المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة البقرة القسم الأول


الشيخ محمد الزعبي
04-05-2016, 06:08 AM
تفسير سورة البقرة (1)
ورد وصح في فضل سورة البقرة قوله صلى الله عليه وسلم: « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ». قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِى أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِى الصَّحِيحِ
معانى بعض الكلمات :
البطلة : السحرة
الغيايتان : مثنى غياية وهى السحابة
الفرقان : الجماعتان
عن أبي هريرة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال: (( لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)).
أخرجه أحمد (2/284 ، رقم 7808) ، ومسلم (1/539 ، رقم 780) ، والترمذى (5/157 ، رقم 2877) وقال : حسن صحيح .
وللحديث أطراف أخرى منها : "لا تتخذوا بيوتكم مقابر صلوا فيها" .
وعن أَبي مسعودٍ البَدْرِيِّ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخر سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
قِيلَ : كَفَتَاهُ الْمَكْرُوهَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَقِيلَ : كَفَتَاهُ مِنْ قِيامِ اللَّيْلِ .
وعن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَتَدْري أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟ )) قُلْتُ : { اللهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ } فَضَرَبَ فِي صَدْرِي ، وقال : (( لِيَهْنِكَ العِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ )) رواه مسلم .
"مدنية وآياتها مائتان وست أو سبع وثمانون آية"
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون(5)} َ
{الم}
شرح الكلمات :
{الم}: هذه من الحروف المقطعة تكتب الم.
وتقرأ هكذا: ألف لام ميم.
والسور المفتتحة بالحروف المقطعة تسع وعشرون سورة أولها البقرة هذه، وآخرها القلم {ن} .
ومنها الأحادية مثل: {ص} ، و {ق} ، و {ن} .
ومنها الثنائية مثل: {طه} ،و {يس} ،و {حم} .
ومنها الثلاثية والرباعية والخماسية، ولم يثبت في تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء كونها من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه أقرب إلى الصواب، ولذا يقال فيها: ألمْ: الله أعلم بمراده ذلك.
روى عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما وعن عامر الشعبي وسفيان الثوري إنهم قالوا: الحروف المقطعة هي سر الله في القرآن ولله في كل كتاب من كتبه سر.
فهي من المتشابهة الذي انفرد الله بعلمه فلا ينبغي أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها.
وقد استخرج منها بعض أهل العلم فائدتين:
الأولى: أنه لما كان المشركون يمنعون سماع القرآن مخافة أن يؤثر في نفوس السامعين كان النطق بهذه الحروف حم. طس. ق. كهيعص. وهو منطق غريب عنهم يستميلهم إلى سماع القرآن، فيسمعون فيتأثرون وينجذبون فيؤمنون ويسمعون وكفى بهذه الفائدة من فائدة.
والثانية:لما أنكر المشركون كون القرآن كلام الله أوحاه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كانت هذه الحروف بمثابة المتحدي لهم كأنها: أن هذا القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف فألفوا أنتم مثله.
ويشهد بهذه الفائدة ذكر لفظ القرآن بعدها غالباً نحو: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} ، {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ} .
كأنها تقول: إنه من مثل هذه الحروف تألف القرآن فألفوا أنتم نظيره فإن عجزوا فسلموا أنه كلام الله ووحيه وآمنوا به تفلحوا.
وقال في الظلال ما يلي:
ومثل هذه الأحرف يجيء في مقدمة بعض السور القرآنية . وقد وردت في تفسيرها وجوه كثيرة . نختار منها وجها . إنها إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف ، وهي في متناول المخاطبين به من العرب .
ولكنه - مع هذا - هو ذلك الكتاب المعجز ، الذي لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله .انتهى.
وقال في تفسير القطان ما يلي:
بدئت سورة البقرة بهذه الحروف الثلاثة ، وهي تُقرأ حروفاً مفرّقة ، لا لفظة واحدة .
وفي القرآن عدة سور بدئت بحروف على هذ النحو ، منها البقرة آل عمران مدنيّتان والباقي سور مكيّة .
وقد جاءت بدايات هذه السوَر على أنواع : منها ما هو حرف واحد مثل « ص . والقرآنِ ذي الذِكر » . « ق . والقرآن المجيد » « ن . والقلمِ وما يسطُرون » ؛ ومنها ماهو حرفان ، مثل « طه ما أنزلنا عليكَ القرآن لتشقى » . « يس والقرآنِ الحكيم » . « حم تنزويلُ الكتاب من اللهِ العزيزِ الحكيم » ؛ ومنها ما هو ثلاثة أحرف أو اكثر مثل « ألم » « المص » « كهيعص » و « حم عسق » الخ .
وهذه الحروف أربعة عشر حرفاً ، جمعها بعضهم في عبارة « نصٌّ حكيم قاطع له سر » .
والعلماء في تفسير معنى هذه الحروف فريقان : فريق يرى أنها مما استأثر الله بعلمه . ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم المراد منها ، فالله أعلم بمراده .
وفريق يقول : لا يجوز ان يرد في كتاب الله ما ليس مفهوماً للخلْق . وهؤلاء اختلفوا في تفسير هذه الحروف اختلافاً كثيرا .
فبعضهم يقول إنها أسماء للسور التي بدئت بها؛ وبعضهم يعتبرها رموزاً لبعض أسماء الله تعالى أو صفاته ،
فالألف مثلاً اشارة الى انه تعالى « أحد ، أول ، آخر ، أبدي ، أزلي » ، واللام مثلا اشارة الى انه « لطيف » ، والميم الى انه « ملك ، مجيد ، منان » الخ . .
اما الرأي الأشهر الذي اختاره المحققون فهو : انها حروف أنزلت للتنبيه على أن القرآن ليس إلا من هذه الحروف ، وفي متناول المخاطَبين به من العرب ، فهو يتحداهم ان يصوغوا من تلك الحروف مثله ، وهم أمراء الكلام ، واللغةُ لغتهم هم .
من هذه الحروف يصوغ البشر كلاما وشعرا ، ومنها يجعل الله قرآنا معجزاً ، فما أعظم الفرق بين صنع البشر وصنع الله! انتهى .
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
18/3/2016/
تفسير سورة البقرة
{الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون(5)} َ
شرح الكلمات:
{ذَلِكَ} : هذا، وإنما عُدل عن لفظ هذا إلى ذلك. لما تفيده الإشارة بلام البعد من علو المنزلة وارتفاع القدر والشأن.
اسم الإشارة هو: (ذا) وهو للقريب ويقال (ذاك) للمتوسط البعد (وذلك) للبعيد.
{الْكِتَابُ} : القرآن الكريم الذي يقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس.
يطلق لفظ الكتاب على الفرض نحو: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام} . أي فرض، وعلى العقد بين العبد وسيده نحو: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ} .
وعلى القدر، نحو: {كِتَابَ اللَّهِ} ، أي قدره وقضاؤه، ويصح في إعراب الكتاب أن يكون بدلاً من اسم الإشارة، ويصح أن يكون خبراً له.
{لا رَيْبَ} : لاشك أنه وحي الله وكلامه أوحاه إلى رسوله.
وريب الدهر: صروفه وخطوبه، وأصل الريب: قلق النفس لحديث الصحيح: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الشك ريب وإن الصدق طمأنينة" .
{فِيهِ هُدىً}: دلالة على الطريق الموصل إلى السعادة والكمال في الدارين.
الهدي: مصدر هدى، يهدي. وهو مذكر، نحو: هذا هدى هدىً، وهو من أسماء النهار. وهو على وزن السُرى والبكى واللقى، من لقي الشيء، يلقاه لقياً.
{لِلْمُتَّقِينَ}: المتقين أي: عذاب الله بطاعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه
المتقي: اسم فاعل من اتقى، الذي أصله وقى إذا حفظ.
واتقى بزيادة تاء الافتعال لاتخاذه وقاية تقيه وابدلت واو وقي في اتقى تاء وزيدت فيها همزة وصل وتاء الافتعال فصارت اتقى، أي: طلب الوقاية والحفظ مما يخاف ويكره.
معنى الآية:
يخبر تعالى أن ما أنزله على عبده ورسوله من قرآن يمثل كتاباً فخماً عظيماً لا يحتمل الشك، ولا يتطرق إليه احتمال، كونه غير وحي الله وكتابه بحال، وذلك لإعجازه، وما يحمله من هدى ونور لأهل الإيمان والتقوى يهتدون بهما إلى سبيل السلام والسعادة والكمال.
هداية الآية:
من هداية الآية:
1- تقوية الإيمان بالله تعالى وكتابه ورسوله، الحث على طلب الهداية من الكتاب الكريم.
2- بيان فضيلة التقوى وأهلها.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
19/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون}.
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}.
أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}.
شرح الجمل:
{يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}: يصدقون تصديقا جازماً بكل ما هو غيب لا يدرك بالحواس كالرب تبارك وتعالى ذاتاً وصفاتٍ، والملائكة والبعث، والجنة ونعيمها والنار وعذابها.
الغيب: مصدر غاب، يغيب، غيباً، إذا لم يظهر فلم يرى للعيان، ومعناه: محصل في الصدور. والإيمان. بالغيب مفتاح كل التقوى وكل خير.
{وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ }: يُديمون أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع مراعاة شرائطها وأركانها وسننها ونوافلها الراتبة وغيرها.
إقام الصلاة جعلها قائمة أي: مؤداه لا تسقط ولا تهمل. نحو: {أَقِيمُوا الدِّينَ} أي: أظهروه بالعمل به والدعوى إليه، والصلاة عمود الدين فمن أقامها أقام الدين ومن أقعدها فلم يقمها فقد ترك الدين وأهمله.
الصلاة اسم جامد وزنها فعلة، ولذا يجمع على صوات بفتح الفاء والعين واللام بمعنى الدعاء، يقال: صلى إذا دعا .
وهي في الشرع عبادة ذات ركوع وسجود وتلاوة وتسبيح تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم.
باب [ ما جاء ] في فضل الصلوات الخمس
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر [ قال ] وفي الباب عن جابر و أنس و حنظلة الأسيدي قال أبو عيسى حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه حديث حسن صحيح سنن الترمذي.
قال الشيخ الألباني : صحيح
عن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((مثل الصلوات المكتوبات كمثل نهر جار عذب على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات)) سنن الدارمي.
قال حسين سليم أسد : اسناده صحيح
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(( إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) [ سنن النسائي ]
قال الشيخ الألباني : صحيح .
أخبرنا أبو داود قال حدثنا هارون هو بن إسماعيل الخزاز قال حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن حريث بن قبيصة قال قدمت المدينة قال : قلت اللهم يسر لي جليسا صالحا فجلست إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال فقلت إني دعوت الله عز و جل أن ييسر لي جليسا صالحا فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم لعل الله أن ينفعني به قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:
(( إن أول ما يحاسب به العبد بصلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر قال همام لا أدري هذا من كلام قتادة أو من الرواية فإن انتقص من فريضته شيء قال انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما نقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على نحو ذلك خالفه أبو العوام )). [ سنن النسائي ].
قال الشيخ الألباني : صحيح .
والأحاديث الواردة في هذا الباب كبيرة جدا.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} : من بعض ما آتاهم الله من مال ينفقون وذلك بإخراجهم لزكاة أموالهم وبإنفاقهم على أنفسهم وأزواجهم وأولادهم ووالديهم وتصدقهم على الفقراء والمساكين.
الرزق هو: كل ما أوجده الله تعالى في الدنيا للإنسان من صنوف الأموال وضروب المأكولات والمشروبات والملبوسات والمركوبات والمساكن، والمراد بالرزق في الآية: المال صامتاً كان أو ناطقاً.
{يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}:
يصدقون بالوحي الذي أنزل إليك أيها الرسول وهو الكتاب والسنة.
{وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} : ويصدقون بما انزل الله تعالى من كتب على الرسل من قبلك؛ كالتوراة والإنجيل والزبور.
{وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } : وبالحياة في الدار الآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب هم عالمون متيقنون لا يشكون في شيء من ذلك ولا يرتابون لكامل إيمانهم وعظم اتقائهم.
{أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} : الإشارة إلى أصحاب الصفات الخمس السابقة والإخبار عنهم بأنهم بما هداهم الله تعالى إليه من الإيمان وصالح الأعمال هم متمكنون من الاستقامة على منهج الله المفضي بهم إلى الفلاح.
{أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} : وهم المتقون أصحاب الصفات الخمس التي هي: الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، وإنفاق مما رزقهم الله، والإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل على من قبله، والإيمان بالآخرة.
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} : الإشارة إلى أصحاب الهداية4 الكاملة والإخبار عنهم بأنهم هم المفلحون الجديرون بالفوز الذي هو دخول الجنة بعد النجاة من النار.
الفلاح: مشتق من فلح الأرض إذا شقها، إذ الفلح الشق والقطع كما قال الشاعر:
إن الحديد بالحديد يفلح.
أي يشق ويقطع.
ومنه الفلاح، وهو الرجل يشق الأرض بالمحراث،
وعليه فالمفلح: من شق طريقه بين صفوف أهل الموقف ودخل الجنة، ويطلق الفلاح على الفوز وهو السلامة من المرهوب، والظفر بالمرغوب، قال الشاعر:
لو كان حي مدرك الفلاح ...
أدركه ملاعب الرماح ...
أي فاز به.
معنى الآيات:
ذكر تعالى في هذه الآيات الثلاث صفات المتقين من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والإيمان بما أنزل الله من كتب والإيمان بالدار الآخرة وأخبر عنهم بأنهم لذلك هم على أتم هداية من ربهم، وأنهم هم الفائزون في الدنيا بالطهر والطمأنينة وفي الآخرة بدخول الجنة بعد النجاة من النار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
دعوة المؤمنين وترغيبهم في الاتصاف بصفات أهل الهداية والفلاح، ليسلكوا سلوكهم فيهتدوا ويفلحوا في دنياهم وأخراهم.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
20/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(7)}
شرح الكلمات:
{كَفَرُوا} : الكفر: لغة التغطية والجحود، وشرعاً: التكذيب بالله وبما جاءت به رسله عنه كلاً أو بعضاً.
وقد يطلق الكفر على جحود النعمة والإحسان، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "يكفرن العشير والإحسان" ، لما قال: "رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء" . فقيل له: بم يا رسول الله؟. قال: يكفرن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير -أي الزوج- ويكفر الإحسان .
{سَوَاءٌ } : بمعنى مُسْتَوٍ انذارهم وعدمه، إذ لا فائدة منه لحكم الله بعدم هدايتهم.
{أَأَنْذَرْتَهُمْ} : الإنذار التخويف بعاقبة الكفر والظلم والفساد.
{ختم الله} : طبع، إذ الختم والطبع واحد وهو وضع الخاتم أو الطابع على الظرف حتى لا يعلم ما فيه، ولا يتوصل إليه فيبدل أو يغير.
الغشاوة : الغطاء يغشى به ما يراد منع وصول شيء إليه.
العذاب: الألم يزيل عذوبة الحياة ولذتها.
مناسبة الآيتين لما قبلهما ومعناهما:
لما ذكر أهل الإيمان والتقوى والهداية والفلاح ذكر بعدهم أهل الكفر والضلال والخسران، فقال: [إن الذين كفروا] إلخ. فأخبر بعدم استعدادهم للإيمان حتى استوى إنذارهم وعدمه وذلك لمضي سنة الله فيهم بالطبع على قلوبهم حتى لا تفقه، وعلى آذانهم حتى لا تسمع، ويجعل الغشاوة على أعينهم حتى لا تبصر، وذلك نتيجة مكابرتهم وعنادهم وإصرارهم على الكفر.
وبذلك استوجبوا العذاب العظيم فحكم به عليهم. وهذا حكم الله تعالى في أهل العناد والمكابرة والإصرار في كل زمان ومكان.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
1- بيان سنة الله تعالى في أهل العناد والمكابرة والإصرار بأن يحرمهم الله تعالى الهداية، وذلك بتعطيل حواسهم حتى لا ينتفعوا بها فلا يؤمنوا ولا يهتدوا.
قد يقال: ما دام قد علم الله تعالى أن بعضاً لا يؤمنون فلِمَ ينذرون، إذا إنذارهم مع العلم بأنه لا ينفعهم، تكليف بالمحال. والجواب: أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لكل أحد، وهو صلى الله عليه وسلم لم يعلم من كتب الله تعالى عليه الشقاء ممن كتب له السعادة، فلذا هو يدعو وينذر، ومن كان من أهل السعادة أجاب الدعوة، ومن لم يكن من أهلها رفضها ولم يجب.
2- التحذير من الإصرار على الكفر والظلم والفساد الموجب للعذاب العظيم.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
21/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ(8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(10)}
شرح الكلمات:
{وَمِنَ النَّاسِ} : من بعض الناس.
لفظ الناس مشتق من الناس، ينوس إذا تحرك كذا قيل: وهل هو من النسيان، أو الإنس الكل محتمل لأن آدم نسي ولأنه حصل له الأنس بحواء.
ومن الناس: خبر، والمبتدأ من يقول، والسر في تقديم الخبر هنا: هو إخفاء المخبر عنه، لأنه ذو صفات ذميمة، وأفعال شنيعة نحو، قول: ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا بما هو مؤذن بالتعجب من حالهم أيضاً.
{مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} : صدقنا بالله ربا وإلهاً لا إله غيره ولا رب سواه.
{وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ} : صدقنا بالبعث والجزاء يوم القيامة.
أي اعتقدنا على علم إن الله لا إله إلا هو ولا رب سواه، إذ الإيمان: التصديق الجازم بوجود الله تعالى رباً وإلها موصوفاً بالكمال منزهاً عن كل نقصان، والتصديق بكل ما أمر الله تعالى بالإيمان به من الملائكة والكتب، والرسل والبعث والقدر.
{ يُخَادِعُونَ الله} : بإظهارهم الإيمان وإخفائهم الكفر.
وإن قيل: ما وجه مخادعتهم لله تعالى والمؤمنين بإظهارهم الإيمان والإسلام تمويهاً في نظرهم على الله، إذ لم يعرفوا جلاله وكماله، وعلى المؤمنين ظناً منهم إنهم لا يعلمون ما يخفون في نفوسهم من الكفر والعداء. وأما مخادعة الله لهم فهي علمه تعالى بما يبطنون من الكفر والشر وعدم فضيحتهم بذلك، فلم يكشف أسرارهم ولم يذكرهم في وحيه بأسمائهم، ومخادعة المؤمنين لهم هي: علمهم بنفاقهم وعدم مؤاخذتهم ونسبتهم إليه.
هذا ولو قلنا: إن صيغة المفاعلة هنا ليست على بابها فهي بمعنى خدع يخدع، وذلك نحو: عاقبت اللص وعالجت المريض فلم نحتج إلى ما ذكرنا. والله أعلم.
{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} : إذ عاقبة خداعهم تعود عليهم لا على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين.
{وَمَا يَشْعُرُونَ} : لا يعلمون أن عاقبة خداعهم عائدة عليهم.
{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} : في قلوبهم شك ونفاق وألم الخوف من افتضاح أمرهم والضرب على أيديهم.
{فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} : شكاً ونفاقاً وألماً وخوفاً حسب سنة الله في أن السيئة لا تعقب إلا سيئة.
{عَذَابٌ أَلِيمٌ} : موجع شديد الوقع على النفس.
مناسبة الآية لما قبلها وبيان معناها:
لما ذكر تعالى المؤمنين الكاملين في إيمانهم وذكر مقابلهم وهم الكافرون البالغون في الكفر منتهاه ذكر المنافقين وهم: المؤمنون في الظاهر الكافرون في الباطن، وهم شر من الكافرين البالغين في الكفر أشده.
أخبر تعالى أن فريقاً من الناس وهم المنافقون يدَّعون الإيمان بألسنتهم ويضمرون الكفر في قلوبهم يخادعون الله والمؤمنين بهذا النفاق. ولما كانت عاقبة خداعهم عائدة عليهم. كانوا بذلك خادعين أنفسهم لا غيرهم ولكنهم لا يعلمون ذلك ولا يدرون به.
كما أخبر تعالى أن في قلوبهم مرضا وهو الشك والنفاق والخوف، وأنه زادهم مرضاً عقوبة لهم في الدنيا وتوعدهم بالعذاب الأليم في الآخرة بسبب كذبهم وكفرهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
التحذير من الكذب والنفاق والخداع، وأن عاقبة الخداع تعود على صاحبها كما أن السيئة لا يتولد عنها إلا سيئة مثلها.
بيان خصال المنافق
حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرْبَعٌ مَنْ كنَّ فِيهِ كَانَ مُنافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حَتّى يَدَعَهَا: إِذا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذا عاهَدَ غَدَرَ، وَإِذا خَاصَمَ فَجَرَ
أخرجه البخاري في: 2 كتاب الإيمان: 24 باب علامة المنافق
حديث أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةَ الْمُنافِق ثَلاثٌ: إِذا حَدَّثَ كَذَب، وَإِذا وَعَد أَخْلَفَ، وَإِذا اؤْتُمِنَ خَانَ
أخرجه البخاري في: 2 كتاب الإيمان: 24 باب علامة المنافق
معاني الكلمات :
آية : أي علامة . المنافق : من يظهر الإسلام ويخفي الكفر والمراد به النفاق العملي .
الفوائد :
1- التحذير من الاتصاف بصفات المنافقين .
2- ينبغي للمسلم أن يعرف صفات المنافقين لكي يتجنبها .
3- من صفات المنافقين ما ورد في هذا الحديث ، وهي :
أولاً : الكذب في الحديث .
والكذب : الإخبار بخلاف الواقع ، وهو محرم .
قال النووي : " قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب ، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، وإجماع الأمة متفقة على تحريمه " .
قال تعالى : ? ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ? .
ثانياً : إخلاف الوعد .
وهذا يدل على أن إخلاف الوعد محرم ، لأنه من صفات المنافقين .
ثالثاً : الخيانة في الأمانة .
مثال : إذا أودعه إنساناً شيئاً ، وطلب منه أن يحفظها ، فيأتي هذا المودع عنده ويستعمل هذا الشيء أو يهملها فلا يحفظها ، أو بأخذ ماله .
مثال آخر : يكون الإنسان ولياً على مال يتيم ، فلا يقوم بالواجب ، بل يهمل ماله ، وربما يأخذه لنفسه .
4- فضيلة الصدق في الحديث .
5- فضيلة الوفاء بالوعد .
وقد أثنى الله على إسماعيل بذلك فقال تعالى:? واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً ?
6- هناك بعض صفات المنافقين أذكرها الآن حتى يكون المسلم على حذر منها :
أولاً : الكسل عن الصلاة .
قال الله تعالى :{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا (142) } سورة النساء.
ثانياً : التخلف عن صلاتي الفجر والعشاء .
قال رسول الله ( : ( أثقل الصلاة على النافقين صلاة العشاء والفجر ) . متفق عليه
ثالثاً : قلة ذكر الله .
قال تعالى : {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا (142) }.النساء.
رابعاً : عدم الفقه في الدين .
قال تعالى : {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} .سورة المنافقون.
خامساً : الاهتمام بالظاهر وإهمال الباطن .
قال تعالى : {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)}. سورة المنافقون.
سادساً : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف .
قال تعالى : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) }سورة التوبة.
عن سعد بن مسعود وغيره أن رسول الله عليه السلام قال : اللين والحياء من الإيمان ، والفحش والبذاء من النفاق . الجامع في الحديث
عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي أبو محمد المصري
سنة الولادة / سنة الوفاة 197هـ.
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ).
ورواه أبو ربيعة فهد بن عوف ، عن وهيب ، وقال في الحديث : ( ما من أهل بيت لم يغز أو لم يجهزوا غازياً لم يموتوا حتى تصيبهم قارعة ) ).
المنة الكبرى شرح وتخريج السنن الصغرى
محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في دعائه :
(( اللهم إني أعوذ بك من العجز و الكسل و الجبن و البخل و الهرم و القسوة و الغفلة و العيلة و الذلة و المسكنة و أعوذ بك من الفقر و الكفر و الفسوق و الشقاق و النفاق و السمعة و الرياء و أعوذ بك من الصمم و البكم و الجنون و الجذام و البرص و سيء الإسقام )).
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه
[ مستدرك الحاكم ]
الكتاب : المستدرك على الصحيحين
المؤلف : محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري.
نسأل الله تعالى السلامة من النفاق والكذب والخيانة
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
22/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ(12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ(13)}
شرح الكلمات:
الفساد في الأرض : الكفر وارتكاب المعاصي فيها.
الإصلاح في الأرض: يكون بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، وترك الشرك والمعاصي.
{لا يشعرون} : لا يدرون ولا يعلمون.
{السفهاء} : جمع سفيه: خفيف العقل لا يحسن التصرف والتدبير.
{لا تُفْسِدُوا}
أصل الإفساد: جعل منفعة الشيء مضرة؛ كإفساد الطعام ونحو بما يلقى فيه.
قولهم:{ إنما نحن مصلحون:} لا ذم فيه، وإنما جاءه الذم من كونهم مفسدين وادعوا إنه مصلحون.
معنى الآيات:
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا قال لهم أحد المؤمنين لا تفسدوا في الأرض بالنفاق وموالاة اليهود والكافرين ردوا عليه قائلين:
إنما نحن مصلحون في زعمهم، فأبطل الله تعالى هذا الزعم وقرر أنهم هم وحدهم المفسدون لا من عرضوا بهم من المؤمنين، إلا أنهم لا يعلمون ذلك لاستيلاء الكفر على قلوبهم. كما أخبر تعالى عنهم بأنهم إذا قال لهم أحد المؤمنين صدقوا في إيمانكم وآمنوا إيمان فلان وفلان مثل: عبد الله بن سلام. ردوا قائلين: أنؤمن إيمان السفهاء الذين لا رشد لهم ولا بصيرة فرد الله تعالى عليهم دعواهم وأثبت السفه لهم ونفاه عن المؤمنين الصادقين ووصفهم بالجهل وعدم العلم.
الاستفهام هنا: إنكاري، أي: إذا دعوا إلى الإيمان أنكروا دعوة من دعاهم طاعنين في إيمان المؤمنين، إذ نسبوهم إلى السفه، وهو خفة العقل، وقلة إدراك الأمور مبادئ وعواقب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- ذم الادعاء الكاذب وهو لا يكون غالباً إلا من صفات المنافقين.
2- الإصلاح في الأرض يكون بالعمل بطاعة الله ورسوله، والإفساد فيها يكون بمعصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
العاملون بالفساد في الأرض يبررون دائماً إفسادهم بأنه إصلاح وليس بإفساد.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
23/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))

{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ(16)}
شرح الكلمات:
{لَقُوا } : اللقاء: والملاقاة: المواجهة وجهاً لوجه.
أصل لقوا: لقيوا نقلت الضمة إلى القاف، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين، إذ فعله لقي كرضي.
{آمَنُوا} : الإيمان الشرعي: التصديق بالله وبكل ما جاء به رسول الله عن الله، وأهله هم المؤمنون بحق.
{خَلَوْا} : الخلو بالشيء: الانفراد به.
عدي فعل خلوا ب إلى ولم يعد بالباء، إذ يقال خلا بكذا؛ لأن خلو هنا بمعنى ذهبوا وانصرفوا.
{شَيَاطِينِهِمْ} : الشيطان كل بعيد عن الخير قريب من الشر يفسد ولا يصلح من إنسان أو جان، والمراد بهم هنا رؤساؤهم في الشر والفساد.
فسر بعضهم الشياطين بالكهان وبشياطين الجن، والصحيح إنهم رؤساؤهم في الكفر والشر والفساد من منافقي اليهود وغيرهم.
{مُسْتَهْزِئُونَ} : الاستهزاء: الاستخفاف والاستسخار بالمرء.
الطغيان : مجاوزة الحد في الأمر والإسراف فيه.
العَمَه: للقلب؛ كالعمى للبصر: عدم الرؤية وما ينتج عنه من الحيرة والضلال.
العمه: انطماس البصيرة والتحير في الرأي وفعله، عمه فهو عامه وأعمه.
{اشْتَرَوُا} : استبدلوا بالهدى الضلالة، أي: تركوا الإيمان وأخذوا الكفر.
{تِجَارَتُهُمْ} : التجارة: دفع رأس مال لشراء ما يربح إذا باعه، والمنافقون هنا دفعوا رأس مالهم وهو الإيمان لشراء الكفر آملين أن يربحوا عزاً وغنى في الدنيا فخسروا ولم يربحوا إذ ذُلوا وعُذبوا وافتقروا بكفرهم.
المهتدي : السالك سبيلاً قاصدة تصل به إلى ما يريده في أقرب وقت وبلا عناء، والضال خلاف المهتدي: وهو السالك سبيلاً غير قاصدة فلا تصل به إلى مراده حتى يهلك قبل الوصول.
معنى الآيات:
ما زالت الآيات تخبر عن المنافقين وتصف أحوالهم إذ أخبر تعالى عنهم في الآية الأولى (14) أنهم لنفاقهم وخبثهم إذا لقوا الذين آمنوا في مكان ما أخبروهم بأنهم مؤمنون بالله والرسول وما جاء به من الدين، وإذا انفردوا برؤسائهم في الفتنة والضلالة فلاموهم عما ادّعوه من الإيمان، قالوا لهم: إنا معكم على دينكم وما آمنا أبداً. وإنما أظهرنا الإيمان استهزاء وسخرية بمحمد وأصحابه.
كما أخبر في الآية الثانية (15) أنه تعالى يستهزئ بهم معاملة لهم بالمثل جزاء وفاقاً ويزيدهم حسب سنته في أن السيئة تلد سيئة في طغيانهم لتزداد حيرتهم واضطراب نفوسهم وضلال عقولهم.
كما أخبر في الآية (16) أن أولئك البعداء في الضلال قد استبدلوا الإيمان بالكفر والإخلاص بالنفاق، فلذلك لا تربح تجارتهم ولا يهتدون إلى سبيل ربح أو نُجح محال.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- التنديد بالمنافقين والتحذير من سلوكهم في ملاقاتهم هذا بوجه وهذا بوجه آخر وفي الحديث: "شراركم ذو الوجهين".
روى البخاري ومسلم، والشاهد في قوله صلى الله عليه وسلم: "وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.
2- إن من الناس شياطين يدعون إلى الكفر والمعاصي، ويأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
3- بيان نقم الله، وإنزالها بأعدائه عز وجل.
المعاصي: جمع معصية، وهو ترك ما أوجب الله ورسوله القيام أو فعل ما حرم الله ورسوله فعله، سواء في ذلك الاعتقاد، والقول، والعمل إذا الواجبات والمنهيات تكون في الاعتقاد والقول والعمل.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
24/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ(17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون(18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ(19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20)}
شرح الكلمات:
{مَثَلُهُمْ } : صفتهم وحالهم.
قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ} الآيات: تضمن مثلين: نارياً: وهو المثل الأول. ومائياً: هو المثل الثاني، والمثلان وقعان من السياق الأول موقع البيان والتقرير، والفذلكة، ولذا لم تعطف جملة مثلهم لكمال الاتصال بينها وبين الجمل السابقة.
{اسْتَوْقَدَ} : أوقد ناراً.
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} : لا يسمعون ولا ينطقون ولا يبصرون.
الصيب : المطر.
الظلمات : ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر.
الرعد : الصوت القاصف يُسمع حال تراكم السحاب ونزول المطر.
البرق : ما يلمع من نور حال تراكم السحاب ونزول المطر.
ظاهرة الرعد والبرق يفسرها علماء الطبيعة؛ بأنه نتيجة اتحاد كهرباء السحاب الموجبة بالسالبة.
{الصَّوَاعِقِ} : جمع صاعقة: نار هائلة تنزل أثناء قصف الرعد ولمعان البرق يصيب الله تعالى بها من يشاء.
{حَذَرَ الْمَوْتِ} : توقيا للموت.
{مُحِيطٌ} : المحيط المكتنف للشيء من جميع جهاته.
{يَكَادُ} : يقرب.
{يَخْطَفُ} : يأخذه بسرعة.
{وَأَبْصَارِهِمْ} : جمع بصر وهو العين المبصرة.
معنى الآيات:
المثل: متحرك الوسط، الأصل فيه أنه النظير والمشابه وفيه لغات وهي: المثل بكسر الميم، والمثيل بفتح الميم وكسر المثلثة وإشباعها. ونظير المثل الشبه والبديل، ففي كل واحد ثلاث لغات ولانظير لها في اللغة، يقال: شبه وشبه وشبيه وبَدَل وبدْل وبديل.
مثل هؤلاء المنافقين فيما يظهرون من الإيمان مع ما هم مبطنون من الكفر كمثل من أوقد ناراً للاستضاءة بها فلما أضاءت لهم ما حولهم وانتفعوا بها أدنى انتفاع ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون. لأنهم بإيمانهم الظاهر صانوا دماءهم وأموالهم ونساءهم وذراريهم من القتل والسبي، وبما يضمرون من الكفر إذا ماتوا عليه يدخلون النار فيخسرون كل شيء حتى أنفسهم.
هذا المثل تضمنته الآية الأولى(17)،
وأما الآية الثانية (18) فهي إخبار عن أولئك المنافقين بأنهم قد فقدوا كل استعداد للاهتداء فلا آذانهم تسمع صوت الحق ولا ألسنتهم تنطق به، ولا أعينهم تبصر آثاره، وذلك لتوغلهم في الفساد. فلذا هم لا يرجعون عن الكفر إلى الإيمان بحال من الأحوال.
وأما الآية الثالثة والرابعة(19) (20) فهما تتضمنان مثلاً آخر لهؤلاء المنافقين. وصورة المثل العجيبة والمنطقية على حالهم هي مطر
غزير في ظلمات مصحوب برعد قاصف وبرق خاطف، وهم في وسطه مذعورون خائفون يسدون آذانهم بأنامل أصابعهم حتى لا يسمعوا صوت الصواعق حذراً أن تنخلع قلوبهم فيموتوا، ولم يحذروا مفراً ولا مهرباً لأن الله تعالى محيط بهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن البرق لشدته وسرعته يكاد يخطف أبصارهم فيعمون، فإذا أضاء لهم البرق الطريق مشوا في ضوئه، وإذا انقطع ضوء البرق وقفوا حيارى خائفين، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
هذه حال أولئك المنافقين، والقرآن ينزل بذكر الكفر، وهو: ظلمات، وبذكر الوعيد، وهو: كالصواعق والرعد، وبالحجج والبينات، وهي: كالبرق في قوة الإضاءة، وهم خائفون أن ينزل القرآن بكشفهم وإزاحة الستار عنهم فيؤخذوا، فإذا نزل بآية لا تشير إليهم ولا تتعرض بهم مشوا في إيمانهم الظاهر.
وإذا نزل بآية فيها التنديد بباطلهم وما هم عليه وقفوا حائرين لا يتقدمون ولا يتأخرون، ولو شاء الله أخذ أسماعهم وأبصارهم لفعل؛ لأنهم لذلك أهل وهو على كل شيء قدير.
القدير، والقادر، والمقتدر، بمعنى: واحد، إلا أن القدير أبلغ لأنه من أمثلة المبالغة، وقدرة الله تتعلق بالممكنات القابلة بالوجود والعدم، فلا يقولن قائل: هل يقدر الله على خلق ذات كذاته سبحانه وتعالى؟.
هداية الآيات
من هداية الآيات ما يلي:
1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.
2- خيبة سعي أهل الباطل وسوء عاقبة أمرهم.
3- القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الأرض بماء المطر.
4- شر الكفار المنافقون.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
25/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(22)}
شرح الكلمات:
{النَّاسُ} : لفظ جمع لا مفرد له من لفظه، واحده إنسان.
{اعْبُدُوا} : أطيعوا بالإيمان والامتثال للأمر والنهي مع غاية الحب لله والتعظيم.
أصل العبادة: الخضوع والتذلل، مشتق من قولهم: طريق معبد إذا كان موطوءا بالأقدام، وهي في الشرع طاعة الله ورسوله بالإيمان وفعل الأمر واجتناب النهي مع غاية الحب والتعظيم لهما والتذلل وحده.
{رَبَّكُمُ} : خالقكم ومالك أمركم وإلهكم الحق.
{خَلَقَكُمْ} : أوجدكم من العدم بتقدير عظيم
{تَتَّقُونَ} : تتخذون وقاية تحفظكم من عذاب الله، وذلك بالإيمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك والمعاصي.
{فِرَاشاً} : وطاء للجلوس عليها والنوم فوقها.
{بِنَاءً} : مبنية؛ كقبة فوقكم.
{الثَّمَرَاتِ} : جمع ثمرة وهو ما تخرجه الأرض من حبوب وخضر وتخرجه الأشجار من فواكه.
{رِزْقاً لَكُمْ} : قوتاً لكم تقتاتون به فتحفظ حياتكم إلى أجلها.
أنداداً : جمع ندّ: النظير والمثيل تعبدونه دون الله أو مع الله تضادون به الرب تبارك وتعالى.
أنداداً: جمع ند بكسر النون، بمعنى الكفء والمثيل، والمراد به هنا: الشريك لله في عبادته، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح وقد سأله ابن مسعود عن أعظم الذنب: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" ، وقوله صلى الله عليه وسلم: للذي قال: ما شاء الله وشئت. "أجعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله وحده" . رواه النسائي وغيره. والند بفتح النون عود يتطيب به، وند البعير إذا هرب وفر، وندت بفلان شهره وسمع به.
المناسبة ومعنى الآيتين:
وجه المناسبة: أنه تعالى لما ذكر المؤمنين المفلحين والكافرين الخاسرين ذكر المنافقين وهم بين المؤمنين الصادقين والكافرين الخاسرين، ثم على طريقة الالتفات نادى الجميع بعنوان الناس ليكون نداء عاماً للبشرية جمعاء في كل مكان وزمان وأمرهم بعبادته ليقوا أنفسهم من الخسران. معرفاً لهم نفسه ليعرفوه بصفات الجلال والكمال فيكون ذلك أدعى لاستجابتهم له فيعبدونه عبادة تنجيهم من عذابه وتكسبهم رضاه وجنته، وختم نداءه لهم بتنبيههم عن اتخاذ شركاء له يعبدونهم معه مع علمهم أنهم لا يستحقون العبادة لعجزهم عن نفعهم أو ضرهم.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
1- وجوب عبادة الله تعالى، إذ هي علة الحياة كلها.
2- وجوب معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.
3- تحريم الشرك صغيره وكبيره ظاهره وخفيه.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
26/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
آية 23- و24-
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24)}
شرح الكلمات:
الريب : الشك مع اضطراب النفس وقلقها.
{عَبْدِنَا } : محمد صلى الله عليه وسلم.
اسم العبد مأخوذ من التعبد والتذلل: لأن المملوك يذل لله مالكه بالخدمة ويعبده بكثرة استخدامه.
ولما كانت عبادة الله أشرف الخصال كان التسمية بها أشرف الأسماء، فلذا سمى الله تعالى رسوله محمداً عبداً كما في هذه الآية وآية الإسراء وأنشدوا لهذا قول الشاعر:
يا قوم قلبي عند زهراء ...
يعرفه السامع والرائي
لا تدعني إلا بيا عبدها ...
لأنه أشرف أسمائي.
{مِّنْ مِثْلِهِ} : مثل القرآن ومثل محمد في أميته.
{شُهَدَاءَكُمْ} : أنصاركم. وآلهتكم التي تدعون أنها تشهد لكم عند الله وتشفع.
{وَقُودُهَا} : ما تتقد به وتشتعل وهو: الكفار والأصنام المعبودة مع الله عز وجل.
{أُعِدَّتْ} : هيئت وأحضرت.
{لِلْكَافِرِينَ} : الجاحدين لحق الله تعالى في العبادة له وحده المكذبين برسوله وشرعه.
مناسبة الآية ومعناها:
لما قرر الله تعالى في الآية السابقة أصل الدين وهو: التوحيد الذي هو عبادة الله تعالى وحده قرر في هذه الآية أصل الدين الثاني وهو: نبوة رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك من طريق برهاني وهو: إن كنتم في شك من القرآن الذي أنزلناه على عبدنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فأتوا بسورة من مثل سوره أو من رجل أمي مثل عبدنا في أميته، فإن لم تأتوا لعجزكم فقوا أنفسكم من النار بالإيمان بالوحي الإلهي وعبادة الله تعالى بما شرع فيه.
هداية الآية:
من هداية الآية:
1- تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإثبات نزول القرآن عليه.
2- تأكد عجز البشر عن الإتيان بسورة مثل سور القرآن الكريم لمرور ألف سنة وأربعمائة وسبع وثلاثين سنة والتحدي قائم ولم يأتوا بسورة مثل سور القرآن، لقوله تعالى: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} .
3- النار تتقى بالإيمان والعمل الصالح، وفي الحديث الصحيح: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" رواه البخاري..
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
27/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآية /25/
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)}
هذا من باب ذكر الترغيب بعد الترهيب وعطفه عليه، فقد أنذر الكافرين وواعد المؤمنين ليكون ذلك مثبطاً عن الأعمال الفاسدة منشطاً على الأعمال الصالحة.
ويطلق لفظ التبشير على الخبر المحزن غير السار تهكماً بصاحبه نحو قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
شرح الكلمات:
{وَبَشِّرِ } : التبشير: الإخبار السار، وذلك يكون بالمحبوب للنفس.
{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} : تجري الأنهار من خلال أشجارها وقصورها والأنهار هي: أنهار الماء وأنهار اللبن وأنهار الخمر وأنهار العسل.
قال الله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم :
{ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)}.
اللهم اجعلنا ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا وجميع المسلمين من أهل الجنة
أمين يا رب العالمين .
{وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} : أعطوا الثمار وقُدم لهم يشبه بعضه بعضاً في اللون مختلف في الطعم.
{مُطَهَّرَةٌ} : من دم الحيض والنفاس وسائر المعائب والنقائص.
{خَالِدُونَ} : باقون فيها لا يخرجون منها أبداً.
المناسبة والمعنى:
لما ذكر الله تعالى النار وأهلها ناسب أن يذكر الجنة وأهلها ليتم الترهيب والترغيب وهما أداة الهداية والإصلاح.
في هذه الآية الكريمة أمر الله تعالى رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام أن يبشر المؤمنين المستقيمين بما رزقهم من جنات تجري من تحتها الأنهار لهم فيها أزواج مطهرات نقيات من كل أذى وقذر وهم فيها خالدون.
كما أخبر عنهم بأنهم إذا قُدم لهم أنواع الثمار المختلفة قالوا هذا الذي رزقنا مثله في الدنيا. كما أخبر تعالى أنهم أوتوه متشابهاً في اللون غير متشابه في الطعم زيادة في حسنه وكماله. وعظيم الالتذاذ به.
هداية الآية:
من هداية الآية:
1- فضل الإيمان والعمل الصالح إذ بهما كان النعيم المذكور في الآية لأصحابهما.
2- تشويق المؤمنين إلى دار السلام، وما فيها من نعيم مقيم ليزدادوا رغبة فيها وعملاً لها. بفعل الخيرات وترك المنكرات.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
28/3/2016/
(( تفسير سورة البقرة ))
الآيتان /26/27/
{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ(26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(27)}
شرح الكلمات:
{لا يستحيي} : لا يمنعه الحياء من ضرب الأمثال، وإن صغرت؛ كالبعوضة، أو أصغر منها؛ كجناحها.
لا يستحيي: بياءين، ويتسحي: بياء واحدة، هما قراءتان سبعيتان، والآخيرة على لغة تميم، واسم الفاعل من الأولى مستحي، ومن الثانية، مستح.
لا يستحيي: بياءين، ويتسحي: بياء واحدة، هما قراءتان سبعيتان، والآخيرة على لغة تميم، واسم الفاعل من الأولى مستحي، ومن الثانية، مستح.
والحياء: تغير وانكسار يعتري الإنسان عند الخوف مما يعاب به أو يذمه، والله يوصف بالحياء على الوجه اللائق به،
فصفة الحياء عنده تعالى لا تشبه صفات المحدثين كسائر صفاته سبحانه وتعالى،
والاستحياء والحياء بمعنى واحد،
وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي كريم يستحي أن يرفع العبد إليه العبد يديه فيردهما صفرا" ، فقد أثبت صفة الحياء لله عز وجل، وهو قطعاً حياء واستحياء لا يشبه حياء، واستحياء البشر بحال من الأحوال.
{أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً} : أن يجعل شيئاً مثلاً لآخر يكشف عن صفته وحاله في القبح أو الحسن.
{مَا بَعُوضَةً} : ما: نكرة بمعنى: شيء. أي شيء كان يجعله مثلاً، أو زائدة. وبعوضة المفعول الثاني. والبعوضة: واحدة البعوض، وهو صغار البق.
{الْحَقُّ} : الواجب الثبوت الذي يحيل العقل عدم وجوده.
{الْفَاسِقِينَ} : الفسق الخروج عن الطاعة، والفاسقون: هم التاركون لأمر الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح، وبترك الشرك والمعاصي.
{يَنْقُضُونَ} : النقض: الحل بعد الإبرام.
{عَهْدَ اللَّهِ} : ما عهد به إلى الناس من الإيمان والطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
{مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} : من بعد إبرامه وتوثيقه بالحلف أو الإشهاد عليه.
{وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} : من إدامة الإيمان والتوحيد والطاعة وصلة الأرحام.
{وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} : الإفساد في الأرض يكون بالكفر وارتكاب المعاصي.
{الْخَاسِرُونَ} : الكاملون في الخسران بحيث يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
سبب النزول والمعاني:
لما ضرب الله تعالى المثلين السابقين الناري والمائي قال المنافقون: الله أعلى وأجل أن يضرب هذا المثل
فأنزل الله تعالى رداً عليهم قوله {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي} الآية.
فأخبر تعالى أنه لا يمنعه الاستحياء أن يجعل مثلاً بعوضة فما دونها فضلاً عما هو أكبر.
في قوله: ما بعوضة إعرابات كثيرة لا طائل تحتها فنصب بعوضة على إنها بدل من ما النكرة التي هي في محل نصب فعل يضرب بمعنى يجعل. ورفع بعوضة على إنها خبر، والمبتدأ هو: ما على إنها موصولة والتقدير: الذي هو بعوضة.
وإن الناس حيال ما يضرب الله من أمثال، قسمان: مؤمنون: فيعلمون أنه الحق من ربهم. وكافرون: فينكرونها، ويقولون؛ كالمعترضين: ماذا أراد الله بهذا مثلاً!؟.
كما أخبر تعالى أن ما يضرب من مثل يهدي به كثيراً من الناس ويضل به كثيراً، وأنه لا يضل به إلا الفاسقين الذين وصفهم بقوله: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ}.
وحكم عليهم بالخسران التام يوم القيامة فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .
هداية الآيتين
من هداية الآيتين ما يلي:
1- أن الحياء لا ينبغي أن يمنع فعل المعروف وقوله والأمر به.
2- يستحسن ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.
3- إذا أنزل الله خبراً من هدى وغيره، يزداد به المؤمنون هدى وخيراً، ويزداد به الكافرون ضلالاً وشراً، وذلك لاستعداد الفريقين النفسي المختلف.
4- التحذير من الفسق وما يستتبعه من نقض العهد، وقطع الخير، ومنع المعروف.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .