فللفقهاء في إخراج القيم في الزكاة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يجزئ بكلِّ حال؛ كما قاله أبو حنيفة.
والثاني: لا يجزئ بحال؛ كما قاله الشافعي.
والثالث: أنه لا يجزئ إلَّا عند الحاجة، مثل: من تجب عليه شاة في الإبل وليست عنده، ومثل من يبيع عنبه ورُطَبه قبل اليبس.
وهذا هو المنصوص عن أحمد صريحًا، فإنه منَع من إخراج القيم، وجوَّزه في مواضع للحاجة، لكن من أصحابه مَن نقل عنه جوازه، فجعلوا عنه في إخراج القيمة روايتين، واختاروا المنعَ؛ لأنه المشهور عنه كقول الشافعي.
وهذا القول - الثالث - أعدل الأقوال، كما ذكرنا مثله في الصلاة؛ فإن الأدلة الموجبة للعين نصًّا وقياسًا؛ كسائر أدلة الوجوب، ومعلوم أنَّ مصلحة وجوب العين قد يعارضها أحيانًا ما في القيمة من المصلحة الراجحة وفي العين من المشقَّة المنفية شرعًا[1].
• ولقد اختلف الفقهاء في جواز إخراج القيمة في الزكاة، وسبَب الخلاف بين الفقهاء يرجع إلى اختلافهم في حقيقة الزكاة:
هل هي عبادة وقربة إلى الله تعالى؟
أم أنها حق مترتب في مال الأغنياء للفقراء؟
1- بعض الفقهاء: غلَّب معنى العبادة والقربة في الزكاة.
فقالوا: لا تجزئ القيمة، ولا بد من إخراج العين التي جاء بها النصُّ (الحبوب).
قال أبو بكر الأعمش رحمه الله: "أداء الحنطة أفضَل من أداء القيمة؛ لأنه أقرَب إلى امتثال الأمر، وأبعد عن اختلاف العلماء؛ فكان الاحتياط فيه"[2].
2- والبعض الآخر من الفقهاء قالوا: هي حق مالي للفُقراء، المقصود منه سد حاجتهم، فقال هذا الفريق من الفقهاء بجواز إخراج القيمة (المال).
قال الإمام السرخسي رحمه الله: "فإن أعطى قيمةَ الحنطة، جاز عندنا؛ لأنَّ المعتبر حصول الغنى"[3].
رأي الإمام ابن تيمية رحمه الله:
اعتبر الإمام ابن تيمية رحمه الله المصلحةَ والحاجة في إخراجها، فقال: "إن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة مَمنوع، وأمَّا إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، فلا بأس به"[4].
• والرَّاجح للإفتاء به في هذه المسألة والموافق لمقاصد الشريعة هو: جواز إخراج القيمة في زكاة الفِطر.