بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيّدنا محمد وعلي اله وصحبه ومن اهتدي بهديه الي يوم الدين
مقدمة :
ممّا لا شكّ فيه أنّ هذا الموضوع وهو ( التسامح في المسيحية والاسلام ) يعد من الموضوعات الهامّة في حياتنا التي تشهد حالة من الانقسامات والتوترات واعلاء للاحقاد والكراهية فعالمنا اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس أكثر من أي وقت مضى، خاصة أنه بفضل ثورة التكنولوجية والاتصالات أصبح الجميع كما لو انهم يعيشون في قرية صغيرة فلا بد من العمل لجعل هذا العالم اكثر امانا واستقرارا من خلال ترسيخ قيم التسامح
فلقد خلقنا الله تعالى، وجعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف ونتعايش وفق قيم تحترم الإنسان وسيتضح لنا كيف ان لتعاليم الدين اثرها في ترسيخ اسمي مبادئ التسامح والتعايش مع شتي الاجناس البشرية لاسيما الاسلام الذي جعل المسلم الحق هو من يحفظ للإنسانية حقوقها ويسعى في نجاتها حين يجعل من أخلاق الإسلام وسعة رحمته وعدالة مبادئه قدوة له
وتلك رسالة الأديان كافة التي ان انحرف بها معتنقوها عن اهدافها ورسالتها السامية فان العالم يتحول الي بؤرة لاتنتهي من الصراعات يشقي في ظلها الجميع من هنا تبدو اهمية تلك الدراسة التي تحاول ان توقظ الضمير الانساني والشعور الديني الغائب في خضم دائرة الاحقاد السائدة بين الجميع والوقوف علي اسبابها ومحاولة الوصول الي معالجة قائمة علي اسس صحيحة من تعاليم الدين الاسلامي والمسيحي التي ادي غياب الاعمال بمبادئ ماتدعو اليه الي الوصول بامتنا الي تلك الحال المزرية التي عليها الان
الدراسات السابقة واهمية الموضوع
قامت دراسات عديدة حول مفهوم تلك القيمة والتركيز علي ابرازها باحياء الارث الثقافي في جانبه الايجابي عند كلا الطرفين الا انها وعلي الرغم من اهمية الموضوع لاتعتبر مثل تلك الكتابات التي اتت في معظمها مقالات يفرضها الواقع بحاجة الي بحوث عديدة تتوافق مع جلل الاحداث التي نعيشها حيث ظاهرة العنف والعدوانية ومناخ اللاسلم داخل المجتمعات هو السائد ولذا لايكفي التناول سطحي او الدراسات المتناثرة والمتواضعة والتي تفتقد للاستمرارية هي من يحل تلك الاشكالية اويرسخ للتسامح والتعايش المشترك من خلال تناول موضوعي مجرد من التعصب والهوي باحياء القيم الايجابية في تراثنا الثقافي وتحديات الحاضر ومن اهم تلك الدراسات :
1. رسالة في التسامح لجون لوك
2. التسامح ومنابع اللاتسامح: فرص التعايش بين الأديان والثقافات لماجد الغرباوي
3. في الاجتماع المدني الإسلامي: أحكام الجوار في الشريعة الإسلامية للمغفور له الشيخ محمد مهدي شمس الدين
4. عيال الله: أفكار جديدة في علاقة المسلم بنفسه وبالآخرين للدكتور محمد الطالبي.
هذا بالاضافة الي العديد من المراجع مما كتبه مفكرينا عابد الجابري وغيره تم تناولها اثناء البحث
منهج البحث واقسامه :
وقد اتبعت في تناولي لهذا الموضوع المنهج التحليلي النقدي والتاريخي فأتي البحث في ثلاثة اقسام هي :
المبحث الأول : الجذور المعرفية والفكرية للتسامح في الاسلام والمسيحية
المبحث الثاني : الرد علي الشبهات التي تنعت الاسلام بأنه يفتقد للتسامح ووصمه بالارهاب وكيف ان هذا يتعارض مع الواقع والتاريخ ثم عرجت الي الوسائل التي تعين علي ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الجميع
المبحث الثالث : التطبيقات العملية للتسامح في مجتمعاتنا الاسلامية ودورها في ترسيخ قيم التعايش في الحاضر
ثم نتائج وتوصيات لتعزيز قيم التسامح في واقعنا .
معني التسامح
تقول العرب: عليك بالحق فإِن فيه لَمَسْمَحاً أَي مُتَّسَعاً ، والتسامح إصطلاحاً : يشير الي الممارسات الجماعية كانت أم الفردية تقضي بنبذ التطرف أو ملاحقة كل من يعتقد أو يتصرف بطريقة مخالفة قد لا يوافق عليها المرء. والتسامح بالمعنى الحديث يدل على قبول اختلاف الآخرين سواء في الدين أم العرق أم السياسة.(1)
المبحث الأول : الجذور المعرفية لمفهوم التسامح في الإسلام والمسيحية
التسامح في المسيحية
والتي اكدت عليه الكثير من تعاليمها منها :
( لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَخَذَ الَّذِي لَكَ فَلاَ تُطَالِبْهُ) (لوقا 6 :27)
(احترزوا لأنفسكم . وان اخطأ اليك اخوك فوبخه . وان تاب فاغفر له . وان اخطأ اليك سبع مرات في اليوم ورجع اليك سبع مرات في اليوم قائلاً انا تائب فاغفر له ). لوقا 17 : 3 - 4
( اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ ( إنجيل لوقا 6 ، ( كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ) رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 4: 32
(وكما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء (متي 7: 12
( وإذا أحسنتم إلى الذين يُحسنون إليكم، فأيُّ فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضاً يفعلون هكذا. وإن أقرضتم الذين ترجُون أن تستردُّوا منهم، فأيُّ فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضاً يُقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المِثْل. بل أحبُّوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجُون شيئاً، فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بني العَليِّ (لوقا 6: 33-35
الجذور الفكرية للتسامح في الإسلام
قد يبدو للوهلة الاولي ان تلك المفردة مفقودة او لايعرفها تاريخنا وارثنا الثقافي ولكن العكس صحيح تماما فان يكن التسامح كلفظ غير واضح في تراثنا الا ان معناه وتجلياته كانت حاضرة بكل قوة وتمثل ذلك في مواطن عديدة قران وسنة وكتابات علماء الاسلام علي شتي تنوعاتهم الفقهاء والفلاسفة والادباء واعلام التصوف ومن دلائل ذلك :
يوجد أكثر من 100 آية في القرآن تدل على التسامح
-حيث ان المنظومة الأخلاقية والسلوكية، التي شرعها الدين الإسلامي من قبيل الرفق والإيثار والعفو والإحسان والمداراة والقول الحسن والألفة والأمانة، وحث المؤمنين على الالتزام بها وجعلها سمة شخصيتهم الخاصة والعامة، كلها تقتضي الالتزام بمضمون مبدأ التسامح.(2) من دلائل ذلك علي سبيل المثال لا لحصر :
أن الله تبارك وتعالى قد سمى نفسه (العفوّ) يقول تعالى: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء: 149]. ان العفو والتسامح يبعدك عن الجاهلين ويوفر لك وقتك وجهدك، وهكذا يقول تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) الأعراف:199
في الاسلام نجد صورة الله سبحانه وتعالي بصفاته الجمالية وأسمائه الحسني التي وصف بها نفسه ذاخرة بكل معاني الرحمة والتسامح والحب للناس كافة ( الرحمن الرحيم القدوس السلام المؤمن العزيز البارئ المصور الغفار الوهاب الرزاق البصير الحكم العدل اللطيف الحليم الشكور الحفيظ الكريم المجيب الواسع الحكيم الودود الحق المحيي البر التواب العفو الغفور الرؤوف مالك الملك الغني النور الهادي الرشيد الصبور ....) يقول الله تعالي : ( ورحمتي وسعت كل شئ ) ( كتب ربكم علي نفسه الرحمة) الحب ( يحبهم ويحبونه)
-ونجد القران الكريم يستخدم مصطلحات النفس الروح الانس والانسان والحوار بين الله والانسان يتجسد علي اصعدة الخطاب ومستوياته وانواعه لكي يخلص الانسان من العنف و والضلال والعمي وحياة الجاهلية وقيود الجماعة بما فيها الابوان الذان يرفضان الميثاق ( ذلك مما أوحي اليك ربك من الحكمة ) وهذه الآيات لايمكن ان نفهم معناها الحقيقي الا اذا وضعت في سياقها الأول الذي صدرت فيه لأول مرة في مكة والمدينة
-كما أن القرآن الكريم يقر بالإختلاف في المجتمعات وأنه من سنن الله وأن الإتفاق التام هو أمر مستحيل ولذا :
-نهي الله سبحانه من محاولة فرض الأراء والأفكار على الأخرين بالقوة حتى على مستوى العقيدة
قال تعالي : (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ.." آل عمران 20 (ما على الرسول إلا البلاغ) تكررت في سورتي العنكبوت وغيرها ( لا إكراه في الدين )
-وكثيرا من آيات القرآن حثت علي منهج الرفق وأن هذا الإختلاف يفصل فيه الله يوم القيامة قال تعالي : ( ثم إلىّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ) آل عمران 55
( وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) النحل: 124
-ولقد أمر القرآن الكريم بالإحسان إلى الأعداء والمسيئين. يقول الله تعالى:
( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ) المؤمنون 96:23
( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت 34:41
- التوجيهات النبوية العامة لفن التعامل الاسلامي الصحيح مع الناس عامة والتي تنهي عن الخصومة وتحث علي اللين والألفة
حديث الرسول صلي الله عليه وسلم : "ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة و الصيام والصدقة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين "(4)
روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله :إياكم و مشارَّة الناس (مخاصمتهم) فإنها تدفن الغرة (حسنته و عمله الصالح ) وتظهر العورة ( العيوب ) (5)
وعن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقًا الموطؤون أكنافًا الذين يؤلفون ويألفون و أبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الإخوان الملتمسون لأهل البراء العثرات "(6)
-أداب الحوار مع المخالفين من غير الملة الواحدة (الإسلام)
بالتركيز على الجوامع المشتركة التي تقرب ولاتباعد فقال تعالى: ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون ) العنكبوت: 46
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب الكفار بكل رفق ولين قائلا لطالبي الآيات والمعجزات من عبدة الأوثان : ( قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) الإسراء:93
- ثقافة الرحمة حيث جعل الاسلام من مبادئ حياة الانسان هي أن يرحم القوي الضعيف
وردت كلمة "الرَّحمة" وما يتصل بها بصيغ متعددة، في أكثر من ثلاثمائة موضع من كتاب الله تعالى. وأما المرادفات لها وما ينطوي فيها، فهي بالمئات في مواضع كثيرة. الرحمة صفة النبيين والصالحين، وغاية بعثتهم ورسالتهم، وفي هذا يقول الله تعالى في غاية بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء: 107. وقال سبحانه في بيان صفته عليه الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} آل عمران:159. وقال أيضاً: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} التوبة: 128(7)
وهذا المجتمع الإسلامي الذى سعدت في ظله كل الأقليات كانت بسبب الرحمة والحب التي طالما أكد على ممارستها أعلى سلطة في الدولة فالإمام على في وصيته لمالك الأشقر يقول: "..وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق")8)
ويتضح ذلك من خلال توجيهات الرسول (ص)، الذي يقول :
"الراحمون يرحمهم الله"" من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، كما يقول: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في الله "(9)
يقول صلى الله صلى الله عليه وسلم مخاطبا الجماعة:"لن تؤمنوا حتى ترحموا، فرد البعض: يا رسول الله كلنا رحيم، فقال عليه الصلاة والسلام: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة عامة للناس. " حديث صحيح رواه الطبراني
الرسول الكريم كان من رحمته أنه كان يصفح عن قريش عندما تكون له الغلبة ويحاول إقناعهم بالحجة. قال تعالى: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) الحجر : اية 85 .
وفي حديث له صلي الله عليه وسلم : " لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا،ولا تدابروا،ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا". رواه مسلم.
15/236(10)
-وتراثنا حافل بالكثير من المقولات الدالة علي التسامح وممارسته وأثره في واقع الحياة من ذلك :
قول عمر بن الخطاب : ( إذا سمعت الكلمة تؤذيك ، فطأطئ لها حتى تتخطاك )
( من عاشر الناس بالمسامحة ، دام استمتاعه بهم ) أبو حيان التوحيد
( أدركت أقواماً لم تكن لهم عيوب فتكلموا في عيوب الناس فأحدث اللّه لهم عيوباً…
و أدركت أقواماً كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فستر اللّه عيوبهم .) الحسن البصري
" كان أصدقاء بن رشد يلومونه علي تسامحه لخصومه وأعدائه الذين يتحدثون عنه بكل سوء فكان يجيب ليس ثمة فضيلة في كون المرء سمحا مع صديقه ولكن فاضل ذلك الانسان الذي يتسامح مع عدوه" (11)
روي عن أبي سنان قال: قلت لسعيد بن جبير: المجوسي يوليني من نفسه ويسلم علىّ أفأرد عليه؟ فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو من ذلك فقال: لو قال لي فرعون خيرًا لرددت عليه" وفي رواية لابن الجوزي في الحدائق قول ابن عباس رضي الله عنه : لو قال فرعون بارك الله فيك ، لقلت : وفيك "
وعن عطاء قوله عز وجل:{ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً }البقرة:83 قال: للناس كلهم المشرك وغيره
وعن هشام بن عروة قال: عطس نصراني طبيب عند أبي فقال له : رحمك الله فقيل له : إنه نصراني قال أبي: رحمة الله على العالمين (12)
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :"خالط المؤمن وخالط الفاجر ودينك لا تكلمنَّه ( أي لا تحرجنه)
-الجيل الأول من المثقفين في الحضارة العربية الاسلامية يدافعون عن مفهوم لايمان قائم علي الاعتدال والتسامح
فأبو حنيفة نقل عنه : "لاتكفر أحد بذنب ولاننفي أحد من الايمان " وهذه الروح التسامحية وجدناها عند الكندي واستمرارا مع بن رشد حيث يؤكد علي ضرورة احترام أرآء وأفكار من تقدمنا اشارة الي اليونان سواء كان ذلك الغير مشاركا لنا في الملة أو غير مشارك في الملة (13)
لقد وجدتُ بعضَ آثارِ التصوّف الفلسفي تعكس لغةَ المحبة والشفقة والرأفة والعطف والتضامن مع البؤساء والمنكوبين، ويُعلي بعضُ المتصوّفةِ من هذه المعاني بالشكل الذي تصبح فيه مقصدًا محوريًا للدين برأيهم. وجدنا ذلك عند بن عربي وجلال الدين الرومي من جعلُ المحبة مادة الدين، بحيث صار تطهيرُ القلب من الحقد مفتاحًا لطهارة الإنسان، كما ينص على ذلك جلالُ الدين الرومي بقوله: “توضأ بالمحبة قبل الماء، فإن الصلاةَ بقلب حاقد لا تجوز”. وتمكّن بعضُهم من صياغة سلسلة مفاهيم تعمل على تحريرِ الإنسان من اغترابه الوجودي، وإرشادِه لتعاليم تحثّه على التصالح مع العالَم الذي يعيش فيه
ونعثر في آثارهم على فهمٍ للدين وتفسيرٍ لنصوصه يذهب للتعامل مع الآخر المختلف بوصفه إنسانًا بغضّ النظر عن معتقده. لذلك تخلو أكثرُ آثار المتصوّفة من الأحكام السلبية حيال المختلف في الدين ، وبعضُ أعلامهم ينفردون في مقولات تكسر احتكارَ الرحمة الإلهية وتوسّع دائرةَ الخلاص، وتصوغ فهمًا للنجاة في الآخرة لا يجعلها حقًا حصريًا لمن يعتنق معتقدًا خاصًا(14)
" ولقد عمل المفكرون العرب في عصر النهضة من جيل محمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، وخير الدين التونسي، والطهطاوي، ولطفي السيد، والطاهر حداد، على تأصيل المفاهيم الغربية الحديثة داخل المرجعية التراثية والثقافية الإسلامية. وهذا يعني أن الحرية والتسامح والعقلانية وغيرها من المفاهيم المعاصرة ليست مقصورة على أوروبا وثقافتها ولا مشروطة بسياقها التاريخي وأن هذه المفاهيم أصيلة في التراث العربي الإسلامي، وفي غيره من تراث الإنسانية، وهي تتجلى بصور أخرى وفي نسق من المفاهيم الأخرى كالجهاد والعدل والمساواة. وعلى هذا الأساس يحاول المفكر العربي محمد عابد الجابري أن يؤصل مفهوم التسامح في التراث العربي الإسلامي من خلال مفهومي الاجتهاد والعدل، ولا سيما على الصورة التي يأخذها مفهوم العدل عند ابن رشد والمعتزلة والفرق الكلامية العربية الإسلامية التي كانت تركز على مفهومي التسامح من جهة وحرية الإنسان من جهة أخرى "(15)
-حرية الرأي وحرمة التكفير
لقد كان للحرية احتفاء خاص في الاسلام عكسته آيات القران المتعددة في اشاراتها الي حرية الاعتقاد والفكر والمعارضة وأن من يمارس هذا الحق هو آمن علي حياته وممتلكاته فالجزاء عند الله في الآخرة وكذلك كانت سنة الرسول (ص) فالحرية هي من حقوق الانسان التي لايجوز المساس بها ونقيضها هي العبودية التي تعني استعباد الناس واذلالهم وفي هذا يقول عمرمنكرا علي من يأخذ هذا المنحي السيئ في معاملة الناس " متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "
ولكن هذه الحرية ليست مطلقة فهي مقيدة بشرط عدم الطغي علي حق الآخرين ولضمان الحرية تشرع القوانين والأنظمة وتنزل الشرائع والديانات وقد وضع الاسلام في ذلك قاعدة عامة تحكم العلاقات بين الناس تتمثل في أنه " لا ضررولا ضرار " (رواه بن ماجه ) فأنت بينك وبين نفسك لاتتدخل الشريعة في عقوبتك علي ماتفعل من مخالفة لأمر الله وانما تؤخر عقابك الي يوم الدين ولكنك حين تجاهر بالمعصية تعاقبك علي ذلك في الدنيا والآخرة(16)
وقد اتسع مفهوم الحرية في الاسلام ليشمل حرية الاعتقاد والفكر وهو ماسوف نتناوله لاحقا
حين نمعن النظر في التوجيهات القرآنية والممارسات العملية في واقع الحياة للرسول (ص) وصحابته الكرام نجد هناك اعترافا بالاختلاف مع احترام لمن يمثله دون أن يؤدي ذلك الي رمي الآخرين بالكفر والتعصب المقيت للرأي أو التسوية الدموية بين المخالفين سواء بين المسلمين بعضهم وبعض أو بينهم وبين المخالفين لهم في العقيدة فالله سبحانه يدعونا الي ضرورة وجود فئة تصلح بين المؤمنين لاسيما اذا وصل الخلاف لمرحلة الاقتتال(17) (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ الي أمر الله ) الحجرات :9
وديننا يعلمنا أن الاختلاف والتنوع بين الناس بعضهم وبعض هو أمر طبيعي بل هو من سنن الفطرة التي فطر الله الناس عليها وأقر بها وأوجد الشرع منافذ وآليات لعدم وصول هذه الاختلافات الي حد البغي والتنازع الدموي فقال تعالي : (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . الا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) هود 118 ، 119 فالاختلاف له صور ايجابية منها أنه يؤدي الي التعاون والتلاحم بين الناس فقال تعالي : (ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات : 13
حرية الفكر -
يعني القبول باختلاف الثقافات وتنوعها وضرورة التعايش والحوار فيما بينها فأبو حنيفة نقل عنه : لانكفر أحد بذنب ولاننفي أحد من الايمان "
وقد جاء في رسالة " السلفية المعاصرة إلى أين " أمثلة لسماحة الصحابة إزاء الإنحرافات الفكرية حتي في أمر العقيدة :
فلم يكفر الصحابة القدرية الذين قالوا إن الله لم يقدر ولا يقدر على تقدير الهدى والضلال على أحد. ولم يكفر الصحابة الفرق التي زعمت أن الله أجبر الخلق وأكرههم على ماهم عليه بل إنه لما قتل إمامهم غسل وكفن وصلى عليه ودفن في مقابر المسلمين
لأن الصحابة والتابعين قد فرقوا بين الكفر العملي والإعتقادي فمن قلد المشركين في بعض الأقوال والأفعال لا تعني البراءة والردة من دين الله لا كفر الإيمان أو شرك العقائد والتوحيد عياذا بالله (18)
وقد وسعت سماحة الصحابة حتى من رموهم بالكقر كما كان من أمر الخوارج مع على كرم الله وجهه الذين انحازوا عنه بسلاحهم ورموه بالكفر ونصبوا لهم أميرا غيره ومع هذا فلم يقاتلهم حتى قتلوا آمنا فلما طالبهم بقاتله قالوا (كلنا قتله) وحين سئل عنهم قال: (إخواننا في الإسلام بغوا علينا(19)
فبالتعددية الفكرية أقيمت دولة الإسلام وظلت كذلك ولم تتخلى عن اعمال هذا المبدأ إلا في العصور المتأخرة حين آفل نجم حضارتها ولهذا نجد عايد الجابري يستنكر أن تكون الشريعة – ( بمفهومها الشامل وليس المعنى الضيق المحصور في القصاص كما يعتقد البعض وإنما الشريعة هي الأسس والمبادئ التي أقام عليها الإسلام المجتمع سواء كان اجتماعيا اقتصاديا سياسيا فهى أسلوب حياة تفرد بها الإسلام عن غيره من النظم الأخرى ) - لم تطبق إلا في حقبة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين لأن ذلك كما يقول : سيؤدي إلى عدمية مخيفة تتركنا بلا هوية وبدون تاريخ. ويناقض ذلك مع المنطق وأين سنضع كتب الفقه والإجتهادات والفتاوى؟ نعم لقد أغلق باب الإجتهاد -في القرن الرابع الهجري- ولكن هذا لم يمنع الفقهاء من الإجتهاد داخل المذاهب الأربعة وداخل الفقه الجعفري الشيعي ولم يمنع ذلك الإغلاق قيام فقيه وأصولي عظيم مثل ابن حزم الذي حرم التقليد وأوجب الإجتهاد على كل شخص حتى على الرجل العاص
ومثل الأصولي الكبير أبي اسحاق الشاطبي الذي عمل على إعادة تأصيل أصول الفقه والتجديد فيه وذلك بالمناداة بنقل الإجتهاد من اللفظ وأنواع دلالاته وبالقياس والتعليل.. الذي كان سائدا قبل ذلك إلى بنائه على مقاصد الشريعة وذلك باستقراء أحكام الشريعة وصيغتها في كليات ثم تطبق هذه الكليات على الجزئيات المستجدة. هذا ليس اجتهادا فقط بل هو عودة إلى إعادة تأسيس الإجتهاد بما يمكّن الفقه في الإسلام من أن يكون مسايرا للتطور وقابلا للتطبيق في كل زمان ومكان(20)
وتكاد تجمع كل المدارس الإسلامية على تنوعها من معتزلة وأشاعرة وحنبلية وشيعية وماتريدية على محاربة التقليد والدعوة لأوسع مدى للإجتهاد طالما لا يتعارض مع الأصول الإسلامية والنهي مما سببه التقليد من التعصب وإدعاء كل فريق أنه فقط عنده الحقيقة وكان ذلك سبيلا للشقاق هنا لابد من إعمال العقل وما يدعو إليه من الاقتداء بالرسول وصحابته من التسامح وسعة الصدر وعدم التعصب على المخالفين. ويقول ابن حزم في تحريم التقليد*: (فإنهم ماداموا آخذين بالقول لأن فلانا قال دون النبي صلى الله عليه وسلم فهم عاصون لله تعالى لأنهم اتبعوا مالم يأمرهم الله تعالى باتباعه"(21)
وينبغى أن نعرف هنا أن التقليد المنهي عنه لأهل النظر والإستدلال أما العامة والتي لا تقدر على ذلك فيجوز التقليد لأي عالم دين حسنت ديانته
فاختلاف هذه الفرق ليس على النص القطعي "وإنما في الظنيات والذي يدخل في باب التأويل الذي لا يكفر صاحبه إذا أخطأ ويؤكد هذا ما ذكره جمال الدين القاسمي في كتابه "تاريخ الجهمية والمعتزلة" من أن المعتزلة أو المرجئة وكثيرا من الفرق الإسلامية مجتهدون لهم ماللمجتهدين وذلك لعموم مفهوم الإجتهاد لغة واصطلاحا ووجودا ولأنها تستدل على دعواها بالقرآن والسنة.. فذهب كل فريق إلى ما رآه أوفق لكلام الله ورسوله وأليق بعظمته فكانوا لذلك مجتهدين وفي اجتهادهم مأجورين وإن كانوا في القرب من الحق متفاوتين(22)
والتعددية الفكرية كانت تبرز معالمها من خلال المحاورات والنقد والجدل ومن دلائلها :
أن الغزالي في (تهافت الفلاسفة) شن حملته على ابن سينا وغيره من أهل الفلسفة وتصدي ابن رشد في تهافت التهافت لإبطال حملته كان هذا كما يقول دكتور توفيق الطويل مصارعة فكر لفكر ومقارعة حجة بحجة وليس صحيحا أن حملة الغزالي هي التي أدت إلى ركود الفكر الفلسفي وإنما هو الغزو التركي ثم سقوط بغداد على يد المغول
ثم هو يوضح كيف أن الدولة الإسلامية أتاحت حرية الفكر والتقدير للعلماء والمفكرين وأنه إذا حدثت بعض المحن فإنها لم تكن وليدة سياسية منظمة في مطاردة العلماء وأحرار الفكر وإنما بسبب وشاية الحاقدين عند السلطة فإبن رشد تعرض لمحنة صدر أثناءها منشور بتحريم الفلسفة .. ولكن الخليفة قد عاد وصحبه ورضي عن الفلسفة وألغى الأمر بتحريم الإشتغال بها. كما أن الجدل في خلق القرآن لم يكن من الممكن أن ينتهي إلى اضطهاد ومحنة لو لم يتدخل الحاكم السياسي لنصرة فريق على فريق وقبل هذا كان مصرع الحلاج بسبب الأحقاد والسياسة وقد صدق نيكلسون حين قال: إن موقف المسلمسن من هؤلاء الصوفية أمثال أبي يزيد البسطامي والحلاح وابن الفارض وابن العربي –مشبعا في العادة بروح التسامح(23)
والغزالي أنكر على المتسرعين في تكفير أهل الشهادتين قائلا: "لكني أعطيك علامة صحيحة فتطردها وتعكسها لتتخذها مطمح نظرك وترعوى بسببها عن تكفير الفرق وتطويل اللسان في أهل الإسلام وإن اختلفت طرقهم ماداموا متمسكين بقوله "لاإله إلا الله محمد رسول الله صادقين بها غير متناقضين لها(24)
ومانقله ابن تيمية عن أن "الإمام أحمد بن حنبل أنه لم يكفر أهل هذه الفرق بل صلى رضى الله عنه خلف بعض الجهمية وبعض القدرية وأن أكبر ما توصف به كل تلك الفرق عند ابن تيمية هو الفسق(25)
يقول أبو عبيد القاسم بن سلام: " وأما الآثار والمرويات بذكر الكفر والشرك ووجوبهما بالمعاصي فإن معناها عندنا: ليست تثبت على أهلها كفرا ولا شركا يزيلان الإيمان عن صاحبه وإنما وجوهها: أنها من الأخلاق والسنن التي عليها الكفار والمشركون"(26)
وفي هذا أيضا وضع ابن تيمية قاعدة قال فيها "لايجعل أحد بمجرد ذنب يذنبه ولا بدعة ابتدعها –ولودعا الناس إليها- كافرا في الباطن إلا إذا كان منافقا. فأما من كان في قلبه الإيمان بالرسول وما جاء به وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع فهذا ليس بكافرا أصلا" واستشهد .. بأن الصحابة لم يكفروا الخوارج رغم ظهور بدعتهم وقتالهم للأمة. لأن الخوارج وكما وجدنا في كتب التاريخ كانوا من أشد الناس إجتهادا في العبادة ولكنهم أخطأوا في التأويل. ومن أجل هذا لا ينبغي أن تطلق كلمة الكفر إلا من اعتنقه من قلبه وهذا الباطن لا يعلمه إلا الله "(27))
والخلاصة أن "المطلوب منا تطبيق منهج التعارف القرآني الأقرب من التسامح الي طبيعة الاسلام والتعارف هو المعرفة المتبادلة وهو الاعتراف المتبادل بالحق في الاختلاف (ولايزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذك خلقهم )ولاخشية علي الهوية والانتماء من الانفتاح لأن الهوية المنفتحة والمتجددة هي الباقية ولا واصل بين الثوابت والمتغيرات غير منهج التعارف"(28)
"فالتعارف هو المنظور القراني لتجاوز الآثار السلبية والسيئة لحالة الاختلاف والتعدد فطريق الوحدة في التجربة الاسلامية يأتي عن طريق احترام حقائق التنوع لأن التعدد والتنوع ليسا حالات أو وقائع مضادة للمنظور الوحدوي بل عناصر تثري مفهوم الوحدة وفي المقابل فان اقصاء هذه الحقائق لايوصلنا الي الوحدة بل بالعكس يفرغها من مضمونها الحضاري ويجعلها وبالا علي الكيان المجتمعي بأسره "(29)
المبحث الثاني : نقد الدعاوي التي ترمي الاسلام بأنه دين غير متسامح مقارنه بالمسيحية
فهل المسيحية كما يشاع أكثر تسامحا من الإسلام؟ ومن السبب وراء اشاعة تلك الاتهامات ؟
الاجابة تتمثل في عاملين داخلي وخارجي :
1-العامل الداخلي دور المثقفين
هو ان المثقفين وهم أهل علم بالأوضاع الإجتماعية والسياسية التي تمر بها شعوبهم ولكن لايستخدمون معرفتهم في رؤية هذه الظواهر وفي تشخيصها وفهمها بأساليب البحث العلمي التي يتنادون بها وإنما يلجئون إلى مالا يتقنون ولايعرفون من مناقشة هذه الأمور من النواحي الفقهية فيضلون ويخطئون ويضرون. وبعضهم لايستطيعوا التمييز بين الثابت والمتغير ولابين الأصول والفروع وكان الاجدي ان يعملوا علي التوفيق دون اثارة الخلاف والتوفيق بمعنى أن يحتفظ الكل بجوهر ما يؤمن به"(30)
2- العامل الخارجي الهيمنة الامريكية
فدعاوي نعت الاسلام بالارهاب وانه دين يحض علي العنف هو الغرب وعلي رأسه أمريكا لتبرير ممارسات الحرب المعلنة علينا من جانبها هي وحلفائها من اجل مصالحها في منطقتنا
وفي ظل هذا المناخ انبثقت نظرية"صدام الحضارات" لصمويل هنتجتون والذي ذكر فيه بأن " الكره شيء إنساني ولتعريف النفس ودفعها يحتاج الناس إلى أعداء منافسين في العمل خصوصا في الإنجاز وفي السياسة "(31) ونتج عن ذلك رغبة هذه الحضارة الغربية في فرض نموذجها الحضارى وثقافتها على الآخرين وماأدي إليه ذلك من رد فعل مضاد من جانب الحضارات الأخرى بسبب رفضها لهذا النموذج وتمسكها بخصائصها وهويتها الثقافية
3- نحن الذين مورس علينا روح التعصب وكنا ضحايا غياب التسامح
وشواهد ذلك لاتحصي سواء في الماضي اوالحاضر مما لايخفي علي احد ولقد شهد مفكري الغرب المنصفين ومؤرخوه بذلك
- أ-فالمسلمون لم يسموا الحروب الصليبية بهذا الاسم بل سموها حروب الفرنجة
- لانهم يدركون ان تعاليم المسيح ابعد ماتكون عن اثارة الحروب ونزاعات الكراهية والعدوان علي الغير فتلك التسمية تفوه بها رئيس امريكا في اثناء اعداد طبول الحرب علي العراق ليذكرنا بمآسي الماضي لهم والتي تواصلت بالحاضر بتدبير واحتلال بلدين مسلمين العراق وافغانستان وسبقهما مذابح المسلمين في البوسنة والهرسك بصورة جللت تلك الحضارة المتشدقة بحقوق الانسان بالعار
ب- الاسلام منهجهه قائم علي التلاقح الحضاري وثقافة التعايش وليس صدام الحضارات
قال تعالي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) ( وماراسلناك الا رحمة للعالمين ) فالحضارة تأرجح في اتجاهين متطرفين الأول هو سيرها في الجانب المادي فحسب والذي إذا سار فإن المدنية لا تكون إلا في الآلات والمباني والترف والبذخ إما إذا سار الجانب الثاني الروحي فإن الحضارة تذوي ويقف نمو الإنسان الفكري والمادي
"فالإسلام نظام متوازن يقوم على الوسطية والجمع بين الثنائيات أو المتقابلات التي يحسب كثير من الناس إلتقائها ضربا من المحال مثل المادية والروحية وقد أدى غياب هذه النظرة الثنائية للطبيعة الإنسانية في الفلسفة الغربية إلى أن تحول العالم إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف ويتحكم في عصره عبر مؤسسات مصطنعة لخدمة هذه الأغراض والتي كانت وراء تفجير للصراعات في كل مكان وخاصة في منطقتنا العربية ثم يتبجحون بالحرب علي الارهاب ورمي الاسلام بانه دين يرعي الارهاب
ج-الاسلام ضحية الارهاب بشهادة الكثير من الكتاب ومفكري الغرب المنصفين
وبعض الباحثين والسياسيين*والذين يحاولون كشف اللثام عن أرضيه مشتركة للتعايش السلمي بين الغرب والإسلام قائمة على الإحترام المتبادل للثقافة التي تقوم عليها كلتا الحضارتين وتتسع لعلاقات من الحوار والتعاون رافضين نظرية كل من فوكوياما وهنتجتون المؤججه للصراع ومن أبرز هؤلاء المفكرين :
-"هاليداي" في كتابه "الإسلام وخرافة المواجهة" الذي يرفض ما يسمى بالخطر الإسلامي ويصفه بأنه خرافة ونوع من الحماقة أنه ليس هناك خطر عسكري تثيره قوات إسلامية موحدة وكما يقول: "إن البلدان الإسلامية تابعت مصالح دولها القومية الفردية وفي أحيان كثيرة حاربت بعضها بعض"(32) ثم يرفض اتهام الإسلام بأنه يسوغ الإرهاب بأن الإسلام ليس له علاقة بالإرهاب وأن الإرهاب عندما ظهر في القرن التاسع عشر لم يكن المسلمون هم الذين شقوا طريقه وإنما نشأ الإرهاب على أيدي غيرهم"(33) وعلى أي حال لم يكن العالم الإسلامي هو الذي نظم مذبحة اليهود في الحرب العالمية الثانية ولاهو الذي طرد السفارديم من أسبانيا وفي كثير من البلدان اليوم نجد أن المسلمين هم ضحايا القمع والإرهاب –في بورما وكشمير وفلسطين وفي البوسنة- ولايستطيع أحد أن يزعم أن المسلمين المناضلين هم المسئولون عن هذه الأزمات إن كانوا مسئولين أصلا"(34)
-وفي هذا الصدد أيضا يذكر( فوللر وليسر ) في كتابيهما "الإسلام والغرب بين التعاون والمواجهة" نحن لانعتقد أن العلاقات بين الإسلام والغرب تمثل بذاتها المجال المقبل للصراع الأيديولوجي العالمي. فالإسلام كعقيدة ليس على طريق التصادم مع الغرب"(35)
ثم يقولا إن العالم الثالث وهذه الأنماط السلوكية تتجه في الغالب نحو بلدان إسلامية أكثر ما تتجه إلى الغربيين وأن تاريخ العالم زاخر بالحوادث الدموية عبر شرق آسيا وغرب أوربا والشرق الأدنى فيما قبل الإسلام وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وإذا مانظرنا إلى الأمر من زاوية التكوينات العرقية سنجد أن الأوربيين البيض هم أكثر الأعراق إثما من حيث الدم المسفوح في الصراعات وهو مايظهر على نحو يقيني في القرن العشرين"(36)
وأخيرا شكلت "جمعية الأمم المتحدة" بعد الحرب العالمية الثانية فماذا رأينا؟ أليس روح التفريق وعدم المساواة لايزال مسيطرا فيها على عقول الذين يتحكمون في مصائر الإنسانية؟ ثم يقول : أنه إذا أردنا أن نظفر بتشريع دولي عام يصطبع بالصيغة العالمية الحقيقية فعلينا أن نصغ بذاكرتنا إلى عصر رسول الإسلام(37)
د-شهادة مفكري الغرب واعلامه انصفت الاسلام تعاليما وممارسة حين كانت الغلبة له في واقع الحياة ومن دلائل ذلك :
قول الراهب ميشو في كتابه "رحلة دينية في الشرق" من المؤسف أن لا تقتبس الشعوب النصرانية من المسلمين التسامح الذي هو آية الإحسان بين الأمم واحترام عقائد الآخرين وعدم فرض أي معتقد عليهم بالقوة"(38)
ويقول توماس أرنولد وهو يتحدث عن المذاهب الدينية بين الطوائف المسيحية: "ولكن مبادئ التسامح الإسلامي حرمت مثل هذه الأعمال التي تنطوي على الظلم بل كان المسلمون على خلاف غيرهم إذ يظهر لنا أنهم لما يألوا جهدا في أن يعاملوا كل رعاياهم من غير المسلمين بالعدل والقسطاس.."
وتوماس أرنولد الذي وضح في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" وبالأدلة التاريخية مئات الوقائع من شتى الأمصار والأعصار والمصادر وهى تدل دلالة قاطعة على السماحة التي يتمتع بها المسلمون في معاملة المخالفين.(39) ويقول خوستاف لوبون أيضا "إن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا دينا سمحا مثل دينهم(40)
ويقول المستشرق مونتجمري عن الإسلام بوصفه دينا تمتزج فيه كل الأجناس والأقليات كما وضع أحمد أمين سابقا وتتلاش فيه الحواجز المصطنعة بين أفراد المجتمع على تنوعاته بقوله: "إن فكرة الأمة كما جاء بها الإسلام هى الفكرة البديعة التي لم يسبق إليها ولا تزال إلى هذا الزمن ينبوعا لكل فيض من فيوض الإيمان يدفع بالمسلمين إلى الوحدة في أمة واحدة تختفي فيها حواجز الأجناس واللغات وعصبيات النسب والسلالة وقد تفرد الإسلام بخلق هذه الوحدة بين أتباعه من العرب والفرس والهنود الصينيين والمغول والبريد والسود والبيض على تباعد الأقطار.. ولم يخرج من حظيرة هذه الأمة أحد لينشق عليها ويقطع الصلة بينه وبينها بل كان المنشقون عنها يعتقدون أنهم أقرب ممن يخالفونهم إلى تعزيز وحدتها ولم شملها.(41)
والمسلمون في أي بلاد يصلون إليها كانوا ينشرون علومهم وتعاليمهم السمحاء مما أدى إلى سيادة الرخاء والرقي الحضاري لهذه البلاد ودخولهم في الإسلام أفواجا فكانت نهضة الإسلام لأوربا نعمة ورخاء وسكينة واطمئنان وهذا ما جعل المسيحيين يعترفون في صراحة أنهم يؤثرون حكم العرب على حكم الفرنج أو القوط(42). وما ذلك إلا لأن العرب ساووا بينهم وبين غيرهم في التعامل فلم يكن هناك عصبية لجنسهم.
وللرد علي الخائفين من الاسلام او اعتباره يهدد امن المسيحيين اوغيرهم تم تفنيده وعلي لسان الكثير من المفكرين ابرزهم رد الشيخ محمد عبده علي هانوتو ومزاعمه الباطلة ضد الاسلام في كتابه ( الاسلام والمدنية ) وفيه فند بالحجج الدامغة كل تلك الاتهامات
اضافة الي "أن المجتمع كان أشد تمسكا بالإسلام في بدايات القرن ولم يعرف الأحداث المؤسفة في العصر الحديث إلا بتقلص دور الإسلام** في مناشط الحياة"(43) وأيضا التسامح الذى عاش فيه المسيحيون والمسلمون حين كانت السيطرة للإسلام في العصور التي شهدت إقامة دولته
و-النزعة الانسانية في الاسلام
ونظرا لمناخ التعصب والعدوانية التي تعيشها مجتمعاتنا وجدنا اهتمامات لدي الباحثين بالنزعة الانسانية في الاسلام وانه علي عكس مايشاع عنه دين عنف وارهاب من تلك الدراسات :
1-) الانسان في الاسلام :علي شريعتي(
2- (النزعة الانسانية والعقلانية في الاسلام :هشام جعيط )وكذلك كتابه ( أزمة الثقافة الاسلامية (
3- محمد أركون وكتاباته الرائدة في هذا الصدد والتي خرجت من عباءتها معظم الدراسات التي تؤكد علي انسانية الاسلام ومكانة الانسان السامية التي حظي بها في ظله ( الانسية والاسلام : معارك ومقترحات : محمد اركون )
4-) الاسلام الوسطي وصعود النزعة الانسية : جورج مقدسي(
5- ( انسية الفقيه الحنبلي ابن عقيل : جورج مقدسي )
6- (الانسانية والوجود في الفكر العربي : عبد الرحمن بدوي )
7- ) النزعة الانسية في الفكر العربي الوسيط : كتبه جملة باحثين مصريين )
8-( دراسات عديدة بعنوان : القران والنزعة الانسانية ، النزعة الانسانية في الاسلام ...)
وغيرها كثير مما هو موجود في تراثنا القديم الذي يعبر عن معني وجوهر التسامح والتعايش وان اختلف العنوان او اللفظ لكن ظل المضمون موجود نظريا وتم تطبيقه بصورة عملية في عصر حضارتنا الاسلامية في مجملها العام والذي شهد به علماء ومؤرخي الحضارات في الغرب
المبحث الثالث : التطبيقات العملية للتسامح ودورها في ترسيخ مبادئ التعايش في مجتمعاتنا
وتجلي ذلك في مواطن عديدة سوف نعرض لبعض ملامحها مما لايتسع البحث لتناوله تفصيليا ومنها :
1- الجوانب الايجابية لمواقف المفكرين من كلا الطرفين الاسلامي والمسيحي والتي تؤسس للتعايش علي مبدأ الاحترام المتبادل
2-ثم ماشهدته التجربة العملية للتسامح في واقع المسلمين فكان رسولنا صلي الله عليه وسلم خير قدوة لنا في ذلك
3- التسامح عند علماء الاسلام
4- مانعمت به الاقليات من حقوق في ظل الاسلام
5- التسامح الاسلامي في مجال العلاقات الدولية
1-مواقف آباء الكنيسة والقسس ومفكري الاقباط لترسيخ مبدا التسامح منهم :
الأستاذ أمين بك نخلة" والذي ينقله الشيخ محمد الغزالي بأنه مسيحي كريم العاطفة صائب الحكم وينقل عنه قوله: "وفي هوى محمد لاحرج في التمسك بالقومية والكلف باللغة كما أنه لاحرج في التمسك بالدين.. في هواه تتلاقة ملتا العرب: ملة القرآن وملة الإنجيل حتى كأنما الإسلام إسلامان واحد بالديانة وواحد بالقومية واللغة أو كأنما العرب على إختلاف أديانهم مسلمون جميعا حين يكون الإسلام هكذا هوى بمحمد وتمسكا بقومية وكلفا بلغته وإن لغير المسلم في أرض العرب ألا يدين بدين ابن عبد الله وأن يخلب لبه مثلا كتاب لابن مريم كل حرف منه يقطر رفقا وصليب قعدت به دنيا وقامت به دنيا"(44)
والأنباغريفورس والذي كان على رأس الوفد القبطي المراقب في مجتمع الفاتيكان سنة 1963 ومما ذكره في هذا الإجتماع أن نقاط الإلتقاء بين الإسلام والمسيحية أعظم من نقاط الإلتقاء بين اليهودية والمسيحية" وساق دليلا على ذلك أن المسلمين يؤمنون بالتوراة والإنجيل وأنهم يؤمنون بالمسيح وأنهم يكرمون مريم العذراء وذلك كل مما لايقبله اليهود. كما أن الأقباط والحركة الإسلامية يلتقيان في نقطة رئيسية هى محاربة الإستعمار سواء كان إسرائيل في فلسطين أو باعتبار ماكان من الإحتلال الإنجليزي لمصر
والأستاذ ميلاد حنا يقول: "العرب عامة بما فيهم المسيحيون لا يحملون أي بغضا أو استهزاءا بالديانة اليهودية في حد ذاتها بل ربما على العكس تماما فالمسلمون يكنون الإحترام والتوقير العالمي لكافة أسفار العهد القديم وأنبيائه وأشخاصه.. وفي هذا يمتاز الضمير العربي عموما على الضمير الأوربي الأمريكي الذي لا يزال تتحكم فيه عوامل بربرية ورثها من العصور الوسطى ولاتزال تتردد في جوانبه أصداء الحروب الصليبية.."(45)
-موقف مفكري الاقباط ورجال الكنيسة من الشريعة الاسلامية
ان ما يقرره الاسلام هو ان لليهود والمسيحيين في أرض الإسلام الخضوع لأحكام دينهم متى أرادوا ذلك من دون فرض لأحكام عقيدة الإسلام عليهم وفي المقابل عليهم احترام حق الأغلبية المسلمة متى أرادت تطبيق الشريعة وهذا ما خلص إليه علماؤنا انطلاقا من تعاليم الكتاب والسنة والممارسة العملية لذلك في تاريخنا وهذ ماعكسته مواقف واراء الكثير من الاباء والقسس والمفكرين المسيحيين لما لمسوة من عدالة للإسلام لم يوجد لها نظير في أي نظام آخر ومن الدلائل على ذلك :
مجلة الدعوة في عددها الصادر في فبراير سنة 1977 وجهت سؤالين إلى عدد من أقطاب الطائفة المسيحية على اختلاف مذاهبها هما (باختصار) هل ترى في تطبيق الشريعة الإسلامية ما يمس حقوق المسيحيين أويضايقهم؟ من خلال دراستكم للتاريخ ماذا ترون في حكم الإسلام بالنسبة للأقليات من ناحية العبادة والأموال والأعراض؟
أجاب الكاردينال أصطفانوس بطريرك الأقباط الكاثوليك" الذي يشذ عن نظام الله وتعاليمه بعد أن تكفل له أسباب العيش ومستلزماته يجب أن تطبق عليه حدود شريعة الله ليرتدع ويكون عبرة لغيره وحتى لا تعم الفوضى عندما يقتل أحد أخاه ولايقتل أويسرق ولاتقطع يد أو يزني ولايقام عليه حد الزنا وهذا ما وجدناه في القوانين الوضعية التي تجامل الناس وتلتمس لهم مختلف الأعذار مما جعل المجتمع غير آمن على نفسه أو ماله أو عرضه وأعود فأكرر أن تطبيق حدود الشريعة الإسلامية ضروري على الشخص وعلى المجتمع حتى تستقيم الأمور وينصلح حال الناس وليس في تطبيقها أبدا ما يمس حقوق المسيحيين أو يضايقهم "
كما أجاب عن السؤال الثاني بقوله: " لقد وجدت الديانات الأخرى والمسيحية بالذات في كل العصور والتي كان الحكم الإسلامي فيها قائما بصورته الصادقة مالم تلقه في ظل أي نظام آخر من حيث الأمان والإطمئنان في دينها ومالها وعرضها وحريتها
أما الأنباغريفوريوس أسقف البحث العلمي والدراسات العليا اللاهوتية بالكنيسة القبطية وممثل الأقباط الأرثوذكس فقد أجاب عن السؤال الأول بقوله.. "إن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في مصر أمر لاإعتراض عليه فالشرائع السماوية نور وهداية للبشر .. ورغم أن الديانات المسيحية ليس في نصوصها قطع يد السارق أو قتل القاتل إلا أننا كمسيحيين لانعارض في تطبيق حدود الشريعة الإسلامية في مصر إذا كانت هذه رغبة إخواننا المسلمين "
ويقول القس برسوم شحاته : " لقد تعلمنا في الشريعة السمحاء أنه "لايطل دم في الإسلام" بمعنى أنه لابد من التقصى الجاد عن مرتكب الجريمة ويدفع تعويض مالي تقدره الشريعة بما يعادل ثمن مائة ناقة لأهل القتيل أما واقع حالنا فإنه كما يقال "موت وخراب ديار" فلا هناك تعويض لأهل الميت تلزم الدولة بدفعه إذا لم تعثر على القاتل كما أن معظم قضايا القتل لايعرف مرتكبوها وتحفظ القضية ضد مجهول
ويجيب عن السؤال الثاني بقوله "لقد لقيت الأقليات غير المسلمة والمسيحيون بالذات في ظل الحكم الذي كانت تتجلى فيه روح الإسلام السمحة كل حرية وسلام وأمن في دينها ومالها وعرضها"
وينقل الدكتور لويس عوض عن الجبرتي أن بونابرت في مصر عرض على المصريين نظاما للتوريث مأخوذا عن القانون الفرنسي فعارضه أعضاء الديوان بالإجماع بمن فيهم الأقباط ونصاري الشوام الذين قالوا إن المسلمين يقسمون لنا(46)
-وللدكتور سليمان مرقص دراسة عن فضل بعض نظم الشريعة الإسلامية على مايقابلها من نظم القوانين الحديثة وفيه يقول "أما ما يثيره البعض من رفض للشريعة على أساس أنها مستمدة من أحكام دين غير دينهم فقد كان يكون لهذه الحجة وجه لدى من يقول بها لو أن للكنيسة نظاما قانونيا للمعاملات يوازي نظام الشريعة أو يتضمن ما يخالفه ولكن الحادث وفق ما يراه رجال الدين المسيحي ومثقفوا القبط أنه لا يوجد هذا النظام" وهذا ماسبق الاشارة اليه من اقوال آباء الكنيسة الأقباط
2- حرية الفكر والاعتقاد في الاسلام
قال تعالي : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) سورة يونس: 99
( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) سورة البقرة :136
"وتلك إشارة هامة إلى ضرورة إيمان المسلم بالرسل السابقين علي محمد صلى الله عليه وسلم وضرورة احترام ما أنزل إليهم من نصوص مقدسة"
-بعض المواقف العملية للتسامح لرسولنا صلى الله عليه وسلم (حرية الفكر والاعتقاد)
لقد كانت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية خير مثال يحتذى به المسلمون في التعددية الفكرية والتي كانت قائمة عنده على أساس من التسامح مع المخالفين والشورى للمؤمنين ومن دلائل ذلك:
-تسامحه صلى الله عليه وسلم مع المنافقين في المدينة والذين تحالفوا مع اليهود على إقامة العراقيل في وجه الدعوة الجديدة والتآمر عليها فكانوا يدعون الإيمان ثم الكفر بعد ذلك لزعزعة إيمان المسلمين وإشاعة ونشر الأكاذيب وقد كشف الله شرهم وأنزل سورة خاصة بهم وقال القرآن فيهم : ( آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم إزدادوا كفرا ). وقال تعالى: ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إيمانهم ) وقال تعالي : ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) وهى آيات صادعة بردة هؤلاء وكفرهم بعد إسلامهم ومع ذلك فقد أحسن الرسول إليهم وتغاضى عنهم وعند ماعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤتي برأس الكفر عبد الله ابن أبي ورفض وقال : بل نحسن صحبته (47)
-وارتد رجل عن الإسلام بعد أن كان من كتاب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتورع من إرتداده أن يقول الكلمة المنكرة التي رواها البخاري وغيره (ما يدري محمد إلا ما كتبت له) وعلى الرغم من ذلك كله تركه رسول الحرية حرا طليقا وقبل فيه الشفاعة حتى مات على فراشه (هداية الباري إلى شرح أحاديث البخاري).
وارتد اثنا عشر مسلما على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فما أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دم أحد منهم واكتفى القرآن بقوله عنهم (ومن يبتعي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه..)ال عمران : 85
وماحدث من قتل للمرتد اقترنت بحالة حرب كانت قائمة ضد المسلمين وكان هؤلاء جواسيس لأعداء الدين المحاربين له فكانوا يظهرون الاسلام لنقل اسرار المسلمين لأعدائهم(48)
3- التسامح عند علماء الاسلام
التسامح في صورته المثلي كان نبراسا لواقع عاش فيه أجدادنا باستثناء محطات تراجع فيه هذا المفهوم والذي لا يلبث أن يعود مرة أخري وذلك لأن ثقافتنا الاسلامية في أسمي مصادرها الكتاب والسنة مثلت نهرا نستقي منه هذا المفهوم في صوره المتعددة وبالتالي لاشك أن نجد من يدافعون عن هذا التسامح اذا لمسوا تراجعا له في واقعهم انطلاقا من أن هذا الدفاع هو دفاع عن الاسلام في صورته النقية وامتدادا للسنة في صورتها ليس فقط النظرية بل العملية للرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام مع من يختلفون معهم أو يعارضونهم وما أحوجنا أن نجلي معالم تلك الصورة في واقعنا الذي يشهد سيلا من العداء والأحقاد والاستقطاب الحاد لكل منا تجاه الآخر
أ-التسامح عند ابن تيمية
فنجد اقواله عديدة في هذا الشان متماشية مع سلوكه العملي كما شهد له بذلك تلامذته ومعاصروه وتتضح تلك الاقوال في مؤلفاته منها علي سبيل المثال لاالحصر (العقود الدرية 281) ((مجموع الفتاوى 3/245)
وضع ابن تيمية قاعدة للتسامح في حياته السلوكية والعملية ، هذه القاعدة هي مقولته المشهورة : " أحللت كل مسلم عن إيذائه لي"
لقد كان لسان حال شيخ الإسلام مع أعدائه : من ضاق صدره عن مودتي، وقصرت يده عن معونتي كان الله في عونه وتولى جميع شؤونه، وإن كل من عاداني وبالغ في إيذائي لا كدر الله صفو أوقاته ولا أراه مكروهاً في حياته، وإن كل من فرش الأشواك في طريقي، وضيق عليّ السبل، ذلل الله له كل طريق وحالفه النجاح والتوفيق.
يقول عنه تلميذه ابن قيم الجوزية :" كان يدعو لأعدائه، ما رأيته يدعو على واحد منهم، وقد نعيت إليه يوماً أحد معارضيه الذي كان يفوق الناس في إيذائه وعدائه، فزجرني، وأعرض عني، وقرأ : "إنّا لله وإنا إليه راجعون"
وقال عن خصومه : " وأنا أحب الخير لكل المسلمين وأريد لكل مؤمن الخير ما أحبه لنفسي". فحينما تناول شيخ الإسلام طائفة الشيعة بالنقد والتحليل، لم يمنعه العداء والنقض أن ينصف ويعدل مع هؤلاء
فعن طائفة الشيعة الإمامية يقول : " كثيراً منهم ليسوا منافقين ولا كفاراً، بل بعضهم له إيمان وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يغفر له خطاياه، ومنهم من هو صاحب ذنب يرجى له مغفرة الله" .
وقال : " والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد".
وقال عن المعتزلة : أنه مع مخالفتهم نصروا الإسلام في مواطن كثيرة وردوا على الكفار والملاحدة بحجج عقلية .
وقد عاب شيخ الإسلام على الإمام ابن فورك الأشعري تكفيره للمعتزلة وتأليب الحكام عليهم
ومما يذكر في ذلك بصورة عملية ما حدث مع الإمام الباقر عليه السلام فيذكر أن رجلاً مرّ علىه فقال له: السلام عليك يا بقرة!
فقال الإمام : أنا الباقر .
فقال له الرجل: يابن الطباخه!
فقال له الإمام عليه السلام: هو دأبها.
فقال الرجل: يابن بذيئة اللسان!
فقال الإمام عليه السلام: إن كانت كذلك غفر الله لها وان كنت كذلك غفر الله لك.
فقال الرجل الله يعلم أين يضع سره.(49)
ب-التسامح عند الامام أبي حنيفة
وكان أبو حنيفة واسع الصدر لمخالفيه وبالغا أقصي درجات التسامح معهم حتى قال: " اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا اتسعت له وكان يقول من يطلب الفقه ولا يتفقه مثل الصيدلاني يجمع الأدوية ولا يدري لأي داء هي, كذلك طالب الحديث لا يفرق وجه حديثه حتى يجيء الفقيه ".ومما اشتهر عنه قوله : " رأينا هذا أحسن ما قدرنا عليه فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا "
وقد جمع الخطيبالبغدادي في تاريخ بغداد نحو سبعين صفحة من هجوم خصوم أبي حنيفة عليه, وهي اتهامات كثيرة قام فيها معاصرون له بتكفيره وإصدار البيانات بحقه, ولكنه لم يرد عليهم أو يسئ اليهم.(50)
ويبين محمد عابد الجابري أن الإمام أبو حنيفة كان من أبرز ممثلي الاتجاه التسامحي في الإسلام وهو الذي عرف عنه قوله المشهور: " لا نكفر أحدا بذنب ولا ننفي أحدا من الإيمان". وضمن هذا السياق يصل الجابري إلى إعادة بناء مفهوم التسامح في التراث العربي الإسلامي بصورة يتوافق فيها مع المعنى الذي يوظف فيه داخل الفكر الأوروبي كمفهوم ليبرالي "(51)
ج-التسامح عند الماوردي
قدّم الماوردي معالجة أخلاقية واسعة للتسامح في كتابه : ( أدب الدنيا والدين ) فالنفس كما يقول :"مجبولة على شيم مهملة وأخلاق مرسلة لا يستغني محمودها على التأديب، ولا يكتفي بالمرضي منها عن التهذيب".
ترتبط فضيلة التسامح عند الماوردي بالمروءة "التي هي حلية النفوس وزينة الهمم. فالمروءة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها حتى لا يظهر منها قبيح عن قصد، ولا يتوجه إليها ذم باستحقاق". يؤكد الماوردي "أن حقوق المروءة أكثر من أن تحصى، وأخفى من أن تظهر"
يقول الماوردي: وأما المياسرة فنوعان: أحدهما: العفو عن الهفوات. والثاني: المسامحة في الحقوق. ثم يفسر معني ذلك قائلا :"فأما العفو عن الهفوات؛ فلأنه لا مبرأ من سهو وزلل، ولا سليم من نقص أو خلل، ومن رام سليما من هفوة والتمس بريئا من نبوة فقد تعدى على الدهر بشططه، وخادع نفسه بغلطه، وكان من وجود بغيته بعيدا، وصار باقتراحه فردا وحيدا..."
د-التسامح عند فلاسفة الاسلام
-أبو الحسن العامري
تعرض فلاسفة الإسلام إلى مسألة التسامح الديني. ومن أبرز من تناولها بصورة مفضلة أبو الحسن العامري(ت: 381 هـ)
لم يقبل العامري إدانة علماء الكلام؛ لأن الخطأ في الفروع ليس كفرا وإنما يذهب إلى ضرورة التسامح معهم، إذ يقول: " وإذ قد وجد أهل هذه الصناعة ذابين عن حرمة الدين، ومستخلصين له من لواحق القدح، وصائنين لأصوله من شوائب الجرح، فمن الواجب أن آثارهم في استحقاق الشكر والأحماد لن تكون قاصرة عن آثر المدافعين عنه بالجلد والقوة، والسلاح والعدة ".
ثم يؤكد العامري أن هناك شبها يطعن بها بعض الناس على الإسلام وهي كثيرة العدد، سأكتفي منها بالشبهة الرابعةوالتي يقول فيها العامري: يقولون كيف نتوهم أن دين الإسلام حق عند الله، مع ما نشاهد عليه أهله من التضاغن والتعادي، وتشتت الأهواء، وافتراق الكلمة، وتماديهم في ذلك الشأن حتى أفضت بهم الحال إلى جرأة بعضهم على سفك الدماء، وما يتأذون به من استشعار الضغينة للاختلاف في العقيدة، إلى أن تصير كلمة كل فرقة منهم خائفة من عدوان صاحبتها ما لا تخافه من سطوة العدو المحنق المضمر للدخل (الحسد) " ويرد علي ذلك بقوله : إن وجود الاختلافات يعني وجود الاخطاء، "وسلامة الإنسان عن الخطأ رأسا ليس بمطموع فيه،
ويشير العامري إلى أن بداية الجدل هو الطريق إلى اتخاذ المواقف العدائية بين الفئات المختلفة، "فالمماراة فاتحة للتعادي".
ويري العامري أن هناك أربع جهات تولد الاختلافات في كل الأديان منها:
أولا: "أن يعجب المتدين بعقله، ويغتر بذكائه، فيركب نوعا من المقاييس الفاسدة... فينتج نتيجة كاذبة، وهو يخالها صادقة، فيعتقدها دينا، ويدعو الناس إليها جهلا، فتعم البلوى به وتغوى بمكانة الخليفة.
ثانيا: أن يولع الإنسان من نفسه بالإغراب والتعمق، ويستهتر... وقلما يبالي تنكب الجادة، شغفا بأن يسلك طريقة يصير فيها قدوة
ثالثا: أن يكون قصد الإنسان عناد جميع ما يسمع من الأقوال الصادقة والمذاهب الحقيقية، وأن يتبع أبدا الآراء المسترذلة التي تنخدع بها طبقات العامة، إذ ليس عند الدهماء أروج من المذهب المستضعف والرأي المدخول.
يؤكد العامري أن هذه الجهات الأربع ليست خاصة بالإسلام بل هي شاملة لكل الأديان، إذ يقول: "فهذه هي الطرق للآفات المتواترة على الأديان والملل، وليست هي المقصورة على الدين الإسلام، بل هي مشتملة على جميعها".
-التسامح عند بن مسكوية
يعد مسكويه من أكبر فلاسفة الأخلاق في الإسلام، وهو من الفلاسفة الذين تنبهوا إلى مسألة التسامح، فجاءت في نسق الأخلاق فضيلة من جملة الفضائل التي يفترض في الإنسان أن يتمتع بها.
يؤكد مسكويه أَنَّه من "الواجب الذي لا مرية فيه أن نحرص على الخيرات التي هي كمالنا، والتي من أجلها خلقنا، ونجتهد في الوصول إلى الانتهاء إليها، ونتجنب الشرور التي تعوقنا عنها، وتنقص حظنا منها"(52)
-التسامح عند ابن رشد
ويبلغ التسامح قمته في موقف ابن رشد من آراء المخالفين والخصوم,حينما يلوم الغزالي على كونه لا يحاول أن يتفهم موقف الخصم,بل يحكم بفساده دون اعتبار المقدمات التي أدت اليه.يقول :ان من العدل ان يقام بحجتهم في ذلك ويناب عنهم,اذ لهم أن يحتجوا بها.والضمير هنا يعود على المعتزلة والفلاسفة الذين حكم الغزالي على آرائهم بالخطأ واتهمهم بالاتيان بالشناعات.
ويضيف ابن رشد , ليرتفع بالتسامح الى اعلى مقام , مقام العدل , فيقول: ومن العدل كما يقول الحكيم أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه, أعني ان يجهد نفسه في طلب الحجج لخصومه كما يجهد نفسه في طلب الحجج لمذهبه,وأن يقبل لهم من الحجج النوع الذي يقبله لنفسه.
انطلق ابن رشد في (بداية المجتهد) كما في (فصل المقال) و (مناهج الأدلة) من قناعتين، رأى أنهما تمثلان جوهر الإسلام؛ الأولى أنّ الدين يُسْرٌ لا عُسْر - فهو دينُ رفقٍ بالإنسان، ورعايةٍ لحرماته"(53)
" فالروح التسامحية تسجل حضورها في عمق المعاناة والتجربة الفلسفية العربية بدءا من الكندي وابن رشد الذي عرف بعشقه وحبه للتسامح واحترام رأي الآخر والاعتراف بفضله ولا سيما الفلاسفة المتقدمين في بلاد الإغريق سواء أكان هذا الآخر مشاركا أو مباينا له في الرأي والمعتقد. و يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى كتابات الصوفيين، ويمكن الإشارة إلى الانطلاقات الفكرية التسامحية الكبرى لكتاب من أمثال (حسن البصري) (توفي عام 772م)والجاحظ ( توفي 869) والكندي (توفي 870) والتوحيدي ( توفي 1014) والمعري (توفي 1058)."(54)
الرسول صلي الله عليه وسلم والمعاشرة الطيبة للمخالفين في الدين
تسامحه صلي الله عليه وسلم على من آذوه من أهل الكتاب فكان خير قدوة تمثلها المسلمون في تعاملهم مع المخالفين لهم في الدين وممايدل على ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عن اليهودية التي دست له السم في لحم الشاة وعفا عن لبيد بن الأعصم الذى سحره فهذا الخلق الحسن الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأخرين كان من عوامل انتشار الإسلام يؤكد ذلك قوله تعالى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )ال عمران 159
4-حسن التعامل مع الاقليات ومراعاة حقوقهم
التسامح في معاملة الأقليات والتي ساعد على بروز نجمهم في شتى ميادين المعرفة الإنسانية جنبا إلى جنب مع العلماء المسلمين دون تفرقة فكان منهم الأدباء والشعراء والفلاسفة والأطباء " كما أن نظام الحكم في الفكر السياسي الإسلامي يحفظ حتى الحقوق القانونية للأقليات, فلا يفرض على الأقليات أحكامه القانونية إلا في حدود معينة ، بخلاف الديمقراطية التي تفرض على جميع المواطنين باختلاف دياناتهم وأعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم قانوناً موحداً " فمن تلك الحقوق التي نعمت بها الأقليات في ظل الاسلام علي سبيل المثال لا الحصر :
-المساواة في تولي الوظائف العامة
وقد شاهدنا عدالة ولاة أمور المسلمين منذ القرن الأول الهجري مع كل من خالفهم في العقيدة من حفظ حقوقهم وأموالهم وأعراضهم والإستعانة بهم في أعمال الديوان وفي إدارة شئون البلاد حيث تم استعمال بعض أهل الذمة كعمال يحكمون باسم الدولة في العديد من الأقاليم في مصر والشام فقد ذكر (ساويرس بن المقفع) "أن والى إقليم الصعيد في عهد الخليفة الأموي عبد العزيز بن مروان كان يدعى "بطرس" وكان حاكم مدينة مريوط في الصعيد من أهل الذمة أيضا ويدعى "ناقوس". وكان حاكم الفيوم يدعى "شنودة"(55)
ومن الحكام على الأقاليم أيضا حاكم يدعى"ميناس" كان هرقل قد ولاه أعمال المنطقة الشمالية في مصر ثم بعد فتح مصر استبقاه المسلمون على حكم نفس المنطقة نظرا لخبرته في شئونها.(56)
أن الإعتبار هنا للكفاءة والإخلاص وهذا جعل"ول ديورانت" في كتابه قصة الحضارة ج13/ص131 يقول : " لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون والصابئون وإليهود يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام.. فكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضائهم وقوانينهم"
- العلاقات الدولية في الاسلام قامت علي التسامح
" ليست للاسلام وأمته وحضارتة مشكلة مع علاقات دولية عادلة فالتعددية في الشرائع ومن ثم في الحضارات بالنص القراني سنة الهية وقضاء تكويني لاتبديل له ولاتحريف واقامة العلاقة بين فرقاء هذه التعددية بالمعروف وعلي قاعدة المساواة في الكرامة فالتكريم الالهي هو لبني آدم وليس لشعب او جنس أو حتي لأبناء دين بعينه (ولقد كرمنا بني آدم ...)(57)
وتجلي هذا التسامح في محافظة المسلمين علي الارث الحضاري والثقافي للأمم التي فتحوها فلم يهدموا معبدا او يحطموا تماثيل او يحرقوا كتب بعكس مافعلت الحضارة الغربية في عز مجدها فقد صوب نابليون مدافعه لابي الهول وفي حرب العراق والهجمة الامريكية عليها راينا تدمير المتاحف وسرقتها علي الرغم من الانذار التي اتي من مؤسسات عالمية بضرورة المحافظة عليها لانها ملك للعالم اجمع ولم تجد اذان صاغية حينها من هذا العدوان الهمجي
فالحرب في نظر الإسلام شر لايلجأ إليه إلا المضطر فلأن ينتهي المسلمون بالمفاوضة إلى صلح مجحف بشيء من حقوقهم ولكنه في الوقت نفسه يحقن الدماء خير من انتصار باهر تزهق فيه الأرواح. كما حدث في صلح الحديبية والرسول صلى اله عليه وسلم يجيب سائليه عن السر في العدول عن مكة بقوله: "والله لاتدعوني قريش إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياه"..
وفي الحرب الدفاعية القرآن أمر بألا يقاتل إلا المقاتل والسنة النبوية تكفل إتقاء شرور الحرب عن الضعفاء كالأطفال والشيوخ والمرضى والنساء والفلاحون في حرثهم والرهبان في معابدهم ويستنكر تعذيب الأعداء ومعاملتهم بقسوة وأمر بالعفو عنهم متى كفوا عدوانهم فمن تلك التعاليم الأخلاقية :
انه اذا حدث الخلاف بين المسلمين والمخالفين لهم في العقيدة فانه سبحانه دعانا الي السلم ان هم دعوا اليه وتركوا مهاجمة المسلمين والاعتداء عليهم فقال تعالي : (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله ) الأنفال :61 (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ) الممتحنة . وهذا أبو بكر يوصي أسامة بن زيد قائلا : " ....لاتخونوا ولاتغدروا ولاتمثلوا ولاتقتلوا طفلا صغيرا ولاشيخا كبيرا ولاامرأة ولاتقطعوا شجرا مثمرا ...وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ..."(58)
نتائج البحث :
1-مفهوم التسامح عرف حضوره في التراث العربي المسيحي والإسلامي وأن جوهر شريعة الاسلام هي الرحمة بالإنسانية. وذلك يتمثل في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة " وثقافتنا الإسلامية حفلت بمنظومة متكاملة ترعى مسيرة التعايش بين الشعوب والقبائل ليس فقط علي مستوي الخطاب الإسلامي النظري وانما الممارسة العملية التي اكدت علي قيم التسامح وحب الآخرين وتقبلهم بما سمح بأن تنشا في ظله اعراق واتجاهات متباينة في عصر الحضارة الاسلامية مما عجز ان نري مثيله في حضارات اخري بشهادة الكثيرين من علماء الغرب انفسهم وبالتالي اذا حدث نقاط الاختلاف بين البشر فانه لاينبغي ان يؤسس للقطيعة والجفاء والتباعد، وإنما يؤسس للمداراة والتسامح مع المختلف.
2- الجذور الفكرية لهذا التسامح الاسلامي تجلي في مواطن عديدة في القران والسنة وعلماء الاسلام منذ العصور الأولي الي وقتنا الحاضر سواء علي المستوي النظري ام العملي حين كان التمكين للاسلام في واقع الحياة ومن دلائل ذلك :
أ-يوجد أكثر من 100 آية في القرآن تدل على التسامح وهي من قبيل الرفق والإيثار والعفو والإحسان والمداراة والقول الحسن والألفة والأمانة، وحث المؤمنين على الالتزام بها وجعلها سمة شخصيتهم الخاصة والعامة
- كما أن القرآن الكريم يقر بالإختلاف في المجتمعات وأنه من سنن الله وأن الإتفاق التام هو أمر مستحيل وتأكد ذلك من خلال نهي الله سبحانه من محاولة فرض الأراء والأفكار على الأخرين بالقوة حتى على مستوى العقيدة
ب- التوجيهات النبوية العامة لفن التعامل الاسلامي الصحيح مع الناس عامة والتي تنهي عن الخصومة وتحث علي اللين والألفة واشاعة ثقافة الرحمة بالاخرين وحرية الفكر والاعتقاد وادب الحوار مع المخالفين من غير الملة الواحدة
ج-والتسامح عند علماء الاسلام اتضح من خلال مقولاتهم وكتاباتهم ومحاوراتهم الفكرية ومجادلاتهم ونهيهم عن التكفير والتقليد والتعصب فالجيل الأول من المثقفين في الحضارة العربية الاسلامية يدافعون عن مفهوم لايمان قائم علي الاعتدال والتسامح كما وجدنا ذلك عند ابي حنيفة والغزالي وبن رشد وبن تيمية وابو الحسن العامري وبن مسكويه وابو حيان التوحيدي وان ماورد من لفظة تكفير عند البعض كان لايقصد به تكفيرا يخرج من الملة وقد حاول بعض المفكرين المسلمين التاصيل لمفهوم التسامح في التراث العربي الإسلامي من خلال مفهومي الاجتهاد والعدل، كما وجدناه عند ابن رشد والمعتزلة والفرق الكلامية العربية الإسلامية التي كانت تركز على مفهومي التسامح من جهة وحرية الإنسان من جهة أخرى
3- فند البحث تلك الدعاوي التي تنعت الاسلام بالارهاب من خلال الكثير من مفكري وكتاب الغرب انفسهم ومؤرخوه الذي أبانوا أن الاسلام هو ضحية الارهاب وان منهجهه قائم علي التلاقح الحضاري وثقافة التعايش وليس صدام الحضارات ، كما ان شهادة مفكري الغرب واعلامه انصفت الاسلام تعليما وممارسة حين كانت الغلبة له في واقع الحياة
4- اثبت البحث ان التسامح تجلي في اسمي صوره في علاقة المسلمين والمسيحيين بما وقف عقبة كئود أمام اي محاولة لزرع روح الشقاق والانقسام بين ابناء الأمة الواحدة وكان المفكرون من كلا الطرفين هم حماة تلك العلاقة من التصدع لادراكهم ان اي خلل فيها هو من مصلحة اعداء الامة فقط وان اسس تلك العلاقة الطيبة للتعايش قائمة علي الاحترام المتبادل كما اتضح من مواقف آباء الكنيسة والقسس ومفكري الاقباط من موقفهم الايجابي من تطبيق الشريعة الاسلامية دون معارضة واحترام هوية وثقافة الأغلبية المسلمة في المقابل كانت الدعوة للمساواة ومراعاة حقوق الاقلية
5- تجلي اسمي صور التسامح الاسلامي بحسن التعامل مع الاقليات فبرز نجمهم في شتى ميادين المعرفة الإنسانية جنبا إلى جنب مع العلماء المسلمين دون تفرقة ، والمساواة في تولي الوظائف العامة
وقد شاهدنا عدالة ولاة أمور المسلمين منذ القرن الأول الهجري مع كل من خالفهم في العقيدة من حفظ حقوقهم وأموالهم وأعراضهم والإستعانة بهم في أعمال الديوان وفي إدارة شئون البلاد فالإعتبار كان للكفاءة والإخلاص ، ونظام الحكم في الفكر السياسي الإسلامي يحفظ حتى الحقوق القانونية للأقليات, فلا يفرض على الأقليات أحكامه القانونية إلا في حدود معينة
6- العلاقات الدولية في الاسلام قامت علي التسامح وعلي قاعدة المساواة في الكرامة فالتكريم الالهي هو لبني آدم وليس لشعب او جنس أو حتي لأبناء دين بعينه ، وتجلي هذا التسامح في محافظة المسلمين علي الارث الحضاري والثقافي للأمم التي فتحوها ، والسلم هو الاصل في التعامل مع الاخرين وفي حالة عدوانهم فكان هناك اداب في الحرب الدفاعية فالقرآن أمر بألا يقاتل إلا المقاتل والسنة النبوية تكفل إتقاء شرور الحرب عن الضعفاء كالأطفال والشيوخ والمرضى والنساء والفلاحون في حرثهم والرهبان في معابدهم ويستنكر تعذيب الأعداء ومعاملتهم بقسوة وأمر بالعفو عنهم متى كفوا عدوانهم وقد طبق المسلمون تلك التعاليم بصورة رائعة شهد بها الغرب نفسه
التوصيات
ينبغي العودة لتراثنا بحثاً عن قواعد تذويب الأزمات الداخليّة بحثا عن القواعد التي تساعدنا للخروج عن المشاكل والأزمات فإنّ بمقدورنا أن نخرج بسهولة وبسلام من هذه المشكلة مستعينين بهذا المفهوم الديني خاصة ونحن نملك مصادر غنيّة من القواعد والحلول للخروج من الكثير من أزمات الحياة النفسيّة والروحيّة، لكن المهم توظيف هذا القواعد، وكيفيّة استخراجها وإعادة تنظيمها وتقديمها لإنسان العصر الحديث.
-من اجل الوصول الي مجتمع متحضر ومتسامح وتعددي لابد من تعزيز الجانب المضيء في التراث عند الطرفين المسيحي والمسلم من خلال الدراسات الجادة علي هذا الصعيد والاهتمام بها
-ينبغي معالجة ادواء الحاضر حيث المظالم والاضطهاد وغياب العدالة هي التي تدفع بالبعض الي النزوع الي العنف التي تسبب البعد عن هذا المفهوم واعماله في الواقع
- غرس قيم التسامح في نفوس الابناء وطلبة العلم من خلال منهج تربوي يدرس في معاهدنا التعليمية بمراحلها المتنوعة لكي نؤسس لاجيال قادرة علي بناء حاضر الأمة ومستقبلها ومجتمعات يسودها حب الآخرين و المساعدة لهم والتعاون معهم
- ينبغي ايجاد حوار مشترك بين كافة طوائف المجتمع مسيحيين ومسلمين ، اسلاميين وعلمانيين لأنه مالم يحدث الحوار والتوحد سيظل الشقاق في الأمة ويظهر العنف ...بالاضافة الي حرية تكوين الجمعيات الثقافية والسياسية والاجتماعية المستقلة التي تطرح جميع الموضوعات دون خوف متجاوزة الارث الثقافي السلبي عند كل الاطراف المسيحي والمسلم ودون السماح لان تجد طريقها للبث الاعلامي علي العامة لأثرها السلبي في ايغار الصدور دون الوصول بمجتمعاتنا الي الهدف المنشود من التحضر والتقدم علي قاعدة من التسامح والتعايش بين شتي مكونات المجتمع
2-التسامح في الاسلام : نبيل نعيمة
3-مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي
4-اخرجه احمد وابو داوود والترمذي وصححه الألباني : صحيح الجامع، 2595
5-فيض القدير بشرح الجامع الصغير
6- المجمع " ( 8 / 21 ) . رواه الطبراني في الأوسط والصغير
7- الرحمة والحزم في العلاقات الدولية : أ. د. عثمان جمعة ضميرية
8- النظم الإسلامية : حسين الحاج ص275
9- محمد شوقي: مفهوم التعايش السلمي بين المجتمعات
10- مفهوم التسامح بين شرق وغرب : علي أسعد ، مركز دمشق للدراسات والأبحاث المدنية
11- مقال : مقولات في التسامح من تراثنا العربي الاسلامي
12- مداراة الناس : لابن ابي الدنيا
13- التراث وسؤال التسامح : دراسة لابراهيم أعراب
14- كتاب الدين والنزعة الانسانية : عبد الجبار الرفاعي
15- البرت حوراني : الفكر العربي في عصر النهضة ، المثقفون في الحضارة العربية : محمد عابد الجابري
16- أخلاقنا الاجتماعية : مصطفي السباعي ص 53 ، 54
17- الانسان والقيم في التصور الاسلامي ص 185،186
18- معايير لمصداقية الحكم الإسلامي: جمال البنا ص49 :56 والمرجع السابق ص154
19- الإسلام وحرية الفكر: ص155 : 156 نقلا عن السلفية المعاصرة إلى أين. ص31ومابعدها
20- ندوة التراث والتحديات المعاصرة: د.عابد الجابري ص670، 671 وهذه الندوة نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالقاهرة 1984م ، تاريخنا المفتري عليه: يوسف القرضاوي ص73-75
21- الأحكام في أصول الأحكام: ابن حزم 6/60
22- مالايجوز الخلاف فيه بين المسلمين : عبد الجليل عيسى ص200 دار لبنان
23- توفيق الطويل: قضايا من رحاب الفلسفة والعالم ص304، 305
24- فيصل التفرقة: الغزالي ص45
25- شرعية الإختلاف: ص 256 نقلا عن الرسالة: للشافعى ص 50-53
26- ينظر الي كتاب الصلاة لابن القيم ص53،54
27- الفتاوي 7/217 نقلا عن كيف نتعامل مع التراث ص253 ولمزيد ينظر إلى ص251 :256
28- التعدد والتسامح والاعتراف : رضوان السيد
29- دراسة بعنوان : الوحدة والتنوع
30- بين الجامعة الدينية والوطنية : طارق البشري
31- صدام الحضارات: لصموئيل هنتجتون ص21، 36
32- الإسلام وخرافة المواجهة: ص134 ويقول إن الحركات الإسلامية نفسها معنية بما يجرى داخل العالم الإسلامي وليس بفتح العالم ص142
(33)، (34) المرجع السابق ص44 : 46 ، ص134
35- فوللر وليسر: "الإسلام والغرب بين التعاون والمواجهة" ص14
(36)، (37) المرجع السابق ص177 ، ص155
38- حضارة العرب: حاشية ص128 نقلا عن تارخنا المفتري عليه ص189
39- الدعوة إلى الإسلام: توماس أرنولد ترجمة حسن إبراهيم وينظر إلى تاريخنا المفترى عليه ص188، 193
40- من روائع حضارتنا: مصطفى السياعي ص131- 135
41- مجلة الوعي الإسلامي ص68 عدد303 /1995 وينظر إلى بحث د.سعد خلف عبد الوهاب إلى الإسلام ودورة في النهضة من كتاب "الإسلام ومشروعات النهضة" ص165: 212
42- عالمية الإسلام: د.أحمد شلبي ص95 العدد 11 من سلسلة قضايا إسلامية 1996
43- المرجع السابق
44- الإسلام والمناهج الإشتراكية: محمد الغزالي ص18
45- بين الجامعة الدينية والوطنية : طارق البشري ص49 :60
46- موقفنا من العلمانية القومية الإشتراكية ص93 :95
47- الإسلام وحرية الفكر" جمال البنا، ص144، 145 دار الفكر الإسلامي
48- "رسالة السلفية المهاصرة إلى أين" لفضيلة الشيخ محمد زكي ابراهيم رائد العشيرة المحمدية وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ص24، 25 وفيها عرض نماذج عديدة للذين ارتدوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقم عليهم حدا ولم يطلب منهم استتابه
49- مقال : صخرة الخلاص ، مركز الامام الشيرزي للد راسات
50- من اعداد رغدة الطائر
51- نحن والتراث ، قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي : عابد الجابري ، مقال التراث وسؤال التسامح : محمد أركون – محمد عابد الجابري – علي أومليل
52- منطلقات التفاهم عند الفلاسفة المسلمين : محمد أحمد عواد
53- قراءة في تمثّل بعض المسلمين القدامى لتعدد الظاهرات الدينيّة : صلاح الدين العامري
54- مفهوم التسامح بين شرق وغرب : علي أسعد ، مركز دمشق للدراسات والأبحاث المدنية
55- ينظر إلى أ.س ترتون: أهل الذمة في الإسلام ترجمة حسن حبشي دار الفكر 1949م ص20، 21
56- د.أرلف جروهات: أوراق البردي العربية بدار الكتب المصرية ترجمة د.حسن إبراهيم ط دار الكتب ج3/ ص15
57- هل الاسلام هو الحل : محمد عمارة ص187 ، اعلام الموقعين : ابن القيم ج4 /372
58- تاريخ الطبري : للطبري ج2 ص 463 ، بن القيم : زاد المعاد ج2ص 90