الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif
[frame="1 10"] بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : فوائد من شرح معالي الشيخ / صالح آل الشيخ على كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية رحمه الله سعد العقيّل بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ قد أثبت الله سبحانه في كتابه العظيم وجود أولياء له اختصهم من بين عباده بشيءٍ من الإلهام والكرامة ، وبيَّن سبحانه أيضا وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم حقيقتهم وصفاتهم .. وما زال هذا البابُ واضحا لدى المسلمين ، وما زالت الولايةُ كذلك تثبت في الصالحين من الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، حتى تسلق عليها الغرباءُ من غير أهلها ، وتعممَّ بعمامتها البطَّالون فأهلكوا أنفسهم وأهلكوا النَّاس .. فاستفزت هذه الدعاوى حاويةَ العلوم السلفية - شيخ الإسلام ابن تيمية - ، فاندلقت هذه الحاويةُ مندفعة متلاطمةً بالبراهين والحجج ، ومع التلاطم والحركة سقطَ هذا السقطُ المبارك : كتاب (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) ، فأظهر رحمه الله زيفَ هذه الدعاوى ، ومسح بيده المباركة طبقات الوشوشة عن ظهر هذا الباب ، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء .. وهذه الرسالة النافعة تقعُ ضمن مجموع الفتاوى ( ١٥٦ - ٣١٠ / ١١ ) ، وقد قام الشيخ / صالح آل الشيخ - وفقه الله - بشرح هذه الرسالة المباركة ، بشرحٍ نفيس ، وتحريراتٍ جليلة بديعةٍ ، فجزاه الله خير .. وهذه فوائد من هذا الشرح المبارك ، اسأل الله سبحانه أن ينفع بها المسلمين . ١ / إن أولياء الله هم المؤمنون المتقون ، والإيمان يتبعض ، والناس ليسوا فيه سواء ، وكذلك التقوى تتبعض ، والناس ليسوا في التقوى سواء ، فحصل من ذلك أن ولاية الله لعباده المؤمنين المتقين ليست واحدة ، بل متفاضلة ، فالله يحب المؤمن التقي بعامة ، ومن كان أكثر إيمانا وتقوى كان أحب إلى الله . ص ١٥ ٢ / قوله : ( ونشهد ألا إله إلا الله ) : فيه جواز ذلك ؛ لأن من الناس من قال : الأفضل أن يتكلم عن نفسه فيقول : وأشهد ، وألا يأتي بنون الجمع الدالة على نفسه وغيره ؛ لأن الشهادة أمرها باطن ، ولكن هذا جائز ، يقول عن نفسه وعن غيره أيضا باعتبار ظاهر الحال . ص ١٥ [ ولمزيد بيان في هذه المسألة انظر : تهذيب السنن لابن القيم (٣/٥٤) ] . ٣ / عرف جماعة من أهل العلم الولي : بأنه كل مؤمن تقي ليس بنبي . ص ١٦ ٤ / قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } قال العلماء : أثبت أنهم ألقوا المودة ومع ذلك ناداهم باسم الإيمان ، فقال { يا أيها الذين آمنوا } ومع ذلك قال في آخرها : { ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } ، فدل على أن هذا الفعل - وهو الموالاة بهذا المعنى - محرم وضلال عن سواء السبيل ، ولكن لا يخرج عن اسم الإيمان ، ولكنه إذا نصر الكفار مرجحا سلامة نفسه على سلامة الإسلام هنا يكفر ولو بالفعل ، ففرق بين أن يُسرَّ إليهم بشئ أو يمدهم بمال ونحو ذلك ، وبين فعل شئ فيه نصر لهم على المسلمين ، يعني : يفعل شيئا معه نصر للكفر على الإسلام أو ظهور للكفار على المسلمين ؛ ولهذا في نواقض الإسلام لإمام الدعوة رحمه الله ذكر من النواقض : مظاهرة المشركين على المسلمين . ص ٢٠ ٥ / قوله : ( فقد بارزني بالمحاربة ) - في حديث من عادى لي وليا فقد بارزني .. إلخ - : هذا اللفظ ليس في كتب الصحاح - وقد عزاه المؤلف إلى الصحيح - ، وإنما هو عند أبي نعيم ، ولعله أخذها من بعض المستخرجات على الصحيح كمستخرج الإسماعيلي على البخاري ونحو ذلك ؛ لأنه عنده عناية بالجمع بين الصحيحين للحميدي . ص ٢٤ ٦ / لا يُتصور في الولي أنه صاحب كبيرة ، أو صاحب إصرار على الصغائر واستمرار فيها ؛ لأن التقوى هي صفته التي لازمته { الذين آمنوا وكانوا يتقون } ، والتعبير بقوله سبحانه : { وكانوا يتقون } يفيد ثبات هذه الصفة . ص ٢٥ ٧ / قوله : ( ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه ، وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولابد له منه ) - في حديث من عادى لي وليا .. وما تقرب إلي عبدي - : التردد هنا تكلم عليه أهل العلم بكلمات ، وأصح ذلك : أن التردد مثل الصفات الأخرى - التي هي صفة المكر والإستهزاء ونحو ذلك - من جهة أنه يكون نقصا ويكون كمالا ، فالتردد على نوعين : الأول : يكون التردد نقصا إذا كان مع عدم العلم بالعاقبة ؛ لأنه يكون من نتائج الجهل ، فالمتردد يتردد ويكون نقصا في حقه أنه تردد ؛ لأنه لا يعلم العاقبة ، أو لخوفه وعدم جرأته على الأمر ، أو لعدم قدرته عليه يشك هل سيقدر أو لا يقدر ، أو هل سيقوى أو لا يقوى ، وعدم علمه بالعاقبة هو سبب هذا التردد ، وهذا التردد نقص ، وهذا منفي عن الله عز وجل . الثاني : إذا كان التردد بين أمرين كل منهما حق ومحمود في نفسه ، لكن يختلف بحسب تعقله بالمختار له ، مثلا تريد أن تشتري لمن تحب شيئا ، فترددت بين هذا وهذا لا من جهة عدم علمك بالأفضل ، ولكن من جهة الإكرام ، أو زارك أحد فتقول : أقدم له ذبيحتين أم ثلاثا ، هذا التردد ليس نقصا ، فأنت الآن بين كرم وأكرم وهذا ليس نقصا ، بل هذا تردد فيما يناسب المختار له ، هذا هو الذي من جنسه جاء هذا الحديث : ( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ) هذا التردد الحق وهو الكمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، وهذا أحسن الأجوبة على ذلك ، وهذه طريقة المحققين . ص ٢٧ [ ولمزيد بيان في هذه المسألة انظر : مجموع الفتاوى (١٨/١٢٩) ، ولقاءات الباب المفتوح (١٢/٥٩) ] . ٨ / لا يفهم من التمثيل بالسمع ، والبصر ، واليد ، والرجل = الحصر - في حديث كنت سمعه .. وبصره .. إلخ - كنت سمعه وبصره وأيضا لسانه وفهمه وتفكيره . ص ٢٨ ٩ / توجد رواية موضوعة مكذوبة في هذا الحديث يستدل بها الصوفية بعد قوله : ( ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ) ، وهي : "حتى يقول للشيء : كن فيكون " ، هذه موجودة في بعض كتب الحديث مسندة ، لكنها موضوعة يستدل بها الصوفية في أن الله يعطي الأولياء ملكوته يتصرفون فيه بما يريدون ، وهذا باطل من جهة الإستدلال ، وباطل من جهة الأصول القطعية الدالة على أن الله لا ينازعه أحد في ملكه ، وليس له شريك . ١٠ / قوله : ( وأفضل أولي محمد صلى الله عليه وسلم ، خاتم النبيين ، وإمام المتقين ، سيد ولد آدم ، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا .. ) هذه الكلمات التي ذكرها شيخ الإسلام لو قارنتها بختمة القرآن المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية - صدق الله العظيم الذي لا إله إلا هو ، المتوحد في الجلال .. إلخ - لوجدت فيها هذه الكلمات ، وهذه الختمة لا تصح إسنادا ، وإن كانت مشهورة النسبة ، فالختمة المعروفة بختمة شيخ الإسلام كلماتها متفرقة في كتب شيخ الإسلام ، فمن أراد أن يأخذها جملاً ويحيل كل جملة منها إلى موضعها من كلام شيخ الإسلام وجد ذلك ؛ ولهذا يقول علماؤنا : إن هذه نَفَسُها نفس شيخ الإسلام ، كلامها كلام شيخ الإسلام ، فمن عرف كلام شيخ الإسلام قال : إنها من كلامه ، لكن نسبتها إليه غير ثابتة ، فلينتبه لذلك . ص ٣٧ [ ولمزيد بيان في هذه المسألة انظر : فتاوى ابن عثيمين (١٤/٢٢٦) ، مرويات دعاء ختم القرآن للشيخ بكر أبو زيد رحم الله الجميع ] . ١١ / قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة " له نظائر لي النصوص من استعمال كلمة (لا يدخل) إما في الجنة أو النار ، مثل " لا يدخل النار من كان قلبه مثقال ذرةٍ من إيمان " وقوله : " لا يدخل الجنة قتات " ، ونحو ذلك ، وهذا النفي للدخول عند أهل السنة تارة يراد به نفي الأصل ، وتارة يراد به نفي التخليد ، وتارة يراد به نفي الأولية ، فالنفي في هذا الحديث المراد به نفي الأصل ، فقوله : " لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة " يعني لا يدخلها أصلاً ، وما جاء في النَّفي بدخول الجنة مثل قوله : " لا يدخل الجنة قتَّات " هذا المراد به الدخول الأولي ، يعني : لا يدخلون أولا ، بل يتأخرون . فدخول الجنة على قسمين : الأول / دخول أولي ، يعني : دخولا - إن صح التعبير - مبكرا ، دخول في أول الأمر بعد أن ينقضي الناس من الحساب ، فإنه يدخل الجنة فئام مبكرين في الدخول . الثاني / دخول متأخر ، وهولاء هم من شاء الله أن يدخلوا النار فيعذبوا فيها بقدر أعمالهم . فقد ينفى دخول الجنة ويراد به نفي الدخول الأولي أو الدخول المبكر ، كما في حديث أبي هريرة : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى - وفي نسخة الحافظ اليونيني " ومن يأبى " - ، قيل : ومن أبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى " . قال : " يدخلون الجنة " أولاً مبكرا ولا يتأخرون عن دخولها ، إلا من عصاني فإنه لا يدخل الجنة أولا ، وإنما يتأخر . ويقابل هذا نصوص التحريم ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة قاطع رحم " ، ونحو ذلك ، فالتحريم في النصوص أيضا قسمان : تحريم أبدي : هذا يعني أنه يحرم عليه أن يخرج من النار البتة ، أو يحرم عليه أن يدخل الجنة البتة . تحريم مؤقت : أنه يحرم عليه الجنَّة إلى زمن ، ثم يدخلها . ص ٤١ -٤٣ ١٢ / والاعتقاد في الفقراء هذا كثير في البلاد الإسلامية ، فيظنون ملازمة الولاية للفقر ، وأن الولي لا بد أن يكون فقيرا متنكبا عن الدنيا ، وهذا باطل ، بل سادة أولياء الله من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم العشرة المبشرين بالجنة في مجلس واحد ، ومنهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم ، وكانوا أغنياء . ص٥٣ ١٣ / وقد زعم المتأخرون من الجهال أن هناك من أولياء الله من يأخذون من المعدن الي أخذ منه المَلَك مباشرة ، وبهذا يَفضلون محمدا صلى الله عليه وسلم ، يقولون : الولي يأخذ عن الله مباشرة ، وأما النبي فأخذ عن الله بواسطة جبريل عليه السلام ، فكما ذكر ابن عربي وغيره ، قال : فالولي يأخذ من المعدن الذي أخذ منه المَلَك مباشرة ، يعني : فلا يحتاج لواسطة ، ففُضل بهذا النبي . وقالوا : الولي يمكن أن يخرج عن شريعة النبي ؛ لأنه في الظاهر متبع للنبي ولكنه في الباطن يتلقى تلقيا خاصا ؛ ولهذا زعموا أن هناك من تسقط عنه التكاليف ، وأن هناك من يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى . ص ٥٤ ١٤ / وكذلك حكماء اليونان مثل : أرسطو وأمثاله كانوا مشركين يعبدون الأصنام والكواكب ، وكان أرسطو قبل المسيح بثلاثمائة سنة ، وكان وزيرا للإسكندر بن فيلبس المقدوني وهو الذي تؤرخ به تواريخ الروم واليونان ، وُتؤرِّخ به اليهود والنصارى ؛ وليس هذا هو ذو القرنين الذي ذكره الله في كتابه كما يظن بعض الناس أن أرسطو كان وزيرا لذي القرنين ، لما رأوا أنَّ ذاك اسمه الإسكندر وهذا قد يسمى بالإسكندر ظنوا أن هذا ذاك ، كما يظنه ابن سينا وطائفة معه ، وليس الأمر كذلك ، بل هذا الإسكندر المشرك الذي قد كان أرسطو وزيره متأخرٌ عن ذاك ، ولم يبنِِ هذا السد ولا وصل إلى بلاد يأجوج ومأجوج - هذا من كلام شيخ الإسلام - . ص ٦١ [ ولمزيد بيان في هذه المسألة انظر : الفتح القدير للشوكاني في تفسير قوله سبحانه { ويسألونك عن ذي القرنين } ] . ١٥ / تُعرَّف الكرامة التي تكون للأولياء بأنها : أمر خارق للعادة جرى على يدي الولي ، وآية النبي : أمر خارق للعادة جرى على يد نبي ، والعادة التي تخرق لفظها غير منضبط ؛ لأنهم قالوا : خارق للعادة . العادة هذه ، عادةُ من ؟ هذا الوصف غير منضبط ؛ ولهذا عند التحقيق يكون فيه تفصيل . فالعادة التي تُخرق للأنبياء والرسل : آية وبرهان ، فتكون العادة هي عادة الثقلين الجن والإنس ، وقد دل على هذا قول الله عز وجل { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } وأما الكرامة ، فهي خارق لعادة الإنس الذين فيهم ذلك الولي ، قد يكون في مكان آخر لا تخرق العادة لكنه يكرم بهذا ، مثل طعام يؤتاه في فصل الصيف وهو من طعام الشتاء . فيكون إذاً العادة في حق الولي ، عادة الإنس الذين فيهم ذلك الولي ، وقد يكون الإنس بعامة ، مثل المشي على الماء ، أو الطيران في الهواء .. إلخ ، ولكن هذا يختلف باختلاف الأزمنة ، فمثلا ، إذا مشى على الماء ، أي أن الماء صار يابسا ومشى عليه - اليوم من الممكن أنه يكون هناك بعض المعالجات ، فيكون الماء يابسا ويمشي عليه - كذلك الطيران في الهواء كرامة ، لكن اليوم اختلف الأمر ، صار البر والفاجر يطير في الهواء بوسائل أحدثت . فإذاً خرق العادة بالنسبة للولي أن تكون عادة الناس في زمنه ، أو عادة جنسه الذين يعيش فيهم . ص ٦٥ ١٦ / صلى أبو الدرداء - رضي الله عنه - مرة في مسجد فأطال الصلاة ، وكان بجانبه جبير بن نفير التابعي المعروف ، فلما أتى قبل السلام أكثر أبو الدرداء من الاستعاذة من النفاق ، فلما انصرف قال له جبير : يا أبا الدرداء أكثرت من الاستعاذة من النِّفاق . فما لك والنفاق ؟ ، قال : دعنا منك . دعنا منك . دعنا منك . إن العبد المؤمن لا يأمن أن يقلب الله قلبه في طرفة عين . ص ٧٠ ١٧ / حقيقة النفاق لم تظهر في الإسلام إلا بعد ظهور دولة الإسلام في المدينة ، أما في مكة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها والمستضعفون من المؤمنين ، فإنه لم يظهر المنافقون ؛ لأنه من شاء كفر ومن شاء آمن .. فإذاً لا يكون النفاق ظاهر إلا مع قوة الدولة . ص ٧٢ ١٨ / قوله صلى الله عليه وسلم : ( خصلةٌ ) - في حديث ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق - : المقصود بها أن يكون يغلب على أمره ذلك ، أما من حصل منه مرة كذب في الحديث ، أو خيانة للأمانة ، أو إخلاف للوعد ، فلا يكون فيه بهذا شعبة من شعب النفاق ، بل يكون عنده معصية . فالشعبة من شعب النفاق تكون لمن كان على ذلك مستمرا . ص ٧٧ ١٩ / القاعدة التي ذكرها الإمام مالك وغيره من أهل العلم : أن الناس مؤتمون على أنسابهم ، إذا لم يترتب عليه أثر شرعي من إعطاء حق لغير أهله ، أو بميراث ، أو بزواج ، فإن الناس مؤتمون على أنسابهم . أما إذا كان له أثر ، فلا بد من الإثبات ، سيما إذا كان مخالفا لما هو شائع متواتر عند الناس . ص ٨٥ ٢٠ / تنبيه : وهو ما يحصل أحيانا من بعض الناس من أنهم يقولون : في الوسمي - مثلا - يأتي في مطر ، والوسم جاء معناه أنه يأتي فيه مطر ، ونحو ذلك ، فهذا القول بمل علمتَ له حالان : الأولى / أن يقول ذلك لأجل أن النجم أو البرج الذي أتى هو زمن جعل الله سنته أنه يأتي فيه المطر ، فهذا جعلٌ للوسم زمنا ، وهذا جائز . الثاني / إذا قال في ذلك : الوسم جاء ؛ سيأتي المطر ، أو طلع النجم الفلاني ؛ سيأتينا كذا وكذا ، بجهل هذا الفصل أو ذلك البرج سببا ، فهذا كفر ونسبة للنعمة لغير الله ، واعتقاد تأثير أشياء لا تأثير لها . ص ٨٩ ٢١ / سئل النبي صلى الله عليه وسلم ( أيكون المؤمن جبانا ؟ فقال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن بخيلا ؟ فقال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ فقال : لا ) لماذا ؟ يعني دائما المؤمن لا يكذب ؟ ومن في حديثه كذب فهذه من خصال المنافقين ؛ لأن الكذب في الغالب لا يكون عن شهوة غالبة ، وإنما يكون عن عدم خوف من الله عز وجل ، ولا خوف لقائه ، أما مثلا الزنا والسرقة ونحو ذلك ، يكون عن شهوة غالبة ، فربما غلبته ، فحصل ، لكن الكذب ما يصدر عن شهوة ، ولا عن غلبة طبع ، وإنما عن فساد في خلقه ودينه وفطرته . ص ٩٢ ٢٢ / المنافقين في دار الإسلام يعاملون ظاهرا معاملة المسلم ، مع الحذر منهم . قال شيخ الإسلام : المنافق له أحكام المسلمين في الميراث ، يعني : أنه يرث ويورث ؛ لأن أحكام الميراث يعتبر فيها الظاهر ، وهو الإسلام . الحالة الثانية / من أظهر نفاقا أو ظهر ما يدل على بغضه لدين الله ، أو سبه للرسول صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك ، فإنه يقرر على ذلك . ثم اختلف العلماء : هل إذا تاب تقبل توبته ؟ على ثلاثة أقوال ، منهم من قال : لا تقبل توبته ظاهرا ، وإذا كان صادقا فيما بينه وبين الله ، فإنه تنفعه عند الله ، أما في الظاهر ، فلا تقبل ، فيجب قتله . وقال آخرون : تقبل توبته ؛ لأن التوبة تجب ما قبلها ، وهذا القول ليس بجيد ؛ لأن معناه أن المنافقين كل يوم يظهر واحد منهم ويسب الله ، أو يسب الرسول ، ثم يقول : أنا تبت . القول الثالث : أنه بحسب القرائن ، فإذا احتفت القرائن بأنه صادق في توبته ،فإنه يقبل ، وإذا لم تحتف القرائن على صدقه ، فإنه لا تقبل . ص ١٠٤ ٢٣ / الإيمان المطلق ، يعني : الكامل ، والهداية المطلقة ، والكفر المطلق ، يعني : الكامل ، بخلاف مطلق الحب ، يعني : أصله ، ومطلق الإيمان ، يعني : أصله ، ومطلق الكفر ، يعني : أصل الكفر ، وفي كل هذه تكون أقل درجاته . ص ١١٥ ٢٤ / أولياء الله يوصفون بأنهم متنزهون عن فضول المباحات ، وشيخ الإسلام حرم على المسلم أن يأتي كل مباح ، قال : للمسلم أن يفعل بعض المباحات ، ولكن أن يأتي كل مباح بلا تنزه عن فضول المباحات يقول شيخ الإسلام : هذا لا يجوز له . وأخذ من ظاهر قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم { لا تمدنَّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } . والقول الآخر لأهل العلم : أن التمتع بفضول المباحات جائز ، وهذا هو الظاهر ؛ لأن قوله سبحانه { لا تمدنَّ عينيك } هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهذا يدل على تكميله صلى الله عليه وسلم وألا يُتعرض إلى ما فيه انتقاص لمرتبته العليا . وأما قوله سبحانه { أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا } فهي في الكفار وليست في المسلمين . ص ١١٩ ٢٥ / وفي قوله سبحانه { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله } ، هل هذا في هذه الأمة خاصة أم في جميع الأمم ؟ قولان لأهل العلم : القول الأول / أن الأمم من قبلنا فيهم ظالم لنفسه ، وفيهم مقتصدون ، وأما السابقون فهم قلة ؛ ولذلك لا يجعلون قسما مستقلا ؛ وذلك لقول الله في المائدة في أهل الكتاب { وكثير منهم فاسقون } ، فجعلهم قسمين ، وهذا رجحه طائفة من المحققين أن أهل الكتاب على فئتين فقط ؛ لأن السابق فيهم نادر ، فلا يجعلون قسما مستقلا . القول الثاني / أن الأمم من قبلنا كهذه الأمة منهم سابق ، ومنهم مقتصد ، ومنهم ظالمٌ لنفسه . وهذا هو الصحيح ؛ لأجل أن عدم التخصيص في آية المائدة وفي غيرها لا يدل على عدم الوجود ، ولتيقننا بأن منهم من كان سابقا بالخيرات ، فحواريُ عيسى عليه السلام كانوا سابقين ، وأصحاب موسى كذلك . ص ١٢٣ ٢٦ / القول بأن أهل الكبائر قد يدخل ( جميعهم ) الجنة من غير عذاب هذا قول المرجئة ، وأهل السنة يقولون : أهل الكبائر قد يدخل ( بعضهم ) الجنة بلا عذاب ، فالفرق بين القولين أن المرجئة يجوزون دخول الجميع الجنة بلا عذاب ، وأهل يجوزون دخول البعض بلا عذاب ؛ لأن الله عز وجل قال : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ووعيده حق عز وجل ، فلا بد وأن يصيب بعضا منهم . ص ١٢٥ ٢٧ / إما إحداث بعض الألبسة الخاصة من الناس ؛ فإنما حدث في المائة الثانية ؛ كما أحدث الصوفية لباسا خاصا ، يعني للزهاد أو للفقراء ، وكما حدث في المائة الثامنة أن يخص آل البيت بلباس أخضر يجعلونه على أكتافهم ، أو بعمامة خضراء ليدل الناس على أن هذا من آل البيت ، حتى يعطوه حقه الذي أوجله الله عز وجل لهم . هذه كلها أمور حادثة ، فعلم منه أن الصالحين والأولياء والمتقين ليس لهم لباس خاص . ص ١٤٧ ٢٨ / أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) فلا أصل له ، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله ، وجهاد الكفر من أعظم الأعمال ؛ بل هو أفضل ما تَطوَّع به الإنسان . ص ١٥١ ٢٩ / وليس من شرط ولي الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يُخطئ ؛ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين . ص ١٥٨ ٣٠ / القرآن محدث وليس بقديم ؛ كما قال الله { وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يعلبون } ، فالقرآن محدث ، بمعنى : حديث النزول من ربه عز وجل ، حديث العهد بربه عز وجل ، تكلم الله به فسمعه جبريل عليه السلام فبلغه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الذي يقال : بأنه قديم ، هو كلام الله وليس القرآن ، وكلام الرحمن قديم النوع ، حادث الآحاد . فالقرآن لا يسوغ وصفه بأنه قديم ، بل هذا مذهب الأشاعرة ؛ فإنهم يجعلون القرآن قديما تكلم الله به وفرغ في الأزل ؛ كسائر كلام أراده الله ، ثم يتعلق هذا الكلام بالإرادة ، وبالزمن الذي يصلح له ، فيتجدد ، فليس عندهم أن القرآن كلام الله عز وجل الذي تكلم به حين أنزل القرآن ؛ ولهذا اعترض الآمدي - وهو أشعري ومن كبارهم ومن علماء أهل الكلام - في هذه المسألة في كتابه ( أبكار الأفكار ) وفي كتابه ( غاية المراد ) ، وفي غيرهما بأن قول الأشاعرة باطل بل إما أن يكون الحق - يعني من جهة التقسيم - هو قول أهل السنة ، وإما أن يكون قول المعتزلة الذي هو أن القرآن مخلوق ، ثم استدل على بطلان قول المعتزلة فبقى الحق ، وهو قول أهل السنة . قال : قد تأملت قول من يقول القرآن قديم ، فإذا في القرآن { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } ، وفي القرآن : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } ، وفي القرآن : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } ، ونحو ذلك مما فيه ذكر صيغة الماضي ؛ فإن كان هذا الكلام قديما ، كان قوله سبحانه { قد سمع } لشيء لم يصدر ، وهذا لا يجوز ؛ لأنه نوع من الكذب ، وهذا يدل على بطلان هذا القول .. إلى آخر كلامه . ص ١٨١ ٣١ / ومنهم - أي الصوفية - طائفة تسمى الملامتية ، وهم الذين ادعوا أنهم لإخلاصهم يظهرون خلاف التوحيد ، أو خلاف الاستقامة والإخلاص ؛ لأجل ألا يُتهموا بالرياء ، قالوا : نظهر هذا في الناس ؛ لأجل الإخلاص حتى لا يقال : هم مراءون ، فيخفون الطاعات ويظهرون الفسوق ؛ لأجل ألا يراءوا الناس . ص ١٩١ ٣٢ / الفلسفة اليونانية والفلسفة القديمة لها قسمان : النوع الأول / فلسفة علمية ، وهذه المراد منها الوصول إلى حقائق الأشياء العلمية على ما هي عليه . النوع الثاني / فلسفة عملية ، والمراد منها الوصول بالروح إلى إشراقها ؛ ولهذا صارت الفلسفة أقساما : منها العلمية التي ذهب إليها أفلاطون وتلميذه أرسطو . ومنها الفلسفة الإشراقية التي قال بها أفلاطين - وهو غير أفلاطون - وقد دخلت هذه المذاهب إلى بلاد المسلمين وتلقفها من تلقفها . فالفلسفة العلمية تلقفها العقلانيون من المعتزلة ، فنشأ منها خليط ما عند أهل الاعتزال ، وما عند الفلاسفة ، وما في النصوص ، وسمِّي بعلم الكلام ، فهو خليط من هذه الأشياء الثلاثة . وأما الفلسفة الإشراقية معناها الوصول بالروح إلى إشراقها ، فتتعدى العالم إلى العالم غير المحسوس ، وهذا النوع هو الذي دخل في الصوفية ، فنشأ الغلو في التصوف من جهة دخول فلسفة أفلوطين الإشراقية ، ونشأ ما يسمى بالسلوك - الضال - أو التصوف في خليط ما بين الزهد الشرعي وما بين الإشراق الفلسفي ، وظهرت النظريات والأقوال المختلفة عند الصوفية الغالية من الإتحاد ، والوحدة ، والفناء إلخ ، نتيجة لهذا وصلوا كما وصل إليه الفلاسفة العلميون الإشراقيون إلى أن الإنسان قد يصل إلى مرتبة تكشف فيها الحجب ، ويصل إلى ما وراء العالم المنظور .. إلخ كلامهم . ص ٢٢٨ ٣٣ / ومن الكلام الحسن ما قاله الشيخ / عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله - وسمعته منه ، يقول : ( إن شيخ الإسلام - رحمه الله - يأتي إلى جدار الباطل كالموج فيسقطه جميعا دفعة واحدة ) . فعلاً تنظر فتراه ، لكن لا تعرف من أين بدأ . قال : ( وأما ابن القيم - رحمه الله - فيأخذ جدار الباطل حجرا حجرا فيكسره لك ) . ص ٢٧٩ ٣٤ / وهذا الحديث - حديث محاججة آدم وموسى عليهما السلام المعروفة ، البخاري (٦٦١٤) - ضلت فيه طائفتان : طائفة كذَّبت به لما ظنوا أنه يقتضي رفع الذم والعقاب عمن عصى الله لأجل القدر ، وطائفة شر من هؤلاء جعلوه حجة ، وقد يقولون : القدر حجة لأهل الحقيقة الذين شهدوه ، أو الذين لا يرون لهم فعلا ، ومن الناس من قال : إنما حجَّ آدم موسى ؛ لأنه أبوه ، أو لأنه كان قد تاب ، أو لأن الذنب كان في شريعة واللوم في أخرى ، أو لأن هذا يكون في الدنيا دون الأخرى . وكل هذا باطل . ولكنَّ وجْه الحديث أن موسى عليه السلام لم يلم أباه إلا لأجل المصيبة التي لحقتهم من أكله من الشجرة ، فقال له : لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ لم يلمه لمجرد كونه أذنب ذنبا وتاب منه ، فإن موسى يعلم أن التائب من الذنب لا يُلام ، وهو قد تاب منه أيضا ، ولو كان آدم يعتقد رفع الملام عنه لأجل القدر لم يقل : { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } ، والمؤمن مأمور عند المصائب أن يصبر ويسلم ، وعند الذنوب أن يستغفر ويتوب . قال تعالى { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك } ، فأمره بالصبر على المصائب ، والاستغفار من المعائب - هذا من كلام ابن تيمية - . ص ٢٩١ ٣٥ / فإذا كان الميدان ميدان جهاد جاهدوا ، وإذا كان الميدان ميدان أمر بالمعروف ونهي عن المنكر أمروا ونهوا ، وإذا كان الميدان ميدان اجتماع وائتلاف ونهي عن الفرقة والاختلاف ؛ فإنهم لا يشغلهم ذكر الفرقة والاختلاف عما يجب شرعا تجاه ذلك من كف اللسان ، والنصيحة ، والتآلف ، والتآخي ، وقل من يخلص من هذه المسائل بالتوفيق ما بين أمر الله الشرعي ، وما بين ابتلائه الكوني ، وإنما يخلص من ذلك أولياء الله عز وجل . ص ٣٠١ ٣٦ / وقد اختلف العلماء في الخضر ، هل كان نبيا أو كان وليا ؟ فرأت طائفة وهم المحققون من أهل العلم أنه نبي ، واستدلوا على ذلك بما فعله الخضر من أشياء لا يمكن أن يدركها إلا بالوحي ، وفيها قول ينسب إليه وإلى الملائكة ، وهو قوله سبحانه { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما } ، وهذا إنما يكون عن وحي ، والوحي إنما هو للأنبياء لا للأولياء ؛ لأن الولي يأتيه الإلهام ، والإلهام إنما يكون في قضايا ولا يكون في مثل قتل الغلام ، وإقامة جدار ، وخرق سفينة ، ونحو ذلك . القول الثاني / وهو قول عدد كبير من أهل العلم ، وهم جمهور أهل العلم ، أنه كان وليا ، وليس بنبي . حاصل الكلام أن المحققين من أهل العلم على أنه كان نبيا ، وأن الجمهور - يعني أكثر العلماء - الذين تكلموا في هذه المسألة على أنه كان وليا . ص ٣٠٥ ٣٧ / وهنا مسألة عن الغلام الذي قتله الخضر ، هل هو من أهل النار ؟ النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أولاد المشركين ، قال : ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) ، فالله أطلع الخضر على سيعمله هذا بأنه يخشى أن يرهق أبويه طغيانا وكفرا ، فالزائد على هذا لا نعلمه ، لكن إذا كان الله عز وجل يعلم أنه إذا بلغ سيكون كافرا فإنه من أهل النار ، فالله أعلم بما كانوا عاملين ، ومصير من مات من أولاد المشركين فيه أقوال كثيرة عند أهل العلم ، وأقرب الأقوال أن يقال ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) . هل بما كانوا عاملين لو بلغوا ؟ أو بما كانوا عاملين يوم القيامة إذا بعث لهم رسول ؟ قولان عند أهل العلم ، لكن نقول : الله أعلم بما كانوا عاملين ، والخضر خشي بعلم من الله أن يرهق الغلام أبويه طغيانا وكفرا فقتله . أما أطفال المسلمين ، الذين ماتوا قبل أن يعلموا فهم على الفطرة ، ويدخلون الجنة ، وهناك فرق بين الرضيع الذي مات على الفطرة ، وبين الغلام ، والرضيع لا يسمى غلاما ، الغلام للكبير ، ثم أيضا في النصوص قد يطلق الغلام ويراد به البالغ . ص ٣١١ ، [ ولمزيد بيان في هذه المسألة ، انظر : أحكام أهل الذمة لابن القيم (٣ /١٠٨٦) ، وتفسير ابن كثير عند قوله سبحانه { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ] . ٣٨ / أصحاب وحدة الوجود هم الذين قالوا : المعبود والعابد شيء واحد ؛ لأن الله قضى ألا يُعبد إلا هو { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } قالوا : يعني قدر ألا يعبد إلا إياه ، فمن عبد غير الله فقد عبد الله ؛ لأن الله قدر كونا ألا يُعبد إلا هو ، وهذا باطل عظيم البطلان من وجهين : الوجه الأول / أن ( قضى ) هنا بمعنى أمر ووصى ؛ لأنه عز وجل هو الذي أثبت في القرآن أنهم عبدوا غير الله كما قال : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم } ، فهو الذي بين أنهم عبدوا غيره . الوجه الثاني / أن ( قضى ) هنا لا تكون بمعنى قدّر ، وإنما بمعنى أمر ؛ لمجئ أن بعدها ، فأن التفسيرية تكون بعد كلمة فيها معنى القول دون حروف القول ، وكلمة قدّر ليس فيها معنى القول ، وليس فيها حروف القول ، بخلاف كلمة أمر فإنها في معنى القول ، فيكون (قضى) بمعنى أمر واضحة ، وكل منهما مترتب على الأخرى ، قضى ألا تعبدوا ، أي : أمر أن لا تعبدوا ، فمن أجل التفسير بـ ( أمر ) صارت ( أن ) تفسيرية . ص ٣١٩ ٣٩ / ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل ، فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته ، ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيا عن ذلك ، فلا يأتيه مثل ذلك ؛ لعلو درجته وغناه عنها لا لنقص ولايته ، ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة . - هذا من كلام ابن تيمية - ص ٣٣٨ ٤٠ / الأحوال من حيث استراق الشياطين للسمع بالنسبة للبعثة ثلاثة : الأول / ما قبل البعثة ، فالاستراق كثير . الثاني / وفي وقت خروج البعثة ، مدة الرسالة قليل ونادر . الثالث / وبعد محمد صلى الله عليه وسلم زاد ، لكن لا يوصف بكثرة ولا بقلة ، يعني زاد عما كان في البعثة ، لكن لا يوصف بكثرة . ص ٣٤٦ ٤١ / ومن أعظم ما يقوِّي الأحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي ، وهو سماع المشركين ، قال تعالى { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مُكاء وتصدية } ، قال ابن عباس وابن عمر وغيرهما من السلف ، التصدية : التصفيق باليد ، والمكاء : مثل الصفير . فكان المشركون يتخذون هذا عبادة - هذا من كلام ابن تيمية - . ص ٣٧٠ ٤٢ / لما دخل الاستعمار ودخل جنوده المشركون ، والكفار ، إلى طائفة من بلاد الإسلام في القرون المتأخرة ، ورآهم من رآهم من الصوفية ، سمى طائفة من الصوفية تلك العساكر الشركية الكفرية : رجال الغيب ، يعني : أن هولاء الرجال الذين ينصرون الأمة بالغيب ، ظانين أنها كرامة ، وهذا ولا شك مكن الكفار من بلاد المسلمين ، فأعظم من مكن لهم : الصوفية الذين تركوا الأمر وقالوا : توكلنا على الله . ولم يفعلوا سببا ، أو قالوا : هؤلاء رجال الغيب الذين يخدمون المؤمنين ، وهذا من جراء الاعتقادات الفاسدك الباطلة . ص ٣٧٦ ٤٣ / أما الخوف من الرياء عند تحسين الصوت بالقرآن ، فإن الرياء بحسب النفس ، يعني مثلا قد أحسن قراءتي بالقرآن ؛ لأجل أن يقال : قراءته جيدة ، فهذا رياء . وقد أحسن قراءتي بالقرآن ، وأتباكى ، وأبكي ؛ لأجل أن يتأثر السامع ، وهذا مشروع لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا القرآن نزل بحزنٍ فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنَّوا به فمن لم يتغنَّ به فليس منا ) ، ولقوله صلى الله عليه : ( زيِّنوا القرآن بأصواتكم ) ، فمدار الحكم على النية . وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه يريد أن تكون قراءته أعظم تأثيرا للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه إذا كان حدث للنبي صلى الله عليه وسلم خشوع وتعظيم وعبادة حين سماعه لأبي موسى رضي الله عنه ، فله هو أجره ، فهو يريد هذا الأجر العظيم ، الذي حصل بسببه لأفضل الخلق صلى الله عليه وسلم . ص ٣٨١ ٤٤ / وكفار الجن يدخلون النار بالنص والإجماع ، وأما مؤمنوهم فجمهور العلماء على أنهم يدخلون الجنة ؟ وجمهور العلماء على أن الرسل من الإنس ولم يبعث من الجن رسول ، لكن منهم النُّذر ، وهذه المسائل لبسطها موضع آخر . والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال : فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الإنس بذلك ، فهذا من أفضل أولياء الله تعالى ، وهو في ذلك من خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ونوَّابه . ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له ، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له ، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ، ويستعملهم في مباحات له ، فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك . ومن كام يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله ، إما في الشرك ، وإما في قتل معصوم الدَّم ، أو في العدوان عليهم بغير القتل ، كتمريضه وإنسائه العلم ، وغير ذلك من الظلم ، وإما في فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة ، فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ، ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر ، وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص - هذا من كلام ابن تيمية - . ص ٣٩٠ هذا والله أعلم .. وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . http://krrar2007.googlepages.com/faselward2.gif |
الساعة الآن 11:09 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام