﴿وللرجال عليهن درجة والله(عزيز حكيم)﴾ ﴿فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا إن الله كان(عليًّا كبيرًا)﴾ لما ذكر الله ولاية الزوج على زوجته=ختم الآيتين بأسماء عظيمة ترهيبًا للزوج من أن يظلمها. - فيا أيّها الزوج الظالم، اعلم أنك الضعيف الذليل الصغير، وأنّ معها العزيز العلي الكبير.
وإنْ غَرِقتَ في بحر سيئاتك، فاعلم أنّه قطرة في بحر عفو الله. فأسرِع إلى التوبة لِيُسرِع لك الله بالعفو؛ فإنّه إنْ عفا عنك فكأنّك لم تعمل سيئةً قطّ. ﴿وَهُوَ الَّذي يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبادِهِ وَيَعفو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى: ٢٥]
﴿إِنّي أَخافُ اللَّهَ﴾ [الأنفال: ٤٨] ﴿وَما أَهديكُم إِلّا سَبيلَ الرَّشادِ﴾ [غافر: ٢٩] لا تَغُرَّنّك الشِّعارات. بل اِعرفْ قائليها قبل أنْ تغترّ فيها! فالأُولى قالها الشيطان. والثانية قالها فرعون.
مهما كان ماضيك سيّئًا، فإنّ أسوأ منه أن تختار أن يكون مستقبلك سيّئًا أيضًا. اجتهدْ لإصلاح نفسك، واصْدُقْ مع الله، فسيهديك للصلاح ﴿وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا﴾ [العنكبوت: ٦٩]
المستقبل الذي تخافه قد لا يأتي. والحاضر الذي أشغلته بالخوف لن يعود. اطمئن، وفوّض أمرك إلى الله، وقل: ﴿لَنْ يُصِيْبَنا إلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنا﴾
رسالة للآباء: إذا كنت تهتمّ لمستقبل أولادك من بعدك فعليك بإصلاح نفسك، ولن يُضيّعهم الله. تدبّر قوله تعالى: ﴿وَكانَ أَبوهُما صالِحًا﴾ قال ابن عباس: حُفِظا بصلاح أبيهما، ولم يُذْكَر لهما صلاح.
كم مِن الأموات ممن لا تزال تُكتَب لهم الأجور والحسنات، أضعاف أضعاف ما يُكتب لبعض الأحياء العاملين بالصالحات. رحلوا، وتركوا آثارًا حسنة. ﴿إِنّا نَحنُ نُحيِي المَوتى وَنَكتُبُ ما قَدَّموا وَآثارَهُم وَكُلَّ شَيءٍ أَحصَيناهُ في إِمامٍ مُبينٍ﴾ [يس: ١٢]
كلّ عمل لم يكن الإخلاصُ رُكنَه الأساس، فمآلُه إلى الإضمحلال والإفلاس. قال الله تعالى: ﴿كُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إِلّا وَجهَهُ﴾ أي كل شيء هالكٌ إلا ما أريد به وجهه.
يقول أحدهم: قال الله﴿وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيء﴾ وأنا شيء والعالم كله شيء!
أكمل الآية. واسمع ما قال قتادة: لما نزلت:﴿وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ﴾ قال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فأنزل الله:﴿فسَأَكتُبُها للذين يَتَّقون وَيُؤتون الزَّكاةَ وَالَّذينَ هُم بِآياتِنا يُؤمِنون﴾
﴿وَإِذا لَقوكُم قالوا آمَنّا وَإِذا خَلَوا عَضّوا عَلَيكُمُ الأَنامِلَ مِنَ الغَيظِ﴾ -﴿وَيَومَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيهِ يَقولُ يا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلًا﴾
في الدنيا عضّوا على الأنامل. وفي الآخرة عَظُمَتْ حسرتُهم فعضّوا على الأيدي.
كل سعادة يُنغّصها ذِكر الموت فهي سعادة زائفة! السعادة الحقيقية هي التي إذا تذكّر صاحبها الموت اطمأنّ حينئذٍ وسأل الله الثبات، وهي السعادة بكتاب الله والاطمئنان بدينه الإسلام. ﴿قُل بفضلِ اللهِ وبرحمته فبذلك فلْيفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون﴾ قال ابن عباس:فضله الإسلام، ورحمتُه القرآن.
حياتُك الدنيا بالنسبة لحياتك في الآخرة كقطرة ماء أمام بحر لا ساحل له، فلا تُشغلنَّك حياتك الصغيرة عن حياتك الكبيرة، ثم تقول: ﴿يا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَياتي﴾
﴿إِنَّ الَّذينَ يَتلونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبورَ﴾ [فاطر: ٢٩]
من لم تكن له تجارةٌ مع الله فهو مُفْلِس.
مِن علامات الهداية أن ترى في الحلال كفاية. وأمّا الحرام فلا يُكتفى به، ولا يُشْبَعُ منه، وليس فيه راحة، ولا منه سلامة إلا بتوبة عاجلة قبل الانتقال للآخرة.
﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ﴾ مِن صور تزكية المرء نفسَه أن يُسيءَ الظنّ بالناس، ويشتغل بعيوبهم، ويتعامى عن عيوبه. خطَؤُه عنده في كل الأحوال مغفور، وخطأ غيره في جميع الحالات مذكور.
أخي الطالب قال الرسولﷺ:"من غش فليس منا" وقال الله ﴿ياأيها الذين آمنوا لا تَخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم﴾والغش في الاختبار خيانة؛ لأنك مؤتمن على ألا تغش
فإن كنت تخشى المراقب وقت الحضور، فالله أحقّ أن تخشاه كلّ وقت. وصفرٌ بأمانة خير من ١٠٠بخيانة، وستجد أثر هذا في حياتك
﴿وَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ يَتَساءَلونَ قالوا إِنّا كُنّا قَبلُ في أَهلِنا مُشفِقينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَينا وَوَقانا عَذابَ السَّمومِ إِنّا كُنّا مِن قَبلُ نَدعوهُ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحيمُ﴾ [الطور: ٢٥-٢٨]
هذا أعظم حديث عن الذكريات، في أعظم مجلس.
يلجأ بعضنا عند الهمّ إلى صديق ليفضفض له، فيجد شيئا من الراحة، ولو لم يُفرّج عنه. فكيف بالودود الرحيم الذي يسمع ويجيب؛ فهذا يعقوب-عليه السلام-يعلم عاقبة أمر يوسف، ومع هذا لم يغفل عن مولاه ليُحدِّثه عن حزنه وشكواه. ﴿إنّما أشكو بَثّي وحُزني إلى الله وأعلمُ مِن الله ما لا تَعلَمون﴾
ابذلوا كل سببٍ حسن لتربية أبنائكم، ولا تغفلوا عن أعظم سبب، وهو الدعاء. فإبراهيم دعا لهم بالخير ﴿ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومِن ذريتي﴾ وخاف عليهم من الشر﴿واجنبني وبَنيّ أن نعبد الأصنام﴾ ودعا عباد الرحمن﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين﴾ وابن الأربعين﴿وصلح لي في ذريتي﴾
لو تأمّلت في أكثر خصوماتك في الحياة لوجدتَ أنّ مكاسبك فيها لا تستحق ذلك العناء وصداع الرأس وضيق الصدر. وكان بإمكانك أن تتجاوز ذلك بثلاث وصايا: كَبِّرْ عقلك﴿وأَعرِض عن الجاهِلين﴾ ووسِّع صدرك﴿ولا تَكُ في ضَيقٍ مِمّا يَمكُرون﴾ واحتسِب أجرَك﴿فمَن عَفا وأصلَحَ فأَجرُهُ على الله﴾
﴿يَقولُ أَهلَكتُ مالًا لُبَدًا﴾ [البلد: ٦] أي أنفقت مالًا كثيرًا. هكذا هو الإنسان من قديم، يريد أن يَعلمَ الناسُ كثرةَ ما ينفق على مُتعته ودنياه. كان يقولها لهم بلسانه. واليوم يعرضها لهم صُوَرًا في حالته.
صلاتك نجاتك عند المُلمّات. وتقواك مخرجك عند الكُربات. قال الله عن يونس:﴿فلولا أنه كان من المسبحينلَلَبِث في بطنه إلى يوم يُبعثون﴾ قال قتادة: "كان كثير الصلاة في الرخاء، فنجّاه الله بذلك، وقد كان يقال في الحكمة: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا ما عَثَر، فإذا صُرِع وَجد مُتّكَأً"
ونحن في هذه الحياة نندم على مواقف، فنقول: يا ليت تلك الأيام تعود لئلا نعود. هي لن تعود، ومع هذا فإنك تستطيع أن تُصلِح من حالك للمستقبل. لكن اِعلم أنك الآن في أيام سيتمنّى أقوام العودة إليها؛ لأنهم في وقت لا يمكن أن يُصلِحوا فيه مستقبلهم، ولذلك قالوا:﴿يا لَيتَنا نُرَدُّ﴾
﴿يَومَ يَبعَثُهُمُ اللَّهُ جَميعًا فَيُنَبِّئُهُم بِما عَمِلوا أَحصاهُ اللَّهُ وَنَسوهُ﴾ ما أعظمها من مصيبة أنْ تَنسى معاصيك فلا تتوب منها، ثم تتفاجأ بها قد أُحصيت ووُضِعت بين يديك. وأعظم المعاصي المنسيّة خطرًا ما كان بينك وبين الناس؛ فإنها لا تُغفر إلا بالتحلّل من أصحابها.
﴿إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم﴾ مِن أكثر الأمور التي تغيّر العبد وتنقله من الراحة إلى التعب ومن الانشراح إلى الهم=فضول النظر، وإطلاقه في وسائل التواصل. فكم نظرة تبعتها حسرة وزفرات، وكم قدمٍ زلّت بعد ثبات. ولا مخرج إلا بتوبة عاجلة، وتذكّر الموت والدار الآخرة.