا فرق بين أبيض وأسود, ولا فرق بين عربي أو أعجمي , فالعبرة بالإيمان والعمل الصالح الذي مبناه التقوى , فالكل سواء أمام شرع الله , إن أكرمكم عند الله اتقاكم.

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) يا أيها الناس . يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا , المتفرقون شعوبا وقبائل . إنكم من أصل واحد . فلا تختلفوا ولا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا...
يا أيها الناس . والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم . . من ذكر وأنثى . . وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبا وقبائل . إنها ليست التناحر والخصام . إنما هي التعارف والوئام . فأما اختلاف الألسنة والألوان , واختلاف الطباع والأخلاق , واختلاف المواهب والاستعدادات , فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق , بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات . وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله . إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم , ويعرف به فضل الناس: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ). . والكريم حقا هو الكريم عند الله . وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين: ( إن الله عليم خبير )
وهكذا تسقط جميع الفوارق , ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة , وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر , وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان...
وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض ; وتهون جميع القيم التي يتكالب عليها الناس . ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون . هو ألوهية الله للجميع , وخلقهم من أصل واحد . كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته , وهو لواء التقوى . .
قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ -21
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ – 22 البقرة

قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " كلكم بنو آدم , وآدم خلق من تراب . ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم , أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان ".. المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4568
وقال [ صلى الله عليه وسلم ] عن العصبية الجاهلية : " دعوها فإنها منتنة " ...المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4905

وهذا هو المبدأ الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي في وضوح . المساواة بين البشر ورفض العنصرية والعصبية..

******
وقد وجهه الله النداء إلي الناس جميعا في مواضع كثير من القرآن منها على سبيل المثال ما ورد في سورة غافر:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ - 3

يأمر تعالى، جميع الناس أن يذكروا نعمته عليهم، وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح انقيادا، فإن ذكر نعمه تعالى داع لشكره، ثم نبههم على أصول النعم، وهي الخلق والرزق، فقال: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
ولما كان من المعلوم أنه ليس أحد يخلق ويرزق إلا اللّه، نتج من ذلك، أن كان ذلك دليلا على ألوهيته وعبوديته، ولهذا قال: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ أي: تصرفون عن عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق.

وقال تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ – 5 إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ – 6

يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ بالبعث والجزاء على الأعمال، ﴿ حَقٌّ ﴾ أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، قد دلت على ذلك الأدلة السمعية والبراهين العقلية، فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له، وبادروا أوقاتكم بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع، ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، فتلهيكم عما خلقتم له، ﴿ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ الذي هو ﴿ الشَّيْطَانُ ﴾ الذي هو عدوكم في الحقيقة ﴿ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ أي: لتكن منكم عداوته على بال، ولا تهملوا محاربته كل وقت، فإنه يراكم وأنتم لا ترونه، وهو دائما لكم بالمرصاد.
﴿ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ هذا غايته ومقصوده ممن تبعه، أن يهان غاية الإهانة بالعذاب الشديد. وعقيدة التوحيد والتقوى هي طريق النجاة من هذا السعير...

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – 13

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
16-10-2010, 11:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السادس و العشرون
(10)
وبعض أيات من سورة ق والذاريات

مبدأ الرقابة

وانعكسه على تصرفات الإنسان وضبطها, وحماية المجتمعات من المؤمنة بأقوي سياج ضد الجرائم وسوء الأخلاق بجانب أجهزة الأمن الساهرة على حماية الأفراد والممتلكات.

فالإيمان بتدوين كل أعمال وأقوال الإنسان يجعل من الإنسان رقيبا على كل ما ينطق وكل ما يعمل.

قال تعالى في سورة الإسراء : وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)

يقال للإنسان يوم القيامة : اقرأ كتاب أعمالك، وهذا من أعظم العدل والإنصاف أن يقال للعبد: حاسِبْ نفسك، كفى بها حسيبًا عليك.

وقال تعالى في سورة الكهف : وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)

تسجيل الصوت والصورة

ولقد عرف الإنسان في الوقت الراهن تسجيل الصوت والصورة عبر الأقمار الصناعية , وأنظمة المراقبة الدقيقة التي تراقب الداخلين والخارجين في المطارات والفنادق والأبنية الهامة , وكل هذا لا يشكل إلا الحركات الخارجية للإنسان , ويمكن للإنسان أن يتجنب أجهزة المرقبة بالإبتعاد عنها , ولكن لا يستطيع أن يتوارى عن الرقابة الإلهية.

******
المَلَكان المترصدان للتدوين

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)

ولقد خلقنا الإنسان, ونعلم ما تُحَدِّث به نفسه, ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (وهو عِرْق في العنق متصل بالقلب).
حين يكتب المَلَكان المترصدان عن يمينه وعن شماله أعماله. فالذي عن اليمين يكتب الحسنات, والذي عن الشمال يكتب السيئات.
ما يلفظ من قول فيتكلم به إلا لديه مَلَك يرقب قوله, ويكتبه, وهو مَلَك حاضر مُعَدٌّ لذلك.
ومن الحديث الطويل لمعاذ: ..... فأخذ – رسول الله صلى الله عليه وسلم - بلسانه ، قال : كف عليك هذا . فقلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم.
الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2616
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح

*********

بعض النماذج من الأعمال الصالحة التي تدون للمحسنين
وبعض آيات من سورة الذاريات.


إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)


كان هؤلاء المحسنون قليلا من الليل ما ينامون, يُصَلُّون لربهم قانتين له, وفي أواخر الليل قبيل الفجر يستغفرون الله من ذنوبهم.
وفي أموالهم حق واجب ومستحب للمحتاجين الذين يسألون الناس, والذين لا يسألونهم حياء.
وفي الأرض عبر ودلائل واضحة على قدرة خلقها لأهل اليقين بأن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له، والمصدِّقين لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي خلق أنفسكم دلائل على قدرة الله تعالى, وعبر تدلكم على وحدانية خالقكم, وأنه لا إله لكم يستحق العبادة سواه, أغَفَلتم عنها, فلا تبصرون ذلك, فتعتبرون به؟

أهمية الإيمان

وفي السماء رزقكم – فلا داعي للسرقة ولا دعي للغش ولا دعي للربا ولا دعي للنصب لأخذ أموال الناس بالباطل .
فرزقكم سوف يأتيكم لأنه مقدر فاطلبوه بالعمل الصالح وبكرامة.
إن صور الفساد تستشري في المجتمعات التي تنحي الإيمان جانبا ولا تطبق القانون على الجميع ,
وفي السماء رزقكم وما توعدون - من الخير والشر والثواب والعقاب, وغير ذلك كله مكتوب مقدَّر.

********

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-10-2010, 03:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السابع و العشرون
(1)

وبعض أيات من سورة الذاريات

تطالعنا الآيات في هذا الجزء على الهمة في طلب التقرب إلى الله , " ففروا إلى الله " وفي نهاية الجزء يطلب منا ربنا أن نتسابق في طلب المغفرة " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ...

والفرار لا يتأتى إلا من شئ هالك زائل إلى رحاب الأمن والأمان والخلود والسعادة الأبدية.


فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ – 50 وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ – 51 كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ – 52 أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ - 53
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ - 54 وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ - 55

فأعباء الحياة تكبل الإنسان وتقعده عن المضي في تزكية نفسه من الأوزار والغفلة والمعاصي , فجاء النداء العلوي للإنسان يستفيقه من هذه الغفلة.... فالعمر يمضي سريعا , والأيام بل الشهور بل الأعوام تتسارع كانها البرق وكلنا يشعر بهذا وكأنها علامات الساعة...

الفرار إلى الله وحده منزها عن كل شريك . وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر: ( إني لكم منه نذير مبين ).
ويقابل الكافرون هذه الدعوة بالسخرية والإفتراء منذ بدأت الرسالات إلى يومنا هذا..
والنتيجة الطبيعية التي تترتب على هذا الموقف المتكرر , الذي كأنما تواصى به الطاغون على مدار القرون , ألا يحفل الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] تكذيب المشركين . فهو غير ملوم على ضلالهم , ولا مقصر في هدايتهم وكذلك الدعاة في كل زمان : ( فتول عنهم فما أنت بملوم ). . إنما هو مذكر , فعليه أن يذكر , وأن يمضي في التذكير , مهما أعرض المعرضون وكذب المكذبون : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ). . ولا تنفع غيرهم من الجاحدين . والتذكير هو وظيفة الرسل والدعاة والعلماء ورثة الأنبياء . والهدى والضلال خارجان عن هذه الوظيفة , والأمر فيهما إلى الله وحده . الذي خلق الناس لأمر يريده....

******


وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ - 56 مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ - 57 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ - 58 فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ - 59 فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ -60

وتستقيم الحياة مع هذا الفهم الصحيح لحياة الإنسان ..أن تسير وفق القانون الذي وضعه الله تعالى للكون .والعبادة لله تعالى تعني عدم الشذوذ عن الفطرة السليمة للإنسان. كما تعني القيام بالدور المنوط به الإنسان على هذه الأرض ...قال تعالى: : ( وإذ قال ربك للملائكة:إني جاعل في الأرض خليفة ) 30 البقرة. . فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني . وهي تقتضي ألوانا من النشاط الحيوي في عمارة الأرض , والتعرف إلى قواها وطاقاتها , وذخائرها ومكنوناتها , وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها . كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام.
هذا هو مفهوم العبادة الشامل لكل جوانب الحياة وليس منصب فقط في أداء الشعائر. فشعائر الإسلام الممثلة في الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تشغل كل حياة الإنسان. والمطلوب في الآية كل حياة الإنسان أن تكون عبادة أي تسير وفق سنة الله تعالى في الكون ورسالته التي أرسلها لتحقق العدل والحرية والكرامة للإنسان على وجه الأرض.


وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
23-10-2010, 01:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السابع و العشرون
(2)
وبعض آيات من سورة الطور

تكلمنا في اللقاء السابق عن الهمة في طلب التقرب إلى الله تعالى,
فلا وقت للخوض في الباطل ليضيع العمر دون تحصيل ما ينفعنا في الدنيا والأخرة..

فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ – 11 الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ – 12
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً – 13 هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ -14

(الذين هم في خوض يلعبون). .

وهذا الوصف ينطبق ابتداء على أولئك المشركين ومعتقداتهم المتهافتة , وتصوراتهم المهلهلة ; وحياتهم القائمة على تلك المعتقدات وهذه التصورات , التي وصفها القرآن العظيم وحكاها في مواضع كثيرة . وهي لعب لا جد فيه . لعب يخوضون فيه كما يخوض اللاعب في الماء , غير قاصد إلى شاطئ أو هدف , سوى الخوض واللعب !
ولكنه يصدق كذلك على كل من يعيش بتصور آخر غير التصور الإسلامي ..
ولعل المتتبع للتصور الإسلامي عبر هذه السلسلة يدرك الفرق الواضح بين جدية المنهج الإسلامي - في العقائد والمعاملات القائمة على العدل والحق – وبين العقائد الزائفة التي تقوم على الوهم واللعب..
فالتصور الإسلامي يلتقي مع الفطرة التقاء مباشرا دون كد ولا جهد ولا تعقيد . لأنه يطالعها بالحقيقة الأصيلة العميقة فيها . ويفسر لها الوجود وعلاقتها به , كما يفسر لها علاقة الوجود بخالقه تفسيرا يضاهي ما استقر فيها ويوافقه .
فالتفسير القرآني للوجود هو تفسير صانع هذا الوجود لطبيعته وارتباطاته . . أما تصورات الفلاسفة فهي محاولات تفسير أجزاء صغيرة من هذا الوجود لتفسير الوجود كله . والعاقبة معروفة لمثل هذه المحاولات البائسة ....إنه عبث . وخلط . وخوض . ولعب. وضياع للعمر كما أسلفنا..

إن الإسلام يرفع من اهتمامات البشر بقدر ما يرفع من تصورهم للوجود الإنساني وللوجود كله ; وبقدر ما يكشف لهم عن علة وجودهم وحقيقته ومصيره ; وبقدر ما يجيب إجابة صادقة واضحة عن الأسئلة التي تساور كل نفس:

من أين جئت ? لماذا جئت ? إلى أين أذهب ?

وإجابة الإسلام عن هذه الأسئلة تحدد التصور الحق للوجود الإنساني وللوجود كله . فإن الإنسان ليس بدعا من الخلائق كلها . فهو واحد منها . جاء من حيث جاءت . وشاركها علة وجودها . ويذهب إلى حيث تقتضي حكمة خالق الوجود كله أن يذهب . فالإجابة على تلك الأسئلة تشمل كذلك تفسيرا كاملا للوجود كله , وارتباطاته وارتباطات الإنسان به . وارتباط الجميع بخالق الجميع .
وهذا التفسير ينعكس على الاهتمامات الإنسانية في الحياة ; ويرفعها إلى مستواه . ومن ثم تبدو اهتمامات الآخرين صغيرة هزيلة في حس المسلم المشغول بتحقيق وظيفة وجوده الكبرى في هذا الكون , عن تلك الصغائر والتفاهات التي يخوض فيها اللاعبون ..

( يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً )

يوم يُدْفَع هؤلاء المكذبون دفعًا بعنف ومَهانة إلى نار جهنم، ويقال توبيخًا لهم: هذه هي النار التي كنتم بها تكذِّبون.
أفسحر ما تشاهدونه من العذاب أم أنتم لا تنظرون؟ ذوقوا حرَّ هذه النار, فاصبروا على ألمها وشدتها, أو لا تصبروا على ذلك، فلن يُخَفَّف عنكم العذاب، ولن تخرجوا منها, سواء عليكم صبرتم أم لم تصبروا, إنما تُجزون ما كنتم تعملون في الدنيا.

*******
تكريم المتقين وذريتهم

فإن كانت ثمرة الإيمان والعمل الصالح والأخلاق الكريمة تعود على صاحبها.. إلا أنها تشمل أيضا الذرية المؤمنة الصالحة وإن كانت ليست على مستوى الأباء , فإن الله الرحيم يلحق الأبناء بالأباء,.. كرما وفضلا منه سبحانه الحنان المنان ..

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ – 17
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ – 18
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – 19
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ – 20

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ -21

وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ – 22
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ – 23
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ – 24
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ – 25
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ – 26 فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ – 27 إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ – 28


لما ذكر تعالى عقوبة المكذبين، ذكر نعيم المتقين، ليجمع بين الترغيب والترهيب، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء، فقال: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ لربهم، الذين اتقوا سخطه وعذابه، بفعل أسبابه من امتثال الأوامر واجتناب النواهي.

﴿ فِي جَنَّاتِ ﴾ أي: بساتين، قد اكتست رياضها من الأشجار الملتفة، والأنهار المتدفقة، والقصور المحدقة، والمنازل المزخرفة، ﴿ وَنَعِيمٍ ﴾ وهذا شامل لنعيم القلب والروح والبدن،


﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )

وهذا من تمام نعيم أهل الجنة، أن ألحق الله بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان أي: الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم، فهؤلاء المذكورون، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، وزيادة في ثوابهم، ومع ذلك، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا.

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-10-2010, 11:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السابع و العشرون
(3)
وبعض آيات من سورة النجم

وسورة النجم تذكرنا بمعجزة المعراج من المسجد الاقصى الي سدرة المنتهى...
وهي أول رحلة عبر السماوات العلا , وإلى الأن لم يستطع أي إنسان أن يصعد إلى السماء الأولى..فهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأن هذه الرحلة فخر للإنسانية أن صعد خير البشر صلى الله عليه وسلم ليلتقي بالأنبياء عبر السماوات السبع بصحبة أمين الملائكة جبريل عليه السلام , ثم صعوده وحده بعد سدرة المنتهى حيث تلقي فريضة الصلاة مباشرة من الله تعالى , وهي هدية القرب للقرب .. بمعنى أنها صلة القرب بين العباد والخالق تبارك وتعالى..
فصلوات ربي وسلامه على من حمل الهدية للبشر..للتقرب من رب العالمين.

******


بسم الله الرحمن الرحيم

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى -1 مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى -2 وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى -3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى -4 عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى -5 ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى -6 وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى -7 ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى -8 فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى -9 فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى -10 مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى -11 أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى -12 وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى -13 عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى -14
عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى -15 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى -16 مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى -17 لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى -18

فأن النجم مهما يكن عظيما هائلا فإنه يهوي ويتغير مقامه . فلا يليق أن يكون معبودا . فللمعبود الثبات والارتفاع والدوام .
ذلك هو القسم . فأما المقسم عليه , فهو أمر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] مع الوحي الذي يحدثهم عنه:
( ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ). .

هذا الوحي معروف حامله . مستيقن طريقه . مشهودة رحلته . رآه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] رأي العين والقلب , فلم يكن واهما ولا مخدوعا ..
( علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى . وهو بالأفق الأعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ). .
والشديد القوي ذو المرة [ أي القوة ] , هو جبريل - عليه السلام - وهو الذي علم صاحبكم ما بلغه إليكم .

وهذا هو الطريق , وهذه هي الرحلة , مشهودة بدقائقها : استوى وهو بالأفق الأعلى . حيث رآه محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وكان ذلك في مبدأ الوحي . حين رآه على صورته التي خلقه الله عليها , يسد الأفق بخلقه الهائل . ثم دنا منه فتدلى نازلا مقتربا إليه . فكان أقرب ما يكون منه . على بعد ما بين القوسين أو أدنى - وهو تعبير عن منتهى القرب - فأوحى إلى عبد الله ما أوحى . بهذا الإجمال والتفخيم والتهويل .
فهي رؤية عن قرب بعد الترائي عن بعد . وهو وحي وتعليم ومشاهدة وتيقن .
وهي حال لا يتأتى معها كذب في الرؤية , ولا تحتمل مماراة أو مجادلة ..( ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ). . ورؤية الفؤاد أصدق وأثبت , لأنها تنفي خداع النظر . فلقد رأى فتثبت فاستيقن فؤاده أنه الملك , حامل الوحي , رسول ربه إليه , ليعلمه ويكلفه تبليغ ما يعلم . وانتهى المراء والجدال , فما عاد لهما مكان بعد تثبت القلب ويقين الفؤاد .
وليست هذه هي المرة الوحيدة التي رآه فيها على صورته . فقد تكررت مرة أخرى:
( ولقد رآه نزلة أخرى . عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى . ما زاغ البصر وما طغى . لقد رأى من آيات ربه الكبرى . )
وكان ذلك في ليلة الإسراء والمعراج - على الراجح من الروايات - فقد دنا منه - وهو على هيئته التي خلقه الله بها مرة أخرى ( عند سدرة المنتهى ). وهي التي انتهت إليها صحبة جبريل لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حيث وقف هو, وصعد محمد [ صلى الله عليه وسلم ] درجة أخرى أقرب إلى عرش ربه وأدنى .

( ما زاغ البصر وما طغى ). أي هي المشاهدة الواضحة المحققة , التي لا تحتمل شكا ولا ظنا . وقد عاين فيها من آيات ربه الكبرى , واتصل قلبه بالحقيقة المباشرة .
فالأمر إذن - أمر الوحي - أمر عيان مشهود . ورؤية محققة . ويقين جازم واتصال مباشر . ومعرفة مؤكدة . وصحبة محسوسة . ورحلة واقعية . بكل تفصيلاتها ومراجعها . . وعلى هذا اليقين تقوم دعوة ( صاحبكم ) صلى الله عليه وسلم , وما هو بغريب عنكم فتجهلوه ....وربه يصدقه ويقسم على صدقه . ويقص عليكم كيف أوحى إليه . وكيف قربه وحمله رسالة القرب والهداية للعالمين.
قال تعالى: ( واسجد واقترب ) 19 العلق

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ 186 البقرة

وقال تعالى : ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ 61 هود أي: قريب ممن دعاه دعاء مسألة، أو دعاء عبادة، يجيبه بإعطائه سؤله، وقبول عبادته، وإثابته عليها، أجل الثواب، واعلم أن قربه تعالى نوعان: عام، وخاص،
فالقرب العام: قربه بعلمه، من جميع الخلق، وهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ ق
والقرب الخاص: قربه من عابديه، وسائليه، ومحبيه، وهو المذكور في قوله تعالى ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
و قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ﴾ وهذا النوع، قرب يقتضي إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم، ولهذا يقرن، باسمه "القريب" اسمه "المجيب"...
قال صلى الله عليه وسلم:
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . فأكثروا الدعاء..
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 482
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وهكذا ندرك سر من أسرار معجزة المعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فهي رحلة القرب للقرب.

******

إن أفواج الحجيج قبل إحتلال القدس كانوا يذهبون الى زيارة المسجد الأقصى بعد أداء فريضة الحج , إعمالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا لثلاث مساجد , المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا إشارة للمسجد النبوي الشريف.
وإنه من غير المتصور إنقطاع المسلمون في أنحاء المعمورة عن زيارة المسجد الأقصى ....

فيتحتم على المسلمين في كل مكان على وجه الأرض أن لا يفرطوا في مقدساتهم ..
فيجب عمل طريق من الأردن الى المسجد الأقصى تحت حماية إسلامية و هذا أقل ما يفعل نحو معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-11-2010, 02:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السابع و العشرون
(4)
وبعض آيات من سورة القمر


إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - 49


إن المتأمل في الكون من حولنا يجد العجب والحكمة والدقة المتناهية لسير النجوم في مسارتها والكواكب في أفلاكها والأقمار حول كواكبها , وتهيئة الأرض للحياة بهذا المدد الهائل من الغذاء لأهل الأرض جميعا من بشر وسائر المخلوقات , ولو أختل سبب واحد من أسباب التوازن على الأرض , لم تجد الأرض على ماهي عليه الأن...

فكل شيء . . كل صغير وكل كبير . كل ناطق وكل صامت . كل متحرك وكل ساكن . كل ماض وكل حاضر . كل معلوم وكل مجهول . كل شيء . . خلقه الله تعالى بقدر . .
قدر يحدد حقيقته . ويحدد صفته . ويحدد مقداره . ويحدد زمانه . ويحدد مكانه . ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء . وتأثيره في كيان هذا الوجود .

واليكم بعض الحقائق العلمية : من ( موسوعة الإعجاز العلمي )
التي تدل علي قدرة الله تعالى في الكون وتفرده سبحانه بالملك
وتقدير كل شئ بحكمة بالغة . بحيث لو زادت أو نقصت لحدث إختلال

1. الجاذبية :

إذا كانت أقوى: فالجو سيحتجز كثيراً من غاز الأمونيا والميتان.
إذا كانت أضعف: جو الكوكب سوف يخسر كثيراً من الماء.


2. البعد عن النجم الأم: ( الشمس )
إذا كانت الأرض أبعد: الكوكب سيكون بارداً جداً.
إذا كانت الأرض أقرب: الكوكب سيكون ساخناً جداً.


3. سمك القشرة:

إذا كانت أكثر سمكاً: كثير من الأوكسجين سوف ينتقل من الجو إلى القشرة.
إذا كانت أرق : النشاط البركاني سيكون كبيراً جداً.


4. فترة الدوران:

إذا كانت أطول: فروق درجات الحرارة اليومية سيكون كبيراً جداً.
إذا كانت أقصر: سرعات الرياح الجوية ستكون كبيرة جداً.


5. التفاعل التجاذبي مع القمر:

إذا كان أكبر: فإن تأثيرات المد على المحيطات والجو سيكون قاسياً جداً.
إذا كان أقل: فإن تغيرات في الميل المداري سوف يسبب عدم استقرار مناخي.


6. الحقل المغناطيسي:

إذا كان أقوى: العواصف الكهرطيسية ستكون عنيفة.
إذا كان أضعف: ستكون الحماية غير ملائمة من الإشعاعات النجمية القاسية.

7. نسبة الضوء المنعكسة إلى مجمل كمية الضوء الساقط على السطح :

إذا كان كبيراً: ستحل عصور جليدية.
إذا كان صغيراً: ستذوب الثلوج وتغرق الأرض في الماء، ثم تصبح جافة قاحلة بفعل ملح البحار.


8. نسبة الأوكسجين إلى النتروجين في الجو:

إذا كانت كبيرة: توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة كبيرة.
إذا كانت أصغر: توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة بطيئة.


9. مستوى غاز الكربون وبخار الماء في الجو:

إذا كانت كبيرة: ترتفع درجة حرارة الجو بشكل أكبر.
إذا كانت أصغر: تنخفض درجة حرارة الجو.

10. مستوى الأوزون في الجو:

إذا كان أكبر: درجة حرارة السطح ستكون منخفضة جداً.
إذا كان أقل: درجة حرارة السطح ستكون عالية جداً. وسيكون هناك كثير من الإشعاع فوق البنفسجية عند السطح.


11. النشاط الزلزالي:

إذا كان أكبر: سيتحطم كثير من أشكال الحياة.
إذا كان أقل: فإن المادة الغذائية على قيعان المحيطات (الآتية من مقذوفات الأنهار) لن تخضع للدورة المتكررة.

********

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - 49


فإن قدر الله وراء كل حادث . وكل نشأة . وكل مصير . ووراء كل نقطة , وكل خطوة , وكل تبديل أو تغيير .
إنه قدر الله النافذ , الشامل , الدقيق , العميق يجب أن ينعكس على سلوك الإنسان بحيث يرضى لقضاء الله في كل أمور حياته ويدرك أن حكمة ما وراء ما يحدث قد لا تدرك في حينها ,
فحين ترك نبي الله "إبراهيم" زوجته هاجر في قلب الصحراء ..سألته سؤال واحد فقط ..الله أمرك بهذا ؟....قال نعم ..قالت إذن لا يضيعنا...وكانت الحكمة في بناء البيت العتيق "الكعبة" ..وكان من ذرية إسماعيل عليه السلام , سيد البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ماحدث لنبي الله " يوسف" من رميه في البئر ومن دخوله السجن ولقاءه بساقي الملك وتفسير الرؤية لملك مصر , ثم تبرئته وتعينه وزيرا على خزائن مصر , كل هذه الأحداث تمت بقدر الله تعالى , فالمؤمن يتقبل ما يحدث بقلب مطمئن.. فإنه لا يحدث في الكون إلا ما قدره الله تعالى. وأن ما يقع من مصائب على البشر إما عقاب على ما إقرفته أيديهم أو إبتلاء للمؤمنين وزيادة ورفعة لدرجاتهم في الجنة... فهناك حكمة وراء كل ما يقع في الكون أدركناه أو لم ندركه.
فأحيانا يرى البشر طرف الخيط القريب ولا يرون طرفه البعيد . وأحيانا يتطاول الزمن بين المبدأ والمصير في عمرهم القصير , فتخفى عليهم حكمة التدبير . فيستعجلون ويقترحون . وقد يسخطون . أو يتطاولون !
والله يعلمهم في هذا القرآن أن كل شيء بقدر ليسلموا الأمر لصاحب الأمر , وتطمئن قلوبهم وتستريح ويسيروا مع قدر الله في توافق وفي تناسق .

*****
وكما أن الكون من حولنا يسير وفق قدر الله في الكون, فيجب على الإنسان أن يسير حياته على منهج الله تعالى ودستوره الذي أرسله للعالمين...
قال تعالى في سورة الأعراف:
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ,
أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا,
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا,
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ,
وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ,
وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ -151

وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ,
وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا,
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى,
وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ -152

وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ -153

وقال تعالى في سورة النساء:

إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا,
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ,
إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً -58

وبهذا الفهم- لحقيقة الربط بين سلوك المؤمن بقدر الله تعالى في الكون وبإرسال الرسل لإرساء مبادئ العدل والحرية – تتحقق السكينة في القلوب المطمئنة. . ويسود الرضى بقضاء الله تعالى.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
03-11-2010, 12:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السابع و العشرون
(5)
وبعض آيات من سورة الرحمن


الرَّحْمَنُ -1 عَلَّمَ الْقُرْآنَ -2
خَلَقَ الإِنسَانَ -3 عَلَّمَهُ الْبَيَانَ -4

الرحمن برحمته إياكم علمكم القرآن . وإنك لتعجب حيث تجد أناس لا يعرفون العربية ولا يتكلمون بها ومع ذلك يقرأون القرآن ويحفظونه كأي عربي ..
ولا تجد ذلك في أي كتاب في العالم إلا القرآن العظيم كلام رب العالمين...

ولعلكم تلاحظون أن آية " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " تكررت كثيرا في السورة السابقة "سورة القمر "..فسبحان من هذا كلامه...

إن الله علم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه من الحلال والحرام , والمعايش والمنطق , وغير ذلك مما به الحاجة إليه..
فالبيان هو توضيح الظواهر ووصفها واستنباط أمور جديدة مترتبة عليها
ولذلك نرى هذا الكم الهائل من المعلومات والمكتشفات والصناعات...
وما كان للإنسان أن يصل إلى هذا لولا أن علمه الله تعالى ذلك .

*****
ولذلك نلاحظ إهتمام رسالة الإسلام بالعلم.

فإن أول ما نزل من القرآن آيات العلم ,

قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ – 1 خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ – 2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ – 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – 4 عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ – 5 ....سورة العلق
نلاحظ هنا إهتمام الإسلام بالقراءة كمدخل أول للعلم ..في بداية رسالة الإسلام..
فالتعليم والبحث العلمي ضرورة إيمانية أولا ثم ضرورة حضارية ثانيا.

إن الله سبحانه , علم الانسان ما لم يعلم.
فكل ما نراه من إنجازات علمية فهي من الله على الحقيقة ..
قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ -28 فاطر .
أي إن أكثر الناس خوفا من الله هم العلماء , لما يرون من عظيم قدرة الله في آياته الكونية...

والعلم والبحث العلمي من أهم صفات من نزل عليهم القرآن العظيم.

قال تعالى: في أول سورة فصلت: حم – 1 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 3

يخبر تعالى عباده أن هذا القرآن العظيم ﴿ تَنْزِيلُ ﴾ صادر ﴿ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ الذي وسعت رحمته كل شيء، الذي من أعظم رحمته وأجلها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم والهدى، والنور، والشفاء، والرحمة، والخير الكثير، فهو الطريق للسعادة في الدارين.
ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال: ﴿ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ﴾ أي: فصل كل شيء , وهذا يستلزم من علماء المسلمين تدبر آياته والبحث في كافة العلوم التي أتى بها على الإجمال حتى يستوعبها البشر في كافة العصور. .
﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصلت آياته وجعل عربيًا. ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما تبين لفظه، ويتضح لهم الهدى من الضلال، والْغَيِّ من الرشاد..
وقد حافظ القرآن العظيم على اللغة العربية ونشرها في ربوع الأرض وجعلها من اللغات الحية في العالم..

وقد استوعبت اللغة العربية جميع علوم الأرض , والدليل على ذلك ما قام به علماء الإسلام بالترجمة لكتب العلوم في العصر الذهبي للدولة الإسلامية , والبحث العلمي في جميع أصول المعرفة سواء الرياضية في الجبر والهندسة أو العلوم الكيمائية أو الطبية أو علم الفلك من نجوم وكواكب أو الجغرافية أو التاريخية والشريعة والقانون...
والتفوق في العلوم الصناعية في كافة المجالات مثل صناعة السفن والأساطيل البحرية وإنشاء الترع والسدود و إنشاء المدن وما ترتب عليها من مرافق وإضاءة .

*****
وأما الجاهلون، الذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالاً، ولا البيان إلا عَمًى فهؤلاء لم يُسَقِ الكلام لأجلهم، ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ 6 البقرة

******
هل أدركنا قيمة العلم في العقيدة الإسلامية ؟

إن الله تعالى قال لنبيه : وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا – 114 طه
وطلب الزيادة لم يأتي إلا في العلم , والمقصود بالعلم في الإسلام , هو العلم النافع للبشرية في جميع المجالات..
بحيث يدرك الإنسان نعمة الله عليه الذي وهبه نعمة العقل وأمده بكل مايساعده على التعلم ,

فالكون من حولنا مدرسة خلقها الله تعالى, لنتعلم منها,

قال تعالى : فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ – 31 المائدة
وهكذا في جميع نواحي الحياة نرى عظيم رحمة الله بالإنسان ,
حيث أمده بجميع مايحتاجه في طلب العلم والتعلم .
بل سخر له ما في السموات والأرض من قوانين تعينه على التعلم والصناعة والابتكار...,
قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – 13 الجاثية

وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض أي من الكواكب والجبال والبحار والأنهار وجميع ما تنتفعون به أي الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ولهذا قال جميعا منه أي من عنده وحده لا شريك له .

الرَّحْمَنُ -1 عَلَّمَ الْقُرْآنَ -2
خَلَقَ الإِنسَانَ -3 عَلَّمَهُ الْبَيَانَ -4

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
05-11-2010, 04:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السابع و العشرون
(6)
وبعض آيات من سورة الرحمن

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)

وأقيموا الوزن بالعدل, ,والعدل والموازنة يجب أن يكون في جميع أمور الحياة , فيجب الموازنة في أمر العقيدة ..حيث أتوجه بالعبادة إلى خالق الكون ولا أعبد صنما أو بشرا أو ما شاكل ذلك ..
وأيضا الموازنة في التعامل بين الناس ..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غشنا فليس منا .
الموازنة في توزيع الأوقات بحيث لا يضيع فرض الله ..ولا يضيع العمل ولا تضيع الأسرة .
فهناك حقوق على الإنسان المؤمن يجب أن يؤديها كلها ولا يفرط في واحدة منها .
وهي أربعة : حق الله تعالى .., حق النفس .. , حق الناس .. , حق الأشياء .

أولا - حق الله تعالى.

فهو الذي خلقنا وخلق لنا الكون من حولنا ,
فوجب التوجه له وحده بالعبادة لا شريك له ,
وذلك يتأتى بقولك لا إله إلا الله .
ومن حق الله تعالى علينا أيضا , طاعة رسوله الذي أرسله ليكون أسوة للعالمين ,
قال تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا – 21 الأحزاب
وشهادة التوحيد تلزمنا بذلك ( أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمد رسول الله ).
ومن حق الله علينا أن نؤدي ما أفترضه علينا من فرائض .
كالصلاة والزكاة والصوم والحج لمن إستطاع إليه سبيلا .
ومن حق الله علينا أن نطبق شرعه الذي أنزله علينا رحمة بنا
فإن تحريم القتل وتحريم الزنا وتحريم الربا وتحريم السرقة وتحريم الخمر . كل هذه أمور يقر بتحريمها كل عقل سليم ..
فلا تستقيم حياة الإنسان على وجه الأرض بدون تحريم ما حرمه الله تعالى .
ومن حق الله علينا أن نبلغ رسالته للعالمين.. قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... 110 ال عمران.

******

ثانيا - حق النفس

إن نفسك لها حق عليك فلا تضيعها , إن لبدنك عليك حق ,
ومن الأمور العجيبة أن الإنسان قد يحافظ على أشياء كثيرة من التلف والضياع وينسى نفسه بل يعرضها للهلاك, و يسعى لتدميرها , فالمدخن مثلا بهذا العمل يدمر جسده ومع ذلك لا يقلع إلا من رحم الله .
وبالمثل شرب المحرمات من الخمور أو المخدرات , أو الغرق في الشهوات والسهر في نوادي القمار, إلى غير ذلك مما يؤدي بالقطع إلى هلاك الإنسان ..
قال تعالى : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ -194 البقرة
فعلى الإنسان العاقل أن يحمي نفسه من الضياع فإنها أمانة يجب المحافظة عليها , لتعينك على أداء الفرائض وأداء العمل .

فيجب عمل موازنة بين جميع الأمور فلا يغالي حتى في العبادة ,

جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون
عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروها كأنهم تقالوها ،
فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا ، وقال الآخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ،
وقال الآخر : أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا .

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟
أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ،
فمن يرغب عن سنتي فليس مني.
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن العربي - المصدر: أحكام القرآن - الصفحة أو الرقم: 3/391
خلاصة الدرجة: صحيح

ويجب على المؤمن أن يهتم بتزكية النفس بالمحافظة على الفرائض , المحافظة على تلاوة وتدبر القرآن الكريم ,
والبعد عن المحرمات التي تؤدي إلى الهلاك في الدنيا والأخرة.
قال تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا – 7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا -8 قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا – 9 وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا - 10 الشمس

****
ثالثا- حق العباد .

وأولهم الأهل والأقارب ثم الناس أجمعين.
قال تعالى في سورة الإسراء :
وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا – 23
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا - 24
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا -25
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا - 26

وفي الحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ,
من سره أن يبسط له في رزقه ، أو ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه .
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2067
خلاصة الدرجة: [صحيح]

ومع ذلك كله فإن لجميع البشر حقوق , فهناك حق الجار والجوار,
وحق أهل وطنك وبلدك وحق بقية البشر في دعوتهم وتبليغهم رسالة الله تعالى..
والعمل على التعارف والتعاون بين البشر مطلب إيماني كما سبق أن تبينا لنا في سورة الحجرات.
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبير – 13

*****
رابعا - حق الأشياء .

مثل حق الطريق , وحق المخلوقات التي سخرها الله لنا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياكم والجلوس بالطرقات . فقالوا : يا رسول الله ، مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ، فقال : فإذا أبيتم إلا المجلس ، فأعطوا الطريق حقه . قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6229
خلاصة الدرجة: [صحيح]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس ، يعدل بين الاثنين صدقة ، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها ، أو يرفع عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2989
خلاصة الدرجة: [صحيح]

حتي التعامل مع جميع المخلوقات يجب أن يكون برحمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ،
لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض .
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 3482
خلاصة الدرجة: [صحيح]

حتى التعامل مع الذبيحة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الله كتب الإحسان على كل شيء . فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ،
وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته .
الراوي: شداد بن أوس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1409
خلاصة الدرجة: صحيح

هل أدركنا الأن قيمة الميزان والعدل في كل أمور الحياة...؟
هكذا علمتنا رسالة الإسلام .

وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)


*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
10-11-2010, 12:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السابع و العشرون
(7)
وبعض آيات من سورة الواقعة

مبدأ الإهتمام بالبحث العلمي

إن الركيزة الأولى في العقيدة الإسلامية تقوم على اليقين والعلم والتدبر للدلائل والبراهين لما هو ظاهر ومعلوم لدى كل إنسان عاقل له إدراك غير منحرف ولا مغيب الوعي ولا مغمور في الشهوات والمعاصي.

وتبنى جميع المعاملات على هذا اليقين والثقة. وكيفية التعامل مع الظواهر والآيات في النفس والأفاق.

ونلاحظ هذا التنبيه في كثير من آيات القرآن العظيم , حيث يجعل من المؤمن إنسان عالي الإدراك لما حوله , فالملاحظة والتأمل هما أول الطريق للبحث العلمي , والإستدلال بالبراهين المنطقية هو السبيل الوحيد لإقناع العلماء والناس عموما .

وتعرض علينا سورة الواقعة بعض هذه البراهين والإستدلالات العلمية لقضية عقيدة التوحيد , فإن صلحت العقيدة صلحت سائر المعاملات للإنسان وصلحت أخلاقه بين سائر المخلوقات.

فديننا قائم علي اليقين والعلم والنور فليس به غموض . فإلى العالم كافة نتجه بهذه الحجج والبراهين ..

قال تعالى:

نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ - 57
أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ - 58 أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ – 59

نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ - 60 عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ - 61
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ – 62

إن هذا الأمر أمر النشأة الأولى ونهايتها . أمر الخلق وأمر الموت . إنه أمر منظور ومألوف وواقع في حياة الناس . فكيف لا يصدقون أن الله خلقهم ? إن ضغط هذه الحقيقة على الفطرة أضخم وأثقل من أن يقف له الكيان البشري أو يجادل فيه.. ( نحن خلقناكم فلولا تصدقون ).

( أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ - 58 أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ – 59)

هذه الخلية الواحدة تبدأ في الانقسام والتكاثر , فإذا هي بعد فترة ملايين الملايين من الخلايا . كل مجموعة من هذه الخلايا الجديدة ذات خصائص تختلف عن خصائص المجموعات الأخرى ; لأنها مكلفة أن تنشيء جانبا خاصا من المخلوق البشري .. فهذه خلايا عظام . وهذه خلايا عضلات . وهذه خلايا جلد . وهذه خلايا أعصاب . . ثم . . هذه خلايا لعمل عين . وهذه خلايا لعمل لسان . وهذه خلايا لعمل إذن . وهذه خلايا لعمل غدد . . وهي أكثر تخصصا من المجموعات السابقة . . وكل منها تعرف مكان عملها ..

( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ )

ولقد علمتم أن الله أنشأكم النشأة الأولى ولم تكونوا شيئًا, فهلا تذكَّرون قدرة الله على إنشائكم مرة أخرى.

*********

أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ – 63
أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ - 64
لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ - 65
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ – 66 بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ - 67

أفرأيتم الحرث الذي تحرثونه هل أنتم تُنبتونه في الأرض؟
بل نحن نُقِرُّ قراره وننبته في الأرض. لو نشاء لجعلنا ذلك الزرع هشيمًا, لا يُنتفع به في مطعم,
فأصبحتم تتعجبون مما نزل بزرعكم, وتقولون: إنا لخاسرون معذَّبون, بل نحن محرومون من الرزق.
تأخذ الحبة أو البذرة طريقها لإعادة نوعها . تبدؤه وتسير فيه سيرة العاقل العارف الخبير بمراحل الطريق...

فالبذرة توضع في الأرض الزراعية يخرج منها جذر وساق ,
ومن المفروض أن يتجه الجذر الى أسفل في عمق الأرض الزراعية وأن الساق يتجه إلى أعلى ليحمل الأوراق والثمار .
هذه العملية تقتضي أن تكون البذرة على وضع منضبط , بحيث لو وضعت مقلوبة يحدث العكس ..
ولكن الأمر العجيب أن المزارع يرمي البذر على الأرض دون تفكير في هذا الأمر مطلقا ..
فمن الذي وضع في البذرة هذا البرنامج الذي يحدد إتجاه كل من الجذر والساق مهما كان وضع البذرة ؟
الجواب : هو الله الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى .

*********

أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ - 68
أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ - 69
لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ - 70

أفرأيتم الماء الذي تشربونه لتحْيَوا به, أأنتم أنزلتموه من السحاب إلى قرار الأرض, أم نحن الذين أنزلناه رحمة بكم؟
لو نشاء جعلنا هذا الماء شديد الملوحة, لا يُنتفع به في شرب ولا زرع, فهلا تشكرون ربكم على إنزال الماء العذب لنفعكم.

والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى, وهم أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم . وهي مادة اهتمام للبدائي في الصحراء , وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء ..

*******

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ – 71
أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ -72
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ - 73

أفرأيتم النار التي توقدون, أأنتم أوجدتم شجرتها التي تقدح منها النار, أم نحن الموجدون لها؟
اليخضور الكلوروفيل .. المصنع الوحيد على وجه الأرض الذي يختزن الطاقة , وتحولها إلى غذاء للإنسان والحيوان وجميع دواب الأرض,
فهو عبارة عن مجسمات خضراء تحول الطاقة الشمسية وثاني أكسيد الكربون والماء إلى غذاء , وهذا يطلق عليه اليخضور ,
يعمل هذا اليخضور بأخذ جزيئات الماء وأخذ الأكسجين والصعود به إلى أعلى ويبقى بعد ذلك أربع ذرات من الهيدروجين ثم ثاني أكسيد الكربون ,
ثم يشطر ثاني أكسيد الكربون أيضا فجزء يذهب إلى ذرتي هيدروجين فيتكون الماء
وهذا يمزج عن طريق النّتح والباقي يتحد مع إحدى ذرتي الهيدروجين الأخرى ليكون الأساس الذي تتكون منه السكريات وبعد ذلك تتكون المواد النشوية .
وهذه هي المعادلات التي تجري في النبات وتشاهدونها تنتهي بثاني أكسيد الكربون وطاقة وأكسجين وتنتهي بأكسجين وماء وجلوكوز, وسكر الجلوكوز هذا يتحول إلى نشا ويختزن ويتحول إلى دهون وتضاف إليه ذرة نيتروجين فتتكون البروتينات
المصدر (موقع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية)

فالأساس في هذه العملية كما رأينا هو هذا المصنع الأخضر , الذي جعله الله تعالى أساسا في تخزين الطاقة الشمسية لنأخذ منه النار على وجه الأرض. فالشجر مصدر الفحم في المناجم , وهو مصدر الناتج الحيواني المدفون في أعماق الأرض عبر مئات السنين مكونا البترول .
هل أدركنا ما احتواه القرآن العظيم من علوم ؟

******

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ - 74

فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ – 75 وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ - 76

وننتقل إلى عالم الفضاء عظيم الإتساع..
حيث أن ما نراه من نجوم لا يمثل في حقيقة الأمر الا موقع ذلك النجم
لأن بيننا وبين النجوم مئات السنين الضوئية وقد يزيد , فإذا وصل ضوئها إلينا , فلربما تكون إنتقلت لمكان أخر أو إنتهى عمر ذلك النجم ولم يعد موجودا .

******
فالعلماء يدركون معاني هذه لآيات جيدا, فهي تخاطبهم وكذلك تخاطب قلوب البشر بكافة مستوياتهم فالكل يفهمها شريطة تنقية القلب من شوائب الشرك والكفر , والتوجه بالقلب والعقل إلى خالق الكون الذي أمرنا بالتدبر والعلم والبحث في مختلف العلوم النافعة للبشرية وسائر المخلوقات على الأرض.

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
18-11-2010, 01:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء السابع و العشرون
(8)
وبعض آيات من سورة الحديد

مبدأ التطبيق العملي للبحث العلمي

إن التطبيق العملي للبحث العلمي أول ما يرتبط , يرتبط بالموارد المالية والموارد الطبيعية وأهمها الحديد. ولا ننسى الكفاءات البشرية فهي المعنية أساسا بالبحث والعمل ..
ولذلك نجد التركيز على الإنفاق في سورة الحديد وعلى الحديد ذاته كأهم معدن أنزله الله تعالى ليخدم البشرية في جميع مجالات الحياة..

أولا الإنفاق في سبيل الله

آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ - 7

وقال تعالى:

مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ - 11 يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – 12

يعدهم الله على القرض الحسن , الخالص له .. يعدهم عليه أضعاف في الأجر الكريم من عنده سبحانه : ( فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ).
ثم يعرض لهم صفحة وضيئة من ذلك الأجر الكريم , ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

********

ثانيا أهمية الحديد في حياة البشر

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ - 25

( والميزان ) مع الكتاب . فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض وفي حياة الناس ميزانا ثابتا ترجع إليه البشرية , لتقويم الأعمال والأحداث والأشياء والرجال ; وتقيم عليه حياتها في مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الأمزجة , وتصادم المصالح والمنافع . ميزانا لا يحابي أحدا لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع , ولا يحيف على أحد لأن الله رب الجميع.
هذا الميزان الذي أنزله الله في الرسالة هو الضمان الوحيد للبشرية من العواصف والزلازل والاضطرابات والخلل الذي يصيب الإنسان.. فلا بد من ميزان ثابت يثوب إليه البشر , فيجدون عنده الحق والعدل بلا محاباة . ( ليقوم الناس بالقسط ) . فبغير هذا الميزان الإلهي الثابت في منهج الله وشريعته , لا يهتدي الناس إلى العدل . وإن كان ظاهرا إرادة العدالة..وفي واقع الأمر الكيل بمكيالين..
أنزل الله الحديد ( فيه بأس شديد ) . وهو قوة في الحرب والسلم ( ومنافع للناس ) . وتكاد حضارة البشر القائمة الآن تقوم على الحديد . ( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ). وهي إشارة إلى الجهاد بالسلاح ; تجيء في موضعها في السورة التي تتحدث عن بذل النفس والمال لحماية الأوطان من الإعتداءات الغاشمة من المترصدين لها الضعف والغفلة لينقضوا عليها سالبين الأموال والأعراض..
ولما تحدث عن الذين ينصرون الله ورسله بالغيب , عقب على هذا بإيضاح معنى نصرهم لله ورسله , فهو نصر لمنهجه ودعوته , أما الله سبحانه فلا يحتاج منهم إلى نصر: ( إن الله قوي عزيز ).

ونلاحظ أهمية هذا المعدن ( الحديد ) للحياة على وجه الأرض, وتكاد حضارة البشر القائمة الآن تقوم على الحديد..
ولذلك سميت سورة في القرآن العظيم بالحديد لقيمة هذا المعدن
ودوره البارز في تكوينات الأجهزة التي يستخدمها الإنسان,
فيكاد لا يخلو جهاز أو أدوات أو ماكينة أو طائرة أو سفينة أو سيارة أو بناية أوكباري إلا و الحديد يدخل في تكوينها, حتى دم الإنسان يحتاج إلى هذا العنصر في تكوينه.
ويبين لنا الله تعالى أنه أنزل لنا الحديد إلى الأرض , وأوضح لنا قوة هذا المعدن الهام ومدى نفعه للناس....

ونلاحظ أن كل من أستغل هذا المعدن سواء في التصنيع أو التسليح أو التشيد والبناء أصبح في مقدمة الشعوب تقدما, وأن من أهمل الإهتمام بهذا المعدن أصبح في مؤخرة الأمم .
فلا بد لصاحب العقيدة أن يتعامل مع هذا الوجود الكبير , بنظرة شاملة وموضوعية وعملية ولا يحصر نفسه ونظره وتصوره واهتمامه ومشاعره في عالم الأرض الضيق .

وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ - 25

وقد ورد في ( الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية )

قال أشهر علماء العالم في مؤتمرات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم وهو من علماء وكالة ناسا الأمريكية للفضاء ..
قال : لقد أجرينا أبحاثا كثيرة على معادن الأرض وأبحاثا معملية ,
ولكن المعدن الوحيد الذي يحير العلماء هو الحديد .
قدرات الحديد لها تكوين مميز .. إن الالكترونات والنيترونات في ذرة الحديد لكي تتحد
فهي محتاجة إلى طاقة هائلة تبلغ أربع مرات مجموع الطاقة الموجودة في مجموعتنا الشمسية ..
ولذلك فلا يمكن أن يكون الحديد قد تكون على الأرض ..
ولابد أنه عنصر غريب وفد إلى الأرض ولم يتكون فيها .

وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ - 25

*******
وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-11-2010, 01:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(1)
وبعض آيات من سورة المجادلة

مبدء إحترام العلاقة الزوجية


قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ, وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا, إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ - 1
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ – 2
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ – 3 فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ – 4

نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار اشتكته زوجته إلى الله، وجادلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمها على نفسه، بعد الصحبة الطويلة، ووجود الأولاد، وكان هو رجلا شيخا كبيرا، فشكت حالها وحاله إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكررت ذلك، وأبدت فيه وأعادت.

وفي الحديث: عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها قالت : في وفي أوس بن الصامت نزل صدر سورة المجادلة ، قالت : وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، فراجعته في شيء فضجر فقال : أنت علي كظهر أمي ، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ، ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي ، فقلت : كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص مني إلى شيء وقد قلت ما قلت ، حتى يحكم الله ورسوله فينا حكمه ، ثم خرجت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فنزل ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) إلى قوله ( وللكافرين عذاب أليم )
الراوي: خويلة بنت مالك بن ثعلبة ويقال لها خولة
المصدر: ابن حجر العسقلاني


الأحكام التي نستخلصها من الآيات الكريمة

منها: لطف الله بعباده واعتناؤه بهم، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة، وأزالها ورفع عنها البلوى، بل رفع البلوى بحكمه العام لكل من ابتلي بمثل هذه القضية.
فنشهد السماء تتدخل في شأن يومي لأسرة صغيرة فقيرة مغمورة , لتقرر حكم الله في قضيتها , وقد سمع - سبحانه - للمرأة وهي تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم تكد تسمعها عائشة وهي قريبة منها ... وهي صورة تملأ القلب بوجود الله وقربه وعطفه ورعايته .

ومنها: أن حكم الظهار مختص بتحريم الزوجة، لأن الله قال ﴿ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾.

ومنها: أن الظهار محرم، لأن الله سماه منكرا ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) .

ومنها بيان حقيقة وضع الزوجة الذي لا يتغير بقول الزور , قال تعالى: ﴿ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ﴾

ومنها: أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويسميها باسم محارمه ، كقوله ﴿ يا أمي ﴾ ﴿ يا أختي ﴾ ونحوه، لأن ذلك يشبه المحرم.

ومنها: أن الكفارة إنما تجب بالعود لما قال المظاهر.

ومنها: أن الكفارة المقررة عتق رقبة، يستوي في ذلك الصغير والكبير، والذكر والأنثى، لإطلاق الآية في ذلك. وبهذه الكفارات وغيرها قضي على نظام الرق نهائيا في الإسلام. حيث أغلق باب الإسترقاق من الحروب كما أوضحنا سابقا , وفتح باب الحرية للرقيق الموجود لديهم, وبذلك تم استئصال نظام الرق من جذورة في سهولة ويسر دون الخلل بنظم إعتاد عليها العالم في وقتها.
ومنها: أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا، فلو جمع طعام ستين مسكينا، ودفعها لواحد أو أكثر من ذلك ، دون الستين لم يجز ذلك ، لأن الله قال : ﴿ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾
ومن هنا ندرك العناية بالمساكين في الشريعة الإسلامية , وقد أصبح لهم حق في الكفارات وحق في أموال الزكاة والصدقات. بحيث يصبح في النهاية لا وجود لفقراء معدومين كما نرى اليوم من الفجوات الضخمة بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء المعدومين.

والسورة مليئة بالمشاهد الرائعة التي تدل على رعاية الله تعالى للمؤمنين.

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
04-12-2010, 11:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


مع الجزء الثامن و العشرون

(2)
وبعض آيات من سورة المجادلة


علم الله الشامل لكل ما يحدث في الكون
وأثر ذلك في كل المعاملات والآداب والأخلاق لدى المؤمن.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - 7

******

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )

والتعبير بلفظ ترى هنا يدلك على واقعية الأمر, فليس خيالا أوظن أو مجرد نظرية قابلة للتغير , بل واقع ...فإنك ترى حركة في أجسام مكونة من ملايين الخلاية الحية وعقول بها ذاكرة ومفكرة ومخيلة ومدخلات صوتية ومدخلات للصور وإستشعار عن طريق الجلد , إننا أمام أجهزة عظيمة التكوين عظيمة الصنع, أمدها الله تعالى بإرادة للأختيار بين البديلات وبين الخير و الشر , فلا يعقل أن يكون كل هذا عبثا . أو تكون هذه الشخوص بدون كنترول .....ولايعقل أن تكون بدون مراقبة أو عناية , وإلا هلكت......لأنك لاتستطيع أن تدير قلبك ولا أن تدير جهاز تنفسك وأنت نائم ولا تستطيع أن تعوض خلاية المخ الهالكة , وجميع خلايا جسدك التي يجددها الله لك بصفة مستمرة....ثم هناك أجل وضع لكل مخلوق إذا جاء أجلهم لا يستأخرون عنه .
فواقع الأمر إننا جميعا مكشوفون لخالقنا , سرا و علانية.
فهو سبحانه يعلم السر وأخفى .
مايتناجى ثلاثة مِن خلقه بحديث سرٍّ إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته فهو يراهم , ولاخمسة إلا هو سادسهم، ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها إلا هو معهم بعلمه في أيِّ مكان كانوا, لا يخفى عليه شيء من أمرهم, إن ربي قريب مجيب...
ثم يخبرهم تعالى يومالقيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ..

والنجوى هي: التناجي بين اثنين فأكثر، وقد تكون في الخير، وتكون في الشر.

فأمر الله تعالى المؤمنين أن يتناجوا بالبر، وهو اسم جامع لكل خير وطاعة، وقيام بحق لله ولعباده - والتقوى اسم جامع لترك جميع المحارم والمآثم، فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي، فلا تجده مناجيا ومتحدثا إلا بما يقربه من الله، ويباعده من سخطه، والفاجر يتهاون بأمر الله، ويناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، كالمنافقين الذين هذا دأبهم وحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن مجرد حضور الله وسماعه أمر هائل . فكيف إذا كان لهذا الحضور والسماع ما بعده من حساب وعقاب ? وكيف إذا كان ما يسره المتناجون وينعزلون به ليخفوه , سيعرض على الأشهاد يوم القيامة وينبئهم الله به في الملأ الأعلى في ذلك اليوم المشهود ؟ .. إن الإيمان بذلك يضبط جميع التعاملات والأداب بين المؤمنين وغيرهم من البشر. فلا غدر ولا كذب ولا خيانة فإن الله تعالى بكل شئ عليم. وهذا أهم فرق بين الشريعة الإسلامية وغيرها من التشريعات الوضعية التي لا صلة لها بضمير الإنسان وتربيته على مراقبة الخالق العظيم لجميع ما في الكون ...

... إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. ..

******

بعض الصور لمرقبة الله تعالى للجميع

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ – 8

قد سبق في السورة إعلان أن الله تعالى قد سمع للمرأة المجادلة ; وأنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم -

وهنا يخبر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم- بما كان يقوله المنافقون في أنفسهم , وبمجالسهم ومؤامراتهم .

( وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ )

ثم رد عليهم بقوله تعالى : حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ..

وكشف هذه المؤامرات الخفية , وإفشاء نجواهم التي عادوا إليها بعدما نهوا عنها , وكذلك فضح ما كانوا يقولونه في أنفسهم ....هذا كله هو تصديق وتطبيق لحقيقة علم الله بما في السماوات وما في الأرض , وحضوره لكل نجوى , وشهوده لكل اجتماع . وهو يوقع في نفوس المنافقين أن أمرهم مفضوح , كما يوحي للمؤمنين بالاطمئنان والوثوق...

******

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ – 9 إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ – 10

النهي عن النجوى المحرمة وإباحة النجوى الطيبة وتحصين من وساوس الشيطان ...

وهنا يلتفت إلى الذين آمنوا , يخاطبهم بهذا النداء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .. لينهاهم عن التناجي بما يتناجى به المنافقون من الإثم والعدوان ومعصية الرسول , ويذكرهم تقوى الله , ويبين لهم أن النجوى على هذا النحو هي من إيحاء الشيطان ليحزن الذين آمنوا , فليست تليق بالمؤمنين ....

قال الإمام أحمد: عن صفوان بن محرز , قال:كنت آخذا بيد ابن عمر , إذ عرض له رجل , فقال:كيف سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول في النجوى يوم القيامة ? قال:سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] يقول:" إن الله يدني المؤمن , فيضع عليه كنفه , ويستره من الناس , ويقرره بذنوبه , ويقول له:أتعرف ذنب كذا ? أتعرف ذنب كذا ? أتعرف ذنب كذا ? حتى إذا قرره بذنوبه , ورأى في نفسه أنه قد هلك قال تعالى : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته .

أما بخصوص الكفار والمنافقون يقول تعالى:

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا – 49 الكهف

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
10-12-2010, 12:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(3)
وبعض آيات من سورة المجادلة


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ - 11


توجيه المسلمين إلى آداب المجالس
عند تلقي العلم


والغرض هو إيجاد الفسحة في النفس قبل إيجاد الفسحة في المكان .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ..

هذا تأديب من الله لعباده المؤمنين، إذا اجتمعوا في مجلس من مجالس مجتمعاتهم، واحتاج بعضهم أو بعض القادمين عليهم للتفسح له في المجلس، فإن من الأدب أن يفسحوا له تحصيلا لهذا المقصود.
وليس ذلك بضار للجالس شيئا، فيحصل مقصود أخيه من غير ضرر يلحقه هو، والجزاء من جنس العمل، فإن من فسح فسح الله له، ومن وسع لأخيه، وسع الله عليه.
﴿ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا ﴾ أي: ارتفعوا وتنحوا عن مجالسكم لحاجة تعرض، ﴿ فَانْشُزُوا ﴾ أي: فبادروا للقيام لتحصيل تلك المصلحة، فإن القيام بمثل هذه الأمور من العلم والإيمان، والله تعالى يرفع أهل العلم والإيمان درجات بحسب ما خصهم الله به، من العلم والإيمان.
﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ فيجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وفي هذه الآية فضيلة العلم، وإن من ثمراته التأدب بآدابه والعمل بمقتضاه.

وقد كانت مناسبة الآيات هي القرب من الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لتلقي العلم في مجلسه . فالآية تعلمهم : أن الإيمان الذي يدفع إلى فسحة الصدر وطاعة الأمر , والعلم الذي يهذب القلب فيتسع ويطيع ; يؤديان إلى الرفعة عند الله درجات .
وهكذا يتولى القرآن تربية النفوس وتهذيبها , وتعليمها الفسحة والسماحة والطاعة وتعميق الشعور بالحساسية تجاه الأخرين وأن لذلك جزاء في الأخرة ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )

*******

الأهتمام بمجالس العلم
وبالتالي دور العلم

وفي طلب العلم يجب أن يفسح المجال لجميع من يرغب في التعلم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) وهذه إشارة صريحة للعمل على إعداد وتهيئة ساحات العلم , من مساجد و مدارس ومعاهد وكليات وتيسير الألتحاق بها , وقد عرف المسلمون الآوائل هذه القيمة , فكانوا علماء العالم بلا منازع ثلاثة عشرة قرنا نشروا فيها العلم في أنحاء العالم , وبترك هذه المبادئ تنتكس الأمم..

ونلاحظ الإهتمام بآداب المجالس لتلقي العلم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. وبالتالي على مجالس العلم إلى يوم الدين.

وتمثل دور العلم في جميع الدول والمجتمعات المتقدمة أهمية حياتية حيث منها يتخرج العلماء والأطباء والمحاسبون والمهندسون, والصناع المهرة في كافة أنواع الصناعات.

ولذلك تخصص الدول الكبرى ميزانيات هائلة للتعليم والبحث العلمي وكذلك لدور العلم وتيسير الألتحاق بها لإدراكهم أهمية ذلك في تنمية بلادهم وإستمرار تقدمهم وقوتهم.

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ..


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
16-12-2010, 04:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(4)
وبعض آيات من سورة المجادلة


التحذير من التبعية لأعداء الإسلام


يبين الله تعالى لنا خطورة مسلك المنافقين في تعاملهم مع أعداء الإسلام , وأن هذا السلوك له مردود في الدنيا والآخرة.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – 14 أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – 15 اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ – 16 لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 17 يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ – 18 اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ – 19
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ – 20


يخبر تعالى عن شناعة حال المنافقين الذين يتولون من يناصبون العداء للمسلمين من الكفار، ممن غضب الله عليهم، ونالوا بذلك المسلك من لعنة الله أوفى نصيب، وأنهم ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين، ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾143 النساء

فليسوا مؤمنين ظاهرا وباطنا لأن باطنهم مع الكفار، ولا مع الكفار ظاهرا وباطنا، لأن ظاهرهم مع المؤمنين، وهذا وصفهم الذي نعتهم الله به، والحال أنهم يحلفون على ضده الذي هو الكذب، فيحلفون أنهم مؤمنون، وهم يعلمون أنهم ليسوا مؤمنين..

فجزاء هؤلاء الخونة الفجرة الكذبة، أن الله أعد لهم عذابا شديدا، لا يقادر قدره، ولا يعلم وصفه، إنهم ساء ما كانوا يعملون، حيث عملوا بما يسخط الله ويوجب عليهم العقوبة واللعنة...

﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ أي: ترسا ووقاية، يتقون بها من لوم الله ورسوله والمؤمنين، فبسبب ذلك صدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله، وهي الصراط الذي من سلكه أفضى به إلى جنات النعيم. ومن صد عنه فليس إلا الصراط الموصل إلى الجحيم، ﴿ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ حيث استكبروا عن الإيمان بالله والانقياد لآياته...

﴿ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ فلا تدفع عنهم شيئا من العذاب، ولا تحصل لهم قسطا من الثواب، ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ الملازمون لها، الذين لا يخرجون عنها، و ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين، ويحلفون لهم أنهم مؤمنون، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعا، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء، لأن كفرهم ونفاقهم وعقائدهم الباطلة، لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئا فشيئا، حتى غرتهم وظنوا أنهم على شيء يعتد به، ويعلق عليه الثواب، وهم كاذبون في ذلك، ومن المعلوم أن الكذب لا يروج على عالم الغيب والشهادة..

وهذا الذي جرى عليهم من استحواذ الشيطان الذي استولى عليهم، وزين لهم أعمالهم، وأنساهم ذكر الله، وهو العدو المبين، الذي لا يريد بهم إلا الشر، ﴿ إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير – 6 فاطر ﴾

﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ الذين خسروا دينهم ودنياهم وأنفسهم وأهليهم..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ) وعيد لمن حاد الله ورسوله بالكفر والمعاصي، أنه مخذول مذلول.


*******

مبدء النصرة والعزة للمؤمنين


كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ - 21

وعد لمن آمن بالله تعالى، وبرسله، واتبع ما جاء به المرسلون، فصار من حزب الله المفلحين، أن لهم الفتح والنصر والغلبة في الدنيا والآخرة، وهذا وعد لا يخلف ولا يغير، فإنه من الله القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء يريده.


سلوك المؤمن تجاه من حاد الله ورسوله


لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – 22

يقول تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه.
وهذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه، وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان . وهم الذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار، ولهم جنات النعيم في دار القرار، التي فيها من كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين.
وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله، محب لمن ترك الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعمي لا حقيقة له، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى، لا تفيد شيئا ولا يصدق صاحبها.

فالإنسان له قلب واحد , فلا بد له من منهج واحد يسير عليه . ولا بد له من تصور كلي واحد للحياة وللوجود يستمد منه . ولا بد له من ميزان واحد يزن به القيم , ويقوم به الأحداث والأشياء . وإلا تمزق وتفرق ونافق والتوى , ولم يستقم على اتجاه .
ولا يملك الإنسان أن يستمد آدابه وأخلاقه من معين ; ويستمد شرائعه وقوانينه من معين آخر ; ويستمد أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية من معين ثالث ; ويستمد فنونه وتصوراته من معين رابع . . فهذا الخليط لا يكون إنسانا سويا له قلب . إنما يكون شخوصا ليس لهم هوية واضحة يرفعون بها رؤسهم أما العالم.
وصاحب العقيدة لا يملك أن تكون له عقيدة حقا , ثم يتجرد من مقتضياتها وقيمها الخاصة في موقف واحد من مواقف حياته كلها , صغيرا كان هذا الموقف أم كبيرا . لا يملك أن يقول كلمة , أو يتحرك حركة , أو ينوي نية . أو يتصور تصورا , غير محكوم في هذا كله بعقيدته - إن كانت هذه العقيدة حقيقة واقعة في كيانه - لأن الله لم يجعل له سوى قلب واحد , يخضع لناموس واحد , ويستمد من تصور واحد , ويزن بميزان واحد...

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
22-12-2010, 11:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(5)
وبعض آيات من سورة الحشر


عاقبة الغدر والخينة


إشتملت مبادئ المعاملات في الإسلام على كافة مجالات الحياة ومع التعامل لدى جميع البشر, على مبدء الحرية ( لا إكراه في الدين ) , وعلى صيانة المعاهدات والقانون الذي إرتضاه الجميع وبالتعبير الحديث الشرعية الدولية..

تطالعنا أول سورة الحشر على صورة حية للغدر والخينة للمعاهدة التي أبرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني النضير..وكيف كان عقابهم نتيجة هذه الخينة العظمى التي حاولوا فيها قتل النبي صلوات ربي وسلامه عليه.


******

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ -1

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ - 2 وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ – 3 ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ - 4


*****

هذه السورة تسمى ﴿سورة بني النضير﴾ وهم طائفة كبيرة من اليهود في جانب المدينة، وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة، كفروا به في جملة من كفر من اليهود، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة عقد عهد أمان بينه وبين سائر طوائف اليهود الذين هم جيرانه في المدينة،

وقد حدث بعد وقعة بدر بستة أشهر أو نحوها، أن ذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع عشرة من كبار أصحابه منهم أبو بكر وعمر وعلي - رضي الله عنهم - إلى محلة بني النضير , يطلب منهم المشاركة في أداء دية قتيلين بحكم ما كان بينه وبينهم من عهد في أول مقدمه على المدينة .
فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك، فخلا بعضهم ببعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم، فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا،
فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه،
وجاء الوحي على الفور إليه من ربه، بما هموا به، فنهض مسرعا، فتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه، فقالوا: نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما همت يهود به..

وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه .
وذلك الحكم لثبوت خيانتهم بالتأمر على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونقض عهد الأمان الذي بينه وبينهم.

فأقاموا أياما يتجهزون، وأرسل إليهم المنافق عبد الله بن أبي [بن سلول]: أن لا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان..

وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قال له، وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك..

فكبر رسول الله صلى عليه وسلم وأصحابه، ونهضوا إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء..

فأقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجارة،
ولم تفي قريظة بعهدها لبني النضير في مناصرتها، وخانهم المنافق ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان،
فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم وحرق. فأرسلوا إليه: نحن نخرج من المدينة، فأنزلهم على أن يخرجوا منها بنفوسهم، وذراريهم، وأن لهم ما حملت إبلهم إلا السلاح، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأموال والسلاح...

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ - 2

فإن في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق، المتبعين لأهوائهم، الذين لم تنفعهم عزتهم، ولا منعتهم قوتهم، ولا حصنتهم حصونهم، حين جاءهم أمر الله، ووصل إليهم النكال بذنوبهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية تدل على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله، والتفكر فيما تضمنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة، وبذلك يزداد العقل، وتتنور البصيرة ويزداد الإيمان، ويحصل الفهم الحقيقي لأمور التعامل مع مثل هؤلاء القتلة الخونة الذين لا أمان لهم, حيث عزموا على قتل خير البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن الله تعالى نجاه من غدرهم وهذا من دلائل النبوة تدركه القلوب الطاهرة النقية.. بينما تظل القلوب المنكرة للحق مغلقة على الكراهية والغدر, وكان الجزاء ( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ )

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-12-2010, 12:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(6)
وبعض آيات من سورة الحشر

التكافل الإجتماعي


مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ,
كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ,
وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ – 7


*******


تضع هذه الآية قاعدة كبرى من قواعد التنظيم الإقتصادي والإجتماعي في المجتمع الإسلامي:
(كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).

كما تضع قاعدة كبرى في التشريع الدستوري للمجتمع الإسلامي:
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).
ولو أن هاتين القاعدتين جاءتا بمناسبة هذا الفيء وتوزيعه , إلا أنهما تتجاوزان هذا الحادث الواقع إلى آماد كثيرة في أسس النظام الاجتماعي الإسلامي.


القاعدة الأولى , قاعدة التنظيم الاقتصادي.


تمثل جانبا كبيرا من أسس النظرية الاقتصادية في الإسلام . فالملكية الفردية معترف بها في هذا النظرية . ولكنها محددة بهذه القاعدة . قاعدة ألا يكون المال دولة بين الأغنياء , ممنوعا من التداول بين الفقراء . فكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الإغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية كما يخالف هدفا من أهداف التنظيم الاجتماعي كله .
وجميع الارتباطات والمعاملات في المجتمع الإسلامي يجب أن تنظم بحيث لا تخلق مثل هذا الوضع أو تبقي عليه إن وجد.
ولقد أقام الإسلام بالفعل نظامه على أساس هذه القاعدة . ففرض الزكاة . وجعل حصيلتها في العام اثنين ونصفا في المئة من أصل رؤوس الأموال النقدية , وعشرة أو خمسة في المئة من جميع الحاصلات . وما يعادل ذلك في الأنعام . وجعل الحصيلة في الركاز وهو كنوز الأرض مثلها في المال النقدي . وهي نسب كبيرة . ثم جعل أربعة أخماس الغنيمة للمجاهدين فقراء وأغنياء بينما جعل الفيء كله للفقراء . وجعل نظامه المختار في إيجار الأرض هو المزارعة - أي المشاركة في المحصول الناتج بين صاحب الأرض وزارعها .
وجعل للإمام الحق في أن يأخذ فضول أموال الأغنياء فيردها على الفقراء . وأن يوظف في أموال الأغنياء عند خلو بيت المال . وحرم الاحتكار . وحظر الربا . وهما الوسيلتان الرئيسيتان لجعل المال دولة بين الأغنياء...
وعلى الجملة أقام نظامه الاقتصادي كله بحيث يحقق تلك القاعدة الكبرى التي تعد قيدا أصيلا على حق الملكية الفردية بجانب القيود الأخرى
ومن ثم فالنظام الإسلامي نظام يبيح الملكية الفردية , ولكنه ليس هو النظام الرأسمالي , كما أن النظام الرأسمالي ليس منقولا عنه , فما يقوم النظام الرأسمالي إطلاقا بدون ربا وبدون احتكار ,
أما النظام الإسلامي هو نظام خاص من لدن حكيم خبير . نظاما فريدا متوازن الجوانب , متعادل الحقوق والواجبات , متناسقا تناسق الكون كله . مذ كان صدوره عن خالق الكون . والكون متناسق موزون...

القاعدة الثانية - مصدر التشريع

( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).

فهي كذلك تمثل النظرية الدستورية الإسلامية . فالشريعة الإسلامية هي أساس التشريع في الدول الإسلامية ,
فمصدر السلطات في الإسلام هو شرع الله الذي جاء به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والأمة تقوم على هذه الشريعة وتحرسها وتنفذها . .
فأما حين لا توجد نصوص فيما جاء به الرسول بخصوص أمر يعرض للأمة فسبيلها أن تشرع له بما لا يخالف أصلا من أصول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .- مثل قانون الطيران وقانون البحار وقانون المرور وغير ذلك من مستجدات - وهذا لا ينقض تلك النظرية , إنما هو فرع عنها . فالمرجع في أي تشريع هو أن يتبع ما جاء به الرسول إن كان هناك نص . وألا يخالف أصلا من أصوله فيما لا نص فيه .

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا – 58 النساء

وتربط الآية هاتين القاعدتين في قلوب المؤمنين بمصدرهما الأول . . وهو الله تعالى . . فتدعوهم إلى التقوى وتخوفهم عقاب الله: ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ). . وهذا هو الضمان الأكبر الذي لا احتيال عليه , ولا هروب منه . فقد علم المؤمنون أن الله مطلع على السرائر , خبير بالأعمال , وإليه المرجع والمآب . وعلموا أنه شديد العقاب . وعلموا أنهم مكلفون ألا يكون المال دولة بينهم , وأن يأخذوا ما آتاهم الرسول عن رضى وطاعة , وأن ينتهوا عما نهاهم عنه في غير ترخص ولا تساهل. فهناك حساب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
31-12-2010, 03:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(7)
وبعض آيات من سورة الحشر


مبدء الأمن الداخلي


لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - 8
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - 9


*******

إن الإسلام وضع مبادئ الأمن الداخلي بين أبناء الأمة الواحدة على كافة إنتماءتهم .
فأول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصل المدينة المنورة – أن أخى بين الأوس والخزرج , وأبرم معاهدات الأمان بين أهل الكتاب في المدينة.
وكانت يثرب ( المدينة المنورة ) قبل دخول رسول الله إليها تعاني من الصراع بين كل من طائفة الأوس وطائفة الخزرج وساعد على ذلك يهود المدينة حيث بثت الكراهية بين الجانبين والدسائس التي إستمرت إلى أن دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم , بنور الإسلام الذي جعل الأخوة في العقيدة أساسا والحفاظ على عهد الأمن بين أبناء البلد الواحد صمام الأمان.
وبذلك ندرك قوة الدولة الإسلامية في مهدها ..
وفي الحديث: مثل المؤمنين في توادهم و تعاطفهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى و السهر..

أما الجسد المريض الذي تأكله الأمراض فهو المثل للمجتمع التي تأكله الصراعات والفرقة والكراهية , فيضعف حتى الهلاك ...
قال تعالى في سورة القصص:
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ - 4

إن فرعون تكبر وطغى في الأرض, وجعل أهلها طوائف متفرقة, يستضعف طائفة منهم, يذبِّح أبناءهم, ويستعبد نساءهم, إنه كان من المفسدين في الأرض. وبذلك كانت نهاية حضارة سادت قرونا عديدة حتى وصل إلى ذلك المنزلق التي تسقط فيه الدول والحضارات ألا وهو التفكك والصراعات الدخلية بين أبناء الوطن الواحد . والظلم والفساد..

ولكن الإسلام وضع مبادئ الإخاء والحب بين الأفراد والمجتمعات والشعوب.

لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - 8
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - 9

الفئة الأولى : فئة المهاجرين , وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه . لا ملجأ لهم سواه , ( ينصرون الله ورسوله ). في أحرج الساعات وأضيق الأوقات . ( أولئك هم الصادقون ). . الذين قالوا كلمة الإيمان بألسنتهم , وصدقوها بعملهم . وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه . وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه .

الفئة الثانية :
والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم , يحبون من هاجر إليهم , ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا , ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة . ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
صورة نادرة لأخلاق البشر لم تعرف إلا في الإسلام...
والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم . . أي دار الهجرة . يثرب مدينة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وقد تبوأها الأنصار قبل المهاجرين . كما تبوأوا فيها الإيمان . .
يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا - ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثا جماعيا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين . بهذا الحب الكريم . وبهذا البذل السخي . وبهذه المشاركة الرضية . وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء . حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة . لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عدد المهاجرين ... ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ). .
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة - والإيثار على النفس مع الحاجة قمة عليا . وقد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشرية له نظيرا . وكانوا كذلك في كل مرة وفي كل حالة بصورة خارقة لمألوف البشر قديما وحديثا ....
( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ). . فهذا الشح . شح النفس . هو المعوق عن كل خير . لأن الخير بذل في صورة من الصور . بذل في المال . وبذل في العاطفة . وبذل في الجهد . وبذل في الحياة عند الاقتضاء وما يمكن أن يصنع الخير شحيح يهم دائما أن يأخذ ولا يهم مرة أن يعطي . ( ومن يوق شح نفسه ) , فقد وقي هذا المعوق عن الخير , فانطلق إليه معطيا باذلا كريما . وهذا هو الفلاح في حقيقة الأمر... .


******
الفئة الثالثة :
المؤمنون عبر العصور اللاحقة
ومدى حبهم للصحابة.

وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ – 10

وهذه الصورة الثالثة النظيفة الرضية الواعية . وهي تبرز أهم ملامح التابعين . كما تبرز أخص خصائص الأمة المسلمة على الإطلاق في جميع الأوطان والأزمان ...
هؤلاء الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار - ولم يكونوا قد جاءوا بعد عند نزول الآية في المدينة , إنما كانوا قد جاءوا في علم الله وفي الحقيقة القائمة في هذا العلم المطلق من حدود الزمان والمكان - سمة نفوسهم أنها تتوجه إلى ربها في طلب المغفرة , لا لذاتها ولكن كذلك لسلفها الذين سبقوا بالإيمان ; وفي طلب براءة القلب من الغل للذين آمنوا على وجه الإطلاق , ممن يربطهم معهم رباط الإيمان . مع الشعور برأفة الله , ورحمته , ودعائه بهذه الرحمة , وتلك الرأفة: ( ربنا إنك رؤوف رحيم )
وتتجلى من وراء تلك النصوص طبيعة هذه الأمة المسلمة وصورتها الوضيئة في هذا الوجود . تتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمة بآخرها , وآخرها بأولها , في تضامن وتكافل وتواد وتعاطف . وشعور بوشيجة القربى العميقة التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنسب ; وتتفرد وحدها في القلوب , تحرك المشاعر خلال القرون الطويلة , فيذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة , كما يذكر أخاه الحي , أو أشد , في إعزاز وكرامة وحب .
إنها صورة باهرة , تمثل حقيقة قائمة ; كما تمثل أرفع وأكرم مثال للبشرية يتصوره قلب كريم .
فأين هذا من بث الفرقة بين الشعوب والمجتمعات والأفراد ومبادئ الكراهية والحقد التي يسود فوق تلالها الطغاة والظالمون.

هل أدركنا ضرورة مبادئ المعاملات والأخلاق من القرآن العظيم ؟

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
06-01-2011, 04:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(8)
وبعض آيات من سورة الحشر

التقوى أساس جميع المعاملات
في الإسلام


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ – 18 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – 19 لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ – 20

الدعوة إلى التقوى والتحذير من النسيان وعدم استواء أصحاب النار وأصحاب الجنة.


( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) نداء إلى كل مؤمن , دخل قلبه الإيمان وصدقه العمل , فالمؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم..
يتجه إليهم ربهم ليدعوهم إلى التقوى . والنظر فيما أعدوه للآخرة , واليقظة الدائمة , والحذر من نسيان الله كالذين نسوه من قبل , ممن رأوا مصير فريق منهم , وممن كتب عليهم أنهم من أصحاب النار..

والتقوى خوف من الله تعالى داخل القلب ينعكس على كل تصرفات الإنسان في جميع معاملاته وسلوكياته بحيث تجعل القلب يقظا حساسا شاعرا بالله في كل حالة . خائفا متحرجا مستحييا أن يطلع عليه الله في حالة يكرهها . وعين الله على كل قلب في كل لحظة . فمتى يأمن أن لا يراه ..

وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ .

الرصيد الدائم في دار الخلد يتم تنميته والمحافظة عليه من الضياع بالعمل الصالح وعدم الإضرار بالغير..
وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس من أمتي ، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا . فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته ، قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح في النار..
الراوي: أبو هريرة المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2581
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فيجب مراقبة ذلك الرصيد بصفة مستمرة ومراجعته .. وهذا التأمل كفيل بأن يوقظ المؤمن إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير , مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد . فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلا , ونصيبه من البر ضئيلا ? إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبدا , ولا يكف عن النظر والتقليب.

وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .

فجميع أعمال الإنسان مراقبة رقابة دائمة ومدونة , فليحرص المؤمن على تقوى الله تعالى , ولتكن كل معاملاته وفق شرع الله تعالى التي أساسها الحق والعدل والخير والحب ..

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .

فالمؤمن دائم اليقظة يدرك تمام الأدراك أنه يتعامل مع الله تعالى أولا وأخيرا, وأن هذا الأختبار له في الدنيا محدود بزمن , فيجب أن يستثمره في كل خير , ولا ينسى تلك الرقابة والهيمنة الإلهية كما نساها أولئك الفاسقون الذين خرجوا عن طاعة الله تعالى ويسعون في الأرض فسادا وظلما وجورا وكراهية..

فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى , وبلا هدف لهذه الحياة . وفي هذا نسيان لإنسانيته . وهذه الحقيقة تضاف إليها أو تنشأ عنها حقيقة أخرى , وهي نسيان هذا المخلوق لنفسه فلا يدخر لها زادا للحياة الطويلة الباقية , ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد..

لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ,
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ .

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
14-01-2011, 08:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(9)
وبعض آيات من سورة الممتحنة


أسس التعامل بين البشر


لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - 8 إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ - 9

إن الإسلام دين سلام , وعقيدة حب , ونظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله , وأن يقيم فيه منهجه المبني على العدل والحرية والمساواة في الحقوق والواجبات , وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين .
وليس هنالك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله .
فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها كذلك , وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة , انتظارا لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع . ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس , فتتجه هذا الاتجاه المستقيم...

فرسالة الإسلام أرسلها الله تعالى للعالمين

وكلفنا بتبليغها للناس , وبناء على ذلك يتعين على المسلم أن يكون محبا لكل الخلق , وإلا كيف تدعو من تكرهه وتبغضه..؟ فهذا لا يستقيم ..
ولكن من اعتدى علينا وأخرجنا من ديارنا وشرد النساء والشيوخ والأطفال ودمر البلاد فلا يستقيم أن تظهر لهم الود والحب لأن في ذلك تشجيعا على عدوانهم وظلمهم..
وإنك تنقذ الظالم بردعه وبرده عن الظلم, ولذلك نهى الإسلام أشد النهي عن الولاء لمن قاتلونا بسبب الدين وأخرجونا من ديارنا ومن بلادنا وساعدوا على إخراجنا .
وحكم على الذين يتولونهم بأنهم هم الظالمون . وهو تهديد رهيب يجزع منه المؤمن , ويتقي أن يدخل في مدلوله المخيف.
وتلك القاعدة في معاملة غير المسلمين هي أعدل القواعد التي تتفق مع طبيعة هذا الدين ووجهته ونظرته إلى الحياة الإنسانية التى مبناها التعاون على البر والتقوى والحب بين البشر.
وهي أساس شريعته الدولية , التي تجعل حالة السلم بينه وبين الناس جميعا هي الحالة الثابتة , لا يغيرها إلا وقوع الاعتداء الحربي وضرورة رده , أو خوف الخيانة بعد المعاهدة , أو التهديد بالاعتداء ; أو الوقوف بالقوة في وجه حرية الدعوة وحرية الاعتقاد . وفيما عدا هذا فهي السلم والمودة والبر والعدل للناس أجمعين.

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
20-01-2011, 12:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(10)
وبعض آيات من سورة الممتحنة


حماية حرية المرأة في إختيار العقيدة


قررت الشريعة الإسلامية حرية العقيدة الدينية منذ 15 قرن قبل أن ينص ذلك صراحة في وثيقة حقوق الإنسان في القرن الماضي.
قال تعالى: ( لا إكراه في الدين )
وشددت الشريعة في حماية الحرية للنساء المؤمنات وتوفير مناخ الأمن لهن للعيش في كرامة دون ضغوط نفسية أو جسدية تكرههن على إعتناق ما لا تقتنع به تحت وطئة التعذيب أو الحبس.
ولم يحدث في الدول المتحضرة مصادرة حق المرأة إذا اعتنقت الإسلام ,
وكذلك في حدوث العكس , لم تفرض الشريعة حبس المرأة الكافرة , بل تركها واختيارها ,
فالمبدأ أن الطيبين للطيبات , والخبيثين للخبيثات.
وأن نبي الله ( نوح ) لم يكره امرأته للإيمان.
وكذلك نبي الله ( لوط ) لم يكره امرأته على الإيمان.
وفي المقابل لم يستطع فرعون اكراه امرأته على الكفر.
قال تعالى في سورة التحريم:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ – 10 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ -11

وبناء على ذلك لابد من حماية حرية المرأة في اختيار عقيدتها وكذلك الرجال, ولكن جاء النص صراحة بالنسبة للنساء تأكيدا على حمايتهن من قبل الدولة التي منوط بها حماية جميع رعايها وتوفير الأمن والأمان لجميع المواطنين على اختلاف مللهم.

وتعالوا نستمع إلى كلام الله تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - 10 وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ - 11

وقد ورد في سبب نزول هذه الأحكام أنه كان بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه: على ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا .
فلما كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والمسلمون معه بأسفل الحديبية جاءته نساء مؤمنات يطلبن الهجرة والانضمام إلى دار الإسلام في المدينة ; وجاءت قريش تطلب ردهن تنفيذا للمعاهدة .
فنزلت هاتات الآيتان تمنعان رد المهاجرات المؤمنات إلى الكفار ,لكي لا يفتن في دينهن وهن ضعاف.
ونزلت أحكام هذه الحالة الدولية معها , تنظم التعامل فيها على أعدل قاعدة تتحرى العدل في ذاته دون تأثر بسلوك الفريق الآخر , وما فيها من شطط وجور .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ )

وأول إجراء هو امتحان هؤلاء المهاجرات لتحري سبب الهجرة , فلا يكون تخلصا من زواج مكروه , ولا طلبا لمنفعة , ولا جريا وراء حب فردي في دار الإسلام.
قال ابن عباس:كان يمتحنهن: بالله ما خرجت من بغض زوج , وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض , وبالله ما خرجت التماس دنيا , وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله.
وقال عكرمة: يقال لها: ما جاء بك إلا حب الله ورسوله , وما جاء بك عشق رجل منا , ولا فرارا من زوجك.
وهذا هو الامتحان . . وهو يعتمد على ظاهر حالهن واقرارهن مع الحلف بالله تعالى . فأما خفايا الصدور فأمرها إلى الله , ولا سبيل للبشر إليها:

( الله أعلم بإيمانهن ,فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )

فالإيمان هو قوام حياة القلب الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى , فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه , ولا أن يأنس به , ولا أن يواده ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره . والزواج مودة ورحمة وأنس وسكن. ولا ارتباط إلا بين الذين يرتبطون بالله تعالى ...

( وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا, وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )

ومع إجراء التفريق إجراء التعويض - على مقتضى العدل والمساواة - فيرد على الزوج الكافر قيمة ما أنفق من المهر على زوجته المؤمنة التي فارقته تعويضا للضرر . كما يرد على الزوج المؤمن قيمة ما أنفق من المهر على زوجته الكافرة التي يطلقها من عصمته.
وبعد ذلك يحل للمؤمنين زواج المؤمنات المهاجرات متى آتوهن مهورهن وانقضاء العدة أو وضع الحمل.

ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

ويكفي أن يستشعر ضمير المسلم هذه الصلة , ويدرك مصدر الحكم ليستقيم عليه ويرعاه . وهو يوقن أن مرده إلى الله تعالى.

وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ

فإيمانكم بالله، يقتضي منكم أن تكونوا ملازمين للتقوى على الدوام.
وهكذا تكون تلك الأحكام بالمفاصلة بين الأزواج تطبيقا واقعيا للتصور الإسلامي عن قيم الحياة وارتباطها بالحرية الدينية, ومنعا للمشاكل الزوجية التي تنشأ عن إختلاف العقيدة.
فالإسلام يقيم الحياة كلها على أساس العقيدة , وربطها كلها بمحور الإيمان التي تنشأ عنه حياة أسرية سعيدة تقوم على المودة والرحمة , وإنشاء عالم إنساني تذوب فيه فوارق الجنس واللون واللغة والنسب والأرض .

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-01-2011, 11:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(11)
وبعض آيات من سورة الصف


مبدأ موافقة الأعمال للأقوال



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ – 2 كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ - 3


أي: لم تقولون الخير وتحثون عليه ، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به....

فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة ؟ فإن من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل ؟ ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة ، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه ، قال تعالى : ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ 44 البقرة - وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾ 88 هود.

إن الدعوة الإسلامية قامت في الأساس على القدوة الحسنة.
قال تعالى في سورة الأحزاب:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ -21 ﴾

واستدل الأصوليون في هذه الآية، على الاحتجاج بأفعال الرسول صلى اللّه عليه وسلم، وأن الأصل، أن أمته أسوته في الأحكام ، إلا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به....

فالأسوة نوعان: أسوة حسنة ، وأسوة سيئة...

فالأسوة الحسنة، في الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه، وهو الصراط المستقيم....

وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه ، فهو الأسوة السيئة ، كقول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسِّي بهم ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ -22 ﴾الزخرف..

وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها، من كان يرجو اللّه، واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وخوف اللّه، ورجاء ثوابه، وخوف عقابه، يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم....

وكذلك يجب على المؤمن أن يكون سلوكه هو الدعوة لدين الله تعالى. فالمعاملات إن خالفت الأقوال والمبادئ التي ننادي بها..تؤدي لنتائج عكسية..بل تؤدي إلى نفور الناس من التدين..
قال تعالى في سورة ال عمران: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) - 110

يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به من معاملات وأخلاق ، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم ، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس.....
فدخل أكثر أهل الأرض في دين الله تعالى لما رأوا المعاملات والأداب الرفيعة مطبقة لدى المسلمين,

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ – 2 كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ - 3


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
03-02-2011, 12:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(12)
وبعض آيات من سورة الصف

مبدأ وحد الصف للدفاع عن الأمة


إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ - 4

إن التشتت في صفوف الأمة والتشرذم والفرقة يؤدي لضعفها , وطمع الغاصبين في إحتلالها والهيمنة على إقتصاديتها والتحكم في ثقافتها . بينما التوحد بين شعوب الأمة والعمل على إنشاء معاهدة دفاع مشترك بين أوطانها وتوحيد الصف في الدفاع عن الأرض والعرض – كل ذلك يؤدي إلى صيانة كرامة الأمة وصيانة ثروتها .

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال، صف أصحابه، ورتبهم في مواقفهم، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض، بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها، وبهذه الطريقة تتم الأعمال ويحصل الكمال.

وتوحيد الصف يبدأ من الجبهة الداخلية.
فأول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصل المدينة المنورة – أن أخى بين الأوس والخزرج , وأبرم معاهدات الأمان بين أهل الكتاب في المدينة.
وكانت يثرب ( المدينة المنورة ) قبل دخول رسول الله إليها تعاني من الصراع بين كل من طائفة الأوس وطائفة الخزرج وساعد على ذلك يهود المدينة حيث بثت الكراهية بين الجانبين والدسائس التي إستمرت إلى أن دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم , بنور الإسلام الذي جعل الأخوة في العقيدة أساسا والحفاظ على عهد الأمن بين أبناء البلد الواحد صمام الأمان.
وبذلك ندرك قوة الدولة الإسلامية في مهدها ..
وفي الحديث: مثل المؤمنين في توادهم و تعاطفهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى و السهر..

أما الجسد المريض الذي تأكله الأمراض فهو المثل للمجتمع التي تأكله الصراعات والفرقة والكراهية , فيضعف حتى الهلاك ...
قال تعالى في سورة القصص:
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ -4
فسرعان ما سقط فرعون وجنوده تلقاء ما اقترفه من تقطيع لأوصال الأمة وإضعافها ورفضه لرسالة الله تعالى.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ - 4

فالأسلام ليس دين أفراد منعزلين , كل واحد منهم يعبد الله في صومعة . . إن هذا لا يحقق الإسلام في ضمير الفرد ذاته , ولا يحققه بطبيعة الحال في حياته , ولم يجئ الإسلام لينعزل هذه العزلة .
والبشرية لا تعيش أفرادا إنما تعيش جماعات وأمما . والإسلام جاء لينظم سلوك البشرية وهي كذلك . وهو مبني على أساس أن البشر يعيشون هكذا . ومن ثم فإن آدابه وقواعده ونظمه كلها مصوغة على هذا الأساس . وحين يوجه اهتمامه إلى ضمير الفرد فهو يصوغ هذا الضمير على أساس أنه يعيش في جماعة, وهو والجماعة التي يعيشون فيها يتجهون إلى الله , ويقوم - فيها - على أمانة دينه في الأرض , ومنهجه في الحياة ونظامه في الناس..


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
11-02-2011, 01:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(13)
وبعض آيات من سورة الجمعة

المؤتمر الإسبوعي
يوم الجمعة


يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ -1

نزلت هذه السورة بعد سورة "الصف" السابقة . وهي تعالج الموضوع الذي عالجته سورة الصف , ولكن من جانب آخر , وبأسلوب آخر , وبمؤثرات جديدة. .
إنها تعالج أن تقر في أخلاد الجماعة المسلمة في المدينة أنها هي المختارة أخيرا لحمل أمانة العقيدة الإيمانية.
وأن هذا فضل من الله عليها ; وأن بعثة الرسول الأخير في الأميين - وهم العرب - منة كبرى تستحق الالتفات والشكر , وتقتضي كذلك تكاليف تنهض بها المجموعة التي استجابت للرسول صلى الله عليه وسلم , واحتملت الأمانة ; وأنها موصولة على الزمان غير مقطوعة ولا منبتة , فقد قدر الله أن تنمو هذه البذرة وتمتد . بعدما نكل بنو إسرائيل عن حمل هذه الأمانة وانقطعت صلتهم بأمانة السماء ; وأصبحوا يحملون التوراة كالحمار يحمل أسفارا , ولا وظيفة له في إدراكها , ولا مشاركة له في أمرها ...

*****

قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – 6 وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ – 7 قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – 8

وفي السورة مباهلة مع اليهود , بدعوتهم إلى تمني الموت للمبطلين من الفريقين وذلك ردا على دعواهم أنهم أولياء الله من دون الناس , وأنهم شعب الله المختار , وأن بعثة الرسول في غيرهم لا تكون - كما كانوا يدعون - مع جزم القرآن بأنهم لن يقبلوا هذه المباهلة التي دعوا إليها فنكلوا عنها لشعورهم ببطلان دعواهم . وتعقب السورة على هذا بتقرير حقيقة الموت الذي يفرون منه , وأنه ملاقيهم مهما فروا , وأنهم مردودون إلى عالم الغيب والشهادة فمنبئهم بما كانوا يعملون .
وهو تقرير لا يخص اليهود وحدهم , إنما يلقيه القرآن ويدعه يفعل فعله في نفوس المؤمنين كذلك . فهذه الحقيقة لا بد أن تستقر في نفوس حملة أمانة الله في الأرض , لينهضوا بتكاليفها وهم يعرفون الطريق.

*******

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ – 9

فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - 10
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ - 11


تشير الآيات إلى حادث معين . حيث كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يخطبهم في المسجد للجمعة حين حضرت قافلة من قوافلهم التجارية ; فما إن أعلن نبأ قدومها حتى انفض المستمعون منصرفين إلى التجارة واللهو الذي كانت القافلة تحاط به - على عادة الجاهلية - من ضرب بالدفوف وحداء وهيصة ! وتركوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قائما . فيما عدا اثني عشر من الراسخين فيهم أبو بكر وعمر بقوا يستمعون ! كما تذكر الروايات. .
وهي حادثة تكشف بذاتها عن مدى الجهد الذي بذل في تربية تلك الجماعة الأولى حتى انتهت إلى ما انتهت إليه من عزة وكرامة ورفعة ; وحتى صارت ذلك النموذج الفريد في تاريخ الإسلام وفي تاريخ البشرية جميعا . وتلهمنا الصبر على مشقة بناء النفوس في أي جيل من الأجيال , لتكوين الجماعة المسلمة التي تنهض بحمل أمانة هذه العقيدة , وتحاول تحقيقها في عالم الواقع كما حققتها الجماعة الأولى.

******


وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
18-02-2011, 03:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(14)
وبعض آيات من سورة المنافقون


صدق القلب قبل قول اللسان


إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ – 1 اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - 2 ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ - 3


بنيت كل مبادئ المعاملات في الإسلام على الإخلاص , والعمل الصالح ظاهرا وباطنا ...
وقد حذرنا ربنا من طائفة من الناس أشد خطرا من الكافرين . أولئك هم المنافقون.. فقد ورد التحذير منهم في صدر سورة البقرة . قال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ – 8 يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ – 9 فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ – 10 ...
وقد بين لنا ربنا علماتهم في التعاملات فقال تعالى:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ – 11 أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ – 12

أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي..﴿ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض, وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح, قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية, مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة, وأرجى لرجوعه...

﴿ ألا إنهم هم المفسدون ﴾ فإنه لا أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله, وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه, ووالى المحاربين لله ورسوله, وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح, فهل بعد هذا الفساد فساد؟"
والعمل بالمعاصي في الأرض إفسادا, لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار, والنبات, بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به, لهذا خلق الله الخلق, وأسكنهم في الأرض, وأدر لهم الأرزاق, ليستعينوا بها على طاعته وعبادته، فإذا عمل فيها بضده, كان سعيا فيها بالفساد فيها, وإخرابا لها عما خلقت له...

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ – 13 ﴾

أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس, أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان, قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ فرد الله ذلك عليهم, وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة, لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه, وسعيه فيما يضرها, وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا, معرفة الإنسان بمصالح نفسه, والسعي فيما ينفعه, وفي دفع ما يضره، وهذه الصفة منطبقة على المؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة بالأوصاف والبرهان, لا بالدعاوى المجردة, والأقوال الفارغة...

*****
وهذه السورة تبدأ بوصف طريقتهم في مداراة ما في قلوبهم من الكفر , وإعلانهم الإسلام والشهادة بأن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] هو رسول الله . وحلفهم كذبا ليصدقهم المسلمون , واتخاذهم هذه الأيمان وقاية وجنة يخفون وراءها حقيقة أمرهم , ويخدعون المسلمين فيهم ..

إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ – 1

فهم كانوا يجيئون إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيشهدون بين يديه برسالته شهادة باللسان , لا يقصدون بها وجه الحق , إنما يقولونها للتقية , وليخفوا أمرهم وحقيقتهم على المسلمين . فهم كاذبون في أنهم جاءوا ليشهدوا هذه الشهادة , فقد جاءوا ليخدعوا المسلمين بها , ويداروا أنفسهم بقولها . ومن ثم يكذبهم الله في شهادتهم بعد التحفظ الذي يثبت حقيقة الرسالة: ( والله يعلم إنك لرسوله ). . ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )

******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-02-2011, 02:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(15)
وبعض آيات من سورة المنافقون

لواء الأعزاء

نستكمل الحديث عن موقف المنافقين تجاه المؤمنين, ومحاولتهم التعالي بالباطل عليهم ...


يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ – 8

عرض "عبد الله بن عبد الله بن أبي" على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يكل إليه أشق عمل على النفس البشرية - أن يقتل أباه المنافق صاحب مقولة : ليخرجن الأعز منها الأذل. وهو يقول : فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني..
ويرد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا . . ومن قبل هذا يكف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رأيه بقتل ذلك المنافق ويقول له : فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟
وأخيرا نقف أمام المشهد الرائع لعبد الله بن عبد الله بن أبي . وهو يأخذ بسيفه - عند مدخل المدينة - على أبيه فلا يدعه يدخل بسبب مقولته: ( ليخرجن الأعز منها الأذل ). ليعلمه أن رسول الله هو الأعز . وأنه هو الأذل . ويظل يقفه حتى يأتي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيأذن له فيدخلها بإذنه .

ويتقرر بالتجربة الواقعة من هو الأعز ومن هو الأذل . في نفس الواقعة . وفي ذات الأوان..


( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )

ويضم الله - سبحانه - رسوله والمؤمنين إلى رحابه , ويضفي عليهم من عزته , وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا الله العزيز الحكيم....
وأي تكريم بعد أن يوقف الله - سبحانه - رسوله والمؤمنين معه إلى رحابه .

فهذا لواء الأعزاء . وهذا هو الصف العزيز..


وصدق الله :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) فجعل العزة صنو الإيمان في القلب المؤمن . العزة المستمدة من عزته تعالى . العزة التي لا تهون ولا تهن , ولا تنحني ولا تلين .. فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة معه مستقرة راسخة....

وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ

وكيف يعلمون وهم لا يتذوقون هذه العزة ولا يتصلون بمصدرها الأصيل؟

قال تعالى في سورة فاطر:

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ - 10

إن العزة كلها لله تعالى . وليس شيء منها عند أحد سواه . فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره . ليطلبها عند الله , فهو واجدها هناك وليس بواجدها عند غيره ,

والعزة الصحيحة حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس . حقيقة تستقر في القلب فيستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله . حقيقة يستعلي بها على نفسه أول ما يستعلي . يستعلي بها على شهواته المذلة , ورغائبه القاهرة , ومخاوفه ومطامعه من الناس وغير الناس . ومتى استعلى على هذه فلن يملك أحد وسيلة لإذلاله وإخضاعه . فإنما تذل الناس شهواتهم ورغباتهم , ومخاوفهم ومطامعهم...

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
22-02-2011, 02:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(16)
وبعض آيات من آخر سورة المنافقون


النهي عن الغفلة والتلهي


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ – 9 وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ – 10 وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ - 11


فحين نتذكر الله تعالى نرى كل شئ على حقيقته , فنرى المال الذي قد وهبه للبشر لكي ينعموا به وييسر توزيع الثروة على الجميع – هذا المال يحاول بعض الناس من الغافلين أن يجعلوه في خزائنهم , لا يجعلوه سبب في التقدم أو التطور .. بل حرمان الفقراء من حقهم في الحياة ومن هذا المال , فتعيش تحت خط الفقر بسبب من عاش ليجمع المال ويكنزه ويتلهى به .

وكذلك الأولاد حين نهمل تربيتهم وتعليمهم , فحينئذ لا نقدر نعمة الله تعالى علينا.. فالأولاد هم الثروة البشرية لأي دولة فهم المستقبل, فيجب رعايتهم واستغلال هذه الثروة في النهضة والتقدم.

والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب , ويدرك غاية وجوده , ويشعر أن له هدفا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه .
وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر الله والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان .
ومن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر , ويلهه عن ذكر الله ليتم له هذا الاتصال ( فأولئك هم الخاسرون ). .
وأول ما يخسرونه هو هذه السمة . سمة الإنسان . فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا . ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء . مهما يملك من مال ومن أولاد..

( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم )

فيذكرهم بمصدر هذا الرزق الذي في أيديهم . فهو من عند الله الذي آمنوا به والذي يأمرهم بالإنفاق..

( مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )

فيترك كل شيء وراءه لغيره ; وينظر فلا يجد أنه قدم شيئا لنفسه , وهذا أحمق الحمق وأخسر الخسران..
ثم يرجو حينئذ ويتمنى أن لو كان قد أمهل ليتصدق وليكون من الصالحين وأنى له هذا ? : ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها )
وأنى له ما يتقدم به ? ( والله خبير بما تعملون )

إنها اللمسات المنوعة في الآية الواحدة . في مكانها المناسب بعد عرض سمات المنافقين وكيدهم للمؤمنين . ولواذ المؤمنين بالله الذي يقيهم كيد المنافقين . . فما أجدرهم إذن أن ينهضوا بتكاليف الإيمان , وألا يغفلوا عن ذكر الله . وهو مصدر الأمان...
وهكذا يربي الله المسلمين بهذا القرآن العظيم..


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
04-03-2011, 03:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(17)
وبعض آيات من آخر سورة التغابن


يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 1

التسبيح هو التنزيه لله سبحانه وتعالى, فنشعر بالقدرة الإلهية ونرى آثارها المشهودة في الكون , ونحسها في ذوات الأنفسنا بآثارها المشهودة والمدركة. ونرى القدرة الإلهية محيطة بكل شيء , مهيمنة على كل شيء , مدبرة لكل شيء , حافظة لكل شيء , سواء في ذلك الكبير والصغير والجليل والحقير..
فيعيش المؤمن شاعرا بقدرة الله وهيمنته , شاعرا بعلمه ورقابته , شاعرا بقهره وجبروته على الظالمين , شاعرا برحمته وفضله على المؤمنين, شاعرا بقربه منه في كل حال .
فالمؤمن يحس بالوجود كله متجها إلى خالقه فيتجه معه , مسبحا بحمد ربه فيشاركه تسبيحه , ويعمل بأمره وحكمته فيخضع لشريعته وقانونه . .

لَهُ الْمُلْكُ

فالشريعة الإسلامية قامت على العدل والحرية والمساواة بين البشر.

العدل

قال تعالى في سورة النحل:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ - 90

فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كل إنسان ما عليه تحت ولايته سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الحاكم، ونواب القاضي...

والعدل هو ما فرضه الله تعالى علي المؤمنين في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بسلوكه.
ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك فلا تبخس لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم.
فالعدل واجب شرعي في الإسلام..

******

الحرية


الحرية في الإسلام حرية شاملة لكل جوانب الحياة منضبطة بشريعة الله تعالى , فلا تحلل ولا انحراف لتلك الحرية.

أولا حرية العقيدة :

قال تعالى : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – 256 البقرة
يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه لا يكون إلا على أمر خفية أعلامه، غامضة أثاره، أو أمر في غاية الكراهة للنفوس، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول، والقلب يتطلع إلى معرفة ربه الذي خلقه, فالدين أمر محبب إلى نفوس المؤمنين.. ولذلك نهى الإسلام عن الإكراه في الدين فلم يعلم في تاريخ الإسلام على مر العصور أن دخل أحد من الناس إلى الإسلام مرغما..


ثانيا حرية الرأي


فقد ورد في الحديث الشريف عند غزوة بدر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : أشيروا علي في المنزل ، فقال الحباب بن المنذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل هو الرأي والحرب والمكيدة . قال : فإن هذا ليس بمنزل انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم.... إلى أخر الحديث
ويدل ذلك إلى أهمية حرية الرأي في الإسلام وكيف أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين.


ثالثا حرية التفكير


قال تعالى في سورة سبأ: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا .....-46
أي: تنهضوا بهمة, ونشاط, وقصد لاتباع الصواب, وإخلاص للّه, مجتمعين, ومتباحثين في ذلك بإعمال الفكر والتدبر في حرية مطلقة.
متناظرين بين فردين, أو فرادى, كل واحد يخاطب نفسه بذلك.
فإذا قمتم للّه, مثنى وفرادى, واستعملتم فكركم, وتدبرتم أحوال رسولكم بكل حرية سوف تصلون إلى الحقيقة حتما. ولكن الإنسان يعرض عن ذلك إلا ما رحم ربي.
وقال تعالى في سورة البقرة: ... يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ - 219 فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ....220
هل تجد إتاحة للتفكير أكثر من ذلك في دساتير العالم؟

( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ - فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )

رابعا حرية التعبير

روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله ثم قال : أيها الناس لا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم . ثم نزل ,
فاعترضته امرأة من قريش , فقالت : يا أمير المؤمنين , نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم . فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : ( وآتيتم إحداهن قنطارا ) الآية النساء : 20 .
فقال : اللهم غفرا , كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس , إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم , فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل.
المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/478

ونفهم من الرواية السابقة أن شريعة الإسلام كفلت حرية التعبير لكل الناس حتى أن المرأة المؤمنة الفقيهة تناقش أمير المؤمنين في حكم أصدره وتثبت له عدم صحته و ينزل على رأيها لأنها على الحق ومعها الدليل .
فهل نرى مثل ذلك في أي دولة في العالم؟ يتخذ الملك قرارا ثم يناقشه أحد من الرعية في صحة ذلك القرار.؟


خامسا الحرية السياسية

كفل الإسلام الحرية السياسية للجميع فجعل الشورى أساس الحكم, بل جعل الشورى أسما لسورة من سور القرآن العظيم.
قال تعالى في سورة الشورى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ -38

وقال تعالى في سورة ال عمران: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ - 159

فإذا جمع ولي الأمر أهل الرأي والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث - اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة..

ومما سبق يتضح لنا وللعالم شمول شريعة الإسلام على ضمانات الحق والعدل والحرية والمساواة بين البشر. لأنها صادرة من مالك الملك ( الله جل جلاله )

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 1

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
08-03-2011, 03:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(18)
وبعض آيات من آخر سورة التغابن


فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ – 8

إن العصمة من الهلاك والشقاء هو الإيمان بالله ورسوله وكتابه وسماه الله نورًا.
فإن النور ضد الظلمة، وما في الكتاب الذي أنزله الله من الأحكام والشرائع والأخبار، أنوار يهتدى بها في ظلمات الجهل والضلال.

جاء في الحديث: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ستكون فتنة . قلت : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم, و خبر ما بعدكم, و حكم ما بينكم,
هو بالفصل ليس بالهزل,
من تركه من جبار قصمه الله, و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم,
وهو الصراط المستقيم,
وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, و لا تلتبس به الألسن, و لا يخلق على كثرة الرد, و لا تنقضي عجائبه,
من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم
الراوي: علي بن أبي طالب - المصدر: حقوق آل البيت - الصفحة أو الرقم: 22
خلاصة الدرجة: مشهور

والشريعة الإسلامية جاءت لتصون أمورا خمسة ثابتة ولا يتصور أن تتغير بتغير الزمان أو المكان.

الأمر الأول: حماية الدين والعقيدة .

مع الحرية التامة لكل إنسان في إختيار عقيدته. قال تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ – 256 البقرة
ومع هذه الحرية في العقيدة فإن الله تعالى حذرنا من الفتنة في الدين. قال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ....البقرة191
فحماية الدين ضرورة إيمانية لا تتغير بتغير الزمان أو المكان.

الأمر الثاني: حماية النفس بتحريم القتل.

قال تعالى في سورة النساء: ... وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا – 29
و لا يتصور أن تكون النفس الإنسانية مهدرة في أي زمان أو مكان.

الأمر الثالث: حماية العقل بتحريم الخمر.

قال تعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ – 90
ويعلم العالم ما تعانيه البشرية من تأثير الخمر من تغيب للعقل وإهدار لكرامة الإنسان, وجرائم ترتكب بسبب الخمر.

الأمر الرابع : حماية الأعرض بتحريم الزنا .

قال تعالى في سورة الإسراء: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا - 32
حماية الأنساب والأعراض فطرة في داخل الإنسان الحر, ولا يتصور أن تكون الأعراض منتهكة في زمن من الأزمان .

الأمر الخامس: حمية المال.

حماية المال بتحريم السرقة وتحريم أكل أموال الناس بالباطل وتحريم الربا.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ....- 29 النساء
فحماية الملكية العامة أو الخاصة من السرقة ضرورة لبقاء الجنس البشري أمنا على الأرض. ولا يتصور أن تكون الملكية مهدرة في يوم من الأيام.

وتناولت الشريعة الإسلامية جميع جوانب الحياة بأحكام عامة يلتزم بها واضعوا القوانين , أولها العدل , ثانيا المساواة بين الناس, ثالث الحرية , رابعا , عدم الإضرار ( لا ضر ولا ضرار ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهل بعد هذا البيان لأعظم شريعة على وجه الأرض- يعترض عليها عاقل؟
فالشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع .
ولا يعقل أن يكون المصدر للتشريع القانون الروماني أو القانون الفرنسي لكونهما من وضع البشر وبهما مخالفات شرعية كثيرة لاتتفق مع الأخلاق الإسلامية الرفيعة.

فالمصادر البشرية ضررها أكثر من نفعها، وشرها أكثر من خيرها، بل لا خير فيها ولا نفع، إلا ما وافق ما جاءت به الرسل، والإيمان بالله ورسوله وكتابه، يقتضي الجزم التام، واليقين الصادق بها، والعمل بمقتضى ذلك التصديق، من امتثال الأوامر، واجتناب المناهي ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ فيجازيكم بأعمالكم الصالحة والسيئة.

ما أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - 11
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ – 12 اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ – 13

فأهل الإيمان أهدى الناس قلوبًا.
وحقيقة التوحيد هي أساس التصور الإيماني كله . ومقتضاها أن يكون التوكل عليه وحده . فهذا هو أثر التصور الإيماني في القلوب.

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ أي: في امتثال أمر الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن طاعة الله وطاعة رسوله، مدار السعادة، وعنوان الفلاح، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ﴾ عن طاعة الله وطاعة رسوله، ﴿ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي: يبلغكم ما أرسل به إليكم، بلاغًا واضحا تقوم عليكم به الحجة، وليس بيده من هدايتكم، ولا من حسابكم من شيء، وإنما يحاسبكم على القيام بطاعة الله وطاعة رسوله، أو عدم ذلك، عالم الغيب والشهادة الله جل جلاله.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
13-03-2011, 02:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(19)
وبعض آيات من سورة الطلاق


عشنا في اللقاء السابق مع بيان الأمور الثابتة التي جاءت الشريعة لمعالجتها بنصوص ثابتة , حيث أنها مرتبطة بحياة الإنسان ودينه وماله وعرضه وهي أمور لا تتبدل بتبدل الزمان أو المكان..
أما الأمور المستجدة والأعراف المتغيرة بين الشعوب وضعت لها مبادئ عامة توضع القوانين في إطارها , كالحكم بالعدل , وعدم الضرر, والمصالح المرسلة, ودفع الضرر مقدم على جلب المنفعة , الى أخر التعريفات الفقهية في هذا الباب.

واليوم نعيش جانبا من جوانب فقه الأحوال الشخصية الخاصة بتنظيم الأسرة في المجتمع الإسلامي..


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً - 1

قد سبق ورود بعض من أحكام الطلاق في سورة البقرة , قال تعالى:
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ -229
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - 230 وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ – 131

********

وقد تضمنت سورة الطلاق بيان الوقت الذي يمكن أن يقع فيه الطلاق الذي يقبله الله ويجري وفق سنته: ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن )
وحق المطلقة وواجبها في البقاء في بيتها - وهو بيت مطلقها - فترة العدة لا تخرج ولا تخرج إلا أن تأتي بفاحشة مبينة: ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ).
وحقها بعد انقضاء العدة في الخروج لتفعل بنفسها ما تشاء , ما لم يكن الزوج قد راجعها وأمسكها في فترة العدة , لا ليضارها ويؤذيها بهذا الإمساك ويعطلها عن الزواج , ولكن لتعود الحياة الزوجية بينهما بالمعروف: ( فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ). .
وهذا مع الإشهاد على الإمساك أو الفراق: ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ).
وفي سورة البقرة بين مدة العدة للمطلقة ذات الحيض - وهي ثلاثة قروء بمعنى ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات على خلاف فقهي - وهنا بين هذه المدة بالنسبة للآيسة التي انقطع حيضها وللصغيرة التي لم تحض: ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) .
وبين عدة الحامل: ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ).
ثم فصل حكم المسكن الذي تعتد فيه المعتدة ونفقة الحمل حتى تضع : ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم , ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن . وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن )...

ثم جاء حكم الرضاعة لولد المطلقة حين تضعه , وأجر الأم على الرضاعة في حالة الإتفاق بينها وبين أبيه على مصلحة الطفل بينهما , وفي حالة إرضاعه من أخرى: ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف . وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) ..
ثم زاد حكم النفقة والأجر في جميع الحالات تفصيلا , فجعله تابعا لحالة الزوج وقدرته: ( لينفق ذو سعة من سعته , ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله . لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )...
وهكذا تتبعت النصوص سائر الحالات , وما يترتب عليها , بأحكام مفصلة دقيقة في رفق وفي دقة وفي وضوح.

نستكملها إن شاء الله تعالى في اللقاء القادم

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
16-03-2011, 03:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(20)
وبعض آيات من سورة الطلاق


مما لا شك فية أن الطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى , ولكنه ضرورة في بعض الحالات النادرة إن وجدت في المجتمع المؤمن الأمن.
ولكونه ضرورة قام بإجازته قانونا- الدول الأوربية - رغم تحريمه في شريعتهم, ولكن مبدأ حرية الإنسان ومصلحته مقدم وخاصة في الدول المتحضرة.

والمتأمل في شريعة الإسلام يجد أن جميع الآيات التي جاءت في هذا الموضوع تؤدي إلى الإصلاح بين الزوجين , ولا يكون الطلاق إلا عند استحالة الحياة الزوجية ..

*****

قال تعالى في سورة النساء : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا – 19

وقال تعالى : وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا – 35
أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة التي تؤدي إلى الطلاق ﴿ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ أي: رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين مخلصين ومن الأهل يعرفان ما بين الزوجين . لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك الصفات.
فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب،
ولهذا قال:﴿ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ أي: بسبب الإخلاص في الصلح والرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين.
وقال تعالى في نفس السورة: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا – 128
أي: إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها، فالأحسن في هذه الحالة أن يصلحا بينهما صلحا بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها ويسمح الزوج لزوجته عن بعض حقوقه, على وجه تبقى معها الحياة الزوجية.
ولهذا قال: ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾

وبذلك ندرك حرص شريعة الإسلام على إدامة الحياة الزوجية دون شقاق.


******

أما في حالة النزاع الذي يصر فيه كلا الزوجين على الطلاق . فوضعت الشريعة شروطا وضوابط قد تحول دون الطلاق..
وهي عوامل نفسية يعلمها الله تعالى..وقد ثبت في كثير من الحالات التي التزمت بهذه الضوابط , أن ذهب بين الزوجين حالة الإحتقان وعادت المودة والرحمة ترفرف بينهما...وخاصة إذا كان القرآن العظيم يتلى في البيت , فسورة البقرة طاردة للشياطين وللسحر وكذلك سورة يس..
فإن معظم الخلافات نزغ من الشيطان.

*******

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ, لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ, وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا - 1
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ, وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ, ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ, وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا – 2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ, وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا – 3

*******

الشرط الأول : موعد الطلاق
( الطهر الذي لم تمس فيه الزوجة )


﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ أي: أردتم طلاقهن فالتمسوا لطلاقهن الأمر المشروع، ولا تبادروا بالطلاق من حين يوجد سببه، من غير مراعاة لأمر الله.
﴿ فطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ أي: لأجل عدتهن، بأن يطلقها زوجها وهي طاهر، في طهر لم يمسسها فيه، وهذا شرط مهم يغفل عنه الكثير من الناس.

فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة، بخلاف ما لو طلقها وهي حائض، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة، التي وقع فيها الطلاق، وتطول عليها العدة بسبب ذلك، وكذلك لو طلقها في طهر قد مسها فيه، فإنه لا يؤمن عدم حملها، فلا يتبين و لا يتضح بأي عدة تعتد.

وفي الحديث, عن عبدالله بن عمر ؛ أنه طلق امرأة له وهي حائض . تطليقة واحدة . فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر . ثم تحيض عنده حيضة أخرى . ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها . فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يمس . فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء.
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1471
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وأمر تعالى بإحصاء العدة، أي: ضبطها بالحيض إن كانت تحيض، أو بالأشهر إن لم تكن تحيض، وليست حاملاً، فإن في إحصائها أداء لحق الله، وحق الزوج المطلق، وحق من سوف سيتزوجها بعد، وحقها في النفقة ونحوها .


الشرط الثاني : عدم خروج الزوجة من بيتها.


﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ﴾ مدة العدة، بل يلزمن بيوتهن الذي طلقها زوجها وهي فيها.
﴿ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾ أي: لا يجوز لهن الخروج منها، أما النهي عن إخراجها، فلأن المسكن، يجب على الزوج للزوجة ، لتكمل فيه عدتها التي هي حق من حقوقه.
وأما النهي عن خروجها، فلما في خروجها، من إضاعة حق الزوج وعدم صونه.
ويستمر هذا النهي عن الخروج من البيوت، والإخراج إلى تمام العدة.
﴿ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ أي: بأمر قبيح واضح .
﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ أي: التي حددها لعباده وشرعها لهم، وأمرهم بلزومها، والوقوف معها،
﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ ﴾ بالتجاوز أو التقصير عنها، ﴿ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ أي: بخسها حظها، وأضاع نصيبه من اتباع حدود الله التي هي الصلاح في الدنيا والآخرة.

﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ ولعل إذا نسبت لله تفيد التحقيق أي: شرع الله مدة العدة، وحدد الطلاق بها، لحكم عظيمة, تزول فيها أسباب الطلاق وتعود المودة والرحمة ، فيراجع من طلقها، ويستأنف عشرتها. فيزول ذلك السبب في مدة العدة، فيراجعها لانتفاء سبب الطلاق.
ومن الحكم: أنها مدة التربص، يعلم فيها البراءة من الحمل.

وقوله: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ أي: إذا قاربن انقضاء العدة، لأنهن لو خرجن من العدة، لم يكن الزوج مخيرًا بين الإمساك والفراق. ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ أي: على وجه المعاشرة الحسنة ، والصحبة الجميلة، لا على وجه الضرار، وإرادة الشر والحبس، فإن إمساكها على هذا الوجه، لا يجوز، ﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ أي: فراقًا لا محذور فيه، من غير تخاصم، ولا قهر لها على أخذ شيء من مالها.


الشرط الثالث: الأشهاد على الطلاق.


﴿ وَأَشْهِدُوا ﴾ على طلاقها ورجعتها ﴿ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ أي: رجلين مسلمين عدلين، لأن في الإشهاد المذكور، سدًا لباب المخاصمة.
﴿ وَأَقِيمُوا ﴾ أيها الشهداء ﴿ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ أي: ائتوا بها على وجهها، من غير زيادة ولا نقص، واقصدوا بإقامتها وجه الله وحده.

﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾

فإن الإيمان يوجب على أصحابه العمل بشريعة الله تعالى وتحري تنفيذها بدقة ووعي حتى يشيع بيننا المودة والرحمة .
فالأسرة هي اللبنة للمجتمع فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد المجتمع. ولذلك وجب الإهتمام بفهم مقاصد الشريعة التي مبناها الرحمة للعالمين.

وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا – 2
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ, وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا – 3

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
20-03-2011, 01:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(21)
وبعض آيات من سورة الطلاق

حقوق الطفل

نستكمل إن شاء الله تعالى بعض من أحكام الأحوال الشخصية التي جاءت مفصلة ومحكمة وذلك لأنها من الأمور التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان ...فالأسرة هي الكيان الشرعي والوحيد للعلاقة بين الرجل والمرأة, والحرص على إدامة هذا الكيان هو الأصل في الإسلام.
وقد رأينا في اللقاءات السابقة كيف وضعت الحلول للمشكلات التي تعتري الحياة الزوجية ...ورأينا الشروط التي وضعت عند العزم على الطلاق...وكلها كفيلة- لو فعلها الإنسان – بأن تحول دون وقوع الطلاق, حتى تنشأ أجيال بين أحضان أبوين متحابين في الله تعالى. رضيا بالصبر من أجل أولادهما.

*****

ونتكلم اليوم إن شاء الله تعالى عن حماية الطفل حال وقوع الطلاق.


أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ, فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ, وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى – 6
لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ, لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً – 7


ما يترتب على الطلاق
من نفقة وسكن ورضاع


أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ

هذا هو البيان الأخير لتفصيل مسألة الإقامة في البيوت , والإنفاق في فترة العدة - على اختلاف مدتها . فالمأمور به هو أن يسكنوهن مما يجدون هم من سكنى . لا أقل مما هم عليه في سكناهم , وما يستطيعونه حسب مقدرتهم وغناهم . غير عامدين إلى مضارتهم سواء بالتضييق عليهن في فسحة المسكن أو مستواه أو في المعاملة فيه .
وخص ذوات الأحمال بذكر النفقة - مع وجوب النفقة لكل معتدة .
فأوجب النفقة حتى الوضع , وهو موعد انتهاء العدة لزيادة الإيضاح التشريعي...
ثم فصل مسألة الرضاعة فلم يجعلها واجبا على الأم بلا مقابل . فما دامت ترضع الطفل المشترك بينهما , فمن حقها أن تنال أجرا على رضاعته تستعين به على حياتها وعلى إدرار اللبن للصغير , وهذا منتهى المراعاة للأم في هذه الشريعة .
وفي الوقت ذاته أمر الأب والأم أن يأتمرا بينهما بالمعروف في شأن هذا الوليد , ويتشاورا في أمره ورائدهما مصلحته , وهو أمانة بينهما , فلا يكون فشلهما نكبة على الصغير البريء .
وهذه هي المياسرة التي يدعوهما الله إليها . فأما إذا تعاسرا ولم يتفقا بشأن الرضاعة وأجرها , فالطفل مكفول الحقوق: ( فسترضع له أخرى ). دون اعتراض من الأم ودون تعطيل لحق الطفل في الرضاعة , بسبب تعاسرهما بعد فشلهما...
ثم يفصل الأمر في قدر النفقة . فهو اليسر والتعاون والعدل . لا يجور هو , ولا تتعنت هي .
فمن وسع الله عليه رزقه فلينفق عن سعة . سواء في السكن أو في نفقة المعيشة أو في أجر الرضاعة . ومن ضيق عليه في الرزق , فليس عليه من حرج .
فالله لا يطالب أحدا أن ينفق إلا في حدود ما آتاه . فهو المعطي , ولا يملك أحد أن يحصل على غير ما أعطاه الله تعالى .
فليس هناك مصدر آخر للعطاء غير هذا المصدر , وليست هناك خزانة غير هذه الخزانة: ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )
ثم لمسة الإرضاء , وإفساح الرجاء , للاثنين على السواء

سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً

فالأمر منوط بالله في الفرج بعد الضيق , واليسر بعد العسر . فأولى لهما إذن أن يعقدا به الأمر كله , وأن يتجها إليه بالأمر كله , وأن يراقباه ويتقياه والأمر كله إليه . وهو المانح المانع . القابض الباسط . وبيده الضيق والفرج , والعسر واليسر , والشدة والرخاء.

وهذا العلاج الشامل الكامل , وهذه اللمسات المؤثرة العميقة , وهذا التوكيد الوثيق المتكرر . . هذه كلها هي الضمانات الوحيدة في هذه المسألة لتنفيذ الشريعة المقررة . فليس هناك ضابط إلا حساسية الضمائر وتقوى القلوب .
وإن كلا الزوجين ليملك مكايدة صاحبه حتى تنفقئ مرارته إذا كانت الحواجز هي فقط حواجز القانون .

وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ

فالأمر بعدم المضارة يشمل النهي عن ألوان من العنت لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع .
فالأمر هنا أكبر من القانون الذي يحكم الظواهر, إنما هو الخوف من الله
المطلع على السرائر , المحيط بكل شيء علما . وإلى التعويض الذي يعده الله للمتقين في الدنيا والآخرة .
وإن الزوجين ليفارقان - في ظل تلك الأحكام والتوجيهات - وفي قلوبهما بذور للود والرحمة تعود على حياتهما وحياة أولادهما في الدنيا والأخرة.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-03-2011, 08:25 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(22)
وبعض آيات من سورة الطلاق


عاقبة من يرفضون أحكام الله وشريعته


وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً - 8

لعل من الشواهد التي نراها جميعا ندرك أنه لا عاصم من أمر الله , إن وقعت الزلازل أو الأعاصير المدمرة. فهي تدمر كل شئ بإذن ربها , وتقف التكنولوجية عاجزة حائرة أمام قدر الله تعالى,
وقد رأينا السيارات والسفن وأجهزة الكمبيوتر والمنازل والقطارات تترامى كالقمامة وهي تنزاح تحت الأمواج العاتية ..
فنحن نعيش على الأرض التي وهبها لنا الله تعالى , وقد وهبنا الله تعالى العقل والإدراك لكي نعرف خالقنا على يقين وعلم, وسخر لنا الكون من حولنا لكي نستفيد منه في تحسين أوضاعنا المعيشية وتيسير حركة الإنسان عبر مسيرته المقدرة إلى أن يلقى ربه مؤمنا مطمئنا . فيحيا سعيدا في الدنيا ويسعد في جنات ربه في الأخرة.
فلماذا يصر الإنسان على عناده ؟ مستكبرا على رسالة ربه التي فيها النجاة. ويظن أن ما معه من علم وتكنولوجية تنجيه من قدر الله تعالى.
فالشواهد عبر التاريخ من أوله وإلى الأن تقول أن جميع الأمم التي عتت عن أمر ربها سواء بالكفر أو العصيان أو الظلم كان عاقبتها الزوال مهما بلغت من حضارة..
فأين حضارة عاد وثمود وأين حضارة الفراعنة ؟. فإنها حضارات سادت ثم بدت. فهل نأخذ العبرة ؟

وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً - 8

فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً - 9 أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً - 10
رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً – 11
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً – 12


هذا إنذار وتحذير مفصل المشاهد . كما أنه تذكير عميق بنعمة الله بالإيمان والنور , ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه .
فأخذ الله لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة:

وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً - 8

ونقف لحظة أمام هذا التحذير فنرى أن الله أخذ القرى واحدة بعد واحدة كلما عتت عن أمر ربها ورسله .
فقد جاء هذا الدين لأهل الأرض كافة ليطاع , ولينفذ كله , وليهيمن على الحياة كلها . فمن عتا عن أمر الله فيه فقد تعرض لما تعرضت له القرى من سنة الله التي لا تتخلف أبدا.
وتلك القرى ذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا . . ذاقته في هذه الأرض قبل يوم الحساب الأخير . ولقد ذاقت هذا الوبال قرى وأمم وشعوب عتت عن منهج الله في الأرض . ونحن نشهد وأسلافنا شهدوا هذا الوبال . ذاقته فسادا وانحلالا , وفقرا وقحطا , وظلما وجورا , وحياة مفزعة لا أمن فيها ولا سلام , ولا طمأنينة فيها ولا استقرار . وفي كل يوم نرى مصداق هذا النذير..
وذلك فوق العذاب الشديد الذي ينتظر العتاة عن أمر الله ونهجه في الحياة حيث يقول الله: ( أعد الله لهم عذابا شديدا ). . والله أصدق القائلين .
إن هذا الدين منهج نظام جماعي . وجاء ليصرف حياة الإنسان . ومن ثم فالجماعة كلها مسؤولة عنه , مسؤولة عن أحكامه . ولن تخالف عن هذه الأحكام حتى يحق عليها هذا النذير الذي حق على القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله.
وفي مواجهة هذا الإنذار ومشاهده الطويلة يهتف بأولي الألباب الذين آمنوا . يهتف بهم ليتقوا الله الذي أنزل لهم الذكر: ( قد أنزل الله إليكم ذكرا ). . ويجسم هذا الذكر ويمزجه بشخص الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فيجعل شخصه الكريم هو الذكر, أو بدلا منه في الآية : ( رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات )
فهو ( صلى الله عليه وسلم ) ترجمة حية لحقيقة القرآن وهكذا وصفته السيدة عائشة - رضي الله عنها - وهي تقول:" كان خلقه القرآن " . . وهكذا كان القرآن في خاطره في مواجهة الحياة . وكان هو القرآن يواجه الحياة....

وفوق نعمة الذكر والنور والهداية والصلاح , وعد بنعيم الجنات خالدين فيها أبدا .

وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً.

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-04-2011, 04:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثامن و العشرون
(23)
وبعض آيات من سورة التحريم

كفارة اليمين


قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ – 2

﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ أي: قد شرع لكم، وقدر ما به تنحل أيمانكم قبل الحنث، وما به الكفارة بعد الحنث، وذلك كما في قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ - 87 وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ – 88
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ – 89 المائدة

وهذه رحمة من الله تعالى , فكل من حرم حلالًا عليه، من طعام أو شراب ، أو حلف يمينًا بالله، على فعل أو ترك أمر من الأمور المشروعة ، ثم حنث أو أراد الحنث، فعليه هذه الكفارة ﴿ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾
وذلك الإطعام ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ﴾ أي: كسوة عشرة مساكين، والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة. فمتى فعل واحدا من هذه , فقد انحلت يمينه.
﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ تكفرها وتمحوها وتمنع من الإثم.


وقوله: ﴿ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ﴾ أي: متولي أموركم، ومربيكم أحسن تربية، في أمور دينكم ودنياكم، وما به يندفع عنكم الشر، فلذلك فرض لكم تحلة أيمانكم، لتبرأ ذممكم، ﴿ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ الذي أحاط علمه بظواهركم وبواطنكم، وهو الحكيم في جميع ما خلقه وحكم به، فلذلك شرع لكم من الأحكام، ما يعلم أنه موافق لمصالحكم، ومناسب لأحوالكم.

*******


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ -6
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – 7
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – 8

توجيه المؤمنين إلى تربية أبنائهم والتوبة النصوح لله تعالى..
وتأدية واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير , فيقوا أنفسهم وأهليهم من النار, فعلى المؤمن أن يحول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار..
..والدعوة إلى التوبة فهي الطريق إلى الجنة التي تنتظر التائبين...

نسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ


*******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
03-04-2011, 11:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(1)
وبعض آيات من سورة الملك


الإختبار الأهم والمصيري


تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 1 الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ – 2


إن المتتبع لهذه السلسلة يدرك أن جميع المعاملات في الإسلام مبنية على الإيمان والعمل الصالح , والإحسان في العمل هو النجاح في إختبار الحياة على وجه الأرض , أما الفساد في الأرض فهو الخسران سواء في الدنيا والأخرة...

( تبارك الذي بيده الملك ). . فهو المالك له , المهيمن عليه , القابض على ناصيته , المتصرف فيه . . وهي حقيقة . حين تستقر في الضمير تحدد له الوجهة والمصير ; وتخليه من التوجه أو الإعتماد أو الطلب من غير المالك المهيمن المتصرف في هذا الملك بلا شريك ; كما تخليه من العبودية والعبادة لغير المالك الواحد مالك الملك...

( وهو على كل شيء قدير ). . فلا يعجزه شيء , ولا يفوته شيء , ولا يحول دون إرادته شيء , ولا يحد مشيئته شيء . يخلق ما يشاء , ويفعل ما يريد , وهو قادر على ما يريده غالب على أمره .
فقدرة الله فوق كل ما يخطر للبشر على أي حال .


الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ – 2

والحياة والموت يشمل الموت السابق على الحياة والموت اللاحق لها . والحياة تشمل الحياة الأولى والحياة الآخرة .
وكلها من خلق الله تعالى , لحكمة أرادها سبحانه وهي الإبتلاء لأظهار المكنون في علم الله من سلوك الأنسان على الأرض , واستحقاقهم للجزاء على العمل: ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ).

فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.

( وهو العزيز الغفور ) ليسكب الطمأنينة في القلب الذي يرعى الله ويخشاه فالله عزيز غالب ولكنه غفور مسامح . فإذا استيقظ القلب , وشعر أنه هنا للإبتلاء والاختبار , وحذر وتوقى , فإن له أن يطمئن إلى غفران الله ورحمته وأن يقر عندها ويستريح... فهناك الرحمة السابغة والعون الكبير والسماحة الواسعة والعفو عن كثير .

*******

إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ - 12 وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ – 13 أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ – 14


والغيب المشار إليه هنا يشمل خشيتهم لربهم الذي لم يروه , كما يشمل خشيتهم لربهم وهم في خفية عن الأعين , وكلاهما معنى كبير , وشعور نظيف , وإدراك بصير . يؤهل لهذا الجزاء العظيم الذي يذكره السياق في إجمال: وهو المغفرة والعفو , والأجر الكبير...
ووصل القلب بالله في السر والخفية , وبالغيب الذي لا تطلع عليه العيون , هو ميزان الحساسية في القلب البشري وضمانة الحياة للضمير . .

قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده:حدثنا طالوت بن عباد , حدثنا الحارث بن عبيد , عن ثابت , عن أنس , قال: قالوا: يا رسول الله إنا نكون عندك على حال , فإذا فارقناك كنا على غيره . قال: كيف أنتم وربكم ? قالوا: الله ربنا في السر والعلانية . قال: ليس ذلكم النفاق ...

فالصلة بالله هي الأصل . فمتى انعقدت في القلب فهو مؤمن صادق موصول ...

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ – 13 أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ – 14

أسروا قولكم أو اجهروا فهو مكشوف لعلم الله سواء . وهو يعلم ما هو أخفى من الجهر والسر . ( إنه عليم بذات الصدور ) التي لم تفارق الصدور ! عليم بها , فهو الذي خلقها في الصدور , كما خلق الصدور .. ( ألا يعلم من خلق ) ألا يعلم وهو الذي خلق ? ( وهو اللطيف الخبير ) الذي يصل علمه إلى الدقيق الصغير والخفي المستور..
إن البشر وهم يحاولون التخفي من الله بحركة أو سر أو نية في الضمير , يبدون مضحكين ! فالضمير الذي يخفون فيه نيتهم من خلق الله , وهو يعلم دروبه وخفاياه . والنية التي يخفونها هي كذلك من خلقه وهو يعلمها ويعلم أين تكون . فماذا يخفون ? وأين يستخفون ؟
فالمؤمن مطالب بأمانة العقيدة وأمانة العدالة , وأمانة التجرد لله في العمل والنية . وهذا لا يتحقق إلا حين يستيقن القلب أنه هو وما يكمن فيه من سر ونية هو من خلق الله الذي يعلمه الله تعالى . وهو اللطيف الخبير ...

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
05-04-2011, 10:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(2)
وبعض آيات من سورة الملك

الأمر بالعمل الجاد
والتنقيب في الأرض


هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ - 15

فإذا استيقظ ضمير الإنسان - لهذا الأمر - وأدرك أن الله تعالى أذن له بالمشي في مناكب الأرض والأكل من رزقه فيها – سوف يواصل البناء لتعمير المدن لتستوعب الزيادة السكانية , بدل هذا الإزدحام الخانق الذي تسبب في شلل التنمية والتقدم..والاهتمام بالزراعة والرعي والصيد لسد حاجات السكان من الغذاء الضروري للحياة وإلا لأصبحت الدولة تابعة لمن يقدم لها الغذاء من قمح وغيره...
ويجب الأهتمام بالصناعة لسد حاجات الإنسان في تسير حياته في سهولة ويسر.... وبدون الصناعة تتخلف الدول وتصبح عرضة لنهب ثرواتها من كل غاصب ومحتل...

والمؤمن يفعل كل هذا وقلبه متعلق بخالقه الذي سخر له الكون...وينفض عنه الكسل الذي تسبب في تخلف وفقر كثير من الشعوب التى لا تعي أوامر الله تعالى..

*******
سهولة سطح الأرض

والله جعل الأرض ذلولا بسهولة سطحها للعمل وسهولة تشكيلها بإنشاء المدن الجديدة عليها وسهولة زراعتها ...وأنشأ الله بها هذه التربة الخصبة الصالحة للحياة . وأنشأ ما فيها من النبات والأرزاق التي يأكل منها البشر وجميع الكائنات الحية منذ ملايين السنين إلي قيام الساعة إن شاء الله تعالى....ولم تنفد.

العناصر المكونة للهواء

والله جعل الأرض ذلولا بأن جعل الهواء المحيط بها محتويا للعناصر التي تحتاج الحياة إليها , بالنسب الدقيقة التي لواختلت ما قامت الحياة , وما عاشت إن قدر لها أن تقوم من الأساس . فنسبة الأكسجين فيه هي 21 % تقريبا ونسبة الأزوت أو النتروجين هي 78 % تقريبا والبقية من ثاني أكسيد الكربون بنسبة ثلاثة أجزاء من عشرة آلاف وعناصر أخرى . وهذه النسب هي اللازمة بالضبط لقيام الحياة على الأرض..

ملائمة حجم الأرض
وتحركاتها في ثلاثة محاور.


والله جعل الأرض ذلولا بآلاف من هذه الموافقات الضرورية لقيام الحياة . . ومنها حجم الأرض وحجم الشمس والقمر , وبعد الأرض عن الشمس والقمر . ودرجة حرارة الشمس . وسمك قشرة الأرض . ودرجة سرعتها . وميل محورها . ونسبة توزيع الماء واليابس فيها . وكثافة الهواء المحيط بها .
والنص القرآني يشير إلى هذه الحقائق ليعيها كل فرد وكل جيل بالقدر الذي يطيق , وبالقدر الذي يبلغ إليه علمه وملاحظته , ليشعر بيد الله - الذي بيده الملك - وهي تتولاه وتتولى كل شيء حوله , وتذلل له الأرض , وتحفظه وتحفظها وتحفظ هذا الكون كله بهذا التناسق العظيم الذي نراه...


إن الأرض التي نعيش عليها تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة , ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة حوالي خمسة وستين ألف ميل في الساعة . ثم تركض الشمس والمجموعة الشمسية كلها بمعدل عشرين ألف ميل في الساعة نحو برج في السماء . . ومع هذا الركض كله يبقى الإنسان على ظهرها آمنا مستريحا مطمئنا معافى ...

وهذه الحركات الثلاث لها حكمة . وقد عرفنا أثر اثنتين منها في حياة هذا الإنسان , بل في الحياة كلها على ظهر هذه الأرض . فدورة الأرض حول نفسها هي التي ينشأ عنها الليل والنهار . ولو كان الليل سرمدا لجمدت الحياة كلها من البرد , ولو كان النهار سرمدا لاحترقت الحياة كلها من الحر . . ودورتها حول الشمس هي التي تنشأ عنها الفصول . ولو دام فصل واحد على الأرض ما قامت الحياة في شكلها هذا كما أرادها الله تعالى...
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ – 38 يس

وكل هذه التحركات الهائلة في وقت واحد , ثابتة على وضع واحد في أثناء الحركة - يحدده ميل محورها بمقدار 23 . 5 درجة لأن هذا الميل هو الذي تنشأ عنه الفصول الأربعة مع حركة الأرض حول الشمس , والذي لو اختل في أثناء الحركة لاختلت الفصول التي تترتب عليها دورة النبات بل دورة الحياة كلها في هذه الحياة الدنيا....
والله جعل الأرض ذلولا للبشر بأن جعل لها جاذبية تشدهم إليها في أثناء حركاتها الكبرى , كما جعل لها ضغطا جويا يسمح بسهولة الحركة فوقها .
ولو كان الضغط الجوي أثقل من هذا لتعذر أو تعسر على الإنسان أن يسير ويتنقل - حسب درجة ثقل الضغط - فإما أن يسحقه أو يعوقه . ولو كان أخف لاضطربت خطى الإنسان أو لانفجرت تجاويفه لزيادة ضغطه الذاتي على ضغط الهواء حوله , كما يقع لمن يرتفعون في طبقات الجو العليا بدون تكييف لضغط الهواء...

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ - 15


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
10-04-2011, 10:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم



مع الجزء التاسع و العشرون

(3)


وبعض آيات من سورة القلم



الخلق العظيم




ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ – 1 مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ – 2 وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ – 3



وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ – 4



فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ – 5 بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ – 6 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ - 7



تبدأ السورة بقسم الله تعالى بالقلم وما يخطه الكاتبون, والقلم وسيلة للكتابة تتطور عبر العصور ونراه الأن في الألواح الألكترونية وأجهزة الكمبيوتر المختلفة الأحجام والأشكال..والكتابة وسيلة لإظهار العلوم التي أودعها الله تعالى في عقول البشر..فكل ما نراه من إبداعات وصناعات وإنشاءات لابد لها من تصميمات تخطه الأقلام أولا..


وبهذه النعمة- نعمة العلم- لا يتأتى منها الجنون .. بل يأتي منها اليقين بالله الخالق, وتأتي بتزكية النفس بالعلم والأخلاق والعمل الصالح التي يؤدي للسعادة في الدنيا والخلود في جنات النعيم..



والكتابة لها أهميتها للأمة الإسلامية لتقوم بنقل هذه العقيدة وما يقوم عليها من مناهج الحياة إلى أرجاء الأرض . ثم لتنهض بقيادة البشرية قيادة رشيدة . وما من شك أن الكتابة عنصر أساسي في النهوض بهذه المهمة الكبرى...


ومما يؤكد هذا المفهوم أن يبدأ الوحي بقوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم ) العلق


وكان هذا حلقة من المنهج الإلهي لتربية هذه الأمة وإعدادها للقيام بالدور الكوني الضخم الذي قدره لها .



مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ – 2



وإن العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في قومه , من قولتهم هذه عنه , وهم الذين علموا منه رجاحة العقل حتى حكموه بينهم في رفع الحجر الأسود قبل النبوة بأعوام كثيرة .


وهم الذين لقبوه بالأمين , وظلوا يستودعونه أماناتهم حتى يوم هجرته , بعد عدائهم العنيف له , فقد ثبت أن عليا - كرم الله وجهه - تخلف عن رسول الله أياما في مكة , ليرد إليهم ودائعهم التي كانت عنده ; حتى وهم يحادونه ويعادونه ذلك العداء العنيف .


وهم الذين لم يعرفوا عليه كذبة واحدة قبل البعثة . فلما سأل هرقل أبا سفيان عنه:هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل نبوته ? قال أبو سفيان - وهو عدوه قبل إسلامه - لا , فقال هرقل:ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله...



إن الإنسان ليأخذه العجب أن يبلغ الغيظ بالناس إلى الحد الذي يدفع مشركي قريش إلى أن يقولوا هذه القولة وغيرها عن هذا الإنسان الرفيع الكريم , المشهور بينهم برجاحة العقل وبالخلق القويم . ولكن الحقد يعمي ويصم , والغرض يقذف بالفرية دون تحرج ... وقائلها يعرف قبل كل أحد , أنه كذاب أثيم ...وهذا ما يحدث في عصرنا الحديث من أعداء الإسلام.



مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ – 2 وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ – 3



وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ – 4



عظمة خلق الرسول عليه السلام



تجيء الشهادة الكبرى والتكريم العظيم وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ; ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود ... ويعجز كل قلم , ويعجز كل تصور , عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود , وهي شهادة من الله تعالى , في ميزان الله , لعبد الله , يقول له فيها:( وإنك لعلى خلق عظيم ). ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين ..


ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة رسول الله محمد [ صلى الله عليه وسلم ] تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال .. وتتردد في الملأ الأعلى إلى ما شاء الله تعالى...



ولقد رويت عن عظمة خلقه صلى الله عليه وسلم في السيرة , وعلى لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة . وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه . ولكن هذه الكلمة أعظم بدلالتها من كل شيء آخر . أعظم بصدورها عن العلي الكبير . وأعظم بتلقي محمد لها وهو يعلم من هو العلي الكبير , وبقائه بعدها ثابتا راسخا مطمئنا . لا يتكبر على العباد , ولا ينتفخ , ولا يتعاظم , وهو الذى سمع ما سمع من العلى الكبير: ( الله أعلم حيث يجعل رسالته...124 الأنعام ) . وما كان إلا رسول الله محمد [ صلى الله عليه وسلم ] بعظمة نفسه هذه - من يحمل هذه الرسالة الأخيرة بكل عظمتها الكونية الكبرى . فيكون كفئا لها , كما يكون صورة حية منها .


إن هذه الرسالة من الكمال والجمال , والعظمة والشمول , والصدق والحق , بحيث لا يحملها إلا الرجل الذي يثني عليه الله هذا الثناء . فتطيق شخصيته كذلك تلقي هذا الثناء . في تماسك وفي توازن , وفي طمأنينة . طمأنينة القلب الكبير الذي يسع حقيقة تلك الرسالة وحقيقة هذا الثناء العظيم . ثم يتلقى - بعد ذلك - عتاب ربه له ومؤاخذته إياه على بعض تصرفاته , بذات التماسك وذات التوازن وذات الطمأنينة . ويعلن هذه كما يعلن تلك , لا يكتم من هذه شيئا ولا تلك . . وهو هو في كلتا الحالتين النبي الكريم . والعبد الطائع . والمبلغ الأمين صلى الله عليه وسلم..



والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . . فيلخص رسالته في هذا الهدف النبيل . وتتوارد أحاديثه تترى في الحض على كل خلق كريم .


وتقوم سيرته الشخصية مثالا حيا وصفحة نقية , وصورة رفيعة , تستحق من الله أن يقول عنها في كتابه الخالد:( وإنك لعلى خلق عظيم ). .


وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين، عائشة -رضي الله عنها- لمن سألها عن خلقه ، فقالت: " كان خلقه القرآن "،


وذلك نحو قوله تعالى له: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ – 199 الأعراف ﴾ ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ..... - 159 ال عمران ﴾ - ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ – 128 التوبة ﴾


فكان صلى الله عليه وسلم سهلًا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور،


وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم...



فهي أخلاقيات لم تنبع من البيئة , ولا من اعتبارات أرضية إطلاقا ; وهي لا تستمد ولا تعتمد على اعتبار من اعتبارات العرف أو المصلحة أو الارتباطات التي كانت قائمة عند العرب في الجاهلية. إنما تستمد من رسالة الله وتعتمد على رسالة الله تعالى ( القرآن العظيم )..


لكي يصبح الإنسان أهلا لتكريم الله له واستخلافه في الأرض ; وكي يتأهلوا للحياة الرفيعة الأخرى:


( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ - 55 القمر ).



*********



وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-04-2011, 09:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(4)
وبعض آيات من سورة القلم

إختبار أصحاب الثروات


إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ - 17 وَلَا يَسْتَثْنُونَ – 18 فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ – 19 فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ – 20 فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ – 21 أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ – 22 فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ – 23 أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ – 24 وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ – 25 فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ – 26 بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – 27

لقد كان للمساكين حظ من ثمار الجنة وهي أرض زراعية حباها الله بالثمار الكثيرة - كما تقول الروايات - على أيام صاحبها الطيب الصالح . ولكن الورثة يريدون أن يستأثروا بثمرها الآن , وأن يحرموا المساكين حقهم...الذي فرضه الله في زكاة الزروع.

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ -17 وَلَا يَسْتَثْنُونَ – 18

لقد استقر رأيهم على أن يقطعوا ثمرها عند الصباح الباكر , دون أن يستثنوا منه شيئا للمساكين . وأقسموا على هذا , وعقدوا النية عليه , وباتوا بهذا الشر فيما اعتزموه .
والله يسمع ويرى ..فإن الكون كونه والخلق خلقه والنعم منه تفضلا يعطيها من يشاء ليختبرهم...
لقد استمر العطاء لنعم الله طالما كانوا شاكرين لنعمه على الفقراء والمساكين ..ولكنهم الأن يضمرون الشر والحرمان للمساكين ..فهل يستحقون هذا الفضل ؟

فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ – 19
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ – 20

فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ – 21 أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ – 22
فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ – 23 أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ – 24
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ – 25

﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: عذاب نزل عليها ليلًا ﴿ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾ فأبادها وأتلفها ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ أي: كالليل المظلم، ذهبت الأشجار والثمار، هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم، ولهذا تنادوا فيما بينهم، لما أصبحوا يقول بعضهم لبعض: ﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا ﴾ قاصدين له ﴿ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾ فيما بينهم، ولكن بمنع حق الله، ويقولون: ﴿ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾ أي: بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء والمساكين، ومن شدة حرصهم وبخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفًا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء.

أجل إنهم لقادرون على المنع والحرمان . .ولكنه حرمان أنفسهم من نعم الله التي أمدهم بها ليسعدوا بها ويسعدوا المساكين...
فحرمان الفقراء والمساكين من حقهم كان سببا في حرمان أصحاب الجنة...

فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ – 26 بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – 27

والآن وقد حاقت بهم عاقبة المكر والتبييت , وعاقبة البطر والمنع , يتقدم أوسطهم وأعقلهم وأصلحهم.....

قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – 28 قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ – 29 فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ – 30 قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ – 31 عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ – 32 كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ – 33 إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - 34

﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ أي: أعدلهم، وأحسنهم طريقة ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ أي: تنزهون الله تعالى وتعلموا أنه يراكم ويسمع ما تمكرون.. فهذا مقتضى الإيمان والتسبيح ..
فالتسبيح يمنعك من المكر السئ , لأنك تنزه الله تعالى عن الغفلة. قال تعالى في سورة إبراهيم : لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ – 42 ....

فقالوا ﴿ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ أي: استدركوا بعد ذلك، ولكن بعد ما وقع العذاب على جنتهم، الذي لا يرفع، ولكن لعل تسبيحهم هذا، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة، ولهذا ندموا ندامة عظيمة.
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ فيما أجروه وفعلوه،
﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده.
﴿ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرًا منها، ووعدوا أنهم سيرغبون إلى الله، ويلحون عليه في الدنيا، فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرًا منها لأن من دعا الله صادقًا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله.

فليكن التسبيح بالمعنى العملي هو أساس جميع معاملات المؤمن لكي نحظى بنعم الله تعالى علينا.

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - 34

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
22-04-2011, 06:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(5)
وبعض آيات من سورة القلم

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ – 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – 36

العدل سمة شريعة الإسلام

إن حكمة الله تعالى تقتضي أن لا يجعل المسلمين القانتين لربهم، المنقادين لأوامره في كل معاملاتهم ، المتبعين لمرضاته كالمجرمين الذين أسرفوا في المعاصي، والكفر بآياته، ومعاندة رسله، ومحاربة أوليائه،

فالإسلام هو دين السلام الذي يفرض على أتباعه أعرق الأخلاق بجانب تربية الضمير على الرقابة من الله تعالى في جميع الأحوال..
وبذلك تكتمل المنظومة التشريعية للإسلام , شريعة متكاملة الأركان شاملة للمبادئ الأساسية في حياة البشر فهي صالحة لكل زمان ومكان. وعقيدة تهيمن على قلب المسلم , فهو سوي السلوك أمام عيون الناس أو منفردا - فالأمر في كلا الحالتين مشهود لله تعالى..

ولا تستوي تلك المبادئ مع المجرم الذي لا يراعي أخلاق ولا عهد ولا ذمة , يلتزم مخافة العقاب ويظهر لك جميل الأدب , فإن كانت السلطة في يديه ظلم العباد ونهب البلاد وأذاع الفساد تحت مسميات الثقافة والأبداع,
قال تعالى في سورة البقرة:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ – 204 وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ – 205 وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ – 206

وقال تعالى في سورة لقمان:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ – 6 وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - 7
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ - 8 خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – 9


عقاب الذين أجرموا

قال تعالى في سورة النمل:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ – 69 ﴾ فلا تجدون مجرما قد استمر على إجرامه، إلا وعاقبته شر عاقبة وقد أحل الله به من الشر والعقوبة ما يليق بحاله.

وقال تعالى في سورة السجدة:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ 22

أي: لا أحد أظلم، وأزيد تعديًا، ممن ذكر بآيات ربه، التي أوصلها إليه ربه، الذي يريد تربيته، وتكميل نعمته على أيدي رسله، تأمره، وتذكره مصالحه الدينية والدنيوية، وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية، التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم، والانقياد والشكر، فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي، فلم يؤمن بها، ولا اتبعها، بل أعرض عنها وتركها وراء ظهره، فهذا من أكبر المجرمين، الذين يستحقون شديد النقمة، ولهذا قال: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾

حال المجرمين يوم القيامة

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا - 49 الكهف

ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في يمينه أو في شماله، فتبصر العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم،
ولا يظلم ربك أحدًا مثقال ذرة، فلا يُنقَص طائع من ثوابه، ولا يُزاد عاص في عقابه....

*******

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ – 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – 36

وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تدرون من المسلم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده. قال : تدرون من المؤمن ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ...قال : من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم والمهاجر من هجر السوء فاجتنبه...
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص ...
- المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 11/137
إسناده صحيح

*******
إن المتتبع لهذه السلسلة وقد قاربنا نهايتها يجد الأخلاق الرفيعة والأداب السامية والمعاملات التي مبناها الصدق والعدل واتقان العمل والشهامة في مساعدة الضعفاء والإنفاق على الفقراء والمساكين . والدفاع عن أوطانهم , والدعوة إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
هذا هو الإسلام الحق الذي يحقق العزة والكرامة للإنسانية.
وليس لأي شخص- كان من كان يراد به تشويه الإسلام بتصرفات منافية للدين العظيم – أن يكون حجة لمبادئ الإسلام..
ولكن الإسلام حجة على الجميع..


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
23-04-2011, 09:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(6)
وبعض آيات من سورة الحاقة

مصارع الأمم
المكذبة برسالات الله تعالى.

الْحَاقَّةُ – 1 مَا الْحَاقَّةُ – 2 وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ – 3
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ – 4 فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ – 5 وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ – 6 سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ – 7 فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ – 8

وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ – 9 فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً – 10

إن رسالات الله تعالى أتت لرحمة الإنسان من التخبط ولحمايته من الظلم والفساد ولحمايته من تسلط الطغاة , حيث الحرية والكرامة هي أساس شريعة الله تعالى.

إن أمر الدين والعقيدة , جد خالص حازم جازم . جد كله لا هزل فيه . ولا مجال فيه للهزل . جد في الدنيا وجد في الآخرة , وجد في ميزان الله وحسابه . جد لا يحتمل التلفت عنه هنا أو هناك كثيرا ولا قليلا . وأي تلفت عنه من أي أحد يستنزل غضب الله الصارم , وأخذه الحاسم ..
إنه الحق . حق اليقين . من رب العالمين...

وإن المتأمل في الحضارات التي أبيدت وانتهى مصيرها بالعقاب الإلهي يجد أنها بلغت حدا كبيرا من الحضارة المادية , ولكي ندرك هذا الأمر ننظر إلى الأهرامت العملاقة والتي تعتبر معجزة في البناء تحير مهندسي العالم حتى الأن..هذه الأهرامات ما هي إلا مدافن لفراعنة مصر, فكيف كانت القصور ؟؟ وأين علوم التحنيط التي تعتبر سرا من أسرار تلك الحضارة ؟ كل هذه الحضارة إنهارت وأبيدت بسبب التكذيب والعناد لرسالة الله تعالى..
وكذلك حضارة عاد وثمود أبيدت بسبب تعنتهم واستكبارهم على رسالة ربهم..

وهكذا كل من تكبر ورفض الحق ورسالة الحق أخذ أخذة مروعة داهمة قاصمة , تتناسب مع الجد الصارم الحاسم في هذا الأمر العظيم الهائل , الذي لا يحتمل هزلا , ولا يحتمل لعبا , ولا يحتمل تلفتا عنه من هنا أو هناك....
ويبرز ذلك في مشهد القيامة المروع , وفي نهاية الكون الرهيبة , وفي جلال التجلي كذلك وهو أروع وأهول: ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة . وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة , فيومئذ وقعت الواقعة ,وانشقت السماء فهي يومئذ واهية . . والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية )

******

وثمود - كما جاء في مواضع أخرى - كانت تسكن الحجر في شمالي الحجاز بين الحجاز والشام . وكان أخذهم بالصيحة كما سماها في غير موضع . أما هنا فهو يذكر وصف الصيحة دون لفظها . .( بالطاغية ). . لأن هذا الوصف يفيض بالهول المناسب لجو السورة . ويكتفي بهذه الآية الواحدة تطوي ثمود طيا , وتغمرهم غمرا , وتعصف بهم عصفا , وتطغى عليهم فلا تبقي لهم ظلا ...

وأما عاد فقد استمرت وقعتها سبع ليال وثمانية أيام حسوما . على حين كانت وقعة ثمود خاطفة . . صيحة واحدة . طاغية . .( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ).
والريح الصرصر:الشديدة الباردة . واللفظ ذاته فيه صرصرة الريح . وزاد شدتها بوصفها ( عاتية ). . لتناسب عتو عاد وجبروتها المحكي في القرآن , وقد كانوا يسكنون الأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وحضرموت . وكانوا أشداء بطاشين جبارين . هذه الريح الصرصر العاتية: ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ). . والحسوم القاطعة المستمرة في القطع . والتعبير يرسم مشهد العاصفة المزمجرة المدمرة المستمرة هذه الفترة الطويلة المحددة بالدقة: ( سبع ليال وثمانية أيام ). ثم يعرض المشهد بعدها شاخصا: ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ). . فترى . . فالمنظر معروض تراه , والتعبير يلح به على الحس حتى يتملاه ...( صرعى ). . ( كأنهم أعجاز نخل ) بأصولها وجذوعها ( خاوية ) فارغة تآكلت أجوافها فارتمت ساقطة على الأرض هامدة . .( فهل ترى لهم من باقية ? ). . لا - فليس لهم من باقية
ذلك شأن عاد وثمود . . وهو شأن المكذبين .

وجاء فرعون ومن قبله والمؤتكفات بالخاطئة . فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ...
وفرعون كان في مصر - وهو فرعون موسى - ومن قبله لا يذكر عنهم تفصيل . والمؤتفكات قرى لوط المدمرة التي اتبعت الإفك أو التي انقلبت , فاللفظ يعني هذا وهذا . ويجمل السياق فعال هؤلاء جميعا , فيقول عنهم انهم جاءوا ( بالخاطئة ) أي بالفعلة الخاطئة - من الخطيئة - ( فعصوا رسول ربهم ). . وهم عصوا رسلا متعددين ; ولكن حقيقتهم واحدة , ورسالتهم في صميمها واحدة . فهم إذن رسول واحد , يمثل حقيقة واحدة
وهي بلاغ رسالة الله للعالمين التي هي الرحمة لهم في الدنيا والأخرة...

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-04-2011, 09:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(7)
وبعض آيات من سورة المعارج


أهمية الإيمان
في نفسية الإنسان وتصرفاته


إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً - 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً - 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً - 21 إِلَّا الْمُصَلِّينَ - 22 الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ -23 وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ - 24 لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ - 25
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ - 26 وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ - 27 إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ - 28
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - 29 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ - 31
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ -32 وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ - 33 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34 أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35


*******

أولا : حالة الإنسان بدون الإيمان


إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً - 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً - 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً - 21

فالإنسان بدون الإيمان هلوعا . . جزوعا عند مس الشر , يتألم للذعته , ويجزع لوقعه , ويحسب أنه دائم لا كاشف له . ويظن اللحظة الحاضرة سرمدا مضروبا عليه ; ويحبس نفسه بأوهامه في قمقم من هذه اللحظة وما فيها من الشر الواقع به . فلا يتصور أن هناك فرجا ; ولا يتوقع من الله تغييرا . ومن ثم يأكله الجزع , ويمزقه الهلع . ذلك أنه لا يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه , ويعلق به رجاءه وأمله . .
منوعا للخير إذا قدر عليه . يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به على غيره , ويحتجذه لشخصه , ويصبح أسير ما ملك منه , مستعبدا للحرص عليه ... ذلك أنه لا يدرك حقيقة الرزق ودوره هو فيه . ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه ... فهو هلوع في الحالتين . . هلوع من الشر . هلوع على الخير . . وهي صورة بائسة للإنسان , حين يخلو قلبه من الإيمان..

ومن ثم يبدو الإيمان بالله مسألة ضخمة ومهمة في حياة الإنسان . لا كلمة تقال باللسان , ولا شعائر تعبدية تقام . إنه حالة نفس ومنهج حياة , وتصور كامل للقيم والأحداث والأحوال . وحين يصبح القلب خاويا من هذا المقوم فإنه يتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة .. ويبيت في قلق وخوف دائم , سواء أصابه الشر فجزع , أم أصابه الخير فمنع .
فأما حين يعمره الإيمان فهو منه في طمأنينة وعافية , لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال ; مطمئن إلى قدر الله تعالى, شاعر برحمته , مقدر لابتلائه , متطلع دائما إلى فرجه من الضيق , ويسره من العسر . متجه إليه بالخير , عالم أنه ينفق مما رزقه , وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله , معوض عنه في الدنيا والآخرة . . فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة , يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا....


ثانيا : حالة الإنسان المؤمن
والتزام بمبادئ الإسلام.


الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ -23

والصلاة فوق أنها ركن الإسلام وعلامة الإيمان , هي وسيلة الاتصال بالله تعالى , والاستمداد من ذلك الرصيد . ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام العبودية في صورة معينة . وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا: ( الذين هم على صلاتهم دائمون ). . تعطي صورة الاستقرار والاستطراد , فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة .
وقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا عمل شيئا من العبادة داوم عليه - وكان يقول: وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل .


وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ - 24 لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ - 25


وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر . . وهي حق في أموال المؤمنين . . أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر . وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم .

والسائل الذي يسأل ; والمحروم الذي لا يسأل ولا يعبر عن حاجته فيحرم أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن السؤال .

والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة , وبآصرة الإنسانية من جهة , فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص والشح . وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها وتعاونها .
فهي فريضة ذات دلالات شتى , في عالم الضمير وعالم الواقع سواء . .
بحيث لو فعلت فريضة الزكاة فلن تجد على وجه الأرض فقير معدم كما نراها اليوم.. فقراء تحت خط الفقر, وأغنياء مخزنة ثرواتهم بالمليارات بالبنوك لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم..

وإن شاء الله تعالى نستكمل بقية الصفات والإلتزمات, في اللقاء القادم..

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
27-04-2011, 04:33 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(8)
وبعض آيات من سورة المعارج

أهمية الإيمان
في نفسية الإنسان


تكلمنا في اللقاء السابق عن الإنسان بدون الإيمان وكيف إنه يعيش ممزق النفس حيث يعيش هلوعا جزوعا..وأن النجاة من هذه الحالة إلتزام الإيمان بالمحافظة على الصلة بينه وبين خالقه , وإخراج زكاة ماله ,وذلك لتحقيق التكافل الإجماعي في المجتمع.
ونستكمل اليوم بإذن الله تعالى بقية الصفات.


وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ - 26


فالتصديق بيوم الدين شرط الإيمان وأساس جميع المعاملات. وبدونه يسقط الإيمان وتسقط معها الثقة في جميع المعاملات إلا إذا كانت موثقة توثيقا لا يدع مجالا للشك في العقود المبرمة بين الأفراد والجماعات.
والتصديق بيوم الدين ذو أثر حاسم في منهج الحياة شعورا وسلوكا .
فالمصدق بيوم الدين يعمل وهو ناظر لميزان السماء لا لميزان الأرض , ولحساب الآخرة لا لحساب الدنيا ويتقبل الأحداث خيرها وشرها وفي حسابه أنها مقدمات نتائجها هناك , فيضيف إليها النتائج المرتقبة حين يزنها ويقومها . .

والمكذب بيوم الدين يحسب كل شيء بحسب ما يقع له منه في هذه الحياة القصيرة المحدودة , ويتحرك وحدوده هي حدود هذه الأرض وحدود هذا العمر . فهو بائس مسكين معذب قلق لأن ما يقع في هذا الشطر من الحياة الذي يحصر فيه تأملاته وحساباته وتقديراته , قد لا يكون مطمئنا ولا مريحا ولا عادلا ولا معقولا , ما لم يضف إليه حساب الشطر الآخر وهو أكبر وأطول . قال تعالى في سورة الأعلى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا – 16 وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى - 17
ومن ثم يشقى من لا يؤمن بيوم الحساب و يشقى غيره من حوله . ولا تستقيم له حياة رفيعة لا يجد جزاءها في هذه الأرض واضحا . . ومن ثم كان التصديق باليوم الآخر شرط الإيمان الذي يقوم عليه منهج الحياة في الإسلام..


وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ - 27
إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ - 28


وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين . درجة الحساسية المرهفة , والرقابة اليقظة , والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة , والخوف من تلفت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة , والتطلع إلى الله للحماية والوقاية.. .
ولقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو من هو عند الله . وهو يعرف أن الله قد اصطفاه ورعاه . . كان دائم الحذر دائم الخوف لعذاب الله . وكان على يقين أن عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنة إلا بفضل من الله ورحمة .
وقال لأصحابه: لن يدخل الجنة أحدا عمله ... قالوا: ولا أنت يا رسول الله ? قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته..

( إن عذاب ربهم غير مأمون ). . إيحاء بالحساسية الدائمة التي لا تغفل لحظة , فقد تقع موجبات العذاب في لحظة الغفلة فيحق العذاب . والله لا يطلب من الناس إلا هذه اليقظة وهذه الحساسية , فإذا غلبهم ضعفهم معها , فرحمته واسعة , ومغفرته حاضرة . وباب التوبة مفتوح ليست عليه مغاليق .
والقلب الموصول بالله يحذر ويرجو , ويخاف ويطمع , وهو مطمئن لرحمة الله على كل حال...

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - 29 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ - 31

وهذه تعني طهارة النفس والجماعة , فالإسلام يريد مجتمعا طاهرا نظيفا , وفي الوقت ذاته ناصعا صريحا . مجتمعا تؤدى فيه كل الوظائف الحيوية , وتلبي فيه كل دوافع الفطرة . ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل .

فالمجتمع الإسلامي يقوم على أساس الأسرة الشرعية المتينة القوائم . وعلى البيت العلني الواضح المعالم . مجتمعا يعرف فيه كل طفل أباه , ولا يخجل من مولده ....
ومن ثم يذكر القرآن هنا من صفات المؤمنين ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين , فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )

والإسلام نظيف صريح قويم يجعل الأسرة هي اللبنة الوحيدة في بناء المجتمع الإيماني ...
والأحكام الإسرية جاءت لتحكم جميع العصور بما فيها العصور التي كانت تبيح الاسترقاق ( ملك اليمين )
فقد قضى الإسلام على الرق من جذوره, إذ أن مصدر الرق كان الأسر في الحروب , وقد أغلق هذا الباب...
قال تعالى في سورة محمد : حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً..
وبذلك أغلق باب الإسترقاق...
وجعل من التقرب إلى الله عتق العبيد المستبقين من النظم السابقة..
وبناء على ذلك فقد انتهى الرق نهائيا ..ولا يكون إلا العلاقة الأسرية بين الرجل والمرأة هي الرابطة الوحيدة المعترف بها في الإسلام ولا اعتراف بإي علاقة أخرة مهما كانت...




وإن شاء الله تعالى نستكمل بقية الصفات في اللقاء القادم..



******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-05-2011, 09:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(9)
وبعض آيات من سورة المعارج


أهمية الإيمان
في نفسية الإنسان


تكلمنا في اللقاءات السابقة عن الإنسان بدون الإيمان وكيف إنه يعيش ممزق النفس حيث يعيش هلوعا جزوعا..وأن النجاة من هذه الحالة إلتزام الإيمان بالمحافظة على الصلة بينه وبين خالقه , وإخراج زكاة ماله ,وذلك لتحقيق التكافل الإجماعي في المجتمع. واليقين بيوم الحساب والخوف والرجاء في عفو الله تعالى..
ثم تحدثنا عن الحياة النظيفة في ظل شريعة الإسلام التي جعلت الأسرة هي اللبنة الأساسية والوحيدة في بناء المجتمع الإنساني.
ونستكمل اليوم بإذن الله تعالى بقية الصفات.


وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ -32

وهذه من القوائم الأخلاقية التي يقيم الإسلام عليها نظام المجتمع . ورعاية الأمانات والعهود في الإسلام تبدأ من رعاية الأمانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان . وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها .
قال تعالى في سورة الأعراف: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ – 172

ومن رعاية العهد الأول المقطوع على فطرة الناس- وهم بعد في الأصلاب- أن الله ربهم الواحد , وهم بخلقتهم على هذا العهد شهود . . ومن رعاية تلك الأمانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض.

وقد شدد الإسلام في الأمانة والعهد وكرر وأكد , ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة . وجعل رعاية الأمانة والعهد سمة النفس المؤمنة , كما جعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد سمة النفس المنافقة والكافرة . ورد هذا في مواضع شتى من القرآن والسنة لا تدع مجالا للشك في أهمية هذا الأمر البالغة في مبادئ الإسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أربع من كن فيه كان منافقا ، أو كانت فيه خصلة من أربعة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر.
رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

********

وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ - 33
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34 أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35

أي: لا يشهدون إلا بما يعلمونه، من غير زيادة ولا نقص ولا كتمان، ولا يحابي فيها قريبا ولا صديقا ونحوه، ويكون القصد بها وجه الله.

قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾2 الطلاق
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾135 النساء .

القسط الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده،
فالقسط في حقوق الله أن لا يستعان بنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته....
ومن القسط أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان، حتى على الأحباب بل على النفس...

وكما بدأ سمات النفوس المؤمنة بالصلاة , ختمها كذلك بالصلاة...

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34

وهي صفة غير صفة الدوام التي ذكرت في صدر هذه الصفات .
فهنا تتحقق الصلاة بالمحافظة عليها في مواعيدها , وفي فرائضها , وفي سننها , وفي هيئتها , وفي الروح التي تؤدى بها .
فلا يضيعونها إهمالا وكسلا . ولا يضيعونها بعدم إقامتها على وجهها . .

ومن الأهمية بمكان أن تفعل مواقيت الصلاة بحيث تؤدى في كل مرافق الدولة في كل المصانع والهيئات والمدارس والمعاهد والجامعات.
ونحن نشاهد ذلك في السعودية إذا حان وقت الصلاة ينهض الجميع لأداءها ثم يواصلون أعمالهم ولم نسمع قط عن تعطيل العمل أو تعطيل المتاجر بل الكل يسير ضمن منظومة إيمانية وبركة من الله لجميع أعمالهم.. بينما لم تحدث تلك البركة في البلدان التي تضيع الصلاة بحجة عدم تضيع الوقت والعمل .. فبترك الصلاة ضاع الوقت وفسد العمل.

وأيضا لو نظمنا أوقات العمل طبقا لمواعيد الصلاة لكنا سادة الأمم بلا منازع...فكلنا يعرف أن اليوم يبدأ عند المسلم بصلاة الفجر...فلو أن الأعمال تبدأ بعد صلاة الفجر لتحقق لنا البركة في البكور ووفرنا الطاقة الكهربية حيث أن وقت العمل من بعد صلاة الفجر إلى صلاة الظهر يصل إلى ثمان ساعات كلها في ضوء النهار..

وذكر الصلاة في المطلع والختام يوحي بالاحتفال والاهتمام بهذه الصلة الهامة بين العباد وخالقهم سبحانه وتعالى.
وبهذا تختم سمات المؤمنين...وندرك معها أنه لا خلاص من الأمراض النفسية مثل الهلع والجزع والبخل ومنع مساعدة الناس إلا بإلتزام بشريعة الله تعالى وأداء ما فرضه الله علينا من صلاة وزكاة وغيرها من الفرائض والإلتزام بمبادئ العدل في أداء الشهادة.

وهنا يظهر لنا مستقبل هؤلاء, العزة في الدنيا والكرامة في الأخرة..

أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
07-05-2011, 08:04 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(10)
وبعض آيات من سورة نوح


أسباب البركة في الرزق
والبركة في الذرية


فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً – 10 يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً – 11 وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً – 12

مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً – 13 وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً – 14 أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً – 15 وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً – 16

وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً – 17 ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً – 18 وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطاً – 19 لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً – 20

إن دعوة الأنبياء من لدن أدم إلى نبينا صلوات الله وسلامه عليه واحده , فهذا نبي الله " نوح" يدعو قومه الف سنة إلا خمسين عاما بدعوة التوحيد , والتوبة من الشرك...
ونلاحظ هنا ربط بين الإيمان والاستغفار وبين الرزق.
وفي القرآن مواضع متكررة فيها هذا الارتباط بين صلاح القلوب واستقامتها على هدى الله , وبين تيسير الأرزاق , وعموم الرخاء . . .
قال تعالى : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض , ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – 96 الأعراف
وقال تعالى : ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم -65 ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم – 66 المائدة
وقال تعالى في أول سورة هود: ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير , وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله....

إن جميع معاملات الإنسان مرهونة بالوضع الإقتصادي السائد بين أفراده. فبقدر الرخاء والبركة في الثروات وقدرات شبابه على العمل والدفاع عن دياره بقدر تمتعه بالقوة والإكتفاء الذاتي, بل يمكنه تصدير ما يتبقى ليحصل على ثروات إضافية...

ومن استقراء التاريخ نلاحظ ثبات هذه السنة الكونية,
فالواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون . والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد . وما من أمة قام فيها شرع الله , واتجهت اتجاها حقيقيا لله بالعمل الصالح والاستغفار المنبئ عن خشية الله . . ما من أمة اتقت الله وعبدته وأقامت شريعته , فحققت العدل والأمن للناس جميعا , إلا فاضت فيها الخيرات , ومكن الله لها في الأرض واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء...

ولقد نشهد في بعض الفترات أمما لا تتقي الله ولا تقيم شريعته ; وهي - مع هذا - موسع عليها في الرزق , ممكن لها في الأرض . . ولكن هذا إنما هو الإبتلاء: ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة..-35 الأنبياء ) ثم هو بعد ذلك رخاء مؤوف , تأكله آفات الاختلال الإجتماعي والانحدار الأخلاقي , أو الظلم والبغي وإهدار كرامة الإنسان . .كما هو مشاهد للجميع..

ففي النظام الرأسمالي يهبط تصور الحياة إلى الدرك الأسفل فيقوم كله على مدى الثراء.
وفي النظام الشيوعي تهدر قيمة "الإنسان" إلى درجة دون الرقيق. وليست هذه أو تلك حياة إنسانية توسم بالرخاء...

فالإيمان إمن نفسي ورخاء وبركة في الأرزاق على الحقيقة..
( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض..)

******

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾ أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا الله منها.
﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب، واندفاع العقاب.
ورغبهم أيضا، بخير الدنيا العاجل، فقال: ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ أي: مطرا متتابعا، يروي الأرض ويجعلها صالحة للزراعة ، ويحيي البلاد والعباد.
﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾ أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم، ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها.

******

وكان على الإنسان العاقل أن يدرك عظمة الله تعالى , ويتجه بعقله وقلبه إلى آيات الله في الكون, فكل من حوله يشهد بوحدانية الخالق الحق..وليس لأي مخلوق أن يدعي خلق ذرة أو أقل من الذرة..

﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾

أي: خلقا من بعد خلق، في بطن الأم، ثم في الرضاع، ثم في سن الطفولية، ثم التمييز، ثم الشباب، إلى آخر ما وصل إليه الخلق ، فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع، متعين أن يفرد بالعبادة والتوحيد، وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على الإقرار بالمعاد، وأن الذي أنشأهم من العدم قادر على أن يعيدهم بعد موتهم.
واستدل أيضا عليهم بخلق السماوات التي هي أكبر من خلق الناس، فقال: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ أي: كل سماء فوق الأخرى.
﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ﴾ لأهل الأرض ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ .
ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى.

﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ فالآية توحي بالوحدة بين أصول الحياة على وجه الأرض , وأن نشأة الإنسان من الأرض كنشأة النبات . من عناصرها الأولية يتكون . ومن عناصرها الأولية يتغذى وينمو , فهو نبات من نباتها . وهبه الله هذا اللون من الحياة كما وهب النبات ذلك اللون من الحياة . وكلاهما خلقه من الأرض , وكلاهما يرضع من هذه الأم الحنون..

﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا ﴾ عند الموت ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴾ للبعث والنشور، فهو الذي يملك الحياة والموت والنشور.

وبذلك تتحدد كل معاملات الإنسان طبقا لعقيدة صحيحة قائمة الحق والعدل...

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴾ أي أن الله تعالى جعل لنا الأرض سهلة في تعميرها وإنشاء الطرق عليها وتعميرها بالمدن والمساكن ..وزراعتها والانتفاع بكل ما بسطه الله عليها من نعم لا تعد ولا تحصى..
فهل أدركنا نعمة الله تعالى على أهل الأرض وكيف يكون حال الإنسان لو أن الأرض مثل المريخ ؟؟ ليس به ماء أو هواء ولم يبسط فيه من الخيرات الغذائية والمعدنية ؟؟ مثل ما بسط على أرضنا من جميع النعم..التي تقتضي أن نشكر الله تعالى عليها. وأن تكون جميع معاملاتنا مبناها رسالة الله تعالى..

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
13-05-2011, 08:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(11)
وبعض آيات من سورة الجن

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً - 26


نتكلم اليوم عن بعض سلوكيات خاطئة لمن يذهبوا إلى الدجالين ليحلوا لهم مشاكلهم عن طريق الجن...
وفي الحديث الشريف :
من أتى عرافا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة...الراوي: عمر بن الخطاب
المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 5/120

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول : فقد كفر بما أنزل على محمد...( صلى الله عليه وسلم. )
المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/90
خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد

وقد كان العرب في الجاهلية يعتقدون أن للجن سلطانا في الأرض , فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر , لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض , فقال:أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه . . ثم بات آمنا .. كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به الكهان فيتنبأون بما يتنبأون . وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين الله نسبا , وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة.....

والاعتقاد في الجن على هذا النحو أو شبهه كان فاشيا في كل جاهلية , ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا....

وبينما كانت الأوهام والأساطير تغمر قلوب الناس ومشاعرهم وتصوراتهم عن الجن في القديم , وما تزال . . نجد في الصف الآخر اليوم منكرين لوجود الجن أصلا , يصفون أي حديث عن هذا الخلق المغيب بأنه حديث خرافة...

وبين الإغراق في الوهم , والإغراق في الإنكار , يقرر الإسلام حقيقة الجن , ويصحح التصورات العامة عنهم , ويحرر القلوب من خوفها وخضوعها لسلطانهم الموهوم.....

فالجن لهم حقيقة موجودة فعلا وهم كما يصفون أنفسهم هنا ( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ). . ومنهم الضالون المضلون ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون: ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا , وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ). . وهم قابلون للهداية من الضلال , مستعدون لإدراك القرآن سماعا وفهما وتأثرا ( قل:أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا:إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به , ولن نشرك بربنا أحدا ). .

وأنهم قابلون بخلقتهم لتوقيع الجزاء عليهم وتحقيق نتائج الإيمان و الكفر فيهم : ( وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به , فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا . وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون , فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا , وأما القاسطون , فكانوا لجهنم حطبا ). .

وأنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم بل يرهقونهم ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ). .

وأنهم لا يعلمون الغيب , ولم تعد لهم صلة بالسماء: ( وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا , وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع , فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا , وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) . .

وأنهم لا صهر بينهم وبين الله - سبحانه وتعالى - ولا نسب: ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ). .

وأن الجن لا قوة لهم مع قوة الله ولا حيلة: ( وأنا ظننا أن لن نعجزالله في الأرض ولن نعجزه هربا )

وهذا الذي ذكر في هذه السورة عن الجن بالإضافة إلى ما جاء في القرآن من صفات أخرى كتسخير طائفة من الشياطين لسليمان - وهم من الجن - وأنهم لم يعلموا بموته إلا بعد فترة , فدل هذا على أنهم لا يعلمون الغيب : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته , فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين -14سبأ )

قال تعالى: ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم . . -27 الأعراف ) يدل على أن كيان الجن غير مرئي للبشر , في حين أن كيان الإنس مرئي للجن...
هذا بالإضافة إلى ما قرره في سورة الرحمن عن المادة التي منها كيان الجن والمادة التي منها كيان الإنسان في قوله تعالى : ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار , وخلق الجان من مارج من نار ).

******

وتعالوا نعيش مع تفسير السعدي لبعض آيات سورة الجن.

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا – 1 يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا – 2

أي: ﴿ قُلْ ﴾ يا أيها الرسول للناس ﴿ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ﴾ صرفهم الله [ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ] لسماع آياته لتقوم عليهم الحجة [ وتتم عليهم النعمة ] ويكونوا نذرا لقومهم .
وأمر الله رسوله أن يقص نبأهم على الناس، وذلك أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا فهموا معانيه، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم، ﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ أي: من العجائب الغالية، والمطالب العالية.

﴿ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ والرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم، ﴿ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ فجمعوا بين الإيمان الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، وبين التقوى، [ المتضمنة لترك الشر ] وجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه، ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد واجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، وحجة قاطعة، لمن استنار به، واهتدى بهديه، وهذا الإيمان النافع، المثمر لكل خير، المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد، والمربى والإلف ونحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة،

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾ أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، ﴿ مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴾ فعلموا من جد الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى.

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴾ أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد، وما حمله على ذلك إلا سفهه وضعف عقله، وإلا فلو كان رزينا مطمئنا لعرف كيف يقول.

﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ أي: كنا مغترين قبل ذلك، وغرنا القادة والرؤساء من الجن والإنس، فأحسنا بهم الظن، وظنناهم لا يتجرأون على الكذب على الله، فلذلك كنا قبل هذا على طريقهم، فاليوم إذ بان لنا الحق، رجعنا إليه ، وانقدنا له، ولم نبال بقول أحد من الناس يعارض الهدى.

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع ، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ".

﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ﴾ أي: فلما أنكروا البعث أقدموا على الشرك والطغيان.

﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ ﴾ أي: أتيناها واختبرناها، ﴿ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا ﴾ عن الوصول إلى أرجائها [ والدنو منها ]، ﴿ وَشُهُبًا ﴾ يرمى بها من استرق السمع، وهذا بخلاف عادتنا الأولى، فإنا كنا نتمكن من الوصول إلى خبر السماء.

﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْع ﴾ فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله. ﴿ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴾ أي: مرصدا له، معدا لإتلافه وإحراقه، أي: وهذا له شأن عظيم، ونبأ جسيم، وجزموا أن الله تعالى أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا، من خير أو شر، فلهذا قالوا: ﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ أي: لا بد من هذا أو هذا، لأنهم رأوا الأمر تغير عليهم تغيرا أنكروه، فعرفوا بفطنتهم أن هذا الأمر يريده الله، ويحدثه في الأرض، وفي هذا بيان لأدبهم، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى، والشر حذفوا فاعله تأدبا مع الله.

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ﴾ أي: فساق وفجار وكفار، ﴿ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ﴾ أي: فرقا متنوعة، وأهواء متفرقة، كل حزب بما لديهم فرحون.

﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ﴾ أي : وأنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة الله وكمال عجزنا، وأن نواصينا بيد الله فلن نعجزه في الأرض ولن نعجزه إن هربنا وسعينا بأسباب الفرار والخروج عن قدرته، لا ملجأ منه إلا إليه.
﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ﴾ وهو القرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، وعرفنا هدايته وإرشاده، أثر في قلوبنا فـ ﴿ آمَنَّا بِهِ ﴾ .
ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا: ﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ ﴾ إيمانا صادقا ﴿ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ﴾ أي: لا نقصا ولا طغيانا ولا أذى يلحقه ، وإذا سلم من الشر حصل له الخير، فالإيمان سبب داع إلى حصول كل خير وانتفاء كل شر.

﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ﴾ أي: الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم.
﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾ أي: أصابوا طريق الرشد، الموصل لهم إلى الجنة ونعيمها، ﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ وذلك جزاء على أعمالهم، لا ظلم من الله لهم، فإنهم ﴿ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾ المثلى ﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾أي: هنيئا مريئا، ولم يمنعهم ذلك إلا ظلمهم وعدوانهم.
﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ أي : لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب.
﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ﴾ أي: من أعرض عن ذكر الله، الذي هو كتابه، فلم يتبعه وينقد له، بل غفل عنه ولهى، يسلكه عذابا صعدا أي: شديدا بليغا.

******

فهل أدركنا حقيقة الجن ؟ وأن منهم المؤمن ومنهم الكافر ومنهم الطائع ومنهم العاصي , وأنهم لا يعلمون الغيب..
أما الشياطين الذين يضلون الناس عن الهداية فقد يكونوا من الجن أومن الإنس..
فشياطين الجن توسوس وتزين الشرور للإنسان ولا تجبره على ذلك, فالإنسان حر خلقه الله ذو إرادة حرة يحاسب عليها يوم القيامة..
وشياطين الإنس كذلك تزين الشرور وتنشر الفاحشة لتضل الإنسان عن الطريق المستقيم..وليس لهم سلطان على قلب الإنسان المؤمن..
فقراءة سورة البقرة وسورة يس تقي من السحر ووساوس الشياطين..
وفي كل الأحوال ينجو المؤمن بإعتصامه بالله تعالى من شرور شياطين الإنس والجن...

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
14-05-2011, 11:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(12)
وبعض آيات من سورة المزمل

عبء الأمانة


يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً – 6 إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً - 7 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً – 8 رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً – 9 وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً – 10 وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً – 11


بعد عودة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من غار حراء وقد بلغ به الجهد بلقاء جبريل عليه السلام على صورته يقول للسيدة خديجة رضي الله عنها زملوني زملوني....فجاءه الوحي : يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5
فعلم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنه لم يعد هناك نوم.. وأن هناك تكليفا ثقيلا , وجهادا طويلا , وأنه الصحو والكد والجهد منذ ذلك النداء العلوي ...
وقيل لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ( قم ). . فقام . وظل قائما بعدها أكثر من عشرين عاما... لم يسترح . ولم يسكن . ولم يعش لنفسه ولا لأهله . قام وظل قائما على دعوة الله . يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به . عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض . عبء البشرية كلها , وعبء العقيدة كلها , وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى .
حمل عبء الكفاح والجهاد في ميدان الضمير البشري الغارق في أوهام الجاهلية وتصوراتها ,

واستمر الجهاد والكفاح والسهر على تربية الأمة الجديدة التي سوف يغير بها الله وجه الأرض من عبادة العباد إلى عبادة الله الخالق الحق.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة للمسلمين فقاموا كما قام وحملوا على عاتقهم نشر رسالة الله للعالمين..ففتحوا القلوب قبل الأرض وأنتشر الإسلام في ربوعها وأضاء نور عقيدة التوحيد وتحقق العدل والحرية والعلم والترجمة في كافة مجالات الحياة من طب وهندسة وكيمياء وشريعة وقانون , وأقاموا الصناعات وشجعوا على الإبتكار فكانت هي أساس كل الصناعات الحديثة..وكانت هي الدولة الأولى في العالم بدون منازع..علما وقوة وحضارة أساسها رسالة الله تعالى..

فهل تعي الأمة معنى أن تقوم ؟ كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم..وصحابته الكرام والتابعين وتابعي التابعين...

إن النوم طال وتفشى الكسل والتخلف وطلت الفواحش بوجهها القبيح وساد الفساد واستشرى الخوف والجهل...
ولكن مهما طال الليل لابد من طلوع الفجر...


يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً – 6 إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً - 7 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً – 8 رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً – 9 وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً – 10 وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً – 11


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-05-2011, 09:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(13)
وبعض آيات من سورة المدثر


النهوض بتبعة الرسالة


يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – 1 قُمْ فَأَنذِرْ – 2 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ – 3 وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ – 4 وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ – 5 وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ – 6 وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ – 7

واستكمالا للحديث السابق عن تحمل عبء الأمانة بالقيام والجهد والقرب من الله تعالى , نرى اليوم الأمر بالنهوض بتبعة الرسالة وهي تبيلغها للعالمين مع التحمل بتلك المهمة الضخمة ...فالأمر ليس نزهة وليس طريقا مفروشا بالورود ...إن الأمر يتصادم مع الأهواء والعقائد الفاسدة ويتصادم مع شهوات النفس ويتصادم مع شياطين الإنس والجن...

ولكنه يلتقي مع الفطر السليمة والنفوس المؤمنة بخالقها ومحبي الحق والعدل.. الذين يحتاجون إلى المعرفة لشريعة ربهم وسنة نبيهم..
فالأمر كبير عظيم , بأبي أنت وأمي يارسول الله , يامن تحملت عبء الرسالة الخالدة وتحملت تبليغها والنهوض بها حتى أتت إلينا بيضاء نقية ليلها كنهارها, تأخذ بأيدينا إلي صراط الله المستقيم..


يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – 1 قُمْ فَأَنذِرْ – 2 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ – 3 وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ – 4 وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ – 5 وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ – 6 وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ – 7


كان الأمر في سورة المزمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بالاجتهاد في العبادة والصبر على أذى قومه، والأمر هنا بإعلان الدعوة ، والصدع بالإنذار، فقال: ﴿ قُمِ ﴾ أي بجد ونشاط ﴿ فَأَنْذِرْ ﴾ الناس بالأقوال والأفعال، التي بها يتحقق هداية البشر إلى دين الله الحق..
﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ أي: عظمه بالتوحيد، واجعل قصدك في إنذارك وجه الله، وأن يعظمه العباد ويقوموا بعبادته.
﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ يحتمل أن المراد بثيابه، أعماله كلها، وبتطهيرها
ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة، التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة.
ويحتمل أن المراد بثيابه، الثياب المعروفة، وأنه مأمور بتطهيرها عن جميع النجاسات، في جميع الأوقات، خصوصا في الدخول في الصلوات، وإذا كان مأمورا بتطهير الظاهر، فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن.

﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ أن المراد بالرجز أعمال الشر كلها وأقواله، فيكون أمرا له بترك الذنوب، صغيرها وكبيرها ، ظاهرها وباطنها، فيدخل في ذلك الشرك وما دونه.

﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ أي: لا تمنن على الناس بما أسديت إليهم من النعم الدينية والدنيوية، بل أحسن إلى الناس مهما أمكنك، وانس عندهم إحسانك، ولا تطلب أجره إلا من الله تعالى واجعل من أحسنت إليه وغيره على حد سواء....
ولا تعط أحدا شيئا، وأنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه...

﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ أي: احتسب بصبرك، واقصد به وجه الله تعالى،

فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وبادر إليه، فأنذر الناس، وأوضح لهم بالآيات البينات جميع المطالب الإلهية، وعظم الله تعالى، ودعا الخلق إلى تعظيمه، وطهر أعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء، وهجر كل ما يبعد عن الله تعالى ، وهجر الشر وأهله، وكانت له المنة على الناس - بعد منة الله- من غير أن يطلب منهم على ذلك جزاء ولا شكورا، وصبر لله أكمل صبر، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

والتزم بتلك المبادئ صحابته رضوان الله عليهم جميعا , فكانوا نجوم الهداية للعالمين ...
ولزاما علينا ونحن أتباع ذلك الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أن نلتزم تلك المبادئ حتى نكون ضمن قافلة الدعاة لدين الله تعالى للعالمين ..سائلين الله الأخلاص دوما وأبدا.

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
17-05-2011, 10:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(14)
وبعض آيات من سورة القيامة

النفس اللوامة
وأثرها في ضبط السلوك للإنسان



لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ – 1 وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ – 2 أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ – 3 بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ – 4

قال الحسن البصري:إن المؤمن بالله ما تراه إلا يلوم نفسه, فيقول:
ما أردت بكلمتي ? ما أردت بأكلتي ? ما أردت بحديث نفسي ?
وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه . .

وبذلك يلتزم الأداب في جميع معاملاته ويلتزم الإخلاص لعلمه أنه محاسب يوم الدين...

وعن الحسن : ليس أحد من أهل السماوات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة . .

وعن عكرمة : النفس اللوامة تلوم على الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا ...

وعن مجاهد : النفس اللوامة تندم على ما فات وتلوم عليه .

وقال جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى , والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر , وتندم على ما فات من تقصير...

وفي الحديث القدسي:
يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ...
رواه مسلم ..

*******
والنفس قد تكون أمارة بالسوء.. قال تعالى في سورة يوسف: ( إن النفس لأمارة بالسوء ) فيجب مخالفتها إلى تقوى الله والعمل بأحكام الكتاب والسنة ...
وقد تكون لوامة كما هي معنا اليوم تلوم صاحبها على التقصير وتذكره بالآخرة والحساب...
وترتقي النفس إلى أن تصبح نفس مطمئنة . قال تعالى في سورة الفجر:
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ – 27 ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً – 28 فَادْخُلِي فِي عِبَادِي – 29 وَادْخُلِي جَنَّتِي -30

*******

وبجانب النفس اللوامة في الردع عن المعاصي,

تذكر الموت
واليقين بالبعث ويوم الحساب


والموت هو اليقين الذي يولد مع كل إنسان, فإنك حين ترى المولود لا تدري هل يمرض أم يكون صحيحا ؟ هل شقي أم سعيد ؟ هل فقير أم سيكون غنيا ؟ هل يصبح طبيبا أم مهندسا أو غير ذلك ؟
ولكن هناك يقين بأن هذا المولود حتما سيموت...ومع هذا اليقين قد يغفل كثير من الناس عن تذكر الموت ..ودور ذلك في ضبط سلوك ومعاملات الإنسان مع الأخرين.. وإن الفساد دائما ينشأ من طاعة النفس الأمارة بالسوء وعدم تذكر الموت والحساب..

أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى – 36 أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى – 37 ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى – 38 فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى – 39 أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى - 40

فمن تلك الحقائق الكبيرة التي تحشدها هذه السورة في مواجهة القلب البشري , وتضرب بها عليه حصارا لا مهرب منه . . حقيقة الموت التي تواجه كل حي , فلا يملك لها ردا , ولا يملك لها أحد ممن حوله دفعا . وهي تتكرر في كل لحظة , ويواجهها الكبار والصغار , والأغنياء والفقراء , والأقوياء والضعاف , ويقف الجميع منها موقفا واحدا . . لا حيلة . ولا وسيلة . ولا قوة . ولا شفاعة . ولا دفع . ولا تأجيل . . مما يوحي بأنها قادمة من جهة عليا لا يملك البشر معها شيئا . ولا مفر من الاستسلام لها , والاستسلام لإرادة تلك الجهة العليا . . ( كلا , إذا بلغت التراقي , وقيل:من راق ? وظن أنه الفراق . والتفت الساق بالساق . . إلى ربك يومئذ المساق )

ومن تلك الحقائق الكبيرة التي تعرضها السورة , حقيقة النشأة الأولى , ودلالتها على صدق الخبر بالنشأة الأخرى , وعلى أن هناك تدبيرا في خلق هذا الإنسان وتقديرا . . وهي حقيقة يكشف الله للناس عن دقة أدوارها وتتابعها في صنعة مبدعة , لا يقدر عليها إلا الله تعالى , ولا يدعيها أحد ممن يكذبون بالآخرة ويتمارون فيها .
فهي قاطعة في أن هناك إلها واحدا يدبر هذا الأمر ويقدره ..
وإيحاء قوي بضرورة النشأة الأخرى , تمشيا مع التقدير والتدبير الذي لا يترك هذا الإنسان سدى , ولا يدع حياته وعمله بلا وزن ولا حساب . قال تعالى في أول السورة : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ?
ثم قال تعالى في آخرها : أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى – 36 أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى – 37 ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى – 38 فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى – 39 أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى - 40


********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
23-05-2011, 09:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(15)
وبعض آيات من سورة القيامة


السبيل


هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً - 1 إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً - 2 إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً - 3


إن الأرض كوكب مثل باقي الكواكب في المجموعة الشمسية, ولكن أمدها الله تعالى بمقومات الحياة من هواء وماء وكل الكائنات الحية من حيوان ونبات, ودرجات حرارة ملائمة للحياة..
هذه الأرض أعدت قبل خلق الإنسان , فلقد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا..

أين كان الإنسان قبل أن يكون ? من الذي أوجده ? ومن الذي جعله شيئا مذكورا في هذا الوجود ? بعد أن لم يكن له ذكر ولا وجود: ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ? ). .

إذا أجاب الإنسان على هذه الأسئلة بصدق وصل إلى الإيمان , فإن لم يعرف الإجابة ..فقد أجابته الآيات التالية تبين له حقيقة أصله ونشأته , وحكمة الله في خلقه , وتزويده بطاقاته ومداركه: ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ). .

ثم لم يترك الإنسان لعقلة فقط .. بل هداه الله تعالى بإرسال الرسل تبين له الطريق المستقيم الذي يؤدي به إلى العيش في سعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الأخرة ...وجعله ذو إرادة في الاختيار بين طريق الخير وطرق الشر ....( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ).

فكان على الإنسان أن ينتبه إلى مستقبله الحقيقي , ولا ينبغي أن يمضي في استهتار. غير واع ولا مدرك , وهو مخلوق ليبتلى , وموهوب نعمة الإدراك لينجح في الابتلاء .

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً – 4 إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً – 5 عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً – 6

هذه صورة واضحة للمستقبل الحقيقي للإنسان , ونهاية كل سبيل , والأهم في ذلك أنه لا رجعة إذا خرج من هذه الحياة , فيجب على الإنسان العاقل أن يختار طريق الحق الذي يصل به إلى رضوان الله تعالى, والطريق إلى الله يحتاج من الإنسان أن يضبط جميع معاملاته طبقا لما جاء في شريعة الله تعالى


أهم صفات المؤمنين
التي وردت في هذه السورة


يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً – 7 وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً – 8 إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً – 9 إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً – 10

وردت صفات للمؤمنين في مواضع عديدة .. نذكر منها على سبيل المثال ما ورد في سورة الفرقان,
قال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا - 63 وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا – 64 وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا - 65 إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا - 66

وقال تعالى في سورة المؤمنون : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ – 2 وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ – 3 وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ – 4 وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ – 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ – 6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ – 7 وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ – 8 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ – 9 أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ – 10 الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 11

والمتتبع لهذه السلسلة يجد العديد من الصفات العظيمة التي تعين الإنسان للمضي قدما على الطريق المستقيم وأولها الإخلاص لله تعالى..
وقد ذكر جملة من أعمالهم في أول هذه السورة، فقال تعالى: ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾ أي: بما ألزموا به أنفسهم لله من النذور والمعاهدات، وإذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى وأحرى،
﴿ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ أي: منتشرا فاشيا، فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك، والخوف من الحساب في الأخرة أهم أسباب الاستقامة على الحق...
﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ أي: وهم في حال يحبون فيها المال والطعام، لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم ﴿ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ .

وهنا يأتي الكلام على طائفة أعطاها الإسلام حقا قبل أن يعرف العالم القوانين الدولية لحقوق الأسرى..
فتبين الأيات مدى رعاية المجتمع الإيماني للمساكين واليتامى والأسارى.

وقد ورد في سورة الأنفال ما يدل على الإهتمام بالأسرى , قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - 70
هل أدركنا مدى شمول شريعة الإسلام لتشمل الرعاية للأسير الذي كان يحاربنا بالأمس قبل أن يقع في الأسر..وتحث على رعايته ومد يد العون له ودعوته للهداية ..

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ أي: لا جزاء ماليا ولا ثناء قوليا. فيقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجه الله تعالى،
﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا ﴾ أي: شديد الجهمة والشر ﴿ قَمْطَرِيرًا ﴾ أي: ضنكا ضيقا،
﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ ﴾ قال تعالى : لا يحزنهم الفزع الأكبر، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون - 103 الأنبياء
﴿ وَلَقَّاهُمْ ﴾ أي: أكرمهم وأعطاهم ﴿ نَضْرَةً ﴾ في وجوههم ﴿ وَسُرُورًا ﴾ في قلوبهم، فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا ﴾ على طاعة الله، فعملوا ما أمكنهم منها، وعن معاصي الله، فتركوها، وعلى أقدار الله المؤلمة، فلم يتسخطوها، ﴿ جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ جامعة لكل نعيم، سالمة من كل مكدر ومنغص،

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى.

Saber Abbas
28-05-2011, 07:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء التاسع و العشرون
(16)
وبعض آيات من سورة المرسلات


كان الحديث في اللقاء السابق عن بعض آيات من سورة الإنسان , قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً – 23

إنا نحن نَزَّلْنا عليك -أيها الرسول- القرآن تنزيلا من عندنا؛ لتذكر الناس بما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب.
إن الإيمان بالله تعالى يستلزم أن تؤمن برسالاته التي أرسلها لهداية البشر . وإن التكذيب بواحد منها يعد تكذيب بكافة الرسل..
فالقاعدة المعروفة في القانون أن التشريع الجديد يلغي العمل بالتشريعات القديمة , وبهذا المنطق تسير كل قوانين الأرض....
فالقرآن العظيم هو الكتاب الأخير المنزل من عند الله تعالى...
فوجب العمل به كأخر تشريعات الله تعالى لأهل الأرض, وخاصة أنه تفرد على سائر كتب الأرض بأنه معجز في بيانه ومعجز في آياته ومعجز في موضوعاته...

قال تعالى:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا – 88 الإسراء

لو اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزله على رسوله لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا فإن هذا أمر لا يستطاع ...

وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثال له ولا عديل له .

فيجب على البشر تدبر ماأرسل إليهم , قبل فوات الأوان حيث لا رجعة بعد الموت للإيمان , ولكن بعد الموت بعث وحساب . وما على الإنسان العاقل إلا تدبر القرآن بكل هدوء ....

ويختم ذلك الجزء بسورة المرسلات ,

( فبأي حديث بعده يؤمنون ? ). .

والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي , وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال , لا يؤمن بحديث بعده أبدا . إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس ...

قال تعالى: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ - 16 ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ – 17 كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ – 18 وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ – 19

أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين ؟ ، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين ، وهذه سنته السابقة واللاحقة في كل مجرم لا بد من عذابه ، فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون ؟

ومن إعجاز الترتيب في القرآن العظيم أن تأتي أخر آيه في سورة المرسلات لتضع البشرية كلها في موضع المساءلة في حالة إعراضهم عن رسالة ربهم...

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ - 50

إن لم يؤمنوا بهذا القرآن، فبأي كتاب وكلام بعده يؤمنون؟ وهو المبيِّن لكل شيء، الواضح في حكمه وأحكامه وأخباره، المعجز في ألفاظه ومعانيه...
وهذا القرآن العظيم كتاب رب العالمين...
كتاب أتى بعقيدة التوحيد واضحة جلية , ولم يوجد كتاب على ظهرالأرض مثل القرآن في بيان الحقيقة الإلهية...
واشتماله على منهاج تطبيقي في المعاملات الإنسانية كما تبين في هذه السلسلة ,
وبيان الفرائض والعبادات التي تقربنا الى الله تعالى ,

كتاب أوضح مبادئ القيم الرفيعة والأخلاق العالية ...
كتاب أتى بشريعة صالحة لكل زمان ومكان...
كتاب أتى بأخبار الرسل السابقين والأمم السابقة...
كتاب بين بداية خلق الإنسان ونشأة الكون...
كتاب به أخبار الدار الأخرة بالتفاصيل...
كتاب به معجزات علمية تم اكتشافها حديثا وسوف تستمر إلى يوم القيامة...

جاء في الحديث: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ستكون فتنة . قلت : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم, و خبر ما بعدكم, و حكم ما بينكم,
هو بالفصل ليس بالهزل,
من تركه من جبار قصمه الله, و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم, وهو الصراط المستقيم,
وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, و لا تلتبس به الألسن, و لا يخلق على كثرة الرد, و لا تنقضي عجائبه ,
من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ...
الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: ابن تيمية - المصدر: حقوق آل البيت - الصفحة أو الرقم: 22

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ؟

******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
31-05-2011, 07:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(1)
وبعض آيات من سورة النبأ


النبأ العظيم


عَمَّ يَتَسَاءلُونَ – 1 عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ – 2 الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ – 3 كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 4 ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 5


يبدأ هذا الجزء بالتذكير بالنبأ العظيم , لكي يذكر الإنسان بأن هنالك تبعة . وإن هنالك حسابا . وإن هنالك جزاء . وإن هنالك عذابا شديدا . ونعيما كبيرا . .

كفانا غفلة وكفانا تضيع للوقت فالأيام تجري وتقرب كل بعيد والعمر يمضي معها , فكان يجب أن ننتبه إلى رسالة ربنا التي تبين لنا معالم الطريق للوصل إلى سعادة الدنيا والأخرة..
وإن العلم اليقيني للإنسان بعد الموت لا ينفعه شيئا فقد فات الأوان, فأنت تموت كل يوم وتبعث , ألا يذكرك هذا بيوم البعث فنجعل كل معاملاتنا مرهونة بذلك اليوم..؟؟

أين كنت قبل أن تولد ؟؟ من الذي خلقك وكونك في بطن أمك ورعاك وأمدك بمقومات الحياة رغم أنك لا تسطيع مجرد التنفس ؟ ثم أخرجك أين كنت قبل أن تولد ؟؟ من الذي خلقك وكونك في بطن أمك ورعاك وأمدك بمقومات الحياة رغم أنك لا تسطيع مجرد التنفس ؟ ثم أخرجك إلى هذه الحياة لا حول لك ولا قوة ..أبعد كل هذه النعم وبعد كل هذا الخلق والتدبير تنكر البعث أو تغفل عنه..

عَمَّ يَتَسَاءلُونَ – 1 عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ – 2 الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ – 3 كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 4 ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 5

فالمؤمن يؤمن بالبعث والحساب ويرتب كل معاملاته على ذلك اليوم..
أما الكافر فيعيش في غفلة عن هذا اليوم ويظل يتسائل عنه حتى يرى نفسه في العالم الأخر ويرى الحقيقة ولكن لا ينفع العلم الأن لقد فات الأوان...

حاول من الأن فالكون أمامك كتاب مفتوح لكل متتدبر وكل متسائل..

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً – 6 وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً – 7 وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً - 8

اصحوا . استيقظوا . انظروا تلفتوا تفكروا تدبروا
الأرض تدور حول محورها كل يوم ..هل شعرت بهذه الحركة ؟ ولو أنك شعرت بها لتزلزلت بك الأرض ولم تهنأ بالعيش عليها ..
باطن الأرض منصهر يغلي بدرجات حرارة عالية تشتعل تحت البحار ..هل شعرت بهذه الحرارة ؟ إنك تراها عبر البراكين ..
ألا يلفتك هذا إلى عناية الله جل وعلا ..؟ وكيف مهد لنا الأرض نعيش عليها ولا نشعر بدورانها حول نفسها ولا حول الشمس وأن المجموعة الشمسية بالكامل تجري بسرعات فائق نحو مستقر لها.
إن القشرة الأرضية التي نعيش عليها لو تركت تتحرك نتيجة الأمواج الحرارية العاتية وتحرك الصخور لتزلزلت الأرض ودمرت المباني ...فجعل الله الجبال أوتادا لتمسك القشرة الأرضية وتجعلها ثابتة لتعيش في أمن وسلام...
ألا تنظر إلى التوازن العجيب في خلق نوع الإنسان من ذكر وأنثى ..هل قرر الإنسان أن ينجب أعداد الذكور ليتناسب مع أعداد الإناث ؟ لن يستطيع كائن على وجه الأرض أن يقرر هذا..ولن يستطيع ولا يخطر بخاطره أصلا...

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً – 9 وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً – 10 وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً - 11 وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً - 12

وكان من تدبير الله للبشر أن جعل النوم سباتا يدركهم فيقطعهم عن الإدراك والنشاط ,يتكفل بإراحة أجسادهم وأعصابهم وتعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة الصحو والإجهاد والانشغال بأمور الحياة . . وكل هذا يتم بطريقة عجيبة لا يدرك الإنسان كنهها , ولا نصيب لإرادته فيها ; ولا يمكن أن يعرف كيف تتم في كيانه . فهو في حالة الصحو لا يعرف كيف يكون وهو في حالة النوم . وهو في حالة النوم لا يدرك هذه الحالة ولا يقدر على ملاحظتها .
والنوم سر من أسرار تكوين الأحياء لا يعلمه إلا من خلق هذه الكائنات الحية وأودعه ذلك السر , وجعل حياته متوقفة عليه . فما من حي يطيق أن يظل من غير نوم إلا فترة محدودة . فإذا أجبر إجبارا بوسائل خارجة عن ذاته كي يظل مستيقظا فإنه يهلك قطعا..
فهذا السبات - أي الإنقطاع عن الإدراك والنشاط بالنوم ضرورة من ضرورات تكوين الكائن الحي , وسر من أسرار القدرة الخالقة , ونعمة من نعم الله لا يملك إعطاءها إلا إياه . وتوجيه النظر إليها على هذا النحو القرآني ينبه القلب إلى خصائص ذاته , وإلى اليد التي أودعتها كيانه , ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر...

وكان من تدبير الله كذلك أن جعل حركة الكون موافقة لحركة الأحياء . وكما أودع الإنسان سر النوم والسبات , بعد العمل والنشاط , فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل ليكون لباسا ساترا يتم فيه السبات والانزواء . وظاهرة النهار ليكون معاشا تتم فيه الحركة والنشاط . . بهذا توافق خلق الله وتناسق .
والسبع الشداد التي بناها الله فوق أهل الأرض هي السماوات السبع ,

والحديث عن نعم الله لا تحصى لكي ندرك حقيقة النبأ العظيم.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

عاشق الحرمين
31-05-2011, 07:05 AM
ما شاء الله تبارك الله
جهد يستحق الشكر والتقدير
جزاك الله خيرا أخي الفاضل
واللهَ أسأل أن يجعل ما تقدمه في ميزان حسناتك

Saber Abbas
03-06-2011, 10:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(2)
وبعض آيات من سورة النبأ

النبأ العظيم


نستكمل إن شاء الله الحديث عن النبأ العظيم .
تحدثنا في اللقاء السابق على ضرورة اليقين بأن هنالك حسابا . وأن هنالك جزاء . وأن هنالك عذابا شديدا . ونعيما كبيرا . .وليس الأمر عبسيا...
وأن هذا اليقين يضبط كل معاملات الإنسان في هذه الدنيا..
وأن كتاب الكون مفتوح أمام الجميع ينطق بأن الله تعالى حكيم قدير عليم سميع بصير ..إلى أخر الأسماء الحسنى. وأن الله تعالى مهد لنا الأرض قبل أن نوجد عليها وأرساها بالجبال وجعل التوازن بين نوعية البشر . وتحدثنا عن ظاهرة الليل والنهار وحاجة الإنسان إلى الراحة لينطلق بقوة للسعي في طلب الرزق وتعمير الأرض..

******

وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً – 13 وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً – 14 لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً – 15 وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً - 16

واستكمالا للحديث عن نعم الله تعالى على الإنسان , تلفتنا الآيات عن أهمية الشمس والمطر , وأهمية زراعة الحبوب مثل القمح والذرة ثم حدائق الفاكهة المختلفة وأهميتها الغذائية.

( وجعلنا سراجا وهاجا ). . وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء . والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا مكونة السحاب الحامل للماء المطهر: ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ).

وللأسف الشديد لم نستغل الطاقة الشمسية كما يجب..
وهناك علامات استفهام كثيرة على ذلك ...
فالطاقة الشمسية طاقة نظيفة لا تلوث الهواء يمكن تخزينها عبر محطات الشحن ثم توزيعها في صورة طاقة كهربائية عبر الأسلاك , وفي ذلك تحقيق لثروات هائلة للمنطقة العربية والصحراء الكبرى التي تشمل مصر وليبيا والجزائر والمغرب, فيمكن للطاقة المستخرجة من تلك المناطق العملاقة أن تغطي بلدان الأرض جميعا.
إن بعض البلدان المتقدمة صناعيا استطاعت تسيير طائرة بالطاقة الشمسية ..فهل لنا أن نسير السيارات بالطاقة الشمسية ؟ لكي نحمي أجيالا من تلوث البيئة بسبب الانبعاث الخطير لعادم السيارات الكثيفة في المدن..
هل لنا أن نصنع خزانات مصنوعة من الزجاج الحراري تعمل كسخانات من دون كهرباء أو غاز ؟..وإنه لأمر يسير ولكن نريد العزم على النهوض باستخدام الطاقة النظيفة والمتجدده التي أرشدنا إليها المولى عز وجل في القرآن العظيم كثيرا..

أن الأوان أن نقرأ القرآن العظيم بقلب وعقل مفتوح..
لعلنا نسود كما فعل أسلافنا في العصر الذهبي للدولة الإسلامية ..

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
10-06-2011, 11:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(3)
وبعض آيات من سورة النازعات

نهاية الطغاة


هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى – 15 إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى – 16 اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى – 17 فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى – 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى - 19

تبدأ الآيات بتوجيه الخطاب إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ]: ( هل أتاك حديث موسى ? ). . وهو استفهام للتمهيد وإعداد النفس والأذن لتلقي القصة وتمليها....
فتبدأ بمشهد المناداة والمناجاة ... ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ). . وطوى اسم الوادي على الأرجح . وهو بجانب الطور الأيمن بالنسبة للقادم من مدين في شمال الحجاز....

ولحظة النداء لحظة رهيبة جليلة . ونداء الله بذاته - سبحانه - لعبد من عباده أمر هائل عظيم ...وهو سر من أسرار الألوهية العظيمة ..

ثم يبادر السياق أمر التكليف الإلهي لموسى : ( اذهب إلى فرعون . إنه طغى . فقل:هل لك إلى أن تزكى , وأهديك إلى ربك فتخشى )

والطغيان أمر لا ينبغي أن يكون ولا أن يبقى . إنه أمر كريه , وفساد للأرض , مخالف لما يحبه الله , مؤد إلى ما يكره . . فمن أجل منعه ينتدب الله تعالى عبدا من عباده المختارين , ليحاول وقف هذا الشر , ومنع هذا الفساد , ووقف هذا الطغيان ....

( اذهب إلى فرعون . إنه طغى ).

ثم يعلمه الله كيف يخاطب الطاغية بأحب أسلوب وأشده جاذبية للقلوب , لعله ينتهي , ويتقي غضب الله وأخذه.

( فقل هل لك إلى أن تزكى ? ). . هل لك إلى أن تتطهر من رجس الطغيان ودنس العصيان ? هل لك إلى طريق الصلاة والبركة ?

( وأهديك إلى ربك فتخشى ). . هل لك أن أعرفك طريق ربك ? فإذا عرفته وقعت في قلبك خشيته .
فما يطغى الإنسان ويعصى إلا حين يذهب عن ربه بعيدا , وإلا حين يضل طريقه إليه فيقسو قلبه ويفسد , فيكون منه الطغيان والتمرد..

فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى – 20 فَكَذَّبَ وَعَصَى – 21 ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى – 22 فَحَشَرَ فَنَادَى – 23 فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى – 24 فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى - 25

لقد بلغ موسى ما كلف تبليغه . بالأسلوب الذي لقنه ربه وعرفه ...فأراه موسى الآية الكبرى . آية العصا واليد البيضاء كما جاء في المواضع الأخرى... ( فكذب وعصى ). . وانتهى مشهد اللقاء والتبليغ عند التكذيب والمعصية في اختصار وإجمال...
ثم يعرض مشهدا آخر . مشهد فرعون يتولى عن موسى , ويسعى في جمع السحرة للمباراة بين السحر والحق . حين عز عليه أن يستسلم للحق والهدى..


ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى – 22 فَحَشَرَ فَنَادَى – 23 فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى – 24 فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى – 25


ويسارع السياق هنا إلى عرض قولة الطاغية الكافرة , مجملا مشاهد سعيه وحشره للسحرة وتفصيلاتها . فقد أدبر يسعى في الكيد والمحاولة , فحشر السحرة والجماهير ; ثم انطلقت منه الكلمة المتطاولة , المليئة بالغرور والجهالة: أنا ربكم الأعلى..

قالها الطاغية مخدوعا بغفلة شعبه , وإذعانها وانقيادها . فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة شعوبهم وذلتها وطاعتها وانقيادها . وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا .
إنما هي الشعوب الغافلة الذلول , تمطي له ظهرها فيركب ... وتمد له أعناقها فيجر ... وتحني له رؤوسها فيستعلي ... وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى....

والشعوب تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى . وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم . فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين , لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها .

وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدا . وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدا . وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا ولا رشدا...

فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان , ما جرؤ به على قوله : أنا ربكم الأعلى . .

وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة , تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء . وإن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذ من الذباب شيئا...

وأمام هذا التطاول الوقح , بعد الطغيان البشع , كان الجزاء الذي هو عبرة لكل متطلع إلى الطغيان, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى – 25

ويقدم هنا نكال الآخرة على نكال الأولى . . لأنه أشد وأبقى . فهو النكال الحقيقي الذي يأخذ الطغاة والعصاة بشدته وبخلوده .
ونكال الأولى كان عنيفا قاسيا . فكيف بنكال الآخرة وهو أشد وأنكى ?


إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى – 26


*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
13-06-2011, 08:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(4)
وبعض آيات من سورة عبس

قيمة الإنسان المؤمن
في الإسلام


رسالة الإسلام هي رسالة الله تعالى للبشرية كافة, والله أعلم بقلوب البشر, وفي الحديث : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم . ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم..
الراوي: أبو هريرة - المصدر: صحيح مسلم

وقال تعالى في سورة الحجرات : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا,
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – 13

فهذا هو الميزان الذي أنزله الله للناس مع الرسل , ليقوموا به القيم كلها ...
إن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج منا الجهد المستمر والشاق وخاصة مع كبار القوم من الناس الذين بهداهم قد يدخل في الإسلام الكثير, أو على الأقل يكفوا عن التصدي لدعوة الحق....
ولكن دعوة الحق في الإسلام جلية واضحة , والله تعالى وحده المتفرد بالقبول للداخلين في دينه... ولا منة لأحد من البشر أن يقول أمنت..
قال تعالى في سورة الحجرات : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ – 17

******

عَبَسَ وَتَوَلَّى – 1 أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى – 2 وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى – 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى – 4 أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى – 5 فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى – 6 وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى – 7 وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى - 8 وَهُوَ يَخْشَى – 9 فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى – 10 كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ – 11 فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ – 12 فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ – 13 مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ – 14 بِأَيْدِي سَفَرَةٍ – 15 كِرَامٍ بَرَرَةٍ – 16


يجيء الرجل الأعمى الفقير . . ابن أم مكتوم . . إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو مشغول بأمر النفر من سادة قريش . عتبة وشيبة ابني ربيعة , وأبي جهل عمرو بن هشام , وأمية بن خلف , والوليد بن المغيرة , ومعهم العباس بن عبد المطلب .
والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يدعوهم إلى الإسلام ; ويرجو بإسلامهم خيرا للإسلام في عسرته وشدته التي كان فيها بمكة ; وهؤلاء النفر يقفون في طريقه بمالهم وجاههم وقوتهم ; ويصدون الناس عنه , ويكيدون له كيدا شديدا حتى ليجمدوه في مكة تجميدا ظاهرا . بينما يقف الآخرون خارج مكة , لا يقبلون على الدعوة التي يقف لها أقرب الناس إلى صاحبها , وأشدهم عصبية له , في بيئة جاهلية قبلية , تجعل لموقف القبيلة كل قيمة وكل اعتبار...

يجيء هذا الرجل الأعمى الفقير إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو مشغول بأمر هؤلاء النفر . لا لنفسه ولا لمصلحته , ولكن للإسلام ولمصلحة الإسلام . فلو أسلم هؤلاء لانزاحت العقبات العنيفة والأشواك الحادة من طريق الدعوة في مكة ; ولانساح بعد ذلك الإسلام فيما حولها , بعد إسلام هؤلاء الصناديد الكبار....

عَبَسَ وَتَوَلَّى – 1 أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى – 2

بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب .. وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب - سبحانه - أن يواجه به نبيه وحبيبه . عطفا عليه , ورحمة به , وإكراما له.
وتشريعا لنا نهتدي به عبر العصور...

كيف يزن الناس كل أمور الحياة ؟ ومن أين يستمدون القيم التي يزنون بها ويقدرون ..

وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى – 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى – 4

يجيء هذا الرجل , فيقول لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]:يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله . . ويكرر هذا وهو يعلم تشاغل الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بما هو فيه من الأمر . فيكره الرسول قطعه لكلامه واهتمامه . وتظهر الكراهية في وجهه - الذي لا يراه الرجل - فيعبس ويعرض .

وهنا تتنزل رحمة الله تعالى للمؤمنين :

وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى – 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى – 4 أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى – 5 فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى – 6 وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى – 7 وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى - 8 وَهُوَ يَخْشَى – 9 فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى – 10 كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ – 11 فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ – 12 فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ – 13 مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ – 14 بِأَيْدِي سَفَرَةٍ – 15 كِرَامٍ بَرَرَةٍ – 16

ومن هنا ندرك كرامة المؤمن عند الله تعالى, وأن الداعية إلى الله لا يكلف نفسه فوق طاقتها ..
قال تعالى في سورة القصص:
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ - 56

يقول تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾ أي: حقا إن هذه الموعظة تذكرة من الله، يذكر بها عباده، ويبين لهم في كتابه ما يحتاجون إليه، ويبين الرشد من الغي، فإذا تبين ذلك ﴿ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ﴾ أي: عمل به، كقوله تعالى في سورة الكهف: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾29

ثم ذكر محل هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها، فقال: ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ ﴾ القدر والرتبة ﴿ مُطَهَّرَةٌ ﴾ من الآفاق و عن أن تنالها أيدي الشياطين أو يسترقوها، بل هي ﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴾ وهم الملائكة الذين هم السفراء بين الله وبين عباده، ﴿ كِرَامٍ ﴾ أي: كثيري الخير والبركة، ﴿ بَرَرَةٍ ﴾ قلوبهم وأعمالهم.
وذلك كله حفظ من الله لكتابه، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، ولم يجعل للشياطين عليه سبيلا، وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول..

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-06-2011, 11:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(5)
وبعض آيات من سورة عبس

قيمة العقل
وأولويات العمل


عشنا في اللقاء السابق مع قيمة المؤمن عند الله تعالى.
ونواصل اليوم إن شاء الله تعالى الحديث عن قيمة العقل والتدبر للوصول إلى اليقين الإيماني.. فقضية العقيدة في الإسلام قضية واقعية مبنية على المنطق والعقل وليست ضربا من الخيال والأوهام الفارغة ...

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ – 17 مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ – 18 مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ – 19 ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ – 20 ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ – 21 ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ – 22

فقضية الكفر ليس عليها دليل عقلي بل ضرب من الجهل وضياع العمر فيما لا طائل من وراءه إلا الدمار في الدنيا والجحيم في الأخرة.
فعمر الدنيا لا يكاد يذكر بجانب الخلود الأبدي في الحياة الحقيقية والنعيم الأبدي في الأخرة..

عجبا لهذا الإنسان الذي يعرض عن الهدى , ويستغني عن الإيمان , ويستعلي على الدعوة إلى ربه . . عجبا من أمره وكفره , وهو لا يذكر مصدر وجوده , وأصل نشأته , ولا يرى عناية الله به وهيمنته كذلك على كل مرحلة من مراحل نشأته في الأولى والآخرة ; ولا يؤدي ما عليه لخالقه وكافله ومحاسبه..؟؟

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ – 17

فإنه ليستحق القتل على عجيب تصرفه . . فهي صيغة تفظيع وتقبيح وتشنيع لأمره . وإفادة أنه يرتكب ما يستوجب القتل لشناعته وبشاعته . .
ما أكفره ؟ . . ما أشد كفره وجحوده ونكرانه لمقتضيات نشأته وخلقته . ولو رعى هذه المقتضيات لشكر خالقه , ولتواضع في دنياه , ولذكر آخرته . .
وإلا فعلام يتكبر ويستغني ويعرض ? وما هو أصله وما هو مبدؤه؟

مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ – 18

إنه أصل متواضع زهيد يستمد كل قيمته من فضل الله ونعمته , ومن تقديره وتدبيره..

مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ – 19

من هذا الشيء الذي لا قيمة له ; ومن هذا الأصل الذي لا قوام له . . ولكن خالقه هو الذي قدره وكرمه...

ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ – 20

فمهد له سبيل الحياة . أو مهد له سبيل الهداية . ويسره لسلوكه بما أودعه من خصائص واستعدادات . سواء لرحلة الحياة , أو للإهتداء فيها .
حتى إذا انتهت الرحلة , صار إلى النهاية التي يصير إليها كل حي . بلا اختيار ولا فرار....

ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ – 21

فأمره في نهايته كأمره في بدايته , في يد الذي أخرجه إلى الحياة حين شاء , وأنهى حياته حين شاء , وجعل مثواه جوف الأرض , كرامة له ورعاية , ولم يجعل جسده على ظهر الأرض للجوارح والكواسر ...

حتى إذا حان الموعد الذي اقتضته مشيئته , أعاده إلى الحياة لما يراد به من الأمر والحساب...

ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ – 22

فليس متروكا سدى ; ولا ذاهبا بلا حساب ولا جزاء . . فهل تراه تهيأ لهذا الأمر واستعد ؟؟؟

*******

أولويات التدبر والإهتمام للإنسان العاقل


فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ - 24

أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً – 25 ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً – 26 فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً – 27 وَعِنَباً وَقَضْباً – 28 وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً – 29 وَحَدَائِقَ غُلْباً – 30 وَفَاكِهَةً وَأَبّاً – 31 مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ - 32

فهلا نظر إلى طعامه وطعام أنعامه في هذه الرحلة ? وهي شيء واحد من أشياء يسرها له خالقه ؟؟

من الغريب أن نرى الإنسان يوجه إهتماماته إلى أشياء كثيرة لا تنفعه وينفق عليها الكثير , بينما يواجه كثير من البشر مخاطر الجوع والفقر..
وكان على الإنسان العاقل أن ينظر إلى طعامه والأهتمام بالجانب الزراعي وزراعة الحبوب وزراعة الفاكهة من أعناب ونخيل والزيتون,

فهذه نعم الله تعالى التي أنعمها على الإنسان , فوجب الإهتمام بها صيانة ودليلا على القدرة الإلهية ...

فإن اليد التي أخرجته إلى الحياة وأبدعته, هي ذاتها اليد التي أخرجت طعامه وأبدعته..

فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ - 24

أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً – 25 ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً – 26 فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً – 27 وَعِنَباً وَقَضْباً – 28 وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً – 29 وَحَدَائِقَ غُلْباً – 30 وَفَاكِهَةً وَأَبّاً – 31 مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ - 32


ومع الإهتمام بالزراعة , من استصلاح للأراضي والإهتمام بالري , وعدم الإعتداء على الأراضي الزراعية, فيجب أن ينظر إليها أنها من إبداع الخالق , فالحبوب والبذور التي يلقيها الإنسان في الأرض . . إنه لم يبدعها , ولم يبتدعها .

والمعجزة في إنشائها ابتداء من وراء تصور الإنسان وإدراكه . والتربة واحدة بين يديه , ولكن البذور والحبوب منوعة , وكل منها يؤتي أكله في القطع المتجاورات من الأرض . وكلها تسقى بماء واحد , ولكن اليد المبدعة تنوع النبات وتنوع الثمار ; وتحفظ في البذرة الصغيرة خصائص أصلها..

فالبذرة توضع في الأرض الزراعية يخرج منه جذر وساق ,
ومن المفروض أن يتجه الجذر الى أسفل في عمق الأرض الزراعية وأن الساق يتجه إلى أعلى ليحمل الأوراق والثمار .
هذه العملية تقتضي أن تكون البذرة على وضع منضبط , بحيث لو وضعت مقلوبة يحدث العكس ..
ولكن الأمر العجيب أن المزارع يرمي البذر على الأرض دون تفكير في هذا الأمر مطلقا ..
فمن الذي وضع في البذرة هذا البرنامج الذي يحدد إتجاه كل من الجذر والساق مهما كان وضع البذرة ؟
الجواب : هو الله الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى .


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
27-06-2011, 09:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(6)
وبعض آيات من سورة التكوير


علامات القيامة
وأثارها في المعاملات


إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ – 1 وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ – 2 وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ - 3
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ – 4 وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ – 5 وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ -6 وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ – 7

وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ – 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ – 9


علامات تهز النفس البشرية هزا عنيفا طويلا , يخلعها من كل ما اعتادت أن تسكن إليه , وتتشبث به , فإذا هي في عاصفة الهول المدمر الجارف ريشة لا وزن لها ولا قرار . ولا ملاذ لها ولا ملجأ إلا في حمى الواحد القهار , الذي له وحده البقاء والدوام , وعنده وحده القرار والاطمئنان..

هذا هو مشهد الانقلاب التام لكل معهود , والثورة الشاملة لكل موجود . الانقلاب الذي يشمل الأجرام السماوية والأرضية , والوحوش النافرة والأنعام الأليفة , ونفوس البشر , وأوضاع الأمور . حيث ينكشف كل مستور , ويعلم كل مجهول ; وتقف النفس أمام ما أحضرت من الرصيد والزاد في موقف الفصل والحساب . وكل شيء من حولها عاصف ; وكل شيء من حولها مقلوب ..

وهذه الأحداث الكونية الضخام تشير بجملتها إلى أن هذا الكون الذي نعهده . الكون المنسق الجميل , الموزون الحركة , المضبوط النسبة , المتين الصنعة , المبني بأيد وإحكام . أن هذا الكون سينفرط عقد نظامه , وتتناثر أجزاؤه , وتذهب عنه صفاته هذه التي يقوم بها ; وينتهي إلى أجله المقدر , حيث تنتهي الخلائق إلى صورة أخرى من الكون ومن الحياة ومن الحقائق غير ما عهدت نهائيا من هذا الكون المعهود.

وهذا ما تستهدف السورة إقراره في المشاعر والقلوب كي تنفصل من هذه المظاهر الزائلة - مهما بدت لها ثابتة - وتتصل بالحقيقة الباقية . .

أن البقاء لله الواحد القهار لا يحول ولا يزول..
حين يحول كل شيء من الحوادث ويزول .

إن هذا الشعور بالرهبة يجعل النفس تراجع كل معاملاتها تجاه الأخرين خشية الحساب والعقاب..

وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ – 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ – 9

وإذا الموءودة سئلت: بأي ذنب قتلت ? وقد كان من هوان النفس الإنسانية قبل الإسلام أن انتشرت عادة وأد البنات خوف العار أو خوف الفقر .
جاء الإسلام ليرفع العرب من هذا التخلف , ويرفع البشرية كلها .

فإن هناك حساب ..فما بال القتل الجماعي الذي نراه الأن ؟
فما بال قتل الأطفال بهذه البشاعة التي تعرض في وسائل الإعلام وعبر النت ؟ فما بال قتل النساء والشيوخ العزل ؟
إن القتل يقع من المنوط بهم حماية النفس وحماية الدين والمال والعرض.

هل الشعور بالرهبة من يوم الحساب قد تجمد ؟
وأصبح الإنسان متبلد المشاعر في قتل أخيه ولا يدرك أن هناك نهاية لهذا العالم وأن الحساب شديد .

هل أدركنا أهمية التربية الإيمانية على مائدة القرآن العظيم ؟


إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ – 1 وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ – 2 وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ - 3
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ – 4 وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ – 5 وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ -6 وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ – 7

وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ – 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ – 9

وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ – 10 وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ – 11

وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ – 12 وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ – 13

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ – 14

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
30-06-2011, 12:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(7)
وبعض آيات من سورة الأنفطار

تدوين الملائكة لكل أعمال الإنسان
وأثارها في المعاملات


يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8)
كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ أتهاونا منك في حقوقه تعالى ؟ أم احتقارا منك لعذابه ؟ أم عدم إيمان منك بجزائه ؟
أليس هو ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ ﴾ في أحسن تقويم ؟ ﴿ فَعَدَلَكَ ﴾ وركبك تركيبا قويما معتدلا، في أحسن الأشكال، وأجمل الهيئات، فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن ؟
إن هذا إلا من جهل وظلم وعناد الإنسان ، فالحمد لله أن لم يجعل صورة الإنسان صورة كلب أو حمار، أو نحوهما من الحيوانات, فلهذا قال تعالى: ﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾
﴿ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ﴾ أي: مع هذا الوعظ والتذكير، لا تزالون مستمرين على التكذيب بالجزاء.
وأنتم لا بد أن تحاسبوا على ما عملتم، وقد أقام الله عليكم ملائكة كراما يكتبون أقوالكم وأفعالكم ويعلمون أفعالكم، ودخل في هذا أفعال القلوب، وأفعال الجوارح، فاللائق بكم أن تكرموهم وتجلوهم وتحترموهم.

ونحن لا ندري كيف يقع هذا كله , ولسنا بمكلفين أن نعرف كيفيته .

ويكفي أن يشعر القلب البشري أنه غير متروك سدى . وأن عليه حفظة كراما كاتبين يعلمون ما يفعله , ليرتعش ويستيقظ , ويتأدب , وهذا هو المقصود.

ولما كان جو السورة جو كرم وكرامة , فإنه يذكر من صفة الحافظين كونهم . .( كراما ). . ليستجيش في القلوب إحساس الخجل والتجمل بحضرة هؤلاء الكرام . فإن الإنسان ليحتشم ويستحيي وهو بمحضر الكرام من الناس أن يسف أو يتبذل في لفظ أو حركة أو تصرف . . فكيف به حين يشعر ويتصور أنه في كل لحظاته وفي كل حالاته في حضرة حفظة من الملائكة ( كرام ) لا يليق أن يطلعوا منه إلا على كل كريم من الخصال والفعال..

إن القرآن ليستجيش في القلب البشري أرفع المشاعر بإقرار هذه الحقيقة فيه بهذا التصور الواقعي الحي القريب إلى الإدراك المألوف . .

ولقد عرف الإنسان في الوقت الراهن تسجيل الصوت والصورة عبر الأقمار الصناعية , وأنظمة المراقبة الدقيقة التي تراقب الداخلين والخارجين في المطارات والفنادق والأبنية الهامة , وكل هذا لا يشكل إلا الحركات الخارجية للإنسان , ويمكن للإنسان أن يتجنب أجهزة المرقبة بالإبتعاد عنها , ولكن لا يستطيع أن يتوارى عن الرقابة الإلهية.

قال تعالى في سورة ق :

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ – 16 إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ – 17 مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ – 18

*******
إن صور الفساد تستشري في المجتمعات التي تنحي الإيمان جانبا ولا تؤمن بالرقابة الإلهية ..
وإن الأمن والأمان يسود في المجتمعات المؤمنة , ويحضرني موقف عمر بن الخطاب وهو يتقدم بإستقالته لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم , أبي بكر الصديق , وكان عمر بن الخطاب يشغل منصب القاضي ومر عام ولم يتقدم إليه أي شكوى أو مظلمة...
في ظل هذا المجتمع المؤمن يعرف كل إنسان ما له وما عليه ولا يظلم ولا ينطق الفحش أو الكذب لأنه يدرك مدى الرقابة التي تلازمه.

نحن في حاجة ماسة للتربية الإيمانية التي صنعت مثل هذه النماذج الحضارية التي تصون أمتها وتنهض بها..

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Reema
04-07-2011, 03:35 AM
جزاكم الله خيرا

عاشق الحرمين
04-07-2011, 04:39 AM
ما شاء الله تبارك الله
سلسلة طيبة ومباركة
لك مني كل الشكر والتقدير أخي الفاضل

Saber Abbas
05-07-2011, 11:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(8)
وبعض آيات من سورة المطففين

العدل في المعاملات


وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ – 1 الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ – 2 وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ – 3 أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ – 4 لِيَوْمٍ عَظِيمٍ – 5 يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - 6

إن الإسلام ليس شعارات ترفع ثم يفعل الإنسان مايخالف المبادئ التي قام عليها من عدل وأخلاق وإحسان في كافة المعاملات وجميع مجالات الحياة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غشنا فليس منا

إن فساد المجتمع يأتي من عدم اليقين بالحساب يوم الدين.
ونلاحظ اليوم أن الكيل بمكيالين أصبح منتشرا حتي بين الدول ,

فكيف تتحقق العدالة , والموازين مختلة ؟

فلا تستقيم حياة البشر إلا في ظل العدل الذي قررته شريعة الإسلام , حيث الحق والعدل والمساواة...

******

فسورة المطففين تفضح صنف من البشر يستغل حاجة الناس ,في التربح غير الشريف وكأنه ليس هناك حساب ولا عقاب يوم القيامة..

فالسورة تتألف من أربعة مقاطع..

يبدأ المقطع الأول منها بتهديد و بيان مصير المطففين: ويل للمطففين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون؛ وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم؟ يوم يقوم الناس لرب العالمين؟

فشريعة الإسلام تنبذ الفساد بكل صوره.. وتنهى عن الغش و الإستغلال والخيانة... وقد رآينا ذلك واضحا في تلك السلسلة من أولها ,

ونورد على سبيل المثال هذا التهديد لمن يتعاملون بالربا الذي يدمر إقتصاديات الشعوب ...حيث توعد الله تعالى أكلي الربا إلا أن يتوبوا...

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ – 278
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ -279 البقرة

فالمعاملات في الإسلام مبنية على الأمانة والصدق والإخلاص وهي أهداف العقيدة الصحيحة....

ففي الحديث الشريف, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

من حمل علينا السلاح فليس منا . ومن غشنا فليس منا..

الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 101
خلاصة الدرجة: صحيح

*****

ويتحدث المقطع الثاني في شدة وردع وزجر، وتهديد بالويل والهلاك , وبيان لسبب هذا العمى وعلة هذا الانطماس، وتصوير لجزائهم يوم القيامة، وعذابهم بالحجاب عن ربهم، كما حجبت الآثام في الأرض قلوبهم..

كلا. إن كتاب الفجار لفي سجين. ومآ أدراك ما سجين ؟ كتاب مرقوم . ويل يومئذ للمكذبين , الذين يكذبون بيوم الدين . وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ، إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين . كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. ثم إنهم لصالوا الجحيم. ثم يقال: هـذا الذي كنتم به تكذبون ...

*****

والمقطع الثالث يعرض الصفحة المقابلة. صفحة الأبرار. ورفعة مقامهم. والنعيم المقرر لهم. ونضرته التي تفيض على وجوههم. والرحيق الذي يشربون وهم على الأرائك ينظرون.. وهي صفحة ناعمة وضيئة...

كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين . ومآ أدراك ما عليون , كتاب مرقوم، يشهده المقربون . إن الأبرار لفي نعيم ، على الأرآئك ينظرون ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، ختامه مسك - وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ـ ومزاجه من تسنيم . عيناً يشرب بها المقربون....

وعلى هذا النعيم الأبدي يجب أن تكون المنافسة , قال تعالى : فاستبقوا الخيرات...سورة البقرة

أما التنافس على الدنيا فهي الهلاك...

وكلنا يرى ما يحدث من فساد وخراب ودمار من أجل التنافس على الدنيا..
بينما لو حدث التنافس على الخيرات لعم الرخاء والسعادة والتعاون والحب بين البشر...
هذا في الدنيا , أما في الأخرة فالنعيم الأبدي بلا حدود...


*******

والمقطع الأخير يصف ما كان الأبرار يلاقونه في عالم الغرور الباطل من الفجار من إيذاء وسخرية وسوء أدب. ليضع في مقابله ما آل إليه أمر الأبرار وأمر الفجار في عالم الحقيقة الدائم الطويل...

إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين. وإذا رأوهم قالوا : إن هـؤلاء لضالون. ومآ أرسلوا عليهم حافظين. فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرآئك ينظرون. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ؟

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-07-2011, 05:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(9)
وبعض آيات من سورة الإنشقاق

الكدح السمة المشتركة
للإنسان في هذه الحياة

يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ – 6 فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ – 7 فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً – 8 وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً – 9

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ – 10 فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً – 11 وَيَصْلَى سَعِيراً – 12 إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً – 13 إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ – 14 بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً – 15

يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ .. الذي خلقه ربه بإحسان , والذي ميزه بهذه " الإنسانية " التي تفرده في هذا الكون بخصائص كان من شأنها أن يكون أعرف بربه، وأطوع لأمره من الأرض والسماء.
وقد نفخ فيه من روحه، وأودعه القدرة على الاتصال به، وتلقي قبس من نوره، والفرح باستقبال فيوضاته، والتطهر بها أو الارتفاع إلى غير ..وآفاق هذا الكمال عالية بعيدة .
فهل بعد هذا التكريم لهذا الإنسان تكريم ؟؟

يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ – 6

. يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحاً، تحمل عبئك، وتجهد جهدك، وتشق طريقك.. لتصل في النهاية إلى ربك. فإليه المرجع وإليه المآب. بعد الكد والكدح والجهاد..

يا أيها الإنسان.. إنك كادح حتى في متاعك.. فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد. إن لم يكن جهد بدن وكد عمل ، فهو جهد تفكير وكد مشاعر.

الواجد والمحروم سواء . إنما يختلف نوع الكدح ولون العناء ، وحقيقة الكدح هي المستقرة في حياة الإنسان.. ثم النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء.

يا أيها الإنسان.. إنك لا تجد الراحة في الأرض أبداً.

إنما الراحة هناك. لمن يقدم لها بالطاعة والاستسلام..


التعب واحد في الأرض والكدح واحد ـ وإن اختلف لونه وطعمه ـ أما العاقبة فمختلفة عندما تصل إلى ربك..

فإنسان إلى عناء دونه عناء الأرض. وإنسان إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كدح ولا كد..

يا أيها الإنسان.. الذي امتاز بخصائص " الإنسان ".. ألا فاختر لنفسك ما يليق بهذا الامتياز الذي خصك به الله، اختر لنفسك الراحة من الكدح عندما تلقاه.


يا أيها الإنسان إنك ساعٍ إلى الله, وعامل أعمالا من خير أو شر, ثم تلاقي الله يوم القيامة, فيجازيك بعملك بفضله أو عدله.

******

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ – 7 فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً – 8 وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً – 9

فأما من أعطي صحيفة أعماله بيمينه, وهو مؤمن بربه, فسوف يحاسب حسابًا سهلا ويرجع إلى أهله في الجنة مسرورًا.


والذي يؤتى كتابه بيمينه هو السعيد، الذي آمن وأحسن، فرضي الله عنه وكتب له النجاة. وهو يحاسب حساباً يسيراً. فلا يناقش ولا يدقق معه في الحساب.

والذي يصور ذلك هو الآثار الواردة عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : من نوقش الحساب عذب ... قالت: قلت : أفليس قال الله تعالى: فسوف يحاسب حساباً يسيراً.

قال: ليس ذلك بالحساب، ولكن ذلك العرض.

من نوقش الحساب يوم القيامة عذب.

الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 4939
خلاصة الدرجة: [صحيح]

******

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ – 10 فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً – 11 وَيَصْلَى سَعِيراً – 12 إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً – 13 إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ – 14 بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً – 15

وأمَّا مَن أُعطي صحيفة أعماله من وراء ظهره, وهو الكافر بالله, فسوف يدعو بالهلاك والثبور, ويدخل النار مقاسيًا حرها. إنه كان في أهله في الدنيا مسرورًا مغرورًا, لا يفكر في العواقب, إنه ظنَّ أن لن يرجع إلى خالقه حيا للحساب. بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله, إن ربه كان به بصيرًا عليمًا بحاله من يوم خلقه إلى أن بعثه.


*****


وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

عاشق الحرمين
15-07-2011, 07:26 AM
جزاك الله خيرا وبارك فيك
وجعل ما تقدم في ميزان حسناتك

Saber Abbas
26-07-2011, 09:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(10)
وبعض آيات من سورة البروج


وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ – 1 وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ – 2 وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ – 3 قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ – 4 النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ – 5 إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ – 6 وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ – 7 وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ – 8 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ - 9


******

إن حقيقة الإيمان تجعل من الإنسان نموذجا حيا من الأمانة والعدالة والأخلاق الرفيعة مثل الشهامة والكرم والعطف على الضعفاء والمرضى والمساكين ومساعدة كل من يلجأ إليه ..فالمؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده..

فهل بعد هذه الصورة المشرقة للإنسان توجد صورة مماثلة ..؟؟

إن المؤمن لا يعبد إلا الله الخالق الحق.. لا يطأطئ رأسه لمخلوق..لا يرضى بالفساد ولا يرضى بالظلم سواء من نفسه أو على نفسه.
فهل هذا يقلق الطغاة المتسلطين الفاسدين..؟؟ الذين يريدون من الناس عبيدا لهم وخدما لا يرفعون رؤساهم أبدا ولا تتكلم السنتهم بالمساواة والحرية والعدل.. فهذا يعتبر تمرد جزاءه الموت والحرق..

ورد في حديث الإسراء , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة ، فقلت لجبريل ما هذه ( الرائحة الطيبة ) ؟ فقال ماشطة بنت فرعون ، كانت تمشطها ، فوقع المشط من يدها فقالت باسم الله ، فقالت ابنة فرعون : أبي ، قالت : ربي ، ورب أبيك ، قالت أقول له إذا ، قالت قولي له ، فقال فرعون لها : أولك رب غيري ؟ قالت : ربي وربك الله الذي في السماء -- فأحمي لها ( بنقرة من نحاس ) ، فألقى ولدها ، واحدا ، واحدا -- فكان آخرهم صبي ، فقال يا أماه اصبري فإنك على الحق..
الراوي: عبدالله بن عباس – حديث حسن

وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ – 8 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ - 9

والموضوع المباشر الذي تتحدث عنه السورة هو حادث أصحاب الأخدود . . والموضوع هو أن فئة من المؤمنين السابقين على الإسلام - ابتلوا بأعداء لهم طغاة قساة , وأرادوهم على ترك عقيدتهم والارتداد عن دينهم , فأبوا وتمنعوا بعقيدتهم . فشق الطغاة لهم شقا في الأرض , وأوقدوا فيه النار , وكبوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقا , على مرأى من الجموع التي حشدها المتسلطون لتشهد مصرع الفئة المؤمنة بهذه الطريقة البشعة ...

******

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ – 10
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ – 11

إن جرائم الطغاة لا تنتهي في هذه الدنيا ولا يسدل عليها ستائر النهاية, فهناك حساب عادل وميزان وقصاص في الأخرة...وقد يكون الإنتقام من الطغاة في الدنيا.

فهل يعتبر طغاة اليوم ويقدموا التوبة قبل يوم الحساب ؟ فإن الله تواب رحيم..

******

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ – 17 فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ - 18

قد أتاك حديثهم ... وكيف فعل ربك بهم ؟
وهما حديثان مختلفان في طبيعتهما وفي نتائجهما . . فأما حديث فرعون , فقد أهلكه الله وجنده ونجى بني إسرائيل , ومكن لهم في الأرض فترة , ليحقق بهم قدرا من قدره , وإرادة من إرادته .
وأما حديث ثمود فقد أهلكهم الله عن بكرة أبيهم وأنجى صالحا والقلة معه حيث لم يكن لهم بعد ذلك ملك ولا تمكين . إنما هي مجرد النجاة من القوم الفاسقين...
وهما نموذجان لفعل الإرادة الإلهية , وتوجه المشيئة . يعرضها القرآن للقلة المؤمنة في مكة , ولكل جيل من أجيال المؤمنين...

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-08-2011, 04:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(11)
وبعض آيات من سورة الطارق

التدبر
وتأثيره في المعاملات والنهوض بالأمم


وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)

*****
إن هنالك تدبيراً لهذا الكون الشاسع بنجومه وكواكبه وأقماره. وإن هنالك تقديراً لجميع الخلائق وقانونا تتحرك بمقتضاه . وإن هنالك ابتلاء. وإن هنالك تبعة. وإن هنالك حساباً وجزاء.
وبذلك يسير المؤمن حياته فلا يطغى ولا يظلم ولا يفسد في الأرض...

******

ونعيش مع بعض التأملات العلمية ...

النجوم النيوترونية تزداد كتلتها عن كتلة الشمس .
فعندما يبدأ النجم بالانهيار على نفسه ينكمش بسرعة ويزيد الضغط على ذرات مواده فتتحطم الذرات ويتكون المائع الالكتروني ويزداد سمكه فيبقى عاجزا عن تحمل الضغط الناتج من ثقل النجم وجاذبيته وتكون النتيجة أن تسحق جاذبية النجم " المائع الألكتروني " كما سحقت من قبل قشرة الذرة ويستمر انهيار العملاق الأحمر على نفسه .. فتلتصق الالكترونات بالبروتينات ثم تتحد معها مكونة نيوترونات جديدة .

وتبدأ طبقات النجم وهي تنهار في التطلع إلى منقذ ينقذها من براثن هذا الوحش المسمى بقوة ثقل النجم والذي يسحق كل ما يجده أمامه وفي النهاية تتحد كل الالكترونات بالبروتينات فيصبح النجم عبارة عن نيوترونات منضغطة على بعضها بدون وجود أي فراغ فتصل كثافة النجم إلى رقم قياسي يصعب تصوره ويتقلص العملاق الأحمر إلى ما يسمى بالنجم النيوتروني في حجم كرة القدم يبلغ وزنها خمسين ألف بليون من الأطنان.

فإذا وضعت هذه الكرة على الأرض أو على أي جرم سماوي آخر فلن يتحمل سطحه هذا الوزن الهائل فتسقط الكرة خلال الأرض أو خلال الجرم السماوي تاركا وراءه ثقبا يتناسب مع حجمه..
والطارق هو جرم سماوي له صفتان .. وهما النجم والثاقب ولو قارنا بين تلك الخواص واي جرم سماوي لوجدنا أن النجم النيوتروني يستوفي هذه الخواص نجم و طارق و ثاقب .. له نبضات وطرقات منتظمة فالطارق يصدر طرقات منتظمة متقطعة تك .. تك .. تك تشابه تماما تلك البيبات التي نقلها لنا اللاسلكي والتي كان مصدرها النجم النيوتروني.

وقد توصل العلماء إن النجم النيوتروني عند مولده له نبضات سريعة لسرعة دورانه وسرعة طاقته وان النجم النيوتروني العجوز له إشارات بطيئة على فترات أطول وذلك عندما تقل طاقته وتنقص سرعة دورانه ..

فسبحان لله العظيم حين خص هذا النجم بالثاقب وأقسم به فمن عظمة القسم ندرك عظمة المقسوم به ....
المصدر ( موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة )

فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)

فلينظر الإنسان من أي شيء خلق وإلى أي شيء صار.. إنه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، ولقد كان هذا سراً مكنوناً في علم الله لا يعلمه البشر. حتى كان نصف القرن الأخير .

هذه الخلية الواحدة الملقحة لا تكاد ترى بالمجهر , هذه الخليقة التي لا قوام لها ولا عقل ولا قدرة ولا إرادة، تبدأ في الحال بمجرد استقرارها في الرحم في عملية بحث عن الغذاء . حيث تزودها اليد الحافظة بخاصية أكالة وبمجرد اطمئنانها على غذائها تبدأ في عملية جديدة. عملية انقسام مستمرة تنشأ عنها خلايا..

وتعرف هذه الخليقة التي لا قوام لها ولا عقل ولا قدرة ولا إرادة.. تعرف ماذا هي فاعلة وماذا هي تريد.. حيث تزودها اليد الحافظة بالهدى والمعرفة والقدرة والإرادة التي تعرف بها الطريق.. إنها مكلفة أن تخصص كل مجموعة من هذه الخلايا الجديدة لبناء ركن من أركان هذه العمارة الهائلة.

عمارة الجسم الإنساني.. فهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الهيكل العظمي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز العضلي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز العصبي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز للمفاوي.. إلى آخر هذه الأركان الأساسية في العمارة الإنسانية.

ولكن العمل ليس بمثل هذه البساطة.. إن هنالك تخصصاً أدق. فكل عظم من العظام. وكل عضلة من العضلات. وكل عصب من الأعصاب.. لا يشبه الآخر. لأن العمارة دقيقة الصنع، عجيبة التكوين، متنوعة الوظائف.. ومن ثم تتعلم كل مجموعة من الخلايا المنطلقة لبناء ركن من العمارة، أن تتفرق طوائف متخصصة، تقوم كل طائفة منها بنوع معين من العمل في الركن المخصص لها من العمارة الكبيرة.

فالخلايا المكلفة أن تصنع العين تعرف أن العين ينبغي أن تكون في الوجه، ولا يجوز أبداً أن تكون في البطن أو القدم أو الذراع. مع أن كل موضع من هذه المواضع يمكن أن تنمو فيه عين. ولو أخذت الخلية الأولى المكلفة بصنع العين وزرعت في أي من هذه المواضع لصنعت عيناً هنالك! ولكنها هي بذاتها حين تنطلق لا تذهب إلا للمكان المخصص للعين في هذا الجهاز الإنساني المعقد..
فمن ترى قال لها: إن هذا الجهاز يحتاج إلى عين في هذا المكان دون سواه؟ إنه الله. إنه الحافظ الأعلى الذي يرعاها ويوجهها ويهديها إلى طريقها في المتاهة التي لا هادي فيها إلا الله تعالى ...
وكل تلك الخلايا فرادى ومجتمعة تعمل في نطاق ترسمه لها مجموعة معينة من الوحدات كامنة فيها. هي وحدات الوراثة، الحافظة لسجل النوع ولخصائص الأجداد. فخلية العين وهي تنقسم وتتكاثر لكي تكوّن العين، تحاول أن تحافظ في أثناء العمل على شكل معين للعين وخصائص محددة تجعلها عين إنسان لا عين أي حيوان آخر.

وإنسان لأجداده شكل معين للعين وخصائص معينة.. وأقل انحراف في تصميم هذه العين من ناحية الشكل أو ناحية الخصائص يحيد بها عن الخط المرسوم. فمن ذا الذي أودعها هذه القدرة ؟ وعلمها ذلك التعليم؟ وهي الخلية التي لا عقل لها ولا إدراك، ولا إرادة لها ولا قوة ؟ إنه الله تعالى . علمها ما يعجز الإنسان كله عن تصميمه لو وكل إليه تصميم عين أو جزء من عين . بينما خلية واحدة منه أو عدة خلايا ، تقوم بهذا العمل العظيم .

فلينظر الإنسان المنكر للبعث مِمَّ خُلِقَ ؟ ليعلم أن إعادة خلق الإنسان ليست أصعب من خلقه أوّلا . إن الذي خلق الإنسان من هذا الماء لَقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت.

*****
وهكذا ندرك معنى التدبر في السماوات والأرض وفي النفس
هذا التدبر يرقى بالإنسان للوصول إلى اليقين الإيماني والتطور العلمي وبالتالي السعادة في الدنيا والنعيم الدائم في الأخرة.

*******

يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ (10)

يوم تُخْتَبر السرائر فيما أخفته, ويُمَيَّز الصالح منها من الفاسد, فما للإنسان من قوة يدفع بها عن نفسه, وما له من ناصر يدفع عنه عذاب الله.

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)

والقول الفصل هو الذي ينهي كل قول وكل جدل وكل شك وكل ريب.

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ

والرجع المطر ترجع به السماء مرة بعد مرة،
حيث تتبخر المياه من البحار ومن سطح الأرض بفعل حرارة الشمس
مكونة السحاب الذي سخره الله بحيث لا ينفلت من الأرض
وينقى الماء ثم يعود مرة أخرى إلى ينابيع الأنهار
كما أن الرجع له وظيفة أخرى حيث تقوم طبقات السماء العليا للأرض بصد الأشعاعات الضارة التي تنبعث من الشمس وغيرها إلى الأرض .

والصدع النبت يشق الأرض وينبثق.. وهما يمثلان مشهداً للحياة في صورة من صورها. حياة النبات ونشأته الأولى: ماء يتدفق من السماء، ونبت ينبثق من الأرض.. أشبه شيء بالماء الدافق من الصلب والترائب؛ والجنين المنبثق من ظلمات الرحم. الحياة هي الحياة. والمشهد هو المشهد. والحركة هي الحركة.. نظام ثابت، يدل وحدانية الخالق. الذي لا يشبهه أحد لا في حقيقة الصنعة ولا في شكلها الظاهر

وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ

يقول الدكتور زغلول النجار في التفسير العلمي للآية الكريمة
فسبحان الذي وصف الأرض من قبل ألف وأربعمائة سنة بأنها ذات صدع ,
لأن الشبكة العملاقة من الصدوع أو الأودية التي تمزق الغلاف الصخري 150.65 كيلو مترا وتمتد لعشرات الألاف من الكيلو مترات لتحيط بالأرض إحاطة كاملة في كل الاتجاهات تتصل بعضها البعض , وكأنها صدع واحد .
فعبر هذه الصدوع العملاقة خرج كل من الغلافين المائي والغازي للأرض

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-09-2011, 12:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(12)
وبعض آيات من سورة الأعلى


سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى – 1 الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى – 2 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى - 3 وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى - 4 فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى - 5 سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى - 6 إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى - 7


معنى التسبيح في معاملات الإنسان


فالتسبيح هو التمجيد والتنزيه واستحضار معاني الصفات الحسنى لله , والحياة بين إشعاعاتها وفيوضاتها وإشراقاتها في القلب والشعور . وليست هي مجرد ترديد لفظ : سبحان الله . . .

قال تعالى في الحشر : الآيات 22 إلى 24 .

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

( سبح اسم ربك الأعلى ). . يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحا، يليق بعظمة الله تعالى ، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم ، فهو الرقيب سبحانه , فكل أفعال العباد تحت رقابته ..
وهو السميع سبحانه , فلا ينطق المؤمن إلا خيرا ..لعلمه أن الله تعالى يسمعه ويراه..
وبجانب تذكر أسماء الله الحسنى نتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها ، أي : أتقنها وأحسن خلقها ،

وأن تلتزم في جميع سلوكياتك ومعاملاتك مقتضى التسبيح والتنزيه ..

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ..

فلا يصدر منك تصرف يخالف هذا اليقين , فهذا مقتضى التسبيح ..الإذعان لمنهج الله تعالى الذي أرسله للبشر ليسود السلام والأمن بينهم..

فالكون من حولنا يسير وفق قانون الله الذي وضعه له دون تمرد ..
فهذا الكون يسبح لله تعالى, وهذا هو المعنى الحقيقي للتسبيح المرادة من المؤمن .. فعليه تسير حياته وفق شرع الله دون تمرد .
قال تعالى في سورة النور :

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ – 41 وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ – 42


وفي الحديث الشريف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان :

سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم .

الراوي: أبو هريرة المصدر: صحيح البخاري -
حكم المحدث: صحيح

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
19-09-2011, 09:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(13)
وبعض آيات من سورة الغاشية

سورة الغاشية تطوف بالقلب البشري في مجالين هائلين : مجال الآخرة وعالمها الواسع , ومشاهدها المؤثرة . ومجال الوجود العريض المكشوف للنظر , وآيات الله المبثوثة في خلائقه المعروضة للجميع .
ثم تذكرهم بعد هاتين الجولتين الهائلتين بحساب الآخرة , وسيطرة الله , وحتمية الرجوع إليه في نهاية المطاف .

*****

الوجوه الخاشعة الناصبة


هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ – 1 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ – 2 عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ – 3 تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً – 4 تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ – 5 لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ – 6 لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ - 7

( الغاشية ). . أي الداهية التي تغشى الناس وتغمرهم بأهوالها . وهو من الأسماء الجديدة الموحية التي وردت في هذا الجزء . . الطامة . . الصاخة . . الغاشية . . القارعة . . مما يناسب طبيعة هذا الجزء المعهودة ..

فحديث الغاشية هو حديث هذا القرآن العظيم . يذكر به وينذر ويبشر ; ويستجيش به في الضمائر الحساسية والخشية والتقوى والتوجس ; كما يثير به الرجاء والارتقاب والتطلع . ومن ثم يستحيي هذه الضمائر فلا تموت ولا تغفل وتسير جميع معاملاتها وفقا لذلك اليقين ..
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ – 2 عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ – 3 تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً – 4


إنه يعجل بمشهد العذاب قبل مشهد النعيم ; فهو أقرب إلى جو( الغاشية )

فهناك يومئذ وجوه خاشعة ذليلة متعبة مرهقة ; عملت ونصبت فلم تحمد العمل ولم ترض العاقبة , ولم تجد إلا الوبال والخسارة , فزادت مضضا وإرهاقا وتعبا , فهي : ( عاملة ناصبة ) . . عملت لغير الله , ونصبت في غير سبيله . عملت لنفسها وأولادها . وتعبت لدنياها ولأطماعها . ثم وجدت عاقبة العمل والكد . وجدته في الدنيا شقوة لغير زاد . ووجدته في الآخرة سوادا يؤدي إلى العذاب . وهي تواجه النهاية مواجهة الذليل المرهق الخائب الرجاء ..
ومع هذا الذل والرهق العذاب والألم : ( تصلى نارا حامية ) وتذوقها وتعانيها ..

فيجب على الإنسان العاقل أن يدرك أن الإتزان والإستقامة على الحق في جميع معاملاته سواء المتعلقة بالعقيدة أو السلوكيات مرهونة بتلك المدة من عمره على الأرض فلا يضيعها في العبث والظلم والفساد وجمع المال بالباطل وسلب حقوق الأخرين ... فإن ذلك يعرض الإنسان للتعب والمشقة في الدنيا والنصب والعذاب في الأخرة ...

*******

الوجوه الناعمة


وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ – 8 لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ – 9 فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ – 10 لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً – 11 فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ – 12 فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ – 13 وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ - 14 وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ – 15 وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ -
16

وعلى الجانب الآخر:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ – 8 لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ – 9 فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ – 10

فهنا وجوه يبدو فيها النعيم . ويفيض منها الرضى . وجوه تنعم بما تجد , وتحمد ما عملت . فوجدت عقباه خيرا , وتستمتع بهذا الشعور الروحي الرفيع . شعور الرضى عن عملها حين ترى رضى الله عنها . وليس أروح للقلب من أن يطمئن إلى الخير ويرضى عاقبته , ثم يراها ممثلة في رضى الله الكريم . وفي النعيم . ومن ثم يقدم القرآن العظيم هذا اللون من السعادة على ما في الجنة من رخاء ومتاع , ثم يصف الجنة ومناعمها المتاحة لهؤلاء السعداء ...

لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً – 11

ويطلق هذا التعبير جوا من السكون والهدوء والسلام والاطمئنان والود والرضى والنجاء والسمر بين الأحباء والأوداء , والتنزه والارتفاع عن كل كلمة لاغية , لا خير فيها ولا عافية . . وهذه وحدها نعيم . وهذه وحدها سعادة . سعادة تتبين حين يستحضر الحس هذه الحياة الدنيا , وما فيها من لغو وجدل وصراع وزحام ولجاج وخصام وقرقعة وفرقعة . وضجة وصخب , وهرج ومرج .

ثم يستسلم بعد ذلك لتصور الهدوء الآمن والسلام الساكن في العبارة الموحية : ( لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ) وتوحي هذه اللمسة بأن حياة المؤمنين في الأرض وهم ينأون عن الجدل واللغو , هي طرف من حياة الجنة , يتهيأون بها لذلك النعيم الكريم ...

وهكذا يقدم الله تعالى من صفة الجنة هذا المعنى الرفيع الكريم الوضيء . ثم تجيء المناعم التي تشبع الحس والحواس . تجيء في الصورة التي يملك البشر تصورها . وهي في الجنة مكيفة وفق ما ترتقي إليه نفوس أهل الجنة . مما لا يعرفه إلا من يذوقه ...

******

والى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
23-09-2011, 11:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(14)
وبعض آيات من سورة الغاشية

تحدثنا في اللقاء السابق عن مجال الآخرة وعالمها الواسع , ومشاهدها المؤثرة .
ونعرض اليوم إن شاء الله تعالى لمجال الوجود العريض المكشوف للنظر , وآيات الله المبثوثة في خلائقه المعروضة للجميع . وتأثيرها على جميع معاملات الإنسان .. فإنسان العاقل الذي يعتبر بما يدور حوله .
فالكون من حولنا طائع لمن خلقه .

******

أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ -17 وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ -18
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ –19 وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ -20


هذه دعوة للتأمل في آيات الله الكونية .

إن هذه المشاهد معروضة لنظر الإنسان حيثما كان . . السماء والأرض والجبال والحيوان . . وأيا كان حظ الإنسان من العلم والحضارة فهذه المشاهد داخلة في عالمه وإدراكه . موحية له بما وراءها حين يوجه نظره وقلبه إلى دلالتها..

أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ

فلننظر إلى الإبل كيف سخرها ربنا لنا , بهذا الحجم الهائل يسوقها غلام صغير ,ولولا تسخير الله لها , ما كنا نستطيع أن نستفيد بها ..
بينما هناك مخلوقات صغيرة جدا ولكن ليست مسيسة بشكل مباشر لك وقد تتسبب في هلاكك مثل الجراثيم والحشرات والعقارب والثعابين إلى آخر تلك المخلوقات.. وقد يستفيد الإنسان من تلك المخلوقات بإستخراج سمومها واستخدامها في الترياق وبعض الأدوية ..
والإشارة إلى الإبل هنا تدلك على أهميتها بالنسبة للإنسان , حيث كانت في الماضي من أهم وسائل المواصلات وخاصة في الصحراء , وكان العرب يسمونها سفينة الصحراء , فإن لها بكل قدم خف كبير بحيث لا تغوص أقدامها في الرمال , وتستطيع الأبل تخزين كميات هائلة من المياه داخل بطونها تستعين بها في السفر الطويل..
وهي على عظم نفعها وخدمتها قليلة التكاليف . مرعاها ميسر , وكلفتها ضئيلة , وهي أصبر الحيوان المستأنس على الجوع والعطش والكدح وسوء الأحوال..

*******

وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ

فالمتأمل في السماء يدرك عظمة الخالق, لهذا الكون العظيم , من مجرات ونجوم وكواكب وأقمار .
السماء بنهارها الواضح الباهر الجاهر . والسماء بأصيلها الفاتن الرائق الساحر . والسماء بغروبها البديع الفريد الموحي . والسماء بليلها المترامي ونجومها المتلألئة . والسماء بشروقها الجميل الحي السافر ..
فالنجوم والكواكب والأقمار كلها تسير في مدارات وضعت لها ,
فالقانون الآلهي مطاع من تلكم الأجرام السماوية الهائلة..
ولو إنحرفت النجوم عن هذه المسارت وعن هذا القانون الآلهي لهلكت وأهلكت الكواكب التابعة لها.. ولم أستطع أن أعبر عن مدى الدمار الذي يحدث إن انحرفت ..
ونتعلم من ذلك أن شريعة الله تعالى هي الضمانة لسلامة الإنسان . كما أن قانون الله في الكون ضمان لسائر النجوم والكواكب والأقمار.

*******

وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ

وعلى الأرض نرى هذه الجبال الشامخة , وكيف نصبت على هذه الهيئة التي تحفظ توازن الأرض بإذن الله تعالى .

*****

وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ

والمتأمل والدارس لكوكب الأرض يرى عجائب صنع الله ,
فباطن الأرض منصهر هائل الإرتفاع في الحرارة , تعبر عنه البراكين والحمم...

فكلنا رأينا ما يخرج من البراكين من نيران ومنصهرات تذيب ما تقع عليه في لحظات , ومع هذا الجحيم في باطن الأرض نرى سطح الكرة الأرضية أمنا معبد للإنسان.. , به الأودية والأنهار والبحار والزروع وجميع الأحياء , رغم أن باطن الأرض منصهر ..

فكيف سطحت هذه الأرض بهذه الكيفية الأمنة ؟ , والجواب .. قدرة الله العظيم ...
بهذا التأمل فتح المسلمون العالم ووضعوا مبادئ العلوم الحديثة التي نراها الأن.. وبهذا التأمل يعود مجد الأمة إلى عهده إن شاء الله تعالى..


أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ -17 وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ -18
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ –19 وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ -20


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
30-09-2011, 07:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(15)
وبعض آيات من سورة الفجر

مصير الأمم الطاغية


أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ – 6 إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ – 7 الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ – 8 وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ – 9 وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ – 10 الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – 11 فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – 12 فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ – 13 إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ – 14

******

عاد الأولى

وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم . . مصرع : " عاد إرم " وهي عاد الأولى . وقيل : إنها من العرب العاربة أو البادية . وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال . في جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن .
وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش ، فقد كانت قبيلة عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها : " التي لم يخلق مثلها في البلاد " في ذلك الأوان . .

وإضافة الفعل إلى " ربك " فيها للمؤمن طمأنينة وأنس وراحة . وبخاصة أولئك الذين كانوا في مكة يعانون طغيان الطغاة ، وعسف الجبارين من المشركين ، الواقفين للدعوة وأهلها بالمرصاد .

*******

ثمود

وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ..

وكانت ثمود تسكن بالحجر في شمال الجزيرة العربية بين المدينة والشام . وقد قطعت الصخر وشيدته قصورا ؛ كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات . .

*******

الفراعنة

وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ – 10 الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – 11
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – 12

( وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ). . وهي على الأرجح الأهرامات التي تشبه الأوتاد الثابتة في الأرض المتينة البنيان . وفرعون المشار إليه هنا هو فرعون موسى الطاغية الجبار .

هؤلاء هم ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – 11 فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – 12 ) . .

وليس وراء الطغيان إلا الفساد . فالطغيان يفسد الطاغية ، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء . كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة . ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف ، المعمر الباني ، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال . .

إنه يجعل الطاغية أسير هواه ، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت ، ولا يقف عند حد ظاهر ، فيفسد هو أول من يفسد ؛ ويتخذ له مكانا في الأرض غير مكان العبد المستخلف.
هكذا قال فرعون . . " أنا ربكم الأعلى " عندما أفسده طغيانه ، فتجاوز به مكان العبد المخلوق ، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح ، وهو فساد أي فساد .

ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء ، مع السخط الدفين والحقد الكظيم ، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية ، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية .

وبذلك تنشأ الشعوب المتخلفة أو شعوب العالم الثالث. وهذه الشعوب لا تنظر إلى تطور أو إلى حضارة إلا إذا تحررت من الفساد والاستبداد وعرفت معنى الحرية الحقيقي واحترام الإنسان أيا كان موقعه, فالإنسان كرمه الله تعالى وأسجد له الملائكة وسخر له ما في السماوات والأرض.

والطغيان يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة. التي أتت في شريعة الله تعالى لتنقذ البشرية من التخلف والفقر..

والطغاة واهمون إذا ظنوا أنهم غير محاسبون سواء في الدنيا أو الأخرة.

فلما أكثروا في الأرض الفساد ، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض منهم ...

فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ – 13 إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ – 14

فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم . فلما أن كثر الفساد وزاد صب عليهم سوط عذاب ، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط ، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب . حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية ، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد .

ومن وراء المصارع كلها تفيض الطمأنينة على القلب المؤمن وهو يواجه الطغيان في أي زمان وأي مكان .

فمهما طال الليل لابد من فجر يطل بالأمل والنور والحرية.
وسميت هذه السورة بالفجر للدلالة على أهميته للإنسان المؤمن المتطلع للحرية والعدل والحضارة القائمة على حقوق الإنسان وصيانة كرامته التي كفلها الله تعالى لبني أدم.

ومن قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) تفيض طمأنينة خاصة . فليطمئن بال المؤمن ، ولينم ملء جفونه . فإن ربه بالمرصاد . . للطغيان والشر والفساد ...
( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ). يرى ويحسب ويحاسب ويجازي ، وفق ميزان دقيق لا يخطئ ولا يظلم ولا يأخذ بظواهر الأمور لكن بحقائق الأشياء . .

وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته . قال : ثم قرأ : ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ – 102 هود )..
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري
- المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4686
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

greenfresh
30-09-2011, 11:10 AM
جزاكم الله خيراً

Saber Abbas
03-10-2011, 04:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(16)
وبعض آيات من سورة الفجر

تحدثنا في اللقاء السابق عن مصارع الأمم الطاغية وبزوغ فجر الحرية.

فمهما طال الليل لابد من فجر يطل بالأمل والنور والحرية.
وسميت هذه السورة بالفجر للدلالة على أهميته للإنسان المؤمن المتطلع للحرية والعدل والحضارة القائمة على حقوق الإنسان وصيانة كرامته التي كفلها الله تعالى لبني أدم.

وجدير بالذكر أن نتحدث عن أهمية أوقات الصلاة وتأثيرها الإيجابي في ضبط مواعيد حركات الإنسان في حياته سواء منها العملية أو التعبدية أو الراحة والاستجمام..

ويبدأ اليوم في المجتمع الإسلامي بعد صلاة الفجر أي قبل طلوع الشمس بقليل وهكذا يستفيد الإنسان بضوء النهار من أوله وبذلك يحدث توفير في الطاقة الكهربية التي تعود بالنفع على الإنسان في مجالاته الأخرى..
نهيك عن البركة في البكور..

ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

بورك لأمتي في بكورها...

الراوي: عبدالله بن عمر و أبو هريرة
المصدر: صحيح الجامع - الألباني

ولو نظرنا لكثير من الدول المتقدمة ماديا تجدها تبدأ عملها مبكرا جدا قبل شروق الشمس . . . بينما تجد الدول المتخلفة يبدأ عملها عند الظهر حيث قد ضاع الوقت من جراء السهر على اللهو الفارغ... وهكذا ضاع الرزق وضاعت الصحة في المخالفة لتعاليم الإسلام . . .

قال تعالى في سورة مريم : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا – 59 إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا – 60

وقد لقيت المجتمعات التي أضاعت الصلاة ذلك الغي ...سواء بضيق الرزق أو تسلط المستبدين عليهم أو تفشي الفساد وسوء الأخلاق..

فتتحقق الحياة الكريمة في الحفاظ على جميع تعاليم الإسلام . . .
قال تعالى في سورة الحج :
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ – 41

إذا حرص الناس على تلكم المبادئ لا يستطيع طاغية مهما بلغ من طغيانه أن يستعبدهم أو ينشر الفساد والتخلف بينهم ..


وَالْفَجْرِ – 1 وَلَيَالٍ عَشْرٍ – 2 وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ – 3 وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ – 4 هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ – 4

( وَالْفَجْرِ ) قسم يدل على أهميته ، الذي هو آخر الليل ومقدمة النهار، لما في إدبار الليل وإقبال النهار، من الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى ، وأنه وحده المدبر لجميع الأمور، الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، ويقع في الفجر صلاة فاضلة معظمة .
( وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) وهي على الصحيح: ليالي عشر رمضان، أو عشر ذي الحجة ، فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة ، ويقع فيها من العبادات والقربات ما لا يقع في غيرها.
وفي ليالي عشر رمضان ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر، وفي نهارها، صيام آخر رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام.
وفي أيام عشر ذي الحجة، الوقوف بعرفة، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان ، فما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزل الأملاك والرحمة من الله لعباده ، ويقع في الليالي العشر كثير من أفعال الحج والعمرة ، وهذه أشياء معظمة، مستحقة لأن يقسم الله بها.
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ أي: وقت سريانه وإرخائه ظلامه على العباد، فيسكنون ويستريحون ويطمئنون، رحمة منه تعالى وحكمة.
﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ ﴾ المذكور ﴿ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ أي : لذي عقل ؟ نعم، بعض ذلك يكفي، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
07-10-2011, 09:18 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(17)
وبعض آيات من سورة الفجر

تحدثنا في اللقاء السابق عن أهمية أوقات الصلاة وتأثيرها الإيجابي في ضبط مواعيد حركات الإنسان في حياته سواء منها العملية أو التعبدية أو الراحة والاستجمام..

وتحدثنا عن أهمية البكور

ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بورك لأمتي في بكورها...

الراوي: عبدالله بن عمر و أبو هريرة
المصدر: صحيح الجامع - الألباني

******

وبعون الله تعالى نتحدث عن التوازن الإجتماعي في المجتمع بين الأغنياء والفقراء , وكفالة الأيتام ..ومساعدة المساكين على الحياة..

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ – 15 وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي - 16 كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ – 17 وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – 18 وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا – 19 وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا – 20

يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث أنه لا علم له بالعواقب .
وهو في كلتا الحالتين مخطئ في التصور ومخطئ في التقدير .
فبسط الرزق أو قبضه ابتلاء من الله لعبده . ليظهر منه الشكر على النعمة أو البطر . ويظهر منه الصبر على المحنة أو الضجر . والجزاء على ما يظهر منه بعد . وليس ما أعطي من عرض الدنيا أو منع هو الجزاء . .

وقيمة العبد عند الله لا تتعلق بما عنده من عرض الدنيا .

ورضى الله أو سخطه لا يستدل عليه بالمنح والمنع في هذه الأرض .

فهو يعطي الصالح والطالح ، ويمنع الصالح والطالح . ولكن ما وراء هذا وذلك هو الذي عليه المعول . إنه يعطي ليبتلي ويمنع ليبتلي . والمعول عليه هو نتيجة الابتلاء...
غير أن الإنسان - حين يخلو قلبه من الإيمان - لا يدرك حكمة المنع والعطاء .

وفي الحديث القدسي :

يقول رب العزة : ابن آدم عندك ما يكفيك، و أنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع، و لا بكثير تشبع . ابن آدم إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك، عندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء..
الراوي: عبدالله بن عمر - خلاصة حكم المحدث: صحيح المصدر: الجامع الصغير

والإنسان البعيد عن الإيمان ينظر إلى المال والجاه بأنهما كل شئ وليس وراءهما مقياس ... ومن ثم فإن تكالبهم على المال عظيما ، وحبهم له حبا طاغيا ، مما يورثهم شراهة وطمعا . كما يورثهم حرصا وشحا ...

ومن ثم يكشف الله تعالى لهم عن ذوات صدورهم في هذا المجال ، ويقرر أن هذا الشره والشح هما علة خطئهم في إدراك معنى الابتلاء من وراء البسط والقبض في الأرزاق ...

كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ – 17 وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – 18 وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا – 19 وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا – 20

كلا ليس الأمر كما يقول الإنسان الخاوي من الإيمان . ليس بسط الرزق دليلا على الكرامة عند الله . وليس تضييق الرزق دليلا على المهانة والإهمال .

إنما الأمر أنكم لا تنهضون بحق العطاء ، ولا توفون بحق المال . فأنتم لا تكرمون اليتيم الصغير الذي فقد حاميه وكافله حين فقد أباه ، ولا تحاضون فيما بينكم على إطعام المسكين . الساكن الذي لا يتعرض للسؤال وهو محتاج ...

وقد اعتبر عدم التحاض والتواصي على إطعام المسكين قبيحا مستنكرا . كما يوحي بضرورة التكافل في الجماعة في التوجيه إلى الواجب وإلى الخير العام . وهذه سمة الإسلام ....
. . إنكم لا تدركون معنى الابتلاء . فلا تحاولون النجاح فيه ، بإكرام اليتيم والتواصي على إطعام المسكين ، بل أنتم - على العكس - تأكلون الميراث أكلا شرها جشعا ؛ وتحبون المال حبا كثيرا طاغيا ، لا يستبقي في نفوسكم أريحية ولا مكرمة مع المحتاجين إلى الإكرام والطعام ...

وقد ورد في الحديث الشريف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا . وأشار بالسبابة والوسطى ، وفرج بينهما شيئا..
الراوي: سهل بن سعد الساعدي - رواه : البخاري
خلاصة حكم المحدث: صحيح

هل أدركنا حقيقة الإيمان ؟ بأنه سلوك ينظم حياة الإنسان , سواءا الغني أو الفقير . وأن الحكمة في توزيع الثروة على أهل الأرض إنما هو ابتلاء واختبار , فإن الجميع متساون في الحياة والموت ولن يأخذ إنسان ماله إلى قبره.. بل الحساب على مصدر المال وعلى طريقة إنفاقه..

وقد ورد في الحديث الشريف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه ، حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيم أفناه ؟ و عن شبابه فيم أبلاه ؟ و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه ؟ و ماذا عمل فيما علم ؟
الراوي: عبدالله بن مسعود
: الألباني - المصدر: صحيح الجامع
خلاصة حكم المحدث: حسن

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
14-10-2011, 08:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(18)
وبعض آيات من سورة البلد

الهمة والنهوض بالأمة

فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ

فقد سعد وفاز من بذل جهده في تحصيل الحسنات من أعمال الخير , وقد خاب وخسر من بذل الجهد في المعاصي وتحصيل السيئات فقد تعب في الدنيا و الأخرة .
وقد أمد الله تعالى الإنسان بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى منها نعمة العقل والإدراك والأختيار بين البديلات ونعمة السمع ونعمة البصر ونعمة النطق ,
وطلب منا أن ننهض بإقتحام العقبة التي تحول بين الحضارة البشرية وكرامة الأنسان , فلا حضارة في ظل إستعباد البشر للبشر, ولا حضارة في ظل الفقر والفساد .
فكان يجب تحرير العبيد أولا , كما يجب القضاء على الفقر بمبدأ التكافل الأجتماعي برعاية الأيتام وكفالة المساكين والفقراء ,
ثم التواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة وهي إشاعة الشعور بواجب التراحم بين أفراد الأمة.
كل هذه المعاني العظيمة التي تسطر في مجلدات أتت بها سورة البلد في أيات معدودة غاية الإعجاز.
فتعالوا نقتبس من أنوارها بعض المعاني نهتدي بها في معاملاتنا وأخلاقنا.

****

لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)

******

لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)


والبلد هو مكة. بيت الله الحرام. أول بيت وضع للناس في الأرض. ليكون مثابة لهم وأمناً. يضعون عنده سلاحهم وخصوماتهم وعداواتهم، ويلتقون فيه مسالمين، حراماً بعضهم على بعض، كما أن البيت وشجره وطيره وكل حي فيه حرام. ثم هو بيت إبراهيم والد إسماعيل أبي العرب والمسلمين أجمعين. رزقنا الله حجه هذا العام وكل عام..
وحين يقسم الله ـ سبحانه ـ بالبلد والمقيم به، فإنه يخلع عليه عظمة وحرمة فوق حرمته، فيبدو موقف المشركين الذين يدعون أنهم سدنة البيت وأبناء إسماعيل وعلى ملة إبراهيم، موقفاً منكراً قبيحاً من جميع الوجوه.


وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)

إشارة خاصة إلى إبراهيم، أو إلى إسماعيل ـ عليهما السلام ـ وإضافة هذا إلى القسم بالبلد والنبي المقيم به، وبانيه الأول وما ولد.. وإن كان هذا الاعتبار لا ينفي أن يكون المقصود هو: والد وما ولد إطلاقاً. وأن تكون هذه إشارة إلى طبيعة النشأة الإنسانية، واعتمادها على التوالد. منذ أبو البشر أدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.


لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)

والكبد هو بذل الجهد في تحصيل غاية معينة , فلن تبلغ الغاية بالأماني الكاذبة .

قال تعالى : لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا -123 النساء

والمؤمن يبذل جهده في وجوه الخير طيلة العمر حتى يلاقي ربه مخلصا من كل شوائب الشرك , فالغاية عنده هي رضى الله تعالى , حيث النعيم الأبدي.
أما غير المؤمن يبذل جهده في هذه الدنيا لغايات عديدة منها صالحة وغير صالحة , فيحصل على نتائج ما يريد في الدنيا ولا نصيب له في الأخرة إلا الشقاء . فقد شقي في الدنيا والأخرة .

قال تعالى : كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا – 20 الإسراء

فإن عطاء الله الكريم الواهب لجميع النعم تشمل جميع الخلق .
فمن بذل جهده في التصنيع سوف يجني ثمار ذلك تقدما وحضارة , ومن بذل جهده في العمران وتخطيط المدن وتوسعة الطرق التي هي بمثابة شرايين الحياة في المدن , سوف يحقق رخاءا وتنمية تعود عليه وعلى أولاده .
أما من ترك بذل الجهد في البحث العلمي والصناعة والتخطيط العمراني وتوسعة لشبكات الطرق والمواصلات , فسوف يعيش في تخلف وشقاء ومعاناة ....

******

والمكابدة والجهد في جميع المخلوقات

فإذا تصورت في النبات كم تعاني البذرة في أطوار النمو : من مقاومة فواعل الجو، ومحاولة امتصاص الغذاء مما حولها من العناصر، إلى أن تستقيم شجرة ذات فروع وأغصان، وتستعد إلى أن تلد بذرة أو بذوراً أخرى تعمل عملها، وتزين الوجود بجمال منظرها ـ
إذا أحضرت ذلك في ذهنك، والتفت إلى ما فوق النبات من الحيوان والإنسان، حضر لك من أمر الوالد والمولود فيهما ما هو أعظم، ووجدت من المكابدة والعناء الذي يلاقيه كل منهما في سبيل حفظ الأنواع، واستبقاء جمال الكون بصورها ما هو أشد وأجسم .

*****

أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ؟

وتستقيم كل معاملات الإنسان في ظل هذا الإيمان واليقين بأن الله تعالى يرانا أينما كنا ويسمعنا ويعلم مافي الصدور,
فهو السميع البصير.
والسميع البصير , صفتان من صفات الكمال الإلهي حيث لاشبيه له ولا تمثيل ,
فهو السميع الذي لا يشغله نداء عن نداء ..
تستوي في كمال سمعه الأصوات , ولا تختلف عليه اللغات
فهو سبحانه سميع لكل الموجودات البصير بها
ويرى كل الوجود جملة وتفصيلا ليس كمثله شئ .

******


فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)


عقبات يجب أن يجتازها الإنسان لكي يحقق الكرامة للإنسانية ويبني حضارته على وجه الأرض و لكي ينجو بنفسه في الأخرة..
وأول هذه العقبات تحرير العبيد والقضاء على نظام الرق.

فَكُّ رَقَبَةٍ (13)

فقد قضى الإسلام على الرق من جذوره
إذ أن مصدر الرق كان الأسر في الحروب , وقد أغلق هذا الباب.
قال تعالى في سورة محمد : حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً .
وبذلك أغلق باب الإسترقاق...
وجعل من التقرب إلى الله عتق العبيد المستبقين من النظم السابقة.

ولكن للأسف الشديد نجد اليوم من يتاجرون بالبشر , فقد ورد خبر على شبكة النت ,
الأطفال اللاجئون سلع بشرية بأوروبا .
قالت وكالة حقوقية أوروبية إن كثيرا من الأطفال الذين يختفون من مراكز اللجوء في القارة سنويا، يقعون على الأرجح في براثن شبكات الاتجار بالبشر. المصدر: الألمانية 7/7/2009- الجزيرة .نت

******

ومن العقبات التي نراها الأن مشكلة الفقر وأن على المجتمعات الغنية حل مثل هذه المشكلات .


أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)


وقد حدث في عصر الخليف عمر بن عبد العزيز أن قضى على الفقر تماما بواسطة جمع الزكاة من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء والمساكين.. حتى أنه لم يجد من يأخذ الزكاة فزوج بها الشباب وعم الرخاء أرجاء الأمة....

*******
ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ .

والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل
والمؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم , فالمؤمن لا يروع الأمنين ولا يقتل ولا يزني ولا يأكل أموال الناس بالباطل .
فالمعاملات في الإسلام مبنية على الأمانة والصدق والإخلاص وهي أهداف العقيدة الصحيحة .
من حمل علينا السلاح فليس منا . ومن غشنا فليس منا
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 101
خلاصة الدرجة: صحيح
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

والصبر هو العنصر الضروري للإيمان بصفة عامة، ولاقتحام العقبة بصفة خاصة.

وتواصوا بالمرحمة : تعني إشاعة الشعور بواجب التراحم في المجتمع ,

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة
وقال تعالى :
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) الفتح

****
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-10-2011, 09:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(19)
وبعض آيات من سورة الشمس

تزكية النفس وأثرها في المعاملات

وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا -1 وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا -2 وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا -3 وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا -4 وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا -5 وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا -6 وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا -7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا -8 قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا -9 وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا -10 كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ -11 إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا -12 فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا -13 فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا -14 وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا -15


إن الإنسان مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد، مزدوج الاتجاه ونعني بكلمة مزدوج على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه من طين الأرض ومن نفخة الله فيه من روحه , مزود باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال.

فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر. كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء. وأن هذه القدرة كامنة في كيانه، يعبرعنها القرآن بالإلهام تارة: ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها.. ويعبر عنها بالهداية تارة: فهديناه النجدين .

فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد.. والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك. ولكنها لا تخلقها خلقاً. لأنها مخلوقة فطرة، وكائنة طبعاً، وكامنة إلهاماً.


وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا -7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا -8 قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا -9 وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا -10

وهناك إلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان. هي التي تناط بها التبعة. فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها، وتغليبه على استعداد الشر.. فقد أفلح. ومن أظلم هذه القوة وخبأها وأضعفها فقد خاب.


قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا

وهكذا ترتبط حقيقة النفس البشرية بحقائق هذا الوجود الكبيرة، ومشاهدة الثابتة، كما ترتبط بهذه وتلك سنة الله في أخذ المكذبين والطغاة، في حدود التقدير الحكيم الذي يجعل لكل شيء أجلاً، ولكل حادث موعداً، ولكل أمر غاية، ولكل قدر حكمة، وهو رب النفس والكون والقدر جميعاً.

*******

وقد ورد في سورة الشمس نموذج من رسل الله إلى البشر .
نبي الله " صالح" عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .

قال تعالى في سورة هود :

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ -61
قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ -62
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ -63
وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ -64

هكذا في وضوح كوضح الشمس,

قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ.

ولكنهم ردوا بالشك في دعوة التوحيد التي هي الأوضح لدى كل عاقل ,
فهذه الشمس من خلقها ؟ وخلق ضياءها ,
وهذا القمر من خلقه ؟ وجعله أداة للتوقيت عبر العصور المختلفة لم يتقدم أو يتأخر ,
وهذا النهار المطل دائما نحو الشمس ينسلخ من الليل لينير- بقدرة الله تعالى - نصف الأرض ,
فإنك لو خرجت خارج طبقة النهر متجها إلى السماء , تشاهد عجبا , الشمس تضيء وحولها سماء مظلمة والنجوم تتلألأ في مساراتها .

فالليل يغطي كل النجوم بما فيها شمسنا , فسبحان من أنار الأرض بالنهار.
كل هذه الأيات لا تكفي للدلالة على الخالق الأعظم ؟ إذن فانظر إلى السماء وعظيم هذا البناء الكوني من يسيره ؟ ومن وضع له قوانين مروره , كل في فلك يسبحون .

لم يكف هذا ؟؟ ننزل إلى الأرض ,

فتدور الأرض حول محورها دون شعور منا بهذه الحركة الدقيقة
الناعمة , فكيف للأرض وهي جماد أن تدور بانتظام عبر ملايين السنين, بهذه الدقة حيث ينشأ الليل والنهار..؟؟؟
وتدور في نفس الوقت في مدار حول الشمس وبنفس الدقة ,حيث تنشأ الفصول الأربعة ...؟؟؟ ويختلف طول الليل والنهار مع هذا المدار...

أين المحرك لهذه الأرض ؟؟ ومن يديره ؟؟

ونرى العجب على سطح الأرض

أولا البحار

وتشمل أكثر من سبعين في المائة من مساحة الأرض وبها قوانين وضعها الله تعالى حتي تصلح لجريان السفن عليها ...

ثانيا مياه الأمطار
ترتبط مياه الأمطار بكل قطرة ماء على سطح الأرض..فهناك علاقة بين الأنهار وتكوينها وبين الشمس والبحار والسحاب.. في منظومة علمية دقيقة لإستمرار الحياة على الأرض..
حيث تتبخر المياه من البحار ومن سطح الأرض بفعل حرارة الشمس, مكونة السحاب الذي سخره الله بحيث لا ينفلت من الأرض , وينقى الماء ثم يعود مرة أخرى إلى ينابيع الأنهار , وتجري الأنهار وتتحرك يشرب منها جميع المخلوقات ... فقد نقاها خالقها لكي تصلح للشرب والري ..
ولأنها أي مياه الأنهارمتحركة فهي لا تعطب وتتجه دائما لتصب في البحار
وللحفاظ على مياه البحار من العطب وضع الله فيها الأملاح التي لا تتبخر مع الماء الصاعد إلى السحاب ...

سبحان الخالق العظيم

كل هذه الآيات لم تكف ؟؟ إذن انظر في نفسك , من خلقك ومن كونك وأنت في بطن أمك وجعل لك السمع والبصر والفؤاد وأمدك بكل ما تحتاجه لتحيا ؟؟؟
من الذي ركب فيك حرية الإختيار ؟؟ , وكان من الممكن أن يكون الإنسان ليس له خيار ويعيش كسائر المخلوقات . ولكن كرمه الله بنعمة العقل والإختيار, وأرسل له الرسل لتوضح له طريق الخير ليسلكه , وتبين طرق الشر ليبتعد عنها , وأن هناك حساب يوم القيامة , حيث النعيم الأبدي للمؤمنين , والجحيم للكافرين .

ومع كل هذا الوضوح يطلب الكافرون آية من نبي الله صالح , وقد أجابهم بما طلبوا , وخرجت ناقة من الصخر , معجزة من الله كما طلبوا .

فهل أمنوا ؟ أن الذي لا يؤمن بكل دلائل القدرة الإلهية في الأنفس والأفاق , يصعب عليه الإيمان بعد ذلك , وهذا ما حدث لثمود,
عقروا الناقة , فاستحقوا العذاب .


قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

مسك الجنة
15-10-2011, 01:30 PM
ماشاء الله مجهود رائع بوركت وجزيت الجنة اللهم ارزقنا الاخلاص في القول والعمل

Saber Abbas
21-10-2011, 07:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(20)
وبعض آيات من سورة الليل

مبدأ التكامل وأثره في المعاملات


وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ -1 وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ -2 وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ -3 إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ -4



الليل والنهار ,من الآيات الكونية التي تدل على قدرة الله تعالى .
فهو وحده تبارك وتعالى المتحكم فيهما .


قال تعالى:


قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ -71 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ -72 وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ -73 .القصص

فالليل مكمل للنهار , ولا يستقيم الوضع مع الليل منفردا ولا يستقيم الوضع مع النهار منفردا , ومن هنا نلاحظ ورود عنصرا البشرية الذكر والأنثى بعد ورود الليل والنهار , وأن الذكر مكمل للأنثى , وكذلك الأنثى مكملة للذكر , وبهما تسير قافلة البشرية إلى منتهاها ...

قال تعالى:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا -35 الأحزاب

ومع هذا التساوي في المقامات والتقرب إلى الله من كلا الجنسين وما أعد لهم , فإن سعيهم مختلف , فكل ميسر لما خلق له .

فعلى الرجل أعباء وعلى المرأة أعباء مختلفة , وقد تكون متشابهة في بعض الجوانب ومختلفة في جوانب أخرى ولكنها متكاملة بالضرورة ومهمة ولا يمكن الإستغناء عنها بحال من الأحوال .

والتكامل يحدث بين أفراد الجنس الواحد سواء ذكورا أو إناثا ..فهذه طبيبة وهذه معلمة وأخرة مهندسة وأخرة ممرضة إلى أخر التخصصات..وكذلك الرجال..

إن المواهب التي أمدها الله تعالى للبشر - جعل هذا الكم الهائل من التخصصات في كافة المجالات والمهن - تخدم بعضها البعض علموا بذلك أو لم يعلموا.. فهي مواهب متعددة يكمل بعضها الأخر.

فانظر إلى رغيف الخبز الذي تأكله , سخر الله لك الزارع الذي حصد القمح وسخر لك المطحن الذي حوله لدقيق وسخر لك الفرن الذي تم فيه عجن الدقيق وخبزه ليصلك رغيف الخبز..

وكذلك أنت يجب أن تعمل في تخصص ما- يخدم غيرك من البشر- لكي تحصل على المال لتداول المنافع بين الناس.. وهكذا يكون الأنسان عنصرا خادما لغيره شاء أو لم يشأ في منظومة متكاملة ..
يسعد فيها الراضون بقضاء الله , ويشقى فيها من سخط بقضاء الله..

قال تعالى في سورة النساء:

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا – 32


ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة.
فلا تتمنى النساء خصائص الرجال , ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال.
فهذا يؤدي إلى السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب.
وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه.


وكذلك في جميع المخلوقات من نبات أو حيوان أو حتى الطاقة فيلزمها الطاقة الموجبة والطاقة السالبة وإلا لتعطلت .

وأن هذا التوازن العجيب بين الذكور والإناث ليدل على أن الأمر ليس صدفة كما يقرر الملاحدة .
فلا يبقى إلا أن هنالك مدبراً يخلق الذكر والأنثى لحكمة مرسومة وغاية معلومة. فلا مجال للمصادفة، ولا مكان للتلقائية في نظام هذا الوجود أصلاً.

وقد ذكرت ذلك في سلسلة مبدأ التوحيد من القرآن العظيم , ولا يعد ذلك تكرارا حيث لا تنفصل عقيدة التوحيد عن المعاملات , ولكنه التوضيح في جانب معاملات الإنسان عبر رحلة يقطعها في هذه الدنيا إلى هدف مرضات الله تعالى, أوضحتها شريعة الله تعالى إلى البشر في القرآن العظيم وسنة نبينا صلوات ربي وسلامه عليه.

قال تعالى:

وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ – 155 الأنعام

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-10-2011, 08:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(21)
وبعض آيات من سورة الليل

مبدأ التكافل الإجتماعي
وأثره في المعاملات

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ -5 وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ –6 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ -7
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ -8 وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ -9 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ -10 وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ -11
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ -12 وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ -13 فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ -14 لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى -15 ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ -16 وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى -17 ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ -18 وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ -19 إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ -20 وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ -21 .

*******

تمر المجتمعات الحديثة في هذه الأيام أزمات إقتصادية في غاية الصعوبة قد تهوي بها إلى الإفلاس والإنهيار. وذلك كله لإهمال التكافل الإجتماعي الذي يعيد منظومة توزيع المال بين الناس بحيث تصغر الهوة بين الأغنياء وبين الفقراء...
وقد إنهار النظام الشيوعي لإغفاله الملكية الفردية .. وهذه الأيام نرى إنهيارا للنظام الرأسمالي لإغفالة التكافل الإجتماعي . وهو العطاء لذوي الحاجات والضعفاء والفقراء والمساكين , وإغناءهم وحمايتهم من الفقر القاتل كما نشاهده في بلدان عديدة ..
بينما نجد المليارات في أيدي أفراد معدودة من الأثرياء لا يستطيعون التمتع بها في دنياهم لكثرتها , وقد حرموا منها جموع الشعوب الفقيرة وحرموا أنفسهم من الرضوان والنعيم في الأخرة.

إن الإسلام يعتبر المال وسيلة للتعامل وليس سلعة في حد ذاته كما تفعل البنوك الربوية ..
ولو تحول المال إلى سلعة فسوف يحقق ربحا مؤقتا لفئة من الناس . ولكنه سيعود بالأزمات المالية والفقر على قطاعات كبيرة من المجتمع ولعل ما نلاحظه في هذه الأيام من إنهيار الإقتصاد لدول عديدة
من جراء ذلك المفهوم الخاطئ في التعاملات المالية...

ولكن في ظل الشريعة الإسلامية عاش الناس في رخاء وانظروا إلى ما تحقق في عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز من تيسير ورخاء , حيث لم يجد موزعوا أموال الزكاة من يأخذها في عصره وذلك لكثرة الأموال والرخاء, ومع ذلك لم يهدرها ولم يلقي بها في البحر , بل زوج الشباب على نفقة الدولة وأقام المشاريع , إلى غير ذلك من الأمور.


فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ -5 وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ –6 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ -7

والذي يعطي ويتقي ويصدق بالحسنى يكون قد بذل أقصى ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها. عندئذ يستحق عون الله وتوفيقه الذي أوجبه ـ سبحانه ـ على نفسه بإرادته ومشيئته.
والذي بدونه لا يكون شيء، ولا يقدر الإنسان على شيء.

*****

وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ -8 وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ -9 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ -10 وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ -11

والذي يبخل بنفسه وماله، ويستغني عن ربه وهداه، ويكذب بدعوته ودينه.. يبلغ أقصى ما يبلغه إنسان بنفسه من تعريضها للفساد. ويستحق أن يعسر الله عليه كل شيء ، فييسره للعسرى , فإذا تردى وسقط في نهاية العثرات والانحرافات لم يغن عنه ماله الذي بخل به ، والذي استغنى به كذلك عن الله وهداه.

وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ -11




والتيسير للشر والمعصية من التيسير للعسرى ، وإن أفلح صاحبها في هذه الأرض ونجا.
وهل أعسر من جهنم ؟ وإنها لهي العسرى .

****

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ -12 وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ -13 فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ -14 لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى -15 ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ -16 وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى -17 ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ -18 وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ -19 إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ -20 وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ -21 .

لقد كتب الله على نفسه ـ فضلاً منه بعباده ورحمة ـ أن يبين الهدى لفطرة الناس ووعيهم . وأن يبينه لهم كذلك بالرسل والرسلات والآيات، فلا تكون هناك حجة لأحد ، ولا يكون هناك ظلم لأحد .

وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ -19 إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ -20 وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ -21 .


فالإسلام يوجب علينا أن يكون العمل خالصا لله تعالى , لا رياء ولا سمعة
يجب أن تكون كل الأفعال والأقوال ابتغاء وجه ربنا الأعلى .

****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
04-11-2011, 08:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(22)
وبعض آيات من سورة الضحى

نعم الله تعالى التي لا تحصى
وأثرها في المعاملات


وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.



ورد في روايات كثيرة أن الوحي فتر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبطأ عليه جبريل ـ عليه السلام ـ فقال المشركون: ودع محمداً ربه, فأنزل الله تعالى هذه السورة..
وفي رواية لمسلم :
أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال المشركون : قد ودع محمد . فأنزل الله عز وجل : والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى .
الراوي: جندب بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1797
خلاصة الدرجة: صحيح

ولو فكر المشركون قليلا , لكان هذا الحدث من دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم , لأنه لا يتكلم من عند نفسه فإذا نزل الوحي بلغ ما أنزل إليه , قال تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى . (النجم)

فنزلت آيات سورة الضحى تمسح الآلام والمواجع، وتنسم بالروْح والرضى والأمل. وتسكب البرد والطمأنينة واليقين للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه.


وَالضُّحَى -1 وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى -2 مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى -3 وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى -4 وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى -5 أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى -6 وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى -7 وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى -8 فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ -9 وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ -10 وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ -11

*****

أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، وبالليل إذا سجى أي أظلم ، على اعتناء الله برسوله صلى الله عليه وسلم فقال : ﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ﴾ أي: ما تركك منذ اعتنى بك، ولا أهملك منذ رباك ورعاك، بل لم يزل يربيك أحسن تربية، ويعليك درجة بعد درجة.


وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى.

وقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه مسلم:

أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم : رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني (إبراهيم / الآية - 36 ) وقول الله عز وجل في عيسى عليه السلام : إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( المائدة / الآية – 118)
فرفع يديه وقال " اللهم , أمتي أمتي " وبكى ...

فقال الله عز وجل : يا جبريل ! اذهب إلى محمد ، وربك أعلم ، فسله ما يبكيك ؟
فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله . فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال .
فقال الله : يا جبريل ! اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 202
خلاصة الدرجة: صحيح

هل أدركنا مقدار حب رسول الله لنا- صلوات ربي وسلامه عليه..
إن دموع الحب والشوق لك ياحبيب الله , هي التي تعبر عن حبك لأمتك .


أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى.

لقد ولدت يتيماً فآواك إليه، وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك .

وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى.

ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحك إليها. ولكنك لم تكن تجد لك طريقاً واضحاً مطمئناً . لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا .. ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك، وبالمنهج الذي يصلك به.

وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى.

ولقد كنت فقيراً فأغنى الله نفسك بالقناعة، كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك (خديجة رضي الله عنها) عن أن تحس الفقر، أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء .

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ .
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ .

فهذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهره وكسر خاطره وإذلاله، وإلى إغناء السائل مع الرفق به واكرامه، كانت من أهم متطلبات الإسلام . حيث رفع الإسلام هذه البيئة بشريعة الله إلى الحق والعدل والوقوف عند حدود الله.
وأما التحدث بنعمة الله ـ وبخاصة نعمة الهدى والإيمان ـ فهي صورة من صور الشكر للمنعم. يكملها البر بعباده، وهو المظهر العملي للشكر، والحديث الصامت النافع الكريم .

ونعم الله كثيرة لا نستطيع حصرها فهي تبدأ مع بداية حياة الإنسان..وتمتد نعم الله لتشمل كل حياة الإنسان ..


قال تعالى في سورة النحل:

خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ - 3

خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ - 4

وقال تعالى في سورة المؤمنون : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ -12 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ – 13 ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ – 14

سبحان الله وصف دقيق لمراحل تخليق الجنين أسلم الكثير من العلماء لما سمعوا بهذه الآيات وقالوا أنها تمثل أعلى ما وصل إليه العلم الحديث.

*******

وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ - 5
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ – 6
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ – 7

والأنعامَ من الإبل والبقر والغنم خلقها الله لكم -أيها الناس- وجعل في أصوافها وأوبارها الدفء, ومنافع أُخر في ألبانها وجلودها وركوبها, ومنها ما تأكلون.

ولكم فيها زينة تُدْخل السرور عليكم عندما تَرُدُّونها إلى منازلها في المساء, وعندما تُخْرجونها للمرعى في الصباح.
وقال تعالى:
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ – 66 النحل


نعمة وسائل المواصلات
وكيف أشار الله تعالى إلي كل ما نعلمه , وما لا نعلمه من وسائل قديمة وحديثة ومستجدة لا نعرفها .

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ – 7

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ -8
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ -9

وخلق لكم الخيل والبغال والحمير; لكي تركبوها, ولتكون جمَالا لكم ومنظرًا حسنًا; ويخلق لكم من وسائل الركوب وغيرها ما لا عِلْمَ لكم به; لتزدادوا إيمانًا به وشكرا له.
فهذا بيان لكل مكتشف في وسائل النقل , فعلى الإنسان تطوير صناعة المواصلات , و على العلماء إستخدام الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية في تسير تلك المركبات بدلا من التلوث البيئي الذي نعاني منه .

وعلى الله بيان الطريق المستقيم لِهدايتكم, وهو الإسلام, ومن الطرق ما هو مائل لا يُوصل إلى الهداية, وهو كل ما خالف الإسلام من الملل والنحل. ولو شاء الله هدايتكم لهداكم جميعًا للإيمان.

****

نعمة المياه والزروع

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ -10
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ -11

هو الذي أنزل لكم من السحاب مطرًا, فجعل لكم منه ماءً تشربونه, وأخرج لكم به شجرًا تَرْعَوْن فيه دوابّكم, ويعود عليكم دَرُّها ونفْعُها.

يُخرج لكم من الأرض بهذا الماء الواحد الزروع المختلفة, ويُخرج به الزيتون والنخيل والأعناب, ويُخرج به كل أنواع الثمار والفواكه. إن في ذلك الإخراج لدلالةً واضحة لقوم يتأملون, فيعتبرون.


نعمة الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم .

وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 12

وسخَّر لكم الليل لراحتكم, والنهار لمعاشكم, وسخَّر لكم الشمس ضياء, والقمر نورًا ولمعرفة السنين والحساب, وغير ذلك من المنافع, والنجوم في السماء مذللات لكم بأمر الله لمعرفة الأوقات, والاهتداء بها في الظلمات. إن في ذلك التسخير لَدلائلَ واضحةً لقوم يعقلون ويتعاملون مع هذه الظواهر الكونية بكل ما أتاهم الله تعالى من علم , فيعرفون عظمة الخالق سبحانه , وينعمون من جراء ما يستفيدون منه كالطاقة الشمسية وغيرها.

*****

نعمة الثروات الباطنة في الأرض
من معادن وبترول وغيرها.

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ – 13

تلفتنا الآيات للتنقيب عن المعادن وجميع الثروات التي سخرها الله تعالى لنا في باطن الأرض.
وسخَّر ما خلقه لكم في الأرض من الدوابِّ والثمار والمعادن, وغير ذلك مما تختلف ألوانه ومنافعه. إن في ذلك الخَلْق واختلاف الألوان والمنافع لَعبرةً لقوم يتعظون, ويعلمون أنَّ في تسخير هذه الأشياء علاماتٍ على وحدانية الله تعالى وإفراده بالعبادة.

نعمة البحار وما فيها من أسماك وكنوز من اللؤلؤ. ثم قوانين الطفو لتسير السفن والغواصات..

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ – 14

تلفتنا الآيات إلى قيمة الثروة السمكية التي لو استغلت حق إستغلال لم ترى جائع على وجه الأرض. فهي ثروة مجانية في البحار والأنهار ولكن علينا الهمة والسعي لكي نحصل عليها .

وهو الذي سخَّر لكم البحر; لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لحمًا طريًا, وتستخرجوا منه زينة تَلْبَسونها كاللؤلؤ والمرجان, وترى السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء, وتركبونها; لتطلبوا رزق الله بالتجارة والربح فيها, ولعلكم تشكرون لله تعالى على عظيم إنعامه عليكم, فلا تعبدون غيره

نعمة ثبات الأرض رغم دورانها المستمر حول نفسها وحول الشمس ونعمة الجبال ودورها في توازن حركة الأرض. ثم نعمة الأنهار ونعمة الأودية...

وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ – 15

وأرسى في الأرض جبالا تثبتها حتى لا تميل بكم, وجعل فيها أنهارًا; لتشربوا منها, وجعل فيها طرقًا; لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها.

****

نعمة علامات الهداية من الكواكب و النجوم ومواقعها العظيمة , التي تحدد معالم الاتجاهات في الليل وفي الصحاري الواسعة والمحيطات المائية الكبيرة.

وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ – 16

وجعل في الأرض معالم تستدلُّون بها على الطرق نهارًا, كما جعل النجوم للاهتداء بها ليلا. وأيضا للمزيد من المعلومات علينا بالبحث العلمي.
هل أدركنا شمول رسالة الله تعالى للحياة كلها ؟ وهل يستطيع مكابر بعد هذه الأدلة أن ينحي الدين عن الحياة الواقعية ؟

*******

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ -17

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ – 18

*****

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
11-11-2011, 05:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(23)
وبعض آيات من سورة الشرح

مبدأ اليسر في الإسلام


أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ – 1 وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ – 2 الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ – 3 وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ – 4

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا – 5 إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا – 6

فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ – 7 وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ – 8

*****

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقًا حرجًا.
﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ ووضعنا عنك عبئك الذي أثقل ظهرك حتى كاد يحطمه من ثقله . . وضعناه عنك بشرح صدرك له فخف وهان . وبتوفيقك وتيسيرك للدعوة ومداخل القلوب . وبالوحي الذي يكشف لك عن الحقيقة ويعينك على الدعوة في يسر وهوادة ولين .
كما قال تعالى في سورة الفتح :
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا – 1 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا – 2 وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا – 3

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ أي: أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًا عن أمته.

*****

وقوله: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى : ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾-7 سورة الطلاق
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : و اعلم أن النصر مع الصبر و أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسرا
حديث صحيح رواه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب
المصدر : تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم: 315

فاليسر أساس حياة المؤمن , فما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أختار أيسرهما ... كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها.


وقال تعالى في سورة الأعلى : وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى - 8


إن الذي ييسره الله لليسرى ليمضي في حياته كلها ميسراً. يمضي مع هذا الوجود المتناسق التركيب والحركة والاتجاه.. إلى الله.. فلا يصطدم إلا مع المنحرفين عن خط هذا الوجود الكبير .
يمضي في حركة يسيرة لطيفة هينة لينة مع الوجود كله ومع الأحداث والأشياء والأشخاص، ومع القدر الذي يصرف الأحداث والأشياء والأشخاص.
اليسر في يده. واليسر في لسانه. واليسر في خطوه. واليسر في عمله واليسر في تصوره. واليسر في تفكيره. واليسر في أخذه للأمور. واليسر في علاجه للأمور. اليسر مع نفسه واليسر مع غيره.


وهكذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل أمره.. ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما كما روت عنه السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وكما قالت عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، بساماً ضحاكاً "
وفي هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اللباس والطعام والفراش وغيرها ما يعبر عن اختيار اليسر وقلة التكليف ألبتة.
ونهى عن التشدد في كل الأمور حتى في أمور العقيدة.
ومن هذا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " (أخرجه البخاري)..
" لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم.. " (أخرجه أبو داود)..
إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " (أخرجه البخاري)..
يسروا ولا تعسروا " (أخرجه الشيخان).
وفي أمور المعاملات
قوله ـ صلى الله عليه وسلم :
رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى (أخرجه البخاري)
المؤمن هين لين . (أخرجه البيهقي)
المؤمن يألف ويؤلف . (أخرجه الدارقطني).
إن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم . أخرجه الشيخان.
ومن قوله: " إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق (أخرجه الترمذي)..
وسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها صفحات من السماحة واليسر والهوادة واللين والتوفيق إلى اليسر في تناول الأمور جميعاً.


******

وهذه المبادئ تجعل من المؤمن نشيطا غير يائس ولا كسلان مهما أصابه من هم أو كرب وبذلك تنعكس على كل معاملاته تجاه الأخرين..

وتعريف " العسر " في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير " اليسر " يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.

وفي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم يدل على أن كل عسر - وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ - فإنه في آخره التيسير ملازم له.

ثم أمر الله رسوله أصلًا، والمؤمنين تبعًا ، بشكره والقيام بواجب نعمه ، فقال : ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ أي : إذا تفرغت من أشغالك ، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء.

﴿ وَإِلَى رَبِّكَ ﴾ وحده ﴿ فَارْغَبْ ﴾ أي : أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول عباداتك .
ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين.

وهكذا تكون حياة المؤمن نشاطا دائما سواء في العبادة أو العمل أو الراحة, فذكر الله لا ينقطع والتسبيح يشمل كل حياة الإنسان على المعنى الذي بيناه في سورة الأعلى..
فالتسبيح هو التمجيد والتنزيه واستحضار معاني الصفات الحسنى لله , والحياة بين إشعاعاتها وفيوضاتها وإشراقاتها في القلب والشعور .

وبذلك تنضبط حياة الإنسان فيعرف ما له وما عليه ولا يقع فريسة لطغيان أو فساد سواء منه أو عليه.

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا – 5 إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا – 6

فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ – 7 وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ – 8


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
18-11-2011, 07:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(24)
وبعض آيات من سورة التين

مبدأ الحفاظ على الفطرة القويمة
والمعنى الحقيقي للدين

وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ -1 وَطُورِ سِينِينَ -2 وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ -3 لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ -4 ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ -5 إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ -6 فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ -7 أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ -8


الحقائق الرئيسية التي تعرضها سورة التين.

أولا : حقيقة الفطرة القويمة التي فطر الله الناس عليها، واستقامة طبيعتها مع طبيعة الإيمان بالله الواحد ، والوصول بها للمقام المقدر لها .
ثانيا : هبوط الإنسان وسقوطه حين ينحرف عن سواء الفطرة واستقامة الإيمان بعقيدة التوحيد.

ثالثا : حقيقة الدين الخاتم بشموله عقيدة وشريعة ومعاملات وأخلاق وعبادات ( الفرائض ) ...

********

فالإسلام دين الفطرة التي ترقى بالإنسان إلى صفوف الملائكة الكرام قال تعالى في سورة الإسراء :

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً – 70

ولقد كرَّمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل، وسَخَّرنا لهم جميع ما في الكون،
وسَخَّرنا لهم ما يركبونه من وسائل النقل, سيارات وطائرات في البر والسفن في البحر لحملهم، ورزقناهم من طيبات المطاعم والمشارب، وفضَّلناهم على كثير من المخلوقات تفضيلا عظيمًا


****

أولا : حقيقة الفطرة القويمة

لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ

ومن هذه الخصائص الروحية يتجلى تفوق التكوين الإنساني. فهو مهيأ لأن يبلغ من الرفعة مدى يفوق مقام الملائكة المقربين. كما تشهد بذلك قصة المعراج.. حيث وقف جبريل ـ عليه السلام ـ عند مقام، وارتفع نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ـ الإنسان ـ إلى المقام الأسنى.

قال تعالى في سورة البقرة :

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ – 30
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ – 31 قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ – 32
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ – 33

فهكذا نرى تكريم الإنسان منذ أن خلقه الله تعالى وأمر الملائكة للسجود له... فهل هناك إرتقاء يعادل ذلك الإرتقاء وهذا السمو. ؟؟

********

ثانيا : هبوط الإنسان وسقوطه

ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ

أما في حالة الكفر والشرك والإلحاد ينتكس الإنسان حيث يهوي إلى الدرك الذي لا يبلغ إليه مخلوق قط حيث تصبح البهائم أرفع منه وأقوم، لاستقامتها على فطرتها، وإلهامها تسبيح ربها، وأداء وظيفتها في الأرض على هدى. بينما هو المخلوق في أحسن تقويم، يجحد ربه، ويرتكس مع هواه، إلى درك لا تملك البهيمة أن ترتكس إليه.

قال تعالى في سورة الحج :

وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ – 31

ولكن رحمة الله تعالى بالإنسان كبيرة وعظيمة فقد فتح له باب النجاة للصعود مرة أخرة إلى الفطرة السليمة.

إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ

بالإيمان والعمل الصالح يرتقي الإنسان إلى الكمال المقدر له ، حتى ينتهي به إلى حياة الكمال في دار الكمال.

فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ -

أي دائم غير مقطوع.


*****

ثالثا : حقيقة الدين

فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ ؟
أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ !!

وحقيقة مصطلح الدين في الإسلام هو النظام الشامل الذي يحكم حياة الإنسان .. وبالمعنى الحديث يسمونه الدستور..
قال تعالى في سورة يوسف : مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ..

والدين يقال للطاعة والجزاء، والدين كالملة، لكنه يقال اعتبارا بالطاعة والانقياد للشريعة،
قال تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) آل عمران/19،
وقال تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ) النساء/125، أي : طاعة لشريعة الله تعالى،
وقوله تعالى: ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ) النساء/171،

وقال تعالى : ( أفغير دين الله يبغون ) آل عمران/83،
يعني أفغير شريعة الله يريدون ؟؟ وأي شريعة وضعية تستطيع أن تحيط بالنفس الأنسانية..
قال تعالى في سورة الملك : أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ - 14
قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) آل عمران/85،
قال تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) الصف/9،

وهكذا يتبين من الآيات السابقة أن الدين بمعناه الشامل يشمل الحياة جميعا , ومن هنا ندرك معنى الآية ( لكم دينكم ولي دين )
فهل للكافرين دين ؟؟ نعم دينهم عبادة الأصنام وقوانينهم يضعونها بناء على أهوائهم ورغباتهم..
أما المؤمنون بدين الأسلام فهم يعبدون اله واحد خالق الكون يحي ويميت .. وقوانينهم من شريعة ربهم الشريعة الإسلامية..

فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ ؟
أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ !!


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
25-11-2011, 08:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(25)
وبعض آيات من سورة العلق

مبدأ العلم والبحث العلمي
أول ما نزل من القرآن العظيم


اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ – 1 خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ – 2
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ – 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – 4 عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ – 5

إن المدخل الأول للتعلم هو القراءة , ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) .

وإن المدخل الأول للبحث العلمي هو النظر في الحقائق الموجودة في واقع الحياة ( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ )...

وإن المدخل الأول لكلا الأمرين تعلم الكتابة والوسيلة التي تكتب (القلم) والمعلم, لأن العلم مكتسب ولا يولد مع الإنسان, لا بد من معلم ووسيلة للكتابة.. ولذا كان التعلم لأبو البشر أدم عليه السلام . قال تعالى في سورة البقرة : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ....

اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ – 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – 4 عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ – 5


من أهم مقومات الحضار في الإسلام " العلم والبحث العلمي " فهو المقدمة الأولى لبناء الصرح الحضاري..

والعلماء ورثة الأنبياء كما ورد في الحديث الشريف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء ، لم يورثوا دينارا ، ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر...
الراوي: أبو الدرداء المصدر: صحيح الجامع للألباني –
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وأن الذين يخافون الله تعالى هم العلماء لما يرونه من حقائق مزهلة في عالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد وفي مجرات النجوم والكوكب والأقمار وفي الذرة وفي البحار والأنهار.

قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ - 28 فاطر

********

والعلم من أهم صفات من نزل عليهم القرآن العظيم


قال تعالى: في أول سورة فصلت: حم – 1 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 3

يخبر تعالى عباده أن هذا القرآن العظيم ﴿ تَنْزِيلُ ﴾ صادر ﴿ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ الذي وسعت رحمته كل شيء، الذي من أعظم رحمته وأجلها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم والهدى، والنور، والشفاء، والرحمة، والخير الكثير، فهو الطريق للسعادة في الدارين...
ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال : ﴿ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ﴾ أي : فصل كل شيء , وهذا يستلزم من علماء المسلمين تدبر آياته والبحث في كافة العلوم التي أتى بها على الإجمال حتى يستوعبها البشر في كافة العصور....
﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصلت آياته وجعل عربيًا. ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما تبين لفظه، ويتضح لهم الهدى من الضلال، والْغَيِّ من الرشاد.....

وقد حافظ القرآن العظيم على اللغة العربية ونشرها في ربوع الأرض وجعلها من اللغات الحية في العالم.. وقد استوعبت اللغة العربية جميع علوم الأرض , والدليل على ذلك ما قام به علماء الإسلام بالترجمة لكتب العلوم في العصر الذهبي للدولة الإسلامية , والبحث العلمي في جميع أصول المعرفة سواء الرياضية في الجبر والهندسة أو العلوم الكيمائية أو الطبية أو علم الفلك من نجوم وكواكب أو الجغرافية أو التاريخية والشريعة والقانون..

فتفوق المسلمون الأوائل في العلوم الصناعية في كافة المجالات مثل صناعة السفن والأساطيل البحرية وإنشاء الترع والسدود و إنشاء المدن وما ترتب عليها من مرافق وإضاءة...

قال تعالى في سورة يونس :

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 5
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ – 6


*******

هل أدركنا أهمية العلم والبحث العلمي في ظل عقيدة التوحيد..

فرسالة الإسلام هي سياج الأمان من إنحراف الحضارات , فبدون مبادئ الإيمان تشتعل الحروب ويروج لها تجار السلاح..

قال تعالى : كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ – 64 المائدة

ولكن في ظل عقيدة الإسلام , قال تعالى :

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ – 90 النحل

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
02-12-2011, 03:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(26)
وبعض آيات من سورة القدر

المصدر الإلهي للقرآن العظيم

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ-1 وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ -2 لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ -3 تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ -4 سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ - 5


تتحدث سورة القدر عن زمن نزول القرآن العظيم إلى السماء الدنيا من لدن رب العزة , ثم نزوله منجما فترة البعثة الشريفة ,ليكون قرآنا مطبقا مع كل حدث ويعيش المؤمن متطلعا إلى خبر السماء طيلة البعثة النبوية الشريفة لنبينا صلوات ربي وسلامه عليه .

وإنه لشعور عظيم والمسلمون يترقبون خبر السماء يتنزل عليهم لينظم لهم حياتهم ويعلمهم مالم يكونوا يعلمون ..
فكانوا يحفظون الآيات مع العمل بها فجعلت منهم خير أمة أخرجت للناس ينشرون العدل والحرية في ربوع الأرض..

وبقدر تدبرنا اليوم للقرآن العظيم بقدر تعرضنا لرحمات ربنا جل وعلا . وكأنه ينزل إلينا هذه الأيام , وكثير ممن يتلون القرآن يشعرون بذلك , يشعرون بالسكينة والرحمة , والهدوء , والشفاء من مرض القلوب . ويشعرون بمخاطبة الله تعالى لهم , فالقرآن العظيم كلام الله تعالى .

قال تعالى في سورة التوبة :

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ – 6

وقد تولى المولى تبارك وتعالى حفظ كتابه , فجعله ميسر للذكر وميسر للحفظ , وإنك لتعجب اليوم من حفظة للقرآن صغارا وكبارا حول العالم ولا يتحدثون اللغة العربية... إنه لإعجاز يفوق التصور ..ولكنه الحفظ الإلهي لكتابه , فلا يزيد حرف ولا ينقص حرف . وإن حدث يكتشف فورا فتحرق النسخ التي زاد فيها حرف أو نقص منها حرف .. وقد حدث ذلك وكان أولها ما فعله الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه..
فإن العرضة الأخيرة من جبريل عليه السلام للقرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي بين أيدينا من أوله إلى أخره من حيث ترتيب السور وعدد الآيات.. وقد ثبت ذلك بالتواتر.. والنسخ المحفوظة حتى الأن . والأهم من ذلك أن تلقي حفظ القرآن لا يتم إلا بالمشافهة أي عن طريق الحفاظ لطلاب العلم ولا يتم بالقراءة فقط ..فالقارئ للقرآن العظيم سمعه من شيخه الذي سمعه الأخير بدوره من شيخة أيضا إلى أن يصل أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم..

قال تعالى في سورة الحجر :

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ – 9

أي: القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر، ﴿ وإنا له لحافظون ﴾ أي : في حال إنزاله وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله ، واستودعه فيها ثم في قلوب أمته ، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ، ومعانيه من التبديل ، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم.

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ -1

وهي ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب نبينا محمد ـ صلى الله عليه وأله وسلم ـ ليلة ذات الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعاً .
والعظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري.

والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان.
إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم. أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين. رحمة من ربك إنه هو السميع العليم .

والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان، كما ورد في سورة البقرة:
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان....

فهل أدركنا أهمية القرآن العظيم في تنظيم حياتنا وسلوكنا وأخلاقنا فهو دستور الأخلاق الفاضلة وهو المصدر الأول لشريعة الإسلام..
فما أعظم المجتمعات التي يكون مصدر تشريعاتهم كلام الله تعالى وسنة نبينا صلوات ربي وسلامه عليه...

*********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
09-12-2011, 08:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(27)
وبعض آيات من سورة البينة

خير البرية


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- 7

******

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) إنه الإيمان الذي ينشئ آثاره في واقع الحياة .. فالمؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده ..
( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) أي العمل وليس الكلام الذي لا يتعدى الشفاه ! .... والصالحات هي كل ما أمر الله تعالى بفعله من عبادة وخلق وعمل وتعامل . وفي أولها إقامة شريعة الله في الأرض , والحكم بين الناس بما شرع الله . فمن كانوا كذلك فهم خير البرية...

قال تعالى في سورة ال عمران :

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ – 110

يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى عبادة الله الواحد وترك عبادة العباد وبذل الجهد على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم ... فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس ، ولما كانت الآية السابقة وهي قوله تعالى :
﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ﴾

أمرا منه تعالى لهذه الأمة، والأمر قد يمتثله المأمور ويقوم به، وقد لا يقوم به ، فإن قامت به الأمة فهم خير البرية, وإن لم تقم به فتتساوى مع باقي الأمم والغلبة للأقوي وهكذا سنة الله في الأرض . فبينت الآية 110 التزام المؤمنون بتلك الأوامر ولذلك إستحقوا لقب الخيرية على الأمم .
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )




فالتمكين في الأرض له شروط .

وقد تحققت تلك الشروط في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ففتحوا القلوب قبل البلاد وسادوا العالم لقرون عديدة نشروا العدل والحرية , وكانت الدول التي لم تدخل الإسلام في ظلام الجهل والتخلف...

فهل نحن اليوم مستعدون ومؤهلين لتلك الخيرية ؟؟؟ نتمنى ذلك .!!

قال تعالى في سورة الحج :

.... وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ -40

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ - 41



فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذي لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره . . فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله , فيستحقون نصر الله , القوي العزيز الذي لا يهزم من يتولاه ?

إنهم هؤلاء ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ )

فحقق الله تعالى لهم النصر وثبتهم ..لأنهم وثقوا صلتهم به بإقامة الصلاة .. وأدوا حق المال بإخراج الزكاة فحققوا التكافل الإجتماعي الذي يكفل تلاحم الأمة بين الأغنياء والفقراء , ثم محاربة الفساد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

بهذه الشروط ترقى الأمم وتستمر في عزتها وكرامتها بين الأمم محققة العدل والحرية والمساوة في ظل شريعة ربها تستلهم منها قوانينها لتسعد في الدنيا بالرخاء والاستقرار والعدالة الإجتماعية.. ثم النعيم الأبدي في الأخرة مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا..

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- 7

جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ - 8



*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
16-12-2011, 09:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(28)
وبعض آيات من سورة الزلزلة

معاملات الإنسان
وحساب الأخرة.


إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا - 1 وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا – 2 وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا - 3
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا – 4 بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا – 5 يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ – 6 فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ – 7 وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ – 8


إنه يوم القيامة حيث ترتجف الأرض الثابتة ارتجافا , وتزلزل زلزالا , وتنفض ما في جوفها نفضا , وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وغيرها مما حملته طويلا . وكأنها تتخفف من هذه الأثقال , التي حملتها طويلا ..

ولعل أكثرنا عايش أحداث الزلازل التي تقع في أماكن مختلفة على وجه الأرض ومدى الفزع والخوف في قلوب البشر ومدى الدمار التي تحدثه تلك الزلازل ولعل الكثير يتذكر كيف تبتلع قرى ومدن كاملة مثل مدينة الأصنام في الجزائر فإنها إختفت تماما من الخارطة الأرضية..

ولكن زلزال يوم القيامة يختلف عن كل الزلازل التي حدثت على مر العصور ..
فهو مشهد يهز تحت أقدام المستمعين لهذه السورة كل شيء ثابت ; ويخيل إليهم أنهم يترنحون ويتأرجحون , والأرض من تحتهم تهتز وتمور مشهد يخلع القلوب من كل ما تتشبث به من هذه الأرض , وتحسبه ثابتا باقيا ; وهو الإيحاء الأول لمثل هذه المشاهد التي يصورها القرآن , ويودع فيها حركة تكاد تنتقل إلى أعصاب السامع بمجرد سماع العبارة القرآنية الفريدة....

ويزيد هذا الأثر وضوحا بتصوير "الإنسان" حيال المشهد المعروض , ورسم انفعالاته وهو يشهده , وقال الإنسان : ما لها ؟؟

وهو سؤال المفجوء , الذي يرى ما لم يعهد , ويواجه ما لا يدرك , ويشهد ما لا يملك الصبر أمامه والسكوت . مالها ? ؟ ما الذي يزلزلها هكذا ويرجها رجا ? مالها ? ويحاول أن يمسك بأي شيء يسنده ويثبته , وكل ما حوله يمور مورا شديدا..

والإنسان" قد شهد الزلازل والبراكين من قبل , وكان يصاب منها بالهلع والذعر , والهلاك والدمار , ولكنه حين يرى زلزال يوم القيامة لا يجد أن هناك شبها بينه وبين ما كان يقع من الزلازل والبراكين في الحياة الدنيا . فهذا أمر جديد لا عهد للإنسان به . أمر لا يعرف له سرا , ولا يذكر له نظيرا . أمر هائل يقع للمرة الأولى ...

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا – 4 بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا – 5

يومئذ تحدث هذه الأرض أخبارها , وتصف حالها وما جرى لها . . لقد كان ما كان لها ( بأن ربك أوحى لها ) . . وأمرها أن تمور مورا , وأن تزلزل زلزالها , وأن تخرج أثقالها ..... فأطاعت أمر ربها ( وأذنت لربها وحقت -2 الانشقاق ).


يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ – 6


وفي لمحة نرى مشهد القيام من القبور: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ – 6




نرى مشهدهم شتيتا منبعثا من أرجاء الأرض ( كأنهم جراد منتشر – 7 القمر ). . وهو مشهد لا عهد للإنسان به كذلك من قبل . مشهد الخلائق في أجيالها جميعا تنبعث من هنا ومن هناك:
( يوم تشقق الأرض عنهم سراعا – 44 ق )
( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه – 37 عبس )

إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر . هائل مروع . مفزع . مرعب . مذهل....
لعله يحرك القلوب الغافلة الحائرة التي تهيم في الدنيا وكأنها دار الخلود والأستقرار..ولا تعبأ بأكل الحرام والفساد في الأرض.
إن المؤمن بذلك اليوم يتلمس الحلال في كل شئ ولا يرضى بالفساد في الأرض ...

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ – 7 وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ – 8

فالذرة لا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل و لم يسبق لواحد من العلماء أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها....
فهذه أو ما يشبهها من ثقل , من خير أو شر , تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ...
عندئذ لا يحقر "الإنسان" شيئا من عمله . خيرا كان أو شرا . ولا يقول:هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن . إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله .... وخاصة أن جميع الأعمال تأتي حاضرة يوم القيامة..

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا – 49 الكهف

*******

اللهم أسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض...أمين أمين أمين.

إن رحمة الله وسعت كل شئ فهو غافر الذنب وقابل التوب..
أرشدنا في هذه السورة قبل فوات الأوان..فعمر الإنسان هو الفرصة المتاحة له لتحصيل الحسنات .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية أو علم ينتفع به ...
الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن عساكر - المصدر: معجم الشيوخ - الصفحة أو الرقم: 1/432
خلاصة حكم المحدث: صحيح

إن جميع معاملات الإنسان على هذه الأرض هي للإختبار , فقد ينجح الإنسان في أحدها دون أن يدري ..كمن سقى كلب بخفه , فدخل بذلك الفعل الجنة..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بينا رجل بطريق ، اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها ، فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ، فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له . قالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجرا

الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2466
خلاصة حكم المحدث: صحيح

والصورة المقابلة لمن دخلت النار في هرة ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض..
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3318
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فما بالنا بمعاملة الإنسان لأخيه الإنسان.. هذا في معاملات غير الإنسان,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة....
الراوي: أبو ذر الغفاري - المصدر: صحيح الترغيب للألباني - الصفحة أو الرقم: 2685
خلاصة حكم المحدث: صحيح

هل أدركنا مدى حساسية ميزان يوم القيامة ؟؟

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ – 7

وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ – 8

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
23-12-2011, 12:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(29)
وبعض آيات من سورة العاديات

المال ودوره الحقيقي في المعاملات

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ – 6 وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ – 7 وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ – 8 أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ – 9 وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ – 10 إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ – 11

إن الإنسان ليجحد نعمة ربه , وينكر جزيل فضله . ويتمثل كنوده وجحوده في مظاهر شتى تبدو منه أفعالا وأقوالا , فتقوم عليه مقام الشاهد الذي يقرر هذه الحقيقة . وكأنه يشهد على نفسه بها . أو لعله يشهد على نفسه يوم القيامة بالكنود والجحود : ( وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ). . يوم ينطق بالحق على نفسه حيث لا جدال ولا إنكار ..


( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) أي لحب المال وهذه فطرته . وهذا طبعه . ما لم يخالط الإيمان قلبه . فيغير من تصوراته وقيمه وموازينه واهتماماته . ويحيل كنوده وجحوده اعترافا بفضل الله وشكرانا . كما يبدل أثرته وشحه إيثارا ورحمة . ويريه القيم الحقيقية التي تستحق الحرص والتنافس والكد والكدح . وهي قيم أعلى من المال والسلطة والمتاع الحيواني بأعراض الحياة الدنيا...

إن الإنسان - بغير إيمان - صغير الاهتمامات . ومهما كبرت أطماعه . واشتد طموحه , وتعالت أهدافه , فإنه يظل مرتكسا في حمأة الأرض , مقيدا بحدود العمر , سجينا في سجن الذات . . لا يطلقه ولا يرفعه إلا الاتصال بخالقه ( الله رب العالمين ) الذي يدعوه لدار السلام .

******
إن تحصيل الأموال يتم من خلال العمل وبذلك تتكامل مصالح وإحتياجات البشر ...فالعامل يجتهد في عمله لكي يحصل على المال الذي به يلبي حاجاته من مسكن ومأكل وتلبية حاجات أهله وأولاده.. وبالمثل جميع التخصصات ... فالكل يسعى للحصول على المال ليعيش كريما بين الناس.. وهذا أمر شرعي لكل إنسان ذو قوة وموهبة من الله تعالى ..

قال تعالى في سورة الملك :

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ – 15

أي: هو الذي سخر لكم الأرض وذللها، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم، من غرس وبناء وحرث، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة ، ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ أي : لطلب الرزق والمكاسب.

وقال تعالى في سورة هود :

﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

أي: طلب منكم إعمارها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون ثرواتها فيما يسعدكم في الدنيا ويكون سبيلا لإسعادكم في الأخرة...

وفي الحديث الشريف :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أكل أحد طعاما قط ، خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده
الراوي: المقدام بن معد يكرب - المصدر: صحيح البخاري -
خلاصة حكم المحدث: صحيح



******
المال ضروري في جميع معاملات الإنسان

ولذلك أمرنا الله تعالى بالحفاظ عليه وعدم إهداره وتبذيره, وفي نفس الوقت عدم البخل به , وبذله في مشاريع الخير التي تعود على الإنسانية...

قال تعالى في سورة الإسراء :

وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا – 26 إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا – 27 وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا – 28
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا – 29
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا – 30

****

فالمؤمن يتعامل مع المال بتوازن ويعلم أنه وسيلة وليس هدفا..

قال تعالى في سورة الفرقان :

وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً - 67

والذين إذا أنفقوا من أموالهم لم يتجاوزوا الحد في العطاء، ولم يضيِّقوا في النفقة، وكان إنفاقهم وسطًا بين التبذير والتضييق...

******

أما في حالة طغيان الحب للمال بحيث يصبح هدف وليس وسيلة - فيدمر حياة الإنسان ويحطم نفسيته ولا يقنع ولو ملك الأرض جميعا..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لو أن ابن آدم أعطي واديا ملأى من ذهب أحب إليه ثانيا ، ولو أعطي ثانيا أحب إليه ثالثا ، ولا يسد جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب...
الراوي: سهل بن سعد الساعدي - المصدر: صحيح البخاري
خلاصة حكم المحدث: صحيح


وهناك نماذج ممن جمع المال فكان وبالا عليه في الدنيا والأخرة..ومن هذه النماذج ( قارون ) و ( فرعون ) ومن النماذج الحديثة ما يعرفه الجميع - زالوا وزالت أموالهم فلم تنفعهم الأموال الطائلة بل كانت وبالا عليهم...


ومن ثم تجيء اللفتة الأخيرة في السورة لعلاج الكنود والجحود والأثرة والشح , لتحطيم قيد النفس وإطلاقها منه . مع عرض مشهد البعث والحشر في صورة تنسي حب الخير , وتوقظ من غفلة البطر...

أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ – 9وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ – 10 إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ – 11


وهو مشهد عنيف مثير . بعثرة لما في القبور ...وتحصيل لأسرار الصدور التي ضنت بها وخبأتها بعيدا عن العيون .


إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ – 11







*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-12-2011, 10:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(30)
وبعض آيات من سورة القارعة

ميزان العدل يوم القيامة
وأثره في المعاملات

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس من أمتي ، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا . فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته ، قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح في النار
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم
خلاصة حكم المحدث: صحيح

جميع المعاملات تسطر صفحات الإنسان يوم القيامة حتى الكلمات التي يتكلمها الإنسان دون أن يدري لها بالا..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، لا يلقي لها بالا ، يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم..
الراوي: أبو هريرة - المصدر: صحيح البخاري.
خلاصة حكم المحدث: صحيح

*******

فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ – 6 فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ – 7 وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ – 8 فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ – 9 وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ – 10 نَارٌ حَامِيَةٌ - 11

( فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) في اعتبار الله وتقويمه ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ). .راضية برضاء الله عليهم , راضية بالنعيم الأبدي الذي لا موت بعده...
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ "إذا دخل أهل الجنة - الجنة- ينادي مناد‏:‏ إن لكم أن تحيوا، فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا، فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا، فلا تبأسوا أبداً‏"‏.
‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن في الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة‏.‏ فتهب ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم‏:‏ والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً‏!‏ فيقولون‏:‏ وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً‏!........... .
‏‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة‏:‏ يا أهل الجنة، فيقولون ‏:‏ لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك فيقول‏:‏ هل رضيتم‏ ؟‏
فيقولون‏:‏ وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا مالم تعط أحداً من خلقك‏!‏
فيقول‏:‏ ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون‏:‏ وأي شيء أفضل من ذلك‏؟‏
فيقول‏:‏ أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا.
متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

*******

( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ) في اعتبار الله وتقويمه ( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) والأم هي مرجع الطفل وملاذه . فمرجع القوم وملاذهم يومئذ هو الهاوية
وما أدراك ما هيه ؟؟
سؤال التجهيل والتهويل المعهود في القرآن , لإخراج الأمر عن حدود التصور وحيز الإدراك...
ثم يجيء الجواب
نَارٌ حَامِيَةٌ - 11

هذه هي أم الذي خفت موازينه ! أمه التي يفيء إليها ويأوي...والأم عندها الأمن والراحة . فماذا هو واجد عند أمه هذه - الهاوية النار الحامية...
أعاذنا الله وإياكم وسائر المؤمنين...

*****

هل أدركنا أهمية الحسنات التي يحصلها الإنسان المؤمن ..؟؟

وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الأمر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم.
الراوي : أبو هريرة - المصدر: صحيح البخاري
خلاصة حكم المحدث: صحيح

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشرة أمثالها ، لا أقول الم حرف ، ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف...
الراوي : عبدالله بن مسعود
المصدر : الأحكام الصغرى - صحيح الإسناد

وقال تعالى في أخر سورة هود :

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ – 114 وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ – 115

﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾

أي: فهذه الصلوات الخمس، وما ألحق بها من التطوعات من أكبر الحسنات، وهي: مع أنها حسنات تقرب إلى الله، وتوجب الثواب، فإنها تذهب السيئات وتمحوها، والمراد بذلك : الصغائر، كما قيدتها الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر"، بل كما قيدتها الآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى :

﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾

وهكذا فإن جميع معاملات المؤمن تنضبط إذا وضع نصب عينيه صحيفته والميزان ...

ففي الحديث القدسي الذي رواه مسلم يقول الله تعالى :

يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ؛ فمن وجد خيرًا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

******

فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ – 6 فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ – 7 وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ – 8 فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ – 9 وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ – 10 نَارٌ حَامِيَةٌ - 11

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
30-12-2011, 09:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(31)
وبعض آيات من سورة التكاثر


علم اليقين


أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ – 1 حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ – 2 كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ – 3 ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ – 4 كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ – 5 لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ – 6 ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ – 7 ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ – 8

*******

تحدثنا في اللقاء السابق عن ميزان العدل يوم القيامة وأثر الإيمان به في معاملات الإنسان...ولكن هناك فئة من البشر لا يؤمنون بذلك اليوم.

يقول تعالى موبخًا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له ، ومعرفته ، والإنابة إليه ، وتقديم محبته على كل شيء :

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون، من التكاثر في الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود، والخدم، والجاه، وغير ذلك من الأعراض..

فاستمرت غفلتكم وتشاغلكم ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ فانكشف لكم حينئذ الغطاء ، ولكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه.


قال تعالى في سورة ق :
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ – 19 وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ – 20 وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ – 21 لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ – 22

أي ﴿ وَجَاءَتْ ﴾ هذا الغافل المكذب بآيات الله ﴿ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾ الذي لا مرد له ولا مناص، ﴿ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ أي: تتأخر وتنكص عنه.
﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾ أي : اليوم الذي يلحق الظالمين ما أوعدهم الله به من العقاب، والمؤمنين ما وعدهم به من الثواب.

﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ ﴾ يسوقها إلى موقف القيامة، فلا يمكنها أن تتأخر عنه ، ﴿ وَشَهِيدٌ ﴾ يشهد عليها بأعمالها، خيرها وشرها، وهذا يدل على اعتناء الله بالعباد، وحفظه لأعمالهم ، ومجازاته لهم بالعدل .

فهذا الأمر، مما يجب أن يجعله العبد منه على بال...
ولكن أكثر الناس غافلون، ولهذا قال : ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾ أي : يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام ، توبيخًا ، ولومًا وتعنيفًا أي: لقد كنت مكذبًا بهذا، تاركًا للعمل له فالآن ﴿ كشفنا عَنْكَ غِطَاءَكَ ﴾ الذي غطى قلبك ، فكثر نومك ، واستمر إعراضك ، ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ ينظر ما يزعجه ويروعه، من أنواع العذاب والنكال.

أو هذا خطاب من الله للعبد ، فإنه في الدنيا ، في غفلة عما خلق له ، ولكنه يوم القيامة ، ينتبه ..
ولكنه في وقت لا يمكنه أن يتدارك الفارط ، ولا يستدرك الفائت ، وهذا كله تخويف من الله للعباد ، وترهيب، بذكر ما يكون على المكذبين، في ذلك اليوم العظيم.

******

ودل قوله: ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ أن البرزخ دار مقصود منها النفوذ إلى الدار الباقية ، أن الله سماهم زائرين، ولم يسمهم مقيمين.

فدل ذلك على البعث والجزاء بالأعمال في دار باقية غير فانية، ولهذا توعدهم بقوله : ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ أي: لو تعلمون ما أمامكم علمًا يصل إلى القلوب، لما ألهاكم التكاثر، ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة...

ولكن عدم العلم الحقيقي ، صيركم إلى ما ترون، ﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾ أي : لتردن القيامة ، فلترون الجحيم التي أعدها الله للكافرين.

﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ أي : رؤية بصرية ، كما قال تعالى في سورة الكهف : ﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا -53 ﴾ .
﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ الذي تنعمتم به في دار الدنيا ، هل قمتم بشكره ، وأديتم حق الله فيه ، ولم تستعينوا به ، على معاصيه ، فينعمكم نعيمًا أعلى منه وأفضل...
أم اغتررتم به ، ولم تقوموا بشكره ؟ بل ربما استعنتم به على معاصي الله فيعاقبكم على ذلك ، قال تعالى في سورة الأحقاف : ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ - 20 ﴾...

وقال تعالى في نفس السورة :

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ – 34 فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ – 35 الأحقاف

إن الإيمان باليوم الأخر من ضرورات الإيمان بالله تعالى .. وإن المؤمنون يوقنون باليوم الأخر كأنه واقع أمامهم...

قال تعالى في أول سورة البقرة :
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ – 3

﴿ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾

و " الآخرة " اسم لما يكون بعد الموت .. لأن الإيمان باليوم الآخر, أحد أركان الإيمان... ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل...
و " اليقين " هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك, الموجب للعمل وفعل الخيرات وتركت المنكرات والباعث الحقيقي لكل المعاملات الصالحة للإنسان..

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
04-01-2012, 09:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(32)
وبعض آيات من سورة العصر


الإنسان بين الحاضر والمصير


وَالْعَصْرِ -1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ -2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ -3


العصر : ويعني الزمان بتوالي الليل والنهار , فهو محل أفعال العباد وأعمالهم...
ومن هنا ندرك أهمية الوقت في الإسلام ..فالوقت يمثل عمر الإنسان..فإن اليوم يقول للإنسان أنا يوم جديد على عملك شهيد فاغتنمني فإني إذا ذهبت لا أعود إلي يوم القيامة..

إنه على امتداد الزمان في جميع الأعصار , وامتداد الإنسان في جميع الأدهار , ليس هنالك إلا منهج واحد رابح , وطريق واحد ناج . هو ذلك المنهج الذي ترسم السورة حدوده , وهو هذا الطريق الذي تصف السورة معالمه ( طريق الإيمان ).. وكل ما وراء ذلك ضياع وخسار . .

وبهذا الإعجاز تلخص سورة العصر كل معالم الحياة على وجه الأرض..في ثلاث أيات ..نقف بين أنوارها مدهوشين من أين نبدأ وكيف نأتي بالمجلدات لتفسير تلك المعاني الكبيرة التي تشمل الحياة من أولها إلى أخرها والمصير الذي ينتظر الإنسان يوم القيامة..

******

الإنسان والإيمان

ولكي ندرك أهمية الإيمان للإنسان يجب عقد مقارنة بين الإنسان المؤمن والإنسان الغير مؤمن...

1- فالمؤمن واسع الأفق لأنه يؤمن بالله خالق السماوات والأرض
رب العالمين , فهو لا يستغرب شيئا بعد هذا الإيمان ...

2 - والمؤمن عزيز النفس فهو يعلم أنه لا ضار ولا نافع إلا هو سبحانه,
بينما غير المؤمن والمشرك والملحد والكافر يطأطئ رأسه لمخلوق مثله .

3 - والمؤمن مع عزة نفسه متواضع لأنه يعلم أن الكبرياء لله تعالى وحده, بينما ترى المشرك متكبر بغير الحق ...

4 - والمؤمن حريص على تزكية نفسه بالصالحات لأنه يعلم أن الإيمان
ليس بالتمني ولكن بالعمل الصالح , فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
بينما الكافر والمشرك يمني نفسه بالأماني الكاذبة ....

5 - والمؤمن لا يتسرب الى قلبه اليأس فهو يعلم أن الله له ملك السماوات والأرض , فهو يبذل الجهد متوكلا على الله الواحد الذي بيده خزائن السماوات والأرض .
بينما المشرك والملحد سرعان مايتسرب اليأس إلي قلبه, فتتحطم نفسيته وقد يقدم على الإنتحار ...

6 - والمؤمن ثابت العزم قوي الإرادة ليقينه بأنه يعتمد على مالك الملك .
وليس لغير المؤمن والمشرك هذا اليقين ...

7 - والمؤمن لا يلوث نفسه بالطمع والدناءة وقبيح الأعمال ,
لأنه يعلم أن الأمر كله لله يرزق من يشاء بغير حساب .
بينما المشرك والكافر لا يعبأ من أي شئ يحصل على المال .

8 - والمؤمن يسير حياته وفق شريعة الله التي تحدد له الحلال والحرام
فهو أمن في الدنيا والأخرة بإذن الله تعالى .
بينما الغير مؤمن والمشرك منفلت لشهواته ورغباته لا يخاف إلا من الشرطي.
وبهذه المقارنة السريعة نلاحظ قيمة الإيمان في حياة الإنسان..


وَالْعَصْرِ -1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ -2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ -3





إن مقومات الإيمان هي بذاتها مقومات الإنسانية الرفيعة الكريمة . . .
التعبد لإله واحد , يرفع الإنسان عن العبودية لسواه , ويقيم في نفسه المساواة مع جميع العباد , فلا يذل لأحد , ولا يحني رأسه لغير الواحد القهار . .
ومن هنا الانطلاق التحرري الحقيقي للإنسان . الانطلاق الذي ينبثق من الضمير ومن تصور الحقيقة الواقعة في الوجود . إنه ليس هناك إلا قوة واحدة وإلا معبود واحد . فالانطلاق التحرري ينبثق من هذا التصور انبثاقا ذاتيا , لأنه هو الأمر المنطقي الوحيد .

إن الإيمان دليل على صحة الفطرة وسلامة التكوين الإنساني , وتناسقه مع فطرة الكون كله , ودليل التجاوب بين الإنسان والكون من حوله . فهو يعيش في هذا الكون , وحين يصح كيانه لا بد أن يقع بينه وبين هذا الكون تجاوب .
ولا بد أن ينتهي هذا التجاوب إلى الإيمان , بحكم ما في الكون ذاته من دلائل وإيحاءات عن القدرة المطلقة التي أبدعته على هذا النسق .
فإذا فقد الإنسان هذا التجاوب أو تعطل , كان هذا بذاته دليلا على خلل ونقص في الجهاز الذي يتلقى , وهو هذا الكيان الإنساني . وكان هذا دليل فساد لا يكون معه إلا الخسران . ولا يصح معه عمل ولو كان في ظاهره مسحة من الصلاح ...
قال تعالى:
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ -18 إبراهيم

يخبر تعالى عن أعمال الكفار التي عملوها: بالرماد، الذي هو أدق الأشياء وأخفها، إذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب، فإنه لا يبقى منه شيئا، ولا يقدر منه على شيء يذهب ويضمحل.....

والإيمان المطلوب في الإسلام هو المقترن بالعمل الصالح
وهذا ما نتحدث عنه في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى

******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
07-01-2012, 07:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(33)
وبعض آيات من سورة العصر


العمل الصالح
ثمرة الإيمان


وَالْعَصْرِ -1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ -2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ -3



العمل الصالح وهو الثمرة الحقيقية للإيمان , والحركة الذاتية التي تبدأ في ذات اللحظة التي تستقر فيها حقيقة الإيمان في القلب .

فالإيمان حقيقة إيجابية متحركة . ما أن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخارج في صورة عمل صالح...

هذا هو الإيمان الإسلامي . . لا يمكن أن يظل خامدا لا يتحرك , كامنا لا يتبدى في صورة حية خارج ذات المؤمن . . فإن لم يتحرك هذه الحركة الطبيعية فهو مزيف أو ميت . شأنه شأن الزهرة لا تمسك أريجها . فهو ينبعث منها انبعاثا طبيعيا . وإلا فهو غير موجود....

ومن هنا قيمة الإيمان . . إنه حركة وعمل وبناء وتعمير . . يتجه إلى الله . إنه ليس انكماشا وسلبية وانزواء في مكنونات الضمير . وليس مجرد النوايا الطيبة التي لا تتمثل في حركة وهذه طبيعة الإسلام البارزة التي تجعل منه قوة بناء كبرى في صميم الحياة ......

والمتتبع لآيات القرآن العظيم يلاحظ إقتران الإيمان بالعمل الصالح من أوله إلى أخره ولم يذكر الإيمان مجرد من العمل قط ...
مما يدلك على أهمية العمل الصالح في الإسلام...وأن الأمر ليس بالأماني..

قال تعالى في سورة النساء :


لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا – 123 وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا – 124


والأماني : أحاديث النفس المجردة عن العمل لا تفيد صاحبها وهذا عامّ في كل أمر، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية...؟؟؟

فإن مجرد الانتساب إلى أي دين كان ، لا يفيد شيئا إن لم يأت الإنسان ببرهان على صحة دعواه ، فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها....

فمن كان عمله صالحا ، وهو مستقيم في غالب أحواله، وصدر منه بعض الأحيان بعض الذنوب الصغار فما يصيبه من الهم والغم والأذى و بعض الآلام في بدنه أو قلبه أو ماله ونحو ذلك - فإنها مكفرات للذنوب...

****
إن الندم يوم القيامة وتمني الرجوع إلى الدنيا يكون من أجل العمل الصالح ...

قال تعالى في سورة السجدة : وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ – 12


وهذا الطلب غير مجاب، لأنه قد مضى وقت الإمهال...فالدنيا هي الفرصة الوحيدة أمام الإنسان للعمل الصالح مع الإيمان..

والصورة المقابلة للمؤمنين ...قال تعالى : فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – 17


وفي الحديث الشريف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أفضل الأعمال ( أو العمل ) الصلاة لوقتها ، وبر الوالدين...
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 85 خلاصة حكم المحدث: صحيح

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما أكل أحد طعاما قط ، خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده...
الراوي: المقدام بن معد يكرب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2072
خلاصة حكم المحدث: صحيح


وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم يقول الله تعالى :

يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ؛ فمن وجد خيرًا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

******
ومازلنا مع بعض معاني سورة العصر..

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
13-01-2012, 09:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(34)
وبعض آيات من سورة العصر

التواصي بالحق والتواصي بالصبر
وخصائص الأمة


وَالْعَصْرِ -1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ -2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ -3

مازلنا في أنوار سورة العصر ويحضرني كلمات للأستاذ الندوي رحمه الله.

يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه القيم : " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ? " . . عن القيادة الإسلامية الخيرة الفذة في التاريخ كله , وتحت عنوان "عهد القيادة الإسلامية "

الأئمة المسلمون وخصائصهم

ظهر المسلمون , وتزعموا العالم , وعزلوا الأمم المزيفة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها ,وساروا بالإنسانية سيرا حثيثا متزنا عادلا , وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم , وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلهم وتحت قيادتهم .

أولا : أنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية.

فلا يقننون ولا يشترعون من عند أنفسهم . لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم , ولا يخبطون في سلوكهم وسياستهم ومعاملتهم للناس خبط عشواء , وقد جعل الله لهم نورا يمشون به في الناس , وجعل لهم شريعة يحكمون بها الناس قال تعالى في سورة الأنعام : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ? - 122 ) وقد قال الله تعالى في السورة المائدة : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط , ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى , واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون – 8 ).


ثانيا : التربية الخلقية وتزكية نفس.

إرتكزت القيادة الإسلامية على التربية الخلقية وتزكية نفس , بخلاف غالب الأمم والأفراد ورجال الحكومة في الماضي والحاضر , بل مكثوا زمنا طويلا تحت تربية نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإشرافه الدقيق , يزكيهم ويؤدبهم , ويأخذهم بالزهد والورع والعفاف والأمانة والإيثار وخشية الله , وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله , أو أحدا حرص عليه .

قال تعالى في سورة القصص : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين – 83 ) . . فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب , فضلا عن أن يرشحوا أنفسهم للإمارة , ويزكوا أنفسهم , وينشروا دعاية لها , وينفقوا الأموال سعيا وراءها .

فإذا تولوا شيئا من أمور الناس لم يعدوه مغنما أو طعمة أو ثمنا لما أنفقوا من مال أو جهد ; بل أعتبروه أمانة في عنقهم , وامتحانا من الله تعالى

وتذكروا دائما قول الله تعالى في سورة النساء : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها , وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . .- 58

ثالثا عدم العنصرية.

إنهم لم يكونوا خدمة جنس , أو شعب , يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده , ويؤمنون بفضله وشرفه على جميع الشعوب والأوطان .
ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها , ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها , ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكم أنفسهم ..
إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعا إلى عبادة الله وحده . كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين في مجلس يزدجرد : الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده , ومن ضيق الدنيا إلى سعتها , ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .

فالأمم عندهم سواء , والناس عندهم سواء . الناس كلهم من آدم , وآدم من تراب . لا فضل لعربي على عجمي , ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى قالى تعالى في سورة الحجرات : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا , إن أكرمكم عند الله أتقاكم – 13 )....

في ظل هؤلاء وتحت حكمهم استطاعت الأمم والشعوب - حتى المضطهدة منها في القديم - أن تنال نصيبها من الدين والعلم والتهذيب والحكومة , وأن تساهم مع العرب في بناء العالم الجديد , بل إن كثيرا من أفرادها فاقوا العرب في بعض الفضائل , وكان منهم أئمة هم تيجان مفارق العرب وسادة المسلمين من الأئمة والفقهاء والمحدثين . .

رابعا ضرورة الإيمان للقيادة الحكيمة العادلة.

إن الإنسان جسم وروح , وهو ذو قلب وعقل وعواطف وجوارح , لا يسعد ولا يفلح ولا يرقى رقيا متزنا عادلا حتى تنمو فيه هذه القوى كلها نموا متناسبا لائقا بها , ويتغذى غذاء صالحا , ولا يمكن أن توجد المدنية الصالحة البتة إلا إذا ساد وسط ديني خلقي عقلي جسدي يمكن فيه للإنسان بسهولة أن يبلغ كماله الإنساني .

وقد أثبتت التجربة أنه لا يكون ذلك إلا إذا مكنت قيادة الحياة وإدارة دفة المدنية بين الذين يؤمنون بالروح والمادة , ويكونون أمثلة كاملة في الحياة الدينية والخلقية , وأصحاب عقول سليمة راجحة , وعلوم صحيحة نافعة ..
هذه بعض ملامح تلك الحقبة السعيدة التي عاشتها البشرية في ظل الدستور الإسلامي الذي تضع "سورة العصر" قواعده , وتحت تلك الراية الإيمانية التي تحملها جماعة الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .

وَالْعَصْرِ -1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ -2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ -3


*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
20-01-2012, 10:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(35)
وبعض آيات من سورة الهمزة

عبدة المال


وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ – 1 الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ – 2 يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ – 3 كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ – 4 وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ – 5 نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ – 6 الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ – 7 إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ – 8 فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ – 9

للأسف يعمد فريق من الناس إلى جمع المال ليس لهدف إلا لتكثيره إلى مليارات لا حد لها ليفوق - بهذا الكم الهائل من المال - عمره بمئات الأضعاف وهو يظن أن المال الذي يجمعه يشتري له الخلود في الدنيا..

وفي المقابل يوجد الاف الفقراء لا يجدون ما يسد جوعهم ودواءهم وتعليمهم..

ولا يكتفي جامع المال بذلك بل يسخر بالهمز واللمز من الفقراء..
ومن ثم ينطلق في هوس بهذا المال يعده ويستلذ تعداده .. وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة , تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس وكراماتهم . ولمزهم وهمزهم . . يعيبهم بلسانه ويسخر منهم بحركاته . سواء بحكاية حركاتهم وأصواتهم , أو بتحقير صفاتهم وسماتهم . . بالقول والإشارة . بالغمز واللمز . باللفتة الساخرة والحركة الهازئة ...

ولكن خالق الكون مطلع على الجميع يسمع ويرى..


﴿ وَيْلٌ ﴾ أي : وعيد، ووبال، وشدة عذاب ﴿ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ الذي يهمز الناس بفعله ، ويلمزهم بقوله .

فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل،

واللماز: الذي يعيبهم بقوله.

ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به..
وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك،


﴿ يَحْسَبُ ﴾ بجهله ﴿ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴾ في الدنيا . وفي الحديث الصحيح : تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ...
المصدر: مجموع الفتاوى - الصفحة أو الرقم: 28/35

يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ..

فلذلك كان كده وسعيه كله في تنمية ماله، الذي يظن أنه ينمي عمره ، ولم يدر أن البخل يقصف الأعمار ، ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر .

صورة هذا المتعالي الساخر المستقوي بالمال , تقابلها صورة " المنبوذ " المهمل المتردي في ( الحطمة ) التي تحطم كل ما يلقى إليها , فتحطم كيانه وكبرياءه . وهي ( نار الله الموقدة ) وإضافتها لله وتخصيصها هكذا يوحي بأنها نار فذة , غير معهودة , ويخلع عليها رهبة مفزعة رعيبة .

﴿ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ ﴾ أي: ليطرحن ﴿ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴾ تعظيم لها، وتهويل لشأنها....

ثم فسرها بقوله: ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾ التي وقودها الناس والحجارة ﴿ الَّتِي ﴾ من شدتها ﴿ تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾ أي : تنفذ من الأجسام إلى القلوب.

ومع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها ، قد أيسوا من الخروج منها ، ولهذا قال: ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ﴾ أي : مغلقة ﴿ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾ لئلا يخرجوا منها... قال تعالى : ﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا...20 السجدة ﴾ .

*****

هل أدركنا أن المال وسيلة لإدارة مصالح الناس ؟ وأنه ليس هدفا في حد ذاته ليجمع ويعدد ويحرم منه الفقراء..

وإنا لنرى في عناية الله سبحانه بالرد على هذه الصورة معنيين كبيرين:

الأول : تقبيح الهبوط الأخلاقي وتبشيع هذه الصورة الهابطة من النفوس .
والثاني : المنافحة عن المؤمنين وحفظ نفوسهم من أن تتسرب إليها مهانة الإهانة , وإشعارهم بأن الله يرى ما يقع عليهم , ويعاقب عليه . .

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ – 1 الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ – 2 يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ – 3 كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ – 4 وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ – 5 نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ – 6 الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ – 7 إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ – 8 فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ – 9




******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
26-01-2012, 08:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(36)
وبعض آيات من سورة الفيل

مصير المعتدين


أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ – 1 أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ – 2 وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ – 3 تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ – 4 فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ – 5

قرر أبرهة هدم الكعبة قبلة العرب وبناء بيت في اليمن يحج إليه الناس..
ولكن الواقع أن الكعبة هي بيت الله الحرام الذي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل...وأنه قبلة الإسلام أخر رسالات الله تعالى إلى أهل الأرض..

استطاع إبرهة حصار مكة وأخذ أموالهم مستعينا بذلك بجيش كبير وفيل ضخم...

قال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب ( جد النبي صلى الله عليه وسلم ) أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم . فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه , وأكرمه عن أن يجلسه تحته , وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه . فنزل أبرهة عن سريره , فجلس على بساطه وأجلسه معه إلى جانبه . ثم قال لترجمانه : قل له : ما حاجتك ? فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي .
فلما قال ذلك , قال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك , ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ! أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه ? قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل . وإن للبيت رب سيمنعه .
قال أبرهة : ما كان ليمتنع مني . قال عبد المطلب : أنت وذاك ! . . فرد عليه إبله...

ثم انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر , وأمرهم بالخروج من مكة , والتحرز في شعف الجبال . ثم قام فأخذ بحلقة باب الكعبة , وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه .

فأما أبرهة فوجه جيشه وفيله لما جاء له .
فبرك الفيل دون مكة لا يدخلها , وجهدوا في حمله على اقتحامها فلم يفلحوا .

ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده , فأرسل عليهم جماعات من الطير تحصبهم بحجارة من طين وحجر , فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة . كما يحكي عنهم القرآن الكريم . . وأصيب أبرهة في جسده ,وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة , حتى قدموا به صنعاء , فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات.... . .

*****

وهذه الحادثة ثابتة بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية حين بركت ناقته القصواء دون مكة , فقالوا : خلأت القصواء ...فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما خلأت القصواء , وما ذاك لها بخلق , ولكن حبسها حابس الفيل .

*******

فلله جند من كل شيء ..

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ....

وليست في الكون قوة إلا وهي خاضعة لقوته .

فهذا الطاغية الذي أراد أن يهدم البيت , أرسل الله عليه من الطير ما يوصل إليه مادة الجدري أو الحصبة , فأهلكته وأهلكت قومه , قبل أن يدخل مكة .
وهي نعمة غمر الله بها أهل حرمه - حفظا لبيته , حتى يرسل من يحميه بقوة دينه - صلى الله عليه وسلم - ..

فقد كان الله - سبحانه - يريد بهذا البيت أمرا . كان يريد أن يحفظه ليكون مثابة للناس وأمنا ; وليكون نقطة تجمع للعقيدة الجديدة تزحف منه حرة طليقة , في أرض حرة طليقة , لا يهيمن عليها أحد من خارجها , ولا تسيطر عليها حكومة قاهرة تحاصر الدعوة في محضنها . ويجعل هذا الحادث عبرة ظاهرة مكشوفة لجميع الأنظار في جميع الأجيال ...

*******


فالحادث كان معروفا للعرب ومشهورا عندهم , حتى لقد جعلوه مبدأ تاريخ . يقولون حدث كذا عام الفيل , وحدث كذا قبل عام الفيل بعامين , وحدث كذا بعد عام الفيل بعشر سنوات . .
والمشهور أن مولد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان في عام الفيل ذاته . ولعل ذلك من بدائع الموافقات الإلهية المقدرة...

وإذن فلم تكن السورة للإخبار بقصة يجهلونها , إنما كانت تذكيرا بأمر يعرفونه , المقصود به ما وراء هذا التذكير ....

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ – 1

ثم أكمل القصة بعد هذا المطلع في صورة الاستفهام التقريري كذلك
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ – 2

. . أي ألم يضل مكرهم فلا يبلغ هدفه وغايته , شأن من يضل الطريق فلا يصل إلى ما يبتغيه . .
ولعله كان بهذا يذكر قريشا بنعمته عليهم في حماية هذا البيت وصيانته , في الوقت الذي عجزوا هم عن الوقوف في وجه أصحاب الفيل الأقوياء .

******

ونصر الله تعالى لرسوله وللمؤمنين كان إمتدادا لحماية البيت وعقيدة التوحيد إلى قيام الساعة ..
قال تعالى في سورة التوبة :

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - 40

*******

قال تعالى في سورة الفتح :
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا – 7

*******

وجنود الله كثيرة منها الرياح ومنها الصاعقة ومنها الملائكة ومنها الطير الأبابيل ومنها الميكروبات ..ومهما حاولنا أن نحصي لم نصل إلى حصر..
قال تعالى في سورة المدثر :

وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ...31

قال تعالى في سورة العنكبوت :
فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ - 40


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
28-01-2012, 07:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(37)
وبعض آيات من سورة قريش

نعمة القوت والأمن

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ – 1 إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ – 2 فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ – 3 الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ – 4


كان حديثنا في اللقاء السابق عن هلاك المعتدين على الكعبة المشرفة التي حماها الله تعالى لتكون القبلة الدائمة لخير أمة أخرجت للناس...


لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ – 1 إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ – 2


قال كثير من المفسرين: إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها أي: فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم، واستقامة مصالحهم، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن، والصيف للشام، لأجل التجارة والمكاسب.
فأهلك الله أصحاب الفيل ، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب، حتى احترموا قريش ، ولم يعترضوا لهم في أي: سفر أرادوا .


ولهذا أمرهم الله بالشكر، فقال: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ﴾ أي: ليوحدوه ويخلصوا له العبادة، ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ فرغد الرزق والأمن من المخاوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى.
فلك اللهم الحمد والشكر على نعمك الظاهرة والباطنة...


********


وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده ، قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها..
الراوي: عبدالله بن محصن و أبو الدرداء و عبدالله بن عمر - المصدر: صحيح الجامع

فنعمة الأطعام مكفولة لكل البشر, ولكن بسب طغاة البشر يعم الفقر على البلدان الفقيرة .
إن جشع التجار والمحتكرين يحول بين وصول السلع رخيصة لأيدي الفقراء ..فإن المحتكر يفضل إلقاء السلعة في البحر ولا يستفيد بها الفقراء..

ولذلك حرم الإحتكار في الإسلام ...ففي الأثر..
من احتكر القمح أربعين يوما سمي محتكراً ولو تصدق به ما تقبل منه...
وحين يعم الرخاء على بلد ما فإن ذلك يعد من أعظم النعم بعد الإيمان بالله تعالى..



أما نعمة الأمن فهي سعادة لا يدركها إلا من حرم الأمن ..فكل يوم نسمع ونرى القتلى للأطفال والنساء والشيوخ والشباب في بلدان ساد فيها الطغاة وتسلطوا على شعوبهم بالفقر والجهل ومن يرفع الرأس منهم يأخذ بالقمع والإعتقالات.
وحين يعم الأمن والعدل والاستقرار بين أمة ما..فإن ذلك يعد من أعظم النعم بعد الإيمان ونعمة الإكتفاء في المطعم والمشرب ..


فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ – 3 الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ – 4

هل أدركنا قيمة النعم وعلى رأسها نعمة الأطعام ونعمة الأمن..
وكيف سخر الله تعالى الكون من حولنا لخدمة الإنسان , فمنذ ملايين السنين والشمس مسخرة لخدمة الأرض ومن عليها , وكذلك الأرض تخرج خيراتها منذ ملايين السنين بإذن ربها إلى يوم القيامة.


فسبحان ربي العظيم.

اللهم لك الحمد على ما أنعمت به وأوليت..


*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
07-02-2012, 10:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(38)
وبعض آيات من سورة الماعون

من المكذب بالدين ؟

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ – 1 فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ – 2 وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – 3 فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ – 4 الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ – 5 الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ – 6 وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ – 7


حقيقة الإسلام هي الرحمة والعطاء والبذل والتضحية والفداء والشهامة والكرامة والعزة في الحق..
وهذا منطقي مقابل نعم الله التي لا تعد ولا تحصى على الإنسان.

فالإنسان يهلك بدون عطاء الله المستمر له , وعطاء الله تعالى لا ينقطع عن الإنسان ..فمنذ أن كان في بطن أمه ويأتيه المدد من الله تعالى وبعد أن نزل إلى الدنيا مازال المدد ينزل إليه والنعم تحيطه من كل جانب...

فالمؤمن إذا إستشعر ذلك إنعكس على سلوكه في البذل والعطاء وخاصة على اليتامى والمساكين.. وكلما زاد في العطاء كلما أعطاه الله وبارك له في ماله وعمره وولده..
قال تعالى في سورة إبراهيم :


وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ – 7


والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى... وكفر النعمة ضد ذلك.


وفي الحديث الشريف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :


ما نقص مال من صدقة , ولا زاد الله عبدا يعفو إلا عزا, ومن تواضع لله رفعه الله...
المصدر: تفسير القرآن لإبن كثير- خلاصة حكم المحدث: صحيح



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :


أنا و كافل اليتيم له أو لغيره في الجنة ، و الساعي على الأرملة و المسكين ، كالمجاهد في سبيل الله..
الراوي: عائشة و أبو هريرة - خلاصة حكم المحدث: صحيح
المصدر: صحيح الجامع للالألباني - الصفحة أو الرقم: 1476

هذا هو دين الإسلام

أما القسوة على الضعفاء واليتامى والفساد والبخل ومنع الخير عن الناس , وإضاعة الصلاة كل ذلك تكذيب بالدين وتكذيب بيوم الحساب فكل ذلك ليس من الدين.


وتوضح سورة الماعون هذه الصور السيئة للمنافقين.

يقول تعالى ذامًا لمن ترك حقوقه وحقوق عبادة: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ أي : بالبعث والجزاء ، فلا يؤمن بما جاءت به الرسل .
﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ أي : يدفعه بعنف وشدة ، ولا يرحمه لقساوة قلبه، ولأنه لا يرجو ثوابًا ، ولا يخشى عقابًا .
﴿ وَلَا يَحُضُّ ﴾ غيره ﴿ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ ومن باب أولى أنه بنفسه لا يطعم المسكين...
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ أي : الملتزمون لإقامة الصلاة ، ولكنهم ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ أي : مضيعون لما تنهى عنه الصلاة – قال تعالى في سورة العنكبوت : ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ - 45 ﴾ .. والتاركون لوقتها ، والمفوتون لأركانها وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة ، التي هي أهم الطاعات وأفضل القربات..


ولهذا وصف الله هؤلاء بالرياء والقسوة وعدم الرحمة، فقال: ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾ أي يعملون الأعمال لأجل رئاء الناس.
﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ أي : يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، والدلو، والفأس، ونحو ذلك، مما جرت العادة ببذلها والسماحة به .
فهؤلاء - لشدة حرصهم وبخلهم - يمنعون الماعون ، فكيف بما هو أكثر منه. فلا تستقيم الحياة بهذا السلوك المانع للخير ,
ولكن تستقيم الحياة بالإخلاص لله في جميع الأعمال وخاصة العبادات وعلى رأسها الصلاة . والزكاة . مع الرحمة باليتامى والسعي على الأرملة والمساكين..

*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
11-02-2012, 01:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(39)
وبعض آيات من سورة الكوثر

الْكَوْثَر

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ – 1 فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ – 2 إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ – 3

تحدثنا في اللقاء السابق عن الذين يراءون ويمنعون الماعون. ونتحدث اليوم بعون الله عن الإخلاص - فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ - , وهذا الترتيب المعجز في القرآن العظيم نلاحظه كثيرا من أول سورة في المصحف الشريف إلى أخر سورة.


والإخلاص هو الشرط الأساسي لقبول العمل عند الله تعالى..وهو أساس كل معاملات المؤمن ..

والآيات تتحدث عن صلاة عيد الآضحى , ثم ذبح الأضحية . وهي من أوقات الحج ..

روي مسلم عن جندب بن عبدالله قال:

شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما قضى صلاته بالناس ، نظر إلى غنم قد ذبحت . فقال : ( من ذبح قبل الصلاة ، فليذبح شاة مكانها . ومن لم يكن ذبح ، فليذبح على اسم الله ) .

الراوي: جندب بن عبدالله - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1960
خلاصة حكم المحدث: صحيح


والتأكيد على الإخلاص في فريضة الحج جاء في سورة البقرة ثانية سور القرآن العظيم في الترتيب ..
قال تعالى :

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ,


فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ, فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ, فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ – 196

يستدل بقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ,

بوجوب الإخلاص لله تعالى في أداء الحج والعمرة, حيث يعود الحاج إلى دياره بعد أداء المناسك كيوم ولدته أمه..خاليا من الذنوب...

******

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ممتنا عليه : ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ أي: الخير الكثير، والفضل الغزير، الذي من جملته، ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، من النهر الذي يقال له ﴿ الكوثر ﴾ ومن الحوض..

فإذا أراد أحد أن يتتبع هذا الكوثر الذي أعطاه الله لنبيه فهو واجده حيثما نظر أو تصور .

هو واجده في النبوة . في هذا الاتصال بالحق الكبير , والوجود الكبير . الوجود الذي لا وجود غيره ولا شيء في الحقيقة سواه . وماذا فقد من وجد الله ?

وهو واجده في هذا القرآن الذي نزل عليه . وسورة واحدة منه كوثر لا نهاية لكثرته , وينبوع لا نهاية لفيضه وغزارته..
وهو واجده في الملأ الأعلى الذي يصلي عليه , ويصلي على من يصلي عليه في الأرض , حيث يقترن اسمه باسم الله في الأرض والسماء .

وهو واجده في سنته الممتدة على مدار القرون , في أرجاء الأرض . وفي الملايين بعد الملايين السائرة على أثره , وملايين الملايين من الألسنة والشفاه الهاتفة باسمه , وملايين الملايين من القلوب المحبة لسيرته وذكراه إلى يوم القيامة .

وهو واجده في الخير الكثير الذي فاض على البشرية في جميع أجيالها بسببه وعن طريقه . سواء من عرفوا هذا الخير فآمنوا به , ومن لم يعرفوه ولكنه فاض عليهم فيما فاض ..

*****

﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ خص هاتين العبادتين بالذكر، لأنهما من أفضل العبادات وأجل القربات.
ولأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب والجوارح لله، وتنقلها في أنواع العبودية ، وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من النحائر، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته والشح به.

﴿ إِنَّ شَانِئَكَ ﴾ أي: مبغضك وذامك ومنتقصك ﴿ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر.
ولقد صدق فيهم وعيد الله . فقد انقطع ذكرهم وانطوى . بينما امتد وعلا ذكر نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
ونحن نشهد اليوم مصداق هذا القول الكريم , في صورة باهرة واسعة المدى كما لم يشهدوه سامعوه الأولون ...

إن الإيمان والحق والخير لا يمكن أن يكون أبتر . فهو ممتد الفروع عميق الجذور . وإنما الكفر والباطل والشر هو الأبتر مهما ترعرع وزها وتجبر . .

وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الكامل حقًا، الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار، والأتباع صلى الله عليه وسلم .


********
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
15-02-2012, 08:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(40)
وبعض آيات من سورة الكافرون

الحرية

الحرية هي الركيزة الأولى والأهم في الإسلام
وندرك ذلك من أول آيات القرآن العظيم إلى أخرها.

قال تعالى في سورة البقرة :


لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - 256


يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه لا يكون إلا على أمر غامض وبغيض..
وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول، وظهرت طرقه، وتبين أمره، وعرف الرشد من الغي ..

ولعل المتتبع لهذه السلسلة يدرك ذلك..

فالموفق إذا نظر أدنى نظر إليه آثره واختاره، وأما من كان سيئ القصد فاسد الإرادة، خبيث النفس يرى الحق فيختار عليه الباطل، ويبصر الحسن فيميل إلى القبيح، فهذا ليس لله حاجة في إكراهه على الدين، لعدم النتيجة والفائدة فيه، والمكره ليس إيمانه صحيحا...

فالإنسان خلق حرا في إختيار العقيدة..وفي مقابل هذه الحرية يكون الحساب يوم الدين..

فالمسلمون أحرار في تطبيق شريعة الله التي فرضها عليهم وهم أحرار في التزام العدل والحق ومكافحة الفساد ..وهم أحرار في أداء شعائر دينهم..


ولكن وجد من البشر من يتصدى لدعوة الإسلام في مهدها ..إلى أن نصر الله تعالى دولة الإسلام ومكن للمؤمنين حكم دولتهم ونشر الحرية في العقيدة والعدل في الحكم بين الناس.

قال تعالى في سورة الممتحنة :


لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - 8 إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ - 9

******

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ – 1 لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ - 2 وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ -3 وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ – 4 وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ - 5 لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ – 6

قل للكافرين معلنا ومصرحًا ﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ أي: تبرأ مما يعبدون من دون الله،في الحاضر ظاهرًا وباطنًا.

﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ فعبادتكم لغير الله لا تتفق مع عبادتي لله تعالى خالق الكون ..

( وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) وأيضا لا أعبد ما عبدتم في الماضي من دون الله..- فعقائد الشرك كثيرة ومختلفة عبر العصور , فمنهم من عبد الكواكب , ومنهم من عبد النجوم , ومنهم من عبد العجل, ومنهم من عبد الأصنام , ومنهم من عبد الصالحون , ومنهم من عبد الأنبياء..

وهكذا فإن عقائد الشرك مختلفة ومتنوعة .. فالمؤمن لا يعبد ما عبد المشركون في الماضي ولا يعبد ما يستحدث من أوثان في المستقبل..

وهكذا كان طريق الإيمان واضح المعالم لا لبس فيه..

( وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) فعبادتي لله تعالى خالق الكون واحدة وثابتة لا تتغير - فعقيدة التوحيد من لدن أدم وعبر جميع الأنبياء إلى نبينا صلوات ربي وسلامه عليهم هي ( لا إله إلا الله )

ولهذا ميز الله تعالى بين الفريقين، وفصل بين الطائفتين، فقال : ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾

كما قال تعالى في سورة الإسراء :

﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا – 84 ﴾

أي: يعمل على ما يليق به من الأحوال، إن كان من الصفوة الأبرار، يعمل مخلصا لرب العالمين.
ومن كان من غيرهم ، لم يناسبهم إلا العمل للمخلوقين ، ولم يوافقهم إلا ما وافق أغراضهم .

وقال تعالى في سورة يونس :

( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ,
أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ – 41 )

وقال تعالى في سورة الحجرات :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – 13 )

ويظهر الحق جليا في ظل هذه المبادئ الرفيعة في الحوار , تحميها قوة العدل والحرية والمساواة.. رغم الأختلاف في العقائد والمبادئ.

﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾


*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
18-02-2012, 08:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(41)
وبعض آيات من سورة النصر


إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - 1
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - 2
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا – 3


هذه السورة تحمل البشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله أفواجا.. والتوجه إلى ربه بالتسبيح والحمد والاستغفار . .

ثم تكشف في الوقت ذاته عن طبيعة هذه العقيدة وحقيقة هذا المنهج , ومدى ما يريد أن يبلغ بالبشرية من الرفعة والكرامة والتجرد والخلوص , والانطلاق والتحرر .

وبناء على هذا الإيحاء يتحدد شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه بإزاء تكريم الله لهم , وإكرامهم بتحقيق نصره على أيديهم .
إن شأنه صلى الله عليه وسلم - ومن معه - ومن تبعهم إلى يوم الدين - هو الإتجاه إلى الله بالتسبيح وبالحمد والاستغفار في لحظة الانتصار .

التسبيح والحمد على ما أولاهم من منة بأن جعلهم أمناء على دعوته حراسا لدينه . وعلى ما أولى البشرية كلها من رحمة بنصره لدينه , وفتحه على رسوله ودخول الناس أفواجا في هذا الخير الفائض العميم , بعد العمى والضلال والخسران .


وهذا كان أدب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حياته كلها , وفي موقف النصر والفتح الذي جعله ربه علامة له . . انحنى لله شاكرا على ظهر دابته ودخل مكة في هذه الصورة . مكة التي آذته وأخرجته وحاربته ووقفت في طريق الدعوة تلك الوقفة العنيدة . . فلما أن جاءه نصر الله والفتح , نسي فرحة النصر وانحنى انحناءة الشكر , وسبح وحمد واستغفر كما لقنه ربه , وجعل يكثر من التسبيح والحمد والاستغفار كما وردت بذلك الآثار .

وفي الحديث الشريف :

قالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قوله : " سبحان الله وبحمده , أستغفر الله وأتوب إليه " وقال : " إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي , وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابا ; فقد رأيتها "...
رواه أحمد ومسلم في صحيحه..

وكانت هذه سنته في أصحابه من بعده , رضي الله عنهم أجمعين .
وهكذا ارتفعت البشرية بالإيمان بالله , وهكذا أشرقت وشفت ورفرفت , وهكذا بلغت من العظمة والقوة والانطلاق . .

ولعلنا نلاحظ اليوم تفوق الإسلامين حين تحررت الإرادة الشعبية من التسلط والفساد , فبعد أن كانوا رهن الإعتقالات والسجون والتعذيب والتهميش , من الله عليهم بالنصر وأيدهم بنصره وبالشعوب المتعطشة للحرية والعدالة والتنمية ..
فهل نستطيع أن نحمل المسؤلية كما حملها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . حيث سادوا العالم تفوقا وحضارة وأخلاقا..؟؟

إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - 1
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - 2
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا – 3

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
24-02-2012, 10:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(42)
وبعض آيات من سورة المسد

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ – 1 مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ – 2 سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ – 3 وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ – 4 فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ – 5

كان اللقاء السابق مع أنوار أواخر مانزل من القرآن العظيم وهي سورة النصر وهي تبشر رسولنا الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - بنصر الله وفتحه ودخول الناس في دين الله أفواجا.. بعد طول عناء وجهاد طويل منذ أن نزل عليه الوحي.

واليوم نواصل بعون الله تعالى مع أوائل ما نزل من الوحي ليلتقيا ويتبين لنا الإعجاز الترتيبي لسور القرآن العظيم .

فقد حكمت الآيات في مصير أبي لهب وامرأته أمام أهل مكة والناس جميعا , وكان في إمكان أبي لهب أن يقول ولو نفاقا أمنت .. ويطعن في الرسالة ولكن قدرة الله العظيم وعلمه بما كان وما سيكون , أكبر من هذا الكائن الإنساني الضعيف المتكبر على الحق الرافض لرسالة الله .
فكان الجزاء من جنس العمل..وهذا من إعجاز القرآن العظيم.

وأبو لهب - [ واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ] هو عم النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه , وكان هو وامرأته "أم جميل" من أشد الناس إيذاء لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وللدعوة التي جاء بها . .

قال ابن اسحاق : " حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يتبع القبائل , ووراءه رجل أحول , وضيء الوجه ذو جمة , يقف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على القبيلة فيقول : " يا بني فلان . إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا , وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان . هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس , إلى ما جاء به من البدعة والضلالة , فلا تسمعوا له , ولا تتبعوه . فقلت لأبي : من هذا ? قال عمه أبو لهب . [ ورواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ ] .


فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول [ صلى الله عليه وسلم ] , وكانت زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة . [ وهي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ] .

ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] منذ اليوم الأول للدعوة .

أخرج البخاري - بإسناده - عن ابن عباس , أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] خرج إلى البطحاء , فصعد الجبل فنادى: " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش ,
فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ? أكنتم مصدقي ? قالوا : نعم .
قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " .

فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ? تبا لك . فأنزل الله ( تبت يدا أبي لهب وتب . . .) الخ . وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تبا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ?! فأنزل الله السورة .

وهكذا دون تفكير رفض "إبو لهب" الإيمان والتدبر في الأمر من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم..الذي أشهدهم على صدقه وبإعترافهم أنه الصادق الذي لم يجربوا عليه كذب قط .

وياليت كان من أبي لهب الرفض والسكوت ولكنه وامرأته ناصبا الرسول - صلى الله عليه وسلم – العداء والأذى وكأنهما شياطين الإنس توسوس في صدور الناس لتصدهم عن دعوة الحق حسدا من عند أنفسهم..

فالحق واضح لا يزيغ عنه إلا هالك .

أن للكون إله خالق مدبر يمده بمقومات حياته. وقدر سبحانه أن الدنيا دار إختبار ..وأن الموت مصير كل إنسان . وأن البعث حقيقة, كما أنشأكم أول مرة, وأن يوم الحساب أت ليجزى كل إنسان عن أعماله التي قدمها في دنياه في ظل عقيدة الإيمان بالله الواحد, وكتبه ورسله وملائكته وبالقدر خيره وشره.. وجميع فرائض الإيمان..

أما الجانب الأخر وهو الكفر والشرك , فلا بد من إلغاء عقله ليصدق أن الأصنام تضر أو تنفع ..أو أن الكون خلق نفسه ..أو أن أحدا من الناس هو الخالق ..أو أن النجوم أو الكواكب هي الخالقة..فيجب أن يكون الإنسان فاقدا للعقل حتى يصدق هذا..

فالتكبر على الحق والكفر والشرك طريق الهلاك في الدنيا والأخرة.

وتعالوا للنظر لبعض نماذج الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ولو لم يكونوا على دينه , تلبية لدافع العصبية القبلية , خرج أبو لهب على إخوته , وحالف عليهم قريشا , وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] .

وكان قد خطب بنتي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] رقية وأم كلثوم لولديه قبل بعثة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما حتى يثقل كاهل محمد [ صلى الله عليه وسلم ] بهما !

وهكذا مضى أبو لهب هو وزوجته أم جميل يثيرانها حربا شعواء على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وعلى الدعوة , لا هوادة فيها ولا هدنة .

وكان بيت أبي لهب قريبا من بيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فكان الأذى أشد .

وقد روي أن أم جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي ; وقيل : إن حمل الحطب كناية عن سعيها بالأذى والفتنة والوقيعة .

فنزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته .

وتولى الله - سبحانه - عن رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] أمر المعركة !

( تبت يدا أبي لهب وتب ). . والتباب الهلاك والبوار والقطع . ( تبت ) الأولى دعاء . ( وتب ) الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء . ففي آية قصيرة واحدة في مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق , وتنتهي المعركة ويسدل الستار !

فأما الذي يلي آية المطلع فهو تقرير ووصف لما كان .
( ما أغنى عنه ماله وما كسب ). . لقد تبت يداه وهلكتا وتب هو وهلك . فلم يغن عنه ماله وسعيه ولم يدفع عنه الهلاك والدمار .

ذلك - كان - في الدنيا . أما في الآخرة فإنه : ( سيصلى نارا ذات لهب ). . ويذكر اللهب تصويرا وتشخيصا للنار وإيحاء بتوقدها وتلهبها .

( وامرأته حمالة الحطب ). . وستصلاها معه امرأته حالة كونها حمالة للحطب . . وحالة كونها : ( في جيدها حبل من مسد ). . أي من ليف . . تشد هي به في النار . أو هي الحبل الذي تشد به الحطب . على المعنى الحقيقي إن كان المراد هو الشوك . أو المعنى المجازي إن كان حمل الحطب كناية عن حمل الشر والسعي بالأذى والوقيعة .

قال ابن إسحاق : فذكر لي أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن , أتت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو جالس في المسجد عند الكعبة , ومعه أبو بكر الصديق , وفي يدها فهر [ أي بمقدار ملء الكف ] من حجارة .
فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت: يا أبا بكر . أين صاحبك ? قد بلغني أنه يهجوني . والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه . أما والله واني لشاعرة . ثم قالت: مذمما عصينا وأمره أبينا ..

ثم انصرفت . فقال أبو بكر: يا رسول الله , أما تراها رأتك ? فقال: ما رأتني , لقد أخذ الله ببصرها عني . .

وهكذا إن الله يدافع عن رسوله والذين أمنوا.

واليوم نرى ونسمع كثير من السفهاء يتطاولون بالأذى على خير الأنام صلى الله عليه وسلم ..
ونحذرهم بهذه الآيات ونقول لهم أنتم أهون من أبي لهب . فتداركوا أمركم وعودوا إلى المنطق والحق والعدل ودعوكم من التعصب الأعمى الذي يدل على عدم الإدراك للحق ولمكارم الأخلاق.

فنصر الله أت لدينه وعباده المؤمنين .

قال تعالى في سورة الصف :

يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ – 8 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ – 9


*********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
01-03-2012, 07:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(43)
وبعض آيات من سورة الإخلاص

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ – 1 اللَّهُ الصَّمَدُ – 2 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ – 3 وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ – 4

فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل.

إن دعوة التوحيد هي رسالة الله تعالى لجميع البشر فالكل مدعو للإيمان بالله الها واحدا لا شريك له , والإيمان باليوم الأخر, والملائكة, وكتب الله , و رسله..صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين, وبالقدر خيره وشره..
وبهذا الإيمان يولد الإنسان من جديد , حيث تمحي السيئات , ويبدأ صفحة جديدة بالأعمال الصالحة..التي تنعكس على جميع معاملاته ..فهو يستشعر بوجد ربه في كل أفعاله وسكناته ..وفي هذا الكون العظيم من حوله.

******

إن حقيقة التوحيد في الإسلام تقوم على مرجعية ثابتة
ألا وهي الوحي الإلهي
أولها كتاب الله القرآن الكريم , ثانيا الأحاديث الصحيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذه المرجعية أنقذت الإنسان من التخبط والقول بغير علم....
حيث أن المنهج القرآني يبعد العقل الإنساني عن الوهم...
فلا سبيل للعقل البشري للخوض في أمر أكبر من تصوره المحدود.

فإن رحمة الله تعالى بنا أن أرسل لنا القرآن العظيم على قلب خاتم رسله محمد صلوات ربي وسلامه عليه لتوضيح تلك الحقيقة مبينا آلاء الله تعالى في الكون والأنفس ودلائل التوحيد..


*******

ودعوة التوحيد شملت أهل الأرض جميعا وخاصة أهل الكتاب الذي كان من المفترض أن يكونوا أول مؤمن بالرسالة الخاتمة.

قال تعالى في سورة سبأ

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ - 28

وقال تعالى في سورة ال عمران :

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ – 64.

قل -أيها الرسول- لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: تعالَوْا إلى كلمة عدل وحق نلتزم بها جميعًا: وهي أن نَخُص الله وحده بالعبادة, ولا نتخذ أي شريك معه. فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الطيبة فقولوا لهم - أيها المؤمنون - : اشهدوا علينا بأنا مسلمون منقادون لربنا بالعبودية والإخلاص. والدعوة إلى رسالة التوحيد.

****

ومن خصائص الآلهية , الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده والتعظيم والاجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة...

﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ أي: المقصود في جميع الحوائج.
فجميع الخلائق مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم ، لأنه سبحانه الكامل في أوصافه ، العليم المطلق ، الحليم بعباده ، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن علوه وكماله أنه ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ لكمال غناه ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.

فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.

عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى : يا ابن آدم , لو أتيتني بقراب الأرض
خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة . رواه الترمذي

وقال تعالى في سورة النساء :

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا -116

********

إن دعوة التوحيد هي دعوة جميع الرسل .

قال تعالى في الأعراف :

لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عظيم – 59

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تتقون – 65

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أليم – 73

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مؤمنين - 85

وهكذا ندرك أهمية العقيدة الصحيحة في حياة الإنسان سواء في الدنيا والآخرة.

فعقيدة التوحيد كما تنجي الإنسان في الدنيا من التمزق النفسي والعبودية لغير الله والإنحطاط الأخلاقي بسبب الشرك فإنها تنجيه في الأخرة من العذاب ..

قال تعالى في سورة الطور :

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ - 28 وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ - 29 يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ -30 وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ - 31 وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ – 32 قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ – 33 فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ – 34

إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ – 35

******


ولله تعالى صفات الجلال والجمال والكمال

قال تعالى في سورة الحشر :

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ – 22
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ - 23
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ – 24


( الله ) هو أكبر أسمائه تعالى وأجمعها,
وقيل هو الاسم الأعظم الذي إذا دوعي به أجاب .. وإذا سئل به أعطى ,
فهو اسم للموجود الحق الجامع لصفات الألوهية , المنعوت بنعوت الربوبية .. المنفرد بالوجود الحقيقي , فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته ...وإنما يستمد وجوده من الله الخالق البارئ المصور..

فالله تبارك وتعالى هو( الملك ) المطلق حيث يستغني عن كل شئ , وملكه دائم لا يزول . وهو المالك للملك لأنه هو خالق للملك والملكوت..
فهو سبحانه القدوس المنزه عن كل وصف يدركه الحس , أو يتصوره الخيال, أو يسبق إليه وهم , أو يختلج به ضمير , أو يقضي به تفكير .

وكل ما خطر ببالك فالله تعالى خلاف ذلك .

( السلام ) وكل مافي الوجود من سلامة فهي صادره منه ..
فهو السلام الذي ينجي المؤمنين من العذاب .

( المؤمن ) الذي أعطى الأمان للخلق..

( المهيمن ) هو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم وحركاتهم وسكناتهم .

( العزيز ) المطلق الممتنع عن الإدراك سبحانه ليس كمثله شئ
المرتفع عن أوصاف الممكنات .
( الجبار ) الذي تنفذ مشيئته على جميع المخلوقات , والكون جميعا يسير بإرادته , والجبار الذي يجبر أحوال خلقه فيصلحها ,
فالكل يذعن إليه والكل يخشع له .

( المتكبر ) فالكبرياء لله تعالى وحده وذلك لإستحقاقه نعوت الجلال وصفات الكمال , سبحان المتكبر ذو الجلال والإكرام .

( الخالق البارئ المصور ) هذه صفات أفعال تبدأ بالتقدير ثم الإخراج من العدم ثم التصوير. فكل العوالم مفتقر لذلك .

هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ – 24

****

اليقين

فإذا أيقن القلب عقيدة التوحيد ....فعندئذ يتحرر من جميع القيود، وينطلق من كل الأغلال. يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة.

وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئاً متى وجد الله؟

ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله تعالى ؟

كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب. ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت، وبه تأثرت.. وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني.
ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائماً ويصل الأمور مباشرة بمشيئة الله تعالى:

وما رميت إذ رميت ولـكن الله رمى -17 الأنفال

وما النصر إلا من عند الله – 126 ال عمران

وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – 29 التكوير

والآيات كثيرة في هذا الموضوع.

وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها، ورد الأمر إلى مشيئة الله وحدها، تنسكب في القلب الطمأنينة، ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب، ويتقي عنده ما يرهب...

فعقيدة التوحيد هي منهج للاتجاه إلى الله وحده في الرغبة والرهبة. في السراء والضراء في النعماء والبأساء.

ومنهج للتلقي عن الله وحده. تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين، والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم، والآداب والتقاليد.

ومنهج للتحرك والعمل لله وحده.. ابتغاء القرب من الحقيقة، وتطلعاً إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة. سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من الأشياء والنفوس. ومن بينها حاجز الذات، وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود .

فالإيمان بالله الواحد هو تفسير للوجود، ومنهج للحياة. وليس كلمة تقال باللسان أو حتى صورة تستقر في الضمير. إنما هو الأمر كله ، والدين كله , وما بعده من تفصيلات وتفريعات لا يعدو أن يكون الثمرة الطبيعية لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب.

والانحرافات التي أصابت أهل الكتاب من قبل، والتي أفسدت عقائدهم وتصوراتهم وحياتهم، نشأت أول ما نشأت عن انطماس صورة التوحيد الخالص. ثم تبع هذا الانطماس ما تبعه من سائر الانحرافات.


*******

مخاطبة الفطرة والعقل والمنطق والضمير

إن الفطرة السليمة للإنسان لا تقبل الشرك ولا تقبل الكفر.
وكذلك العقل والمنطق والضمير.

قال تعالى في سورة النمل:

قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ – 59

أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا,
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ – 60

أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً,
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ – 61

أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ,
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ – 62

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ,
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ – 63

أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ,
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ – 64

قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ – 65

بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمِينَ – 66

******

وعد الله لعباده الموحدين
العاملين بمقتضى الإيمان

قال تعالى في سورة النور :

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا

يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا

وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ -55

*******

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ – 1 اللَّهُ الصَّمَدُ – 2 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ – 3 وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ – 4

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

Saber Abbas
09-03-2012, 01:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(44)
وبعض آيات من سورة الفلق


قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ – 1 مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ – 2 وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ – 3 وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ – 4 وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ – 5

﴿ قل ﴾ متعوذًا ﴿ أَعُوذُ ﴾ أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم ﴿ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ أي : فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح.


قال تعالى في سورة الأنعام :


إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ -95
فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ -96


*******


قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ – 1 مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ – 2




هذا توجيه من الله تعالى للمؤمنين للعياذ بكنفه , واللياذ بحماه , من كل مخوف : خاف وظاهر , مجهول ومعلوم , على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل . . وكأنما يفتح الله - سبحانه - لهم حماه , ويبسط لهم كنفه , ويقول لهم , في مودة وعطف : تعالوا إلى هنا . تعالوا إلى الحمى . تعالوا إلى مأمنكم الذي تطمئنون فيه . تعالوا فأنا أعلم أنكم ضعاف وأن لكم أعداء وأن حولكم مخاوف , وهنا الأمن والطمأنينة والسلام في ظل شريعة الله وكلام الله القرآن العظيم. .

﴿ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها ، من الشر الذي تحدثه تجاهك ، ثم خص بعد ما عم، فقال : ﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ أي : من شر ما يكون في الليل ، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه شلل الإجرام والفساد يعتدون على الأمنين وتنتشر كثير من الأرواح الشريرة ، والحيوانات المؤذية.

فإذا لجأت إلى خالق الكون كفاك تلك الشرور وأمنك..

﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ أي : ومن شر السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد ، التي يعقدنها على السحر.

فالحمد لله على نعمة الإسلام ونعمة القرآن العظيم كلام الله .
نعوذ بكلمات الله التامة من شر كل شيطان وهامة ومن شر كل عين لامة..
نعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق ..

******

مواجهة الحسد

﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب. فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شر ذلك الحاسد ، وإبطال كيده .

وأمة الإسلام تتعرض للحسد من أول يوم بدأت فيه الدعوة, إلى يومنا هذا , فكل ذي نعمة محسود.
وقد بدأ الحسد من "إبليس اللعين" على أبينا أدم عليه السلام, يوم أن رفض السجود لإدم وقال أنا خير منه.
وقد دب الحسد في بعض قلوب أهل الكتاب على الخير المنزل على المؤمنين من الله تعالى , فكان من المفترض أن يؤمنوا وينعموا مع المؤمنين بنور الهداية ولكنهم حاولوا رد المؤمنين عن الإيمان حسدا من عند أنفسهم..

قال تعالى في سورة البقرة :


وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا - حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ - مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - 109

وقال تعالى في سورة النساء :


أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا - 51 أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا – 52 أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا - 53


أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ


فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا - 54


وهذا من قبائح بعض أهل الكتاب وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أن أخلاقهم الرذيلة وطبعهم الخبيث، حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله، والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله، أو حكم بغير شرع الله.
فدخل في ذلك السحر والكهانة، وعباده غير الله، وطاعة الشيطان، كل هذا من الجبت والطاغوت، وكذلك حَمَلهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله -عبدة الأصنام- على طريق المؤمنين ...

وإلى اليوم نواجه هذه الصدمات من الحسد نراها في الإعتداءات على الشعوب الإسلامية سواء بالإحتلال كما حدث في فلسطين والقدس. ونراها بالتهجم على الشريعة الإسلامية العملاقة. ونراها في الهجوم على خير البرية نبينا صلوات ربي وسلامه عليه..


وهكذا نرى نفسية الحاسد النكدة حيث لا يحب الخير للناس وبالتالي يعترض على قضاء الله تعالى .
ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع ، خبيث النفس.
فالحسد كالنار تأكل بعضها بعضا إن لم تجد ما تأكله , والحسد إعتراض على قدر الله في مخلوقاته , لا يليق بالمؤمن أن يقع في مثل هذا المرض الخطير ,

فإن وجدت نعمة على إنسان ادعو الله أن يبارك له فيها.. وبذلك تكون محب لقدر الله تعالى .. وإن روادتك نفسك أن يكون لك مثله ..ادعو الله أن يعطيك فهو الرزاق الذي لا تنفد خزائنه ..


قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة :


إياكم و الحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب.
الراوي: أبو هريرة المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير

وإن ما نجده اليوم من مشاكل إجتماعية وجرائم سواء جنائية أو مدنية ما هي إلا نتيجة للحسد الأعمى والحقد والفساد . ونتيجة لنسيان المنعم الذي بيده خزائن كل شئ ويعطي من يشاء بغير حساب.

وإن المتأمل في جميع المخلوقات يجد أمرا عظيما مبهرا الا وهو التكامل بين جميع الكائنات فالكل يحتاج إلى الكل, وما خلق الله شيئا عبثا أبدا.

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ – 115 فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ - 116 المؤمنون

فلو أنك طبيب تحتاج إلى مهندس لتصميم عيادتك ولو أنك صانع تحتاج إلى مزارع ليحصد لك ما تأكله . فالكل ميسر لما خلق له ,

ولا يكون الحسد أو التنافس إلا في طلب الخير..

ففي الحديث الشريف :
الحسد في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فقام به ، و أحل حلاله ، و حرم حرامه ، و رجل آتاه الله مالا فوصل به أقرباءه و رحمه ، و عمل بطاعة الله. تمنى أن يكون مثله..
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص - المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير
أي يتمنى أن يحفظ القرآن ويعمل بحلاله ويحرم حرامه. ويتمنى أن يكون له مال فينفقه في وجوه الخير وصلة الرحم. فهو محب للخير, ولعله بتمنيه تلك أن يدرك الدرجات العالية في الجنة.

وبعيدا عن هذا الإدراك يصاب الإنسان بعدم الرضا والحسد والبغض لمن حوله وينشأ الصراع الذي لا جدوى منه , حيث لا يغير من قدر الله شيئا.

فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا.

********




قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ – 1 مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ – 2 وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ – 3 وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ – 4 وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ – 5



**********


وإلى ختام الجزء إن شاء الله تعالى

أبا الوليد
10-03-2012, 01:32 AM
جزاكم الله خيرا

Saber Abbas
14-03-2012, 01:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(45)
ومع بعض آيات من سورة الناس

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ – 1 مَلِكِ النَّاسِ – 2 إِلَهِ النَّاسِ – 3 مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ – 4 الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ – 5 مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ – 6

هذه السورة مشتملة على الاستعاذة بالله تعالى وبصفاته فهو رب الناس, ملك الناس، إله الناس,
والله رب كل شيء , وملك كل شيء , وإله كل شيء . ولكن تخصيص ذكر الناس هنا يجعلهم يحسون بالقربى في موقف العياذ والاحتماء .

والله - برحمة منه - يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه , مع استحضار معاني صفاته هذه , من شر خفي , لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله.

فالوساوس تأتي من حيث لا نحتسب . والوسوسة :الصوت الخفي . والخنوس : الاختباء والرجوع . والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس عند ذكر الله تعالى .

*******

وبهذا تختم سور القرآن العظيم ببيان عالمية الرسالة.


فالناس كافة مدعون للإيمان..

فكانت من أول الآيات ترتيبا في المصحف الشريف :

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وجاء النداء للناس جميعا بالإيمان في الربع الأول . قال تعالى في سورة البقرة :

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ

الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ – 21 الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ – 22

هذا أمر عام لكل الناس , بأمر عام , وهو العبادة الجامعة, لامتثال أوامر الله, واجتناب نواهيه , وتصديق خبره , فأمرهم تعالى بما خلقهم له ، قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ – 56 الذاريات ﴾

ثم استدل على وجوب عبادته وحده , بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم , فخلقكم بعد العدم , وخلق الذين من قبلكم , وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة , فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها , وتنتفعون بالأبنية , والزراعة , والحراثة , والسلوك من محل إلى محل , وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها ، وجعل السماء بناء محكما لحمايتكم من الإشعاعات المنبعثة من الشمس , وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم , كالشمس , والقمر , والنجوم.

*******
وجدير بنا أن نتذكر كيف أخرج إبليس اللعين أبانا أدم وزوجه من الجنة, بأن وسوس لهما بالأكل من الشجرة المحرمة عليهما.
قال تعالى في الربع الثاني من سورة البقرة :

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ – 35
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ – 36

لما خلق الله آدم وفضله , أتم نعمته عليه , بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها , ويستأنس بها , وأمرهما بسكنى الجنة , والأكل منها رغدا , أي : واسعا هنيئا ، ﴿ حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾ أي : من أصناف الثمار والفواكه , وقال الله له : ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى – 118 طه ﴾
﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾ نوع من أنواع شجر الجنة , الله أعلم بها ، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء أو لحكمة غير معلومة لنا .
﴿ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ دل على أن النهي للتحريم , لأنه رتب عليه الظلم.
فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه , حتى أزلهما ، أي : حملهما على الزلل بتزيينه. ﴿ وَقَاسَمَهُمَا ﴾ بالله ﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ -21 الأعراف ﴾ فاغترا به وأطاعاه , فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد , وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة.
﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ أي : آدم وذريته , أعداء لإبليس وذريته.

قال تعالى : ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ – 6 فاطر ﴾

وقال تعالى : ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا – 50 الكهف ﴾

ومازالت وساوس شياطين الإنس والجن تتعرض للإنسان وتصده عن طريق الحق الموصل إلى رضوان الله تعالى , ولذلك وجب الاستعاذة بالله تعالى واللجوء إليه.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما –
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله تعالى خنس , وإذا غفل وسوس .

ووسوسة شياطين الجن نحن لا ندري كيف تتم , ولكنا نجد آثارها في واقع النفوس وواقع الحياة .
ونعرف أن المعركة بين آدم وإبليس قديمة قديمة , وأن الشيطان قد أعلنها حربا تنبثق من كبريائه وحسده وحقده على الإنسان .
ولكن الله تعالى لم يترك الإنسان فريسة للشيطان مجردا من العدة . فقد جعل الله تعالى له من الإيمان حماية , وجعل له من الذكر عدة , وجعل له من الاستعاذة سلاحا .


فإذا أغفل الإنسان حمايته وعدته وسلاحه فهو إذن وحده الملوم..

فينبغي للإنسان أن يستعين و يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
وبألوهيته التي خلقهم لأجلها ، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم ، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها ، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس ، ولهذا قال تعالى : ﴿ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ .

قال تعالى في سورة الأنعام :

وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ -112 وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ - 113

ومن وساوس شياطين الإنس والجن أن يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل ، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة ، ليغتر به السفهاء ، وينقاد له الأغبياء ، الذين لا يفهمون الحقائق ، ولا يفقهون المعاني ، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة ، والعبارات المموهة ، فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا.

فمن رحمة الله تعالى لعباده المؤمنين أن هداهم للإستعاذة به من تلك الوساوس ..

ففي الحديث الشريف : قل هو الله أحد و المعوذتين حين تمسي و حين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء.

فمن السنن أن يقرأ المسلم سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات قبل نومه لحمايته من الحسد والسحر ووساوس الشيطان..

*******

الحمد لله على نعمة الإيمان ونعمة الإسلام.
الحمد لله رب العالمين أن جعلنا من أتباع حبيبه سيد البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وأن أرسل لنا القرآن العظيم كلام الله لهداية البشر.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
سبحان الله وبحمده عدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته.
وصلى الله وسلم على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا دائمين متواصلين أبد الأوقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

********

وإلى موضوع أخر بإذن الله تعالى.

******

مصادر هذا البحث : كتاب الله تعالى.
الحديث الشريف : صحيح البخاري وصحيح مسلم والترمذي.
تفسير إبن كثير والطبري وتفسير السعدي .
كتاب ظلال القرآن للشهيد سيد قطب رحمه الله .
كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
كتاب مبادئ الإسلام لإبي الأعلى المودودي.
دروس الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله.
مجموعة مؤلفات الشيخ يس رشدي رحمه الله.
الخواطر الإيمانية للشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى.
منهج الدراسات العليا بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية.
ومنهج تمهيدي ماجستير للشريعة الإسلامية.
مواقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

******
لا تنسونا بالدعاء

أخوكم في الله / صابر عباس