القدرة على التصرف إذاً هو من أسماء الذات ، وهو من أسماء الأفعال، فيمكنأن يكون من أسماء الذات ومعناه : القدرة على التصرف ، ويمكن أن يكون منأسماء الأفعال ومعناه المتصرف .
حديث قدسي : "أنا ملك الملوك ، ومالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ،فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإنِ العبادُعصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسبالملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإنّ صلاحهم بصلاحكم" .
الله : ملك بل مالك الملوك ومعنى هذا أن أي شيء يُملَّكمالكه الله سبحانه وتعالى ، وقال بعض العلماء : الملك هو الذي يحكم ولايملك، والمالك هو الذي يملك ولا يحكم ، والله سبحانه وتعالى مالك وملك .
أحياناً يملك الإنسان الشيء ولا ينتفع به وليس من حقه أن يتصرف فيه،وأحياناً ينتفع فيه ويتصرف فيه ولا يملكه ، وأحياناً يملك الشيء وينتفع بهويتصرف فيه وليس المصير له ، مثال بيت يملكه ملكاً حراً شرعياً يسكنه ، فإنصدر قرار استملاك يصبح مصيره ليس له ، إذاً إذا قلنا إن الله سبحانهوتعالى هو مالك الملك : يملك الشيء ويتصرف به ومصيره إليه ، فتكون أعلىدرجات الملكية هي ملكية الله سبحانه وتعالى .
سئل أعرابي يملك قطيعاً من الغنم ، لمن هذه ؟ قال : لله في يدي ، فالمؤمنالصادق : بيته ومتجره ، سيارته ، خبرته ، مكانته ، شهاداته ، يراها بملكالله عز وجل .
مثال : أعلى طبيب في اختصاصه، إذا تجمدت خثرة في دماغه ، يفقد ذاكرتهفمصيره إلى مستشفى المجانين، إذاً مَن مالك الملك ؟ الله سبحانه وتعالى .
هذه العين التي ترى بها ، من مالكها ؟ الله سبحانه وتعالى ، هذه الأذن، هذااللسان ، هذه الحركة ، هذه القوة ، أيْ مِن لوازم الأيمان : أن ترى أن كلشيء بحوزتك هو ملك لله عز وجل سمح لك أن تتصرف به . لمن هذا القطيع يا فلان؟ لله في يدي ، وبيتك لله في يدك ، ومتجرك لله في يدك ، وسمعتك ومؤلفاتكوعقلك وذكاؤك لله في يدك .
الآن إذا قلنا : فلان ملك ، نقصد بها حقيقةً أم مجازاً ، العلماء قالوا : لا يمكن أن يملك حقيقةً إلا الله ، وأيُّ وصف للملكية لغير الله فهو وصفمجازي وعلى سبيل المجاز فقط ، لأن الملك هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عنكل موجود ، فهل من ملك يستغني في ذاته عن كل موجود ؟ ألا يشرب ، ألا يستنشقالهواء ، ألا يأكل ، ألا يشعر بحاجة إلى النوم ، ألا يخاف ، ألا يحزن ،ألا يتمنى أن يكون له أعوان كثر ، إذاً أي إنسان مفتقر في وجوده وفي صفاتهإلى إنسان آخر ، لا يمكن أن يكون ملكاً حقيقياً ، الملك الحقيقي هو الله عزوجل ، وإذا سمينا فلاناً ملكاً فهو من باب المجاز .
الملك الحقيقي الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ويحتاجه كل موجود ،بل لا يستغني عنه شيء في شيء لا في ذاته ولا في صفاته ، فهو ملك في ذاته ،في وجوده ، في صفاته ، مستغنياً عن كل شيء ، بحاجة إليه كل شيء ، هذا هوالوصف الدقيق للملك ولا ينطبق إلا على الله عز وجل ، إذاً الملك الحقيقي هوالله ، وكل من يصف نفسه أنه ملك أو مالك هذه الدار أو مالك هذه الدكان أومالك هذه التجارة أو صاحب هذه الشركة هذا من باب المجاز ، أعرف حجمكالحقيقي رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده.
الله سبحانه وتعالى : مالك مُمَلِّك ، الشخص الذي لا يستطيع أن يملكك فليسملكاً ، فمن لوازم هذا الاسم أن الله مالك مملك ، والدليل ...
هذه الآية دقيقة جداً : سيدنا يوسف يصف بأنَّ الله قد آتاه الملك : أيُّمُلْكٍ آتاه ! لعلكم ظننتم أنه كان أميناً على خزائن الأرض ، أغلب علماءالتفسير قالوا : لا ، بل آتاه الملك الحقيقي فهذا الملك الذي يؤتيه اللهلمن يشاء ملك زائل ، وليس فضيلة يفتخر بها ، فما هو الملك الحقيقي ؟ هو أنهملك نفسه ، لمجرد أن قال: معاذ الله حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال،حينما قالت هيت لك قال معاذ الله ، قال علماء التفسير : هذا هو الملكالحقيقي ، الملك الذي لا يزول ، الملك الذي تسعد به إلى الأبد، أن تملكنفسك ولا تملكك ، أن ينقاد لك هواك ولا تنقاد له ، إذا انقاد لك هواكوسيطرت عليه فأنت ملك ، إذا سيطرت على نفسك فأنت ملك ، إذا ملكت زمام نفسكفأنت ملك ، إذا سيطرت على شهواتك فأنت ملك ، إذا قدت نفسك إلى طريق الخيروالسعادة فأنت ملك أما إذا قادتك نفسك إلى الضلال والشهوات والمعاصيوالأثام أنت مملوك ، إذا قادك عقلك أنت ملك، إذا قادك هواك فأنت مملوك ،وشتان بين أن تكون ملكاً وبين أن تكون مملوكاً .
أحد أكبر زعماء أوروبا في الحقبة السابقة والذي حقق انتصاراً ساحقاً فيالحرب العالمية الثانية له كلمة لا أنساها ، قال : ملكنا العالم ولم نملكأنفسنا ، نحن ضعاف أمام أنفسنا . شخصية كبيرة تغريه امرأة تعمل معه ، تنهارنفسه أمام فتنتها . إذاً أنت مملوك ، كل أهل الدنيا عندهم نقطتا ضعفمدمرتان : المال والنساء ، أي يملك أشياء كثيرة وله اطلاع واسع ، له قدراتعجيبة ، ومع ذلك المرأة والدرهم والدينار تمتلكه ، إذاً هو مملوك.
مملوك هو في خدمة المال ولم يجعل المال في خدمته ، المال أصلاً مُسخر لكلكنك سُخِّرت له فأنت عبد له ،- تعس عبد الفرج تعس عبد البطن تعس عبدالخميصة . إذاً أنت مملوك ، إذا قرأتم هذه الآية ترنموا بها : ربِّ قدآتيتني من الملك ، الملك الحقيقي أن تملك نفسك لا أن تملكك ، أن ينقاد لكهواك لا أن تنقاد له ، أن تسيطر على شهواتك ، أن تكون مع الحق حيث كان الحق، أن تكون وقَّافاً عند كتاب الله ، أن تعترف بالحق الذي لغيرك عليك وإنكان مراً ، هذه هي البطولة الحقيقية.
بعضهم قال : المَلِكُ: الذي ملك قلوب العابدين فأقلقها ، الحقيقة أنالإنسان منذ أن عرف الله عز وجل ، أو منذ أن بدأ في معرفة الله ،دخل فيدوَّامة الحب ، أصبح مشغولاً ، أصبح عظيماً بعد أن كان تافهاً ، يعني أنالمؤمن قلق لا ينزاح عنه قلقه حتى يلقى الله عز وجل ، هل اللهُ راض عني ؟هل عملي وفق ما يرضي الله ؟ هل الله يحبني ؟ هل في عملي إخلاص ؟ هل في عمليزيغ ؟ هل هناك ما أرجوه غير الله عز وجل ؟ ومَلَكَ قلوبَ العارفين فأحرقها ، المَلِكُ مَنْ إذا شاءَ مَلَّك ومن إذا شاء أهلك :
إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) (سورة البروج(
إذا أعطى أدهش ، وإذا حاسب فتّش ، أعطانا قبل سنوات أمطاراً غزيرة دهشنابها سبعين ضعفاً عن إنتاج السنوات السابقة من القمح وإذا انحبست أمطارالسماء ، فَمَنْ في الأرض كلها يستطيع أن يصدر قراراً بإنزال المطر ! ولواجتمعت الأمم كلها ، المجالس كلها ، والقيادات كلها، وإذا انحبست الأمطارمات الزرع وتبعه الضرع وتبعه الإنسان . فنحن عبيد لأننا مفتقرون لماءالسماء :
اللهُ سبحانه وتعالى . المَلِكُ من إذا شاء ملّك وإن شاء أهلك ، الملك الحقمن لا ينازعه معارض ، لا خصومات لا معارضون لا مُشَوشون منتقدون ، ولايمانعه ناقد فهو في تقديره منفرد ، وبتدبيرهُ متوحِّد ، ليس لأمره مرد ولالحكمه رد، والمَلِكُ من دار بحكمه الفلك . ذكر الله تعالى في آية واحدةخمسة بنود للملكية.
العلماء فسروا المُلْك أنه ملك الآخرة كما فسَّروه ملك الدنيا ، فإذا كنتمؤمناً، مستقيماً ، صادقاً مخلصاً ، لك عمل طيب فأنت ملك ، ولكن مِن ملوكالدار الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟
والإمام علي يقول: "الغنى والفقر بعد العرض على الله" ، وقال "تؤتي الملك من تشاء " ولكن من تشاء ؟ إذا قال الله عز وجل : "والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "! ما معنى يهدي من يشاء ؟ يعني من شاء الهداية هداه الله، " ويضل من يشاء ": من شاء الضلالة أضله الله ، فالهداية والضلالة أصلهما هداية جزائية أو ضلال جزائي مبني على هداية أو ضلال اختياري.
تؤتي الملك من تشاء : تؤتي الهداية من شاءها ،وتنزع الملك ممن تشاء: رفض الدين ، رفض رحمة رب العالمين ، رفض وعده العظيم ، أراد الدنيا، أرادشهواتها ، ينصرف الإنسان إلى الملاهي ، إلى شهواته، إلى دور اللهو ، إلىمعاصيه ، إلى انحرافاته .
بالمناسبة مُلْك الدنيا : يؤتيه الله لمن يحب ولمن لا يحب ، وأما مُلك الآخرة فلا يأتيه إلا لمن يحب.
مَن مَلَّكَكَ هذا البيت ؟ الله سبحانه وتعالى ، لمن كان هذا البيت ؟ لفلان، كيف باعه ؟ ضاقت به الأمور فباعه ، من الذي جعلك خليفة له في هذا البيت ؟الله سبحانه وتعالى ، هذا العمل من ولاّك إِياه ؟ الله سبحانه وتعالى،لماذا عُزِل فلان ؟ بحكمة الله وتقديره ، إذاً المعنى الآخر : تؤتي الملكمَنْ تشاء ، المعنى الدنيوي.
الله سبحانه وتعالى يقول : " وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَڪُمۡ خَلَـٰٓٮِٕفَ ٱلۡأَرۡضِ " ما الحكمة ؟ لماذا أعطى فلاناً ومنع فلاناً ؟ ومَلَّكَ فلاناً ونزع من فلان ؟ لماذا رفع فلاناً وخفض فلاناً ؟ الجواب : " ليبلوكم أَيُّكم أحسنُ عملاً " يمتحنك بالغنى وبالفقر ، بالصحة وبالمرض ، بالقوة وبالضعف ، قال فإذا كان هذا العبد متمرداً فما الجواب ، قال : " إن ربك سريع العقاب " قال فإذا كان طائعاً فما الجواب ؟
إذاً : جعلكم خلائف الأرض ، ووزع الحظوظ توزيع ابتلاء وسوف تُوَزَّعُ فيالآخرة توزيع جزاء إذاً هو مالك الملك : إِما أن يُمَلِّكك ملك الآخرة أوملك الدنيا أو ملك الآخرة والدنيا :
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
" وتعز من تشاء وتذل من تشاء " دخلنا في باب العز والذل ،هنالك شيء دقيق جداً : إذا أعزك الله سخر لك أعداءك ، وإذا أراد الله أنيذل عبداً ما ، أذله أقرب الناس إليه ، " ومَنْ يُهِنِ اللهُ فما له مِنْ مُكرم " :
اجعل لربك كل عزك يستقرَّ ويثبُت ... فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميّت
إذاً من لوازم أن الله مَلِك أنه هو الذي يعز وهو الذي يذل ، فكن مع العزيز ،
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا ... فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــا ولذ بحمانا واحتمي بجنابنــا ... لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
بيدك الخير ، إذاً فالذلُّ خير ، ونزع المُلكِ خير ، ولكن يسمى شراً من وجهة نظر الإنسان.
تولج الليل في النهار ، تصريف الكون ، تسيير الكون ، الأرض تدور حول الشمسبمدار اهليلجي بيضوي ، مَن يجعلها على مسارها تماماً؟ هل في الكون كله قوةتستطيع أن تجعلها على مسارها لو خرجت ؟ إنها إن خرجت انتهت وجذبتها كواكبأخرى !!
يمسكها على مسارها ، إذا خرج القطار عن سِكَّته ، طفل رضيع أو نملة صغيرةأو ذبابة حقيرة هل بإمكانها أن تعيده إلى السكة ؟ ولئن زالتا إن أمسكهما منأَحد مِن بعده ، مَن جعل الأرض تسير في الثانية 30 كم ؟ مَن جعلها تدور فيالساعة 1600 كم ؟ مَن جعلها بهذا الحجم ومن جعل بعدها عن الشمس بهذهالمسافة ؟
ظاهرة النبات ، ظاهرة توالد الإنسان ، تكاثر الحيوان ، تكاثر النبات، تخرجالحي من الميت : بذرة الزيتون تبدو لك قطعة من الخشب كامن فيها شجرة بقوةهذه البذور ، هذه أنماط الحياة ، دورة الحياة ، الشجرة يابسة في الشتاءكأنها خشب يأتيها الربيع فإذا هي خضراء .
مرة طلب سيدنا عمر من سيدنا عمرو بن العاص أن يصف له مصر وكان بليغاً ،قال: يا أمير المؤمنين مصر طولها شهر ، وعرضها عشر ، يعني طولها مسيرة شهروعرضها مسيرة عشرة أيام ، يخط وسطها نهر ميمون الغَدَوات مبارك الرَّوْحات ،يا أمير المؤمنين بينما هي عنبرة سوداء - ترابها أسود اللون لخصوبته - إذاهي درَّة بيضاء - طواف النيل - إذا هي زبرجدة خضراء ، فتبارك الله الفعاللما يشاء، وصف مصر في الشتاء وفي فيضان النيل وفي الربيع والصيف، وصف طولها
Hsl hggi hglg; lEg çglg; hggi
توقيع : سيف الامه
من عرف نفسه لم يضره ما قال الناس فيه
لاتستحى من اعطاء القليل فان الحرمان اقل