ساخصص هذه الصفحة باذن الله لنقل قبسات من ظلال شهيد المفسيرن سيد قطب ::.
من منا لا يعرف هذا العملاق الذي كان لاستشهاد ه أثر في إيقاظ العالم الإسلامي أكثر من حياته، ففي السنة التي استشهد فيها طبع الظلال سبع طبعات بينما لم تتم الطبعة الثانية أثناء حياته،-وصلت طبعات الظلال لحتى الان الى 38طبعة- ولقد صدق عندما قال: (إن كلماتنا ستبقى عرائس من الشموع حتى إذا متنا من أجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء).
أن منهج الله يريد أن يسيطر، ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده- كما هو الإعلان العام للإسلام- ومناهج الجاهلية تريد- دفاعاً عن وجودها- أن تسحق الحركة المنطلقة بمنهج الله في الأرض، وأن تقضي عليها..
لا كفاح بلا عقيدة، ولا حياة بلا عقيدة، ولا إنسانية بلا عقيدة. ولقد كنا نقولها كلمات فيتخذها السفهاء الصغار لعباً ولهواً. أما اليوم فتقولها الوقائع، وتقولها الأحداث. فإذا تشدّق لسان تافه، وإذا تلاعب قلم هزيل، فتلك هموم التافهين المهزولين في كل زمان وفي كل مكان.
لقد كان القرآن الكريم قد قدم للناس هذا التفسير الشامل، في الصورة الكاملة، التي تقابل كل عناصر الكينونة الإنسانية، وتلبي كل جوانبها، وتتعامل مع كل مقوماتها... تتعامل مع "الحس" و "الفكر" و "البديهة" و "البصيرة"... ومع سائر عناصر الإدراك البشري، والكينونة البشرية بوجه عام - كما تتعامل مع الواقع المادي للإنسان، هذا الواقع الذي ينشئه وضعه الكوني - في الأسلوب الذي يخاطب، ويوحي، ويوجه كل عناصر هذه الكينونة متجمعة، في تناسق، هو تناسق الفطرة كما خرجت من يد بارئها سبحانه!
وبهذا التصور المستمد مباشرة من القرآن، تكيفت الجماعة المسلمة الأولى، تكيفت ذلك التكيف الفريد، وتسلمت قيادة البشرية، وقادتها تلك القيادة الفريدة، التي لم تعرف لها البشرية - من قبل ولا من بعد - نظيراً، وحققت في حياة البشرية - سواء في عالم الضمير والشعور، أو في عالم الحركة والواقع - ذلك النموذج الفذ الذي لم يعهده التاريخ، وكان القرآن هو المرجع الأول لتلك الجماعة، فمنه انبثقت هي ذاتها... وكانت أعجب ظاهرة في تاريخ الحياة البشرية: ظاهرة انبثاق أمة من خلال نصوص كتاب! وبه عاشت، وعليه اعتمدت في الدرجة الأولى، باعتبار أن "السنة" ليست شيئاً آخر سوى الثمرة الكاملة النموذجية للتوجيه القرآني، كما لخصتها عائشة رضي الله عنها وهي تُسأَل عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجيب تلك الإجابة الجامعة الصادقة العميقة: (كان خلقه القرآن) [أخرجه النسائي].