قال تعالى: وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ[هود: 85].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «... والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم؛ كحال أهل البدع» [منهاج السنة 4/337].
واعلم أخي الداعية: أنه لا يجوز لك تقويم الغير إن احتيج إلى ذلك شرعًا إلا بشرطين: الأول: العلم، الثاني: العدل والإنصاف. ومن تكلم بغير علم فقد خالف كتاب الله وسنة نبيه وطريقة سلفنا الصالح، وإن تكلم بغير عدل وإنصاف فقد خالف قول الله تعالى: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8].
7- اعرف الحق تعرف أهله:
اعلم أخي في الله: أننا مأمورون باتباع الكتاب والسنة وبفهم سلف هذه الأمة، وأهل السنة والجماعة لا يقدمون قول أحد كائنًا من كان على الله ورسوله ولا يقلدون أحدًا في دين الله بدون حجة؛ بل هم ينفرون أشد التنفير من التقليد الأعمى.
والمتتبع لما يدور في المجتمع الإسلامي من الخلافات والتنافر، والتراشق باللسان، أكثرها ناتج من هذا الداء العضال؛ ألا وهو: التقليد؛ فهذا يتعصب لقول شيخ، وذاك يتعصب لمنهج جماعته؛ فلسان حالهم يقول: الحق ما عليه نحن وجماعتنا وإن خالف الدليل، والباطل ما خالف قول شيخنا وجماعتنا. وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين (2/236): (... اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع لا يلتفت إلى قول من سواه، بل ولا إلى نصوص الشارع؛ إلا إذا وافقت نصوص قوله، فهذا والله هو الذي أجمعت الأمة على أنه محرَّم في دين الله ولم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون الفاضلة)؛ فالانحراف هنا انحراف في منهج التلقي، وما لم نتحرر من تقليد أقوال الرجال فإننا لا شك سنجني الكثير من الأسقام التي تضعف جسم هذه الأمة، حتى تصير أمة هزيلة يستهين بها أعداؤها، والله المستعان.
8- كل بني آدم خطاء:
اعلم أخي المسلم أن الخطأ صفة ملازمة للبشر وأن النقصان سمة الإنسان لا ينجو من ذلك أحد إلا الأنبياء المعصومون، ولذا قال النبي : كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» [صحيح الترمذي]؛ فهؤلاء الصحابة الكرام قد أخطؤوا في بعض المسائل كما هو مدون في كتب أهل السنة.
ولا يلزم تخطئة الصحابة أو التابعين أو الأئمة تأثيمهم؛ إذ لا تلازم بين الأمرين؛ فالمجتهد المصيب له أجران والمخطئ له أجر، ولا إثم عليه؛ لقول النبي : «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، إذا اجتهد فأخطأ فله أجر» [البخاري ومسلم].
9- الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات:
سلف القول أن كل بني آدم خطاء، وأنه لا يسلم من الخطأ أحد سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإذا علم هذا فلا يجوز إذن أن نطرح أو نترك كل فرد أو جماعة لمجرد أن لهم بعض السلبيات؛ بل يجب علينا أن نقارن بين السلبيات والإيجابيات، أما السلبيات فتقوم بالنصح والتواصي بالحق والدعوة إلى التحاكم بكتاب الله وسنة رسوله وعلى فهم سلفنا الصالح، وأما الإيجابيات فيؤخذ بها، وبهذا نكون قد عدلنا وأنصفنا في تقويم غيرنا. وفي حديث حذيفة الطويل أنه قال للنبي : «... وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم، وفيه دخن...»؛ فأثبت النبي الخيرية لبعض القوم مع وجود الدخن بينهم؛ فالعبرة إذن بكثرة المحاسن، ومن كان همه تتبع الأخطاء والبحث عن الهفوات مع تغافله عن الحسنات- وخصوصًا مع أهل الحق- فهذا يدل على سوء قصده وفساد نيته، والله أعلم.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور؛ بل مأجور؛ لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدد مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين». [إعلام الموقعين 3/295].
وقال رحمه الله: (فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملةً، وأهدرت محاسنه؛ لفسدت العلوم والصناعات وتعطلت معالمهما) [مدارج السالكين 2/39].
وقال رحمه الله في مكان آخر: (من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر؛ فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث؛ بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى الخبث...) ثم قال: (وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم؛ أن من له ألوف الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها... والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته؛ فأيهما غلب كان التأثير له) [مفتاح دار السعادة 1/176].
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: (ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن) [سير أعلام النبلاء 20/46].
وقال أيضًا: (والكمال عزيز، وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لورطة، ولعله رجع عنها، وقد يعفر له باستفراغه الواسع في طلب الحق، ولا قوة إلا بالله) [16/285].
قال الإمام ابن قتيبة في مقدمة كتابه " إصلاح غلط أبي عبيد "
و قد كنا زمانا نعتذر من الجهل , فقد صِرنا الآن إلى الإعتذار من العلم , و كنا نؤمّل شكر الناس بالتنبيه و الدلالة , فصرنا نرضى بالسلامة , و ليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال , و لا ينكر مع تغير الزمان , و في الله خلف و هو المستعان
رد: ضوابط الجرح والتعديل والحكم على الأفراد والجماعات(2)
وإياكم أخي ياسر حماك الله وبارك فيك
توقيع : الأرقم
قال الإمام ابن قتيبة في مقدمة كتابه " إصلاح غلط أبي عبيد "
و قد كنا زمانا نعتذر من الجهل , فقد صِرنا الآن إلى الإعتذار من العلم , و كنا نؤمّل شكر الناس بالتنبيه و الدلالة , فصرنا نرضى بالسلامة , و ليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال , و لا ينكر مع تغير الزمان , و في الله خلف و هو المستعان