منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الحضارة في الإسلام (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=83)
-   -   انكشاف الحقائق في سورة الفجر......ّ!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=119222)

نبيل القيسي 26-02-2019 03:10 PM

انكشاف الحقائق في سورة الفجر......ّ!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
 
لا شك أن معرفة المقصد الذي تدور حوله كل سورة من سور القرآن ومناسبة هذا المقصد لسلسلة المقاطع والمعاني التي تتألف منها السورة من أهم العلوم التي يجب للمتدبر أن يسعى إلى معرفتها، وهو العلم الذي جعل عمرًا رضي الله عنه يدخل ابن عباس عليه مع مشايخ قريش الكبار كما في صحيح البخاري، وعلى الرغم من أن علم المقاصد علم ظني وليس قطعيًا إلا أن هذا لا يمنع من النظر والبحث في هذا الأمر وفق الضوابط العلمية، والباحث فيه بعلم وبصيرة بين الأجر والأجرين، وههنا محاولة متواضعة للوصول إلى المقصد الذي تدور حوله سورة الفجر ومحاولة ربط أجزاء السورة ببعضها.

بداية لم يُعرف لهذه السورة اسم سوى (الفجر) في المصاحف والتفاسير والكتب الستة.

أما بالنسبة لأقسام السورة، فيمكن تقسيم هذه السورة بوضوح إلى مقاطع أربعة:

فالأول يقسم الله عز وجل فيه بأزمنة إهلاك الطغاة، على ما سيأتي في تفسير الأقسام الخمسة في بداية السورة.

وأما الثاني ففيه حكاية حال هؤلاء الطغاة وما أوتوا من القوة والجبروت حين أهلكهم الله.

وأما الثالث ففيه تبيان لحال الإنسان حين تخفى عليه الحقيقة ويظن أن الكرامة والمهانة معلقة بالإعطاء.

وأما الرابع فيقص علينا وقت انكشاف الحقيقة في مشهد مهيب من مشاهد يوم القيامة.

والذي يظهر بعد التأمل أن مقصد السورة –بحسب الاجتهاد والله أعلم- هو التركيز على انكشاف الحقائق مهما طال غيابها، فلا بد لها أن تظهر إما في الدنيا وإما في الآخرة، وأن أسباب الكرامة إنما هي في طاعة الله عز وجل والإحسان إلى خلقه، فمن أخذ بأسباب الكرامة في الدنيا أورث كرامة أخرى يوم القيامة، ومن أخذ بأسباب المهانة عذبه الله عذابًا شديدًا في الدنيا وله في الآخرة عذاب النار؛ عذاب يظن معه ألا أحد أشدُّ منه عذابًا؛ يوم تتكشف الأمور على حقيقتها فتظهر الحقائق، يوم تصبح هذه الأرض هباء منثورا، ويقف الإنسان في موقف مهيب ينظر إلى ما قدمت يداه؛ نادما على ما كان منه من تفريط ولات حين مندم، وحينها تظهر حقيقة الكرامة والمهانة، فأما المُهان على الحقيقة ففي عذابٍ لا يذوق أحد مثله، وأما المُكرم على الحقيقة ففي طمأنينة وسكينة مع عباد الله في جنته.

فإن قال قائل ما مناسبة الاسم للمقصد؟

فالجواب –والله أعلم- أن الاسم في غاية المناسبة للمقصد، إذ أن الفجر وهو وقت طلوع الصبح وانتشار الضوء هو الوقت الذي تظهر فيه الأشياء والأمور على حقيقتها بعد أن كانت ملفوفة في ظلام دامس أسبغه عليها ليل طال ثم لم يلبث أن سرى، وكذلك حال الأشياء في الدنيا لا تظهر على حقيقتها وتبقى دهرًا على ما هي عليه تغرُّ كل ناظر ينظر إليها، فيمهل الله الظالم حتى يظن من حوله أنه تمكن، ويعطي عبادًا ويمنع عبادًا، فيظن أكثرهم ارتباط الكرامة بالعطاء، حتى إذا جاء أمر ربك بالعذاب في الدنيا أو قامت القيامة تكشَّفت الحقائق وظهرت، فموازين الله مختلفة عن موازين الخلق كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن سهل، قال: مرَّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ما تقولون في هذا؟)) قالوا: حري إن خطب أن يُنكَح، وإن شفع أن يُشفَّع، وإن قال أن يُستمَع، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ((ما تقولون في هذا؟)) قالوا: حري إن خطب أن لا يُنكَح، وإن شفع أن لا يُشفَّع، وإن قال أن لا يُستمَع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا خير من ملء الأرض مثل هذا)) وكما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة. اقرءوا ﴿فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا﴾، وكما جاء في الحديث الذي رواه كلاهما عن حارثة بن وهب الخزاعي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعِّف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتلٍّ، جوَّاظ مستكبر))، ومثل هذا كثير.

وأقرب آية في كتاب الله تعبر عن مثل هذا المعنى ما ورد في سورة مريم من قوله تعالى ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾ فذكر فيها النهايتان: الساعة والعذاب.

ففي هذه الآية جعل الوعد يتحقق بأحد أمرين: إما العذاب النازل في الدنيا كما حصل مع الأقوام المذكورة في السورة، وإما الساعة كما ذكر في آخر السورة، وصدق الله عز وجل حين وصف كتابه بأنه متشابه مثاني.

ما هي الحقائق التي وردت في هذه السورة وما هي الأمور التي غطت عليها وما هي الأوقات التي تكشفت فيها؟

ذكر في هذه السورة نوعان من الأمور التي تغطي عادة على الحقائق، أحدها على مستوى الأمم حيث تغتر هذه الأمم أو طواغيتها بقوتهم وما وهبهم الله من النعمة والقوة، فتسلبهم عقولهم وقلوبهم وتغشى أبصارهم، فيظنون أنهم معجزين، والثانية على مستوى الأفراد حيث يعتقد ارتباط الكرامة والمهانة بالعطاء المادي نتيجة انغماسه في هذه الدنيا المنقطعة، ولا يردعه في ذلك موت من حوله ونقصهم شيئا فشيئا، وأحيانا ينزل الله العذاب على أقوام فيرون الحقيقة في الدنيا عذابًا يأتيهم فيهلكهم عن بكرة أبيهم، والقصص في ذلك كثيرة، وأحيانا يؤخر الله أقوامًا فتنكشف لهم الحقائق يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة؛ يتمنون فيه لو أنهم قدَّموا ليومهم هذا ولات حين مناص.

كما أشارت الآيات إلى حقيقة غاية في الأهمية وجديرة كل الجدارة بالانتباه والاهتمام ألا وهي أن الحياة ابتلاء بحلوها ومرها بعطائها ومنعها وهذا واضح في قوله تعالى ﴿ابتلاه﴾، ﴿ابتلاه﴾.

وأخطر الحقائق وأكثرها إيلامًا وخفاءً عن الناس أشارت إليها السورة هي ﴿ياليتني قدمت لحياتي﴾ أي: حين يعلم المرء أن الحياة الحقيقة ليست هي الدنيا التي يعيش بها، وإنما هي الحياة الآخرة.





فإن قال قائل: ما دلالة تقييد الليل بحالة السريان؟

فالجواب -والله أعلم- أن الفجر هو وقت ظهور الضوء وانكشاف الحقائق، وأما الليل فهو وقت طمسها وتغطيتها، ففي تقييد الليل بالسريان إشارة إلى سرعة انقضائه وأن الليل مهما طال فلا بد أن يمضي وينتهي، وأن الحقائق مهما طُمسَت وغُيِّبَت لا بد أن يأتي وقتٌ تظهر فيه، سواء كان هذا في الدنيا بتسليط العذاب على الجبابرة والطغاة، أو في الآخرة يوم الدين، وفي هذا تثبيت وأيُّ تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولمن بعدهم من حملة هذا الدين، في بحر من التهديد لخصومهم، وهذا المقصد من أهم مقاصد القرآن المكي.

وهنا سؤال في غاية الأهمية يطرح نفسه، عن سبب اختيار الله عز وجل للفجر وهو زمن الإهلاك في القسم للدلالة على عظمته وانتقامه وجبروته؟

الجواب -والله أعلم - أن الإنسان بطبعه ينسى، والنسيان هو الذي دفع آدم عليه السلام إلى نسيان عهده وخور عزمه ﴿ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما﴾، فلما نسي آدم خارت عزيمته وأكل من الشجرة، ولسنا إلا ذرية من ولده يصيبنا مثل ما أصابه، ومثل هذا حصل لحنظلة رضي الله عنه في الحديث الذي رواه مسلم عن حنظلة الأسيدي قال -وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنَّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟)) قلت: يا رسول الله؛ نكون عندك؛ تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات؛ نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذِّكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة)) ثلاث مرات.

فالنسيان آفة بني آدم ولذلك أنزل الله لهم القرآن ليذكرهم بحقيقة وجودهم ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولو الألباب﴾.

ومن وسائل التذكير أيضا ربط المعاني بأحداث متعاقبة على ابن آدم؛ تعود له الفكرة كلما مر عليه الحدث، ومن هذا ما نحن بصدد الحديث عنه، إذ أن الفجر أمر يتكرر كل يوم على ابن آدم؛ لا يملك إنسانٌ أن يختفي عنه، فربط الله بين الفجر المتكرر كل يوم وبين قدرته وعظمته وجبروته.

فالفجر لدى المتدبر ليس مجرد ضوء طالع، ولا بداية يوم جديد فحسب بل هو تذكير دائم بعظمة الله وقدرته وجبروته وتذكير بانجلاء الليل وانكشاف الفتنة، والابتلاءُ يذكره كل صباح بقرب انكشاف الحقائق، وفي هذا من التثبيت وشرح الصدر ما لا يخفى على عاقل.

فكلما رأيت الصبح قد تنفس والصبح قد أقبل والضوء قد انفجر تذكَّر أن الحقائق لا بد لها أن تظهر مهما طال الزمن، ومهما مرَّ على تلك الحقائق من زورٍ يغطيها، ومهما كتبنا في هذا لن نَصِفَ حجم تأثير مثل هذا على الإنسان تثبيتًا وسكينة وطمأنينة.

ما مناسبة قوله تعالى ﴿لذي حجر﴾؟

أصل الحجر هو المنع، والمقصود به هنا هو العقل، وسمي العقل حجرًا لأنه يمنع صاحبه عما يقبح وتضر عواقبه، وذُكر هنا خاصة للإشارة إلى أن الانجرار وراء هذه التلبيسات والخدع إنما سببها ضعف العقل، وأن الوسيلة الطبيعية لإدراك الحقائق واكتشافها مهما غشاها زورٌ وخداع إنما هو العقل، فوجب العناية به.

وكأن السورة تخاطب كفار قريش خاصة، وكل من سار على نهجهم عامة قائلة لهم: أليس لكم عقول تبصرون بها الحقيقة؟ أليس لكم عقول تردكم عن غيكم؟ ألم تروا مصائر الأمم قبلكم؟ أليس فيما أصابهم عبرة وعظة لكم ونورا يكشف لكم الحقيقة؟

ما مناسبة الكلام المنتقل إليه بعد (بل) للكلام المنتقل عنه قبل (بل)؟

الكلام المنتقل إليه هو نتيجة للكلام المنتقل عنه في هذه الآيات، فكأن المقطع يخبر عن حال هؤلاء قائلا: انغمستم في الدنيا واستغرقت المادة نفوسكم، حتى صرتم لا تأبهون لا بضعيف ولا بمسكين ولا تأمرون بمعروف ولا تنهون عن منكر ولا تعتبرون بالأموات يموتون حولكم بل تسارعون إلى نهس ما تركوا من مال غير آبهين، وقد امتلأت قلوبكم بحب المال.

وقل مثل هذا في المقطع السابق في قوله تعالى ﴿الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد﴾، حيث كان هذا الأمر -وهو الطغيان- نتيجة استغراقهم في قوتهم الموهومة، مما أدى بهم إلى الطغيان والفساد ثم كان حالهم ما علمت.



ما مناسبة استخدام كلمة (التراث) هنا بدلا من المال مثلا؟

التراث هنا بمعنى الميراث، وهو المال الذي يتركه الميت بعد موته، واستخدام هذه الكلمة بدلا من المال مثلا إشارة إلى أن الناس يسرفون على أنفسهم في أكل المال، حتى لو كان هذا المال مال ميت من أقاربهم لم يلبث أن توفي، فبدلا من أن يعتبر الناس بموت بعضهم البعض ينسون ذلك ويسارعون في اقتسام تركته؛ كلٌّ يطمع في أخذ أكبر حصة، لا يبالي أَكَلَها بحلال أو حرام، هذا ما ظهر بالنظر والاجتهاد والله أعلم بالصواب.

ما دلالة استخدام كلمة ربك مع النفس المطمئنة؟

المتأمل في هذه السورة يجد أن لفظة (رب) تكررت كثيرا فيها، ﴿ألم تر كيف فعل ربك﴾، ﴿فصب عليهم ربك﴾، ﴿ابتلاه ربه﴾، ﴿رب أكرمن﴾، ﴿رب أهانن﴾، ﴿وجاء ربك﴾، وخُتمت في السورة بقوله: ﴿ارجعي إلى ربك﴾، وكلمة الرب تستخدم دائمًا في مواضع الحياطة والرعاية والعناية، وكأنها بشرى منثورة على طول السورة؛ تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تخافوا من طغيان الجبارين المفسدين، ولا تهتموا لانشغال الناس بالدنيا واستغراقهم فيها، فإني حافظكم، ومصلح أحوالكم، ولا عجب، فأنا سيدكم وأنتم مواليّ.

ما دلالة نسبة العباد والجنة إليه جل وعلا ﴿عبادي﴾، ﴿جنتي﴾؟

الإضافة ههنا إضافة تشريف كقوله تعالى: ﴿في مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾، وهذه الإضافة مما يزيد الالتفات إلى ضمير المتكلم حُسنًا بعد كلام الغائب بقوله ﴿ارجعي إلى ربك﴾.

ما دلالة تكرار الأمر بالدخول؟

تكرر أمر الدخول مرتين، ﴿فادخلي في عبادي وادخلي جنتي﴾، فكرره مرة مع العباد ومرة مع الجنة، والتكرار دليل للاهتمام بالدخول بخصوصه؛ إبرازًا له وتحقيقًا للمسرة لهم.
وهذا ونؤكد أن كل ما سبق من باب الاجتهاد والتفكر ولا نقطع بصوابه، وإنما هي محاولة متواضعة لعل الله يكتب بها أجرًا بعد الممات. فراس الحبال


الساعة الآن 12:09 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام