علم وفَّقك الله لطاعته أن قيام رمضان يحصل بأن يقوم المسلم مع إمامه حتى ينصرف، ولو جزءًا من الليل.
كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: صُمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئًا من الشهر حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة، لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلْتَنا قيام هذه الليلة، قال: فقال: ((إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف[1]، حُسب له قيام الليلة))، قال: فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يَفوتنا الفلاح، قال: قلت: ما الفلاح؟ قال: السحور[2]، ثم لم يقم بنا بقية الشهر[3]؛ رواه أبو داود.
والوعد بالمغفرة في قوله صلى الله عليه وسلم: ((غُفر له ما تقدم من ذنبه)) يختص بالصغائر عند أكثر أهل العلم.
أما الكبائر فلا بدَّ لها من توبة خاصة، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مُكفراتٌ ما بينهنَّ؛ إذا اجتُنب الكبائر))[4].
"قال النووي[5]: المعروف أنه يختص بالصغائر[6]، وبه جزم إمام الحرمين، وعزاه عياضٌ لأهل السنَّة؛ قال بعضهم: ويجوز أن يخفِّف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة"[7].
[1] والمقصود انقضاء الصلاة كلها، وبناءً على ذلك فإذا كان يقوم للناس إمامان، فلا ينصرف حتى يَفرُغا، كما هو الحال في الحرمين مثلًا.
[2] قال البدر العيني رحمه الله: "أصل الفلاح النقاء، وسُمي السحور فلاحًا إذ كان سببًا لبقاء الصوم، ومعينًا عليه"، "شرح سنن أبي داود" (5 / 280).
[3] رواه أبو داود في تفريع أبواب شهر رمضان، باب في قيام شهر رمضان، رقم: (1375)، وصححه الألباني.
[4] رواه مسلم في الطهارة باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مُكفِّرات لما بينهن؛ ما اجتنُبت الكبائر، رقم: (233).
[5] يُنظر: "شرح مسلم" (3 / 112 - 113).
[6] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ظاهره يتناول الصغائر والكبائر، وبه جزم ابن المنذر".
[7] "فتح الباري" (4 / 319).