المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م. محمد إلهامى (المشاركة 2881)

وقد كتبت منذ أيام كلمة بسيطة عن الدكتور الصلابي ، أطرحها عليكم :

----------------------------------------------------------------------

الدكتور علي الصلابي :

ظاهرة تستحق الدراسة ، ظهر في عالم المؤرخين وبزغ نجمه في زمن قياسي ، وهو الآن في مقدمة من يلتهم الباحثون كتبهم بمجرد نزولها إلى الأسواق .

والدكتور الصلابي طاقة بحثية مبهرة ، و كتبه التي بلغت الآن نحوا من 15 كتابا أساسيا ( فهناك كتب صغيرة مأخوذة من كتاب كبير ومطبوعة بشكل منفصل ) .. تلك الكتب التي كتبها الصلابي تعتبر حقا ذروة الكتابة التاريخية العامة .. ولا يكاد قارئ يبحث عن معلومة لها أهمية في زمن أرخ له الصلابي إلا وسيجدها .. فإن لم يجدها فالأغلب أنها مكذوبة أو هامشية جدا أو ليس لها أصل .

إنه حقا يتعب من بعده .. وأكاد لا أتخيل أنه ستخرج كتب في المدى القريب يمكنها منافسة كتب الدكتور الصلابي .

وهو – كأي عظيم في أمتنا الآن – من خريجي السجون ، فهو ليبي ممن ابتلاهم الله بالسفاح القذافي ، ولأن سجون الصالحين نعمة ، فإن تلك السجون هي التي زرعت فيه حب التاريخ وأهمية أن يؤرخ لليبيا والشمال الإفريقي إذ التقى في السجون بعدد من رواد الحركة السنوسية ورأي أن تاريخ الإسلام والحركات الإسلامية مهدد بالفناء في الشمال الإفريقي .. وعندما خرج من سجون السفاح في 1989 بدأ رحلته في التأريخ ، فبدأ بتأريخ الشمال الإفريقي ، ثم انطلق عائدا إلى السيرة النبوية ثم تاريخ الخلفاء ثم الدولة الأموية ، وآخر كتابين صدرا له كانا عن دولة السلاجقة وعصر الدولة الزنكية .

فنصيحة لمن أراد أن يعرف تاريخا موثقا أن يطالع كتب ذلك المؤرخ الفذ علي الصلابي .

لكن فليسمح لي القراء الكرام ، والأستاذة الأفاضل أن أبدي ملحوظة وأنا الحقير الصغير في حضرة أمثال الدكتور على الصلابي ..

يشبه الدكتور الصلابي شيخ المؤرخين ابن جرير الطبري .. حينما يؤرخ للعصر الحديث ، فتاريخنا القديم بدءا من السيرة والخلفاء والدولة الأموية والعباسية كان محل اهتمام ورعاية شوامخ تاريخنا الفكري من المؤرخين والمحققين ، ولذا فكل روايات تلك الفترة جرى تحقيقها وتنقيحها والترجيح بينها ، وهنا تظهر عبقرية كتب الدكتور علي الصلابي في أنه قد جمع المتفرقات من بطون آلاف الكتب ووضعها في كتاب واحد ، فاختصر على الباحثين طريقا طويلا وشاقا .

لكنه في كتابه الوحيد تقريبا عن ( الدولة العثمانية ) بدا وكأنه الطبري .. جمع الروايات ممن أرخوا للدولة العثمانية ، وعزا كل معلومة لمصدرها كما فعل الطبري حين نسب كل رواية لسندها .. لكن النتيجة النهائية أن كتاب الدولة العثمانية خرج وكأنه قصة ساذجة خصوصا في أواخر الدولة العثمانية .. فالاحتلال كان يمكنه أن يفعل أي شئ وكل شئ وفي الوقت الذي يريد ولم يكن كل العالم بالنسبة له إلا أحجارا على رقعة الشطرنج ، وكثير من مصادر هذا الكتاب لا تعد مصادر تأريخية لها وزن إذا قيست بالمنهج العلمي ( مثلا : كتاب واقعنا المعاصر للأستاذ محمد قطب ) ، وبالتالي فحين تؤخذ معلومة من مثل هذه المصادر فهي بالأساس ليست مؤكدة أو حتى موثقة بشكل تطمئن له النفوس .

ومازلت أرى أن تأريخ الدولة العثمانية – خصوصا مراحلها النهائية – يحتاج باحثا يهيئ نفسه للغرق في عالم الوثائق والمراسلات والبرقيات ، وكذلك الصحف والمنشورات لكي يخرج بتأريخ موثق وبمعلومات أكيدة يمكن أن تبنى عليها التحليلات .. لا مجرد أن تبنى التحليلات على الآراء ، وكل هذا مبني على توقعات ومشاهد شخصية .

فمازال التأريخ للعصر الحديث ، يحتاج مؤرخا أعلم بالوثائق والصحافة منه بالروايات والأسانيد .