وأما مفهوم علم الجمال، فهو قاصر على الجمال الفني[1].
وبناء على هذين المفهومين فإن التربية الجمالية تعني: تلك الطرق والوسائل التي تتخذها الإدارة التعليمية لتنمية الحس الجمالي لدى الطفل من خلال العمل الفني.
وإذن: فالتربية الجمالية إنما يتوصل إليها من خلال التربية الفنية التي تعتمد على دروس الرسم والنحت والموسيقى...
ويحدد "هربرت ريد"[2]، بوضوح كامل، مجال هذه التربية في النواحي التالية:
(أ) التربية البصرية: العين = التصميم
(ب) التربية التشكيلية: اللمس = التصميم
(ج) التربية الموسيقية: الأذن = الموسيقى - الحركة الإيقاعية
(د) التربية الحركية: العضلات = الرقص - الحركة الإيقاعية
(هـ) التربية اللفظية: الكلام = الشعر والدراما
(و) التربية الإنشائية: الفكر = الصنعة.[3]
ولا يكتفي "هربرت ريد" بتحديد مجال التربية الجمالية، بل يحدد لنا وظيفتها، وهي: التوفيق بين الحواس وما حولها من بيئة موضوعية.[4]
ومهما يكن من أمر فإن هذه التربية تتميز بأمرين:
فهي جزء من العملية التربوية التي تقوم بها الجهات التعليمية. والوصول إليها إنما يكون عن طريق التربية الفنية.
التربية الجمالية في الإسلام:
إن التربية الجمالية في الإسلام هي أيضاً حصيلة لقاء بين التربية في مفهومها الإسلامي، وبين الجمال في مفهومه الإسلامي.
وقد تحدثنا عن التربية الإسلامي في الفصل السابق، أما الجمال في المفهوم الإسلامي فهو يتجاوز حدود الجمال الفني إلى الجمال الكوني والجمال الإنساني[5]..
وللتعرف على هذه التربية ينبغي لنا أن نتعرف على خصائصها المميزة التي تشكل الخطوط العريضة المبينة لها.
• ليس هناك تربية إسلامية جمالية منفصلة عن بناء التربية الإسلامية العامة، بل إن التربية الجمالية داخلة في كيان التربية العامة فهي سمة من سماتها وخاصة من خصائصها، فالجمال في الأصل - كما رأينا - لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره.. وعلى هذا فكل تربية إسلامية هي تربية جمالية.
• تحقيق المنهج الإسلامي غاية التربية، والجمال سمة من سمات هذا المنهج: سمة فيما يهدف إليه، وسمة في الوسيلة التي يتخذها للوصول إلى الغاية المنشودة. وعلى هذا فتحقيق المنهج غاية ووسيلة يحقق الجمال تلقائياً.
• إن كلا ًمن التربية والجمال.. يرتبط بالمنهج، وإذن فهناك مقياس يرجع إليه حين تصاب المفاهيم بالخلل، ويصبح القبح جمالاً..
• والتربية الجمالية في الإسلام: من خصائصها العموم والشمول. فهي تربية تتناول جميع المسلمين... أو كل من التزم بالإسلام، كما أنها تمتد عبر حياته كلها وليست قاصرة على مرحلة من مراحل العمر، وهي تصبغ نفس الإنسان بصبغتها وهي بالتالي تجمل جميع نشاطاته، ولا تكون قاصرة على جانب واحد منها.
وبهذا يصبح للجمال اعتباره في نظر الناس جميعاً، وليس في نظر طائفة منهم، كما يدخل إلى كل الميادين التي يمتد إليها النشاط الإنساني.
• وبهذه الخصائص يمكن الحفاظ على التوازن في المنهج التربوي فلا يتضخم اهتمام بنشاط، على حساب هزال يصيب نشاطاً آخر. بل ويقوم التوازن في النشاط الجمالي ذاته. فلا يكون الاهتمام بالجمال الحسي - مثلاً - على حساب الإهمال الذي يصيب الجانب المعنوي.
نخلص من هذا إلى أنه ليس هناك مفهوم خاص بالتربية الجمالية الإسلامية يختلف عن المفهوم العام للتربية الذي سبق الحديث عنه. ويلمح الوجه الجمالي من ذكر الهدف الذي هو تطبيق المنهج الإلهي.
كتاب التربية الجمالية في الإسلام
[1] انظر الظاهرة الجمالية في الإسلام ص 24 - 25.
[2] "هربرت ريد" 1893 - 1968 شاعر وناقد إنجليزي. عكف على خدمة النقد الأدبي وعلم الجمال.
[3] التربية عن طريق الفن. تأليف: هربرت ريد. ترجمة عبد العزيز جاويد ص 16 سلسلة الألف كتاب.
[4] المرجع السابق ص 14.
[5] انظر تفصيل ذلك في الجزء الثاني من هذه الدراسة "ميادين الجمال في الظاهرة الجمالية في الإسلام".