كانت صديقتي المقربة إليّ جداً في المسجد , كنا بالمسجد نحفظ القرآن ونتعلم التجويد والفقه , ونعلم الزهروات التجويد والسيرة والرقائق , وننسق فعاليات الدورة الصيفية بالمسجد كل عام , وكنا نتنافس في ذلك في جو يملؤه الحب والسعادة والطاعة , وعندما كان يأتيني خاطب أخبرها وهي كذلك , لكن أحلامها كانت بسيطة عن أحلامي فيما يخص شروط القبول بالزواج , وتحديداً في شخصية الزوج , كانت تقول يكفي انه مصلي ويعرف أمور دينه ودنياه ومن أسرة محترمة وعنده مسكن يصلح للزواج , أما أنا كانت أحلامي تفوقها بكثير ,
جداً , فكنت أدقق كثيراً في من يجيء لخطبتي ولا يعجبني أحد بتاتاً , أحلامي كانت كبيرة جداً تفوق الحد المعقول , لكنها كانت أحلام تتعلق بشخصية الزوج وعقليته ومنهجه ومبادئه وطموحة الكبيرة التى لا يوجد لها سقف معين ..
كانت أحلامي تزداد كل يوم وبدرجة كبيرة جداً ً كلما أطلعت على سير الصحابة والتابعين ,
كنت أتخيل نفسي من الصحابيات , عشت فترة كبيرة جداً من عمري وأنا أتمنى ذلك فأنا أحب جداً السيرة وكنت أختارها كل عام لتكون هي المادة الوحيدة التي ألقيها في المسجد على الحاضرات والزهراوات ,كنت أتنفسها بعمق وسعادة وأشعر بها تتخللني وتجبرني على أن أكون قوية وثابتة جداً ونقية وصاحبة منهج وأحلام صعب التخلي عنها ,
وفي يوم من الأيام قالت لي أمي هناك شاب قريب منا يخطبك , نظرت لها قائلة ببساطة شديدة استفزت أمي كثيراً .. وهل هو يا أمي حبيب بن زيد الأنصاري , قالت أمي في دهشة شديدة يا بنتي الله يهديك ده مش أسمه ..! قلت لها في ثقة طيب لن اقبل به , فأنا سأتزوج بحبيب بن زيد لا سواه
صرخت أمي بوجهي قائلة الصبرمن عندك يارب ..:)
كنت أتمني أن أتزوج برجل كسيدنا حبيب بن زيد الأنصاري , في قوته وجرأته وتقواه وتفانيه وحبه الشديد للحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم , حفظت قصته عن ظهر قلب , وتعرفت على أسرته فرداً فرداً , فأبوه هو زيد بن عاصمٍ طليعة المسلمين في يثرب، وأحد السبعين الذين شهدوا العقبة
وأمُّه هي أمّ عمارة نسيبة المازنية ,أول امرأة حملت السلاح دفاعاً عن دينِ الله، وذياداً عن محمد رسول الله .. وأخوه هو عبد الله بن زيد الأنصاري الذي جعل نحره دون نحر النبي
( النحر أعلى الصدر، وجعل نحره دون نحر النبي, أي جعل نفسه فداء له قال فيهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه:
( بارك الله عليكم من أهلِ بيت , رحمكم الله من أهل بيت )
فمن ينال هذا الشرف ومن تلك التي تتزوج بهذا الفارس التقي الورع ,وتنضم لهذه الأسرة الشريفة الطاهرة
لكنني كنت أبحث عن حبيب من عصري يشبه هذا الحبيب المجاهد .. فقد يسخر البعض من كلماتي قائلا هذه مجنونة تبحث عن المستحيل .. فكنت دائما أقول أنا أريد حبيب بن زيد زوج لي بالجنة , فتضحك صديقاتي مني ويتعجبون ,
كبرت وكبرت أحلامي معي وكانت صديقتي هذه تسخر مني وتشفق عليّ وكلما قابلتها سألتني , كيف حال حبيب هل جاء ليخطبك .؟ , أجيبها بدوري في ثقه تامة إن شاء الله قريباً وإن لم يكن ففي الجنة ..!
وبقيت كثيراً أنتظره , وتزوجت معظم صديقاتي برجال ملتزمين وعاديين , لكن أنا أحلامي كانت كبيرة وعظيمة وصعبة المنال .. فلم أكن أنتظر فقط الملتزم العادي بل
( التقي النقي القوي في الحق )
لكن الواقع مختلف كثيراً عن الأحلام فقد يكون الواقع أوقات كثيرة معول حاد يقتلع الأحلام البريئة من جذورها ويلقي بها خارج حدود الأمل ..
لكن الله سبحانه وتعالى واسع الكرم كثير النعم يعطي دون حساب
ويمنحنا أكثر مما نتنمي وزيادة سبحانه من اهتدى به لا يضل ومن استكثر به لا يقل ومن أعتز به لا يذل
*****
مرت السنوات ولم أرى صديقتي , وخرجت أمس لأبتاع بعض الأشياء , ورأيت صديقتي الغالية تهرول أمامي عرفتها لأنها غير منتقية فهي فقط مختمرة لكنها لم تعرفني أبداً ولم تشعر بي كانت تركض مسرعة لتلحق بحبيبها الملتزم الذي تزوجته وهي راضيه وسعيدة , كان مشهد مستفز جداً لم يروق لي بأي حال من الأحوال فكيف برجل من المفترض أنه ملتزم وصالح
أن يترك زوجته تركض خلفه وهو لا يلتفت حتى ليعرف إلي أين وصل بها الحال وكيف تركض خلفه هكذا في الشارع ..؟!
فلماذا لا يمسك بيدها وهى بجواره ويتودد إليها ويحنو عليها وتكون بقربه دائماً بالبيت وخارجه , لماذا يسير أمامها وتفرق بينهم المسافات ولو كانت سنتمترات فقط هي ما تفصل بينهما لكنها بالنهاية مسافات ..!
فماذا سيصنع لو تعثرت باليسر وسقطت أمام المارة ..؟ هل سيرتاح وقتها ..؟
أم سيتذمر ويغضب
و يتركها ويمضى حتى لا يلاحظ المارة بأن زوجته وعرضه وسكنه تعثرت أمامهم ولم يستطيع هذا الحبيب أن يمد يد العون لإنقاذها من هذا الموقف المحرج والمؤلم , فعندما يتعثر الرجل يشعر بالخجل الشديد فماذا عن شعور المرأة حينئذ ..؟
شعرت بالضيق والحزن لأجلها , وقلت في نفسي لو كان هذا الموقف بعد العقد وقبل البناء لوجدنا اختلاف كبير وشاسع في التعامل , سيكون بجوارها ويتمنى قربها ويطلب منها أن تتعلق بذراعه ويقول لها بحنان وحب , تعال لأبتاع لك بعض الهدايا وما تحتاجينه
..!
فلماذا لا يزيد الحب ويكون أكثر عمقاً وقوة بعد الزواج والعشرة , لماذا يهمل الرجل زوجته وتهمل الزوجه زوجها ..؟! وتزداد المسافات ويحل الفتور العاطفي محل المشاعر الجميلة ..؟! بديهي جداً أن تتوطد العلاقة بينهما وتكون أكثر عمقاً مع مرور الزمن ..؟
وقتها وقفت مع نفسي قليلا وتذكرت مواقف لمعلم البشرية الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه
تذكرت كم كان رقيق وحنون ومعطاء ورحيم مع كل البشر , وتذكرت حاله مع زوجاته رضي الله عنهن جميعاً , فكان صلى الله عليه وسلم يمنحهن الكثير ويتعامل معهن بلطف ورقه ويرفع من شأنهن ويدللهن كثيرا ويحترمهن جداًويحترم مشاعرهن , ولا يتعامل معهن بفوقية وتعسف ,
وهذا موقف من مواقفه الرائعةمع أمنا صفية رضى الله عنها فعن أنس رضى الله عنه قال: (خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر)
فرأيت النبي جلس عند بعيره .. فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب) رواه البخاري
فلم يخجل الحبيب المصطفى ولم يقول أنا نبي الامة ولى مكانتي أمام الناس ولم يهتم أبداً من أن يراه أصحابه وعامة الناس وهو يضع ركبته لتركب زوجته بسهوله , لكنه فعل ذلك من اجل راحة حبيبته وقرة عينه صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك أخذها أمامه وغطاها برداءه الطاهر صلى الله عليه وسلم ,
فأين أنتم من الحبيب المصطفى يامعشرالرجال ..؟!
هل فكرأحد منكم بفتح باب سيارته لتركب زوجته ثم يغلق الباب بإحكام خوفاعليها ..؟
لاأظن أن ذلك يحدث كثيراً هذا إن حدث أصلاً ..!
هل أعترف أحداًمنكم على الملأ أنه يحب زوجته كما فعلها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم , أعترف بسهوله ويسر وبدون تردد أو خجل فعن عمروبن العاص أنه سأل النبي (صلى الله عليه وسلم ) أي الناس أحب إليك قال الحبيب المصطفى عائشةفقلت من الرجال ..؟قال أبوها )
قد لا يعترف الرجل أساساً ابحبه لزوجته بينه وبين نفسه وكأن هذا يقلل منه ومن رجولته , ولا يناديها بأحب الأسماء الي قلبها ..؟! سبحان الله العظيم
في رواية أخرى عن أمنا العفيفة الطاهرة السيدةعائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه ويشرب بعدي من فضل شرابي وأناحائض
قمة الرقة في تعاملاته صلى الله عليه وسلم , فهل يتعلم الرجال كيف يكون الحب , من هذا المحب النقي ..؟!
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة رضي الله عنها
حبي لك كعقدة في حبل فتضحك هي رضي الله عنها , ثم كلما مرت عليه سألته كيف حال العقدة يارسول الله؟فيقول صلى الله عليه وسلم كماهي ..
فما هذه الروعة يا رسول الله .. حتى في وصفه لمشاعره المرهفة الجياشة لزوجاته كان معلم وموجه ..
تذكرته صلى الله عليه وسلم في لحظات غضبه
وكيف كان يتعامل وقتها مع زوجاته برفق وحب وتسامح
تذكرته صلى الله عليه وسلم في لحظات غضبه
وكيف كان يتعامل وقتها مع زوجاته بتسامح وكرم وحب ..
، فقد حدث خلاف بين النبي صلي الله عليه وسلم وأمنا عائشة رضي الله عنها فقال لها من ترضين بيني وبينك ..؟ أترضين بعمر.. قالت لا أرضي عمر قط عمر شديد . قال أترضين بأبيك بيني وبينك .؟ قالت نعم فأرسل الحبيب المصطفى لسيدنا أبى بكر .. فلما جاء قال الرسول لها تتكلمين أم أتكلم أنا ؟ قالت , تكلم ولا تقل إلا حقاً، فرفع أبو بكر يده فلطم أنفها، فولت عائشة هاربة منه وأحتمت بظهر النبي ، حتى قال له رسول الله .. أقسمت عليك لما خرجت بأن لم ندعك لهذا
فلما خرج قامت عائشة فقال لها الرسول : ادني مني؛ فأبت؛ فتبسم وقال: لقد كنت من قبل شديدة اللزوق بظهري إيماءة إلى احتمائها بظهره خوفًا من ضرب أبيها لها -، ولما عاد أبو بكر ووجدهما يضحكان قال: أشركاني في سلامكما، كما أشركتماني في دربكما
"
رواه الحافظ الدمشقي
.
وهذه رواية أخري
رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَال : اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا ، وَقَالَ : لاَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَجَعَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَحْجُزُهُ ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ : كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا ، فَقَالَ : لَهُمَا أَدْخِلاَنِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا . فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا .
أخطأت بحقه صلى الله عليه وسلم وعندما قام أبيها ليضربها دافع عنهاووقف بينها وبين أبيها ليحميها ..! من يفعل ذلك غيرك يا حبيب الرحمن
اتقوا الله في نسائكم أيها الرجال وخذوا بإيدهن وكونوا أكثر عدلا وإنصافاً معهن , ولا تنتظروا دائما الأخذ دون عطاء , ولأنكم الأقوي ولأنكم العضد والسند والقيمين عليهن فكونوا قوامين لله
, فكن دائما يا أخي مع زوجتك خير آخذ..ولاتعاملها بالند وأصبر عليها ..
واقتدوا بالحبيب المصطفى في كل شيء فخيركم خيركم لأهله وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم خيرالناس لأهله
أعتذر عن الإطالة , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته