نشأة القصة القصيرة وخصائصها
للكاتب محمد البيتاوي ...
كلمة في البداية
لا خلاف حول الأسس الرئيسة في بناء القصة، من مقدمة وذروة وخاتمة.. ولكن الاختلاف، كل الاختلاف يحدث عند التنفيذ، وذلك تبعًا للتطور الكبير الذي طرأ على البناء الفني للقصة، وجعلها تتحرر من ثوب الحكاية التي لازمها في كثير من الأحيان في بداياتها..
فالقصة القصيرة بشكلها الفني المعاصر ظهرت على أيدي عدد من الرواد، يقف في مقدمتهم الأمريكي (إدجار آلان بو) الذي لم يكتف بكتابتها بل حاول أن يُنَظِّر لها، وقد لخص خصائصها بوحدة التأثير/ الانطباع، وأنه يجب أن تقرأ في جلسة واحدة. إلا أن القصة القصيرة لم تؤسس فنيًا سوى بإبداعات تشيكوف وجوجول، حتى قيل أن القصاصين جميعهم قد خرجوا من عباءة جوجول. ثم جاء موبوسان فقيل أن القصة القصيرة هي موبوسان.
وفي تلك الفترة التي اجتهد فيها رواد القصة القصيرة بوضع الأسس الرئيسة التي تقوم عليها، حدث لبس عند كثير من كتابها، بينها وبين الحكاية أو الحدوتة، وحتى نخرج من هذا الاشتباك/ اللبس، دعونا نتحسس ملامح الحكاية أولاً..
ملامح الحكاية
هناك فرق ما بين القصة والحكاية، ورغم ذلك، إلا أن هناك عددًا غير قليل من الكتاب يصرون على تسمية أعمالهم الحكائية بالقصص القصيرة، رغم أن الحكاية لا تعدو كونها عبارة عن سرد بسيط، يعتمد على ما اختزن في الذاكرة، دون الدخول في التفاصيل المعقدة للقصة القصيرة مثل اللغة والأجواء المحيطة بالنص وإسقاطاته. والحكاية قد تكون جزءًا من سيرة ذاتية، وأحيانا استدعاء لشخصيات تراثية.
وتعد الحدوتة/ الحكاية، هي المادة الخام للقصة القصيرة بصيغتها التقليدية، إذ هي الشكل القديم، المُبَكر جدًا لفن القصة القصيرة، وهي غالبًا ما تروي تراث الشعوب وميراث الحضارة الإنسانية.
ويمكن تعريف الحكاية بأنها سرد قصصي تروي تفصيلات أحداث واقعية أو تخيلية، وهو ما ينطبق عادة على القصص البسيطة ذات الحبكة المتراخية الترابط، مثل حكايات ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وبخلاء الجاحظ وغيرها كثير في التراث الأدبي العربي. وتمتد الحكاية لتروي الحكايات الشعبية التي تعتبر لونًا من ألوان الخرافة وربما الأسطرة في بعض الأحيان، التي تضرب جذورها في أوساط أي شعب من شعوب الأرض، إذ تعتبر من مأثوراته التقليدية. وتروي الحكايات الشعبية كثيرًا من الموروثات الشعبية ابتداء من الأساطير إلى حكايات الجان.. وصولاً على حكايات الأمثال والحكم.. إلا أن الشيء الذي لا مراء فيه هو أن الحكاية لا تلتزم بقواعد فن دقيق. ففيها الراوي ينطلق على سجيته دون اهتمام بشيء إلاّ جذب انتباه المستمع والقارئ إليه، وغالبًا ما تكون لغة بسيطة دون محسنات، وقد تكون أقرب إلى اللغة العامية ببساطتها..
ويمكن أن ينطبق ذلك على أي سرد يروي أحداثًا بسيطة متتالية لشخص أو لأشخاص بلغة سلسة بسيطة كما يحدث في جلسات الأصدقاء، بما يتخلل ذلك من استطراد واسترسال في محاولة للتشويق وشد الانتباه وكل هذا يعتبر خارج نطاق القصة القصيرة التي لها شروطها من حيث اقتناص اللحظة والتكثيف واللغة.
وفي النهاية نستطيع أن نلخص ذلك بأن الحكاية هي عبارة عن سرد بسيط، ربما يعتمد على مشهدية الذاكرة دون الدخول في التفاصيل المعقدة للقصة القصيرة مثل اللغة والأجواء المحيطة بالنص وإسقاطاته.
القصة القصيرة
في دراسة للسيد (خالد جوده أحمد) تحت عنوان: "الحدوته والقصة القصيرة التقاء وافتراق" يقول: "إن القصة القصيرة بمفهومها المعاصر جنس أدبي وافد إلينا وإن كانت له جذور في الحكايا والأخبار العربية، وبالتالي فإن للقصة القصيرة اشتراطاتها الفنية المتواضع عليها،وتلتقي بالحكاية من حيث أنها تتوافر على متن حكائي هو ما يطلق عليه الحدث وهذا يتوارى عادة وراء المتن البنائي أو البنية القصصية، ويتوزع خلال عملية القص على ثنايا العمل في شبه إشارات وتلميحات ودلالات يسترشد بها المتلقي لتشكيل الصورة التي أراد المؤلف توصيلها داخل اللعبة الشكلية الفنية التي تتفاوت بين قصة وأخرى اعتمادًا على حرفية المبدع واكتمال أداوته وبراعته في القص وقدرته على التوصيل"...
ويقول الكاتب المغربي (أحمد المديني "إن القصة القصيرة تتناول قطاعًا عرضيًا من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفًا تشتشف أغوارهما، تاركة أثرًا واحدًا وانطباعًا محددًا في نفس القارئ، وهذا لا يتأتي بشيء من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيه الوحدة الفنية شرطًا لا محيد عنه، كما أنها تبلغ درجة من القدرة على الإيماء والتغلغل في وجدان القارئ، كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية"....
وبهذا المفهوم الدلالي فإن القصة تروي حدثًا بلغة أدبية راقية، ويقصد بها الإفادة أو خلق متعة ما في نفس القارئ، عن طريق إسلوبها، وتضافر أحداثها وأجوائها التخيلية والواقعية.
والقصة القصيرة بهذا لا تحتمل أكثر من حدث، وربما تكتفي بتصوير لحظة شعورية واحدة نتجت من حدث بالفعل أو متوقع حدوثه، ويمكن أن تعبر عنه في أقل عدد من الكلمات.
وبناء القصة القصيرة يبدأ مع أول كلمة، ومعها يبدأ الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه. فإن البداية لا بد أن تحمل كثيرًا من رؤية العمل وروحه، وعليه، يجب أن تكون نقطة البداية مشوقة ومحفزة للقارئ كي يواصل القراءة ليستكشف ما هي حكاية هذه القصة.
وعليه فإن العمل يجب أن يكون متماسكًا مكثفًا متخلصًا من الزوائد السردية الغير ضرورية لتنمية الحدث، حتى لا يصيب العمل بالترهل.
kaHm hgrwm hgrwdvm ,owhzwih >> ! çgEé hgrwdvm ,owhzwih ,Elé