إن من المكارم العظيمة، والفضائل الجسيمة البر والإحسان إلى كبار السنّ ورعاية حقوقهم والقيام بواجباتهم، إن هذا من أعظم أسباب التيسير والبركة وانصراف الفتن والمحن عن العبد، وسبب للخيرات المتتاليات عليه في دنياه وعقباه، لقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: « إنما تُنصَرون بضعفائكم» . وقال صلى الله عليه وسلم: « ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: خيارُكم أطولُكم أعمارًا إذا سددوا» . (المستدرك للحاكم) وقال صلى الله عليه وسلم: « البركة مع أكابركم « . (رواه البزار والطبراني)
ولقد جعل الإسلام للمسنّ حقوقا نذكر منها توقيره وإكرامه حيث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أوجب احترام كبار السن، والسعي في خدمتهم. جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال صلى الله عليه وسلم: « ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا» ، (رواه الترمذي) كما أورد الهيثمي عن معاذ بن جبل: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أتاكم كبير قوم فأكرموه « . (رواه الترمذي) ومِن حقوق كبير السن أن يُحسَن معاملته، وإذا حدثنا أن نناديه بألطف خطاب، نراعي فيه احترامه وتوقيره، وقدره ومكانته.
إنّ إكرام المسن وإحسان خطابه هو في الأصل إجلال لله عز وجل، فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: « إن مِن إجلال الله: إكرامَ ذي الشيبة المسلم «. (سنن ابن ماجه) وإذا لقيناه أن نبدأه بالسلام مِن غير انتظار إلقاء السلام منه احترامًا وتقديرًا له، فنسارع ونبادر بإلقاء السلام عليه بكل أدبٍ ووقار، واحترام وإجلال، بل بكل معاني التوقير والتعظيم، بل نراعي كِبَرَ سنه في إلقاء السلام بحيث يسمعه ولا يؤذيه. فقد جاء في الحديث النبوي الشريف: « يسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي» .
ومِن حقوق الكبيرِ في السن أن نقدمه في الكلام في المجالس، ونقدمه في الطعام والشراب والدخول والخروج، وفي ركوب وسائل النقل ونبجله في مقاعدها وخاصة نفسح له المجال ونسهل له قضاء حوائجه.
وإن مِن إجلال الكبير وحقه علينا أن ندعو له بطول العمر، والازدياد في طاعة الله، والتوفيق بالسداد والصلاح، والحِفظ من كل مكروه، والتمتع بالصحة والعافية، وبحُسن الخاتمة، وحثَّ اللهُ الأبناء على الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء 24)
إن الإنسان في بداية عمره وعنفوان شبابه يكون قوي العضلات، بهي المنظر، ثم يشرع في الكهولة، فتضعف قواه، فيتغير طبعه، ثم يكبر شيئًا فشيئًا حتى يصير شيخًا كبير السن، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجِزُ عن المشي والحركة السريعة، فيتقدم إلى الأمام بطيئًا، ويتوكأ على العصيِّ، فصور الله تعالى هذه الأحوال في القرآن الكريم قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (الروم 54) وقال تعالى {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان 14) فعلينا أن نراعي خاصة حقوق الأبوين كبار السن بالرعاية والاهتمام، وإن كانوا مشركين غير مسلمين . قال تعالى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ} (لقمان 15) فلم يقل: فعُقَّهما، بل قال {فَلَا تُطِعْهُمَا} فإذا احترمنا الكبير، ورعينا حقوقه، يسر الله تعالى لنا في كِبَرنا مَن يرعى حقوقنا، جزاءً من جنس إحساننا، وسيأتي علينا يوم نكون فيه كبراء مُسنِّين، ضعيفي البدن والحواس، في احتياج إلى من حولنا أن يرعوا حقنا، وإن كنا مضيعين حقوقهم في شبابنا، فسيضيع الشباب حقوقنا في كبرنا، فال تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن 60) .