منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   منتدى التنمية البشرية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=130)
-   -   كيف تؤثر على الآخرين ( التنمية البشرية الاسلامية ) (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=118988)

Abeer yaseen 05-02-2019 07:41 PM

كيف تؤثر على الآخرين ( التنمية البشرية الاسلامية )
 
هذا يتوقف علي طريقة الخطاب الموجه للطرف الآخر وما يجب أن يراعيه كل من هو في موقع المسئولية او القيادة من أخلاقيات يقتضيها هذا الشأن وقد أكد عليها علماؤنا بأقوالهم ومارسوها في حياتهم ومما نستطيع استخلاصه من أسس وقواعد في هذا الصدد إذا أردنا أن تؤتى ثمارها وتكون على الوجه الأمثل خاصة حين الخطا فتكون في موضع الناصح الأمين فهي كالتالي :

1- ألا يكون نصحك تأنيبًا أو نميمة.

"فنصح الصديق تأديب ونصح العدو تأنيب"(1) أي أن العدو يظل يقرع مسامعك بما ارتكبته من سوء أو ما شابه فلا يتسامح معك أما الصديق فالعكس فهو يبغي مصلحتك من خلال التزامه بآداب النصح له تجاهك مظهرًا الحب لك والحرص على مصلحتك من خلال أسلوبه الحسن في نصيحته لك. أما ان تكون ناصحا نماما فلقد حذر منه ابن حزم بقوله: "ولا تسند سبَّ من تحدثه إلى غيرك فتكون نمامًا"(2) وفي زبور داود: "وشر النصيحة النميمة"(3)، وهنا إشارة إلى ألا نبلغ كل ما نسمع حتى وإن لم يكن فيه ضرر على المبلغ إليه، وهذا كثير الحدوث عند وجود شحناء بين اثنين أو أكثر فتحدث النميمة حال نصحه بوعي أو بدون ولهذا وجب التحذير منها.


2- أن يكون نصحك موجزًا وفي السر

قالت أم الدرداء: "من وعظ أخاه في سر فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه".
وقال ابن أبي داود: كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر ونهاه في ستر فيوجز في نصحه ويوجز في ستره " والتأكيد على الإيجاز بمعنى الاقتصار في الحديث عند النصح وذلك لأن النفس الإنسانية بطبيعتها تأبى النقد والمراجعة وتحب المدح والثناء ولو كذبًا فالإيجاز بغرض التنبيه للخطأ دون التعرض لما يسوء أو أن يظهر الشخص الامتعاض ويدفعه كبره لرفضه كلية إذا ما استمر والتي لا يخلو الأمر حينها من نتائج غير سارة ولذا فكثيرا ما كان يُنصح بترك الجدل لأن كبرياء الشخص يمنعه في ظله من أن يراجع نفسه وإنما يصر على الخطأ كما هو فعل السفهاء والجهلاء.
ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "إذا رأيتم أخًا زل فقوِّموه وسددوه وادعوا الله تعالى أن يرجع به إلى التوبة فيتوب عليه ولا تكونوا أعوانًا للشيطان على أخيكم"(4).
وأبو بكر رضي الله عنه يعطينا سببا آخرا للإيجاز في النصيحة حين يقول لبعض أمرائه: "إذا وعظت أصحابك فأوجز، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضًا" (5).


3- الرفق واللين في النصيحة مع التعريض دون التصريح المباشر

يقول ابن حزم: "إذا نصحت ففي الخلاء وبكلام لين، فإن خشنت كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير وقد قال الله تعالى: ﴿فقولا له قولاً لينا﴾ [طه: 44] وقال رسول الله (ص): "لا تنفِّروا"(6).

وكان الصحابة والتابعين خير الناس اقتداءً بكتاب الله وسنة رسول الله (ص) عند النصح. قال تعالى: ﴿ادع إلى سبيلك ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾.

وقال تعالى لرسوله مثنيًا على رفقه ولينه في وعظه ونصحه للناس: ﴿ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر﴾.
وكان عروة بن الزبير يوصي بلين الجانب وطيب الكلام وبشر الوجه، فيقول: يا بَنيَّ مكتوب في الحكمة: لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك طلقًا تكن أحب إلى الناس ممن يُبذل لهم العطاء(7).

ومن الصور العملية لهذا الأسلوب في النصح إضافة إلى ما سبق أن ذكره كارينجي من إثارة الرغبة لدى المنصوح وتوضيح فائدة ذلك له ما ذُكر على سبيل المثال لا الحصر من أن "صلة بن أشيم وهو من كبار الزهاد والعبَّاد التابعين كان يمضي ذات نهار في ثلة من أصحابه إلى غاية لهم فمر بهم شاب رائع الشباب... ريان الصبا قد أطال إزاره حتى جعل يجره على الأرض جر الخيلاء فهمَّ أصحابه بالشاب وأرادوا أن يأخذوه (يتناولوه ويؤذوه) بألسنتهم وأيديهم أخذًا شديدًا، فقال لهم صلة: دعوني أكفكم أمره، ثم أقبل على الشاب وقال في رفق الأب الشفيق ونبرة الصديق الحميم: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة فتوقف الفتى وقال: وما هي يا عم؟ فقال: أن ترفع إزارك فإن ذلك أنقى لثوبك وأتقى لربك وأدنى لسنة نبيك، فقال الفتى في خجل: نعم ونعمة غين ثم بادر ورفع إزاره، فقال صلة لأصحابه: إن هذا أمثل (أحسن وأجود) مما أردتم ولو أنكم ضاربتموه وشاتمتموه لضاربكم وشاتمكم وأبقى إزاره مسدلاً يمسح به الأرض(8).


ومن صور النصح غير المباشر بالتعريض دون التصريح

ما روي عن عروة ابن الزبير من أنه رأى رجلاً يصلي صلاة خفيفة فلما فرغ من صلاته دعاه إليه وقال له: يا ابن أخي أما كانت لك عند ربك تعالي حاجة؟! والله إني لأسأل الله تبارك وتعالى في صلاتي كل شيء حتى الملح(9). فعروة لم ينهر الرجل ويزجره قائلاً له: إن صلاتك تخالف سنة الرسول (ص) إلي غير ذلك وإنما خاطبه في رفق ولين ووضح له أنه شخصيًا يفعل ذلك من الدعاء في الصلاة وما يفهم من وراء ذلك أنها ليست حركات تؤدى بلا معنى إنما تقتضي الخشوع لرب العالمين.
أما إذا كان التعريض بالنصح لا يفهمه من تخاطبه فوجب عليك التصريح المباشر كما يقول ابن حزم: "إذا نصحت فانصح سرًّا لا جهرًا وبتعريض لا تصريح إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك فلابد من التصريح..."(10).


4- لا تنصح على شرط القبول منك بل لأنه واجب عليك نحو الآخرين.

بعض الناس قد يدفعهم اليأس إلى الامتناع عن نصح الآخرين حين يرونهم يفعلون منكرا أو خطأ أو ما شابه ولهذا فقد أكد ابن حزم في مواضع شتى في كتابه "الأخلاق والسير في مداواة النفوس" على أن الإنسان حين ينصح فإنما يفعل ذلك لأن هذه هي أوامر دينه قال تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ وقال تعالى: ﴿كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون من المنكر﴾.

ولهذا كان علي رضي الله عنه يحث على النصيحة وبيان فضل صاحبها عند الله في أسلوب استنكاري على من يمتنع عن القيام بها بقوله: "قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا ولا الشر فيه إلا إقبالا ولا الشيطان في هلاك الناس إلا طمعًا.. أين خياركم وصلحاؤكم؟ وأحراركم وسمحاؤكم... ظهر الفساد فلا مُنكَر مغيَّر ولا زاجرًا مزدجر! أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه؟ وتكونوا أعز أوليائه عنده؟ هيهات! لا يخدع الله في جنته ولا تُنال مرضاته إلا بطاعته(11).


والأحاديث النبوية في الحض على النصيحة كثيرة منها :


نهي النبي (ص) عن أن يكون الخوف من الناس دافعًا لعدم نصحهم فعن أبي سعيد قال: قال رسول الله (ص): "لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه أو علمه"(12).
وعن معاذ أن النبي (ص)قال: "يكون في آخر الزمان أقوام إخوان العلانية أعداء السر" فقيل: يا رسول الله فكيف يكون ذلك؟ قال: ذلك برغبة بعضهم إلى بعض ورهبة بعضهم إلى بعض"(13).


وعن أثر غياب هذه القيمة الغالية في حياة الناس يوضحها الرسول (ص)بذكره نموذجا لبني إسرائيل وسوء عاقبتهم في الدنيا و الآخرة وكان بداية انهيارهم هو امتناعهم من إنكار المنكر حين رأوه بل شجعوا عليه مرتكبيه حين مالؤوهم، وصاحبوهم وأرخوا لأنفسهم العنان في مشاركتهم في جل معيشتهم.

فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض قال تعالي : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سَخِطَ الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون﴾(14).

من هنا ندرك لماذا ألح علماؤنا على أداء واجب النصيحة مهما كانت الظروف ولا يمنع الإنسان من أدائها قوله: إن فلانا لن يسمع كلامه أو يصغي إليه أو أنه لن يؤثر فيه كما هي الأسباب التي نسمعها كثيرًا في هذا الشأن وإنما للإنسان النصح إذا رأى منكرا حتى وإن علم وأيقن أنه لا فائدة من كلامه.
وهذا أشار إليه ابن حزم بقوله: "لا تنصح على شرط القبول ولا تشفع على شرط الإجابة ولا تهب على شرط الإثابة لكن على سبيل استعمال الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف"(15).

ويكرر ابن حزم عبارته السابقة حين يقرنها بما سبق من شروط آداب النصح قائلاً: إذا نصحت فانصح :

1- سرًا لا جهرًا.

2- وبتعريض لا تصريح.

3- ولا تنصح على شرط القبول منك.

ثم يستتبع ذلك بتحذيره ممن يتهاون في أداء أي شرط مما سبق قائلاً: "فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح وطالب طاعة وملك لا مؤدي حق أمانة وأخوة وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة لكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده"(16).

وفي موضع آخر من كتابه يؤكد ابن حزم على هذه الحقيقة بقوله: "إن نصحت بشرط القبول منك فأنت ظالم ولعلك مخطئ في وجه نصحك فتكون مطالبًا بقبول خطأك وبترك الصواب(17).
ولهذا فالإنسان حين يكون ناصحًا فليخلص نيته بأن تكون نصيحته لله وابتغاء مرضاته.

كيف يكون النصح لله؟

يكون ذلك بأن تظهر للآخرين اهتمامك بهم وحرصك على مصلحتهم وتجردك أنت شخصيًّا منها وتقوم بالنصيحة سواء قبلوه أم أعرضوا عنها ومما نصح به أحد الرهبان رجلاً فقال: "أوصيك بالنصح لله تعالي نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحفظهم وينصحهم(18).

وقال علي رضي الله عنه : اجعل نفسك ميزانًا فيما بينك وبين غيرك فأحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم وأحسِن كما تحب أن يُحسن إليك واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك(19).

ونجد معنى الناصح لله في قول الحواريين لعيسى بن مريم: من المخلص لله تعالي قال: الذي يعمل لله سبحانه لا يحب أن يحمده الناس عليه قالوا: فما الناصح لله قال الذي يبدأ بحق الله فيؤثر حق الله على حق الناس وإذا عُرض له أمران: أمر دنيا وأمر آخرة يبدأ بأمر الآخرة ويتفرغ لأمر الدنيا بعد.


وفي هذا الصدد يقول ابن عربي شارحًا لحديث الرسول صلي الله عليه وسلم : "الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم": " الناصح في دين الله هو الذي يؤلِّف بين عباد الله وبيَّن ما فيه سعادتهم عند الله وبين الله وبين خلقه وهو قوله النصيحة لله... وأما النصيحة لعامتهم فمعلومة وهي أن يشير عليهم بما فيه المصلحة التي لا تضرهم في دينهم ولا دنياهم فإن كان ولابد من ضرر يقوم من ذلك إما في الدين أو الدنيا فيرجحون في النصيحة ضرر الدنيا على ضرر الدين فيشيرون عليهم بما يسلم لهم في دينهم وإن أضر دنياهم...(20).


5- من أدب النصيحة إذا ذكرت عيوب الآخرين فاذكر عيوب نفسك :


وإذا نهيت عن فعل فلا تأتي مثله، وقد عبر أبو العتاهية عن هذا المعنى في قوله لابن السماك:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهما إذا عبت فيهم أمورًا أنت تأتيها
كملبس الثوب من عري وعورته لـلـناس بادية أن يـواريهـا
ويقول الحارث المحاسبي: "اشتغل بإصلاح نفسك عن عيب غيرك فإنه كان يقال: كفى بالمرء عيبًا أن يستبين له من الناس ما يخفى عليه من نفسه أو يمقت الناس فيما يأتي مثله أو يؤذي جليسه أو يقول في الناس ما لا يعنيه".
وكتب رجل إلى صديق له: أما بعد فعظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك واستح من الله بقدر قربك منه وخفه بقدر قدرته عليك(21)

وعن ابن عباس قال: إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوب نفسك(22). وكان علي رضي الله عنه يقول:"لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به"(23).
وقد أوصى عيسى عليه السلام الحواريين قائلاً: "... لا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب ولكنكم انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد والناس رجلان: معافى ومبتلى فارحموا أهل البلاء في بليتهم واحمدوا الله على العافية"(24).

وفي هذا الصدد وعن كيف أن النصح بالفعل أبلغ كثيرًا من كلام يتلى وصاحبه بعيد عنه. "روى عبد الله بن شميط، قال: سمعت أبي يقول: يعمد أحدهم فيقرأ القرآن ويطلب العلم حتى إذا علم أخذ الدنيا فضمها إلى صدره وحملها فوق رأسه فنظر إليه ثلاثة ضعفاء:امرأة ضعيفة وأعرابي جاهل وأعجمي فقالوا هذا أعلم بالله منا لو لم ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا فرغبوا في الدنيا وجمعوها فكان أبي يقول:فمثله كمثل الذي قال الله تعالي :﴿ومن أوزار الذين يضلونهم بغيرعلم﴾[النحل: 25](25).


كيف تنصح من لا يقبل النصح؟ وما شروط أو صفات الناصح الناجح؟


والفعل الحسن أبلغ في مناصحة الجاهل والسفيه فكن قدوة فيما تأمر به وتنهى عنه خاصة إذا عُرف عنهم أنهم ممن لا يقبلوا نصحًا ولا يتورعون عن الأذى باللسان ولهذا فهناك أقوال تذهب لعدم مناصحتهم ذكرها العسكري عن أحد الحكماء ناصحًا ابنه فيقول: "من نصح جاهلاً عاداه لا تنصح جاهلاً فإنه يستفيد منك ويتخذك عدوك" يا بُني إن الموعظة تشق على السفيه كما يشق الصعود الوعر على الشيخ الكبير" وكمثال لهذا يذكر أنه نصح رجلا آخرا فقال: دعني عنك أنا أعلم بمصلحتي منك(26).

ولابن عربي طريقة أشار إليها في التعامل مع هذا الصنف من الناس إذا أردنا نصيحتهم وعلمنا أنهم عنيدون أو يفعلون عكس ما يُنصحون بفعله بأن نأمرهم بعكس ما نريد منهم فيقول: إذا أردنا نصحهم بشيء عليهم فعله فلنأمرهم بفعل عكسه ونبين لهم أن الخير لهم في ذلك وحينئذ سوف يفعلون عكس ما قلنا لهم والذي هو في الأساس ما نود منهم فعله ويسمى ابن عربي ذلك بأنه نصيحة خفية لا يشعر بها كل أحد وهذا يُسمى علم السياسة فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها فلذلك قلنا:

إن الناصح في دين الله يحتاج إلى:

1- علم كثير.
2- وعقل وفكر صحيح.
3- وروية حسنه واعتدال مزاج.
4- وتؤدة (حلم وتأني وصبر).

وإن لم تكن فيه هذه الخصال كان الخطأ أسرع إليه من الإصابة وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة(27).

وفي هذا الصدد أيضًا وعن صفة الناصح في مقابل الغاش لك يقول ابن قتيبة: "اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء العواقب برؤيته ونظره ومثل لك الأحوال المخوفة عليك وخلط لك الوعر بالسهل من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفئًا لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك وأن الغاش لك الحاطب عليك من مدّ لك في الاغترار ووطَّأ لك مهاد الظلم وجرى معك في عنانك منقادًا لهواك"(28).

والحارث المحاسبي يصف لنا صفات العلماء الناصحين الذين هم حبل النجاة حين تموج الفتن ويزل الناس عن منهاج الكتاب والسنة وذلك حين يعرض لنا تجربته خلال ذلك قائلاً:" تدبرت أحوال الأمة ونظرت في مذاهبها وأقاويلها... ورأيت اختلافهم بحرًا عميقًا غرق فيه ناس كثير وسلم فيه جماعة قليلة ورأيت كل صنف منهم يزعم أن النجاة لمن تبعهم وأن المهالك لمن خالفهم ثم رأيت الناس أصنافًا :

فمنهم العالم بأمر الآخرة: لقاؤه عسير ووجوده عزيز،ومنهم الجاهل: البعد عنه غنيمة،

ومنهم المتشبه بالعلماء مشغوف بدنياه،
ومنهم حامل علم منسوب إلى الدين ملتمس بعلمه التعظيم والعلو أو لا يعلم تأويل ما حمل،
ومنهم متشبه بالنساك لا غناء عنده ولا يعتمد على رأيه،

ومنهم منسوب إلى العقل والدهاء مفقود الورع والتقوى،

ومنهم من للدنيا يذلون ورياستها يطلبون،

ومنهم شياطين الإنس عن الآخرة يصدون وعلى الدنيا يتكالبون فهم في الدنيا أحياء وفي العرف موتى،

ثم وجدت في كتاب الله المنزل أن سبيل النجاة :

في التمسك بتقوى الله وأداء فرائضه والورع في حلاله وحرامه وجميع حدوده والإخلاص لله تعالى بطاعته والتأسي برسوله صلي الله عليه وسلم . فطلبت معرفة الفرائض والسنن عند العلماء فرأيت اجتماعًا واختلافًا ووجدت جميعهم مجتمعين على أن علم الفرائض والسنن عند العلماء بالله وأمره العاملين برضوانه الورعين عن محارمه المتأسين برسوله عليه الصلاة والسلام المؤثرين الآخرة على الدنيا فالتمست من بين الأمة هذا الصنف المجتمع عليهم واقتبست من علمهم فرأيتهم أقل من القليل.

- ووجدتهم مجتمعين على نصح الأمة لا يرجون أحدًا في معصيته ولا يقنطون أحدًا من رحمته.

- يحببون الله تعالى إلى العبد بذكرهم نعمه وإحسانه فهم علماء بكتاب الله وسنة رسوله.
- فقهاء في دينهم.

- ورعين عن البدع والأهواء تاركين "للغلو" مبغضين للجدال والمراء متورعين عن الاغتياب والظلم.

- مخالفين لأهوائهم مجانبين للشبهات تاركين للشهوات مشفقين من الحساب فتبين لي فضلهم واتضح لي نصحهم وأيقنت أنهم العاملون بطريق الآخرة والمتأسون بالمرسلين والمصابيح لمن استضاء بهم فأصبحت محبًا لطاعتهم(29).

وهو يشير إلى صفات الناصحين أو المربين الذين يجب العمل بنصحهم وذلك في كتاب آخر له قائلاً: "اطلب آثار من زاده العلم خشية والعمل بصيرة والعقل معرفة ولن يخفى على أهل العلم صفة المخلصين وعلامة ذلك :

- إذا نظر اعتبر.
- وإذا صمت تفكر وإذا تكلم ذكر.
- وإذا مُنع صبر وإذا أعطى شكر.
- وإذا ابُتلي استرجع وإذا جهل عليه حلم.
- وإذا علم تواضع وإذا علَّمَ رفق.
- وإذا سُئل بذل.
- شفاء للقاصد وعون للمسترشد.
- نيته أفضل من عمله وعمله أبلغ من قوله.
- أوقاته غنيمة وأحواله سليمة لم يغتر بزخرف دار الغرور عن أهوال يوم النشور شعاره الثقة وحالة المراقبة ألا ترى لقول الرسول (ص): (اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)(30).
- يحسبه الجاهل صمتًا عييا وحكمته أصمتته.
- يحسبه الأحمق مهزارًا والنصيحة لله أنطقته.
- يحسبه غنيًا والتعفف أغناه.
- يحسبه فقيرًا والتواضع أدناه.
- لا يتعرض لما لا يعنيه ولا يتكلف فوق ما يكفيه.
- ولا يأخذ ما ليس بمحتاج إليه ولا يدع ما وكِّل بحفظه.
- قد أمات بالورع حرصه وحسَّن بالنفس طمعه وأفنى بنور العلم شهواته.
ذا فكن ولمثل هؤلاء فاصحب وبأخلاقهم فتأدب فهؤلاء الكنز المأمون،بائعهم بالدنيا مغبون، وهم العدة في البلاء والثقات من الأخلاء، إن افتقرت أغنوك وإن دعوا الرب لم ينسوك ﴿أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون﴾ [المجادلة: 22](31).


كيف تتعامل مع من ينصحك؟

عند الفارابي أن النصحاء هم من فئات الناس الذين قد يكونون ليسوا بأصدقاء أو أعداء وليسوا متصنعين وهم كما يقول عنهم أيضًا يتبرعون بالنصيحة واضعًا أسسًا للتعامل معهم وهي كالآتي :

1- فالواجب للمرء أن يتفرغ للخلوة مع كل من ادّعى أنه ناصح له ويسمع له ويعزم على قلبه لئلا يغير تلك السمعة.

2- وليكن تلقيه لكل منهم ببشاشة.

3- وأن لا يعجل إلى قبوله ولا يعمل بكل ما نُهيّ إليه بل يتأمل أقاويلهم ويتعرف أغراضهم على حقيقة أقاويلهم وإذا لاح وجه الصواب وحقيقة الأمر في شيء مما ألقوه عليه يأذن إلى إنفاذ الأمر فيه(32).

4- الحث على قبول النصيحة من كل ناصح دون تكبر بالإعراض عنه وخاصة عند الشدائد التي تمر بها.
- يقول طرفة بن العبد:
وإن ناصحٌ منك يومًا دنا
وإن باب أمر عليك التوى

5- بادله المودة والحب.
فلا تنأ عنه ولا تقصه
فـشـاور لـبـيـبـا ولاتـعصـه (33)

فالناصح هو محب لك حريص على مصلحتك أما من يجاريك في أخطائك ويداهنك ويتملق لك فهو لا يأبه بك بل يغشك وهو حال أصدقاء السوء معك، وكما يقول الحارث المحاسبي: "ابذل النصيحة لله وللمؤمنين وشاور في أمرك الذين يخشون الله واعلم أن من نصحك فقد أحبك ومن
داهنك فقد غشك ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخ لك"(34).

وعن دلائل هذا الحب عند ناصحك أنه يفرح لمنفعتك ونجاحك ويحزن لضررك سواء كنت على وعي بتلك المصلحة أو بهذا الضرر أم لا وكما يقول ابن حزم: "وحدُّ النصيحة هو أن يسوء المرء ما ضر الآخر ساء ذلك الآخر أو لم يسؤه وأن يسره ما نفعه سرَّ الآخر أو ساءه فهذا شرط في النصيحة زائد على شرط الصداقة"(35).

بل إن صلحاء الأمة جعلوا النصيحة أفضل هدية يمكن أن يهديها الإنسان لأخيه المسلم يتضح ذلك من قول أحدهم على سبيل المثال لا الحصر وهو بلال بن سعد الذي يقول: "أخ لك كلما لقيَّك ذكَّرك حظك من الله خير لك من أخ كلما لقيَّك وضع في فيك دينار"(36).

ولقد كان الخلفاء يطلبون النصيحة من العباد والصالحين ويحرصون على ذلك وكم هي الكتب الزاخرة بأمثال تلك القصص والتي تعكس تواضعهم وخشيتهم لله وتراجع الكثير منهم عن بعض أفعاله بأثر تلك النصائح.

فمن تلك الصور العملية التي توضح آداب كل من الناصح والمنصوح كلاهما تجاه الآخر ما ذُكر من نصيحة علي بن أبي طالب لعثمان بن عفان رضي الله عنهما أثناء الفتنة: "لما اجتمع الناس عليه وشكوا ما نقموه على عثمان، وسألوه مخاطبته عنهم واستعتابه لهم فدخل عليه، فقال: إن الناس ورائي وقد استسغروني بينك وبينهم ووالله ما أدري ما أقول لك؟! ما أعرف شيئًا تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله كما صحبنا وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب أولى بعمل الحق منك وأنت أقرب إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وشيجة (قرابة) رحم منهما وقد نلت من صهره ما لم ينالا فالله الله في نفسك فإنك والله ما تُبَصَّر من عمى ولا تعلم من جهل وإن الطرق لواضحة وإن أعلام الدين لقائمة فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدي وهدى فأقام سنة معلومة وأمات بدعة مجهولة... فقال له عثمان t: كلَّم الناس في أن يؤجلوني حتى أخرج إليهم من مظالمهم..."(37)


مستويات النصح :

إن الأسلوب الذي يتبعه المرء عند تغيير سلوك شخص ما يمر بمراحل فلن يحدث التغيير من المرة الأولى وفي كل الأحوال فإن ما يتعلق بالأمور الدينية والحث على اتباعها؛ فإن النصح المتكرر دون يأس هو ما يُجب اتباعه وهذا ما أشار إليه ابن حزم بقوله "النصيحة مرتان :

فالأولى: فرض وديانة.

الثانية: تنبيه وتذكر.

الثالثة: فتوبيخ وتقريع.

وليس وراء ذلك إلا التركل واللطام... اللهم إلا في معاني الديانة فواجب على المرء تزداد النصح فيها رضي المنصوح أو سخط تأذى الناصح بذلك أو لم يتأذ(38).


المراجع :

1- الحكم والأمثال، ص515.
2- الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص162.
3- زبورداود: ترجمة من السريانية إلى العربية، أحمد بن علي الأصفهاني في مخطوط بمعهد المخطوطات العربية ورقة
4- الحكم والأمثال، ص515- 516.
5- المرجع السابق، ص515.
6- الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص162.
7- صور من حياة التابعين، ص49- 50.
8- المرجع السابق، ص319- 330.
9- صور من حياة التابعين، ص43.
10- الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص154.
11- نهج البلاغة، ص329- 330.
12- رواه أحمد (11017)، والترمذي (2191)، وابن ماجة (4007)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
13- أخرجه أحمد، 5/235.
14- أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجة والترمذي بألفاظ متقاربة.
15- الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص147.
16- المرجع السابق، ص154.
17- الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص162.
18- الزهد، ص122.
19- الحكم والأمثال للعسكري، ص517.
20- الزهد، ص73، الوصايا، لابن عربي ص33- 35.
21- الحكم والأمثال، ص516، 517، رسالة المسترشدين، ص50.
22- الزهد، ص236.
23- نهج البلاغة، ص330.
24- الزهد، ص73.
25- المرجع السابق، ص267.
26- الحكم والأمثال، ص516.
27- كتاب الوصايا، لابن عربي، آخر أبوب الفتوحات ص35- 36.
28- عيون الأخبار، 5/29.
29- الوصايا، للحارث المحاسبي ص27- 31.
30- رواه البخاري ومسلم.
31- رسالة المسترشدين، للحارث المحاسبي ص101.
32- الموعظة، للفارابي مخطوط ورقة رقم (10، 11) معهد المخطوطات العربية.
33- عيون الأخبار، 1/34.
34- رسالة المسترشدين، الحارث المحاسبي ص70.
35- الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص148.
36- الزهد، ص461.
37- نهج البلاغة، ص392- 393.
38-- الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص153- 154.


الساعة الآن 04:02 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام