المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سجن اللحظه الحاضره,,,,,,,


نبيل القيسي
10-04-2016, 02:23 PM
ال الله تعالى: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].
هذه الجملة القرآنية جاءت في معرض الحديث عن الطلاق وآثاره.

والطلاق انفراطُ عِقد أُسرة، وحالة فِراق، ولكن ما أكثرَ المواقفَ الحزينة المؤلمة التي يتعرَّض لها الإنسان في حياته!

وعند تأمُّلي لهذه الجملة المباركة من كلمات الله سبحانه، رأيتُ أنها:
1- تبعث في الإنسان رُوح التفاؤل بغدٍ مشرق، تتبدَّل فيه كل أحزانه أفراحًا، وتنقلب كل آلامه آمالًا.
2- تُخرِج الإنسانَ من مضايق الحياة، وسِجنه الموهوم المُظلِم، إلى فضاءات الحياة الواسعة الجميلة.
3- تفتح أبوابًا واسعة من الأمل في وجه كل من تعسَّر عليه أمر، أو صعُب عليه تحقيقُ مطلب!
4- تنقذه من شبح الخوف والرعب إلى واحات الجمال والحب، وتَرسم على شفتَيْه بسمة الأمل.
5- تُعلِمنا بأن السجين سيخرج، وأن المريض سيشفَى، وأن الغائب سيعود، وأن المِحَن ستزول، وأن الحزين سيفرح، وأن الكرب سيُرفع، وأن صاحب الهدف سيَصِل إلى هدفه، فهي كفيلة بإعادة كل أمل ضائع مهما طال الزمن!


6- وإنما تُفهَم حقَّ الفهم إذا أحسنَّا الربط بينها وبين أسماء الله الحسنى، فحوادث الكون بيَدِه جل وعلا، والله سبحانه هو المُعِز وهو المُذِل، وهو المُقدِّم وهو المُؤخِّر، وهو الرافع وهو الخافض، وهو المُعطي وهو المانع، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29]؟ قيوم السموات والأرض، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام.

7- إن آخر آية في سورة الطلاق تُشير إلى هذه المعاني المُستوحاة منها، قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، وهذا مثال على المناسبة بين أول آية من السورة وآخرها.

ومعنى ذلك: أن الأوامر تتنزَّل في الأرض من لَدُنْ مَن بيده الملك، وهي تُعلِّمنا: ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]؛ فهو العالِم الذي لا يُحاط بعلمه سبحانه، وهو القادر الذي لا يُعجِزه شيء.

وأخيرًا:
أيها الإنسان، حَذارِ أن تَحبِس نفسك في سجن اللحظة الحاضرة مهما كانت مؤلمة، وما عليك سوى التحقُّق بتقوى الله سبحانه، ثم التوكُّل عليه، بعد الأخذ بالأسباب؛ فإنك ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].

وأما لحظات المستقبل، فهي بِيَد مَن يملك السموات والأرض.

والمتأمِّل في هذه السورة، يجد مقاطع جميلة تدور حول هذه المعاني الإيمانية، واقرأ إن شئتَ قول الله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا * وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 5].

وقوله تعالى:
﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].
د عبد السميع الانيس