منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الشريعة و الحياة (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=99)
-   -   الكلمة الطيبة ترفع العبد درجات في الدنيا والآخرة (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=120807)

المراقب العام 25-09-2019 07:24 AM

الكلمة الطيبة ترفع العبد درجات في الدنيا والآخرة
 
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif


روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ((عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ))(1).


قد تكون الكلمة لفظا واحدا، وقد تكون جملة كلام، والعرب تطلق الكلمة على الخطبة والقصيدة… فلذلك يحتمل الحديث النبوي هذا وهذا.وكان يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يعبر بلفظ ((الكلام))، إلا أن هذا التعبير ما كان ليؤدي المعنى المقصود الذي يؤديه لفظ الكلمة. إن التعبير بالكلمة يحتمل معنين: أولهما أن المتكلم قد يرتبط مصيره كله بلفظة واحدة لم يعرها انتباها. والآخر أن المتكلم يتكلم كلاما كثيرا ثم لا يكلف نفسه أن يزنه. وفي المعنيين معا يولي الحديث وجهه شطر علاقة تلك الكلمة بالله تعالى سواء أكانت دالة على اللفظ الواحد، أم على تركيب الكلام، وبناء على ذلك كانت الكلمة كلمتان:


إحداهما من رضوان الله تعالى، والأخرى من سخطه، والجامع بينهما أن المتكلم لا يلقي لهما بالا. أما الكلمة الأولى فبتوفيق من الله تعالى، وصاحبها تكلم بها ثم مضى دون أن يدري أن لها امتدادا، وأن لها تأثيرا، ولكنها تكون خارجة من القلب فتظل تحفر وتحفر إلى أن تفعل مفعولها، وإذا بنتائجها أضخم مما توقعه صاحبها، وإذا بها تغير عقولا، وتصنع مسارات، وتحفز نفوسا… ولكن هذا المتكلم على كل حال قد رضي الله عنه، فصار كلامه لا يصدر إلا مرضيا، وإن لم يلتفت هو إلى ذلك؛ لأن الكلام الموزون صار فطرة؛ ولأنه قد تربت لديه الرقابة الداخلية على كل ما يصدر عنه سواء أكان كلمة أم فعلا، فلذلك يكون موفقا في كلامه؛ لأنه حاز رضا الله تعالى لما عبّد نفسه لله تعالى حق العبودية، ولقد تحول ذلك الاستسلام بين يدي الله تعالى إلى سجية يتصرف بها هذا العبد، لذلك لا غرابة أن يكون كلامه مسددا، وإن لم يكن يعره اهتماما.


وأما الكلمة الثانية فمن سخط الله تعالى، وصاحبها من الذين لم يتعودوا أن يقيموا للسانهم حدودا، فهم يتكلمون دون فرامل، ولذلك يصدر عنهم كلام يجرهم جرا إلى جهنم؛ وفي رواية عند الحاكم أن المتكلم ((ما يظن أن تبلغ ما بلغت يهوي بها سبعين خريفا في النار))(2).


والكلام هنا عن متكلم لم يلق بالا لكلمته، فكيف بالذين يتكلمون عن بينة ويصرون على المعصية؟! يفيد الحديث أمورا:
أولها أن الكلمة مسؤولية، تبعا للنتائج التي تقود إليها.
وثانيها أن على المرء أن يراقب لسانه فلا يصدر عنه إلا ما يرضي الله تعالى.



وثالثها أن يراقب جميع ما يصدر عنه، ليكون منسجما مع توجهه بالعبادة لله سبحانه وتعالى، حتى إذا ما صدرت عنه كلمة ما أو حركة ما لم تصدر إلا موزونة موفقة؛ لأنه قد أشرب الطاعة، وألزم نفسه العبادة.
ورابعها أن خطورة النتيجة تقتضي صرامة الموقف، ومن ثم يقتضي الأمر حدة في ضبط الكلمات، وترشيدا للسان.


وخامسها أن الفيصل بين المؤمن وغيره مراقبة الله تعالى في الكلام كما يراقب في الأفعال؛ لأن المؤمن حريص على أن تصدر عنه أقوال وأفعال موزونة بميزان الشرع، بخلاف غيره، وهو يجعل ذلك الحرص عبادة. بقي أن نشير إلى أن رواية البخاري السالفة الذكر تستعمل لفظ العبد، وفيه نكتة هي أنه ما دام عبدا، فإن من مقتضى العبودية أن يراعي معبوده فيما يصدر عنه من أقوال وأفعال إن أراد رضا الله تعالى.


وقد تكون الكلمة المتحدث عنه في الحديث قصيدة أو خطبة أو قصة أو غير ذلك من فنون الأدب تقال في مناسبة أو لحظة ما، وأما الأديب المؤمن فيكون موقنا أنها كتبت في صحيفته، وأن ما تكلم به سيجده يوم القيامة في صحيفة أعماله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وأما أديب الدنيا فيلقي كلاما يحسب نفسه قد عبر به عن همومه، أو فجر مكبوته، أو أفصح عن لا شعوره، ثم لا يهمه إن كان ذلك سيقربه من الله تعالى أم يزيده بعدا عنه. ولكن أمر الكلمة لا ينتهي بمجرد قولها، ذلك أنه حسب ميزان الأعمال هناك فرق بين أن يفكر المرء في قول الخير أو الشر وأن يتكلم به، وبين أن يتكلم به منفردا وأن يتكلم به في جماعة، وبين أن يؤثر في غيره وأن لا يؤثر فيه… ولذلك لا يزداد الأديب المؤمن المحتسب بأدبه المحسن فيه إلا رصيدا من الحسنات ما دام أدبه يفعل فعله في الناس، ولا يزداد بذلك إلا قربا من مولاه عز وجل، كما لا يزداد الأديب المفلس إلا إفلاسا وبعدا عن الله تعالى، ثم إذا بالأول يشارك المهتدين بسببه في الحسنات، وإذا بالآخر يشارك الغاوين بسببه في السيئات. وشتان ما بين من يزداد ارتقاء في الجنة، ومن يزداد انحدارا في جهنم.


د. الحسين زروق
——–

1- صحيح البخاري، 4/193، حديث رقم 6478، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان.
2- المستدرك، 5/820، حديث رقم 8805، كتاب الأهوال. دار المعرفة، بيروت، ط: 2، 1427هـ.


الساعة الآن 06:58 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام