فجاءَ القرآنُ الكريمُ لتبشِيرِ المؤمنين بالخيرِ العظيمِ من ربِّ العالمين، وعلى نهْجِ القرآنِ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فلقد كانَ يعلَمُ أصحابَه رضي الله عنهم أن يستبشِروا بالخيرِ والفضْلِ.
في زمانٍ الغربة الذي يعيشه المؤمنون الصادقون، حيث علا أهل الكفر حتى صارت لهم قوة ومنعة، وضعف أهل الإسلام وذلوا من بعد عز وقوة، تأتي البشارات من الله تعالى ومن رسولِه الأمين صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بقرب الفرج، وزوال الكرب، وعز الإسلام وأهلِه.
في هذه الحياة الدنيا التي فيها من صنوف الملذات والشهوات المحرمة ما يملأ قلوب المؤمنين خوفا ووجلا من الاقتراب منها، تأتي البشارة من الله تعالى لهؤلاء المؤمنين بأنَّ لهم في الجنة من النعيم المقيم ما يسعدون به ولا يشقون أبدًا.
فلتصبروا أيها المؤمنون الصادقون؛ فإن وعد الله آت ولو بعد حين، والعاقبة للمتقين، والغلبة لجند الله الصادقين، والنعيم في الجنة للمتقين، نسأل الله أن يشملنا برحمته أجمعين.
جاءَ القرآنُ الكريمُ لتبشيرِ المؤمنين؛ فقد قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97]. وقال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]. وقال الله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 1، 2]. وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97]. وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102].
فجاءَ القرآنُ الكريمُ لتبشِيرِ المؤمنين بالخيرِ العظيمِ من ربِّ العالمين، وعلى نهْجِ القرآنِ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فلقد كانَ يعلَمُ أصحابَه رضي الله عنهم أن يستبشِروا بالخيرِ والفضْلِ.
وجاءت الرؤيا الصالحة من الله لتبشير المؤمنين؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ» ([1]). وفي لفظٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ».
قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟
قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» ([2]).
وأمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم أن يستبشِروا بالخير دائمًا؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: «أَبْشِرْ». فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ. فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلاَلٍ كَهَيْئَةِ الغَضْبَانِ، فقَالَ: «رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا». قَالاَ: قَبِلْنَا ([3]). وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا».
قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَجَاءَهُ أَهْلُ اليَمَنِ، فَقَالَ: «يَا أَهْلَ اليَمَنِ! اقْبَلُوا البُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ».
قَالُوا: قَبِلْنَا ([4]).
بل كان صلى الله عليه وسلم يحثهم على تبشير الناس بالخير، فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» ([5]).
أصنافُ المبشَّرين في كتابِ الله تعالى: بشر الله تعالى في كتابه الكريم صنوفًا من الناس: أولهم: المؤمنون:
لقد بشَّر الله عبادَه المؤمنين كثيرًا في كتابه الكريم؛ وفي آيات أربع من كتابِ الله تعالى تنتهي الآية بقول الله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} بشِّرهم بماذا؟ لم يذكرْ ربُّ العالمين؛ ليدلَّ على عظم البشارة. الآية الأولى: قول الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223]. والآية الثانية: قوله سبحانه: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]. والآية الثالثة: قولُه سبحانه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87]. والآية الرابعةُ: قولُه سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10 - 13]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17، 18]. بشَّرهمُ الله تعالى بالفضلِ الكبيرِ منه سبحانه وتعالى، فقال سبحانه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 47]. وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]. وبشَّرهمُ سبحانه وتعالى بالخير في الدنيا والآخرة؛ فقال جلَّ شأنه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 63، 64].
5- البِشَارةُ بالنَّارِ للكافرين والمنافقين سخريةً منهم: قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 3]، والبِشارةُ إنما تكونُ بالمسرَّاتِ، وإنما جاءَ هذا على سبيلِ التهكم بهم؛ بشِّرْ هؤلاء الكفرةِ بالعذابِ الأليمِ في الدنيا والآخرةِ. وقال سبحانه وتعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138]. عَنْ عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَكَانَ وَكَانَ، فَأَيْنَ هُوَ؟
قَالَ «فِي النَّارِ».
قَالَ: فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَبُوكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشْرِكٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ». قَالَ: فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ، وَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَبًا، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ ([13]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أخرجه البخاري (7017)، ومسلم (2263)، واللفظ له.
([2]) أخرجه البخاري (6990).
([3]) أخرجه البخاري (4328)، ومسلم (2497).
([4]) أخرجه البخاري (3190).
([5]) أخرجه مسلم (1732).
([6]) أخرجه البخاري (3852).
([7]) أخرجه مسلم (2889). "زَوَى": جمع.
([8]) إسناده صحيح: أخرجه أحمد (4 /103). أهل الْمَدرِ: سكانُ الْبيُوتِ المبنيّة. أهل الْوَبر: أهل الْبَادِيَة؛ لأَنهم يتَّخذون بُيُوتَهم من الْوَبر، وهو الصوف.
([10]) إسناده حسن: أخرجه أحمد (1/ 307)، وبعض أهل العلم بالحديثِ يُعِلُّ زيادة: " وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى..".
([11]) "جامع البيان" (12/ 108، 111).
([12]) أخرجه البخاري (6443)، ومسلم (94).
([13]) معلول بالإرسال: أخرجه ابن ماجه (1573)، لكنه معلولٌ بالإرسال، وقد أعلَّه الإمامان أبو حاتم والدارقطني، كما بينته في كتابي "الأحاديث الضعيفة والمعلولة".