لا كما فهم من خالف قوله الكتاب والسنة: أنه توسل بالشخص أو الذات أو الجاه، لا بالدعاء،
فأحدثوا عبادة لم ترد في النصوص الشرعية، فسُمي ما أحدثوه بدعة، وأُطلق على التوسل الذي أحدثوه: "التوسل البدعي".
وقد تمسك هؤلاء بأدلة من تأملها وجد أنها حجة عليهم، لا لهم. ومن هذه:
حديث استسقاء عمر بالعباس، وقد تقدم أنه نص في أن التوسل بدعاء الشخص، يكون حال حياته، لا بعد مماته،
بدليل عدول الصحابة رضي الله عنه، وهم أفضل الأمة عن التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته إلى التوسل بعمه العباس رضي الله عنه ( 1 ).
ومنها
حديث الأعمى الذي سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أن يدعو الله له أن يعافيه،
فعلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به
بعد أن يتوضأ ويصلي ركعتين
-كوسيلة بين يدي الدعاء ( 2 ).
وهذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي
صلى الله عليه وسلم،
ودلائل نبوته، ودعائه المستجاب،
وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق؛
فإنه صلى الله عليه وسلم بدعائه لهذا الأعمى،
رد الله عز وجل عليه بصره،
لا بتوسل الأعمى بذاته صلى الله عليه وسلم وجاهه.
ولو كان السر في دعاء الأعمى وحده وتوسله
بذات النبي صلى الله عليه وسلم وجاهه دون دعائه؛
لكان كل من دعا بهذا الدعاء من العميان مخلصا،
يعافى من وقته أو بعد حين.
`````````````````` 1- انظر ما تقدم في هذه الصفحة والتي قبلها. وانظر كتاب التوسل حكمه وأقسامه ص45-57.
2- أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 138.
والترمذي في جامعه، كتاب الدعوات، باب 119، وقال: حسن صحيح غريب،
والحاكم في المستدرك 1/ 519، وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
اتخاذ القبور مساجد، والبناء عليها، والصلاة إليها من الوسائل المفضية إلى الشرك
تمهيد:
ذكرنا فيما مضى أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان حريصا على حـماية جناب التوحيد ( 1 ).
ومن مظاهر حرصه صلى الله عليه وسلم، تلك الأحاديث الكثيرة التي قالها يحذّر أمته عن سلوك الطرق التي تفضي إلى الشرك من اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها، أو الصلاة إليها.
ويمكن تصنيف هذه الأحاديث وفق الموضوعات التالية:
أولا- أحاديث تنهى عن اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها: ومنها:
1- ما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور؛
فقال صلى الله عليه وسلم:
"أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله"( 2 ).
ويلاحظ الوعيد في هذا الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: "أولئك شرار الخلق عند الله"،
وهذا الوعيد يتناول من اتخذ قبور الأنبياء مساجد،
ومعنى اتخاذها مساجد: أي بناء المساجد عليها( 3 ).
ومعلوم أن الفتنة بالقبور كالفتنة بالأصنام، أو أشد.
`````````````````` 1 - انظر ص151 من هذا الكتاب.
2 - صحيح البخاري، كتاب الصلاة،
باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد؟
[من الأحاديث التي تنهى عن اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها]
2- ما روته أم المؤمنين عائشة،
وابن عباس رضي الله عنه قالا:
لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم
طفق يطرح خميصة له على وجهه،
فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه؛
فقال وهو كذلك:
"لعنة الله على اليهود والنصارى،
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
يحذّر ما صنعوا.
قالت عائشة رضي الله عنها:
ولولا ذلك لأُبرز قبره
غير أنه خشي أن يُتخذ مسجدا ( 1 )؛
أي: لولا نهيه صلى الله عليه وسلم
عن اتخاذ المساجد على القبور
لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم،
ولم يتخذ عليه الحائل.
فلعن - عليه الصلاة والسلام -
في هذا الحديث من كان قبلنا،
وأنكر عليهم.
وإنكاره صنيعهم هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أنهم يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لهم.
والثاني:
أنهم يجوزون الصلاة في مدافن الأنبياء والسجود في مقابرهم، والتوجه إليها حالة الصلاة نظرا منهم بذلك إلى عبادة الله، والمبالغة في تعظيم الأنبياء.
والأول هو الشرك الجلي،
والثاني الخفي؛
فلذلك استحقوا اللعن ( 2 ).
`````````````````` 1 - صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب 55.
وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة،
باب النهي عن بناء المساجد على القبور.
2 - تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص327.