فإن توليت فعليك إثم الآرييسيين !!؟
حكاية الرجل الغامض
آريوس
"العالم كله صرخ وتعجب ليجد نفسه آريوسيًا !" (ا جيروم: أول مترجم للكتاب المقدس)
"وبقي قسيسٌ على الحق!" (عروة بن الزبير)
ما هو سر إسلام أقباط مصر بسرعة غريبة بعد أن طرد عمرو بن العاص الرومان منها؟ ولماذا لم يستغرق (عقبة بن نافع) وقتًا يذكر في فتح جل الشمال الأفريقي ؟ وما السبب الأساسي لفتح المسلمين للأندلس؟ ومن هم أولئك "الأريسيّين" الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته الشهيرة لهرقل؟ هل هم فعلًا فلّاحو الروم كما ورد في بعض كتب التاريخ ؟ الحقيقة أن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، فالآرسييون طائفة مجهولة تعمدت كتب التاريخ إغفالها لسببٍ سوف يتضح لاحقًا، ففهم تاريخ الآريسيين يفسر لنا حديثًا جميلًا رواه الإمام مسلم في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يصف حال الأرض قبل بعثته : " إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" !! وليتسنى لنا معرفة هوية هؤلاء "البقايا" يجب علينا أولًا أن نلقي نظرة سريعة على حال الكرة الأرضية في نهاية القرن السادس الميلادي وبداية القرن السابع الميلادي، لنرى كيف كان حالت شعوب الأرض مباشرة قبل بزوغ شمس الدعوة المحمدية :
الرومان : كان الرومان يحكمون بلدانًا شاسعة في أوروبا وآسيا وأفريقيا، يحكمونها بالنار والحديد، ويفرضون عليها الضرائب الباهظة ، ولعل كثيرًا من الذين يفتخرون بالمدرجات الرومانية (الحضارية!) في بلدانهم لا يعلمون أن هذه المدرجات والمسارح قد بنيت من قبل الرومان لكي تكون مكانًا يتسلى به الرومان الهمجيون وهم يرون الأسود وهي تنهش لحوم العبيد الذين يأتون بهم من مستعمراتهم.
الفرس : أما الفرس فحدث عنهم ولا حرج! فقد كان جل الفرس من عبّاد النار، فانتشر بينهم الانحلال الأخلاقي بشكل ما عرفته شعوب الأرض قبلهم أو بعدهم، فقد كانت (المتعة) بالجنس شكلًا يميزهم عن باقي شعوب الأرض، فسقط الفرس في أقذر أنواع الرذيلة الحيوانية، وشاع فيهم زنى المحارم، فكان كسرى (يزدجرد الثاني) يزني بابنته، وكان كسرى (بهرام جوبين) يزني بأمه وأخته !!! ولم تستحل أمة من الأمم القديمة هذه الرذيلة إلا أمة فارس، بل كان الإغريق والرومان يعايرونهم بذلك، وقد قسم الفرس البشر إلى سبع طبقات، فعامة الشعب في المرتبة الدنيا حيث كانوا يربطونهم كالكلاب بالسلاسل في المعارك، بينما كان كسرى في قمة الهرم الاجتماعي حيث كان يعتبر نفسه (سيدًا) صاحبَ دماءٍ مقدسة !
الهنود: عبد الهنود كل ما خطر ومالم يخطر على بال البشر! فقد عبدوا كل شيئ من الكواكب إلى الأنهار مروراً بالحيوانات والأشجار، بل إن بعضهم عبد أعضاء التناسل!! وسوف نتطرق لتاريخ الهند الديني والإجتماعي بالتفصيل في نهاية هذا الكتاب في معرض حديثنا عن خالدٍ إسلامي من أمة الهنود.
الصين: برزت في الصين كانت هناك ثلاث ديانات، هي :1- ديانة لاتسو: و تدعو إلى البعد الكامل عن النساء. 2- ديانة كونفوشيوس: وهي مادية بحتة. 3- ديانة بوذا: وتدعو إلى الانعزال والزهد في الحياة.
العرب: كان جل العرب يعبد الأصنام التي أشركوها في عبادتهم لله، فكان لكل قبيلة صنمًا أوأكثر.
ومن بين كل هذه النماذج القاتمة التي غرق فيها بنو البشر، كانت هناك بقايا من الإنسانية مزروعة في وجدان طائفة من بقايا أهل الكتاب يقال لهم "الآريسيين"، أفراد هذه المجموعة كانوا يشهدون أنه لا إله إلا الله، وأن عيسى نبي الله، أي أنهم كانوا على دين الإسلام، أما عن سبب تسميتهم بالآريسيين فيرجع إلى القرن الرابع الميلادي، وبالتحديد إلى عام 325 م، فقد كان المسيحيون منذ بعثة عيسى وحتى ذلك العام يؤمنون بوحدانية الله عز وجل، وبنبوة عيسى عليه السلام، إلى أن ظهر رجلٌ مصري يدعى (أثناسيوس)، هذا الرجل قام بتغيير الدين الذي جاء به المسيح عليه السلام، فأدخل فيه كثيرًا من العقائد الوثنية، وسبب ذلك أن أثناسيوس لم يكن مسيحيًا في بادئ الأمر، بل كان وثنيًا على دين الفراعنة القدماء، فقام بمزج المسيحية بالديانات الوثنية التي كان يعتقد بها قبل تنصره، فأدخل لأول مرة مبدأ ( الثالوث المقدس) (The Trinity) على الدين المسيحي التوحيدي، وينص هذه المبدأ على أن الله ذو طبيعة ثلاثية الأبعاد، كل بعد فيه يساويه، و كل بعد فيه لا يساوي الآخر! وإن كنت لم تفهم شيئًا من هذه الأحجية، فلا تقلق كثيرًا، لأن زملائي الأوربيين "المسيحيين" أخبروني أنهم أيضًا لا يفهمونها!! وربما كان هذا هو السبب الذي دفع الكنائس مؤخرًا لمحاولة شرح هذا المبدأ الصعب وذلك بتوزيع رسومات هندسية (مثل هذا الشكل) تحاول عبثًا شرح فكرة الثالوث المقدس. ومع أن مادة الرياضيات كانت مادةً مفضلة لدي لدرجة كنت أمثل فيها مدرستي في المسابقات عندما كنت طالبًا، إلا أنني أعترف أن ما قرأته عن "نظرية فيثاغورس" و "مسلمة إقليدس" و"مسألة أبولونيوس" و " منحنى ديوكلوس" لا يمكنه تفسير ذلك المبدأ، ولو كان لك ولدٌ مشاغب لم يبلغ من العمر إلّا سنياتٍ معدودةٍ، فجلبت له ثلاث تفاحات وقلت له أن كل تفاحة من التفاحات الثلاث تساوي نفس الشيء، ولكن التفاحات الثلاث لا تساوي الشيء نفسه! فلا أشك حينها بأن ذلك الطفل المشاغب سيأخذ إحدى تلك التفاحات الثلاث من يدك، ليقضم منها قضمة صغيرة، ليقذف رأسك بعدها بنفس تلك التفاحة المقضومة ، قبل أن يذهب إلى أمه ليخبرها بأن أباه قد فقد عقله !
والحقيقة أن أثناسيوس لم يأتي بمبدأ التثليث هذا من فراغ، فقد كانت فكرة الثالوث المقدس مغروسةً في كيانه قبل أن يعتنق النصرانية، فلقد كان دينه الفرعوني السابق يؤمن بالثالوث المقدس للفارعنة (أوزريس الأب، حورس الإبن، إزيس الأم )، بل إن فكرة الثالوث تلك كانت سائدة في أغلب الديانات الوثنية، فقد كان للهنود ثالوثهم البرهمي المقدس (برهما:الإله ، فشنو:المُّخلص ، سيفا:الروح العظيم) ، وعند الفرس الثالوث الزردشتي المقدس: ( الروح الصالحة ، الكلمة الصالحة ، العمل الصالح )، فأراد أثناسيوس نشر ذلك المبدأ في المسيحية، وعند تلك اللحظة ظهر العملاق الخالد آريوس، وقد كان آريوس قسًا أمازيغيًا يعيش في الإسكندرية بعد أن قدم إليها من مسقط رأسه ليبيا، فوقف بالمرصاد في وجه أثناسيوس، وأدحض افتراءات المثلثين بعلمه وفصاحته، فأنكر ما جاء به أثناسيوس بحجة في غاية البساطة، ملخصها أنه لم يرد في الإنجيل كلمة واحدة تنص بأن المسيح إله، ولم يرد في الانجيل أبداً أنه قالً للناس اعبدوني ، فنشب خلاف كبير بين (أثناسيوس) و سيده بابا الإسكندرية آنذاك (ألكساندريوس الأول) من جهة، وبين (أريوس) ومن معه من المسلمين الموحدين من جهة أخرى، فأمر الإمبراطور الروماني الذي كان يحكم مصر (قسطنطين الأول) بعقد مؤتمر يجتمع فيه كل علماء النصارى لبحث أمر هذه البدعة التي جاء بها أثناسيوس، فاجتمع العلماء في "مجمع نيقية المسكوني" في مايو 325 م، (و المفارقة العجيبة أن الله شاء لهذه السطور عن آريوس أن تكتب في نفس أيام انعقاد المؤتمر في الأيام الأخيرة من مايو ولكن في سنة 2010 م ، من دون أي تخطيط مسبق من كاتبها !)، وقامت المناظرات بين آريوس وأثناسيوس، فانتصر آريوس بالضربة القاضية بعقيدة التوحيد، إلا أن الإمبراطور قسطنطين الذي كان وقتها وثنيًا رفض رأي آريوس، فقد كان قسطنطين نفسه يؤمن بالثالوث الروماني المقدس (الله، الكلمة، الروح)، فأمر الإمبراطور آريوس ومن معه من الموحدين المسلمين بالتوقيع على عريضة تنص على ألوهية المسيح، فرفض بطلنا الإسلامي العظيم آريوس أن يقبل بالشرك بالله، والمضحك بالأمر أن الإمبراطور الوثني قسطنطين اعتمد "وثيقة الإيمان المسيحي" التى يؤمن بها النصارى إلى يومنا هذا (على الرغم من أن علماء النصارى يؤكدون باللإجماع أنه لم يكن نصرانيًا وقتها!) أما آريوس ومن معه من المسلمبن الموحدين فقد تم نفيهم إلى "البلقان"، قبل أن يأمر الإمبراطور بحرق جميع كتب آريوس وإعدام من يحتفظ بأي نسخة منها، عندها قامت الثورات الشعبية في أنحاء الإمبراطورية تطالب بإطلاق سراح القس البطل آريوس، فاستجاب قسطنطين لهذه الضغوطات، فجلب آريوس إلى العاصمة القسطنطينية (إسطانبول)، إلا أن المثلثين استطاعوا تسميم البطل العظيم آريوس، فوضعوا له سمًا مزق أمعاءه، فاستشهد بطلنا في القسطنطينية بعد حياة طويلة قضاها في الجهاد في سبيل الله، فدفع حياته ثمنًا لرفعه راية لا إله إلا الله، عيسى نبي الله .
وبعد أن مات آريوس قام أتباعه بنشر الإسلام في أنحاء أوروبا، فدخلت القبائل الجرمانية في الإسلام بتعاليم آريوس، وأصبحت كل أوروبا الغربية آريسية مسلمة تؤمن برسالة التوحيد، وساد الإسلام أغلب دول العالم قبل أن يُولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كان من العرب بعض النصارى الآريسيين وأشهرهم (ورقة بن نوفل) رضي الله عنه، وهذا يظهر جليًا من سرعة اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقرأ عنه في الإنجيل، ويظهر أيضًا من شعر ورقة الذي يقول فيه:
أما القارة الأوروبية فقد كانت قارة مسلمة على مذهب البطل الإسلامي آريوس، بل إن الإسلام الآريسي كان دين القارة الأوربية والشام والشمال الأفريقي لسنين عديدة، إلا أن المضحك المبكي في هذه القصة حدث عندما جاء إمبراطور وثني اسمه (يوليانوس)، هذا الإمبراطور الروماني يكن مسيحيًا أصلًا حتى موته، فقام بقتل المسلمين من أتباع آريوس، وقام بدعم المثلثين من الأرثذوكس وغيرهم على حساب المسيحيين الموحدين ، فانتشرت المسيحية المحرفة بحد السيف وآلات التعذيب، بعد أن قاموا بقتل ما يزيد عن 12 مليون من الآريسيين الموحدين، فأخفى من بقي من الآريسيين إسلامهم (سر تخفي قسّيسي عمورية والموصل وحران في قصة سلمان !) ، فكان معظم أقباط مصر مسلمين آريسيين، وهذا ما يفسر اعتناق الأقباط السريع للإسلام بعد أن جاء الصحابي الجليل عمرو بن العاص ليحررهم من المثلثين ، فكان عمرو بن العاص رضي الله عنه بمثابة المحرر لهم من التعذيب والقتل والإرهاب.
أما البربر فقد كانوا موحدين مسلمين من أتباع آريوس البربري، فلما جاءت دعوة محمد الخاتمة أعلنوا اتباعهم لها بسرعة البرق لتوافقها مع عقيدة التوحيد التي يؤمنون بها أصلًا، وهذا ما يفسر السرعة الخرافية التي فتح فيها عقبة بن نافع الشمال الأفريقي، ورغم أن حاجز اللغة قد أطال معرفتهم بقواعد الشريعة المحمدية لبعض الوقت، إلّا أنهم ما أن تعلموا العربية لغة القرآن حتى أصبحو جنودًا للإسلام. فإذا كنت أمازيغيًا وجاءك أحد المنصرين الأوربيين يُذكرك بأصولك الأوروبية المسيحية فلا تكذبه، ولكن قل له أن البربر كانوا مسيحيين آريسيين يؤمنون بوحدانية الله، وقم بعد ذلك بتذكير ذلك المنصر بأصوله المسيحية الأريسية التي دافع عنها بطل البربر آريوس، ثم ادعه أنت بدورك للإسلام !
أما الأندلس ، فقد كانت آخر معقلٍ من معاقل الآريسية في أوروبا، وكان كل أهل الأندلس مسلمين آريسيين قبل أن يُولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه في عام 586 م قام الملك الأسباني (ريكاردو) باعتناق المذهب الكاثوليكي، فأمر بفرضه على الشعب المسلم بحد السيف، فقُتل أغلب المسلمون الآريسيون من الأسبان والبرتغاليين، فأخفى من بقي منهم إسلامه في انتظار فرج الله، وفعلًا جاء فرج الله بعدها بسنوات قليلة، والعجيب في الأمر أن المدقق لهذا التاريخ 586 م - وهو تاريخ سقوط آخر معقل من معاقل الإسلام على الكرة الأرضية - يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبلغ من العمر حينها 20 عامًا تقريبًا ! فما هي إلّا سنيات قليلة حتى يشرق نور التوحيد من جديد على يديه، فيضيئ به دياجين ظلمات الشرك الحالكة ، ليحمل طارق بن زياد البربري تلك الشعلة التي أشعلها محمد بن عبد الله العربي ليضيء بها الأندلسَ من جديد، فيحرر إخوانه المسلمين الأوربيين الآريسيين من براثن الظلم والإضطهاد
من كتاب مائة من عظماء امة الاسلام غيروا مجرى التاريخ للباحث جهاد الترباني