الأذكار النووية
ليحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى.
(باب النهي عن اللعن)
1063 - روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه وكان من أصحاب الشجرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " لعن المؤمن كقتله ".
1064 - وروينا في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ".
1065 - وروينا في " صحيح مسلم " أيضا عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ".
1066 - وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار " قال الترمذي : حديث حسن صحيح.
1067 - وروينا في كتاب الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ " قال الترمذي : حديث حسن
1068 - وروينا في سنن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ، ثم تأخذ يمينا وشمالا ، فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن ، فإن كان أهلا لذلك وإلا رجعت إلى قائلها " .
رواه أبو داود رقم (4905) في الادب ، باب اللعن ، وفي سنده نمران بن عتبة الذماري ، لم يوثقه غير ابن حبان ، وباقي رحاله ثقات ، ويشهد له الذي بعده.
1069 - وروينا في كتابي أبي داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : " من لعن شيئا ليس بأهل رجعت اللعنة عليه " .وهو حديث صحيح.
1070 - وروينا في " صحيح مسلم " عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما ، قال : بينما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها ، فسمعها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : " خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة ".
قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد.
قلت : اختلف العلماء في إسلام حصين والد عمران وصحبته ، والصحيح إسلامه وصحبته ، فلهذا قلت رضي الله عنهما.
1071 - وروينا في " صحيح مسلم " أيضا عن أبي برزة رضي الله عنه قال : " بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم ، إذ بصرت بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وتضايق بهم الجبل ، فقالت : حل اللهم العنها ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : " لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة " وفي رواية : " لا تصاحبنا راحلة عليها لعنة من الله تعالى ".
قلت : حل بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام ، وهي كلمة تزجر بها الإبل.
فصل : في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين
1072 - ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة ، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : " لعن الله الواصلة والمستوصلة..." الحديث.
1072 - وأنه قال : " لعن الله آكل الربا..." الحديث.
1072 - وأنه قال : " لعن الله المصورين..." 1072 - وأنه قال : " لعن الله من غير منار الأرض..." 1072 - وأنه قال " لعن الله السارق يسرق البيضة ".
1072 - وأنه قال : " لعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من ذبح لغير الله ".
1072 - وأنه قال " من أحدث فينا حدثا ، أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ".
1072 - وأنه قال : " اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله " ، وهذه ثلاث قبائل من العرب.
1073 - وأنه قال : " لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها " وأنه قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، وأنه قال : " لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال " وجميع هذه الألفاظ في " صحيحي البخاري ومسلم " بعضها فيهما ، وبعضها في أحدهما ، وإنما أشرت إليها ولم أذكر طرقها للاختصار.
1074 - وروينا في " صحيح مسلم " عن جابر ، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى حمارا قد وسم في وجهه فقال : " لعن الله الذي وسمه ".
1075 - وفي " الصحيحين " أن ابن عمر رضي الله عنهما مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه فقال ابن عمر : لعن الله من فعل هذا ، إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : " لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا ".
فصل :
إعلم أن لعن المسلم المصون حرام بإجماع المسلمين ، ويجوز لعن
أصحاب الأوصاف المذمومة كقولك : لعن الله الظالمين ، لعن الله الكافرين ، لعن الله اليهود والنصارى ، ولعن الله الفاسقين ، لعن الله المصورين ، ونحو ذلك مما تقدم في الفصل السابق.
وأما لعن الإنسان بعينه ممن اتصف بشئ من المعاصي كيهودي ، أو نصراني ، أو ظالم ، أو زان أو مصور ، أو سارق ، أو آكل ربا ، فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام.
وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا في حق من علمنا أنه مات على الكفر ، كأبي لهب ، وأبي جهل ، وفرعون وهامان ، وأشباههم ، قال : لأن اللعنَ هو الإبعادُ عن رحمة الله تعالى ، وما ندري ما يتم به لهذا الفاسق أو الكافر ، قال : وأما الذين لعنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأعيانهم ، فيجوز أنه (صلى الله عليه وسلم) علم موتهم على الكفر ، قال : ويقرب من اللعن الدعاء على الإنسان بالشر حتى الدعاء على الظالم ، كقول الإنسان : لا أصح الله جسمه ، ولا سلمه الله ، وما جرى مجراه ، وكل ذلك مذموم.
وكذلك لعن جميع الحيوانات والجمادات ، فكله مذموم.
فصل :
حكى أبو جعفر النحاس عن بعض العلماء أنه قال : إذا لعن الإنسان ما لا يستحق اللعن ، فليبادر بقوله : إلا أن يكون لا يستحق .
/ أي لئلا ترجع اللعنة على قائلها إذا كان المدعو عليه بها ليس مستحقا لهاكما جاءت الاخبار به./
1076 - روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أنس رضي الله عنه " أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال : " اركبها " ، فقال : إنها بدنة ، قال : اركبها ، قال : إنها بدنة ،قال في الثالثة : اركبها ويلك " .
/قال ابن علان في " شرح الاذكار " : محمول على أنه اضطر لركوبها ، لخبر مسلم عن جابر قال : قال (صلى الله عليه وسلم) لما سئل عن ركوب الهدي : اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتيى تجد ظهرا ، فشرط جواز ركوبها - كما في " المجموع " و " شرح مسلم " وهو المعتمد - والضرورة إليها./
/قال ابن علان إنما قال له : ويلك ، مع أنها كلمة عذاب تأديبا له لمراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه ، ولم يرد بها الدعاء عليه ، بل جرت على لسانه نظير قوله في الحديث الاخر " تربت يداك "./
1077 - وروينا في " صحيحيهما " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينا نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يقسم قسما ، أتاه ذو الخويصرة ، رجل من بني تميم ، فقال : يا رسول الله اعدل ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ".
/هو ذو الخيصرة التميمي واسمه : حرقوص ، وهو أصل الخوارج ، وهو الذي حمل على علي رضي الله عنه ليقتله ، فقتله علي رضي الله عنه ، وهو غير ذي الخويصرد اليماني الذي بال في المسجد.
1078 - وروينا في " صحيح مسلم " عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ، أن رجلا خطب عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " بئس الخطيب أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله "
/والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والايضاح واجتناب الاشارات والرموز ، فلذا ثبت في الصحيح أنه (صلى الله عليه وسلم) كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه./
1079 - وروينا في " صحيح مسلم " أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن عبدا لحاطب رضي الله عنه جاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يشكو حاطبا فقال : يا رسول الله ليدخلن حاطب النار ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " كذبت لا يدخلها ، فإنه شهد بدرا والحديبية ".
1080 - وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لابنه عبد الرحمن حين لم يجده عشى أضيافه : يا غنثر ، وقد تقدم بيان هذا الحديث في " كتاب الأسماء " .
1081 - وروينا في " صحيحيهما " : أن جابرا صلى في ثوب واحد وثيابه موضوعة عنده ، فقيل له : فعلت هذا ؟ فقال : فعلته ليراني الجهال مثلكم ، وفي رواية : ليراني أحمق مثلك.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .