قال الله تعالى: {وإياي فارهبون} [البقرة (40) ] . ---------------- الرهبة: الخوف، أي: خافون خوفا معه تحرز فيما تأتون وتذرون.
قال تعالى: {إن بطش ربك لشديد} [البروج (12) ] . ---------------- أي: أن بطشه وانتقامه من أعدائه لشديد عظيم قوي.
قال تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد * إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} [هود (102: 106) ] . ---------------- قوله: {وكذلك} ، أي: ومثل ذلك الأخذ للأمم الماضين {أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} .
قال تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران (28) ] . ---------------- أي: يخوفكم عقابه. وفي ذلك غاية التحذير. قال الحسن البصري: من رأفته بهم حذرهم بنفسه.
قال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه لكل امرئ * منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس (34: 37) ] . ---------------- أي: يشغله عن شأن غيره
قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج (1، 2) ] . ---------------- فيرهقهم هوله بحيث تطير قلوبهم، ويذهب تمييزهم.
قال تعالى: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} [الطور (25: 28) ] . ---------------- يقول تعالى: وأقبل أهل الجنة يتحادثون وهم على طعامهم وشرابهم، ويتساءلون عن أحوالهم في الدنيا، قالوا {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} ، خائفين من العذاب {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} ، أي: عذاب النار، {إنا كنا من قبل ندعوه} نخلص له العبادة، {إنه هو البر الرحيم} ، أي: اللطيف بعباده الصادق في وعده، {الرحيم} بالمؤمنين.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» . متفق عليه. ---------------- في هذا الحديث: إثبات القدر، وأن جميع ما في الكون من نفع أو ضر بقضاء وقدر. وفيه: إيماء إلى عدم الاغترار بصور الأعمال، لأن الأعمال بالخواتيم، نسأل الله حسن الخاتمة.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» . رواه مسلم. ---------------- قوله: «يومئذ» ، أي: يوم يقوم الناس للحساب، ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا * وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر (21: 24) ] .
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه. ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وأنه لأهونهم عذابا» . متفق عليه. ---------------- قوله: «أهل النار» ، أي: الكفار، لأنهم أهلها الخالدون فيها أبدا، وأما العصاة فإن الله يعذب فيها من يشاء منهم، ثم يدخله الجنة.
عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه. ---------------- وفي رواية: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب فقال: ... «عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» فما أتى على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أشد منه، غطوا رؤوسهم ولهم خنين. «الخنين» بالخاء المعجمة: هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف. في هذا الحديث: الحث على البكاء، والتحذير من إكثار الضحك، واستحباب تغطية الوجه عند البكاء.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم» . متفق عليه. ---------------- ومعنى «يذهب في الأرض» : ينزل ويغوص. قيل: سبب العرق في المحشر شدة كرب يوم القيامة وأهوالها.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة، فقال: «هل تدرون ما هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها فسمعتم وجبتها» . رواه مسلم. ---------------- الوجبة: السقطة مع الهدة، يقال: وجب الحائط ونحوه، أي سقط. قال الله تعالى: {فإذا وجبت جنوبها} [الحج (36) ] . وفي الحديث: أن الإنسان إذا سئل عما لا علم له به أن يكل العلم فيه إلى الله سبحانه وتعالى. وفيه: أن قعر النار تحت الأرض السابعة.
عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» . متفق عليه. ---------------- قوله: «ليس بينه وبينه ترجمان» ، المراد أن الله يكلمه بلا واسطة. وفي الحديث: الحث على الصدقة، والاستكثار من الأعمال الصالحة.
عن أبي برزة - براء ثم زاي - نضلة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) . ---------------- قوله: «لا تزول قدما عبد» ، أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصا أو رياء وسمعة. وعن ماله من أين اكتسبه، أمن حلال أو حرام؟ وفيما أنفقه أفي البر والمعروف أو الإسراف والتبذير؟ وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟ .
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف أنعم! وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ» فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: « قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) . ---------------- «القرن» : هو الصور الذي قال الله تعالى: {ونفخ في الصور} كذا فسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: «كيف أنعم» ، أي: كيف أطيب عيشا، وقد قرب أمر الساعة. وفيه: حث لأصحابه على الوصية لمن بعدهم بالتهيؤ لها.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) . ---------------- و «أدلج» : بإسكان الدال ومعناه سار من أول الليل. والمراد التشمير في الطاعة، والله أعلم. قوله: «أدلج» ، أي: هرب في أول الليل، ومن أدلج بلغ المنزل الذي يأمن فيه البيات. قال العاقولي: هذا مثل طالب الآخرة، وكون الشيطان على طريقه، فإن تبتل بالطاعة، وصبر أيامه القلائل أمن من الشيطان.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا» قلت: يا رسول الله الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: «يا عائشة، الأمر أشد من أن يهمهم ذلك» . وفي رواية: «الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض» . متفق عليه. ----------------
«غرلا» بضم الغين المعجمة، أي: غير مختونين. في هذا الحديث: عظم هول يوم القيامة. قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج (1، 2) ] .
قال الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر (53) ] .
----------------
الرجاء: تعليق القلب بمحبوب في المستقبل، والفرق بينه وبين التمني، أن التمني يصاحبه الكسل، والرجاء يبعث على صالح العمل. ويطلق الرجاء على الخوف، ومنه قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} [نوح (13) ] ، أي لا تخافون له عظمة حتى تتركوا عصيانه. وقال ابن عباس: لا تعظمون الله حق عظمته، أي: لا تخافون من بأسه ونقمته. وقال الحسن: لا تعرفون له حقا، ولا تشكرون له نعمة. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر (53) ] ، ولا يبالي [إنه هو الغفور رحيم] . قال ابن كثير: نزلت هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة. وروي عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآية في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين، كانوا قد أسلموا، ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا، فكنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفا، ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه، فأنزل الله هذه الآيات. وما روي من خصوص نزولها في جماعة لا ينفي عمومها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
روي عن ابن عمر قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقول: ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة، حتى نزلت {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد (33) ] ، فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا من الكبائر، قلنا: قد هلك، فنزلت هذه الآية، فكففنا عن القول في ذلك، وكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه، وإن لم يصب منها شيئا رجونا له؟ ***
قال تعالى: {وهل يجازى إلا الكفور} . وفي القراءة الأخرى: {وهل نجازي إلا الكفور} .
----------------
أي: عاقبناهم بكفرهم، وهل نجازي إلا الكفور؟ وقال مجاهد: ولا يعاقب إلا الكفور. وقال طاوس: لا يناقش إلا الكفور وقال مقاتل: وهل يكافؤ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه. وقال بعض العلماء: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة، لا يصادف لذو حلالا إلا جاءه ما ينغصه إياها.
قال تعالى: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} [طه (48) ] .
----------------
أي العذاب اللازم على من كذب بآيات الله، وأعرض عنها.
قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف (156) ] .
----------------
أي: وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة. قال ابن عباس: لما نزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: أنا من ذلك الشيء. فقال الله سبحانه وتعالى: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} [الأعراف (156) ] ، فتمناها اليهود والنصارى فجعلها الله لهذه الأمة، فقال: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} [الأعراف (157) ] الآية
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار» . في هذا الحديث: بشارة لأهل التوحيد بدخول الجنة، وعدم الخلود في النار، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} [النساء (48) ] .
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله - عز وجل -: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر. ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا، لقيته بمثلها مغفرة» . رواه مسلم.
----------------
معنى الحديث: «من تقرب» إلي بطاعتي «تقربت» إليه برحمتي وإن زاد زدت «فإن أتاني يمشي» وأسرع في طاعتي «أتيته هرولة» أي: صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود «وقراب الأرض» بضم القاف، ويقال: بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه: ما يقارب ملأها، والله أعلم. هذا من الأحاديث القدسية. وفيه: أن الجزاء على قدر العمل السيئ، وأن العمل الصالح يضاعف لفاعله. قال القرطبي: هذه الجمل أمثال ضربت لمن عمل من الطاعات، وقصد به التقرب إلى الله تعالى، تدل على أنه تعالى لا يضيع أجر محسن، وإن قل عمله، بل يقبله ويثبته مضاعفا.
عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئا دخل النار» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: بشارة للموحدين بدخول الجنة، ابتداء مع الفائزين أو بعد تمحيصهم بالنار.
عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل، قال: ... «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثلاثا، قال: «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار» قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتكلوا» فأخبر بها معاذ عند موته تأثما. متفق عليه.
----------------
وقوله: «تأثما» أي خوفا من الإثم في كتم هذا العلم. قوله: «صدقا من قلبه» ، هذا: القيد لإخراج شهادة اللسان إذا لم يطابقها الجنان، كالمنافقين. قوله: (ألا أخبر بها الناس فيستبشروا، قال: «إذا يتكلوا» .) ، ... أي: يتركوا العمل، ويتكلوا على ذلك، فيأثموا بترك الواجب، ويفوتهم أعالي المنازل بترك المستحب، فأشار إلى معاذ بالترك، لأنه رأى المصلحة في ذلك أتم من الإعلام. وفيه: أن العالم يراعي المصلحة في كتمان العلم ونشره.
عن أبي هريرة - - أو أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما - شك الراوي - ولا يضر الشك في عين الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول - قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «افعلوا» فجاء عمر - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله، إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل لهم في ذلك البركة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم» فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الآخر بكف تمر ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه بالبركة، ثم قال: «خذوا في أوعيتكم» فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: حسن الأدب في خطاب الكبار، وأنه لا ينبغي للإمام أن يأذن للعسكر في تضييع دوابهم، إلا إذا رأى مصلحة أو خاف مفسدة ظاهرة. وفيه: تقديم الأهم فالأهم، وارتكاب أخف الضررين دفعا لأشدهما. وفيه: أن المؤمن لا بد له من دخول الجنة إما ابتداء مع الناجين أو بعد إخراجه من النار.
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا والله. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» . متفق عليه.
----------------
هذا الحديث ذكره البخاري في باب رحمة الولد، وتقبيله، ومعانقته، بلفظ: قدم على النبي س سبي، فإذا امرأة من السبي تحلب سديها، تسقي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. قوله: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» . قال ابن أبي جمرة: لفظ العباد عام، ومعناه خاص بالمؤمنين، وهو كقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} [الأعراف (15) ] . وفيه: إشارة إلى أنه ينبغي للمرء أن يجعل تعلقه في جميع أموره بالله وحده.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب ... غضبي» . وفي رواية: «غلبت غضبي» وفي رواية: «سبقت غضبي» . متفق عليه.
----------------
قال الطيبي: في سبق الرحمة إشارة أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم بغير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إلا بالاستحقاق. فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما، وناشئا، قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة، ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق ذلك.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «جعل الله الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» . وفي رواية: «إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» . متفق عليه.
----------------
ورواه مسلم أيضا من رواية سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تعالى مئة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم القيامة» . وفي رواية: «إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مئة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة» . الرحمة رحمتان: رحمة من صفات الذات، ورحمة من صفات الفعل. قال القرطبي: مقتضي هذا الحديث، أن الله علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مئة نوع، فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم، وحصلت به مرافقتهم، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي، فبلغت مئة. وقال ابن أبي جمرة: في الحديث إدخال السرور على المؤمنين، لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها، إذا كان معلوما مما يكون موعودا. وفيه: الحث على الإيمان، واتساع الرجاء في رحمات الله تعالى المدخرة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى، قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا، يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا، يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء» . متفق عليه.
----------------
وقوله تعالى: «فليفعل ما شاء» أي: ما دام يفعل هكذا، يذنب ويتوب أغفر له، فإن التوبة تهدم ما قبلها. هذا الحديث: أخرجه البخاري في باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [الفتح (15) ] ، من كتاب التوحيد. قال القرطبي: يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله، وسعة رحمته وحلمه، وكرمه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم» . رواه مسلم. ***
عن أبي أيوب خالد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «لولا أنكم تذنبون، لخلق الله خلقا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم» . رواه مسلم.
----------------
قال ابن مالك: ليس هذا تحريضا للناس على الذنوب، بل كان صدوره لتسلية الصحابة، وإزالة شدة الخوف عن صدورهم، لأن الخوف كان غالبا عليهم حتى فر بعضهم إلى رؤوس الجبال للعبادة، وبعضهم اعتزل النساء. وفي الحديث: تنبيه على رجاء مغفرة الله تعالى، وتحقق أن ما سبق في علمه تعالى كائن، لأنه سبق في علمه أنه يغفر للعاصي، فلو قدر عدم عاص لخلق الله من يعصيه فيغفر له.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعودا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، في نفر فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا، فأبطأ علينا فخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتيت حائطا للأنصار ... وذكر الحديث بطوله إلى قوله: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: البشارة بدخول الجنة للموحدين، إما ابتداء مع الفائزين، أو بعد دخول النار لمن يغفر له من العاصين.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} [إبراهيم (36) ] الآية، وقال عيسى - صلى الله عليه وسلم -: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة (118) ] فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي» وبكى، فقال الله - عز وجل -: «يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيه؟» فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بما قال - وهو أعلم - فقال الله تعالى: «يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك» . رواه مسلم.
----------------
قوله: {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم (36) ] . قال البيضاوي: فيه دليل على أن كل ذنب، فلله أن يغفره حتى الشرك، إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره. وفي الحديث: كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته، واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم. وفيه: البشارة العظيمة لهذه الأمة، وهو من أرجى الأحاديث.
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار، فقال: «يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» . متفق عليه.
----------------
قال البخاري في كتاب الرقاق، باب: من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل، وذكر الحديث بنحوه. قال بعض العلماء: جهاد المرء نفسه، هو الجهاد الأكمل، وهو أربع مراتب: حملها على تعلم أمور الدين، ثم حملها على العمل بذلك، ثم حملها على تعليم من لا يعلم، ثم الدعاء إلى توحيد الله. قال القرطبي: حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء. وقال ابن رجب: قال العلماء: يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا ييتكلوا. أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس، لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها، وقد سمعها معاذ فلم يزدد إلا اجتهادا في العمل. وقيل لوهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، وليس من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} » [إبراهيم (27) ] . متفق عليه.
----------------
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من دام على الشهادة في الدنيا يلقنه الله تعالى إياها في قبره.
عن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الكافر إذا عمل حسنة، أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته» . وفي رواية: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها» . رواه مسلم.
----------------
يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى (20) ] . وقوله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل (97) ] .
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات» . رواه مسلم.
----------------
«الغمر» : الكثير. شبه - صلى الله عليه وسلم - الدنس المعنوي بالدنس الحسي، فكما أن الاغتسال كل يوم خمس مرات يذهب الوسخ، فكذلك الصلوات الخمس تذهب الذنوب. ويشهد لذلك قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [هود (114، 115) ] .
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: الحث على تكثير عدد المصلين على الجنازة، رجاء أن يغفر الله للميت، بدعائهم وشفاعتهم.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة نحوا من أربعين رجلا، فقال: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قلنا: نعم. قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟» قلنا: نعم، قال: «والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر» . متفق عليه.
----------------
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأرجو» قال العلماء: كل رجاء جاء عن الله أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كائن. قال القرطبي: وهذه الطماعية قد حققت له بقوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى (5) ] ، وبقوله: إنا سنرضيك في ... أمتك.
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار» . وفي رواية عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار» معناه ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «لكل أحد منزل في الجنة، ومنزل في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار؛ لأنه مستحق لذلك بكفره» ومعنى «فكاكك» : أنك كنت معرضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى، قدر للنار عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم، صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم. معنى الحديث: أن الله تعالى يغفر ذنوب المسلمين، بفضله، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم، فيدخلهم النار بعملهم. قال عمر بن عبد العزيز: هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته» . متفق عليه.
----------------
«كنفه» : ستره ورحمته. هذا الحديث من أرجى الأحاديث لمن لم يجاهر بذنوبه، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء (48) ] .
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فأنزل الله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي لنهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود (114) ] فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله؟ قال: «لجميع أمتي كلهم» . متفق عليه.
----------------
قوله: أنزل الله تعالى: {أقم الصلاة} - كذا هو بحذف الواو، والتلاوة بإثباتها - وفي رواية: فتلا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وأقم الصلاة} ... الآية. قال ابن عباس: معناه الصلوات الخمس مكفرة الذنوب إذا اجتنبت الكبائر
عن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أصبت حدا، فأقمه علي، وحضرت الصلاة، فصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى الصلاة، قال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله. قال: «هل حضرت معنا الصلاة» ؟ قال: نعم. قال: «قد غفر لك» . متفق عليه.
----------------
وقوله: «أصبت حدا» معناه: معصية توجب التعزير، وليس المراد الحد الشرعي الحقيقي كحد الزنا والخمر وغيرهما، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصلاة، ولا يجوز للإمام تركها. قال البخاري: باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه. وذكر الحديث بنحوه. قال الحافظ: وقد اختلف نظر العلماء في هذا الحكم، فظاهر ترجمة البخاري حمله على من أقر بحد ولم يفسره، فإنه لا يجب على الإمام أن يقيمه عليه إذا تاب. وقال الخطابي: في هذا الحديث أنه لا يكشف عن الحدود بل يدفع، مهما أمكن، وقد استحب العلماء تلقين من أقر بموجب الحد بالرجوع عنه. وجزم النووي وجماعة: أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر. وقال صاحب (الهدي) : أصح المسالك فيه أن الحد يسقط بالتوبة. انتهى ملخصا.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها» . رواه مسلم.
----------------
«الأكلة» : بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة، والله أعلم. في هذا الحديث: غاية الكرم من المولى سبحانه وتعالى، أن يتفضل على عبده بالرزق، فإذا حمده رضي عنه.
عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده ليلا ونهارا ما لم يغرغره الموت، أو تطلع الشمس من مغربها. قال الله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} [الأنعام (158) ] .
عن أبي نجيح عمرو بن عبسة - بفتح العين والباء - السلمي - رضي الله عنه - قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا، جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبي» قلت: وما نبي؟ قال: «أرسلني الله» قلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء» قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: «حر وعبد» ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قلت: إني متبعك، قال: «إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهلي المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم، أنت الذي لقيتني بمكة» قال: فقلت: يا رسول الله، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: «صل صلاة الصبح، ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار» . قال: فقلت: يا نبي الله، فالوضوء حدثني عنه؟ فقال: «ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض ويستنشق فينتثر، إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه» . فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول *! في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة، لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله تعالى، ولا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لو لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا - حتى عد سبع مرات - ما حدثت به أبدا، ولكني سمعته أكثر من ذلك. رواه مسلم.
----------------
قوله: «جرآء عليه قومه» هو بجيم مضمومة وبالمد على وزن علماء، أي: جاسرون مستطيلون غير هائبين، هذه الرواية المشهورة، ورواه الحميدي وغيره «حراء» بكسر الحاء المهملة، وقال: معناه غضاب ذوو غم وهم، قد عيل صبرهم به، حتى أثر في أجسامهم، من قولهم: حرى جسمه يحرى، إذا نقص من ألم أو غم ونحوه، والصحيح أنه بالجيم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بين قرني شيطان» أي ناحيتي رأسه والمراد التمثيل، ومعناه: أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشيعته، ويتسلطون. وقوله: «يقرب وضوءه» معناه يحضر الماء الذي يتوضأ به، وقوله: «إلا خرت خطايا» هو بالخاء المعجمة: أي سقطت، ورواه بعضهم ... «جرت» بالجيم، والصحيح بالخاء وهو رواية الجمهور. وقوله: «فينتثر» أي يستخرج ما في أنفه من أذى والنثرة: طرف الأنف. في هذا الحديث: الحث على صلة الأرحام لأن الله تعالى قرنها بالتوحيد. وفيه: مشروعية الصلاة في كل وقت، إلا أوقات النهي. وفيه: فضل إسباغ الوضوء، وأن من صلى صلاة لا يحدث فيها نفسه غفرت له ذنوبه.
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أراد الله تعالى رحمة أمة، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة، عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلاكها حين كذبوه وعصوا أمره» . رواه مسلم.
----------------
قد وعد الله الصابرين على المصائب بالأجور. قال الله تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} ... [البقرة (155 - 157) ] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته في» . وبالله التوفيق.
قال الله تعالى إخبارا عن العبد الصالح: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا} [غافر (44، 45) ] .
----------------
يخبر تعالى عن مؤمن آل فرعون حين دعاهم إلى التوحيد، وتصديق موسى، ونهاهم عن الشرك، فتوعدوه أنه قال: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله} [غافر (44) ] . أي: وأتوكل عليه، وأستعين، فيعصمني عن كل سوء، {إن اله بصير بالعباد} ، فيهدي من يستحق الهداية ويضل من يستحق الإضلال، وله الحجة البالغة، والحكمة التامة، {فوقاه الله سيئات ما مكروا} ، ما أرادوا به من الشر. قال قتادة: نجا مع موسى وكان قبطيا.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «قال الله - عز وجل -: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول» متفق عليه
----------------
وهذا لفظ إحدى روايات مسلم. وتقدم شرحه في الباب قبله. وروي في الصحيحين: «وأنا معه حين يذكرني» بالنون، وفي هذه الرواية «حيث» بالثاء وكلاهما صحيح. قوله عز وجل: «أنا عند ظن عبدي بي» ، أي في الرجاء، وأمل العفو، «وأنا معه» ، أي: بالرحمة، والتوفيق، والإعانة، والنصر، ... «حيث ذكرني في نفسه أو في الملأ» . وفي الحديث: لطف الله بعباده، وفرحه بتوبتهم، وأن من تقرب إليه بطاعته، تقرب إليه بإحسانه، وفضله، وجزائه المضاعف.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام، يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله - عز وجل -» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: الحث على حسن الظن بالله تعالى، والتحذير من القنوط خصوصا عند الخاتمة، قال الله تعالى: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران (102) ] ، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - في مرض موته: ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... ?? ... جعلت الرجاء مني لعفوك سلما ... ??? تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... ? ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما ... ??
عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
«عنان السماء» بفتح العين، قيل: هو ما عن لك منها، أي: ظهر إذا رفعت رأسك، وقيل: هو السحاب. و «قراب الأرض» بضم القاف، وقيل: بكسرها، والضم أصح وأشهر، وهو: ما يقارب ملأها، والله أعلم. في هذا الحديث: بشارة عظيمة، وحلم، وكرم عظيم. قال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وأسواقكم، ومجالسكم، وأينما كنتم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة. وقال قتادة: إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار. قال بعضهم: أستغفر الله مما يعلم الله ... ?? ... إن الشقي لمن لا يرحم الله ... ??? ما أحلم الله عمن لا يراقبه ... ?? ... كل مسيء ولكن يحلم الله ... ?? فاستغفر الله مما كان من زلل ... ?? ... طوبى لمن كف عما يكره الله ... ??? طوبى لمن حسنت منه سريرته ... ?? ... طوبى لمن ينتهي عما نهى الله ... ??
قال الله تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف (99) ] . ***
قال تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف (87) ] .
----------------
الخوف يزجر العبد عن المعاصي، والرجاء يبعثه على الطاعات فلا يأمن العقوبة، ولا يقنط من الرحمة.
قال تعالى: {يوم تبيض وجوه} [آل عمران (106) ] .
----------------
أي: تبيض وجوه المؤمنين يوم القيامة، وتسود وجوه الكافرين. وقال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.
قال تعالى:{إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [الأنعام (165) ] .
----------------
في هذا ترهيب وترغيب، وكل ما هو آت قريب.
قال تعالى:{إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم}[الانفطار (13، 14) ] .
----------------
الأبرار: الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله، واجتناب معاصيه، والفجار بضد ذلك.
قال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية} [القارعة (6، 9) ] .
----------------
أي: من رجحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته فهو من أهل النار.
(الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر (23) ] . ***
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد» . رواه مسلم.
----------------
يشهد لهذا الحديث: قوله تعالى: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} ، وقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف (156) ] الآية.
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس أو الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق» . رواه البخاري.
----------------
قولها: «قدموني قدموني» ، هو اشتياق إلى ما أعده الله للمؤمن من نعيم القبر وما بعده، وقول الآخر: (يا ويلها، أين يذهبون بها» ، هو جزع وتحسر من الفاجر، ورهبة مما أعد له من عذاب القبر وما بعده.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك» . رواه البخاري.
----------------
فيه: أن الطاعة موصلة إلى الجنة، وأن المعصية مقربة إلى النار. وفي الحديث الآخر: «إن الرجل يتكلم بالكلمة ما يظن أن يبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار» . فينبغي للمؤمن أن لا يزهد في القليل من الخير بالفعل والقول، وأن يجتنب الشر قليله وكثيره