قبل الحديث عن حكم التنجيم،
تجدر الإشارة إلى أن التنجيم نوعان:
أحدهما: مباح،
وهو ما يعرف بعلم الحساب، أو علم التسيير؛
كمعرفة وقت الكسوف، والخسوف،
والرصد، وهبوب الرياح، واتجاهاتها،
مع الاعتقاد الجازم
أن كل شيء يجري في هذا الكون
بقضاء الله وقدره.
وعند الإخبار بشيء من ذلك
يقيد الكلام بمشيئة الله،
وبعبارة التوقع؛
فهذا قال العلماء بجوازه.
ولا يدخل تحت هذه المسألة ( 1 ).
أما النوع الثاني:
وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية؛
فيدَّعي المنجم أنه من خلال النظر في النجوم
يمكن أن يعرف ما سيقع في الأرض؛
من نصر قوم، أو هزيمة آخرين،
أو موت أو حياة،
أو قيام أو زوال،
أو خسارة لرجل، وربح لآخر.
فهذا النوع هو المراد بهذه المسألة،
وهو محرم،
وصاحبه يعتبر كافر كفرا بواحا
إذا اعتقد أن للنجوم تأثيرا ذاتيا
في الحوادث الأرضية.
ومن الأدلة على تحريم التنجيم:
أن الله عز وجل إنما خلق النجوم زينة للسماء،
ورجوما للشياطين،
وعلامات يهتدى بها.
لم يخلقها سبحانه للاستدلال بها
على ما يجري على الأرض.
"من اقتبس شعبة من النجوم،
فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" ( 2 ).
وقوله صلى الله عليه وسلم:
"إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها:
النجوم،
وتكذيب بالقدر، وحيف السلطان" ( 3 ).
```````````````````` 1- انظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص448.
والمجموع الثمين للشيخ ابن عثيمين 2/ 141-142.
والتنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام للدكتور عبد المجيد المشعبي ص160-162، 305-320.
2- أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الطب، باب في النجوم. وابن ماجه في السنن، كتاب الأدب، باب تعلم النجوم. وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 793، وفي صحيح سنن أبي داود 2/ 739، وفي صحيح سنن ابن 2/ 305.
3- أخرجه الطبراني في المعجم في الكبير، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 203، وقال: "فيه ليث بن أبي سليم، وهو لين، وبقية رجاله وثقوا" وقال الألباني: "الحديث له شواهد كثير يرتقي بها إلى درجة الصحة في نقدي". "السلسلة الصحيحة 3/ 119، رقم 1127".
2-الكفر الأكبر كفر اعتقادي،
والكفر الأصغر كفر عملي.
3-الكفر الأكبر يخرج من ملة الإسلام،
وأما الأصغر فلا يخرج،
وصاحبه مؤمن ناقص الإيمان.
4- الكفر الأكبر إذا مات العبد عليه لم يغفر له.
والكفر الأصغر إن مات العبد عليه فهو تحت المشيئة،
إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه.
ولا ينافي ذلك إيجابه للوعيد؛
لأننا نقول إن استحقاقه للوعيد
لا يمنع العفو عنه.
5- الكفر الأكبر يوجب الخلود في النار؛
كما قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ
فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}
[البينة: 6] ،
والكفر الأصغر لا يوجب الخلود في النار
إن دخلها صاحبه.
`````````````````````` 1- انظر المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية
للدكتور إبراهيم البريكان ص182-183.
للكفر الأصغر أنواع متعددة
ضابطها ما تقدم في التعريف:
كل معصية أطلق الشارع عليها اسم الكفر،
مع بقاء اسم الإيمان على عاملها.
وبيان بعض هذه الأنواع يمكن في المطالب التالية:
المطلب الأول:
من أنواع الكفر الأصغر كفر النعمة
أولا: المراد به
نسبة النعم التي أنعم الله عز وجل بها علينا
إلى غير المنعم عز وجل،
أو استعمالها في غير مرضات الله؛
كالإسراف، والتبذير، وشراء المحرمات،
أو إعطاء النعم لمن نهانا ربنا عز وجل عن إعطائهم؛
كالسفهاء من الصبيان وغيرهم.
فهؤلاء عرفوا نعم الله عز وجل،
وعرفوا أن الله هو المنعم عليهم بها،
ولكنهم جحدوها،
وزعموا أنهم ورثوها كابرا عن كابر ( 1 ) .
``````````````````` 1 - انظر: جامع البيان للطبري 7/ 629.
والقول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين 2/ 201-202.
وفتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن ص592-594.