١-قال ابن رجب في تعليقه على قول البخاري " الإيمان قول وعمل":
وأكثر العلماء قالوا: هو قول وعمل. وهذا كله إجماع من السلف وعلماء أهل الحديث. وقد حكى الشافعي إجماع الصحابة والتابعين عليه، وحكى أبو ثور الإجماع عليه أيضا. ([1])
٢-وقال الأوزاعي: كان من مضى ممن لا يفرقون بين الإيمان والعمل، وحكاه غيرُ واحد من سلف العلماء عن أهل السنة والجماعة، وممن حكى ذلك عن أهل السنة والجماعة: الفضيل بن عياض ووكيع ابن الجراح. ([2])
٣-ولما كان الإيمان يدخلُ فيه المعرفةُ بالقلب والقولُ والعملُ كلُّه كانت: زيادته بزيادة الأعمال ونقصانه بنقصانها. ([3])
٤-اليقين: هو العلم الحاصل للقلب بعد النظر والاستدلال فيوجب قوة التصديق حتى ينفي الريب ويوجب طمأنينة القلب بالإيمان وسكونهُ وارتياحه به، وقد جعله ابن مسعود الإيمان كله...([4])
٥-قال الحسن: ما طُلبت الجنة إلا باليقين ولا هُرِبَ من النار إلا باليقين، ولا أُديت الفرائض إلا باليقين، ولا صُبِر على الحق إلا باليقين. ([5])
٦-وقال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارتِ القلوب اشتياقاً إلى الجنة وخوفاً من النار. ([6])
٧-فما استجلب العبد من الله ما يحب واستدفع منه ما يكره بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره وهو حقيقة الإيمان؛ فإن الله يدافع عن الذين آمنوا. ([7])
٨-والذي ظهر لي في الفرق بين ((خير)) و((أفضل)) أن لفظة "أفضل" إنما تستعمل في شيئين اشتركا في غير فضل، وامتاز أحدهما عن الآخر بفضل اختص به، فهذا الممتاز قد شارك ذاك في الفضل واختص عنه بفضل زائد فهو ذاك.
وأما لفظة "خير" فتستعمل في شيئين: في كل منهما نوع من الخير أرجح مما في الآخر سواءً كان لزيادة عليه في ذاته أو في نفعه أو غير ذلك، وإن اختلف جنساهما فترجيح أحدهما على الآخر يكون بلفظة خير.. ([8])
٩-وجمع في الحديث بين إطعام الطعام وإفشاء السلام؛ لأنه به يجتمع الإحسان بالقول والفعل وهو أكمل الإحسان...([9])
١٠-وإنما يحبُّ الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلمَ من الحسد والغلْ والغشِّ والحقد...([10])
١١-فأما حبُّ التفرد عن الناس بفعل ديني أو دنيوي: فهو مذموم، قال الله تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً} ...([11])
١٢-فإن تعارض داعي النفس ومندوبات الشريعة؛ فإن بلغت المحبة إلى تقديم المندوبات على دواعي النفس كان ذلك علامة كمال الإيمان وبلوغه إلى درجة المقربين المحبوبين المتقربين بالنوافل بعد الفرائض...([12])
١٣-ذكر أهل اللغة أن العضيهة: الشتيمة، والعضيهة: البهتان، والعاضهة، والمستعضهة : الساحرة المستسحرةُ ...([13])
١٤-جمهور العلماء على أن من تاب من ذنب فالأفضل أن يستر على نفسه ولا يقرّ به عند أحد؛ بل يتوب منه فيما بينه وبين الله عز وجل. ([14])
١٥- والمعرفة هي مركبة من تصور وتصديق، فهي تتضمن علماً وعملاً وهو تصديق القلب؛ فإن التصور قد يشترك فيه المؤمن والكافر، والتصديق يختص به المؤمن؛ فهو عمل قلبه وكسبُهُ. وأن المعرفة مكتسبة تُدرك بالأدلة، وهو قول أكثر أهل السنة..
وقالت طائفة: إنها اضطرارية لا كسب فيها...([15])
١٦-هذا الحديث نص في أن الإيمان في القلوب يتفاضل... ([16])
١٧-قال النابغة:
الحمد لله الذي لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
وقال أبو العتاهية:
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسي ([17])
١٨-وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة النعم فيستحي العبد من الله أن يستعين بنعمه على معاصيه، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان. ([18])
١٩-وقد مدح الله من فرَّ بدينه خشية الفتنة عليه فقال سبحانه حكاية عن أصحاب الكهف {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف} ([19])
٢٠-الأساود: جمع أَسوَد، وهو أخبث الحيات وأعظمها.
والصُّبُّ: جمع صبوب على أن أصله صُبُبٌ كرسول ورُسُل، ثم خفف كرسلٍ وذلك أن الأسودَ إذا أراد أن ينهش ارتفع ثم انصب على الملدوغ... ([20])
٢١-فأما الخروج إلى البادية أحيانا للتنزه ونحوه في أوقات الربيع وما أشبهه فقد ورد فيه رخصة...([21])
٢٢- وكذلك ألفاظ الكفرِ المحتمِلة تصيرُ بالنية كفراً. ([22])
٢٣-فسيرُ آخر الليل محمود في سير الدنيا بالأبدان وفي سير القلوب إلى الله بالأعمال. ([23])
٢٥-قال الحسن : إن دور الجنة تبنيها الملائكة بالذكر فإذا فتر العبد انقطع الملك عن البناء فتقول الملائكة: ما شأنك يا فلان ؟ فيقول : إن صاحبي فتر، قال الحسن : أمدوهم -رحمكم الله- بالنفقة ([25])
فهذا قد يؤخذ منه أن الأعياد لا تكون بالرأي والاختراع كما يفعله أهل الكتابين من قبلنا؛ إنما تكون بالشرع والاتباع ...([26])
٢٦-فأما الأعياد التي يجتمع عليها الناس فلا يتجاوز بها ما شَرَعَهُ الله لرسولهِ وشَرَعَهُ الرسول ُ لأمته. ([27])
٢٧-والأعياد: هي مواسم الفرح والسرور، وأنما شرعَ الله لهذه الأمة الفرح والسرور بتمام نعمته وكمال رحمته كما قال الله تعالى {قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا} فشرع لهم عيدين في سنةٍ وعيداً في كل أسبوع...([28])
٢٨-ولهذا المعنى والله أعلم لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرؤية في حديث جرير ابن عبدالله البجلي أمر عقب ذلك بالمحافظة على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فإن هذين الوقتين وقت لرؤية خواص أهل الجنة ربَّهم فمن حافظ على هاتين الصلاتين على مواقيتهما وأدائهما وخشوعهما وحضور القلب فيهما رُجيَ له أن يكون ممن ينظر الى الله في الجنة في وقتهما.([29])
٢٩- في حديث تحويل القبلة فائدة ذكرها ابن رجب "فقال رحمه الله: ويستدل به على أن حكم الخطاب لا يتعلق بالمكلف قبل بلوغه إياه، ويستدل به على التقديرين- على قبول خبر الواحد الثقة في أمور الديانات مع إمكان السماع من الرسول صلى الله عليه وسلم بغير واسطة فمع تعذر ذلك أولى وأحرى.. ([30])
٣0- ....أن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به القرائن...([31])
٣١- وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم " وَيْلٌ لأقماع القول، ويلٌ للذين يُصرُّون على ما فعلوا وهم يعلمون"
وأقماع القول: الذين آذانهم كالقمع يدخل فيه سماع الحق من جانب ويخرج من جانب آخر لا يستقر فيه.([32])
٣٢- كلما أحدث الناس ذنوباً أوجب ذلك خفاء بعض أمور دينهم عليهم وقد يكون في خفائه رخصة لمن ارتكبه وهو غير عالم بالنهي عنه، إذ لو علِمه ثم ارتكبه لاستحق العقوبة. ([33])
٣٣- وأما الإحسان ففسره بنفوذ البصائر في الملكوت حتى يصير الخير للبصيرة كالعيان فهذه أعلى درجات الإيمان ومراتبه.
ويتفاوتون المؤمنون والمحسنون في تحقيق هذا المقام تفاوتاً كثيراً بحسب تفاوتهم في قوة الإيمان والإحسان ...([34])
٣٤- قال بعض السلف: من عمل لله على المشاهدة فهو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلصٌ.([35])
٣٥- ذُكِر عند عمرو بن العاص العلم بوقت كسوف الشمس قبل ظهوره فأنكرهُ بعض من حضره فقال عمرو: إنما الغيب خمسٌ ثم تلا هذه الآية (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) ... قال وما سوى ذلك يعلمه قومٌ ويجهله قومٌ.([36])
٣٥-وأنواع الشُبَه تختلف بقوة قربها من الحرام وبُعدها عنه وقد يقع الاشتباه في الشيء من جهة اشتباه وجود أسباب حلِّه وحُرمته كما يشك الانسان فيه هل هو ملكه أم لا ؟ وما يشك في زوال ملكِه عنه.([37])
٣٦-فكل هذه الأنواع من كان عنده فيها علم يدُلُّه على حكم الله ورسوله فيها فتبعه فهو المصيب فيها ومن اشتبهت عليه فإن اتقاها واجتنبها فقد فعل الأولى واستبرأ لدينه وعرضه فسلِمَ من تبعتها في الدنيا والآخرة...([38])
٣٧-ومعنى هذا: أن من وقع في الشبهات كان جديرا بأن يقع في الحرام بالتدريج؛ فإنه يسامح نفسه في الوقوع في الأمور المشتبهة فتدعوه نفسه إلى مواقعة الحرام بعده...([39])
٣٨-ضُرِبَ مثل لمحارم الله بالحمى الذي يحميه الْمَلِكُ من الأرض ويُمنعُ الناس من الدخول إليه فمن تباعد عنه فقد توقى سخطَ الملك وعقوبته ومن رعى بقُربِ الحمى فقد تعرض لمساخط الملك وعقوبته؛ لأنه ربما دعته نفسه إلى الولوج في أطراف الحمى؛ وفي هذا دليل على سدِّ الذرائع والوسائل إلى المحرمات...([40])
٣٩- وفِي الحديث ([41]) دليل على صحة القياس وتمثيل الأحكام وتشبيهها.
وفيه دليل على أن المصيب من المجتهدين في مسائل الاشتباه واحدٌ؛ ([42])