08-11-2008, 02:58 PM
|
المشاركة رقم: 6 (permalink)
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
ربِّ اغفرلي ولوالدي |
الصورة الرمزية |
|
البيانات |
التسجيل: |
26 - 9 - 2008 |
العضوية: |
1994 |
المشاركات: |
146 |
بمعدل : |
0.02 يوميا |
معدل التقييم: |
0 |
نقاط التقييم: |
10 |
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
إشراقة شمس
المنتدى :
مكتبة قصة الإسلام
رد: من هو بطل الأبطال ؟ ادخل وإقرأ عنه
تـواضـعه وتيــاسـره ( 5 ) صفة بينه لبطل الأبطال صلى الله عليه وسلم، كانت ولا تزال على مر الأجيال بادية واضحة في طبعه الكريم، تلك هي: التياسر والتواضع، فبهما كان محمد صورة صادقة لكرامة الإنسان، يؤتاها من صميم نفسه، ولا يصطنعها مما يحيط به من مظاهر خادعة متكلفة.
كان محمد التياسر نفسه يتمثل في الرجل الكامل، وينبعث من أعماق قلبه، فيبدد ما يتجمع حوله من زخرف السيادة والملك، وما يتبعهما من الرياء والزينة، وما يخدع به الناس من قول أو فعل، كان محمد قريباً هيناً سهلاً، يلقي أبعد الناس وأقربهم، وأصحابه وأعداءه، وأهل بيته ووفود الملوك بلا تصنع ولا تكلف، بل بالحق سافراً.
فكانت أعماله تصدر طبيعية، كل منها يدل على خلقه، كما تدل الصورة على صاحبها.
واسمعوا إلى عدي بن حاتم الطائي يروي قصته، وقد قدم إليه من الشام، بعد أن فتحت جيوش المسلمين بلاده، وبعد أن فر إلى الروم هارباً.
يقول، وقد كان يظن أنه سيلقى ملكاً في المدينة: دخلت على محمد وهو في المسجد فسلمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم. فقام وانطلق بي إلى بيته، فوالله لأنه لعامد بي إليه، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة، فاستوقفته فوقف طويلاً تكلمه في حاجتها، قال: فقل: والله ما هذا بملك. قال: ثم مضى بي رسول الله حتى إذا دخل بي بيته، تناول وسادة من أدم محشوة ليفاً، فقذفها إلي، فقال: أجلس على هذه، قال: قلت: بل أنت فاجلس عليها، فقال: بل أنت. فجلست عليها، وجلس رسول الله على الأرض، قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك. ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم، ألم تك ركوسياً ( دين بين النصرانية والصابئية). قال: قلت: بلى، قال: أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك. قال: قلت أجل والله، وعرفت أنه نبي مرسل، يعلم ما يجهل. ثم قال: لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه؛ ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها تزور هذا البيت لا تخاف؛ ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم. قال: فأسلمت.
ولقد عاش عدي حتى رأى القادسية والقصور البابلية مفتحة للعرب.
هذه طبيعة محمد لا طلاء عليها، يأتيه عدي وقد وقع بعض أهله قبل ذلك أسرى لجيوشه، يأتيه مغلوباً فيجلسه على وسادة، ويجلس هو على الأرض، ويحدثه بلا كلفة عما كان، وما يعتقده كائناً. ثم انظروا إليه وقد مات ابنه إبراهيم، فكسفت الشمس، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فيقول في المسجد يقول:
" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد ولا حياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وصلوا وتصدقوا".
هذه هي النفس البريئة التي تعشق الحق للحق، وتتعالى في تواضع عن استغلال وهم من الأوهام، أو مصادفة من المصادفات، بل تأبى السكوت على سخف أو ضلال، ولو كان من شأنه أن يبهر العامة.
وهاكم ما يروى جابر بن عبد الله عما وقع له، قال: كان بالمدينة يهودي وكان يسلفني في تمري إلى الجذاذ فخاست ( أي تأخر ثمرها عاماً، فجاءني اليهودي عند الجذاذ، ولم أجد شيئاً فجعلت استنظره إلى قابل، فيأبى، فأخبر بذلك النبي، فقال لأصحابه امشوا نستنظر لجابر من اليهودي، فجاءوني في نخلي، فجعل النبي يكلم اليهودي، فيقول: أبا القاسم، لا أنظره، فقام النبي فطاف في النخل، ثم جاءه فكلمه فأبى، فقمت فجئت بقليل رطب، فوضعته بين يدي النبي، فأكل ثم قال: أين عريشك يا جابر؟ فأخبرته، فقال: افرش لي فيه، ففرشته، فدخل فرقد، ثم استيقظ، ثم جئته بقبضة أخرى فأكل منها، ثم قام فكلم اليهودي، فأبى عليه فقال: يا جابر، جذ واقض، ( أي اقطع التمر، واقض دينك). ويقول جابر: إن الله بارك فيه فقضى الدين وزاد.
والحكاية تصور لنا تياسره وتواضعه في سعيه بين اليهودي وجابر، وأكله ونومه، ولين جانبه، فلم يزد بعد أن يئس من اليهودي على أن يأمر صاحبه بأداء ما عليه.
انظروا كذلك إليه كيف يستأذن على أحد أصحابه، وكيف ينصرف؟
يقول قيس بن سعد: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا، فقال: السلام عليكم ورحمة الله. فرد أبي رداً خفياً. فقلت لأبي: ألا تأذن لرسول الله فقال: ذره حتى يكثر علينا من السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم ورحمة الله، ثم رجع فأتبعه سعد، فقال يا رسول الله: إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك رداً خفياً، لتكثر علينا من السلام. فانصرف معه النبي، وأمر له سعد بغسل فاغتسل، ثم ناوله ملحفه مصبوغة بزعفران، فاشتمل بها، ثم رفع يديه، وهو يقول: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد. فلما أراد الانصراف قرب له سعد حماراً، فقال سعد: يا قيس، أصحب رسول الله، فصحبته، فقال أركب معي، فأبيت، فقال: أما أن تركب، وأما أن تنصرف، فانصرفت.
هذه زيارة سيد العرب والعجم لأحد أنصاره من كبار المدينة، تمر في غير حفل، ولا ظهور، يذهب إليه ماشياً، ويعود على حمار؛ يريد أن يردف عليه رفيقه، تلك السجية الطاهرة لم تحل دون أن يكون أمر محمد مطاعاً، وطاعته قربة، فإن يحسب الناس أن مظاهر الرياسة والسلطان لازمة لحسن الولاء، واستدامة الطاعة، فلقد كان ولاء سعد والأنصار لمحمد المتواضع مضرب الأمثال في تاريخ الدعوة الإسلامية.
ولم تكن دعوته قيساً إلى الركوب معه على الحمار أمراً غريباً، بل كانت هذه عادته يردف على حماره وبغلته وناقته، ويعاقب(1) مع رفاقه. قال ابن عباس: أن النبي لما قدم مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب، فحمل واحداً بين يديه، وآخر خلفه، وقال معاذ: كنت ردف رسول الله على حمار يقال له عفير. وجاء إليه رجل، وهو يمشي، فقال: أركب وتأخر على حماره، فقال محمد: أنت أحق بصدر دابتك مني، إلا أن تجعله لي، فقال الرجل: فإني جعلته لك. ويقول جابر: كان رسول الله يتخلف في السير، فيزجى الضعيف ( أي يسوقه ليلحق الرفاق) ويردف، ويدعو لهم. ولم يكن أبغض إليه صلى الله عليه وسلم من الكبر والخيلاء، فقد قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال: الكبر بطر الحق، وغمط الناس". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: " لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إن الله أذهب عنكم عَبِيَّةَ الجاهلية ( أي كبرها) إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب".
هذا الحديث ينم بمعناه وعبارته على مقدار غضب محمد إذا ذكر الكبر والمتكبرون، ولو كان للناس أن يفخروا بآبائهم لما كان في جزيرة العرب أحق بالفخر من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، ولكن محمداً لا يرى في المجتمع الذي أقامه إلا هيئة تتساوى فيها الحرف، والمراتب، والأعمال والأحساب، والأنساب، ولا تفاضل عنده إلا بالعمل الصلح يرفع صاحبه.
كان مرة في سفر مع صحبه، فأرادوا أن يهيئوا لهم طعاماً، فقسموا العمل بينهم، فقام يجمع الحطب، فأرادوا أن يكفوه ذلك فأبى، لأن الله يبغض الرجل يتعالى على رفاقه.
ولما وقف عليه أعرابي يرتجف خشية زجره وذكره أنه ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد(1). وخرج على جماعة من أصحابه يتوكأ على عصا، فقاموا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً، وكان يرى كذلك في تقبيل اليد تشبهاً بالأعاجم، وينهى عنه.
وكان محمد يكره الإطراء والألقاب: انطلق إليه وفد بني عامر، فلما كانوا عنده، قالوا: أنت سيدنا، فقال السيد الله، فقالوا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً فقال: قولوا قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان. ويقول أبو بكر رضي الله عنه. أثنى رجل على رجل عند النبي، فقال: ويلك! قطعت عنق صاحبك، أي أهلكته بالإطراء والمدح والتعظيم، فإنه يعجب بذلك فيهلك، كأنه قطع عنقه. ويقول أبو هريرة أمرنا الرسول أن نحثوا في أفواه المداحين التراب.
وكان محمد صلى الله عليه وسلم يكره كذلك الخيلاء والتفاصح والتأثير في الناس بالقول المزخرف، ويقول: إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؛ أحاسنكم أخلاقاً، وأن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني يوم القيامة؛ الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون. والثرثارون هم الذين يكثرون الكلام تكلفاً، والمتشدقون هم الذين يتكلمون بملء أفواههم تفاصحاً وتعاظماً. وكان يكره الخطيب يسلب بفصاحته ألباب الناس، ويملك حواسهم، قال صلى الله عليه وسلم: من تعلم صرف الكلام ليستبي به قلوب الرجال، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً. وكان يقول: هلك المتنطعون ويكررها. بغضاً منه في العمق والتفاصح، كان كل ذلك نفوراً بطبعه الميسر المتواضع عن التظاهر والرياء والتكلف.
كان في تياسره جم التواضع، وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، وينصرف بكله إلى محدثه صغيراً أو كبيراً ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، وإذا أقبل جلس حيث ينتهي المجلس بأصحابه. لم يكن يأنف من عمل يعمله لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار، فكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته، ويقول: أنا أولى بحملها، ولم يستكبر عن عمل الأجير والفاعل سواء كان في بناء مسجد المدينة، أو في الخندق وهو أمير الجيش يدفع الأحزاب.
وكان محمد كذلك متواضعاً في ملبسه وسكنه، يلبس كعامة من حوله، ويسكن ـ وقد واتته الدولة والسلطان ـ في صف من حجرات واطئة مبنية باللبن، بين كل حجرة وأخرى حائط من جريد النخل، ملبس بالطين، ومغطى بجلد أو كساء أسود من الشعر.
وكان يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويقبل عذر المعتذر، وكان يرقع ثوبه ويخصف نعله بيده، ويخدم نفسه، ويعقل بعيره، ويأكل مع الخادم، ويقضي حاجة الضعيف والبائس.
كان هذا التياسر والتواضع الصادق من نفسه الطاهرة، والذي هو صورة صادقة له، لم ينقص من هيبته ولا محبته، وقد قيل في وصفه: من رآه بداهة هابه، ومن عاشره أحبه، فكانت علاقة أصحابه والناس به علاقة أدب جم، وحب ووقار كامل، ولم يتكبر ولكنه لم يرضى سوء الأدب، وكثيراً ما بين لأصحابه كيف يتصرفون في حضرته، وفي خطابه.
يقول السير وليم موير، وهو من نقاد محمد الصرحاء، في وصف تواضعه وتياسره: " كانت السهولة صورة من حياته كلها، وكان الذوق والأدب من أظهر صفاته في معاملته لأقل تابعيه، فالتواضع، والشفقة، والصبر، والإيثار، والجود صفات ملازمة لشخصه، وجالبة لمحبة جميع من حوله، فلم يعرف عنه أنه رفض دعوة أقل الناس شأناً، ولا هدية مهما صغرت، وما كان يتعالى ويبرز في مجلسه، ولا شعر أحد عنده أنه لا يختصه بإقباله وإن كان حقيراً.
وكان إذا لقي من يفرح بنجاح أصابه، أمسك يده، وشاركه سروره، وكان مع المصاب والحزين شريكاً شديد العطف، حسن المؤاساة، وكان في أوقات العسر يقتسم قوته مع الناس، وهو دائم الاشتغال والتفكير في راحة من حوله وهناءتهم".
ولسنا في تاريخ محمد بحاجة إلى أحد؛ فإن مما اختص به من بين رسل العالم وأبطاله، وضوح حياته وجلاؤها من جميع نواحيها، وإنما سقنا عبارة السير موير هنا لشعورنا أنها صادرة عن إعجاب صادق؛ ولو أننا درسنا سيرة محمد الدراسة اللائقة بها، لكان اليوم حياً في قلوبنا، كما كان حياً بين أصحابه، ولوجدنا الصورة التي طبعها على الوجوه بعمله وقوله، لا تزال واضحة وضوح نفسه العظيمة، المتحلية بأخلاق لا يغطيها طلاء، ولا يحجبها رياء، ولا ترى إلا على حالة واحدة في الليل والنهار، وفي السر والعلانية، وفي الشدة والرخاء، وفي الضعف والقوة، في السوق وهو في شبابه، وفي الشيخوخة وهو على عرش النبوة والملك.
وكان محمد بأخلاقه شخصية من اليسر والتواضع لا تبديل ولا تغيير فيها، هي النفس التي اتصلت بالسماء، وعاشت على الأرض، دانية إلى الناس، محببة إليهم. ففي كل أطوار حياته كان بطل الأبطال، صلى الله عليه وسلم، المثل الذي نحن اليوم أحوج ما نكون إليه، ذلك المثل الذي قام عليه النظام الاجتماعي الإسلامي، والذي جعل الناس سواء، في نطاق الأخوة الإسلامية، لا يرفع من شأن أحدهم غني أو جاه، أو حسب أو نسب، وإنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، والناس من آدم، وآدم من تراب.
(1) المعاقبة أن يركب واحد مرة، ويركب الثاني أخرى.
(1) القديد لحم مملوح يجفف في الشمس.
|
|
|