منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   الفتوحات الدول والممالك (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=57)
-   -   موقعة أقليش.. صفحة من صفحات الفتح الإسلامي في الأندلس .... (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=121813)

نبيل القيسي 10-02-2020 02:50 PM

موقعة أقليش.. صفحة من صفحات الفتح الإسلامي في الأندلس ....
 
منذ أن أنشأ "يوسف بن تاشفين" دولةَ المُرابطين في المغرب العربي، والتي بَناها بناءً مُحكمًا؛ حيث ظلَّ نِصْفَ قرنٍ من الزَّمن يُجاهد مِن أجل إقامة هذا الصَّرح، وكان له ما أراد، واستقرَّت دولتُه على قاعدةٍ راسخة، عندها تطلَّعَ نحو الأندلس، وعبَرَ إلى الجزيرة الخضراء، وفرَضَ سلطانه هناك، وكانت له مع نصارى الشمال صولاتٌ وجولات، كانت موقعة الزلاقة من أشهَرِها، وعندما جاء خلْفَه "أبو الحسن علي"، والذي سار على نَهْج أبيه، كانت له مع نصارى الشمال معارِكُ متعدِّدة، كانت موقعةُ أقليش مِن أشهَرِها، حتَّى قال عنها ابنُ الخطيب: إنها زلاقة ثانية، وقال عنها غيره: إنَّها تُمثل ذروة سلطانِ المرابطين على الأندلس، وكانت هذه الموقعةُ بقيادة "أبي الطاهر تميم بن يوسف بن تاشفين" الذي انتصر فيها على القُشْتاليين نصرًا مؤزَّرًا، وكان يقود القشتاليين الأميرُ "دون سانشو ابن الملك ألْفُونسو السادس"، والغريب الذي يستحقُّ الذِّكْر أنَّ المؤرِّخين المسلمين لَم يُعْطوا هذه الموقعةَ حقَّها الطبيعيَّ الذي تستحقُّه، بل إنَّ أكثرهم لم يَذْكُرها إطلاقًا، وبعضهم مرَّ عليها مرورًا سريعًا.



مدينة أقليش:

أُقْليش - بضمِّ الهمزة، وسكون القاف، وكَسْر اللام، وياء ساكنة، وشين معجمة - أو أقليج، وهي مدينةٌ لَها حصن، تَقع في ثَغْر الأندلس من أعمال ولاية طُلَيطِلة، وهي قاعدة كوشنتبرية بنَاها "الفتح بن موسى بن ذي النُّون"، وفيها كانت ثورتُه وظهوره في سنة 160 هـ، ثم اختار أقليش دارًا وقرارًا، فبناها ومدَّنَها[1].



تقع مدينة أقليش إلى الشرق من طُلَيطلة على نَهْر منبعثٍ من عين على رأس المدينة، فيعم جميعها، ومنه ماء حمَّامها، ومِن العجائب البلاط الأوسَطُ في مسجد جامع أقليش؛ فإنَّ طول كلِّ جائزة من جوائزه مائةٌ وأحد عشر شبرًا وهي مربَّعة منحوتة مستورةُ الأطراف.



ويذكر الحمويُّ أنه إلى أقليش يُنسَب "أبو العباس أحمد بن معروف بن عيسى بن وكيل الأقليش الأندلسي"، وكذلك "أبو العباس أحمد بن القاسم المقرئ الأقليشي"[2].



الوضع السياسي للمرابطين قبل موقعة أقليش:

بعد أنْ دحَرَ المرابطون بقيادة "يوسف بن تاشفين" النَّصارى الإسبان في موقعة الزلاقة الشَّهيرة، وفرض المرابطون سُلطانهم على الجزيرة الخضراء، بدأ النَّصارى الإسبان بتجميع قُوَاهم، والاستعداد يومًا بعد يوم حتَّى قويَتْ شوكتُهم في أواخر حكم "يوسف بن تاشفين"، فأخَذوا يهدِّدون المدُنَ الإسلاميَّة[3]، عندما أدركَ "ابن تاشفين" خطورةَ الوضع السِّياسي القائم في شِبْه الجزيرة الإيبريَّة، وخشي أن تعود الأمور من بعده فوضى إذا لم يُنصِّب من يَنوب عنه، وتنفصم بذلك عُرَى دولته التي بنَاها، وتنتهي هذه الرِّسالة التي عَمِل وجاهد على تبليغها طيلةَ نصف قرن؛ لذلك رأى أن يَستخلف مِن بعده رجلاً يستطيع أن يتحمَّل هذه التَّبِعات، فأوصى بالبيعة لابنه "أبي الحسن علي"، ولَم يكن هو أكبَرَ أبنائه[4]، بل لِسَجاياه الخاصَّة، وهذا يتبيَّن من نصِّ الوصيَّة الذي جاء فيها: "فوجد ابنه الأمير الأجلَّ أبا الحسن أكثرَهم ارتياحًا إلى المعالي، وأكرمهم سجيَّة، وأنفَسَهم اعتزازًا"[5]، وقد تَمَّت هذه البيعة في مدينة قرطبة سنة 496هـ، فبايَعَه أمراء لمتونة، وفُقَهاؤها وشيوخها، وكان الأمير "علي" في مدينة سَبْتة التي وُلِد فيها.



وُلِد "أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين" بمدينة سبتة سنة 477هـ، ونشأ في بيت أبيه، كما ينشأ أبناءُ الأشراف.



توُفِّي "يوسف بن تاشفين"، فنُودِيَ في الحال بِوَلدِه "أبي الحسن علي" خلفًا لأبيه، وكان "أبو الطاهر تميم" أوَّل من بايع أخاه عليًّا، بالرغم من أنه أكبَرُ منه سِنًّا، ونادى في المُرابطين: "قوموا فبايِعوا أمير المسلمين"[6]، فبايَعَه جميعُ مَن حظر من لمتونة، وسائر قبائل صنهاجة والفقهاء وشيوخ القبائل، ولَم يتخلَّف عن بيعته إلاَّ ابن أخيه "يحيى بن أبي بكر"، وكان واليًا لمدينة فاس، وله مواقف مشهورةٌ في زمن جدِّه "يوسف بن تاشفين"، كما كان أبوه نائبًا عن "يوسف" قبل انتصارِه في موقعة الزلاقة الشهيرة في الأندلس؛ لذلك تطلَّع "يحيى" إلى الحكم بعد جدِّه؛ لأنه ابنُ الأخ الأكبر من أبناء "يوسف"، فامتنع عن مبايعة عمه "علي".



وسار قائد المرابطين الجديد إلى فاس؛ لتأديب ابن أخيه، وإدخاله في طاعته، ولكن "يحيى" فرَّ أمام جيوش عمِّه الذي استولَى على فاس، وتَمَّت له بذلك البيعة في جميع أنحاء الدولة المرابطيَّة، الَّتِي امتدَّ نفوذها على المغرب والجزائر والأندلس، وقد تلقَّب بأمير المسلمين كما كان أبوه من قَبْل، وسار على نهج أبيه في الجهاد في سبيل الله، وحماية البلاد من خطَرِ النَّصارى، ويقول المراكشيُّ: "وكان حسَن السِّيرة، جيِّدَ الطويَّة، نزيهَ النَّفْس، بعيدًا عن الظُّلم؛ كان إلى أن يُعَد في الزُّهاد والمتبتِّلين أقربَ منه إلى أن يعدَّ في الملوك والمتغلِّبين، واشتدَّ إيثاره لأهل الفقه والدِّين، وكان لا يقطع أمرًا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء؛ فكان إذا ولَّى أحدًا من قُضاته كان فيما يعهد إليه ألاَّ يَقطع أمرًا ولا يبتَّ حكومة في صغيرٍ من الأمور ولا كبير، إلاَّ بمحضرِ أربعة من الفُقَهاء، فبلغَ الفقهاءُ في أيَّامِه مبلغًا عظيمًا لَم يبلغوا مثْلَه في الصَّدر الأوَّل من فَتْح الأندلس، ولَم يزَل الفقهاءُ على ذلك، وأمور المسلمين راجعة إليهم، وأحكامهم صغيرها وكبيرها مَوْقوفة عليهم، طول مدته، فعَظُم أمرُ الفقهاء"[7].



أمَّا ابن الخطيب فيقول: "كان عليٌّ - رحمه الله - ملِكًا كبيرًا فاضلاً معتدلاً، عَظُم في أيَّامه الملكُ، واتَّسقَ العِز، وملكَ جميع بلاد المغرب إلى بجاية إلى الأرض الأندلسيَّة والجزُر الجوفيَّة، وبلاد القبلة بِأَسْرها، وخُطِب له على أكثرَ من ألفَيْ منبر"[8].



ويقول ابن الخطيب أيضًا: "اطَّلَع بالأمور أحسنَ اطِّلاع، وكان يقلِّد العلماء، ويُؤْثِر الفُضَلاء، كثيرَ الصَّدقة، عظيم البِر، جزيل الصِّلَة، وألبسَه الله المهابة، وقذف له في القلوب المحبَّة، فاجتمعَتْ عليه الأُمَّة، واتَّفقت الكلمة"[9].



وكان الأميرُ "علي" فتًى في الثانية والعشرين من عمره، يَحْمل كلَّ ما يحمل الشباب من عنفوان وأنفَة، ومع حداثةِ سنِّه؛ فقد أبدى نوعًا من الحكمة والعدالة، أكسبَتْه محبَّة الناس؛ لأنَّه كان وافِرَ الجود، كثير العطف والبِرِّ بالفقراء والمساكين، يحرص على مَظاهر الجِدِّ والوقار، وكان أول أميرٍ مُسلم في إفريقيا استخدمَ النصارى في بلاطه، ويبدو أنَّ مردَّ ذلك كونَ أمِّه نصرانيَّةً أمَّ وَلَد؛ فقد ذكر ابن الخطيب:"أنَّه أوَّل مَن استعمل الرُّوم بالمغرب، وأركبَهم، وقدَّمَهم على جباية المَغارم"[10].



وفي بداية عهده، بدأ النصارى يشنُّون الغارات على أطراف الولايات الإسلاميَّة، فتبنَّى القائدُ الجديد سياسةَ أبيه، ووضعَ نُصْبَ عينيه مهمَّة القضاء على مقاومة النصارى.



الوضع السياسيُّ للنَّصارى الإسبان قبل موقعة أقليش:

بعد موت "يوسف بن تاشفين" بطَلِ معركة الزلاقة، بدأ النَّصارى الإسبان يَنْهضون من جديد، ويشكِّلون خطورةً على الدولة المرابطيَّة، فأخذوا يُهدِّدون الولايات الإسلاميَّة، ويشنُّون عليها الغارات، وكان يقود النصارى الملِكُ "ألفونسو السادس" مَلِك قُشْتالة، وكان مُسنًّا، ويَذكر المؤرِّخ إشباخ أنه قد تزوَّج من "سيدة"[11] المرأة المسلمة، ابنة "المعتمد بن عبَّاد" ملك أشبيلية السابق[12].



أما المستشرق "مندث بيدال" فيَذْكر أنه عندما عقد "المعتمد بن عبَّاد" ملك أشبيلية حِلْفًا مع "ألفونسو السادس" عدوِّه القديم؛ لِيُواجه أطماع المرابطين في التوسُّع داخل الأراضي الإسبانية، وفي سبيل تدعيم هذا وتقويتِه؛ اقترح على ملِك قشتالة أن يَبعث إليه بابنته "زايدة" لتكون عشيقةً له، في نظير أن يتخلَّى له عن جزءٍ من مَمْلكة طُلَيطة الإسلاميَّة التي استولَى عليها، وقد وافقَ "ألفونسو السادس" على هذا المشروع، ووُلِد له ابنه الأول والوحيد الأمير "دون سانشو" الذي أرسله قائدًا لمعركة أُقليش بعد فترةٍ من علاقته غير الشرعيَّة بـ"زايدة" المسلمة التي اعتنقَت الكاثوليكيَّة فيما بعد[13].



وهذه الرواية لا يُمكن الرُّكون إليها؛ لأنَّها تَحمل بين ثناياها مُتناقضاتٍ كثيرة؛ فالمسلم وما يحمله من عقائد وقِيَم تجعله يأنَفُ عن ذلك، فضلاً عن مُخالفتها لمبادئ الدِّين الحنيف، والغريب أنَّ المؤرِّخين العرب أغفلوا هذه القصَّة إغفالاً كبيرًا، سوى "ابن الخطيب"، وسأتناول روايته لاحقًا.



والغريب أنَّ مؤرِّخي إسبانيا النصرانيَّة عرَضوا شخصيَّة "زايدة" المسلمة، والتي أنجبَت الأمير "دون سانشو" الابن الوحيد لملك قُشتالة من خلال ستارٍ كثيف من الشُّكوك والتجنِّي، وقبل أن نتناول شخصيَّتَها في المصادر العربيَّة الإسلامية، نُعرِّج على أحد المستشرقين المنصفين، وهو "ليفي بروفنسال"؛ حيث قال: "لكنَّه من المستبعَد أن يتصوَّر المرءُ أن يهَبَ المعتمِدُ - على ما في ذلك من ذلَّةٍ - إحدى بناته لملكٍ نصراني كان عدوه اللَّدود الذي يَفْرض عليه جِزْيةً سنويَّة فادحة، ولو أننا قَبِلْنا جدَلاً أن ملك أشبيلية استطاع أن يَسْلك هذا المسلكَ غير الطبيعيِّ، لكان ذلك جنونًا صريحًا منه"[14].



ويَذكر "ابن الخطيب"[15]: "أن زايدة المسلمة كانت زوجةَ "المأمون بن المعتمد بن عبَّاد" حاكم قرطبة، فلمَّا دخل المرابطون، وقتَلوا المأمون فرَّت زوجته إلى قشتالة، فاعتنقَت النصرانيَّة، وبنَى بها الملك "ألفونسو السادس" ثُمَّ عُمِّدت باسم "إيزبيلا"، وتوُفِّيت عند وضْعِها لابنها الأمير "دون سانشو" ودُفِنَت في دير ساهاجون".



وعند مُناقشة رواية ابن الخطيب المتقدِّمة حول هذه المرأة المسلمة، نجد الاضطراب والتَّناقض واضحًا فيها؛ فالثابت عند جميع المؤرِّخين العرب والنَّصارى الإسبان: أن زوجة "ألفونسو السادس" هي التي أشارَتْ عليه بإرسال ولَدِه بدلاً عنه إلى ميدان المعركة في أقليش، فإذا كانت قد توُفِّيت عند إنجابها للأمير "دون سانشو" كما يَروي ابنُ الخطيب، فكيف أشارَتْ على زوجها بعد عشرات السِّنين بإرسال ولده إلى المعركة؟!



ويبدو واضحًا سقم الرِّوايات التي تناولَتْ شخصية زايدة المسلمة، وقضيَّة زواجها من الملك "ألفونسو السادس"، علمًا بأنَّ الرواية العربية الإسلاميَّة تُشير إلى نُصْح زوجة الملك "ألفونسو السادس" في إرسال ابنه إلى ميدان الحرب في أقليش، ولَم تُشِر بكلمة واحدةٍ إلى أصلها الإسلامي[16].



وقد أقام المؤرِّخُ "ابن خلدون" الحُجَّة في دَحْض الرواية النَّصرانية وبُطلانها؛ حيث قال: "إنَّها أقامت بعد موته بأمر الخلافة، فهل كان يُقِرُّ النَّصارى ذلك لو أنَّها كانت تَمُتُّ بصِلَةٍ ما إلى الإسلام والمسلمين"[17].



موقعة أقليش:

بعد أنْ تَعاظم خطر النَّصارى في الأندلس، وشنِّهم لغاراتٍ متعدِّدة على الولايات الإسلاميَّة، أصبح الأمير "علي بن يوسف ين تاشفين" مضطرًّا إلى دَفْع خطر النَّصارى؛ ففي عام 501هـ/ 1108م، عبَر إلى الجزيرة الخَضْراء؛ لِيُشهِر الحرب على النَّصارى الإسبان بكلِّ ما وسع من عزمٍ وقوَّة، فولَّى أخاه "تميمًا أبا الطاهر بن يوسف" غرناطة، وأسند إليه القيادة العُليا للجيش المرابطيِّ في الأندلس[18]، فخرج "أبو الطَّاهر تميمٌ" على رأس جيش ضخم متَّجِهًا نحو حدود النَّصارى، وكان يَضْطرِم رغبة وعزمًا للنَّجاح في مهمته الموكلة إليه، وحالت دون تقدُّمِه في قلب قشتالة قلعةُ أقليش[19] - أو أقليج - المَنِيعة، والحامية الإستراتيجيَّة للقشتاليين، فضرب عليها الحصار.



واشتدَّ ألَمُ الملك "ألفونسو السادس" عندما علم بما حاق بالمدينة المُحاصَرة، وهو لا يدري ماذا يفعل، وقد تقدَّمَ به العمر من جهة، ومن جهةٍ أخرى فما زالَت أحداث معركة الزلاقة أمام عينيه تُربِك خُطاه، وتُبَعثِر تفكيره، واشتدَّ ضيقه أكثر عندما علم أنَّ قائد المسلمين هو ابن "يوسف بن تاشفين".



ويَذكر المؤرخ "حسن إبراهيم حسن" أنَّ الملك "ألفونسو السادس" كان مريضًا عندما حاصرَ المرابطون أقليش؛ لذلك لَم يتمكَّن من قيادة الجيش في هذه المعركة، فأرسل ولده بدلاً عنه[20]، ولم يوضِّح لنا المؤرِّخُ المذكور روايتَه، ومن أين استَقى معلوماته، وجميعُ المصادر النصرانيَّة والإسلامية التي تناولَتْ تاريخ الأندلس لم تذكر ذلك، واكتفَتْ بالإشارة إلى شيخوخته[21].



وفي خِضَمِّ ذلك الاضطراب والحيرة واليأس، أشارَتْ زوجة الملك "ألفونسو السادس" "زايدة" على زوجها بأن يُرسل ابنه الوحيدَ "دون سانشو" على رأس الجيش؛ لِيُثير حماس الجنود، ويقوِّي عزيمتهم في الدِّفاع عن دينهم، وفعلاً جهَّز جيشًا جرارًا يفوق جيش المسلمين عددًا وعدةً، وأناط مهمَّة قيادته إلى ابنه "دون سانشو"، وأرسل معه سبعةً من كونتات قشتالة، وهم أركان الدَّولة القشتالية؛ ولهذا تسمَّى هذه الموقعة أيضًا بموقعة الأُمَراء السبعة[22].



وأوصى الملك "ألفونسو" القادةَ العسكريِّين بالمحافظة والحرص على حياة ولَدِه وسلامته، فلمَّا رأى "أبو الطاهر تميم" اقترابَ قوَّات الجيش القشتالي، عزمَ على خوض المعركة مباشرةً، وعند الفجر، هجمَ المسلمون على النَّصارى في فيضٍ من الشجاعة والبأس والإقدام، ولَم يستطع القشتاليُّون الصُّمود أمام جيش تَحْدُوه العزيمة والبأس والإصرار، فتقهقَرَ جيشُهم، وقُتِل الأمير "دون سانشو" والأمراء السبعة، وما أنْ عرف الجنود القشتاليُّون بمصرع الأمير "دون سانشو" حتى دبَّ الذُّعر فيهم، وفَرُّوا أشتاتًا، وقَتلَ الظَّافرون المُسلمون من النَّصارى مقتلةً عظيمة، وكانت خسائرُهم وَفْقَ ما ذكر بعضُ المؤرِّخين عشرين ألفًا من الجنود[23].



وبذلك دخلَ الجيش العربيُّ المسلم قلعةَ أقليش عَنوةً، وتوغَّلوا داخل الأراضي الأندلسيَّة، ففتحوا قوتقة وأمستريجو ووبذة واوريجالة واوقونية وقونسويجرا.



ويَذكر المستشرِق الألماني "إشباخ" أنَّ نَصْر المسلمين لم يتحقَّق إلاَّ بخسارة فادحة، ويستدلُّ على ذلك بعدم التوغُّل داخل طُلَيطلة[24].



وعند مناقشاتنا لرواية "إشباخ" نقف على أمرَيْن؛ الأمر الأول: أن النَّصر لا يضيره كثرةُ الخسائر، بل إنَّ ذلك يدلُّ على قوَّة المعركة وشراستها؛ مِمَّا يعطي طعمًا خاصًّا للنصر، والثاني: هو استدلاله بعدم توغُّل المسلمين داخل طُلَيطلة وهو نفسه ما ذكر بعد أقليش، استمرُّوا بالزَّحف ففتحوا ستَّ مدن أخرى؛ قوتقة وأمستريجو ووبذة واوريجالة وأوقونية وقونسويجرا، فكيف يكون الفتح والتوغُّل؟



ويعدُّ المؤرخون انتصارَ المرابطين في موقعة أقليش ذروة سُلطانهم على الأندلس، ومنذ ذلك الحين بدأَتْ قوَّتُهم تنحدر عامًا بعد عام[25].



ويقول المؤرِّخ "حسن إبراهيم حسن": "إنَّ موقعة أقليش تعدُّ من أكبر المعارك التي دارَتْ بين المرابطين والنَّصارى بعد معركة الزلاقة"[26].



وهكذا سجَّل المرابطون نصرًا عسكريًّا مؤزَّرًا في هذه الموقعة التي لا تقِلُّ عن موقعة الزلاقة، بل هي زلاقة ثانية كما يسمِّيها البعض.


[1] الحميري، "الروض المعطار في خير الأقطار"، ص/ 51.

[2] "معجم البلدان"، 1/ 339.

[3] حسن إبراهيم حسن، "تاريخ الإسلام"، 4/ 125.

[4] ابن الخطيب، "الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية"، ص/ 61.

[5] حسن إبراهيم حسن، "تاريخ الإسلام"، 4/ 125.

[6] المصدر نفسه، ص/ 126.

[7] "المعجب في تلخيص أخبار المغرب"، ص/ 130.

[8] "تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط"، ص/ 253.

[9] "الحلل الموشية"، ص/ 61.

[10] المصدر نفسه، ص/ 62.

[11] وفي رواية: زايدة.

[12] يوسف إشباخ، "تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحِّدين"، 1/ 123.

[13] ليفي بروفنسال، "الإسلام في المغرب والأندلس"، ص/ 152.

[14] المصدر نفسه، ص/ 152.

[15] "تاريخ المغرب العربي"، ص/ 253.

[16] ابن الخطيب، "روض القرطاس"، ص/ 104.

[17] "المقدمة"، 2/ 182.

[18] حسن إبراهيم حسن، "تاريخ الإسلام"، 4/ 128.

[19] إشباخ، "تاريخ الأندلس"، 1/ 122.

"تاريخ الإسلام"، 4/ 128.[20]

إشباخ، "تاريخ الأندلس"، 1/ 122[21]

ابن الخطيب، "تاريخ المغرب العربي"، ص/ 253.[22]

إشباخ، "تاريخ الأندلس"، 1/ 124.[23]

المصدر نفسه، [24]

المصدر نفسه.[25]

"تاريخ الإسلام"، 4/ 128.[
د.معزز اسكندر الحديثي

فاطمة العامري 10-02-2020 08:38 PM

رد: موقعة أقليش.. صفحة من صفحات الفتح الإسلامي في الأندلس ....
 
الله يجزاك الجنة


الساعة الآن 04:35 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام