القرآن حدائق ذات بهجة ، فإذا أتممت سورة وبدأت بأخرى فقد انتقلت من شجرة يانعة الثمرة إلى شجرة تشبهها بثمرة تختلف عنها ، وإذا انتقلت من حزب إلى حزب فمِن حديقة غنّاء إلى روضة أخرى ، فـ (السبع الطوال) و (ذوات الراء) (المسبحات السبع) و (الطواسيم) و (ذوات الم) و (الحواميم) و (المفصل) لكل حزب لونه الخاص به ، ولكل سورة طعمها الذي يميزها عن غيرها ، فتذوقها برفق وحاذر الهرس! والجرش! فهو سبب التخمة والملل .
وهذا التنزيل العظيم هو مأدبة الله في الأرض ، والناس حولها ثلاثة أصناف : جائع محروم منها ، وسقيم يأكل وقد فقد حاسة الذوق فلم يتهنَّ بها ، ومعافى رأى على مأدبة الكريم (114) مختلفاً ألوانها فأصبح يطعم برفق وأدب كاملين ، وفي فمه مع كل (سورة) منها طعم وذوق وعِطر هو لها ، ولأختها من سور القرآن غيرها ،
فكيف نتذوق لذة القرآن ونميز حلاوة كل سورة في القرآن عن حلاوة أختها ؟
أولاً – ليكن بين يديك دائماً عند القراءة تفسير مختصر كالتفسير الميسر أو زبدة التفسير أو الجلالين أو المصباح المنير أو السراج في غريب القرآن لـ د.الخضيري ونحوها .
طالعه إذا استغلق المعنى عليك أو شككت فيه أو عنّ في ذهنك لطيفة تبغي التحقق من سلامة موردها .
ثانياً – أحضر قلبك وحركه بالقرآن ، فإن شرد فقف والحق به ، ستتعب في البداية وسيذعن لك في النهاية ، وقد أطلت في بيان ضرورة ذلك في رسالة (فن التدبر) فلا اُطيل عليك هنا ، لكنْ لتكن على يقين أنه ضرورة كضرورة الروح للجسد .
ثالثاً – اجعل نفسك طَرَفاً ثم ظرْفاً لخطاب ربك ، اجعل القرآن مرآة نورانية ترى فيها أقوالك وأفعالك ، فهذا يُعطّر وهذا يُغسّل وهذا يُقص وهذا يُصفّف وهذا يُعالج وهذا يُبتر إن لزم الأمر ، وهكذا .
وهذا إن كان في غير القرآن فما بالك بالقرآن العظيم الذي أسماء سورة إما بنص كتابٍ أو سنةٍ معصومة أو إجماعِ صحابةٍ أو استفاضةٍ في الأمة .
وكان الصحابة خصوصاً ابن عباس رضوان الله عليهم يعتنون بأسماء السور أو أوصافها التي تدل على مقصودها ورحاها الذي تدور حوله ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر الفاروق رضي الله عنه قيل له : سورة التوبة ؟ قال : هي إلى العذاب أقرب ما أقلعت عن الناس حتى ما كادت تدع منهم أحدا .
وعن حذيفة رضي الله عنه في براءة : يسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب . وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : سورة التوبة ؟ قال : التوبة بل هي الفاضحة ، ما زالت تنزل ومنهم حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا ذكر فيها . وعن قتادة قال: كانت تسمَّى هذه السورةالفَاضِحَةَ) ، فاضحة المنافقين.
وعن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الأنفال ؟ قال : تلك سورة بدر .
وفي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس سورة الحشر . قال : قل بني النضير . أي سورة بني النضير .
وفي البخاري أيضاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت له وما المحكم ؟ قال المفصل .
قال سعيد بن جبير : إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم .د. عصام العويد