لا توجد معصية توعد الله بها مرتكبها بالحرب إلا الربا لأن خطر الربا يشمل المجتمع بأكمله.
فالربا محرم و هو من أكبر الكبائر
((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ))[مسلم عَنْ جابر ]
حكم العمل في البنك الربوى؟
العمل في البنوك الربوية حرام لقوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
أنواع الربا :
أمّا الإمام الفخر الرازي فيقول: الربا قسمان ربا النسيئة وربا الفضل، ربا النسيئة أي: الزيادة المشروطة الذي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل، اقترضت من إنسان قرضاً فاستحق أداء القرض فلما أخّر لك الأداء طالبته بزيادة على أصل المال، هذا ربا النسيئة، هذا الربا هو ربا الجاهلية الذي كان شائعاً عند العرب قبل الإسلام، فالربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به من نسب معينة، والآن أي قرض من المصرف بفائدة هو يشبه ربا القروض.
يسمي العلماء ربا القروض الربا الجلي، وربا البيوع الربا الخفي، فكما أن هناك شركاً جلياً أن تعبد بوذا مثلاً، وشركاً خفياً كأن تخاف من إنسان أو تعلق الآمال عليه، والعلماء يرون أن هناك رباً جلياً ورباً خفياً، الربا الجلي ربا القروض، والربا الخفي ربا البيوع والظاهر بيع وشراء.
الإمام ابن القيم الجوزي يقول: الربا نوعان جلي وخفي، فأما الجلي فربا النسيئة الذي كانوا يفعلونه بالجاهلية، أي التأخير، وسمّى بعض العلماء ربا القروض الربا الحقيقي.
يقول الشيخ الدهلوي: وعُلم أن الربا على وجهين؛ حقيقي ومحمول عليه. أما الحقيقي فهو في الديون وأما المحمول عليه فهو في البيوع.
يقول أحد علماء الأزهر: إن ذلك النوع أي ربا القروض هو أشد أنواع الربا تحريماً، وهو الجاري في التعامل بين الجماعات التي قام نظامها الاقتصادي على أساس ربوي، وقد سمى بعض العلماء القروض بربا القرآن حيث ثبت تحريمه بالقرآن الكريم، أما ربا البيوع على حسب تعريف السرخسي وهو إمام كبير من أئمة المذهب الحنفي فهو الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع، أي ثمن هذا القلم خمسون فإذا أخذت زيادة على الخمسين مقابل الأجل أي التأخير فهذا ربا البيوع، ربا القروض وربا البيوع، ربا القروض ربا القرآن، وربا البيوع ربا السنة التي نهى عنها النبي، ربا القروض الربا الحقيقي المحمول عليه، وربا القروض هو الربا الجلي، وربا البيوع هو الربا الخفي.
ربا البيوع :
و عن النبي عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ أَبِي قِلابَةَ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فَجَاءَ أَبُو الأشْعَثِ قَالَ: قَالُوا: أَبُو الأَشْعَثِ، أَبُو الأَشْعَثِ فَجَلَسَ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ مَا أُبَالِي أَنْ لا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ ))
[مسلم عَنْ أَبِي قِلابَةَ ]
أي هذا القلم بخمسين، فلك عندي خمسون، فإن دفعتها لك الآن خذ أربعين مقابل الخمسين، و إذا أخرت لك الدفع صارت ستين، انتهى الموضوع القلم بخمسين، لو دفعت ثمنه نقداً كان بخمسين، الآن تفاوض على طريقة الدفع فإذا أخرت القبضة طالبته بالستين هذا الربا هو ربا البيوع، ولكن هناك من يزعم أن الربا يشبه البيع قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
[ سورة البقرة: 275 ]
لماذا يشبه البيع؟ يقول لك: أنت تشتري هذا القلم بأربعين وتبيعه بخمسين فقد زدت في الثمن والقرض كذلك لكن الفرق دقيق جداً، الإنسان الذي اشترى شيئاً وباعه قدم سلعةً، قدم خدمة، قدم جهداً، قدم محصولاً زراعياً فأفاد الناس، قدم صناعة لبّت حاجاتهم، أما الذي لم يقدم شيئاً إنما أقرض وطالب بزيادة على القرض فهذا يعني أنه جمع الأموال كلها بيده.
أضرار الربا :
1 ـ أول أضرار الربا أنه يرفع الأسعار :
أول أضرار الربا: أنه يرفع الأسعار، كيف؟ الفكرة أن إنساناً معه مئة مليون، أراد أن يضعها في عملٍ تجاريٍ، أو صناعيٍ، أو زراعي، لكنه رأى أنّ هناك مؤسسات ربوية يمكن أن تعطيه أرباحاً جيدةً دون أن يعمل فيكسل، فمتى يغامر ويوظِّفها في مشروعٍ زراعيٍ، أو صناعيٍ، أو تجاري؟ إذا كان عائد الربح أربعين أو خمسين بالمئة فعندئذ يخوض غمار العمل في تلك المشاريع، لكن إذا كان هناك مؤسسات تعطي ربحاً من دون عمل فرأس المال لا يغامر بمنطق الحياة إلا إذا كان الربح كبيراً جداً، إذاً بوجود مؤسسة تعطي ربحاً بلا عمل فالأموال لا توظف في أعمال استراتيجية إلا بربح عالٍ، فتفشي الربا يرفع الأسعار، وهذه أول أضراره.
2 ـ إذا ارتفعت الأسعار ضاقت شريحة المستهلكين :
الأسعار إذا ارتفعت ضاقت شريحة المستهلكين، أما الضرر الثاني فهو إذا ارتفعت الأسعار ضاقت الشريحة، فإذا ضاقت الشريحة قلَّ الربح عند الباعة، فترتفع الأسعار ثانيةً، إنسان يحتاج في اليوم لألف ليرة فرضاً، إذا كان سيربح باليوم مئة ليرة لا تكفيه، فلا بد من رفع أسعاره، فإذا ارتفعت ضاقت الشريحة، فصرنا في حلقةٍ مفرغةٍ، فكل شيءٍ موجود وأسعار هذه الأشياء فوق طاقة المستهلكين، قضية خطيرة جداً، إذاً الربا يسهم في رفع الأسعار عن طريق أن رأس المال لا يغامر إلا بربحٍ كبير جداً، ولأن وجود مَن يدفع لك ربحاً دون أن تعمل، هذا يحد من المغامرة في مشاريع اقتصادية إلا إذا صار مقدار الأرباح عالياً جداً لدى المشاريع الاقتصادية.
3 ـ الربا يسهم في البطالة :
الضرر الثالث الربا يسهم في البطالة، لأن أي إنسان يريد أن يعمل مشروعاً يحتاج إلى طاقة بشرية، الآن المشكلة الأولى في العالم مشكلة البطالة، في بعض البلاد كل أربعة أشخاص واحد يعمل وثلاثة بلا عمل، عندنا بطالة مُقنَّعة وهذه أخطر، له عمل ولكن دخله قليل جداً جِداً لا يكفيه لحياته ومصروفه، إذاً يلجأ إلى أساليب أخرى لا ترضي الله ولا ترضي عبيد الله، إذاً عندنا بطالة صارخة، بطالة مقنَّعة، فحينما يحلُّ كسب المال عن طريق المال نفسه محل كسب المال عن طريق الأعمال، ترتفع الأسعار وتفشو البطالة، والإنسان حينما لا يعمل، طبعاً هذه الأمة تحتاج إلى أن تستورد كل بضاعتها، فأمةٌ تأكل ما لا تزرع، وتلبس ما لا تنسج، وتستخدم آلةً لا تصنعها هذه أمةٌ عالةٌ على الأمم وانهيارها محقق.
4 ـ الربا يسهم في ضعف الأمة :
بالمناسبة، سيدنا عمر رضي الله عنه، كان يتفقَّد رعيَّته، فدخل بلدةً ـ هكذا تروي الكتب ـ فوجد أنّ كل الفعاليات في هذه البلدة من غير المسلمين، فعنَّفهم تعنيفاً شديداً وقال: ما هذا؟! قالوا: لقد سخَّرهم الله لنا. فقال رضي الله عنه: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟! أي أن المنتج قوي والمستهلك ضعيف، فنحن إذا قبلنا أن نضع الأموال في مؤسسات ربوية دون أن نعمل، نحتاج إلى أن نستورد كل شيء، والمستورد ضعيف والمنتج قوي.
حالياً هناك ما يسمى بحروب اقتصادية غير معلنة، منها حرب قطع الغيار، عندك مركبة شراء قطع التبديل التابعة لها ـ هذا اسمه عقد إذعان وليس عقد تراضٍ ـ مركبة ثمنها مليونان، احتجت إلى قطعة تبديلية لها وقال لك البائع: بخمسين ألفاً، فلو رفضت تتوقف هذه المركبة، فماذا يفعل معنا اقتصاديو العالم؟ يبيعونك شيئاً أساسياً، وأنت محتاجٌ لهم كل وقت لقطع الغيار، فحينما لا نكتفي بطعامنا، وشرابنا، وثيابنا، وحاجاتنا، وآلاتنا، نكون أفقر الشعوب، فكل إنسان يُثَمِّر ماله في البنوك ولا ينشئ بهذا المال المشاريع الاقتصادية، فهذا يسهم في إضعاف أمَّته ويسهم في تأخُّرها وتخلُّفها بل وانهيارها.
أحياناً تحتاج أمة إلى صناعة معينة، إلى أدوات معينة، قد تدفع ثمنها عشرة أضعاف ثمنها الحقيقي بعقد إذعان، ولو أن الأموال الموجودة في البلاد توجَّهت إلى التوظيف في أعمال أساسية لاستغنينا عن استيراد هذه البضائع، فأولاً يسهم الربا في رفع الأسعار، ورفع الأسعار يسهم في خلق مشكلات اجتماعية كبيرة جداً، والربا يسهم في البطالة، والبطالة لها مضاعفات خطيرة جداً، ثم إن الربا يسهم في ضعف الأمة، لأنه ليس في البلاد إنتاج، بل هناك استهلاك فقط من دون إنتاج.