منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الحضارة في الإسلام (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=83)
-   -   المعركة بين الشيطان والإنسان (1) (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=11203)

الأرقم 15-04-2010 08:07 AM

المعركة بين الشيطان والإنسان (1)
 
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته واهتدوا بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن عدو الله إبليس -أعاذنا الله والمسلمين منه- هو عدونا اللدود الذي أخرج أبانا آدم من الجنة، وسعى في منع بني آدم من العود إليها بكل سبيل، وأقسم على أن يغوي بني آدم ويصدهم عن صراط الله المستقيم وقال: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 16-17]. وأخبر الله تعالى أن إبليس صدق عليهم ظنه فاتبعوه إلا من عصمه الله من عباده المؤمنين وأوليائه المتقين وحزبه المفلحين، قال تعالى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [سبأ: 20].
ومن هنا كانت هذه السلسلة التي هي عبارة عن أربع مقالات لابن القيم وهي مجموعة في مقال واحد له ولكن أحببت أن أجزئها لتتم الفائدة المرجوة منها عافانا الله وأعاذنا وإياكم من الشيطان الرجيم ومن همزه ونفثه ونفخه .

قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي :


لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّ آدَمَ وَبَنِيهِ قَدْ بُلُوا بِهَذَا الْعَدُوِّ وَأَنَّهُ قَدْ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ أَمَدَهُمْ بِعَسَاكِرَ وَجُنْدٍ يَلْقَوْنَهُمْ بِهَا ، وَأَمَدَّ عَدُوَّهُمْ أَيْضًا بِجُنْدٍ وَعَسَاكِرَ يَلْقَاهُمْ بِهَا ، وَأَقَامَ سُوقَ الْجِهَادِ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي مُدَّةِ الْعُمُرِ الَّتِي هِيَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْآخِرَةِ كَنَفَسٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْفَاسِهَا ، وَاشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ مُؤَكَّدٌ عَلَيْهِ فِي أَشْرَفِ كُتُبِهِ ، وَهِيَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَبْشِرُوا بِهَذِهِ الصَّفْقَةِ الَّتِي مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَهَا فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْمُشْتَرِي مَنْ هُوَ ؟ وَإِلَى الثَّمَنِ الْمَبْذُولِ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ ، وَإِلَى مَنْ جَرَى عَلَى يَدَيْهِ هَذَا الْعَقْدُ ، فَأَيُّ فَوْزٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ؟ وَأَيُّ تِجَارَةٍ أَرْبَحُ مِنْهُ ؟

ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ مَعَهُمْ هَذَا الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [ سُورَةُ الصَّفِّ : 10 - 13 ] .

وَلَمْ يُسَلِّطْ سُبْحَانَهُ هَذَا الْعَدُوَّ عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَيْهِ ، إِلَّا لِأَنَّ الْجِهَادَ أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ ، وَأَهْلَهُ أَرْفَعُ الْخَلْقِ عِنْدَهُ دَرَجَاتٍ ، وَأَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ وَسِيلَةً ، فَعَقَدَ سُبْحَانَهُ لِوَاءَ هَذِهِ الْحَرْبِ لِخُلَاصَةِ مَخْلُوقَاتِهِ ، وَهُوَ الْقَلْبُ الَّذِي مَحَلُّ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، وَعُبُودِيَّتِهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ ، فَوَلَّاهُ أَمْرَ هَذِهِ الْحَرْبِ ، وَأَيَّدَهُ بِجُنْدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يُفَارِقُونَهُ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [ سُورَةُ الرَّعْدِ : 11 ] .

يَعْقُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، كُلَّمَا ذَهَبَ بَدَلٌ جَاءَ بَدَلٌ آخَرُ يُثَبِّتُونَهُ وَيَأْمُرُونَهُ بِالْخَيْرِ وَيَحُضُّونَهُ عَلَيْهِ ، وَيَعِدُونَهُ بِكَرَامَةِ اللَّهِ وَيُصَبِّرُونَهُ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّمَا هُوَ صَبْرُ سَاعَةٍ وَقَدِ اسْتَرَحْتَ رَاحَةَ الْأَبَدِ .

ثُمَّ أَمَدَّهُ سُبْحَانَهُ بِجُنْدٍ آخَرَ مِنْ وَحْيِهِ وَكَلَامِهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ كِتَابَهُ ، فَازْدَادَ قُوَّةً إِلَى قُوتِهِ ، وَمَدَدًا إِلَى مَدَدِهِ ، وَعُدَّةً إِلَى عُدَّتِهِ ، وَأَمَدَّهُ مَعَ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ وَزِيرًا لَهُ وَمُدَبِّرًا ، وَبِالْمَعْرِفَةِ مُشِيرَةً عَلَيْهِ نَاصِحَةً لَهُ ، وَبِالْإِيمَانِ مُثَبِّتًا لَهُ وَمُؤَيِّدًا وَنَاصِرًا ، وَبِالْيَقِينِ كَاشِفًا لَهُ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ ، حَتَّى كَأَنَّهُ يُعَايِنُ مَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ وَحِزْبَهُ عَلَى جِهَادِ أَعْدَائِهِ ، فَالْعَقْلُ يُدَبِّرُ أَمْرَ جَيْشِهِ ، وَالْمَعْرِفَةُ تَصْنَعُ لَهُ أُمُورَ الْحَرْبِ وَأَسْبَابَهَا وَمَوَاضِعَهَا اللَّائِقَةَ بِهَا ، وَالْإِيمَانُ يُثَبِّتُهُ وَيُقَوِّيهِ وَيُصَبِّرُهُ ، وَالْيَقِينُ يُقْدِمُ بِهِ وَيَحْمِلُ بِهِ الْحَمَلَاتِ الصَّادِقَةَ .

ثُمَّ أَمَدَّ سُبْحَانَهُ الْقَائِمَ بِهَذِهِ الْحَرْبِ بِالْقُوَى الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ ، فَجَعَلَ الْعَيْنَ طَلِيعَتَهُ ، وَالْأُذُنَ صَاحِبَ خَبَرِهِ ، وَاللِّسَانَ تُرْجُمَانَهُ ، وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَعْوَانَهُ ، وَأَقَامَ مَلَائِكَتَهُ وَحَمَلَةَ عَرْشِهِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَيَسْأَلُونَ لَهُأَنْ يَقِيَهُ السَّيِّئَاتِ وَيُدْخِلَهُ الْجَنَّاتِ ، وَتَوَلَّى سُبْحَانَهُ الدَّفْعَ وَالدِّفَاعَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَقَالَ : هَؤُلَاءِ حِزْبِي ، وَحِزْبُ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ الْمُجَادَلَةِ : 22 ] .

وَهَؤُلَاءِ جُنْدِي وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [ سُورَةُ الصَّافَّاتِ : 173 ] .

وَعَلَّمَ عِبَادَهُ كَيْفِيَّةَ هَذِهِ الْحَرْبِ وَالْجِهَادِ ، فَجَمَعَهَا لَهُمْ فِي أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 200 ] .

وَلَا يَتِمُّ أَمْرُ هَذَا الْجِهَادِ إِلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ ، فَلَا يَتِمُّ الصَّبْرُ إِلَّا بِمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ ، وَهُوَ مُقَاوَمَتُهُ وَمُنَازَلَتُهُ ، فَإِذَا صَابَرَ عَدُوَّهُ احْتَاجَ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ وَهِيَ الْمُرَابَطَةُ ، وَهِيَ لُزُومُ ثَغْرِ الْقَلْبِ وَحِرَاسَتُهُ لِئَلَّا يَدْخُلَ مِنْهُ الْعَدُوُّ ، وَلُزُومُ ثَغْرِ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَاللِّسَانِ وَالْبَطْنِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ ، فَهَذِهِ الثُّغُورُ يَدْخُلُ مِنْهَا الْعَدُوُّ فَيَجُوسُ خِلَالَ الدِّيَارِ وَيُفْسِدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ، فَالْمُرَابَطَةُ لُزُومُ هَذِهِ الثُّغُورِ ، وَلَا يُخَلِّي مَكَانَهَا فَيُصَادِفَ الْعَدُوُّ الثَّغْرَ خَالِيًا فَيَدْخُلَ مِنْهُ
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَأَعْظَمُهُمْ حِمَايَةً وَحِرَاسَةً مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَقَدْ أَخْلَوُا الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرُوا بِلُزُومِهِ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَدَخَلَ مِنْهُ الْعَدُوُّ ، فَكَانَ مَا كَانَ .

وَجِمَاعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَعَمُودُهَا الَّذِي تَقُومُ بِهِ هُوَ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَا يَنْفَعُ الصَّبْرُ وَلَا الْمُصَابَرَةُ وَلَا الْمُرَابَطَةُ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، وَلَا تَقُومُ التَّقْوَى إِلَّا عَلَى سَاقِ الصَّبْرِ .


انتظروا الجزء الثاني بإذن الله

ياسر ابوزيد 15-04-2010 03:06 PM

رد: المعركة بين الشيطان والإنسان (1)
 
جزاكم الله خيرا

مصطفى الديب 15-04-2010 04:25 PM

رد: المعركة بين الشيطان والإنسان (1)
 
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيك

الأرقم 18-04-2010 12:50 PM

رد: المعركة بين الشيطان والإنسان (1)
 
وإياكم وفيكم بارك الله
جزاكم ربي الجنة


الساعة الآن 06:17 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام