ورد اسم الله العزيز في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.
وكأنما أراد بذلك سبحانه - وهو أعلم بمراده - أن يملأ أسماع المؤمنين بحديث العزة والقوة فإذا ما سيطر عليهم اليقين بعزة ربهم واستشعروا القوة في أنفسهم واعتزوا بمن له الكبرياء وحده في السماوات والأرض، تأبوا على الهوان حين يأتيهم من أي مخلوق وفزعوا إلى واهب القوى والقدر يرجونه أن يعزهم بعزته.
قال تعالى: " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) " سورة فاطر.
يقول الشيخ السعدي - رحمه الله - : " أي: يا من يريد العزة، اطلبها ممن هي بيده، فإن العزة بيد اللّه، ولا تنال إلا بطاعته.
من العزيــز؟
العزيز في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل، فعله عز يعز عزا وعزة،
أما المعنى اللغوي فيأتي على معان، منها العزيز بمعنى الغالب، والعزة بمعنى الغلبة ،
ومنه ما ورد في قوله تعالى :{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)}سورة ص،
أي غلبني في محاورة الكلام. ومنها العزيز بمعنى الجليل الشريف الرفيع الشأن ومنه قوله تعالى عن المنافقين :{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} سورة المنافقون،
أي ليخرجن الجليل الشريف منها الذليل.
ومنها العزيز بمعنى القوي القاهر الشديد الصلب وعَزَّزْت القوم قويتهم وشدَّدتهم ومنه ما ورد في قوله تعالى :{ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)} سورة يس،
أَي قَوَّينا وشَدَّدنا ، ومنها العزيز بمعنى المنقطع النظير أو الشيء القليل النادر الوجود، ومنه ما ورد من حديث عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ : ( كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَعَزَّتِ الْغَنَمُ ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُ ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
وهذه المعاني جميعا يجوز وصف الله بها، فالله عز وجل عزيز غالب على أمره كما قال سبحانه:
{ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21)} سورة يوسف،
وهو العزيز الذي له علو الشأن والفوقية في ذاته وصفته، كما قال تعالى:
{ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) } سورة مريم.
وقد جاء قي الحديث القدسي عن أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:الْعِزُّ إِزَارِي ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي , فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ" صححه الألباني، والله عزيز متفرد لا مثيل له متوحد لا شبيه له كما قال عز وجل:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:11]،
وقال تعالى :{قلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ}، وقال مبينا معنى الانفراد والأحدية:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، أي أن الأحد هو العزيز المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق في قانون أو قياس لأنه المتصف بالتوحيد العزيز المنفرد عن أحكام العبيد.
وفي الختام إخوتي أخواتي:
لأن العزة هي خلق المؤمنين فهي تحتاج منا جميعا
لعقيدة راسخة رسوخ الجبال الرواسي،
لذلك وقع اختيارنا كبداية على اسم من أسماء الله الحسنى
كما يسعدنا أن نقدم لكم بهذه المناسبة هدية مرفقة وهي كتاب قيم ومهم جدا بعنوان:
أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنة منها،
لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
على الرابط التالي: