08-11-2008, 02:53 PM
|
المشاركة رقم: 5 (permalink)
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
ربِّ اغفرلي ولوالدي |
الصورة الرمزية |
|
البيانات |
التسجيل: |
26 - 9 - 2008 |
العضوية: |
1994 |
المشاركات: |
146 |
بمعدل : |
0.02 يوميا |
معدل التقييم: |
0 |
نقاط التقييم: |
10 |
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
إشراقة شمس
المنتدى :
مكتبة قصة الإسلام
رد: من هو بطل الأبطال ؟ ادخل وإقرأ عنه
زهــده وقنــاعتـــــه ( 4 ) زهده وقناعته صلى الله عليه وسلم، قد ضرب فيهما المثل الأعلى للناس جميعاً، للراعي والرعية، والأفراد والجماعات. انظروا إلى العالم الذي نعيش فيه، فإنه يشكو الجشع الذي أصاب أهله، فلا الغنى قانع بالآفه وملايينه، ولا الفقير راض بالكفاف من العيش؛ فالمالكون لأعنة المال يصرفونه في شئون الهوى، والأجراء كذلك يتطلعون إلى المال من أجل الهوى. ليس المسيطرون أقل رغبة في اللهو ممن هم دونهم، فقد تساوى الأمير والحقير، وجعلوا هدف الحياة وغايتها شهوات النفس، ومتاع العيش.
انظروا يميناً ويساراً في كل البيئات، بل في العالم أجمع، هل ترون إلا خلقاً قد انطلقوا للدرهم والدينار، لا يلوون على شيء، وانصرفوا لعبادة المال، فملك قلوبهم ومشاعرهم، وأصبح رفيقهم في حركتهم وسكونهم؟
وهل ترون إلا صراعاً بين أمم اتخذت حب المال والغلب عليه غايتها، فهو لها الأول والآخر، والظاهر والباطن؟ وهل ترون إلا طبقات من الأمم تتطاحن، ليس لها مطلب إلا السبق إلى المتاع، واختطاف بعضها ما في أيدي البعض؟ وهل ترون إلا أفراداً من فاز منهم بالغنيمة تنحى بها جانباً، وأرخى لهواه العنان، في قصور مشيدة، وجنان، ومراكب، ومواكب، ومتاع، وغرور، والناس ينظرون إليهم مع الحسد والإعجاب، لا يسألون أنفسهم شيئاً عن أصل هذا أو مصيره؟
تلك الأمم والطبقات والأفراد في صراعها على مواد الحياة قد هوت إلى الحيوانية، ليسوا فيها إلا كالقطيع يتزاحم ويتطارد، ليحظى بالعشب، أو الكلاب تتهارش وتتخاطف العظام.
هوى الإنسان في سبيل المال والهوى إلى الدرك الذي جاء الأنبياء والرسل جميعاً ليرفعوه عنه، ويوجهوه وجهة أسمى من المحسات، وجهة معنوية مقتصدة في رغبات البدن الزائل، متطلعة إلى مطالب الروح الخالدة.
جاء بطل الأبطال صلى الله عليه وسلم؛ والناس على مثل هذه الحال لا يعرفون فضلاً إلا للأموال والأحساب، ولا يدركون من لذة التقوى ومتاع الروح شيئاً، فضرب مثلاً من نفسه في القناعة والزهد واحتقار الدنيا، صرف الناس عما هم فيه، وأخرج الصحابة الزهاد الذين جعلوا للحياة الروحية المقام الأول، فاتخذوا الدنيا مطية إلى ما هو أسمى منها.
ضرب محمد عليه السلام المثل من نفسه، في فقره وغناه، وضعفه وقوته، ضربه وهو محاصر مع أهله في الشعب، وضربه وهو ملتجئ إلى المدينة، وهو يقيم دولة الإسلام فيها، وبعد أن أقامها، وبعد أن ملك الأموال والرقاب في جزيرة العرب كلها، فكان يهب هبات الملوك فيعطي الغني، ويرجع إلى داره وفراشه فيها الحصير وطعامه خبز الشعير.
قال ابن مسعود: دخلت على رسول الله وقد قام على حصير، وقد أثر في جنبه، فقلت: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء تجعله بينك وبين الحصير، يقيك منه، فقال: مالي وللدنيا! ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
وعن قتادة بن النعمان قال: قال رسول الله: إذا أحب الله عبداً حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمى سقيمه الماء.
تلك نظرة بطل الأبطال صلى الله عليه وسلم إلى الحياة الحسية، تلك النظرة السامية التي اخترقت حجب هذه الدنيا، فلما كثر اتباعه، وانتشر دينه؛ فتحت القلوب إلى ما هو أوسع من البطن والفم والأنف، وسمت النفس الإنسانية فوق تلك الحجب، فتجلى لها النور الإلهي، واتسع الأفق، وأضاءت الأرواح العلية هذا الوجود، فشهد العالم دولة الصدر الأول للإسلام، فيها المثل الكامل للزهد والقناعة والعدل والمساواة والمعروف وطيب العيش، فيها مثل أبي بكر وعمر وهما في أثواب مرقعة، يحسدهما كسرى وقيصر.
وهل كان عمر في الثوب المرقع على الأرض أقل متاعاً بالحياة من المترفين الجبابرة؟ كلا، إنما هو نوع آخر من اللذات، أبعد من الحيوانية، وأدنى إلى الإنسانية، ذلك هو متاع الروح التي فرت إلى الله، وإلى أسمى الحياة الوجدانية، وذلك أبعد أثراً في النفس، وأحسن عاقبة للأبدان، وأحب إلى وجودنا البشري.
تلك المدرسة المحمدية مدرسة القناعة والزهد، أخرجت ولاة وحكاماً للشعوب، يقنعون بدرهم في اليوم أجراً، ويقيمون الولاية والملك على أحسن ما يرضى الله والناس.
يروي ابن هشام عن زيد بن أسلم: لما استعمل رسول الله عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهماً، فقام وخطب الناس، فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم، فقد رزقني رسول الله درهماً كل يوم، فليست لي حاجة إلى أحد.
هل ترون خلال هذه الخطبة إلا رجلاً فرحاً برزقه، قد ضمن العيش بدرهم ويريد أن يفرغ إلى ما هو فوق العيش! هذه هي القناعة، التي تلقاها الصحابة من المعلم الأكبر.
انظروا إلى محمد نفسه، خرج مرة من المسجد، فوجد أبا بكر وعمر، فسألهما عن خروجهما، فقالا: أخرجنا الجوع، قال: وما أخرجني إلا الجوع، فذهبوا إلى أبي الهيثم، فأمر لهم بشعير، وقام إلى شاة فذبحها، واستعذب لهم ماء معلقاً عنده في نخلة، ثم أتوا بالطعام، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال عليه الصلاة والسلام: لنسألن عن نعيم هذا اليوم!
كان النبي معروفاً بفرط الحب لأولاده، حتى أن فاطمة بنته كانت إذا دخلت عليه قام إليها وقبلها، وأجلسها مكانه، ومع ذلك كانت تعيش عيشة الفقراء، وتشكو من آلام الرحى، وتجرح يدها أحياناً من حمل الماء، فطلبت إليه يوماً خادماً من الأسرى فأبى.
وروى أنه قال لعلي: كيف تطمعون في شيء من هذا؛ وأهل الصفة على ما هم عليه من الفقر! ودخل على فاطمة وفي يدها سلسلة من ذهب، وهي تقول لامرأة عندها: هذه أهداها أبو الحسن، فقال صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة، أيسرك أن يقول الناس ابنة رسول الله في يدها سلسلة من نار؟ ثم خرج ولم يقعد فأرسلت فاطمة بالسلسلة فباعتها، واشترت بثمنها عبداً، فاعتقته، فحدث رسول الله بذلك فقال: الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار.
ذلكم هو الزهد الذي علمه بطل الأبطال أهل بيته وصحبه والناس جميعاً. وأن فاطمة، وقد باعت السلسلة، وأعتقت العبد، قد تمتعت ولا ريب بلذة وجدانية، وطمأنينة نفسية، أبعد أثراً في تشييد بيت السعادة، من تلك السلسلة من الذهب في عنقها، تفخر بها على صاحباتها.
روى البخاري عن عائشة أنها قالت لعروة: يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار.. فقلت: يا خالة، ما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله جيران من الأنصار كانت لهم منائح(1)، وكانوا يمنحون رسول الله من ألبانها فيسقينا.
وقد ذكر مرة وهو في الصلاة: أن بيته تبراً، فخفف الصلاة، وسارع إلى التبر، ففرقه على الفقراء، كراهة أن يبيت الذهب في بيته.
قال عقبة بن الحارث: صلى بنا رسول الله العصر فأسرع وأقبل يشق الناس من سرعته، ودخل إلى بيته، ثم لم يكن بأوشك من أن خرج، فقال: ذكرت شيئاً من تبر كان عندي، فخشيت أن يحبسني فقسمته. هذا الذي يقسم التبر بين الناس هو الذي تقول عائشة أيضاً عن حال أهله: ما شبع آل محمد من خبز البر ثلاثاً، حتى قضى لسبيله، وما أكل آل محمد أكلتين في يوم واحد إلا أحداهما تمر.
ويقول أنس: قال رسول الله: لقد خفت في الله ما لم يخف أحد، وأوذيت في الله ما لم يؤذ أحد، ولقد أتى علي ثلاثون ما بين يوم وليلة، ومالي ولبلال من الطعام إلا شيء يواريه ابط بلال(2)".
وهاكم أمثلة من مأثور قوله في القناعة والزهد، وما كان قوله إلا مطابقاً لعمله، فما عرف عن بطل الأبطال حديث إلا كان صورة لنفسه الكريمة، معبراً عما رضي لها من خلق وما هو عليه من فطرة.
والذين يقرءون بإمعان سيرته الكريمة، يرون مطابقة أقواله أفعاله في كل أطوار الحياة مطابقة تامة، فلم يكن يخشى الفقر أكثر مما يخشى الثروة والغنى، وكان يكره الكنز، ويقول: أنه لم يترك في بيته ثلاثة دنانير يضم إليها ديناراً آخر، إلا لقضاء دين، وكان يقول: اللهم أجعل رزق آل محمد كفافاً وقيل قوتاً ( أي لا يزيد على الحاجة).
وعن أبي أمامة الأنصاري قال: ذكروا عند النبي الدنيا، فقال: ألا تسمعون، ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان ( أي التواضع في اللباس، وترك الزينة).
وقال علي: بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا مصعب بن عمير، ما عليه إلا بردة مرقعة بفرو، فلما رآه صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه مصعب من النعمة، ثم قال: كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة، وراح في أخرى، ووضعت بين يديه صحفة، ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ قالوا: يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم، نكفى المؤنة، ونتفرغ للعبادة، فقال: بل أنتم خير منكم يؤمئذ.
وكان صلى الله عليه وسلم يحبب إلى الناس صحبة الفقراء، حتى تنصرف آمالهم عن التطلع إلى الترف والزينة. يقول عون بن عبد الله بن عتبة: كنت أصحب الأغنياء، فما كان أحد أكثرهما مني؛ كنت أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خيراً من ثوبي، فلما سمعت قول رسول الله: إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق؛ فلينظر إلى من هو أسفل منه، فذلك أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم. قال، لما سمعت ذلك صحبت الفقراء فاسترحت.
لابد أن يخطر لكم هنا هذا السؤال: ما الحد بين الغني والفقر في نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر أصحابه؟ وإنا محاولون أن نصوره لكم كما صورته كتب الحديث.
قال صلى الله عليه وسلم: من أصبح آمناً في سربه، معافي في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. وروى عثمان عنه أنه قال: ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يوارى عورته، وجلف(1) الخبز والماء. وسأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له: ألك زوجة تأوي إليها؟ قال نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادماً، قال: فأنت من الملوك.
ولقد سأله أصحابه: ما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه، أو يعشيه.
لذلك كان رسول الله يكره من الناس السؤال، ويقول: لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئاً؛ وكان يترفع بأنصاره عن ذلك السؤال.
أتى إليه رجل من الأنصار يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء. فقال: ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أن آخذهما بدرهم. قال رسول الله: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الرجل، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتنى به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله عوداً بيده، وقال: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشرة يوماً، ففعل، ثم جاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجئ المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة.
كان بطل الأبطال صلى الله عليه وسلم مثال الرجولة، يحب النظافة والطيب، ويبغض الخيلاء والتظاهر، وما يقصد به إلى الترف. قال علي: أخذ رسول الله حريراً فجعله في يمينه، وذهباً فجعله في شماله، فقال أن هذين حرام على ذكور أمتي.
ورأى عمر مرة حلة من استبرق تباع، فأتى بها النبي، فقال: يا رسول الله ابتع هذه، فتجمل بها للعيد والوفود، فقال رسول الله: إنما هذه لباس من لا خلاق له.
فهذا سيد العرب، ومالك الجزيرة يملأ بالأموال صحن المسجد، فيقسمها على الناس إلى آخر درهم، فإذا دخل إلى بيته نام على جلد محشو بليف، قالت عائشة: كان فراشه من أدم حشوه ليف.
وتقول عائشة: أنه كان لرسول الله حصير يحتجزه في الليل، فيصلي فيه، ويبسطه في النهار، فيجلس عليه وكان في طعامه قانعاً زاهداً يقول:
" حسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده"(1).
يقول أنس خادمه: ما علمت النبي خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان قط.
وسئل سهيل بن سعد: هل أكل النبي النقي(2)؟ فقال ما رأى النبي النقي منذ ابتعثه الله حتى قبضه.
ولم يقصد رسول الله بهذا الزهد إضاعة المال، ولا تحريم ما أحل الله لعباده من الزينة والمتاع، فقد عرف الزهد بهذا المعنى السامي في قوله: ليست الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة أن تكون بما في يد الله تعالى أوثق منك مما في دك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبحت بها، أرغب منك فيها، لو أنها بقيت لك، لأن الله تعالى يقول:
" لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم".
وكان يحب النظافة والطيب والهيئة الحسنة، ويحرص عليها. قال عطاء بن يسار: أتى رجل النبي ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه كأنه يأمره بإصلاح شعره ففعل، ثم رجع فقال النبي: " أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان" ! ورأى رجلاً عليه ثياب وسخة، فقال: " أما كان هذا يجد ما يغسل ثوبه؟" وجاءته هند بنت عتبة تريد أن تبايعه، فقال: " لا أبايعك حتى تغيري كفيك.. كأنهما كفا سبع". يريد أن تصلح أظفارها، وتغير كفها بالحناء.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكريم، جواد يحب الجواد، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود".
فرسول الله في زهده وقناعته إنما كان يكره الخيلاء والإسراف والترف، ويحب للمسلم أن يرضى بالكفاف، وأن يكون جواداً نظيفاً.
كان بطل الأبطال في زهده وقناعته مثلاً كاملاً، صور لنا كيف يتأتى للرجل أن يعيش كريماً، يضع تسعين ألف درهم على حصير أمامه، فينفقها جميعاً، وينام بعد ذلك على حصير يؤثر في جنبيه، فإذا أرادوا أن يتخذوا له وطاء قال: " ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها".
ذكر وهو في مرض موته أن في بيته سبعة دنانير، فأمر أهله أن يتصدقوا بها، فنسوا لاشتغالهم بمرضه، وأفاق يوم الأحد الذي سبق وفاته، فسأل عائشة ما فعلت بالسبعة الدنانير؟ فأجابت أنها لا تزال عندها، فطلبها ووضعها في كفه، ثم قال: " ما ظن محمد بربه لو لقي الله وعنده هذه !" ثم تصدق بها على الفقراء، وقد لقي الله في كساء ملبد، وإزار غليظ، هو لباسه الذي قضى فيه، ولكنه ترك وراءه نوراً يشع من جبين القناعة والزهد، يهدي البشر إلى الحياة الطيبة، ويوجههم إلى ما هو أسمى من متاع الأبدان الزائلة، إلى متاع الأرواح الخالدة، ولا يزال رسول الله في قناعته وزهده قدوة الأبطال والناس جمعياً، يتطلعون إلى منتهى قصده، فلا يدركون منه إلا قليلاً.
(1) المنائح جمع منيحة، وهي الشاة تعار لينتفع بها.
(2) يريد شيئاً يسيراً يضعه حامله تحت إبطه فلا يظهر.
(1) جلف الخبز: الغليظ اليابس، يؤكل بغير إدام.
(1) الأود: الإعوجاج.
(2) خبز الدقيق الخالص.
|
|
|