كان للخواتين السلجوقيَّات جهازٌ إداريٌّ عُرِف بالديوان الخاتوني، وعرف -أيضًا- بالدار أو الدار العالية أو الدار العزيزة، ومن أهم موظَّفي الديوان الخاتوني: الوزير، نائب الوزير، المستوفي، الطغرائي، وأُضيف لقب الخاتوني إلى أسماء العاملين في هذا الديوان، مثل: فروخ الخاتوني، وأبو طاهر الخاتوني.
تتمثَّل اختصاصات موظَّفي الديوان الخاتوني في الإشراف على أملاك وإقطاعات الخاتون، والإنفاق على الموظَّفين سواء كانوا إداريِّين أو عسكريِّين الذين يعملون عند الخاتون، بالإضافة إلى ذلك الإشراف على شئونهم، وأهم اختصاص لموظَّفي الديوان الخاتوني استقبال الرسائل والردِّ عليها بدلًا عن الخاتون، كذلك استقبال المبعوثين للخاتون وإرسال مبعوثين إلى من تريد الخاتون.
الوزارة
كان للخاتون السلجوقية وزيرٌ يتولَّى شئونها، ويُدير إقطاعاتها، وهنا سنتناول أهمَّ من تقلَّد منصب الوزارة عند بعض الخواتين.
تركان خاتون
الوزير تاج الملك أبو الغنائم المرزبان بن خسرو الفارسي القمي، المتوفَّى سنة 486هـ، تولَّى هذا الوزير منصب الوزارة في وزارة تركان خاتون زوجة السلطان ملكشاه، وكان يعهد لوزير زوجة السلطان بشئون الملابس السلطانيَّة، جانب إدارته لشئون زوجة السلطان الإداريَّة والماليَّة والحربيَّة.
وبعد مقتل نظام الملك الطوسي وزير السلطان ملكشاه، رشَّح أبو الغنائم لمنصب وزير السلطان، لكنَّ السلطان وافته المنيَّة قبل ذلك، فتولَّى وزارة السلطان محمود بن ملكشاه ولد تركان خاتون.
زبيدة خاتون
تولَّى وزارة زبيدة خاتون، الوزير شمس الدين مجد الملك أبو الفضل أسعد بن محمد بن موسى القمي المتوفَّى سنة 492هـ، كما أنَّه تولَّى وزارة ابنها السلطان السلجوقي بركياروق فيما بعد، كما تولَّى -أيضًا- الوزير عبد الرحمن السميرمي المتوفَّى 490ه وزارة زبيدة خاتون.
كوهر خاتون
وتحدِّثنا المصادر أنَّ كوهر خاتون تولَّى منصب وزارتها ثلاث وزراء وهم: مختص الملك أحمد بن فضل الكاشي المتوفَّى سنة 521هـ، والأمير العميد محمد الجورقاني الطغرائي، والكمال علي بن أحم السميرمي المتوفَّى سنة 516هـ.
تبيَّن لنا أنَّ وزراء الخواتين كانوا يتولُّون -أيضًا- مناصب أخرى في الديوان السلطاني؛ فكان للوزراء في الديوان الخاتوني نوَّاب ينوبون عنهم عندما ينشغلون أو عندما يغيبون عن الديوان الخاتوني، ومن مهمَّات نائب الوزير الإنابة عنه في جميع المهام، ومساعدة الوزير في تسيير شئون الديوان، ويذكر أنَّ كمال الملك السميرمي تولَّى منصب نائب الوزير في وزارة العميد الجورقاني.
الطغراء
يُعتبر الطغرائي من أهمِّ الموظَّفين في الجهاز الإداري في الدولة السلجوقيَّة؛ لأنَّه يتَّصل بالسلطان والوزير مباشرةً، ولخطورة وظيفته كان يُعيَّن من قِبَل السلطان أو وزير السلطان، ويقوم الطغرائي بحمل الرسائل والفرمانات والمنشورات إلى السلطان، ويتولَّى -أيضًا- توصيل وتسلُّم المراسلات والمكاتبات من وإلى السلطان أو وزيره، وكان أحيانًا الطغرائي يتولَّى منصب وزارة زوجة السلطان، مثل تاج الملك الذي تولَّى وزارة تركان خاتون زوجة ملكشاه.
كما كان للخاتون طغرائي يعمل في الديوان الخاتوني، وكان يكتب الرسائل على لسان الخاتون إلى من تريد مراسلتهم، ومن يقوم بعرض الرسائل الواردة إلى ديوان الخاتون عليها؛ ففي رسائل أمين الدولة ابن الموصلايا ما يشير إلى أن الخاتون راسلت الخلافة العباسية، واستقبلت رسائل منها.
إقطاعات الخاتون
كان للخواتين السلجوقيَّات إقطاعات عظيمة، وهذا ما تؤكِّد عليه المصادر، وتلك الإقطاعات تُساعدها في الإنفاق على موظَّفيها، ومن بينهم القوَّات العسكريَّة.
ويذكر ابن تغري بردي أنَّ كوهر خاتون -عمَّة السلطان السلجوقي ملكشاه وأخت ألب أرسلان المتوفَّى سنة 467هـ- لها أموالًا كثيرة وعظيمة، وقد صودرت من قبل نظام الملك بأمر من ملكشاه، وقد قتلها نظام الملك بعد أن أشار للسلطان بذلك.
وتذكر لنا المصادر -أيضًا- أنَّ السيِّدة فاطمة ابنة الخليفة العباسي القائم بأمر الله اشترطت في زواجها من طغرلبك أن تُمنح لها جميع إقطاعات الخاتون الترجان المتوفَّاه، ومن ضمن تلك الإقطاعات مدينة واسط وبعقوبا.
كما تذكر المصادر أنَّ الخاتون السفريَّة تُوفِّيت عن ثروةٍ واسعةٍ جدًّا، وكذلك ورد أنَّ مدينة سميرم قرب أصبهان كانت من ضمن إقطاعات كوهر خاتون، ويذكر كذلك أنَّ تركان خاتون كانت تبذل أموالًا طائلة كأعطيات لأمراء الجيش والضبَّاط، وهذا دليلٌ على اتِّساع إقطاعات الخواتين وكثرة مواردهنَّ.
التدخل في إدارة الدولة
تركان خاتون
فقد تدخلت تركان خاتون في سياسة الدولة الداخليَّة والخارجيَّة أيضًا، ويتبيَّن لنا ذلك في الرسالة التي أرسلها الخليفة العباسي المقتدر بأمر الله إليها سنة 477هـ، شاكرًا إيَّاها على تدخلها لصالحه عند السلطان ملكشاه، فيقول في الرسالة: "وأختتمه بشكر الدار العالية .. وإيضاحها للمجلس السامي السلطاني ما على الخواطر الكريمة الإماميَّة من الثقل لِمَا استمرَّ في حقِّ الرعيَّة والخواص والحاشية". وهنا نجد لأوَّل مرَّة في العصر السلجوقي مراسلات رسميَّة بين الخلافة وزوجات الملوك أو الأمراء أو السلاطين.
ويقول الأصفهاني في وصفه لتركان خاتون: "كانت مستوليةً في أيَّام ملك شاه". وقال عنها الحسيني: "كانت مستوليةً على الأمور في أيَّام السلطان ملكشاه". وكذا ذكرها الذهبي، فقال عنها: "وكان لها هيبةٌ وصولةٌ وأمرٌ مطاع، ويعود هذا النفوذ الكبير لها والمكانة العالية من نشأتها وتربيتها وأصولها الملكيَّة؛ فهي من سلالة ملوك القراخانيِّين حكَّام ما وراء النهر وعاصمتهم سمرقند".
زبيدة خاتون
وهي زوجة السلطان السلجوقي ملكشاه، وأم بركيارق ابن ملكشاه الأكبر، لم يكن لها دورٌ إيجابيٌّ أثناء صراع ابنها بركيارق مع تركان خاتون زوجة السلطان ملك شاه الثانية، التي أرادت لابنها الطفل محمود أن يكون السلطان، إلَّا أنَّ المصادر تُؤكِّد لنا دور زبيدة خاتون في التدخل في سياسة الدولة في أيَّام ابنها بركيارق، فيذكر أنَّها كانت مستولية على دولة ابنها لا يصدر شيءٌ صغيرٌ ولا كبيرٌ إلَّا برأيها، وقُتِلَت على يد وزير أخيه السلطان محمد بن ملكشاه سنة (492هـ=1099م).
___________________ قائمة المصادر والمراجع
المصادر:
- ابن الاثير، الكامل في التاريخ، تحقيق، محمد يوسف الدقاق (بيروت: دار الكتب العلمية، 1987م)، ج8.
- ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق، محمد عبدالقادر عطا، (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت)، ج16.
- ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق، إحسان عباس، (بيروت: دار صادر، 1977م)، ج5.
- ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، (مصر: وزارة الثقافة، 1963م).
- الأصفهاني، تاريخ دولة آل سلجوق، (مصر: شركة طبع الكتب العربية، 1900م).
- نظام الملك، سير الملوك (سياست نامة)، ترجمة، يوسف بكار (عمان: مكتبة الأسرة الهاشمية، 2012م).
- الغزالي، التبر المسبوك في نصيحة الملوك، تحقيق، أحمد شمس الدين، (بيروت: دار المعرفة العلمية، 1988م).
- الغزالي، إحياء علوم الدين، (بيروت: دار ابن حزم، 2005م). المراجع:
- أبو النصر، محمد عبد العظيم، السلاجقة تاريخهم السياسي والعسكري، (الجيزة: عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية، 2001م).
- الحسيني، زهراء محسن حسن، الأميرات السلجوقيات ودورهن السياسي والعسكري حتى سنة 500هـ=1106م، مجلَّة الكلِّيَّة الإسلاميَّة الجامعة،5، 15 (2011م)، ص509-542.
- عقلة، عصام مصطفى، "المرأة والسلطة في الإسلام - الخواتين السلجوقيات (447-511هـ= 1055-1117م) أنموذجًا، دراسات العلوم الانسانية والاجتماعية، 34 (2007م)، ص793–807.
- غنيمة عبد الكريم السعيد