هم اتهموا نوح ضلال مبين، والضلال أنواع متعددة، الضلالات ليست على شكل واحد، وهذا النبي الكريم نوح عليه السلام، قال يا قومي ليس بي ولا حتى ضلالة واحدة، أنا لست فقط إني أنا لست في ضلال، ولكني بقوله ليس بي ضلالة، نفى عنه كل أشكال الضلال، الجهل، التعالي، عدم المعرفة، أشياء مختلفة، كل أشكال الضلالة، الضلال ليس على شكل واحد،
(ولكني رسول من رب العالمين)
والآية هنا ببساطة الجواب وطبيعة النقاش الذي كان يدور بينه وبين قومه، وبين الملأ، يبين لنا حقيقة مهمة جداً، أن الإنسان في تعامله أصحاب المشاريع الخيرة الإصلاحية، ينبغي أن يتعاملوا مع الناس على قدر عقولهم فعلاً، وأن لا يكونوا بعيدين عن مستوى الفهم ولا حتى التعاطي الذي يتعاطونه مع أقوامهم المختلفين في مداركهم ومفاهمهم وعقولهم، كلمات موجزة
(ليس بي ضلالة، ولكني رسول من رب العالمين)
ما هي وظيفة الرسول فقط (أبلغكم)، كل الرسل جاؤوا بدعوة البلاغ، وبمهمة البلاغ، الرسالة في حد ذاتها، مفهومها ومنطوقها، أنا ليس لي فيها شيء، هذا ما أراد أن يقوله هذا النبي الكريم، وكل الأنبياء، محتوى الرسالة ليس للنبي فيه دخل أبداً، فقط التبليغ، (أبلغكم رسالات ربي)، ولكن هذا البلاغ لا ينفك عن النصح،
(وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون)،
والنصح أن يتحرى الإنسان أفضل شيء ليقدمه للآخرين، والنصح لا يمكن أن يكون من طرف غير محب، النصح فن نحن نفتقده في كثير من الأحيان أذكر أني في يوم من الأيام وقفت على كتاب باللغة الإنجليزية، اسمه The art of Advice ، فن النصيحة، يتكلم عن الآداب وعن الطرق وعن الوسائل وعن ما يمكن أن نطلق عليه سيكولوجية النصح، فهم نفسية المقابل الطرف الذي أنصح له، وكيف يمكنني أن أتعامل معه، ولكن في خضم ما نحن فيه ، أصبحت النصيحة في زماننا وصعرنا، ثقيلة على النفس، لا تنجذب إليه النفوس، لأن أصبح هناك خلط في المفاهيم، هنا النبي الكريم نوح عليه السلام أوضح في هذا الخطاب مع قومه أن دوره دور مبلغ، ولكن هذا البلاغ قائم على النصح، قائم على محبة الخير له، قائم على محبة أن يقدم لهم أفضل ما يمكن، ولذلك هو يبلغهم ويقدمه لهم، وهذا لفتة جميلة جداً في باب النصيحة، مهم جداً أن الإنسان حين ينصح يؤكد للطرف الآخر ليس فقط بالكلمات بالتصرف، ويمهد له بأن الدافع الأساسي والأصلي وراء تلك النصيحة إنما هو للمحبة والخوف، وهو في بداية الأمر قال أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، ناصح، ولذلك هذه المفاهيم وإشاعة تلك المفاهيم وبنائها مع قضايا النصح والتناصح
نحن نحتاج إليها اليوم، هذا لنجدد مفاهيم النصيحة في حياتنا، لكي لا تصبح النصيحة فعلاً عبئاً على الناصح وكذلك شعوراً بأنها ثقيلة وغير مقبولة من قبل المنصوح، نحتاج أن نشيع هذه المفاهيم فيما بيننا، في المقابل يحتاج كذلك الإنسان أن يتواضع الإنسان الناصح، ونحن في حديثنا وتدبرنا لهذه الآيات لنا أن نتخيل، نحن في مجتمعنا، قوم نوح هذا مجتمع، مجتمع فيه ناصح وفيه الملأ، فيه فئةع فئة الملأ، وهذه الفئة بطبيعة الحال كما ذكرنا قبل قليل متنفذة متمكنة تقوم بتزييف الحقائق وتزويرها، لدرجة أنها تقول عن الحق أنه ضلال مبين، والفئة الأخرى هي فئة الناصح، الناصح الأمين، الذي يريد أن يوصّل رسالة حقيقية، رسالة قائمة على الصدق وليست على التزييف أو التزوير، والذي يلفت النظر كل مجتمع قديماً وحديثاً، لا يخلو من هاتين الفئتين، أبداً، أفراد أو جماعات، فئة الملأ الذين يقومون بالمداهنة على حساب مصلحة الناس، المصلحة العامة، ويصدون عن سبيل الله، والفئة الأخرى فئة الناصحين، لماذا بعض الناس لا يقبل على الناصحين ويقبل على هؤلاء الملأ، لأن الملأ يتخيرون الكلمات والأوصاف والأمور التي يزيفون بها الحقائق، فتظهر الحقيقة بغير ما هي عليه
.......................................
ليس كل ناصح أمين
فقد لبس "ابليس" رداء النصح
عندما اخرج آدم من الجنة
التزييف أسلوب من أساليب إبليس، إبليس حتى حين جاء إلى آدم عليه السلام وإلى زوجه، قاسمهما إني لكما لمن الناصحين، وتدبروا معي، نحن قلنا ونقول في أكثر من مرة، آيات الكتاب العظيم التناسب فيما بينها عجيب، بالكلمة بالآية بالمقاصد بكل شيء، في بداية سورة الأعراف ربي عز وجل حكى عن إبليس فقال
ولكن الفارق بين ما قاله إبليس بلسانه من النصح والدعاة كذباً وزوراً لآدم وبين ما يقوله هؤلاء الأنبياء حقيقة لأقوامهم فارق شاسع، إبليس إدعّى مجرد إدعاء أنه بل أقسم على هذا الادعاء، وهذا ما جعل آدم عليه السلام، يظن بأنه طالما أنه أقسم كيف يقسم بالله إذاً وهو كاذب، فبهذا الطريقة استطاع أن ينفذ إلى ما يريد إبليس، ولكن النصيحة في واقع الأمر ليست إدعاء، ليست مجرد كلمات، ليس كل من قال لك أنا أنصح لك، وأنا ناصح، فقد نصح
إذاً ما الأمر، الأمر أن تحكم أنت عقلك في فحوى ومحتوى هذه الرسالة التي يقول عنها أنها نصيحة، هذا هو الكلام تنظر في مقدماتها وعواقبها ونتائجها، هذا المفتاح هذا صمام الأمان، الذي يُنجي وينجّي الإنسان فعلاً من الوقوع في هذه الإشكالية الخطيرة، كثير من البشر اليوم قد يدعي أنه ينصح لك، فكيف تعرف من ينصح لك حقيقة ممن لا يفعل، أن تنظر في محتوى النصيحة، وتنظر في مقدماتها وتنظر في نتائجها، وتوازن بين الأمور