منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   السيرة النبوية (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=128)
-   -   تطريز رياض الصالحين (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=121914)

امانى يسرى محمد 18-02-2020 05:35 PM

تطريز رياض الصالحين
 
تطريز رياض الصالحين :
إن كتاب رياض الصالحين من الكتب الشريفة النافعة، فقد جمع بين دفتيه جوامع الكلم من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وآيات كتاب الله العزيز، جعله مصنفه مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة، ومحصِّلاً لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السائرين إلى الله: من أحاديث الزهد وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك مما يهذب سلوك الإنسان.
وقد صدر أبواب الكتاب بآيات قرآنية، مع ضبط ما يحتاج إلى ضبط من ألفاظ الأحاديث أو شرح معنى خفي من ألفاظه، فجاء كتاب جامعاً في بابه، لذلك اهتم العلماء به شرحاً وتحقيقاً وتعليقاً، واهتم به العامة قراءة وتدبراً وتطبيقاً، حتى أنك لا ترى بيتاً ولا مكتبة ولا مسجداً في مشارق الأرض ومغاربها إلا وتجد فيها هذا الكتاب.
وهذا الكتاب الذي بين يدينا هو واحد من تلك الجهود حول هذا الكتاب المبارك، فقد قام الشيخ فيصل - رحمه الله - بالتعليق على كتاب رياض الصالحين بتعليقات مختصرة مركزاً في تعليقاته على ذكر الفوائد المستنبطة من الحديث وقد يستشهد على الحديث بذكر آية، أو حديث أو أثر عن صحابي.


باب الإخلاص وإحضار النية

عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم» . قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! قال: «يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم»
----------------
في هذا الحديث: التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم، وأن العقوبةتلزمه معهم، وأنه يعامل عند الحساب بقصده من الخير والشر. وفي حديث ابن عمر مرفوعا: «إذا أنزل الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على نياتهم»



وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»
----------------
قوله: «إنما الأعمال بالنيات» ، إنما للحصر، أي: لا يعتد بالأعمال بدون النية. «وإنما لكل امرئ ما نوى» . قال ابن عبد السلام: الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال، والثانية لبيان ما يترتب عليها. انتهى. والنية: هي القصد، ومحلها القلب. قوله: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله» ، أي من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدا، فهجرته إلى الله ورسوله حكما وشرعا. «ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» . قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا، فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة، بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة. والله أعلم.



قال تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} [الحج (37) ] .
----------------
أي: لن يصل إلى الله لحوم الهدايا والضحايا، ولا دماؤها، ولكن يصله منكم النية والإخلاص. قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يلطخون البيت بدماء البدن، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فنزلت هذه الآية.


قال تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله} [آل عمران (29) ]
----------------
أي: فهو العالم بخفيات الصدور، وما اشتملت عليه من الإخلاص أو الرياء.


عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فقال: «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم حبسهم المرض» . وفي رواية: «إلا شركوكم في الأجر» ورواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا، إلا وهم معنا؛ حبسهم العذر» .
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن من صحت نيته، وعزم على فعل عمل صالح وتركه لعذر، أن له مثل أجر فاعله.



عن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس - رضي الله عنهم - وهو وأبوه وجده صحابيون قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها. فقال: والله، ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن»
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن من نوى الصدقة على محتاج، حصل له ثوابها، ولو كان الآخذ ممن تلزمه نفقته، أو غير أهل لها، كما في قصة الذي تصدق على ثلاثة.


عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم»
----------------
في هذا الحديث: الاعتناء بحال القلب وصفاته، وتصحيح مقاصده، وتطهيره عن كل وصف مذموم؛ لأن عمل القلب هو المصحح للأعمال الشرعية، وكمال ذلك بمراقبة الله سبحانه وتعالى.


عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» . قلت: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصا على قتل صاحبه»
----------------
في هذا الحديث: العقاب على من عزم على المعصية بقلبه، ووطن نفسه عليها.




عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد، لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة: لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه» .
----------------
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ينهزه» هو بفتح الياء والهاء وبالزاي: أي يخرجه وينهضه. قوله: «لا يريد إلا الصلاة» ، أي: في جماعة، وفيه: إشارة إلى اعتبار الإخلاص. وفي هذا الحديث: إشارة إلى بعض الأسباب المقتضية للدرجات، وهو قوله: «وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة» . ومنها: الاجتماع والتعاون على الطاعة، والألفة بين الجيران، والسلامة من صفة النفاق، ومن إساءة الظن به. ومنها: صلاة الملائكة عليه، واستغفارهم له، وغير ذلك.

عن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة،وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة»
----------------
هذا حديث شريف عظيم، بين فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدار ما تفضل الله به عز وجل على خلقه من تضعيف الحسنات، وتقليل السيئات. زاد مسلم بعد قوله: «وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة» . «أو محاها، ولا يهلك على الله إلا هالك» . قال ابن مسعود: ويل لمن غلبت وحداته عشراته. قال العلماء: إن السيئة تعظم أحيانا بشرف الزمان أو المكان، وقد تضاعف بشرف فاعلها وقوة معرفته، كما قال تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما} [الأحزاب (30، 31) ] .


تطريز رياض الصالحين
موقع الكلم الطيب


يتبع


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...ef912f0ee3.jpg

امانى يسرى محمد 18-02-2020 05:38 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب الصبر

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا} [آل عمران (200) ] .
----------------
الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على
أقدار الله. وقد أمر الله تعالى بالصبر على ذلك كله. وقوله تعالى: {وصابروا} أي: غالبوا الكفار بالصبر فلا يكونوا أشد صبرا منكم، فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. وقوله تعالى: {ورابطوا}
أي: أقيموا على الجهاد. قال - صلى الله عليه وسلم -: «رباط يوم في سبيل
الله خير من الدنيا وما عليها» . وقال - صلى الله عليه وسلم -: ... «ألا
أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات» ؟ قالوا: بلى يا رسول
الله. قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار
الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط، فذالكم الرباط» .

وقال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة (155) ] ،
----------------
على البلايا والرزايا بالذكر الجميل والثواب الجزيل.


وقال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر (10) ] .
----------------
أي: بغير مكيال، ولا وزن، فلا جزاء فوق جزاء الصبر.


وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى (43) ] .
----------------
أي: من صبر فلم ينتصر لنفسه وتجاوز عن ظالمه، فإن ذلك من الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة.


وقال تعالى: {استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} [البقرة (153) ]
----------------
أي: استعينوا على طلب الآخرة بحبس النفس عن المعاصي، والصبر على أداء الفرائض، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر {وإنها لكبيرة} أي: ثقيلة {إلا على الخاشعين} أي: المؤمنين حقا.


وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} ... [محمد (31) ]
----------------
اي: ولنختبرنكم بالتكاليف حتى يتميز الصادق في دينه من الكاذب. قال تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} [الحج (11) ] .

https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25

عن أبي مالك الحارث بن عاصم
الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله
تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان،
والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو
موبقها» .
----------------

قوله: «الطهور شطر الإيمان» ، أي: نصفه؛ لأن خصال الإيمان قسمان: ظاهرة،
وباطنة، فالطهور من الخصال الظاهرة، والتوحيد من الخصال الباطنة. قال - صلى
الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن
لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة
الثمانية يدخل في أيها شاء» . قوله: «والحمد لله تملأ الميزان» أي: أجرها
يملأ ميزان الحامد لله تعالى. وفي الحديث الآخر: «التسبيح نصف الميزان،
والحمد لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تصل إليه» .
وسبب عظم فضل هذه الكلمات: ما اشتملت عليه من التنزيه لله تعالى، وتوحيده،
والافتقار إليه. قوله: «والصلاة نور» أي: لصاحبها في الدنيا، وفي القبر،
ويوم القيامة. «والصدقة برهان» أي: دليل واضح على صحة الإيمان. ... «والصبر
ضياء» ، وهو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة؛ لأن الصبر لا يحصل إلا
بمجاهدة النفس.«والقرآن حجة لك أو عليك» أي: إن عملت به فهو حجة لك، وإلا
فهو حجة عليك. قوله: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» أي: كل
إنسان يسعى، فمنهم من يبيع نفسه لله بطاعته فيعتقها من النار، ومنهم من
يبيعها للشيطان والهوى فيهلكها. قال الحسن: «يا ابن آدم إنك تغدو وتروح في
طلب الأرباح، فليكن همك نفسك، فإنك لن تربح مثلها أبدا» .

عن أبي سعيد سعد بن مالك بن
سنان الخدري رضي الله عنهما: أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال لهم
حين أنفق كل شيء بيده: «ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف
يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطي أحد عطاء
خيرا وأوسع من الصبر» .
----------------
في هذا الحديث: الحث على الاستعفاف، وأن من رزقه الله الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا، فقد أعطاه خيرا كثيرا.


عن أبي يحيى صهيب بن سنان -
رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبا لأمر
المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر
فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» .
----------------

في هذا الحديث: فضل الشكر على السراء والصبر على الضراء، فمن فعل ذلك حصل
له خير الدارين، ومن لم يشكر على النعمة، ولم يصبر على المصيبة، فاته
الأجر، وحصل له الوزر.


عن أنس - رضي الله عنه -
قال: لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة
رضي الله عنها: واكرب أبتاه. فقال: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» فلما مات،
قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه! يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه! يا أبتاه،
إلى جبريل ننعاه! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: أطابت أنفسكم أن
تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب؟!
----------------

في هذا الحديث: جواز التوجع للميت عند احتضاره، وأنه ليس من النياحة.
ومناسبة إيراده في باب الصبر: صبره - صلى الله عليه وسلم - على ما هو فيه
من سكرات الموت، وشدائده، ورضاه بذلك، وتسكين ما نزل بالسيدة فاطمة من


عن أبي زيد أسامة بن زيد بن
حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبه وابن حبه رضي الله
عنهما، قال: أرسلت بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - إن ابني قد احتضر
فاشهدنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء
عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب» فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها. فقام ومعه
سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال - رضي الله
عنهم -، فرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الصبي، فأقعده في
حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: «هذه
رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده» وفي رواية: «في قلوب من شاء من
عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» .
----------------

ومعنى «تقعقع» : تتحرك وتضطرب. في هذا الحديث: جواز استحضار أهل الفضل
للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم، واستحباب إبرار القسم، وأمر صاحب المصيبة
بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر , وفيه:
جواز البكاء من غير نوح ونحوه.مشاهدة ذلك بقوله: «لا كرب على أبيك بعد اليوم» .


عن أنس - رضي الله عنه -
قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي
الله واصبري» فقالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها:
إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم -،
فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة ...
الأولى» .
----------------
في هذا الحديث: أن ثواب الصبر إنما يحصل عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعدها، فإن صاحبها يسلو كما تسلو البهائم.






باب المراقبة



قال الله تعالى: {الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين} [الشعراء (218، 219) ] .

----------------
يقول تعالى مخاطبا لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم إلى الصلاة، وتقلبك راكعا وقائما وساجدا وقاعدا في الساجدين - أي: المصلين - يعني: يراك إذا صليت منفردا وإذا صليت في جماعة. والمراقبة هي أحد مقامي الإحسان، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.


قال تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} [الحديد (4) ] .

----------------
أي: لا ينفك علمه عنكم. كم قال تعالى: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} [المجادلة (7) ]


قال تعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} [آل عمران (5) ] .

----------------
يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض لا يخفى عليه شيء من ذلك.


قال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر (14) ] .

----------------
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} قال ابن عباس: يسمع ويرى. يعني: يرصد خلقه فيما يعملون، وسيجازي كلا بسعيه في الدنيا والآخرة، وسيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلا بما يستحقه، وهو المنزه عن الظلم والجور.


قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر ... (19) ] .

----------------
قال ابن كثير: يخبر عز وجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء، ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه. والآيات في الباب كثيرة معلومة. كقوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} [يونس (61) ] .



عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما، فقال: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» .
----------------
هذا الحديث أصل عظيم في مراقبة الله، ومراعاة حقوقه، والتفويض لأمره، والتوكل عليه، وشهود توحيده وتفرده، وعجز الخلائق كلهم وافتقارهم إليه.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات.

----------------
وقال: «الموبقات» : المهلكات. في هذا الحديث: كمال مراقبة الصحابة رضي الله عنهم لله تعالى، وكمال استحيائهم منه. وفيه: أن الإنسان ينبغي له أن يحذر من صغار الذنوب، فلعلها تكون المهلكة له في دينه. كما يتحرز من يسير السموم خشية أن يكون فيها حتفه، وقد قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر (28) ] . وفي الحديث: «إن المؤمن يرى ذنبه كأنه صخرة يخاف أن تقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه» .


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يغار، وغيرة الله تعالى، أن يأتي المرء ما حرم الله عليه» .

----------------
و «الغيرة» : بفتح الغين، وأصلها الأنفة. في هذا الحديث: مراقبة الله تعالى والخوف من غضبه وعقوبته إذا انتهكت محارمه.
https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25

عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» .
----------------
هذه وصية عظيمة جامعة لحقوق الله تعالى وحقوق عباده، قال الله تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء (131) ] ، وتقوى الله تعالى: طاعته، بامتثال أمره واجتناب نهيه. وقال تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [هود (114، 115) ] . وقال ابن المبارك: حسن الخلق: بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. وقد وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، فقال عز وجل: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} [آل عمران (133: 136) ] .


عن أبي يعلى شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» .ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
الكيس: العاقل، وهو الذي يمنع نفسه عن الشهوات المحرمة ويعمل بطاعة الله تعالى. والعاجز: هو التارك لطاعة الله المتمني على الله. قال تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا * ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} [النساء (123، 124) ] .



باب في اليقين والتوكل

قال الله تعالى: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} [الأحزاب (22) ]
----------------
أي: ما زادهم الابتلاء إلا تصديقا بوعد الله وتسليما لأمره.


قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} [آل عمران (173: 174) ] .
----------------
يمدح تعالى المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول بأن تخويف الناس لهم زادهم تصديقا ويقينا وقوة، وقالوا: {حسبنا الله} ، أي: كافينا الله. {ونعم الوكيل} أي: الموكول إليه الأمور.


قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان (58) ] .
----------------
وفيه: إشارة إلى أن من توكل على غير الله فقد ضاع؛ لأنه يموت. قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص (88) ]


قال تعالى: {فإذا عزمت فتوكل على الله} [آل عمران (159) ] .
----------------
أي: إذا عزمت على إمضاء ما تريد بعد المشاورة، فتوكل على الله، أي: ثق به لا بالمشاورة. والآيات في الأمر بالتوكل كثيرة معلومة.


قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق (3) ]
----------------
أي كافيه.


قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال (2) ] .
----------------
أي: يفوضون أمورهم إليه. وهذه الآية صفة المؤمنين حقا. قال عمير بن حبيب: إن للإيمان زيادة ونقصانا. قيل: فما زيادته؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه فذلك زيادته. وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه.

https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25

عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك؛ لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون» . متفق عليه، وهذا لفظ مسلم واختصره البخاري.
----------------
قوله: «اللهم لك أسلمت» ، أي: استسلمت لحكمك وأمرك، وسلمت: رضيت وآمنت وصدقت وأيقنت. وفي الحديث: الالتجاء إلى الله والاعتصام به، فمن اعتز بغير الله ذل، ومن اهتدى بغير هدايته ضل، ومن اعتصم بالله تعالى وتوكل عليه عظم وجل.


عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين ألقي في النار، وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. رواه البخاري. وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان آخر قول إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل.
----------------
قوله: {حسبنا الله} ، أي: هو كافينا. {ونعم الوكيل} ، أي: الموكول إليه الأمور. وروي أن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لما أرادوا إلقاءه في النار، رفع رأسه إلى السماء فقال: «اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل» . فقال الله عز وجل: {يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} .


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير» . رواه مسلم.
----------------
قيل: معناه متوكلون، وقيل: قلوبهم رقيقة. هذا الحديث أصل عظيم في التوكل. وحقيقته: هو الاعتماد على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار. قال سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان. واعلم أن التوكل لا ينافي السعي في الأسباب، فإن الطير تغدو في طلب رزقها. وقد قال الله تعالى: {وما من دآبة في الأرض إلا على الله ... رزقها} [هود (6) ] . قال يوسف بن أسباط: كان يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له. وفي حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم» .


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير» . رواه مسلم.
----------------
قيل: معناه متوكلون، وقيل: قلوبهم رقيقة. هذا الحديث أصل عظيم في التوكل. وحقيقته: هو الاعتماد على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار. قال سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان. واعلم أن التوكل لا ينافي السعي في الأسباب، فإن الطير تغدو في طلب رزقها. وقد قال الله تعالى: {وما من دآبة في الأرض إلا على الله ... رزقها} [هود (6) ] . قال يوسف بن أسباط: كان يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له. وفي حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم» .


عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا فلان، إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت؛ ونبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيرا» . متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين، عن البراء، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل ... وذكر نحوه ثم قال: واجعلهن آخر ما تقول» .
----------------
في هذا الحديث: فضل الاستسلام، والتفويض، والالتجاء إلى الله عز وجل.


عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي - رضي الله عنه - وهو وأبوه وأمه صحابة - رضي الله عنهم - قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: تنبيه على أن من توكل على الله كفاه، ونصره، وأعانه، وكلأه وحفظه.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال ... - يعني: إذا خرج من بيته -: بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان» . رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. وقال الترمذي: (حديث حسن) ، زاد أبو داود: «فيقول - يعني: الشيطان - - لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟» .
----------------
معنى «لا حول ولا قوة إلا بالله» ، أي: لا حول عن المعاصي إلا بعصمة الله. ولا قوة على الطاعات إلا بالله. وروي عن ابن مسعود قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتها. فقال: «تدري ما تفسيرها؟» ، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «لا حول عن معصية الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله» . أخرجه البزار. قال بعض العلماء: ولعل تخصيصه بالطاعة والمعصية؛ لأنهما أمران مهمان في الدين.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أخوان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أحدهما يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «لعلك ترزق به» . رواه الترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم.
----------------
«يحترف» : يكتسب ويتسبب. في الحديث: تنبيه على أن من انقطع إلى الله كفاه مهماته. وأن العبد يرزق بغيره، كما في الحديث الآخر: «وهل ترزقون - أو قال: تنصرون - إلا بضعفائكم»

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...543becd2d1.gif





امانى يسرى محمد 19-02-2020 11:32 AM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب التفكير في عظيم مخلوقات الله تعالى)



قال الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} [الزمر (67) ]
----------------
التفكر في المخلوقات: كالعرش، والكرسي، والسماء والأرض يدل على كمال الخالق وعظمته. وفي الحديث: «ما السماء والأرض، وما بينهما في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض» والتفكر في فناء الدنيا: يبعثه على الزهد فيها، والإقبال على الآخرة. والتفكر في أهوال الآخرة: يبعثه على فعل الطاعات، وترك المنهيات، وتقصير أمل النفس بذكر الموت، وتهذيبها من الأخلاق السيئة. وحملها على الاستقامة يورثها العز في الدنيا والآخرة.


قال الله تعالى: {إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا} [سبأ (46) ] .
----------------
يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء الزاعمين أنك مجنون: إنما أعظكم آمركم وأوصيكم بواحدة، هي: أن تقوموا لله من غير هوى ولا عصيبة مثنى وفرادى، أي: اثنين اثنين، وواحدا واحدا. ثم تتفكروا جميعا في حال محمد - صلى الله عليه وسلم - فتعلموا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد.


قال تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك} الآيات [آل عمران (190، 191) ] .
----------------
التفكر في المخلوقات أفضل العبادات. وفي بعض الآثار بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى السماء والنجوم، فقال: «أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي» فنظر الله إليه فغفر له.


قال تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت * فذكر إنما أنت مذكر} [الغاشية (17: 21) ] .
----------------
يحث تعالى على النظر إلى أنواع المخلوقات الدالة على وحدانيته، واقتداره على الخلق، والبعث، وغير ذلك، وخصت هذه الأربع من بين المخلوقات، لأنها ظاهرة لكل أحد، وخصت الإبل من بين المركوبات لأنها أعجب ما عند العرب.


قال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا} الآية [محمد (10) ] .
----------------
يحث تعالى على المسير في الأرض، فينظروا آثار الأمم قبلهم واضمحلالهم بعد وجودهم، وكمال قوتهم، فيعلمون أن الحي القيوم هو الله وأن غيره فان فلا يركنوا إلى الدنيا ولا يغتروا بها.


عَنْ أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْن أَوْسٍ عن النَّبيّ ï·؛ قَالَ: الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ رواه التِّرْمِذيُّ
----------------

معنى دان نفسه: حاسبها. فإن محاسبته لها وعدم تركها هملا إنما ينشأ عن تفكره في الدنيا وزوالها، وفي نفسه وانتقالها، كأنك بالدنيا ولم تكن، وبالآخرة ولم تزل، فيحاسب نفسه فيمنعها عما لا ينبغي، ويحملها على ما ينبغي.






( باب المجاهدة)


قال الله تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت 69 ]
----------------

المجاهدة: مفاعلة من الجهد، فإن الإنسان يجاهد نفسه باستعمالها فيما ينفعها، وهي تجاهده بضد ذلك. قال بعض العلماء: جهاد النفس هو الجهاد الأكبر. وجهاد العدو هو الجهاد الأصغر.


قال تعالى: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا} [المزمل (8) ]

----------------
: أي: انقطع إليه يقول تعالى: {واذكر اسم ربك} ، أي: أكثر من ذكره، وأخلص واجتهد في وقت فراغك.
قال تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر (99) ] .
----------------
أي: الموت


قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} [الزلزلة (7) ] .

----------------
في هذا الآية تشويق لتقديم العمل الصالح بين يديه ليجد ثوابه عند قدومه على ربه.


قال تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا} [المزمل (20

----------------
أي ما أخرجتم لله خير لكم وأعظم أجرا عند الله مما ادخرتم.


قال تعالى: {وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة (273) ] .

----------------
يعني: فيجزيكم بخير منه.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» . رواه البخاري.
----------------
«آذنته» : أعلمته بأني محارب له. «استعاذني» روي بالنون وبالباء. الولي: من تولى الله بالطاعة والتقوى، فإن الله يتولاه بالحفظ والنصرة. وفي الحديث: الوعيد الشديد لمن عادى وليا من أجل طاعته لله عز وجل. وأن أحب العبادة إلى الله أداء فرائضه. وأن من تقرب إلى الله بالنوافل أحبه، ونصره، وحفظه، وأجاب دعاءه، ورقاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فلا ينطق بما يسخط الله، ولا تحرك جوارحه في معاصي الله.


عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - عز وجل - قال: «إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة» . رواه البخاري.

----------------
معنى هذا الحديث: أن من تقرب إلى الله بشيء من الطاعات ولو قليلا قابله الله بأضعاف من الإثابة والإكرام، وكلما زاد في الطاعة زاده في الثواب، وأسرع برحمته وفضله.


عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ» . رواه. البخاري.

----------------
في هذا الحديث: أن من لم يعمل في فراغه وصحته فهو مغبون. قال الله تعالى: {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن} [التغابن (9) ] . وفي الحديث: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك» .


عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا» . متفق عليه، هذا لفظ البخاري. ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة.

----------------
في هذا الحديث: أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة، وإن أضر ذلك ببدنه إذا لم يفض به إلى الملل. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا» . وفيه: أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان


عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر. متفق عليه.
----------------
والمراد: العشر الأواخر من شهر رمضان. و «المئزر» : الإزار، وهو كناية عن اعتزال النساء. وقيل: المراد تشميره للعبادة، يقال: شددت لهذا الأمر مئزري: أي تشمرت وتفرغت له. في هذا الحديث: الجد والاجتهاد في العبادة، خصوصا في الأوقات الفاضلة، واغتنام صالح العمل في العشر الأواخر من رمضان؛ لأن فيها ليلة خير من ألف شهر.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان» . رواه مسلم.

----------------
المؤمن القوي، هو من يقوم بالأوامر ويترك النواهي بقوة ونشاط، ويصبر على مخالطة الناس ودعوتهم، ويصبر على أذاهم. وفي الحديث: الأمر بفعل الأسباب والاستعانة بالله. وفيه: التسليم لأمر الله، والرضا بقدر الله.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره» . متفق عليه.

----------------
وفي رواية لمسلم: «حفت» بدل «حجبت» وهو بمعناه: أي بينه وبينها هذا الحجاب فإذا فعله دخلها. في هذا الحديث: أن الجنة لا تنال إلا بالصبر على المكاره، وأن النار لا ينجى منها إلا بفطام النفس عن الشهوات المحرمة.


عن أبي عبد الله حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المئة، ثم مضى. فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا: إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم» فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ثم قام قياما طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد، فقال: «سبحان ربي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه. رواه مسلم.

----------------
في هذا الحديث: فضل تطويل صلاة الليل، قال الله تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} الزمر (9) ] .


عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة، فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء! قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه. متفق عليه.

----------------
في هذا الحديث: أنه ينبغي الأدب مع الأئمة، بأن لا يخالفوا بقول، ولا فعل مالم يكن حراما، فإن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السيء.


عن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله، ويبقى عمله» . متفق عليه.

----------------
في هذا الحديث: الحث على تحسين العمل ليكون أنيسه في قبره.


عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك» . رواه البخاري.

----------------
في هذا الحديث: الترغيب في قليل الخير وإن قل، والترهيب عن قليل الشر وإن قل. وأن الطاعة مقربة إلى الجنة، والمعصية مقربة إلى النار، قال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة (7، 8) ] في هذا الحديث: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يرفعه الله بها درجات، وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب.


عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أهل الصفة - رضي الله عنه -، قال: كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: «سلني» فقلت: اسألك مرافقتك في الجنة. فقال: «أو غير ذلك» ؟ قلت: هو ذاك، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» . رواه مسلم.

----------------
في هذا الحديث: الحث على الإكثار من الصلاة، وأنه يوجب القرب من الله تعالى، ومرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، وقد قال الله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [النساء (69) ] ، وقال تعالى: {واسجد واقترب} [العلق (19) ] .


عن أبي عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن ثوبان - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... «عليك بكثرة السجود؛ فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة» . رواه مسلم.

----------------
سبب رواية ثوبان لهذا الحديث: أن معدان بن طلحة قال: أتيت ثوبان فقلت: أخبرني بعمل أعمل به يدخلني الله به الجنة؟ - أو قال بأحب الأعمال إلى الله - فسكت، ثم سأله، فسكت، ثم سأله الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «عليك بكثرة السجود ... » . الحديث. وفي آخره: فلقيت أبا الدرداء فسألته، فقال لي مثل ما قال ثوبان.


عن أبي صفوان عبد الله بن بسر الأسلمي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خير الناس من طال عمره، وحسن عمله» . رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن» .

----------------
«بسر» بضم الباء وبالسين المهملة. في هذا الحديث: فضل طول العمر إذا أحسن فيه العمل. وفي بعض الروايات: «وشركم من طال عمره وساء عمله» .


عن أنس - رضي الله عنه -، قال: غاب عمي أنس بن النضر - رضي الله عنه - عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال: اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني: أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - - يعني: المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب الكعبة إني أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع! قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب (23) ] إلى آخرها. متفق عليه.

----------------
قوله: «ليرين الله» روي بضم الياء وكسر الراء: أي ليظهرن الله ذلك للناس، وروي بفتحهما ومعناه ظاهر، والله أعلم. في هذا الحديث: جواز الأخذ بالشدة في الجهاد وبذل المرء نفسه في طلب الشهادة، والوفاء بالعهد.


عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه - قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مراء، وجاء رجل آخر فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا! فنزلت: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم} [التوبة (79) ] . متفق عليه.

----------------
و «نحامل» بضم النون وبالحاء المهملة: أي يحمل أحدنا على ظهره بالأجرة ويتصدق بها. قوله: (لما نزلت آية الصدقة) قال الحافظ: كأنه يشير إلى قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} الآية [التوبة (103) ] . قوله: «وجاء رجل فتصدق بصاع» ، وكان تحصيله له بأن أجر نفسه على النزع من البئر بصاعين من تمر، فذهب بصاع لأهله وتصدق بالآخر. وفي هذا: أن العبد يتقرب إلى الله بجهده وطاقته، وحسب قدرته واستطاعته.






امانى يسرى محمد 20-02-2020 11:43 AM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
  • باب في بيان كثرة طرق الخير

    قال الله تعالى: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة (215) ] .
    ----------------
    فيجزيكم عليه.

    قال تعالى: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} [البقرة (197) ] .
    ----------------
    فلا يضيعه.

    قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} [الزلزلة (7) ] .
    ----------------
    يعني: يرى جزاءه في الآخرة. قال سعيد بن جبير: كان المسلمون يرون أنهم لا
    يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه، وكان آخرون يرون أن لا يلامون على
    الذنب اليسير: الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباهها. فنزلت: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة ] .

    قال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه} [الجاثية (15) ] . ***

    قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل (97) ] ***


    عن أبي ذر جندب بن جنادة -
    رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان
    بالله والجهاد في ... سبيله» . قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند
    أهلها وأكثرها ثمنا» . قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا أو تصنع لأخرق» .
    قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: ... «تكف شرك عن
    الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك» . متفق عليه.
    ----------------
    «الصانع» بالصاد المهملة هذا هو المشهور، وروي «ضائعا» بالمعجمة: أي ذا
    ضياع من فقر أو عيال ونحو ذلك، «والأخرق» : الذي لا يتقن ما يحاول فعله. في
    هذا الحديث: بيان كثرة طرق الخير، وأن الإنسان إذا عجز عن خصلة من خصال
    الخير قدر على الأخرى، فإذا عجز عن ذلك كف شره عن الناس. وما لا يدرك كله


    عن أبي ذر رضي الله عنه -:
    أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يصبح على كل سلامى من أحدكم
    صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة
    صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان
    يركعهما من الضحى» . رواه مسلم.
    ----------------
    «السلامى» بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل. قال في
    القاموس: المفاصل: مفاصل الأعضاء، الواحد منها كمنزل. والمفصل: كمنبر.
    اللسان. وفي هذا الحديث: فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف
    والنهي عن المنكر، وأن الصدقة تكون بغير المال من جميع أنواع فعل المعروف
    والإحسان. وفيه: فضل صلاة الضحى، وأنها تكفي من صدقات الأعضاء؛ لأن الصلاة
    عمل لجميع أعضاء الجسد، وتنهى عن الفحشاء والمنكر.

    عن أبي ذر رضي الله عنه قال
    : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها
    فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها
    النخاعة تكون في المسجد لا تدفن» . رواه مسلم.
    ----------------
    في هذا الحديث: التنبيه على فضل كل ما نفع الناس أو أزال عنهم ضررا. وأن
    القليل من الخير والشر مكتوب على العبد، قال الله تعالى: ... {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} ... [الزلزلة ] .

    عن أبي ذر رضي الله عنه: أن
    ناسا قالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي،
    ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما
    تصدقون به: إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل
    تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم
    صدقة» قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال:
    «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال
    كان له أجر» . رواه مسلم.
    ----------------
    «الدثور» بالثاء المثلثة: الأموال واحدها: دثر. في هذا الحديث: فضل
    التنافس في الخير، والحرص على العمل الصالح، وجبر خاطر من لا يقدر على
    الصدقة، ونحوها، وترغيبه فيما يقوم مقامها من التسبيح والتحميد والتهليل
    والتكبير. وفيه: أن فعل المباحات إذا قارنه بنية صالحة يؤجر عليه العبد.

    عن أبي ذر رضي الله عنه،
    قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو
    أن تلقى أخاك بوجه طليق» . رواه مسلم.
    ----------------
    في هذا الحديث: الحث على فعل المعروف قليلا كان أو كثيرا، بالمال، أو الخلق الحسن.

    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من غدا إلى المسجد أو ... راح،
    أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح» . متفق عليه.
    ----------------
    «النزل» : القوت والرزق وما يهيأ للضيف. في هذا الحديث: فضل المشي إلى صلاة الجماعة في المسجد.

    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا نساء المسلمات، لا
    تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» . متفق عليه.
    ----------------
    قال الجوهري: الفرسن من البعير كالحافر من الدابة قال: وربما استعير في
    الشاة. في هذا الحديث: الحث عى صلة الجارة ولو بظلف شاة، وفي معناه الحديث
    الآخر: «إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك»

    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع
    وستون شعبة: فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق،
    والحياء شعبة من الإيمان» . متفق عليه.
    ----------------
    «البضع» من ثلاثة إلى تسعة بكسر الباء وقد تفتح. و «الشعبة» : القطعة. شعب
    الإيمان: هي الأعمال الشرعية، وهي تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان،
    وأعمال البدن.

    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «بينما رجل يمشي بطريق
    اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل
    الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد
    بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر
    الله له، فغفر له» قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: «في
    كل كبد رطبة أجر» . متفق عليه.
    ----------------
    وفي رواية للبخاري: «فشكر الله له، فغفر له، فأدخله الجنة» وفي رواية
    لهما: «بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني
    إسرائيل، فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغفر لها ... به» . «الموق» :
    الخف. و «يطيف» : يدور حول «ركية» : وهي البئر. في هذا الحديث: فضل الإحسان
    إلى الحيوان، وأنه سبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة.

    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة
    في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين» . رواه مسلم.
    ----------------
    وفي رواية: «مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحين هذا عن
    المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة» . وفي رواية لهما: «بينما رجل يمشي بطريق
    وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له، فغفر له» . في هذا الحديث:
    فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضررا، وأن ذلك سبب للمغفرة ودخول
    الجنة.

    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من توضأ فأحسن الوضوء،
    ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام،
    ومن مس الحصا فقد لغا» . رواه مسلم.
    ----------------
    معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام: أن الحسنة بعشر
    أمثالها. وفي الحديث الآخر: إشارة إلى الحث على إقبال القلب والجوارح على
    الخطبة، واجتناب العبث.

    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا توضأ العبد المسلم، أو
    المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع
    آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع
    الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع
    الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب» . رواه مسلم.
    ----------------
    في هذا الحديث: فضل الوضوء، وأنه يمحو خطايا الجوارح ويكفر الذنوب.

    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلوات الخمس، والجمعة
    إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» . رواه
    مسلم.
    ----------------
    في هذا الحديث: سعة رحمة الله تعالى، وأن المدوامة على الفرائض تكفر الصغائر من الذنوب، وقال الله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} [النجم (32) ]


    .
    عن أبي هريرة - رضي الله
    عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلوات الخمس، والجمعة
    إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» . رواه
    مسلم.
    ----------------
    في هذا الحديث: سعة رحمة الله تعالى، وأن المدوامة على الفرائض تكفر الصغائر من الذنوب، وقال الله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} [النجم (32) ]

    .
    عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى البردين دخل الجنة» . متفق عليه.
    ----------------
    «البردان» : الصبح والعصر. وجه تخصيصهما بالذكر عن سائر الصلوات: أن وقت
    الصبح يكون عند لذة النوم، ووقت العصر يكون عند الاشتغال، وأن العبد إذا
    حافظ عليهما كان أشد محافظة على غيرهما.

    عن أبي موسى الأشعري - رضي
    الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو
    سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» . رواه البخاري.
    ----------------
    في هذا الحديث: عظيم فضل الله، وأن من كان له عمل دائم فتركه لعذر صحيح، أنه يكتب له مثل عمله.

    عن جابر - رضي الله عنه -
    قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل معروف صدقة» رواه.
    البخاري، ورواه مسلم من رواية حذيفة - رضي الله عنه -.
    ----------------
    في هذا الحديث: أن كل ما يفعل الإنسان من أعمال البر والخير فهوصدقة يثاب عليها.

    عن جابر - رضي الله عنه،
    قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان
    ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة»
    . رواه مسلم.
    ----------------
    وفي رواية له: «فلا يغرس المسلم غرسا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير
    إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة» . وفي رواية له: «لا يغرس مسلم غرسا، ولا
    يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء، إلا كانت له صدقة» . وروياه
    جميعا من رواية أنس - رضي الله عنه -. قوله: «يرزؤه» أي ينقصه. في هذا
    الحديث: سعة كرم الله تعالى، وأنه يثيب على ما بعد الحياة، كما يثيب عليه
    في الحياة، وأن ما أخذ من الإنسان بغير عمله فهو صدقة له.

    عن جابر - رضي الله عنه ،
    قال: أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله
    عليه وسلم -، فقال لهم: «إنه قد بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟»
    فقالوا: نعم، يا رسول الله قد أردنا ذلك. فقال: «بني سلمة، دياركم تكتب
    آثاركم، دياركم تكتب آثاركم» . رواه مسلم.
    ----------------
    في رواية: «إن بكل خطوة درجة» . رواه مسلم. ورواه البخاري أيضا بمعناه من
    رواية أنس - رضي الله عنه -. و «بنو سلمة» بكسر اللام: قبيلة معروفة من
    الأنصار - رضي الله عنهم -، و «آثارهم» : خطاهم.في هذا الحديث: أن المشي
    إلى المسجد من الحسنات التي تكتب لصاحبها. ويشهد له قوله تعالى: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} [يس (12) ] .

    عن أبي المنذر أبي بن كعب -
    رضي الله عنه -، قال: كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه، وكان لا
    تخطئه صلاة، فقيل له أو فقلت له: لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي
    الرمضاء؟ فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي
    ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال رسول الله - صلى الله عليه
    وسلم -: «قد جمع الله لك ذلك كله» . رواه مسلم.
    ----------------
    وفي رواية: «إن لك ما احتسبت» . «الرمضاء» : الأرض التي أصابها الحر
    الشديد. في هذا الحديث: دليل على فضل تكثير الخطا إلى الذهاب إلى المسجد،
    وأنه يكتب له أجر ذهابه إلى المسجد ورجوعه إلى أهله.

    عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» . متفق عليه.
    ----------------
    وفي رواية لهما عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم
    من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا
    ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا
    النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة» .
    في هذا الحديث: الحض على الزيادة من صالح العمل، والتقليل من سيء العمل،
    وأن الصدقة حجاب عن النار، ولو قلت بمال، أو كلام.

    عن أنس - رضي الله عنه -
    قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... «إن الله ليرضى عن العبد
    أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها» . رواه مسلم.

    ----------------
    و «الأكلة» بفتح الهمزة: وهي الغدوة أو العشوة. في هذا الحديث: بيان فضل
    الحمد عند الطعام والشراب، وهذا من كرم الله تعالى، فإنه الذي تفضل عليك
    بالرزق، ورضي عنك بالحمد.

    عن أبي موسى - رضي الله
    عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «على كل مسلم صدقة» قال:
    أرأيت إن لم يجد؟ قال: «يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق» قال: أرأيت إن لم
    يستطع؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» قال: أرأيت إن لم يستطع، قال: «يأمر
    بالمعروف أو الخير» قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: «يمسك عن الشر، فإنها
    صدقة» . متفق عليه.
    ----------------
    في هذا الحديث: الحث على اكتساب ما تدعو إليه حاجة الإنسان من طعام،
    وشراب، وملبس، ليصون به وجهه عن الناس، واكتساب ما يتصدق به ليحصل له
    الثواب الجزيل. وفيه: فضل إعانة المحتاج والمضطر، والله في عون العبد ما
    كان العبد في عون أخيه. وفيه: فضل الأمر بالمعروف والخير. وفيه: أن الإمساك
    عن الشر صدقة.

    https://akhawat.islamway.net/forum/a...ddb252bdb79310

امانى يسرى محمد 29-02-2020 05:12 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب المحافظة على الأعمال


قال الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم} [الحديد (16) ] .
----------------
قوله تعالى: {ألم يأن} ، يعني ألم يحن. قيل: نزلت في شأن الصحابة لما أكثروا المزاح.


قال تعالى: {وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الأنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} [الحديد (27) ] .
----------------
الرهبانية التي ابتدعوها: رفض النساء: واتخاذ الصوامع. وفيه: تنبيه على أن من أوجب على نفسه شيئا لزمه.


قال تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} [النحل (92) ] .
----------------
وهي امرأة حمقاء من أهل مكة، كانت تغزل طول يومها ثم تنقضه. قال الخازن: والمعنى: أن هذه المرأة لم تكف عن العمل، ولا حين عملت كفت عن النقض، فكذلك من نقص عهده لا تركه، ولا حين عاهد وفى به. انتهى. والآية عامة في كل من أبطل عمله.


قال تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر (99) ] .
----------------
أي: دم على عبادة ربك حتى يأيتك الموت.


عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة، قال: «من هذه؟» قالت: هذه فلانة تذكر من صلاتها. قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا» وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه. متفق عليه.
----------------
و «مه» : كلمة نهي وزجر. ومعنى «لا يمل الله» : لا يقطع ثوابه عنكم وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المال حتى تملوا فتتركوا، فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون الدوام عليه ليدوم ثوابه لكم وفضله عليكم. قال ابن الجوزي: إنما أحب العمل الدائم؛ لأن مداوم الخير ملازم للخدمة. وقال المصنف: بدوام القليل تستمر الطاعة، بالذكر، والمراقبة والإخلاص، والإقبال على الله.


عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل» . رواه مسلم
----------------
في هذا الحديث: دليل على أن كل ورد من قول أو فعل، يفوت الإنسان أنه يثبت له أجره إذا قضاه كاملا.


عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل» . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: استحباب الدوام على ما اعتاده المرء من خير، وكراهة قطع العبادة وإن لم تكن واجبة.


عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: دليل على مشروعية قضاء صلاة الليل، وكذلك سائر النوافل. وفي الحديث: «من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح، أو ذكر» رواه أبو داود.


باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى


وما يقوله من دعي إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهي عن منكر. قال الله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء 65]
----------------
أقسم سبحانه وتعالى أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما له وعليه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت ... به» .


قال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} [النور (51) ] .
----------------
يخبر تعالى أن قول المؤمنين إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله خلاف قول المنافقين، فإن المنافقين إذا دعوا إلى حكم الله ورسوله أعرضوا، وإن كان الحق لهم أتوا. وأما المؤمنون فيقولون: سمعنا وأطعنا سواء كان الحق لهم أو عليهم.
https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} الآية [البقرة (284) ] . اشتد ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والجهاد والصيام والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» [قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير] . فلما اقترأها القوم، وذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} [البقرة (285) ] فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل الله - عز وجل -: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: نعم {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال: نعم {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال: نعم {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: نعم. رواه مسلم.
----------------
قال السدي: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة (286) ] طاقتها وحديث النفس مما لا يطيقون. وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل» .



باب فيمن سن سنة حسنة أو سيئة​

قال الله تعالى: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} [الفرقان (74) ] .
----------------
أي: أئمة يقتدى بنا في الخير، ولنا نفع متعد إلى غيرنا.



قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} [الأنبياء (73) ] .
----------------
لما صبروا على أوامر الله ومصائبه، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.




عن أبي عمرو جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا في صدر ... النهار عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقال: « {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} إلى آخر الآية: {إن الله كان عليكم ... رقيبا} ، والآية الأخرى التي في آخر الحشر: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره - حتى قال - ولو بشق تمرة» فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلل كأنه مذهبة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «مجتابي النمار» هو بالجيم وبعد الألف باء موحدة، والنمار جمع نمرة وهي كساء من صوف مخطط. ومعنى «مجتابيها» ، أي: لابسيها قد خرقوها في رؤوسهم. و «الجوب» القطع، ومنه قوله تعالى: {وثمود الذين جابوا الصخر بالواد} أي نحتوه وقطعوه. وقوله: «تمعر» هو بالعين المهملة: أي تغير. وقوله: «رأيت كومين» بفتح الكاف وضمها: أي صبرتين. وقوله: «كأنه مذهبة» هو بالذال المعجمة وفتح الهاء والباء الموحدة قاله القاضي عياض وغيره وصحفه بعضهم، فقال: «مدهنة» بدال مهملة وضم الهاء وبالنون وكذا ضبطه الحميدي. والصحيح المشهور هو الأول. والمراد به على الوجهين: الصفاء والاستنارة. سبب تمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شدة احتياج هؤلاء مع عدم مواساة الأغنياء لهم، مما يدفع ضررهم، ولهذا استنار وجهه حين حصل ما يسد فاقتهم.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سن القتل» . متفق عليه.
----------------
ابن آدم المذكور: هو قابيل. والمقتول: هابيل. وهما المذكوران في قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق} الآيات [المائدة (27) ] .



باب التعاون على البر والتقوى

قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة (2) ] .

----------------
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالتعاون على الطاعات وترك المعاصي.

قال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر (1: 3) ] .

----------------
قال الإمام الشافعي - رحمه الله - كلاما معناه: إن الناس أو أكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة. صرح بكلام الشافعي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فقال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم. يعني أنها تضمنت أحوال الناس، فأخبر تعالى أن الناس كلهم في خسار إلا من آمن وعمل صالحا وصبر.



عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا» . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: أن من أعان على فعل خير كان له مثل أجر عامله

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل، فقال: «لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما» . رواه مسلم.


----------------
في هذا الحديث: دلالة على أن الغازي والخالف له بخير، أجرهما سواء

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي ركبا بالروحاء، فقال: «من القوم؟» قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: «رسول الله» ، فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر» . رواه مسلم.


----------------
في هذا الحديث: دليل على صحة حج الصبي وثبوت أجر وليه، ولا تجزيه عن حجة الإسلام.

عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به، أحد المتصدقين» . متفق عليه.


----------------
وفي رواية: «الذي يعطي ما أمر به» وضبطوا «المتصدقين» بفتح القاف مع كسر النون على التثنية، وعكسه على الجمع وكلاهما صحيح. نبه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «كاملا موفرا طيبة بها نفسه» . على ما هو الغالب على خزان المال من الطمع والعبوس والحسد، فمن فعل ذلك فهو أبخل البخلاء، ومن دفعه كاملا بغير تكدير فله أجر المعطي.

امانى يسرى محمد 01-03-2020 04:32 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



قال الله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران (104) ] .
----------------
المعروف: كل فعل يعرف حسنه بالشرع، والعقل، والمنكر ضد ذلك. قال ابن كثير: يقول تعالى: {ولتكن منكم أمة} ، منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال البغوي: والخير: الإسلام. قال في «جامع البيان» : أمة: جماعة يدعون الناس إلى الخير، إتباع القرآن وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر عطف الخاص على العام لشرفه؛ لأن الخير أعم.



قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران (110) ] .
----------------
أي: كنتم يا أمة محمد خير أمة أنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، فمن تحقق فيه هذا الوصف فهو من أفضل الأمة.


قال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف (199) ] .
----------------
أي: خذ العفو من أخلاق الناس كقبول أعذارهم، والمساهلة معهم، والصبر عليهم، {وأمر بالعرف} ، المعروف {وأعرض عن الجاهلين} . لا تقابل السفه بالسفه.


قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [التوبة (71) ] .
----------------
يخبر تعالى أن المؤمنين أنصار يتعاونون على العبادة، ويتبادرون إليها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ضد وصف المنافقين فإنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.


قال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة (78، 79) ] .
----------------
قال ابن عباس: لعنوا بكل لسان، لعنوا على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - في القرآن. وفي حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد المسيء، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم» .


قال تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف (29) ] .

----------------
أي: إذا بينت لكم الحق فلا أبالي بإيمان من آمن، وكفر من كفر.



قال تعالى: {فاصدع بما تؤمر} [الحجر (94) ] .
----------------
أي: اجهر بما أمرك الله بتبليغه.


قال تعالى: {أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [الأعراف (165) ] .
----------------
أول الآية: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء ... } الآية. نزلت في أصحاب السبت، وهي عامة في كل من فعل مثل فعلهم.

https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25


عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» . رواه مسلم.
----------------
هذا الحديث: دليل على وجوب تغيير المنكر بحسب القدرة. قال الإمام أحمد: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح. وقال: الناس محتاجون إلى مداراة ورفق، الأمر بالمعروف بلا غلطة، إلا رجل معلن بالفسق فلا حرمة له، وقال أيضا: يأمر بالرفق، فإن أسمعوه ما يكره لا يغضب، فيكون يريد أن ينتصر لنفسه.


عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» . رواه مسلم.
----------------
الحواريون: الأصفياء، الناصرون. وفي الحديث: دليل على تفاوت مراتب الإيمان، وأن عدم إنكار القلب دليل على ذهاب الإيمان منه، ولهذا قال ابن مسعود: هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف، وينكر المنكر. وفي سنن أبي داود: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها»


عن أبي الوليد عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم. متفق عليه.
----------------
«المنشط والمكره» بفتح ميميهما: أي في السهل والصعب. و «الأثرة» : الاختصاص بالمشترك وقد سبق بيانها. «بواحا» بفتح الباء الموحدة بعدها واو ثم ألف ثم حاء مهملة: أي ظاهرا لا يحتمل تأويلا. في هذا الحديث: دليل عل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإن جاروا، وأنه لا يجوز الخروج عليهم ما لم يظهروا كفرا واضحا لا يحتمل التأويل.


عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» . رواه البخاري.
----------------
«القائم في حدود الله تعالى» معناه: المنكر لها، القائم في دفعها وإزالتها، والمراد بالحدود: ما نهى الله عنه. «استهموا» : اقترعوا. في هذا الحديث: دليل على أن عقوبة المعاصي، تعم إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة} [الأنفال (25) ] .


عن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع» قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» . رواه مسلم.
----------------
معناه: من كره بقلبه ولم يستطع إنكارا بيد ولا لسان فقد برئ من الإثم، وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية ومن رضي بفعلهم وتابعهم فهو العاصي. في هذا الحديث: دليل على وجوب إنكار المنكر على حسب القدرة، ولا يجوز الخروج على ولاة الأمر، إلا إذا تركوا الصلاة، لأنها الفارقة بين الكفر والإسلام.


عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعا، يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» ، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث» . متفق عليه.
----------------
قال الحافظ: والمراد بالشر ما وقع بعده - صلى الله عليه وسلم - من قتل عثمان، ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة. والمراد بالردم: السد الذي بناه ذو القرنين. انتهى. وفي الحديث: بيان شؤم المعاصي والتحريض على إنكارها، وأنها إذا كثرت فقد يحصل الهلاك العام، وإن كثر الصالحون.


عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والجلوس في الطرقات!» فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه» . قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» . متفق عليه.
----------------
في هذ االحديث: استحباب ترك الجلوس في الطريق، وأن من جلس فعليه القيام، بما ذكر من غض البصر عما لا يحل، وكف الأذى بفعل أو قول، وإذا رأى ما يعجبه فليقل: ما شاء الله، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وورد في بعض الأحاديث زيادات على ما ذكر وجمعها بعض العلماء في أبيات فقال: جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق ... من قول خير الخلق إنسانا افش السلام وأحسن في الكلام وشمت ... ?? ... عاطسا وسلاما رد إحسانا ... ?? في العمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان اهد سبيلا، واهد حيرانا بالعرف أمر وانه عن منكر وكف أذى ... ?? ... وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا ... ??


عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: «يعمد أحدكم ... إلى جمرة من نار فيجعلها في يده!» ******فقيل للرجل بعدما ذهب ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: إزالة المنكر باليد للقادر عليه، وأن النهي عن خاتم الذهب للتحريم. وفيه: المبالغة في امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - واجتناب نهيه، ولهذا ترك الرجل أخذ الخاتم، وأخذه جائز للانتفاع به.


عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: «يعمد أحدكم ... إلى جمرة من نار فيجعلها في يده!» ******فقيل للرجل بعدما ذهب ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: إزالة المنكر باليد للقادر عليه، وأن النهي عن خاتم الذهب للتحريم. وفيه: المبالغة في امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - واجتناب نهيه، ولهذا ترك الرجل أخذ الخاتم، وأخذه جائز للانتفاع به.


عن حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
في هذا الحديث: أنه إذا لم ينكر المنكر عم شؤمه وبلاؤه بجور الولاة أو تسليط الأعداء، أو غير ذلك.

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن» . ***


عن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجلي الأحمسي - رضي الله عنه -: أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: «كلمة حق عند سلطان جائر» . رواه النسائي بإسناد صحيح.
----------------
«الغرز» بغين معجمة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم زاي: وهو ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب وقيل: لا يختص بجلد وخشب. إنما كان ذلك أفضل الجهاد لأنه يدل على كمال يقين فاعله، وقوة إيمانه، حيث تكلم بالحق عند هذا السلطان الجائر، ولم يخف من بطشه بل باع نفسه وقدم أمر الله.


عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض» ثم قال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} - إلى قوله - {فاسقون} [المائدة (78: 81) ] . ثم قال: «كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان متكئا، فقال: «لا، والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا» . قوله: «تأطروهم» : أي تعطفوهم. «ولتقصرنه» : أي لتحبسنه. هؤلاء الملعون جمعوا بين فعل المنكر والتجاهر به. وفي الحديث: وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنهي عن مجالسة أهل المعاصي.


عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس، إنكم لتقرؤون هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة (105) ] . وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» . رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة.
----------------
معناه: أنكم تقرؤون هذه الآية وتتوهمون أن من فعل ما أمر به وترك ما نهي عنه في نفسه أن لا حرج عليه في عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يجب كما في الحديث الآخر: «يا أيها الناس، مروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك نفسك، ودع عنك العوام»


امانى يسرى محمد 05-03-2020 05:00 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب الأمر بأداء الأمانة )
قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} ... [النساء (58) ] .
----------------
سبب نزول هذه الآية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة، وهي عامة في كل الأمانات. وقال ابن عباس وغيره: نزلت في الأمراء وأن يؤدوا الأمانة فيما ائتمنهم الله من أمر رعيته.

قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} [الأحزاب (72) ] .

----------------
قال ابن عباس: الأمانة: الفرائض التي افترضها الله على العباد. وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ... } قال: فلما عرضت على آدم، قال: أي رب وما الأمانة؟ ! قال: قيل: إن أديتها جزيت، وإن ضيعتها عوقبت. قال: أي رب حملتها بما فيها؟ قال: فما مكث في الحنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس، حتى عمل بالمعصية فأخرج منها.


https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25


عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» . متفق عليه.

----------------
وفي رواية: «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم» . الحديث: دليل على أن هذه الخصال من علامات النفاق. وفي حديث عبد الله بن عمرو: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر» .

عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة، فقال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرا وليس فيه شيء» ثم أخذ حصاة فدحرجه على رجله «فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» . ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت: لئن كان مسلما ليردنه علي دينه، وإن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا» . متفق عليه.
----------------
قوله: «جذر» بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة: وهو أصل الشيء و «الوكت» بالتاء المثناة من فوق: الأثر اليسير. و «المجل» بفتح الميم وإسكان الجيم: وهو تنفط في اليد ونحوها من أثر عمل وغيره. قوله: «منتبرا» : مرتفعا. قوله: «ساعيه» : الوالي عليه. يعني: أن الأمانة نزلت في القلوب بالفطرة، ثم نزل القرآن شفاء من الجهل، نور على نور، وقول حذيفة: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين - يعني: في الأمانة -، وهذا أحدهما. والثاني قوله: ثم حدثنا عن رفع الأمانة، ولا تقبض الأمانة إلا بسوء العمل. قال الله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد (11) ] .

عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم صلوات الله عليه، فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! لست بصاحب ... ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيأتون إبراهيم فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما. فيأتون موسى، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق» قلت: بأبي وأمي، أي شيء كمر البرق؟ قال: «ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عين، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وأشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط، يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل لا يستطيع السير إلا زحفا، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكردس في النار» والذي نفس أبي هريرة بيده، إن قعر جهنم لسبعون خريفا. رواه مسلم.
----------------
قوله: «وراء وراء» هو بالفتح فيهما. وقيل: بالضم بلا تنوين ومعناه: لست بتلك الدرجة الرفيعة، وهي كلمة تذكر على سبيل التواضع. وقد بسطت معناها في شرح صحيح مسلم، والله أعلم. هذا حديث جليل القدر، مشتمل على فوائد كثيرة، والشاهد من الحديث للترجمة قوله: " وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط ". وذلك لعظم أمرهما وكبر موقعهما، فمن أدى الأمانة ووصل الرحم نجا.

عن أبي خبيب - بضم الخاء المعجمة - عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بني، إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما، وإن من أكبر همي لديني، أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئا؟ ثم قال: يا بني، بع ما لنا واقض ديني، وأوصى بالثلث وثلثه لبنيه، يعني لبني عبد الله بن الزبير ثلث الثلث. قال: فإن فضل من مالنا بعد قضاء الدين شيء فثلثه لبنيك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيب وعباد، وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني، إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى ... قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه. قال: فقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين، منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال: وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال، فيستودعه إياه، فيقول الزبير: لا، ولكن هو سلف إني أخشى عليه الضيعة. وما ولي إمارة قط ولا جباية، ولا خراجا، ولا شيئا إلا أن يكون في غزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو مع أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، قال عبد الله: فحسبت ما كان عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومئتي ألف ‍! فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير، فقال: يا ابن أخي، كم على أخي من الدين؟ فكتمته وقلت: مئة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع هذه. فقال عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومئة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمئة ألف، ثم قام فقال: من كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة، فأتاه عبد الله بن جعفر، وكان له على الزبير أربعمئة ألف، فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم؟ قال عبد الله: لا، قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن إخرتم، فقال عبد الله: لا، قال: فاقطعوا لي قطعة، قال عبد الله: لك من ها هنا إلى ها هنا. فباع ... عبد الله منها فقضى عنه دينه وأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان، والمنذر بن الزبير، وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قومت الغابة؟ قال: كل سهم بمئة ألف، قال: كم بقي منها؟ قال: أربعة أسهم ونصف، فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت منها سهما بمئة ألف، قال عمرو بن عثمان: قد أخذت منها سهما بمئة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمئة ألف، فقال معاوية: كم بقي منها؟ قال: سهم ونصف سهم، قال: قد أخذته بخمسين ومئة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمئة ألف. فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه، قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا، قال: والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه. فجعل كل سنة ينادي في الموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ودفع الثلث. وكان للزبير أربع نسوة، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومئتا ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومئتا ألف. رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: دليل على عظم الأمانة، وأن من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، وأن من استعان بالله أعانه.


امانى يسرى محمد 09-03-2020 04:59 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم

قال الله تعالى: {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} ... [الحج (30) ] .


----------------
تعظيم حرمات الله، ترك ما نهى الله عنه.

قال تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج (32) ] .

----------------
شعائر الله: الهدايا، وفرائض الحج ومواضع نسكه، والآية عامة في جميع شعائر الدين.


قال تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر (88) ] .
----------------
أي: ألن جانبك، وتواضع لهم وارفق بهم.


قال تعالى: {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} [المائدة (32) ] .

----------------
قوله: {بغير نفس} ، أي: توجب القصاص. {أو فساد في الأرض} ، كالشرك، وقطع الطرق. وثبت بالسنة رجم الزاني المحصن، وقتل تارك الصلاة {ومن أحياها} ، أي: تسبب لبقاء حياتها بعفو، أو منع عن القتل، أو استنقاذ {فكأنما قتل الناس جميعا} . وفيه: تعظيم إثم قاتل النفس وتعظيم أجر من أحياها.


https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25

عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه. متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: الحض على معاونة المؤمن ونصرته، قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة (2) ] .


عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من مر في شيء من مساجدنا، أو أسواقنا، ومعه نبل فليمسك، أو ليقبض على نصالها بكفه؛ أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء» . متفق عليه.

----------------
في هذا الحديث: الأمر بالقبض على نصال النبل، ومثله جفر السيف والسكين والحربة، ونحو ذلك. وأخذ الرصاصة من البندق والفرد مخافة أن يصيب أحدا.


عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضا.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «من لا يرحم لا يرحم!» . متفق عليه.


عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: «نعم» قالوا: لكنا والله ما نقبل! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة» ! . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: الشفقة على الأولاد، وتقبيلهم ورحمتهم.


عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» . متفق عليه.
----------------
خص الناس بالرحمة، اهتماما بهم وإلا فالرحمة مطلوبة لسائر الحيوانات قال - صلى الله عليه وسلم -: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» .


عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء» . متفق عليه.
----------------

وفي رواية: «وذا الحاجة» . التخفيف والتطويل من الأمور الإضافية يرجع إلى فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا حجة فيه للنقارين.


عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته، كما ترك الخروج في الليلة الرابعة من رمضان حتى طلع الفجر، وقال: «ما منعني إلا خشية أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» .

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل؟ قال: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» . متفق عليه.
----------------
معناه: يجعل في قوة من أكل وشرب. في هذا الحديث: النهي عن الوصال شفقة بهم. وفي الحديث الآخر: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» .

عن أبي قتادة الحارث بن ربعي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأقوم إلى الصلاة، وأريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه» . رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: شفقته - صلى الله عليه وسلم -، ومرعاة أحوال الكبير منهم والصغير.

عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم» . رواه مسلم.
----------------
ذمة الله: أمانه وعهده. وفي رواية: «من صلى صلاة الصبح في جماعة» . وكأنها خصت بذلك، لأنها أول النهار الذي هو وقت ابتداء انتشار الناس في حوائجهم. وفي الحديث: وعيد شديد لمن تعرض للمصلين بسوء.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: حض المسلمين على التعاون، وشفقة بعضهم على بعض، وترك ظلمهم، وقضاء حوائجهم، وتفريج كرباتهم، وستر عوراتهم وإدخال السرور عليهم. وفي بعض الآثار: (الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أرفقهم لعياله) .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» . رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن» .
----------------
في هذا الحديث: تحريم دم المسلم وماله، وعرضه، وتحريم خذلانه وخيانته وحقرانه، وأن يحدثه كذبا. وفيه: أن التقوى في القلب.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» . رواه مسلم.
----------------
«النجش» : أن يزيد في ثمن سلعة ينادى عليها في السوق ونحوه، ولا رغبة له في شرائها بل يقصد أن يغر غيره، وهذا حرام. و «التدابر» : أن يعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر. في هذا الحديث: تحريم الحسد وهو تمني زوال نعمة المحسود. والحسد اعتراض على الله تعالى في فعله. وفيه: تحريم النجش؛ لأنه غش وخداع. وفيه: النهي عن التباغض والتدابر، والنهي عن البيع على البيع، ومثله الشراء على الشراء، بغير إذنه في زمن الخيار؛ لأن ذلك من دواعي النفرة والتباغض. وفيه: أن التقوى إنما تحصل بما يقع في القلب من خشية الله ومراقبته.عن أنس - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: «تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره» . رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: من وجيز البلاغة، ومعناه: أن الظالم مظلوم في نفسه؛ لأنه ظلم نفسه بعدم ردعها عن الظلم، فوجب نصره لذلك. .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس» . متفق عليه.
----------------

وفي رواية لمسلم: «حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه» . في هذا الحديث: بيان حق المسلم على المسلم، فمنها: واجب، ومنها: مندوب. ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، والله أعلم.

امانى يسرى محمد 12-03-2020 07:27 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب قضاء حوائج المسلمين )

قال الله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج (77) ] .



----------------

هذه الآية عامة في جميع أفعال الخير البدنية، والمالية، وغيرها كصلة الأرحام ومكارم الأخلاق، أي: افعلوا كل ذلك راجين الفلاح من فضل الله.



https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25




عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» . متفق عليه.

----------------

في هذا الحديث: النهي عن ظلم المسلم وإهانته. وفيه: فضل قضاء حاجته، وتفريج كربته، وستر عورته. وفيه: أن الله يعامل العبد بما يعامل به الخلق، كما في الحديث المشهور: «الراحمون يرحمهم الله الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في ... السماء» .



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» . رواه مسلم.


----------------
هذا حديث عظيم، جليل، جامع لأنواع من العلوم، والقواعد، والآداب، والفضائل، والفوائد، والأحكام. وفيه: إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل. وفيه: فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم، أو مال أو نصح أو دلالة على خير، وفضل التيسير على المعسر. وفيه: فضل إعانة المسلم بما يقدر عليه؟ وفيه: فضل العلم الديني، وأنه سبب لدخول الجنة. وفيه: فضل الاجتماع على مدارسة القرآن خصوصا في المساجد.

.........................


  • ( باب الإصلاح بين الناس )


    قال الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء (114) ] .
    ----------------
    المعروف: كل ما يستحسنه الشرع. وخص الإصلاح لشرفه. قال الواحدي: هذا مما حث عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لأبي أيوب الأنصاري: «ألا أدلك على صدقة هي خير لك من حمر النعم» . قال: نعم يا رسول الله. قال: «تصلح بين الناس إذا فسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا» .



    قال تعالى: {والصلح خير} [النساء (128) ] .
    ----------------
    أي: من الفرقة. وهذه الآية نزلت في الصلح بين المرأة وزوجها، وهي عامة في كل شيء فيه خصومة ونزاع


    قال تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال (1) ] .
    ----------------
    هذه الآية نزلت حين اختلف الصحابة في غنائم بدر. وهي عامة في كل ما يقع فيه النزاع والاختلاف الذي يورث الشحناء؛ لأن فساد ذات البين مضرة بالدين والدنيا.



    قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} ... [الحجرات (10) ] .
    ----------------
    هذه الآية نزلت حين اقتتل بعض الصحابة بالسعف والنعال، ثم أخذوا السلاح، فأصلح بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهي عامة في كل نزاع يقع بين المسلمين.
    https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25



    عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة» . متفق عليه.
    ----------------
    ومعنى «تعدل بينهما» : تصلح بينهما بالعدل. السلامى: عظام البدن ومفاصله. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خلق الإنسان على ستين وثلاثمئة مفصل» . وفي الحديث: تجديد هذه الصدقات كل يوم شكرا لله تعالى على ما أنعم به من العافية. وفي الحديث الآخر: «إن الصدقة تدفع البلاء» .



    عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا» . متفق عليه.
    ----------------
    وفي رواية مسلم زيادة، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. في هذا الحديث: دليل على جواز الكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس في ذلك، وجواز الكذب على المرأة بما لا يبطل حقها، كأن يقول: أنت كذا وكذا، وأنا أحبك، ونحو ذلك. والتورية أحسن، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد غزوة ورى بغيرها.



    عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟» ، فقال: أنا يا رسول الله، فله أي ذلك أحب. متفق عليه.
    ----------------
    معنى «يستوضعه» : يسأله أن يضع عنه بعض دينه. «ويسترفقه» : يسأله الرفق. «والمتألي» : الحالف. قوله: (فله، أي: ذلك أحب) . وفي رواية لابن حبان: «إن شئت وضعت ما نقصوا، وإن شئت من رأس المال» . فوضع ما نقصوا. وفي أول الحديث دخلت امرأة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني ابتعت أنا وابني من فلان تمرا فأحصيناه. (والذي أكرمك بالحق ما أحصينا منه إلا ما نأكله في بطوننا، أو نطعمه مسكينا، وجئنا نستوضعه ما نقصنا ... ) الحديث. قال الحافظ: وهي غير قصة كعب بن مالك وخصمه عبد الله بن أبي حدرد. وفي الحديث: الحض على الرفق بالغريم، والإحسان إليه بالوضع، والزجر عن الحلف على ترك الخير. وفيه: الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللفظ ورفع الصوت.



    عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلح بينهم في أناس معه، فحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنهما، فقال: يا أبا بكر، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حبس وحانت الصلاة فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم، إن شئت، فأقام بلال الصلاة، وتقدم أبو بكر فكبر وكبر الناس، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي في الصفوف حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيق، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس في التصفيق التفت، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع أبو بكر - رضي الله عنه - يده فحمد الله، ورجع القهقرى وراءه حتى قام في الصف، فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى للناس، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: «أيها الناس، ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟! إنما التصفيق للنساء. من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول: سبحان الله، إلا التفت. يا أبا بكر: ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك؟» ، فقال أبو بكر: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بالناس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه.
    ----------------
    معنى «حبس» : أمسكوه ليضيفوه. في هذا الحديث: السعي في الإصلاح بين الناس، وجواز الصلاة بإمامين، وجواز الالتفات للحاجة.



امانى يسرى محمد 13-03-2020 04:01 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
(باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين )


قال الله تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر (88) ] .


----------------
أي: لين جانبك. وهذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - محرضا له على مكارم الأخلاق، ومحاسنها، وهو عام لجميع أمته. قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الأحزاب (21) ] .
قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} [الكهف (28) ] .
----------------

أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحبس نفسه مع الذين يعبدون الله في سائر الأوقات، وأن لا يجاوزهم ناظرا إلى غيرهم من ذوي الهيئات.

قال تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر} [الضحى (9) ] .
----------------
أي: لا تغلبه بالظلم، وكن له كالأب الرحيم.

قال تعالى: {وأما السائل فلا تنهر} [الضحى (10) ] .
----------------
أي: لا تزجره، ولكن أعطه، أو رده ردا جميلا.

قال تعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين} [الماعون (1: 3) ] .
----------------
الاستفهام للتعجب من المكذب بالجزاء والبعث. قوله: {يدع اليتيم} ، أي: يدفعه دفعا عنيفا، ولا يحض أهله وغيرهم. على طعام المسكين.


https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود. ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه، فأنزل الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} ... [الأنعام (52) ] . رواه مسلم.


----------------
في بعض كتب التفسير أنهم لما عرضوا ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له: اجعل لنا يوما ولهم يوما، فهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأنزل الله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الأنعام (52) ] ، فنهاه عن طردهم ووصفهم أحسن أوصافهم، وأمر بأن يصبر نفسه معهم فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رآهم يقول: «مرحبا بالذين عاتبني الله فيهم» . وإذا جالسهم لم يقم عنهم، حتى يكونوا هم الذين يبدأون بالقيام.

عن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان ... - رضي الله عنه - أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر - رضي الله عنه - أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره، فقال: «يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك» فأتاهم فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي. رواه مسلم.
----------------
قوله: «مأخذها» أي: لم تستوف حقها منه. وقوله: «يا أخي» : روي بفتح الهمزة وكسر الخاء وتخفيف الياء، وروي بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياء. كان إتيان أبي سفيان المدينة، وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية، وقول أبي بكر تألفا لأبي سفيان. وفي هذا الحديث: احترام الصالحين واتقاء ما يؤذيهم أو يغضبهم.

عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» . وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما. رواه البخاري.
----------------
و «كافل اليتيم» : الق*ائم بأموره. قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به، فيكون رفيق النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة» . وأشار الر اوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى. رواه مسلم.
----------------
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «اليتيم له أو لغيره» معناه: قريبه، أو الأجنبي منه، فالقريب مثل أن تكفله أمه أو جده أو أخوه أو غيرهم من قرابته، والله أعلم. قال النووي: هذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه، أو مال اليتيم، بولاية شرعية.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية في الصحيحين: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس» . أي: ليس المسكين الممدوح من المساكين، الأحق بالصدقة والأحوج بها سوى المتعفف. قال الخطابي: إنما نفى - صلى الله عليه وسلم - المسكنة عن السائل الطواف، لأنه تأتيه الكفاية، وقد تأتيه الزكاة فتزول خصاصته، وإنما تدوم الحاجة فيمن لا يسأل ولا يعطى.

عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله» وأحسبه قال: «وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر» . متفق عليه. الأرملة: المرأة التي لا وزج لها. والأرامل: المساكين من رجال ونساء، والساعي عليهما، وهو المكتسب لهما بما يمونهما به.

عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «شر الطعام طعام الوليمة، يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» . رواه مسلم.
----------------
وفي رواية في الصحيحين، عن أبي هريرة من قوله: «بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء» . الوليمة: الطعام المتخذ للعرس، وتقع على كل دعوة تتخذ لسرور حادث، كختان ونحوه. وفي الحديث: مراعاة الفقراء، والتلطف بهم، وإجابة الداعي. .

عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين» وضم أصابعه. رواه مسلم.
----------------
«جاريتين» أي: بنتين. في هذا الحديث: الثواب العظيم لمن قام على البنات بالمؤونة والتربية حتى يتزوجن.. وكذلك الأخوات.

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها، تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا، فأخبرته فقال: «من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له سترا من النار» . متفق عليه.
----------------
قال القرطبي: يفيد هذا الحديث بعمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات، فإذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على الستر السبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنة كما في الحديث السابق.

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: فضل الإثيار على النفس، ورحمة الصغار، ومزيد الإحسان والرفق بالبنات وأن ذلك سبب لدخول الجنة والعتق من النار.

عن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة» . حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد.
----------------
ومعنى «أحرج» : ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا. أنما حرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حق اليتيم والمرأة، لأنهما لا قوة لهما ولا ملجأ إلا إلى الله تعالى.

عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قال: رأى سعد أن له فضلا على من دونه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» . رواه البخاري هكذا مرسلا،
----------------
فإن مصعب بن سعد تابعي، ورواه الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلا عن مصعب عن أبيه - رضي الله عنه -. قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة، لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا.


عن أبي الدرداء عويمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون، بضعفائكم» . رواه أبو داود بإسناد جيد.
----------------
الضعفاء: صعاليك المسلمين، أي ائتوا بهم لأستعين بهم. وفي رواية:: «ابغوني في الضعفاء» . وفي أحاديث الباب: الانقطاع إلى الله سبحانه وإعانة الفقراء، وإغاثة المنقطعين وعدم رؤية النفس، والحذر من التعرض لإيذاء أحد من الضعفاء

امانى يسرى محمد 19-03-2020 05:39 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب حق الزوج على المرأة )

قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله} ... [النساء (34) ] .
----------------
يخبر تعالى أن الرجال قوامون على النساء، قيام الولاة على الرعايا بما فضلهم الله به عليهن من كمال العقل، والدين والقوة، وبما أعطوهن من المهر والنفقة. ثم أخبر أن الصالحات منهن مطيعات لله، ولأزواجهن، حافظات لفروجهن. وفيه: «فحقكم عليهن: أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون» .


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه» . متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
----------------
لا يجوز للمرأة أن تصوم نفلا إلا بإذن زوجها، وكذلك قضاء رمضان إذا لم يضق الوقت، قالت عائشة: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان للشغل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -)


عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» . متفق عليه.
----------------
الراعي: هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه، ومسؤول هل قام بما يجب لرعيته أو لا؟


عن أبي علي طلق بن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور» . رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح) .
----------------
الحديث: دليل على وجوب طاعة الزوج وتقديمه على شغلها.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
فيه: دليل على تعظيم حق الزوج على المرأة وسبب هذا الحديث ما رواه أبو داود عن قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له. قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت رسول الله أحق أن يسجد لك، قال: «أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد لي» ، فقال: لا. قال: «فلا تفعلوا، لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» .


عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيما امرأة ماتت، وزوجها عنها راض دخلت الجنة» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
فيه: الحث على سعي المرأة فيما يرضي زوجها، وتجنب ما يسخطه لتفوز بالجنة.


عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله *! فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
الدخيل: الضيف والنزيل؛ وعبرت بذلك لأن مدة المقام بالدنيا وإن طالت فهي يسيرة بالنظر إلى الآخرة التي لا أمد لها.


عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» . متفق عليه.
----------------
فيه: دليل على أن الافتتان بالنساء أشد من سائر الشهوات، لعدم الاستغناء عنهن، وقد يحمل حبهن على تعاطي ما لا يحل للرجل وترك ما ينفعه في أمور دينه ودنياه


امانى يسرى محمد 24-03-2020 12:24 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد )

قال الله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران (92) ] .
----------------
يقول تعالى: لن تنالوا كمال الخير الذي يسرع بكم إلى دخول الجنة حتى تنفقوا مما تحبون من أموالكم. وقال عطاء: {لن تنالوا البر} ، أي: شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحاء أشحاء.

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة (267) ] .
----------------
قال ابن عباس: أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وهو خبيثه، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة - رضي الله عنه - أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إن الله تعالى أنزل عليك: ... {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب مالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها، وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» ، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه، وبني عمه. متفق عليه.
----------------
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مال رابح» ، روي في الصحيحين «رابح» و «رايح» بالباء الموحدة وبالياء المثناة، أي: رايح عليك نفعه، و «بيرحاء» : حديقة نخل، وروي بكسر الباء وفتحها. في هذا الحديث: دليل على فضل إنفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب، وأن النفقة عليهم أفضل من الأجانب. وفيه: جواز دخول أهل الفضل للحوائط والبساتين، والاستظلال بظلها، والأكل من ثمرها، والراحة، والتنزه، إذا علم رضا المالك.





امانى يسرى محمد 27-03-2020 05:00 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب حق الجار والوصية به)
قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} [النساء (36) ] .
----------------
يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له، والإحسان بالوالدين، والأقارب، والأيتام والمساكين، والجيران، وهم ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق: وهو الجار المسلم القريب. وجار له حقان: حق الجوار، وحق الإسلام. وجار له حق الجوار: وهو الكافر. والصاحب بالجنب: قيل: المرأة. وقيل الرفيق في السفر. وقيل: الذي يصحبك رجاء نفعك. والآية تعم الجميع، وابن السبيل: المسافر، والضيف، وما ملكت أيمانكم: يعني العبيد، والإماء. ثم قال تعالى بعد ما ذكر من الحقوق: {إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} [النساء (36) ] . لأن المتكبر يمنع الحق. قال أبو رجاء: لا تجد سييء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا.
قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} [النساء (36) ] .
----------------
يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له، والإحسان بالوالدين، والأقارب، والأيتام والمساكين، والجيران، وهم ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق: وهو الجار المسلم القريب. وجار له حقان: حق الجوار، وحق الإسلام. وجار له حق الجوار: وهو الكافر. والصاحب بالجنب: قيل: المرأة. وقيل الرفيق في السفر. وقيل: الذي يصحبك رجاء نفعك. والآية تعم الجميع، وابن السبيل: المسافر، والضيف، وما ملكت أيمانكم: يعني العبيد، والإماء. ثم قال تعالى بعد ما ذكر من الحقوق: {إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} [النساء (36) ] . لأن المتكبر يمنع الحق. قال أبو رجاء: لا تجد سييء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا.

عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» . متفق عليه.
----------------
في هذا تعظيم حق الجار، والاعتناء به، والاهتمام بشأنه.

عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» . رواه مسلم.
----------------
وفي رواية له عن أبي ذر، قال: إن خليلي - صلى الله عليه وسلم - أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» . الأمر بإكثار ماء المرقة ليكثر الائتدام بها. وفي الحديث: الحض على تعاهد الجيران ولو بالقليل، لما يترتب على ذلك من المحبة والألفة، ولما يحصل به من المنفعة ودفع المفسدة، لأن الجار قد يتزوج القتار فيتحرى لهدية جاره.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن!» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه!» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» . «البوائق» : الغوائل والشرور. في هذا الحديث: وعيد شديد لمن أخاف جاره أو خادعه على أهله أو ماله.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» . متفق عليه.
----------------
فيه: الحث على فعل المعروف بين الجيران وإن قل.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» ، ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين! والله لأرمين بها بين أكتافكم. متفق عليه.
----------------
روي «خشبه» بالإضافة والجمع. وروي «خشبة» بالتنوين على الإفراد. وقوله: ما لي أراكم عنها معرضين: يعني عن هذه السنة. في هذا الحديث: النهي عن المشاحنة بين الجيران وندبهم إلى التساهل والتسامح فيما ينفع الجار من وضع خشب وإجراء ماء. ونحو ذلك مما ينفع الجار، ولا يضر بالمالك.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليسكت» . متفق عليه. ***

عن أبي شريح الخزاعي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليسكت» . رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاري بعضه.
----------------
هذا الحديث: من قواعد الإسلام، لأن جميع آداب الخير تتفرع منه وآكدها حق الجوار.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا» . رواه البخاري.
----------------
فيه: دليل على تقديم الأقرب من الجيران بابا على الأبعد منهم.

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
فيه: الحث على الإحسان إلى الجيران، وكف الأذى عنهم والانبساط إليهم.

امانى يسرى محمد 03-04-2020 07:39 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم )

قال الله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد (22، 23) ] .
----------------
يقول تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم} ، أي: فلعلكم إن توليتم، أي: أعرضتم عن الدين، وفارقتم أحكام القرآن أن تفسدوا في الأرض بالمعصية، والبغي، وسفك الدماء، وتقطعوا أرحامكم. قال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام، وقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن، أولئك الذين لعنهم الله، فأصمهم، وأعمى أبصارهم عن الحق، وهذا نهي من الله تعالى عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا.
قال تعالى: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} [الرعد (25) ] .
----------------
لما ذكر تعالى السعداء الذين يوفون بعهد الله، ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ذكر الأشقياء الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وهي عامة في الرحم وغيرها من أمور الدين، ويفسدون في الأرض بالمعاصي أولئك لهم اللعنة، ولهم سوء الدار.

قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء (23، 24) ] .
----------------
في هذه الآية الكريمة: الأمر ببر الوالدين، والنهي عن عقوقهما، والأدب في ذلك.

عن أبي بكرة نفيع بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» - ثلاثا - قلنا: بلى، يا رسول الله! قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» ، وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور» . فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه.
----------------
الذنوب: فيها صغائر وكبائر. فالكبيرة: ما توعد صاحبها بغضب أو لعنة أو نار. قوله: (وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور» . سبب الاهتمام به، سهولة وقوع الناس فيه، وتهاونهم به، والحوامل عليه كثيرة من العداوة والحسد وغير ذلك؛ ولأن مفسدته متعدية إلى الغير. وأما الشرك فإنه ينبو عنه القلب السليم، والعقوق يصرف عنه الطبع. وقوله: (حتى قلنا: ليته يسكت) ، أي: شفقة عليه.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس» . رواه البخاري.
----------------
«اليمين الغموس» : التي يحلفها كاذبا عامدا، سميت غموسا؛ لأنها تغمس الحالف في الإثم. الاقتصار على هذه الأربع لكونها أعظم الكبائر إثما، وأشدها جرما، ومن ذلك السبع الموبقات.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه» . قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: «نعم، يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه!» ، قيل: يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: «يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه» . قوله: (هل يشتم الرجل والديه؟) استفهام استبعاد أن يصدر ذلك من ذي دين أو عقل، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك يقع بالتسبب في سبهما.

عن أبي محمد جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة قاطع» . قال سفيان في روايته: يعني: قاطع رحم. متفق عليه.
----------------
فيه: وعيد شديد لمن قطع رحمه. وفيه: عظم إثم قاطع الرحم.

عن أبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى حرم عليكم: عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» . متفق عليه.
----------------
قوله: «منعا» معناه: منع ما وجب عليه، و «هات» : طلب ما ليس له. و «وأد البنات» معناه: دفنهن في الحياة، و «قيل وقال» معناه: الحديث بكل ما يسمعه، فيقول: قيل كذا، وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته، ولا يظنها، وكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. و «إضاعة المال» : تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا، وترك حفظه مع إمكان الحفظ. و «كثرة السؤال» : الإلحاح فيما لا حاجة إليه. اقتصر في الحديث على عقوق الأمهات، مع تحريم عقوق الآباء أيضا، لأن الاستخفاف بهن أكثر لضعفهن وعجزهن، وينبه على تقديم برهن على بر الأب في التلطف ونحو ذلك. ومنعا وهات: أي: منع ما أمر بإعطائه وطلب ما لا يستحق. وفي الباب أحاديث سبقت في الباب قبله كحديث: «وأقطع من قطعك» ، وحديث: «من قطعني قطعه الله» . قوله: (وفي الباب) ، أي: في تحريم العقوق والقطيعة أحاديث كثيرة تدل على تحريم عقوق الوالدين وقطيعة الرحم.

امانى يسرى محمد 06-04-2020 05:21 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
(باب إكرام أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)

قال الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب (33)
----------------
هذه الآية نزلت في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يدل عليه السياق. والرجس: الذنب المدنس للعرض وهو الإثم. وأما ذريته فيدخلون من باب أولى، كما في حديث واثلة بن الأسقع: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علي، وحسن، وحسين رضي الله عنهم آخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة رضي الله عنهما وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه، ثم تلا هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} ، وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق ... » . رواه أحمد.

قال تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} ... [الحج (32) ] .
----------------
سبب نزول هذه الآية في الهدايا وفرائض الحج، وهي عامة في جميع شعائر الدين.





عن يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم - رضي الله عنهم - فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما حدثتكم، فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه. ثم قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» ، فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. رواه مسلم.
----------------
وفي رواية: «ألا وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة» . في هذا الحديث: الحث على التمسك بالقرآن والتحريض على العمل به والاعتصام به. وفيه: تأكيد الوصاية بأهل البيت، والعناية بشأنهم وإكرامهم.





عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - موقوفا عليه - أنه قال: ارقبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته. رواه البخاري.
----------------
معنى «ارقبوه» : راعوه واحترموه وأكرموه، والله أعلم. في أثر أبي بكر رضي الله عنه دليل على معرفة الصحابة رضي الله عنهم بحق أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوقيرهم واحترامهم، فمن كان من أهل البيت مستقيما على الدين متبعا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان له حقان: حق الإسلام وحق القرابة.

امانى يسرى محمد 07-04-2020 01:23 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم )
قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} إلى قوله تعالى: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} ؟ [الكهف (60، 66) ] .


----------------
في هذه الآيات استحباب زيارة أهل الخير في أماكنهم، ومصاحبتهم ومجالستهم، والتواضع معهم، والرحلة في طلب العلم، واستزادة العالم من العلم، وتواضع المتعلم لمن يتعلم منه ولو كان دونه في المرتبة، واستحباب الرفيق في السفر، وأنه لا بأس بالاستخدام واتخاذ الخادم.

قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف (28) ] .
----------------
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحبس نفسه مع الذين يعبدون الله في هذه الأوقات، وأن لا يجاوزهم ناظرا إلى غيرهم من ذوي الهيئات، فإن مصاحبتهم سبب إلى دخول الجنات.

عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني لا أبكي إني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.
----------------
أم أيمن: مولاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنكحها زيد بن حارثة واسمها بركة، وهي أم أسامة بن زيد وكان - صلى الله عليه وسلم - يكرمها، وكان عندها كالولد. وفي هذا الحديث: زيارة الصالح لمن هو دونه، وزيارة الإنسان لمن كان صديقه يزوره. وفيه: البكاء حزنا على فراق الصالحين.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه» . رواه مسلم.
----------------
يقال: «أرصده» لكذا: إذا وكله بحفظه، و «المدرجة» بفتح الميم والراء: الطريق، ومعنى (تربها) : تقوم بها، وتسعى في صلاحها. في هذا الحديث: دليل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه. قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان»

عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عاد مريضا أو زار أخا له في الله، ناداه مناد: بأن طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا» . رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن» ، وفي بعض النسخ: ... «غريب» .
----------------
في هذا الحديث: وعد الله تعالى للزائر فيه بأن يطهره من ذنوبه، ويعظم أجره ويدخله الجنة.


عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة» . متفق عليه.
----------------
(يحذيك) : يعطيك. في هذا الحديث: الحث على مجالسة أهل الخير، والتحذير من مجالسة أهل الشر. وفيه: الحكم بطهارة المسك.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» . متفق عليه.
----------------
ومعناه: أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين، واظفر بها، واحرص على صحبتها. الحسب: طيب الأصل. وكل واحد من هذه الأربع مما يقصده المتزوج. وفي الحديث: الحث على صاحبة الدين، لأن الحسن البالغ يخاف بسببه من فساد المرأة، أو إفسادها، والمال ربما أطغاها. وأما الدين فهو الحبل الذي لا ينقطع.

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟» فنزلت: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك} [مريم (64) ] رواه البخاري.
----------------
فيه: طلب الصديق من صديقه كثرة زيارته، إذا لم يكن مانع من شغل أو غيره.

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي» . رواه أبو داود والترمذي بإسناد لا بأس به.
----------------
فيه: النهي عن موالاة الكفار، ومودتهم، ومصاحبتهم. وفيه: الأمر بملازمة الأتقياء، ودوام مخالطتهم، وترك مخالطة الفجار، ومؤاكلتهم، وهذا في طعام الدعوة، لا إطعام الحاجة.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» . رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: (حديث حسن) .
----------------
الخليل: الصديق. وأقل درجات الصداقة، النظر بعين المساواة، والكمال. رؤية الفضل للصديق. وروي: (لا خير في محبة من لا يرى ما لك مثل ما يرى له) .

عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المرء مع من أحب» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية: قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: «المرء مع من أحب» . في هذا الحديث: الحث على محبة الصالحين، لأن من أحبهم دخل معهم الجنة، والمعية تحصل بمجرد الاجتماع وإن تفاوتت الدرجات.

عن أنس - رضي الله عنه - أن أعرابيا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: متى الساعة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أعددت لها؟» قال: حب الله ورسوله، قال: ... «أنت مع من أحببت» . متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
----------------
وفي رواية لهما: ما أعددت لها من كثير صوم، ولا صلاة، ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. الساعة: القيامة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أعددت لها» . من أسلوب الحكيم؛ لأنه سأل عن الوقت فقيل له: ما لك ولها، إنما يهمك التزود لها والعمل بما ينفعك فيها. فطرح الرجل ذكر أعماله، ونظر إلى ما في قلبه من محبة الله ورسوله فقدمه بين يديه.

عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المرء مع من أحب» . متفق عليه.
----------------
قوله: «ولم يلحق بهم» . ولابن حبان: «ولا يستطيع أن يعمل بعملهم»

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» . رواه مسلم.
----------------
وروى البخاري قوله: «الأرواح ... » إلخ من رواية عائشة رضي الله عنها. قوله: «معادن» ، أي: أصول. فكل معدن يخرج منه ما في أصله. وكل إنسان يظهر منه ما فيه من خسة، أو شرف، فإذا انضم الدين إلى الشرف الأصلي فقد حاز الشرف. قوله: «والأرواح جنود مجندة» ، أي: جموع مجتمعة، وأنواع مختلفة، فما تشاكل منها في الخير أو الشر حن إلى شكله. وروي: «أن الأرواح خلقت قبل الأجسام، فكانت تلتقي وتتشام فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول، فتميل الأخيار إلى الأخيار، والأشرار إلى الأشرار.

عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة، فأذن لي، وقال: «لا تنسنا يا أخي من دعائك» فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا وفي رواية: وقال: «أشركنا يا أخي في دعائك» . حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
فيه: دليل على استحباب طلب المقيم من المسافر، ووصيته له بالدعاء في مواطن الخير، ولو كان المقيم أفضل من المسافر.

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور قباء راكبا وماشيا، فيصلي فيه ركعتين. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي مسجد قباء كل سبت راكبا، وماشيا وكان ابن عمر يفعله. مسافة ما بين مسجد قباء ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسخ، وهو ثلاث أميال. وفي الحديث: استحباب زيارة مسجد قباء اقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم -.

امانى يسرى محمد 08-04-2020 06:53 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب فضل الحب في الله والحث عليه


قال الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح (29) ] إلى آخر السورة.
----------------
أي: غلاظ على من خالف الدين ويتراحمون فيما بينهم. كما قال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة (54) ] .


قال تعالى: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم} [الحشر (9) ] .
----------------
المراد بالدار: المدينة. والآية نزلت في الأنصار لأنهم لزموا المدينة، والإيمان وتمكنوا فيهما قبل.


عن أنس - رضي الله عنه - عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة
الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه
إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن
يقذف في النار» . متفق عليه.
----------------
حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات، وتحمل المشاق في الدين، وإيثار ذلك على أغراض الدنيا.


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم
لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله - عز وجل -، ورجل قلبه
معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته
امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى
لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» . متفق
عليه.
----------------
قوله: «سبعة يظلهم الله [في ظله]
» ، أي: ظل عرشه. وفي الحديث: الحث على هذه الخصال والتخلق بها. وقد نظمها
بعضهم فقال: أناس روينا في الصحيحين سبعة ... ?? ... يظلهم الرحمن في برد
ظله ... ??? محب، عفيف، ناشئ، متصدق ... ?? ... وباك، مصل، والإمام بعدله
وقد أورد بعضهم الخصال التي توجب إظلال الله لأصحابها، فبلغها تسعة
وثمانين، منها الجهاد، وإنظار المعسر، والصبر، وحسن الخلق، وكفالة اليتيم،
والصدق، والنصح، وترك الزنا، والحلم، وحفظ القرآن، وعيادة المرضى، وإشباع
جائع، وصلة الرحم، ومحيي سنة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبناء مسجد،
ومعلم دين.


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى يقول يوم
القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» .
رواه مسلم.
----------------
سؤال الله تعالى عن المتحابين مع علمه بمكانهم، لينادي بفضلهم في ذلك الموقف.


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده، لا
تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا
فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» . رواه مسلم.
----------------

فيه: الحث على إفشاء السلام، وبذله لكل مسلم عرفته أو لم تعرفه، وفي إفشائه ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم مع ما فيه من التواضع.


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى،
فأرصد الله له على مدرجته ملكا ... » وذكر الحديث إلى قوله: «إن الله قد
أحبك كما أحببته فيه» . رواه مسلم،
----------------

فيه: فضل الحب في الله لما يؤول به إلى محبة الله للعبد، ومن أحبه الله
فقد فاز فوزا عظيما. وفي الدعاء المأثور: (اللهم ارزقني حبك، وحب من يحبك
والعمل الذي يقربني إلى حبك) .


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى،
فأرصد الله له على مدرجته ملكا ... » وذكر الحديث إلى قوله: «إن الله قد
أحبك كما أحببته فيه» . رواه مسلم،
----------------

فيه: فضل الحب في الله لما يؤول به إلى محبة الله للعبد، ومن أحبه الله
فقد فاز فوزا عظيما. وفي الدعاء المأثور: (اللهم ارزقني حبك، وحب من يحبك
والعمل الذي يقربني إلى حبك) .

عن البراء بن عازب رضي الله
عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأنصار: «لا يحبهم
إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه
الله» . متفق عليه.
----------------
يسمى الأوس والخزرج الأنصار لنصرهم الإسلام، وإيواء أهله، قال الله تعالى: {والسابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} [التوبة (100) ] .


عن معاذ - رضي الله عنه -
قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «قال الله - عز وجل -:
المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء» . رواه
الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------

فيه: دليل على أن لهؤلاء العباد منازل شريفة عظيمة في الآخرة، ولا يلزم من
ذلك أن يكونوا أفضل من الأنبياء، وإنما أريد بذلك بيان فضلهم وشرفهم عند الله تعالى.


عن أبي إدريس الخولاني رحمه
الله، قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا وإذا الناس معه، فإذا
اختلفوا في شيء، أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ
بن جبل - رضي الله عنه -. فلما كان من الغد، هجرت، فوجدته قد سبقني
بالتهجير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه،
فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: الله، فقال:
آلله؟ فقلت: الله، فأخذني بحبوة ردائي، فجبذني إليه، فقال: أبشر! فإني سمعت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «قال الله تعالى: وجبت محبتي
للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في» . حديث
صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح.
----------------

قوله: «هجرت» أي بكرت، وهو بتشديد الجيم قوله: «آلله فقلت: الله» الأول
بهمزة ممدودة للاستفهام، والثاني بلا مد. فيه: تنبيه على أن الأدب لمن جاء
إلى مشغول بطاعة الله تعالى إن لا يلهيه عما هو فيه. وفيه: أن الأدب قصد الإنسان من قبل وجهه. وفيه: فضل التحاب والتجالس والتزاور في الله.


عن أبي كريمة المقداد بن
معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أحب
الرجل أخاه، فليخبره أنه يحبه» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن
صحيح غريب» .
----------------

فيه: استحباب إخبار المحبوب في الله بحبه، لتزداد المحبة والألفة.


عن معاذ - رضي الله عنه -
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده، وقال: «يا معاذ، والله، إني
لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على
ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» . حديث ... صحيح، رواه أبو داود والنسائي بإسناد
صحيح.
----------------
فيه: فضل معاذ. قال بعضهم: لما صحت محبة معاذ للنبي - صلى الله عليه وسلم - جازاه بأعلا منها كما هو عادة الكرام.

عن أنس - رضي الله عنه - أن
رجلا كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر به رجل، فقال: يا رسول
الله، أني لأحب هذا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أأعلمته؟»
قال: لا. قال: «أعلمه» فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي
أحببتني له. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------
فيه: دليل على استحباب إظهار المحبة في الله، والدعاء لفاعل الخير مثل عمله.

امانى يسرى محمد 09-04-2020 05:43 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب علامات حب الله تعالى للعبد)
قال الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} [آل عمران (31) ] .
----------------
في هذه الآية: وعد من الله عز وجل بالمحبة، والرحمة، وغفران الذنوب، لمن اتبع محمدا - صلى الله عليه وسلم -. قال الحسن البصري: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية.

قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [المائدة (54) ] .
----------------
هذا من الكائنات التي أخبر الله بها قبل وقوعها، وقد ارتد العرب في آخر عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنو مدلج، ورئيسهم العنسي، وبنو حنيفة ورئيسهم مسيلمة، وبنو أسد ورئيسهم طليحة. وفي عهد الصديق، فزارة وغطفان، وبنو سليم، وبنو يربوع، وبعض تميم، قوم سجاح زوجة مسيلمة، وكندة، وبنو بكر بن وائل، وكفى الله أمرهم على يد الصديق رضي الله عنه. وفي إمرة عمر، غسان قوم جبلة بن الأيهم تنصر وسار إلى الشام. وقوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ، قيل: هم أهل اليمن؛ لما روي أنه عليه السلام أشار إلى أبي موسى، وقال: «هم قوم هذا» .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه» . رواه البخاري.
----------------
معنى «آذنته» : أعلمته بأني محارب له. وقوله: «استعاذني» روي بالباء وروي بالنون. الولي: هو من تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. وفي الحديث: وعيد شديد لمن عادى وليا من أولياء الله. وفيه: أن أحب الأعمال إلى الله أداء فرائضه، وأن كثرة النوافل توجب محبة الله للعبد، وقربه، فيرتقي إلى درجة الإحسان، فيمتلأ قلبه بمعرفة الله تعالى، وعظمته، وخوفه، ورجائه، فإن نطق: نطق بالله، وإن سمع: سمع به، وإن نظر نظر به، وإن بطش: بطش به. قال الله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل (128) ] .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلانا، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا، فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض» . المراد بالقبول، الحب للعبد في قلوب أهل الدين والخير، قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم (96) ] . والبغضاء: شدة البغض.

عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ {قل هو الله أحد} ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك» ؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أخبروه أن الله تعالى يحبه» . متفق عليه.
----------------
فيه: دليل على أن من أحب هذه السورة لأجل أنها صفة الله، أحبه الله. وعلى جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس والاستكثار منه، أن الجزاء يترتب بحسب النية والقصد، وجواز الجمع بين سورتين غير الفاتحة في ركعة واحدة.

امانى يسرى محمد 10-04-2020 07:02 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب التحذير من إيذاء الصالحين)

قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب (58) ] .
----------------
في هذه الآية: التحذير من إيذاء المؤمنين بغير جناية استحقوا بها الإيذاء. وفي الحديث: قيل: يا رسول الله! ما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» . قال: أرأيت إن كان فيه ما أقول. قال: «إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» .

قال تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر} [الضحى (9، 10) ] .
----------------
أي: لا تقهر اليتيم على ماله فتذهب بحقه لضعفه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه» . وقوله تعالى: {وأما السائل فلا تنهر} ، أي: لا تنهره ولا تزجره إذا سألك. قال قتادة: رد السائل برحمة ولين. وقال إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السؤال، يحملون زادنا في الآخرة. وقال ابن إسحاق: {وأما السائل فلا تنهر} ، أي: فلا تكن جبارا ولا متكبرا، ولا فحاشا، ولا فظا على الضعفاء من عباد الله. وأما الأحاديث، فكثيرة منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب قبل هذا: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» . ومنها حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - السابق في باب ملاطفة اليتيم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا بكر، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك» . أي: وكلا الحديثين يدلان على تحريم إيذاء الصالحين، والضعفة، والمساكين بخصوصهم، ومثلهم سائر المؤمنين لحرمة الإيمان وشرفه.

عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى صلاة الصبح، فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «من صلى الصبح» ، أي: في جماعة. كما في رواية أخرى لمسلم. وكأنها إنما خصت بذلك لأنها أول النهار الذي هو وقت انتشار الناس في حوائجهم. وفي الحديث: غاية التحذير عن التعريض لمن صلى الصبح المستلزم لصلاة بقية الخمس



امانى يسرى محمد 11-04-2020 01:09 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
(باب إجراء أحكام الناس على الظاهر)


قال الله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة (5) ] .
----------------

قال السيوطي: لم يكتف في تخلية السبيل بالتوبة من الشرك حتى يقيموا
الصلاة، ويؤتوا الزكاة. واستدل به الشافعي على قتل تارك الصلاة، وقتال مانع
الزكاة.


عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «أمرت أن أقاتل الناس
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة،
ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام،
وحسابهم على الله تعالى» . متفق عليه.
----------------
قال الخطابي وغيره: المراد بهذا أهل الأوثان، ومشركوا العرب ومن لا يؤمن
دون أهل الكتاب، ومن يقر بالتوحيد، فلا يكتفي بعصمته بقوله: (لا إله إلا
الله) . إذا كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده.
عن أبي عبد الله طارق بن أشيم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
يقول: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه،
وحسابه على الله تعالى» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «من قال لا إله إلا الله» ، أي: مع قرينتها وهي: محمد رسول الله،
«وكفر بما يعبد من دون الله» ، أي: أي معبود كان، «حرم ماله ودمه» ، على
المسلمين «وحسابه» في صدقه وكذبه على الله تعالى.


عن أبي معبد المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم
لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال:
«لا تقتله» فقلت: يا رسول الله، قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟!
فقال: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل
أن يقول كلمته التي ... قال» . متفق عليه.
----------------
ومعنى «أنه بمنزلتك» أي: معصوم الدم محكوم بإسلامه. ومعنى ... «أنك
بمنزلته» أي: مباح الدم بالقصاص لورثته لا أنه بمنزلته في الكفر، والله
أعلم. في الحديث: دليل على أن كل من صدر عنه ما يدل على الدخول في الإسلام
من قول أو فعل حكم بإسلامه، حتى يتبين منه ما يخالفه، وقد حكم - صلى الله
عليه وسلم - بإسلام بني خزيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد بقولهم: صبأنا
صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: ... «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» . ثم واداهم. قوله:
«لا تقتل فإن قتلته فإنه بمنزلتك» قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول
كلمته التي قال. زاد البخاري في هذا الحديث أنه عليه السلام قال للمقداد:
«إذا كان المؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، كذلك كنت
تخفي إيمانك بمكة» . قوله: «ومعنى أنك بمنزلته» ، أي: مباح القصاص لورثته.
الظاهر أنه لا يلزمه قصاص، ولكن تلزمه دية، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم
- لم يقتل المقداد ولا أسامة، وودي الذين قتلهم خالد بن الوليد. والله
أعلم.


عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من
جهينة فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما
غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته،
فلما قدمنا المدينة، بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: «يا
أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!» قلت: يا رسول الله، إنما كان
متعوذا، فقال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!» فما زال يكررها علي
حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أقال: لا إله إلا
الله وقتلته» ؟! قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا
شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!» فما زال يكررها حتى تمنيت أني
أسلمت يومئذ. (الحرقة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء: بطن من جهينة:
القبيلة المعروفة. وقوله: «متعوذا» : أي معتصما بها من القتل لا معتقدا
لها. في هذا الحديث: دليل على جريان الأحكام على الأسباب الظاهرة دون
الباطنة الخفية.


عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا من المسلمين
إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد
إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلا من المسلمين قصد غفلته. وكنا
نتحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله،
فقتله، فجاء البشير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله وأخبره،
حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: «لم قتلته؟» فقال: يا
رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمى له نفرا، وإني حملت
عليه، فلما رأى السيف، قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: «أقتلته؟» قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا
جاءت يوم القيامة؟» قال: يا رسول الله، استغفر لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله
إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» فجعل لا يزيد على أن يقول: «كيف تصنع بلا
إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله» ، أي: من يشفع لك، ومن يحاج عنك
ويجادل إذا جيء بكلمة التوحيد. وقيل: كيف قتلت من قالها وقد حصل له ذمة
الإسلام وحرمته.


عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: إن ناسا كانوا
يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الوحي قد
انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه
وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا
سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة. رواه البخاري.
----------------
قال المهلب: هذا إخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - وعما صار بعده، ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه ريبة.

امانى يسرى محمد 13-04-2020 06:19 AM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
(باب الخوف)


قال الله تعالى: {وإياي فارهبون} [البقرة (40) ] .
----------------
الرهبة: الخوف، أي: خافون خوفا معه تحرز فيما تأتون وتذرون.


قال تعالى: {إن بطش ربك لشديد} [البروج (12) ] .
----------------
أي: أن بطشه وانتقامه من أعدائه لشديد عظيم قوي.


قال تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد * إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} [هود (102: 106) ] .
----------------
قوله: {وكذلك} ، أي: ومثل ذلك الأخذ للأمم الماضين {أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} .


قال تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران (28) ] .
----------------
أي: يخوفكم عقابه. وفي ذلك غاية التحذير. قال الحسن البصري: من رأفته بهم حذرهم بنفسه.


قال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه لكل امرئ * منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس (34: 37) ] .
----------------
أي: يشغله عن شأن غيره


قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج (1، 2) ] .
----------------
فيرهقهم هوله بحيث تطير قلوبهم، ويذهب تمييزهم.


قال تعالى: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} [الطور (25: 28) ] .
----------------
يقول تعالى: وأقبل أهل الجنة يتحادثون وهم على طعامهم وشرابهم، ويتساءلون عن أحوالهم في الدنيا، قالوا {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} ، خائفين من العذاب {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} ، أي: عذاب النار، {إنا كنا من قبل ندعوه} نخلص له العبادة، {إنه هو البر الرحيم} ، أي: اللطيف بعباده الصادق في وعده، {الرحيم} بالمؤمنين.


عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: إثبات القدر، وأن جميع ما في الكون من نفع أو ضر بقضاء وقدر. وفيه: إيماء إلى عدم الاغترار بصور الأعمال، لأن الأعمال بالخواتيم، نسأل الله حسن الخاتمة.


عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «يومئذ» ، أي: يوم يقوم الناس للحساب، ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا * وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر (21: 24) ] .


عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه. ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وأنه لأهونهم عذابا» . متفق عليه.
----------------
قوله: «أهل النار» ، أي: الكفار، لأنهم أهلها الخالدون فيها أبدا، وأما العصاة فإن الله يعذب فيها من يشاء منهم، ثم يدخله الجنة.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب فقال: ... «عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» فما أتى على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أشد منه، غطوا رؤوسهم ولهم خنين. «الخنين» بالخاء المعجمة: هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف. في هذا الحديث: الحث على البكاء، والتحذير من إكثار الضحك، واستحباب تغطية الوجه عند البكاء.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم» . متفق عليه.
----------------
ومعنى «يذهب في الأرض» : ينزل ويغوص. قيل: سبب العرق في المحشر شدة كرب يوم القيامة وأهوالها.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة، فقال: «هل تدرون ما هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها فسمعتم وجبتها» . رواه مسلم.
----------------
الوجبة: السقطة مع الهدة، يقال: وجب الحائط ونحوه، أي سقط. قال الله تعالى: {فإذا وجبت جنوبها} [الحج (36) ] . وفي الحديث: أن الإنسان إذا سئل عما لا علم له به أن يكل العلم فيه إلى الله سبحانه وتعالى. وفيه: أن قعر النار تحت الأرض السابعة.


عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» . متفق عليه.
----------------
قوله: «ليس بينه وبينه ترجمان» ، المراد أن الله يكلمه بلا واسطة. وفي الحديث: الحث على الصدقة، والاستكثار من الأعمال الصالحة.


عن أبي برزة - براء ثم زاي - نضلة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
قوله: «لا تزول قدما عبد» ، أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصا أو رياء وسمعة. وعن ماله من أين اكتسبه، أمن حلال أو حرام؟ وفيما أنفقه أفي البر والمعروف أو الإسراف والتبذير؟ وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟ .


عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف أنعم! وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ» فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: « قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
«القرن» : هو الصور الذي قال الله تعالى: {ونفخ في الصور} كذا فسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: «كيف أنعم» ، أي: كيف أطيب عيشا، وقد قرب أمر الساعة. وفيه: حث لأصحابه على الوصية لمن بعدهم بالتهيؤ لها.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
و «أدلج» : بإسكان الدال ومعناه سار من أول الليل. والمراد التشمير في الطاعة، والله أعلم. قوله: «أدلج» ، أي: هرب في أول الليل، ومن أدلج بلغ المنزل الذي يأمن فيه البيات. قال العاقولي: هذا مثل طالب الآخرة، وكون الشيطان على طريقه، فإن تبتل بالطاعة، وصبر أيامه القلائل أمن من الشيطان.


عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا» قلت: يا رسول الله الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: «يا عائشة، الأمر أشد من أن يهمهم ذلك» . وفي رواية: «الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض» . متفق عليه.
----------------


«غرلا» بضم الغين المعجمة، أي: غير مختونين. في هذا الحديث: عظم هول يوم القيامة. قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج (1، 2) ] .


الكلم الطيب

امانى يسرى محمد 14-04-2020 06:32 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
(باب الرجاء)

قال الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر (53) ] .


----------------
الرجاء: تعليق القلب بمحبوب في المستقبل، والفرق بينه وبين التمني، أن التمني يصاحبه الكسل، والرجاء يبعث على صالح العمل. ويطلق الرجاء على الخوف، ومنه قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} [نوح (13) ] ، أي لا تخافون له عظمة حتى تتركوا عصيانه. وقال ابن عباس: لا تعظمون الله حق عظمته، أي: لا تخافون من بأسه ونقمته. وقال الحسن: لا تعرفون له حقا، ولا تشكرون له نعمة. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر (53) ] ، ولا يبالي [إنه هو الغفور رحيم] . قال ابن كثير: نزلت هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة. وروي عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآية في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين، كانوا قد أسلموا، ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا، فكنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفا، ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه، فأنزل الله هذه الآيات. وما روي من خصوص نزولها في جماعة لا ينفي عمومها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.


روي عن ابن عمر قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقول: ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة، حتى نزلت {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد (33) ] ، فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا من الكبائر، قلنا: قد هلك، فنزلت هذه الآية، فكففنا عن القول في ذلك، وكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه، وإن لم يصب منها شيئا رجونا له؟ ***




قال تعالى: {وهل يجازى إلا الكفور} . وفي القراءة الأخرى: {وهل نجازي إلا الكفور} .
----------------
أي: عاقبناهم بكفرهم، وهل نجازي إلا الكفور؟ وقال مجاهد: ولا يعاقب إلا الكفور. وقال طاوس: لا يناقش إلا الكفور وقال مقاتل: وهل يكافؤ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه. وقال بعض العلماء: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة، لا يصادف لذو حلالا إلا جاءه ما ينغصه إياها.



قال تعالى: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} [طه (48) ] .
----------------
أي العذاب اللازم على من كذب بآيات الله، وأعرض عنها.



قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف (156) ] .
----------------
أي: وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة. قال ابن عباس: لما نزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: أنا من ذلك الشيء. فقال الله سبحانه وتعالى: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} [الأعراف (156) ] ، فتمناها اليهود والنصارى فجعلها الله لهذه الأمة، فقال: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} [الأعراف (157) ] الآية



عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار» . في هذا الحديث: بشارة لأهل التوحيد بدخول الجنة، وعدم الخلود في النار، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} [النساء (48) ] .



عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله - عز وجل -: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر. ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا، لقيته بمثلها مغفرة» . رواه مسلم.

----------------
معنى الحديث: «من تقرب» إلي بطاعتي «تقربت» إليه برحمتي وإن زاد زدت «فإن أتاني يمشي» وأسرع في طاعتي «أتيته هرولة» أي: صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود «وقراب الأرض» بضم القاف، ويقال: بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه: ما يقارب ملأها، والله أعلم. هذا من الأحاديث القدسية. وفيه: أن الجزاء على قدر العمل السيئ، وأن العمل الصالح يضاعف لفاعله. قال القرطبي: هذه الجمل أمثال ضربت لمن عمل من الطاعات، وقصد به التقرب إلى الله تعالى، تدل على أنه تعالى لا يضيع أجر محسن، وإن قل عمله، بل يقبله ويثبته مضاعفا.




عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئا دخل النار» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: بشارة للموحدين بدخول الجنة، ابتداء مع الفائزين أو بعد تمحيصهم بالنار.



عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل، قال: ... «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثلاثا، قال: «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار» قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتكلوا» فأخبر بها معاذ عند موته تأثما. متفق عليه.
----------------
وقوله: «تأثما» أي خوفا من الإثم في كتم هذا العلم. قوله: «صدقا من قلبه» ، هذا: القيد لإخراج شهادة اللسان إذا لم يطابقها الجنان، كالمنافقين. قوله: (ألا أخبر بها الناس فيستبشروا، قال: «إذا يتكلوا» .) ، ... أي: يتركوا العمل، ويتكلوا على ذلك، فيأثموا بترك الواجب، ويفوتهم أعالي المنازل بترك المستحب، فأشار إلى معاذ بالترك، لأنه رأى المصلحة في ذلك أتم من الإعلام. وفيه: أن العالم يراعي المصلحة في كتمان العلم ونشره.



عن أبي هريرة - - أو أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما - شك الراوي - ولا يضر الشك في عين الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول - قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «افعلوا» فجاء عمر - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله، إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل لهم في ذلك البركة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم» فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الآخر بكف تمر ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه بالبركة، ثم قال: «خذوا في أوعيتكم» فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: حسن الأدب في خطاب الكبار، وأنه لا ينبغي للإمام أن يأذن للعسكر في تضييع دوابهم، إلا إذا رأى مصلحة أو خاف مفسدة ظاهرة. وفيه: تقديم الأهم فالأهم، وارتكاب أخف الضررين دفعا لأشدهما. وفيه: أن المؤمن لا بد له من دخول الجنة إما ابتداء مع الناجين أو بعد إخراجه من النار.


عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا والله. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» . متفق عليه.
----------------
هذا الحديث ذكره البخاري في باب رحمة الولد، وتقبيله، ومعانقته، بلفظ: قدم على النبي س سبي، فإذا امرأة من السبي تحلب سديها، تسقي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. قوله: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» . قال ابن أبي جمرة: لفظ العباد عام، ومعناه خاص بالمؤمنين، وهو كقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} [الأعراف (15) ] . وفيه: إشارة إلى أنه ينبغي للمرء أن يجعل تعلقه في جميع أموره بالله وحده.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب ... غضبي» . وفي رواية: «غلبت غضبي» وفي رواية: «سبقت غضبي» . متفق عليه.
----------------
قال الطيبي: في سبق الرحمة إشارة أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم بغير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إلا بالاستحقاق. فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما، وناشئا، قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة، ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق ذلك.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «جعل الله الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» . وفي رواية: «إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» . متفق عليه.
----------------
ورواه مسلم أيضا من رواية سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تعالى مئة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم القيامة» . وفي رواية: «إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مئة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة» . الرحمة رحمتان: رحمة من صفات الذات، ورحمة من صفات الفعل. قال القرطبي: مقتضي هذا الحديث، أن الله علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مئة نوع، فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم، وحصلت به مرافقتهم، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي، فبلغت مئة. وقال ابن أبي جمرة: في الحديث إدخال السرور على المؤمنين، لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها، إذا كان معلوما مما يكون موعودا. وفيه: الحث على الإيمان، واتساع الرجاء في رحمات الله تعالى المدخرة.






عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى، قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا، يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا، يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء» . متفق عليه.
----------------
وقوله تعالى: «فليفعل ما شاء» أي: ما دام يفعل هكذا، يذنب ويتوب أغفر له، فإن التوبة تهدم ما قبلها. هذا الحديث: أخرجه البخاري في باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [الفتح (15) ] ، من كتاب التوحيد. قال القرطبي: يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله، وسعة رحمته وحلمه، وكرمه.




عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم» . رواه مسلم. ***



عن أبي أيوب خالد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «لولا أنكم تذنبون، لخلق الله خلقا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم» . رواه مسلم.
----------------
قال ابن مالك: ليس هذا تحريضا للناس على الذنوب، بل كان صدوره لتسلية الصحابة، وإزالة شدة الخوف عن صدورهم، لأن الخوف كان غالبا عليهم حتى فر بعضهم إلى رؤوس الجبال للعبادة، وبعضهم اعتزل النساء. وفي الحديث: تنبيه على رجاء مغفرة الله تعالى، وتحقق أن ما سبق في علمه تعالى كائن، لأنه سبق في علمه أنه يغفر للعاصي، فلو قدر عدم عاص لخلق الله من يعصيه فيغفر له.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعودا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، في نفر فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا، فأبطأ علينا فخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتيت حائطا للأنصار ... وذكر الحديث بطوله إلى قوله: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: البشارة بدخول الجنة للموحدين، إما ابتداء مع الفائزين، أو بعد دخول النار لمن يغفر له من العاصين.


عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} [إبراهيم (36) ] الآية، وقال عيسى - صلى الله عليه وسلم -: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة (118) ] فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي» وبكى، فقال الله - عز وجل -: «يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيه؟» فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بما قال - وهو أعلم - فقال الله تعالى: «يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك» . رواه مسلم.
----------------
قوله: {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم (36) ] . قال البيضاوي: فيه دليل على أن كل ذنب، فلله أن يغفره حتى الشرك، إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره. وفي الحديث: كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته، واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم. وفيه: البشارة العظيمة لهذه الأمة، وهو من أرجى الأحاديث.


عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار، فقال: «يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» . متفق عليه.
----------------
قال البخاري في كتاب الرقاق، باب: من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل، وذكر الحديث بنحوه. قال بعض العلماء: جهاد المرء نفسه، هو الجهاد الأكمل، وهو أربع مراتب: حملها على تعلم أمور الدين، ثم حملها على العمل بذلك، ثم حملها على تعليم من لا يعلم، ثم الدعاء إلى توحيد الله. قال القرطبي: حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء. وقال ابن رجب: قال العلماء: يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا ييتكلوا. أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس، لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها، وقد سمعها معاذ فلم يزدد إلا اجتهادا في العمل. وقيل لوهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، وليس من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.



عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} » [إبراهيم (27) ] . متفق عليه.
----------------
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من دام على الشهادة في الدنيا يلقنه الله تعالى إياها في قبره.

عن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الكافر إذا عمل حسنة، أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته» . وفي رواية: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها» . رواه مسلم.
----------------
يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى (20) ] . وقوله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل (97) ] .



عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات» . رواه مسلم.
----------------
«الغمر» : الكثير. شبه - صلى الله عليه وسلم - الدنس المعنوي بالدنس الحسي، فكما أن الاغتسال كل يوم خمس مرات يذهب الوسخ، فكذلك الصلوات الخمس تذهب الذنوب. ويشهد لذلك قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [هود (114، 115) ] .



عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: الحث على تكثير عدد المصلين على الجنازة، رجاء أن يغفر الله للميت، بدعائهم وشفاعتهم.



عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة نحوا من أربعين رجلا، فقال: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قلنا: نعم. قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟» قلنا: نعم، قال: «والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر» . متفق عليه.
----------------
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأرجو» قال العلماء: كل رجاء جاء عن الله أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كائن. قال القرطبي: وهذه الطماعية قد حققت له بقوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى (5) ] ، وبقوله: إنا سنرضيك في ... أمتك.



عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار» . وفي رواية عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار» معناه ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «لكل أحد منزل في الجنة، ومنزل في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار؛ لأنه مستحق لذلك بكفره» ومعنى «فكاكك» : أنك كنت معرضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى، قدر للنار عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم، صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم. معنى الحديث: أن الله تعالى يغفر ذنوب المسلمين، بفضله، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم، فيدخلهم النار بعملهم. قال عمر بن عبد العزيز: هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين.




عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته» . متفق عليه.
----------------
«كنفه» : ستره ورحمته. هذا الحديث من أرجى الأحاديث لمن لم يجاهر بذنوبه، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء (48) ] .




عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فأنزل الله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي لنهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود (114) ] فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله؟ قال: «لجميع أمتي كلهم» . متفق عليه.
----------------
قوله: أنزل الله تعالى: {أقم الصلاة} - كذا هو بحذف الواو، والتلاوة بإثباتها - وفي رواية: فتلا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وأقم الصلاة} ... الآية. قال ابن عباس: معناه الصلوات الخمس مكفرة الذنوب إذا اجتنبت الكبائر




عن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أصبت حدا، فأقمه علي، وحضرت الصلاة، فصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى الصلاة، قال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله. قال: «هل حضرت معنا الصلاة» ؟ قال: نعم. قال: «قد غفر لك» . متفق عليه.
----------------
وقوله: «أصبت حدا» معناه: معصية توجب التعزير، وليس المراد الحد الشرعي الحقيقي كحد الزنا والخمر وغيرهما، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصلاة، ولا يجوز للإمام تركها. قال البخاري: باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه. وذكر الحديث بنحوه. قال الحافظ: وقد اختلف نظر العلماء في هذا الحكم، فظاهر ترجمة البخاري حمله على من أقر بحد ولم يفسره، فإنه لا يجب على الإمام أن يقيمه عليه إذا تاب. وقال الخطابي: في هذا الحديث أنه لا يكشف عن الحدود بل يدفع، مهما أمكن، وقد استحب العلماء تلقين من أقر بموجب الحد بالرجوع عنه. وجزم النووي وجماعة: أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر. وقال صاحب (الهدي) : أصح المسالك فيه أن الحد يسقط بالتوبة. انتهى ملخصا.



عن ابن مسعود - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها» . رواه مسلم.
----------------
«الأكلة» : بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة، والله أعلم. في هذا الحديث: غاية الكرم من المولى سبحانه وتعالى، أن يتفضل على عبده بالرزق، فإذا حمده رضي عنه.




عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده ليلا ونهارا ما لم يغرغره الموت، أو تطلع الشمس من مغربها. قال الله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} [الأنعام (158) ] .

عن أبي نجيح عمرو بن عبسة - بفتح العين والباء - السلمي - رضي الله عنه - قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا، جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبي» قلت: وما نبي؟ قال: «أرسلني الله» قلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء» قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: «حر وعبد» ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قلت: إني متبعك، قال: «إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهلي المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم، أنت الذي لقيتني بمكة» قال: فقلت: يا رسول الله، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: «صل صلاة الصبح، ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار» . قال: فقلت: يا نبي الله، فالوضوء حدثني عنه؟ فقال: «ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض ويستنشق فينتثر، إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه» . فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول *! في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة، لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله تعالى، ولا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لو لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا - حتى عد سبع مرات - ما حدثت به أبدا، ولكني سمعته أكثر من ذلك. رواه مسلم.
----------------
قوله: «جرآء عليه قومه» هو بجيم مضمومة وبالمد على وزن علماء، أي: جاسرون مستطيلون غير هائبين، هذه الرواية المشهورة، ورواه الحميدي وغيره «حراء» بكسر الحاء المهملة، وقال: معناه غضاب ذوو غم وهم، قد عيل صبرهم به، حتى أثر في أجسامهم، من قولهم: حرى جسمه يحرى، إذا نقص من ألم أو غم ونحوه، والصحيح أنه بالجيم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بين قرني شيطان» أي ناحيتي رأسه والمراد التمثيل، ومعناه: أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشيعته، ويتسلطون. وقوله: «يقرب وضوءه» معناه يحضر الماء الذي يتوضأ به، وقوله: «إلا خرت خطايا» هو بالخاء المعجمة: أي سقطت، ورواه بعضهم ... «جرت» بالجيم، والصحيح بالخاء وهو رواية الجمهور. وقوله: «فينتثر» أي يستخرج ما في أنفه من أذى والنثرة: طرف الأنف. في هذا الحديث: الحث على صلة الأرحام لأن الله تعالى قرنها بالتوحيد. وفيه: مشروعية الصلاة في كل وقت، إلا أوقات النهي. وفيه: فضل إسباغ الوضوء، وأن من صلى صلاة لا يحدث فيها نفسه غفرت له ذنوبه.



عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أراد الله تعالى رحمة أمة، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة، عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلاكها حين كذبوه وعصوا أمره» . رواه مسلم.

----------------
قد وعد الله الصابرين على المصائب بالأجور. قال الله تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} ... [البقرة (155 - 157) ] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته في» . وبالله التوفيق.


الكلم الطيب

امانى يسرى محمد 15-04-2020 04:22 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
( باب فضل الرجاء )

قال الله تعالى إخبارا عن العبد الصالح: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا} [غافر (44، 45) ] .


----------------
يخبر تعالى عن مؤمن آل فرعون حين دعاهم إلى التوحيد، وتصديق موسى، ونهاهم عن الشرك، فتوعدوه أنه قال: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله} [غافر (44) ] . أي: وأتوكل عليه، وأستعين، فيعصمني عن كل سوء، {إن اله بصير بالعباد} ، فيهدي من يستحق الهداية ويضل من يستحق الإضلال، وله الحجة البالغة، والحكمة التامة، {فوقاه الله سيئات ما مكروا} ، ما أرادوا به من الشر. قال قتادة: نجا مع موسى وكان قبطيا.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «قال الله - عز وجل -: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول» متفق عليه

----------------
وهذا لفظ إحدى روايات مسلم. وتقدم شرحه في الباب قبله. وروي في الصحيحين: «وأنا معه حين يذكرني» بالنون، وفي هذه الرواية «حيث» بالثاء وكلاهما صحيح. قوله عز وجل: «أنا عند ظن عبدي بي» ، أي في الرجاء، وأمل العفو، «وأنا معه» ، أي: بالرحمة، والتوفيق، والإعانة، والنصر، ... «حيث ذكرني في نفسه أو في الملأ» . وفي الحديث: لطف الله بعباده، وفرحه بتوبتهم، وأن من تقرب إليه بطاعته، تقرب إليه بإحسانه، وفضله، وجزائه المضاعف.




عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام، يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله - عز وجل -» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: الحث على حسن الظن بالله تعالى، والتحذير من القنوط خصوصا عند الخاتمة، قال الله تعالى: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران (102) ] ، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - في مرض موته: ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... ?? ... جعلت الرجاء مني لعفوك سلما ... ??? تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... ? ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما ... ??




عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
«عنان السماء» بفتح العين، قيل: هو ما عن لك منها، أي: ظهر إذا رفعت رأسك، وقيل: هو السحاب. و «قراب الأرض» بضم القاف، وقيل: بكسرها، والضم أصح وأشهر، وهو: ما يقارب ملأها، والله أعلم. في هذا الحديث: بشارة عظيمة، وحلم، وكرم عظيم. قال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وأسواقكم، ومجالسكم، وأينما كنتم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة. وقال قتادة: إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار. قال بعضهم: أستغفر الله مما يعلم الله ... ?? ... إن الشقي لمن لا يرحم الله ... ??? ما أحلم الله عمن لا يراقبه ... ?? ... كل مسيء ولكن يحلم الله ... ?? فاستغفر الله مما كان من زلل ... ?? ... طوبى لمن كف عما يكره الله ... ??? طوبى لمن حسنت منه سريرته ... ?? ... طوبى لمن ينتهي عما نهى الله ... ??

الكلم الطيب

امانى يسرى محمد 17-04-2020 05:23 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
(باب الجمع بين الخوف والرجاء)
قال الله تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف (99) ] . ***

قال تعالى:
{إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف (87) ] .
----------------
الخوف يزجر العبد عن المعاصي، والرجاء يبعثه على الطاعات فلا يأمن العقوبة، ولا يقنط من الرحمة.



قال تعالى:
{يوم تبيض وجوه} [آل عمران (106) ] .
----------------
أي: تبيض وجوه المؤمنين يوم القيامة، وتسود وجوه الكافرين. وقال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.



قال تعالى:
{إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [الأنعام (165) ] .
----------------
في هذا ترهيب وترغيب، وكل ما هو آت قريب.



قال تعالى:
{إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم}[الانفطار (13، 14) ] .
----------------
الأبرار: الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله، واجتناب معاصيه، والفجار بضد ذلك.



قال تعالى:
{فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية} [القارعة (6، 9) ] .
----------------
أي: من رجحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته فهو من أهل النار.



(الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر (23) ] . ***


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد» . رواه مسلم.
----------------
يشهد لهذا الحديث: قوله تعالى: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} ، وقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف (156) ] الآية.



عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس أو الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق» . رواه البخاري.
----------------
قولها: «قدموني قدموني» ، هو اشتياق إلى ما أعده الله للمؤمن من نعيم القبر وما بعده، وقول الآخر: (يا ويلها، أين يذهبون بها» ، هو جزع وتحسر من الفاجر، ورهبة مما أعد له من عذاب القبر وما بعده.



عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك» . رواه البخاري.
----------------
فيه: أن الطاعة موصلة إلى الجنة، وأن المعصية مقربة إلى النار. وفي الحديث الآخر: «إن الرجل يتكلم بالكلمة ما يظن أن يبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار» . فينبغي للمؤمن أن لا يزهد في القليل من الخير بالفعل والقول، وأن يجتنب الشر قليله وكثيره

امانى يسرى محمد 13-06-2020 12:29 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
(باب فضل البكاء من خشية الله تعالى وشوقا إليه)

قال الله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} [الإسراء (109) ] .
----------------
أي: يزيدهم سماع القرآن إيمانا وخضوعا لله عز وجل




قال تعالى: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} [مريم (58) ] .
----------------
وفي الحديث: «حرمت النار على ثلاثة أعين: عين بكت من خشية الله، وعين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله» .




قال تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون} [النجم (59، 60) ] .
----------------
يخبر تعالى عن المشركين أنهم ينكرون القرآن، ويستهزؤون به، ولا يبكون، بخلاف المؤمنين، فإنهم إذا سمعوا القرآن زادهم إيمانا واقشعرت جلودهم، ولانت قلوبهم، وبكوا لما فيه من الوعد والوعيد.




عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقرأ علي القرآن» قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟! قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» . فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء (41) ] قال: «حسبك الآن» . فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه.
----------------
قال البخاري: باب البكاء عند القرآن، وأورد الحديث. قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين، وشعار الصالحين. قال الحافظ: بكى - صلى الله عليه وسلم - رحمة لأمته، لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضي إلى تعذيبهم، والله أعلم. وفي الحديث: استحباب عرض القرآن على الغير، وجواز الأمر بقطع القرآن للمصلحة.




عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» قال: فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه.
----------------
وسبق بيانه في باب الخوف. في هذا الحديث: بيان أن من كان بالله أعرف كان منه أخوف قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر (28) ] .





عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
في هذا الحديث: فضل البكاء من خشية الله تعالى، لأن الخشية تحمله على امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فلا يدخلها بوعده الصادق إلا تحلة القسم.




عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» . متفق عليه. ***




عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح.
----------------
في هذا الحديث: دليل على كمال خوفه - صلى الله عليه وسلم -، وخشيته لربه، وذلك ناشئ عن عظيم الرهبة والإجلال لله سبحانه وتعالى.





عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب - رضي الله عنه - «إن الله - عز وجل - أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن الذين كفروا ... } قال: وسماني لك؟ قال: «نعم» فبكى أبي. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: فجعل أبي يبكي. بكاء أبي رضي الله عنه فرحا، وخشوعا، وخوفا من التقصير، واستحقارا لنفسه، قيل: الحكمة في تخصيصها بالذكر لأن فيها {يتلو صحفا مطهرة} ، وفي تخصيص أبي التنويه به في أنه أقرأ الصحابة. وقال ابن كثير: قرأها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة إبلاغ، وتثبيت، وإنذار، لا قراءة تعلم واستذكار، كما قرأ على عمر بن الخطاب سورة الفتح يوم الحديبية.



عن أنس - رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر، رضي الله عنهما، بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء؛ فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم
----------------
وقد سبق في باب زيارة أهل الخير. أم أيمن مولاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أم أسامة بن زيد. وفي الحديث: جواز البكاء حزنا على فراق الصالحين، وفقد العلم.




عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه، قيل له في الصلاة، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» . فقالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء، فقال: «مروه فليصل» . وفي رواية عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء. متفق عليه.
----------------
فيه: دليل على استحباب البكاء عند قراءة القرآن، قال الله تعالى: ... {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال (2) ] .





عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أتي بطعام وكان صائما، فقال: قتل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو خير مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه؛ وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. رواه البخاري.
----------------
هذا البكاء من مزيد خوفه من الله تعالى، وشدة خشيته، وعدم نظره إلى عمله.




عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله. وأما الأثران: فأثر في ... سبيل الله تعالى، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
في هذا الحديث: فضل البكاء من خشية الله، والجهاد في سبيل الله، وكثرة الخطا إلى المساجد.




عن أبي نجيح العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح» .
----------------
«النواجذ» بالذال المعجمة: الأنياب، وقيل: الأضراس.



sasaasso 24-06-2020 04:29 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
شكرا جزيلا

امانى يسرى محمد 02-08-2020 12:57 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
عيد مبارك على حضرتك وعلى جميع اسرة المنتدى وعلى المسلمين جميعاً

امانى يسرى محمد 02-08-2020 12:58 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب فضل الزهد في الدنيا




قال الله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} [يونس (24) ] .
----------------
أصل الزهد الرضا عن الله عز وجل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بم أتاه» . وسئل الزهري عن الزاهد، فقال: من لم يغلب الحرام صبره، ومن لم يشغل الحلال شكره. وهذه الآية مثل ضربه الله تعالى لزينة الدنيا، وسرعة زوالها، وفنائها.




قال تعالى: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [الكهف (45، 46) ] .
----------------
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المال والبنون حرث الدنيا، والأعمال الصالحات حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام.






قال تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد (20) ] .
----------------
الكفار أشد إعجابا بزهرة الدنيا، وأما المؤمن فإذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدره الله، وعلم أنه زائل، وقال: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} .







قال تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران (185) ]
----------------
أي: كمتاع يدلس به على المستام فيغر ويشتريه، فمن اغتر بها وآثرها فهو مغرور.







قال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} [آل عمران (14) ]
----------------
في هذه الآية تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة.








قال تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} [فاطر (5) ] .
----------------
أي: لا يذهلكم التمتع بالدنيا عن طلب الآخرة، والسعي لها، ولا يغرنكم الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية.








قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا} [الأعراف (169) . ***






قال تعالى: {ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين} [التكاثر (1: 5) ] .
----------------
أي: لو تعلمون علما يقينا لما ألهاكم شيء عن طلب الآخرة، حتى صرتم إلى المقابر.








قال تعالى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} [العنكبوت (64) ] .
----------------
أي: لو كانوا يعلمون لم يؤثروا الدنيا على الآخرة، التي هي الحياة الحقيقة الدائمة، فإن الدنيا سريعة الزوال، ونعيمها لهو ولعب، كما يبتهج به الصبيان ساعة، ثم يتفرقون عنه لاغيين متعبين.






عن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟» فقالوا: أجل، يا رسول الله، فقال: «أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم» . متفق عليه.
----------------
بلاد البحرين: بين البصرة وهجر، وسميت (البحرين) ، لاجتماع البحر العذب والملح فيها، فإن الماء العذب تحت البحر، فإذا حفر الحاجز بينهما نبع العذب وارتفع. قوله: فتنافسوها كما تنافسوها. التنافس أول درجات الحسد. وفي رواية عند مسلم: «تنافسون ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون» . قال ابن بطال: فيه: أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها.







عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وجلسنا حوله، فقال: «إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» . متفق عليه.
----------------
زهرة الدنيا: زينتها وبهجتها. قال تعالى: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} [طه (131) ] .








عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «خضرة حلوة» ، أي: جامعة بين الوصفين المحبوبين للبصر والذوق، كالفاكهة. وفي الحديث: التحذير من فتنة المال، وفتنة النساء.








عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة» . متفق عليه.
----------------
هذا الكلام قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في أشد أحواله، لما رأى تعب أصحابه في حفر الخندق، وقاله في أسر الأحوال أيضا لما رأى كثرة المؤمنين في يوم عرفة، لبيك إن العيش عيش الآخر، أي الحياة الدائمة التي لا حزن فيها ولا تعب.







عن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله: فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد: يرجع أهله وماله ويبقى ... عمله» . متفق عليه.
----------------
الغالب أن المرء إذا مات تبعه أهله، وما احتيج إليه من ماله في تجهيزه، وإذا دفن رجعوا ودخل عمله معه في قبره، كما في حديث البراء. «ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح» . الحديث.







عن أنس - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط» . رواه مسلم.
----------------
فيه: أن عذاب الآخرة ينسي نعيم الدنيا، وأن نعيم الآخرة ينسي شدة الدنيا. قال الله تعالى: {قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون} [المؤمنون (112: 114) ] . وقال تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} [فاطر (34، 35) ]







عن المستورد بن شداد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع!» . رواه مسلم.
----------------
مثل - صلى الله عليه وسلم - زمان الدنيا في جانب زمان الآخرة، ونعيمها بنسبة الماء الملاصق بالأصبع إلى البحر، قال الله تعالى: {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} [التوبة (38) ] .







عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالسوق والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ ثم قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا، أنه أسك فكيف وهو ميت! فقال: «فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «كنفتيه» أي: عن جانبيه. و «الأسك» : الصغير الأذن. فيه: أن الدنيا عند الله أذل وأحقر من التيس الصغير الأصمع الميت عند الناس، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه وعالما ومتعلما» .








عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرة ... بالمدينة فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذر» قلت: لبيك يا رسول الله. فقال: «ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا شيء أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وعن شماله وعن خلفه، ثم سار، فقال: «إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وعن شماله ومن خلفه «وقليل ما هم» . ثم قال لي: «مكانك لا تبرح حتى آتيك» ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى، فسمعت صوتا، قد ارتفع، فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأردت أن آتيه فذكرت قوله: «لا تبرح حتى آتيك» فلم أبرح حتى أتاني، فقلت: لقد سمعت صوتا تخوفت منه، فذكرت له، فقال: «وهل سمعته؟» قلت: نعم، قال: «ذاك جبريل أتاني. فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة» ، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» . متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
----------------
اشتمل هذا الحديث: على فوائد كثيرة، وقواعد عظيمة. وفيه: البشارة بعدم خلود المسلم في النار وإن عمل الكبائر، فإن تاب منها في الدنيا لم يدخل النار إلا تحلة القسم، وإن لم يتب فأمره إلى الله إن شاء غفر له وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه. قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا} [النساء (116) ] .




عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو كان لي مثل أحد ذهبا، لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين» . متفق عليه. ***






عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» . متفق عليه
----------------
وهذا لفظ مسلم. وفي رواية البخاري: «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه» . هذا الحديث: جامع لمعاني الخير. وفيه: دواء كل داء من الحسد وغيره. وفي الحديث الآخر: «رحم الله عبدا نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله وشكره، وفي دينه إلى من هو فوقه، فجد واجتهد» . وعن عمرو بن شعيب مرفوعا: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا: من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به، ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، وأما من نظر في دنياه إلى من هو فوقه وآسف على ما فاته، فإنه لا يكتب شاكرا ولا صابرا» . قال بعض السلف: صاحبت الأغنياء فكنت لا أزال في حزن، فصحبت الفقراء فاسترحت. وفي حديث مرفوع: «أقلوا الدخول على الأغنياء، فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله» .








عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض» . رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: ذم الحرص على الدنيا، حتى يكون عبدا لها، رضاه وسخطه لأجلها.






عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء: إما إزار، وإما كساء، قد ربطوها في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: أن الدنيا لو كانت مكرمة عند الله، لخص أصفياءه بها، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب.






عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر» . رواه مسلم.
----------------
معنى ذلك: أن الدنيا سجن المؤمن بالنسبة إلى ما أعد له من النعيم، وجنة الكافر بالنسبة إلى ما أعد له من العذاب وأيضا فإن المؤمن ممنوع من الشهوات المحرمة، والكافر منهمك فيها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» . وعن أبي سهل الصعلوكي الفقيه، وكان ممن جمع رياسة الدين والدنيا، أنه كان في بعض مواكبه إذ خرج عليه يهودي، بثياب دنسة، فقال: ألستم تزعمون أن نبيكم قال: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» . وأنا كافر وترى حالي، وأنت مؤمن وترى حالك، فقال له: إذا صرت غدا إلى عذاب الله كانت هذه جنتك، وإذا صرت أنا إلى النعيم، ورضوان الله صار هذا سجني، فعجب الناس من فهمه وسرعة جوابه.







عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر رضي الله عنهما، يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري.
----------------
قالوا في شرح هذا الحديث معناه: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله، وبالله التوفيق. في هذا الحديث: الحض على تقصير الأمل، والمبادرة إلى العمل، وترك التراخي والكسل. في الحديث الآخر: «اغتنم خمسا فبل خمس شبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.








عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» . حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة.
----------------
اشتمل هذا الحديث على وصيتين عظيمتين فإذا عمل بهما أحبه الله وأحبه الناس. والزهد: هو القناعة بما أعطاك الله، والتعفف عن أموال الناس، وكان عمر يقول على المنبر: إن الطمع فقر وإن اليأس غنى. وقال أيوب السختياني: لا يقبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان، العفة عما في أي الناس، والتجاوز عما يكون منهم. وفي الحديث المرفوع: «حب الدنيا رأس كل خطيئة» . وقال الشافعي رحمه الله تعالى: وما هي إلا جيفة مستحيلة ... ?? ... عليها كلاب همهن اجتذابها ... ??? فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... ?? ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها ... ??






عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: ذكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. رواه مسلم.
----------------
«الدقل» بفتح الدال المهملة والقاف: رديء التمر. فيه: زهده - صلى الله عليه وسلم - وصبره، وحقارة الدنيا عنده، فإن الله تعالى خيره في أن يكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا، وقال: «يا رب، أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا جعت سألتك، وإذا شبعت شكرتك» .







عن عائشة رضي الله عنها، قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني. متفق عليه.
----------------
قولها: «شطر شعير» أي: شيء من شعير،، كذا فسره الترمذي. في هذا الحديث: إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن الدنيا، وعدم النظر إليها. وفيه: استحباب عدم كيل القوت توكلا على الله، وثقة به فإن تكثير الطعام القليل من أسرار الله الخفية، ولا يخالف هذا الحديث: «كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه» . قال الحافظ: الكيل عند المبايعة محبوب من أجل تعلق حق المتبايعين وأما الكيل عند الإنفاق فالباعث عليه الشح؛ فلذا كره.








عن عمرو بن الحارث أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين، رضي الله عنهما، قال: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة. رواه البخاري.
----------------
فيه: أن الإماء والعبيد الذين ملكهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته لم يبقوا على ملكه بعد وفاته، فمنهم من أعتقه، ومنهم من مات قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - وقد قال ... النبي - صلى الله عليه وسلم - «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» .








عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله تعالى، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، منهم: مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، قتل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه، بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه، بدا رأسه ، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدبها. متفق عليه.
----------------
«النمرة» : كساء ملون من صوف. وقوله: «أينعت» أي: نضجت وأدركت. وقوله: «يهدبها» هو بفتح الياء وضم الدال وكسرها لغتان: أي: يقطفها ويجتنيها، وهذه استعارة لما فتح الله تعالى عليهم من الدنيا وتمكنوا فيها. في هذا الحديث: ما كان عليه السلف من الصدق في وصف أحوالهم. وفيه: أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار. وفيه: أن الكفن يكون ساترا لجميع البدن.







عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
فيه: حقارة الدنيا عند الله تعالى، ولهذا ملكها تعالى في الغالب للكفار والفساق لهوانهم عليه، وحمى منها في الغالب الأنبياء والصالحين لئلا تدنسهم.







عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالما ومتعلما» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
فيه: ذم ما أشغل من الدنيا عن ذكر الله وطاعته، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون (9) ] ، وأما ما أعان على طاعة الله من الدنيا فليس بمذموم، قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} [النور (37) ] ، وفي حديث مرفوع: «لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر» .








عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
الضيعة: العقار الذي يحتاج إلى عمل، والمراد لا تتوغلوا في ذلك فترغبوا عن صلاح آخرتكم وتشتغلوا في طلب الدنيا فلا تشبعوا منها






عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: مر علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نعالج خصا لنا، فقال: «ما هذا؟» فقلنا: قد وهى، فنحن نصلحه، فقال: «ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك» . رواه أبو داود والترمذي بإسناد البخاري ومسلم، وقال الترمذي: ... (حديث حسن صحيح) .
----------------
الخص: بيت يعمل من القصب ونحوه. وفيه: شاهد لحديث ابن عمر: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح» .







عن كعب بن عياض - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي: المال» . رواه الترمذي، وقال: ... (حديث حسن صحيح) .
----------------
قوله: «فتنة» ، أي: ابتلاء واختبار. قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء (35) ] ، وقال تعالى: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم} [الأنفال (28) ] .

أ




عن عبد الله بن الشخير - بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين - رضي الله عنه -، أنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقرأ: {ألهاكم التكاثر} قال: «يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» ؟! . رواه مسلم.
----------------
أي ليس لك من مالك إلا ما انتفعت به في دنياك، بأكل أو لبس أو ادخرته لآخرتك، وما سوى ذلك فهو لورثتك. قال بعض السلف: اجعل ما عندك ذخيرة لك عند الله، واجعل الله ذخيرة لأولادك.






عن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، والله إني لأحبك، فقال له: «انظر ماذا تقول؟» قال: والله إني لأحبك، ثلاث مرات، فقال: «إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
«التجفاف» بكسر التاء المثناة فوق وإسكان الجيم وبالفاء المكررة: وهو شيء يلبسه الفرس، ليتقى به الأذى، وقد يلبسه الإنسان. لما كان - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس في الدنيا، كان المحب التابع له متصف بذلك لقوة الرغبة، وصدق المحبة فالمرء مع من أحب، ومولى قوم منهم في العسر واليسر فمن أحب أن يكون معهم في نعيم الآخرة فليصبر كما صبروا في الدنيا. قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} [آل عمران (142) ] .







عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
فيه: الحذر من الحرص على المال والشرف، فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة، ورزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها» .







عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء. فقال: «ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
فيه: الإرشاد إلى ترك الاهتمام بعمارة الدنيا، والحث على الاعتناء بعمارة منازل الآخرة، وأن الدنيا دار عبور إلى دار الحبور.







عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة عام» . رواه الترمذي، وقال: «حديث صحيح» .
----------------
فيه: فضل الفقير الصابر على الغني الشاكر، لأن الأغنياء يحبسون للحساب.









عن ابن عباس وعمران بن الحصين - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» . متفق عليه من رواية ابن عباس
----------------
، ورواه البخاري أيضا من رواية عمران بن الحصين. فيه: التحريض على ترك التوسع في الدنيا. وفيه: التحريض للنساء على المحافظة على أمر الدين ليسلمن من النار.








عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار» . متفق عليه.
----------------
و «الجد» : الحظ والغنى. وقد سبق بيان هذا الحديث في باب فضل الضعفة. أصحاب النار هنا: هم الخالدون فيها، وهم الكفار، قال الله تعالى: {لا يصلاها إلا الأشقى} [الليل (15) ] ، وقال تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها} [الزمر (71) ] ، وقال تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} [الرحمن (55) ] .









عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل» . متفق عليه.
----------------
يشهد لهذا البيت قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص (88) ] ، كان لبيد من فحول شعراء الجاهلية، وهو من هوازان، وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم، وحسن إسلامه، وكان من المعمرين، عاش فوق مئة سنة، وكان شريفا في الجاهلية والإسلام، ولم يقل شعرا بعد إسلامه، وكان يقول: أبدلني الله به القرآن إلا بيتا واحدا: ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... ?? ... والمرء يصلحه القرين الصالح ... ??? قال الشافعي: ولولا الشعر بالعلماء يزري ... ?? ... لكنت اليوم أشعر من لبيد ... ???






الكلم الطيب

امانى يسرى محمد 14-02-2021 10:48 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب فضل الجوع وخشونة العيش


قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} [مريم (59، 60) ] .
----------------
أي: خلف من بعد الذين أثنى الله عليهم من الأنبياء والصالحين، خلف سوء، أضاعوا الصلاة بتركها أو تأخيرها عن وقتها: {واتبعوا الشهوات} مالوا إلى زخارف الدنيا {فسوف يلقون غيا} شرا وخسرانا.



قال تعالى: {فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} [القصص (79: 80) ] .
----------------
قيل: إن قارون خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان، وعليها سرج من ذهب، ومعه أربعة آلاف على زيه؟




قال تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر (8) ] .
----------------
أي: إذا ألهاكم عن الشكر. وعن زيد بن أسلم مرفوعا: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} يعني: شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق، ولذة النوم.



وقال تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} [الإسراء (18) ]
----------------
أي: من كانت همته مقصورة على الدنيا عجلنا له فيها ما نشاء من البسط، والتقتير، لمن يريد أن نفعل به ذلك، ثم جعلنا له في الآخرة جهنم يصلاها مذموما، مدحورا، مطرودا، مبعدا. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له» . رواه أحمد.



قال تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى (20) ] ***



قال تعالى: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون} [القصص (60) ] ***



عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض. فيه: إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن الدنيا، وزهده فيها. وفيه: تحريض لأمته على الزهد فيها، والإعراض عما زاد على الحاجة منها، ولا منافاة فيه وبين حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - يدخر لأهله قوت سنة، لأنه كان يفعل ذلك في آخر حياته، فيخرجه في الحوائج تعرض عليه.



عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: والله، يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار قط. قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح وكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقينا. متفق عليه.
----------------
قال الحافظ: وفي هذا الحديث ما كان فيه الصحابة من التقلل من الدنيا في أول الأمر. وفيه: فضل الزهد، وإيثار الواجد للمعدوم، والاشتراك فيما في الأيدي. وفيه: جواز ذكر المرء ما كان فيه من الضيق بعد أن يوسع الله عليه، تذكيرا بنعمته وليتأس به غيره.



عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل. وقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. رواه البخاري.
----------------
«مصلية» بفتح الميم: أي مشوية. فيه: أن من شأن المحب أن يتبع آثار محبوبه، ويأتم بها.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات. رواه البخاري.
----------------
وفي رواية له: ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. الخوان: ما يؤكل عليه الطعام بدون أن يخفض الآكل رأسه، وهو بدعة جائزة. والخبز المرقق: هو الأرغفة الواسعة الرقيقة. والسميط: ما أزيل شعره وشوي بجلده. وقط: ظرف لما مضى من الزمان مبني على الضم.



عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. رواه مسلم.
----------------
«الدقل» : تمر رديء. قوله: (لقد رأيت نبيكم) ، فيه: حث المخاطبين على الاقتداء به، والإعراض عن الدنيا مهما أمكن.



عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله تعالى. فقيل له: هل كان لكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخلا من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله تعالى، فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه. رواه البخاري.
----------------
قوله: «النقي» هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء: وهو الخبز الحوارى، وهو: الدرمك. قوله: «ثريناه» هو بثاء مثلثة، ثم راء مشددة، ثم ياء مثناة من تحت ثم نون، أي: بللناه وعجناه. قال في القاموس: والحواري بضم الحاء وتشديد الواو، وفتح الراء: الدقيق الأبيض، وهو لباب الدقيق، وكل ما حور، أي: بيض من طعام.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ... ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟» قالا: الجوع يا رسول الله. قال: «وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوما» فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أين فلان؟» قالت: ذهب يستعذب لنا الماء. إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا، وأخذ المدية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إياك والحلوب» فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا. فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم» . رواه مسلم.
----------------
قولها: «يستعذب» أي: يطلب الماء العذب، وهو الطيب. و «العذق» بكسر العين وإسكان الذال المعجمة: وهو الكباسة، وهي الغصن. و «المدية» بضم الميم وكسرها: هي السكين. و «الحلوب» : ذات اللبن. والسؤال عن هذا النعيم سؤال تعديد النعم لا سؤال توبيخ وتعذيب، والله أعلم. وهذا الأنصاري الذي أتوه هو، أبو الهيثم بن التيهان، كذا جاء مبينا في رواية الترمذي وغيره. في هذا الحديث: فوائد كثيرة منها: جواز الضيافة للمقيم إذا احتاج إليها، وجواز ترحيب المرأة بالضيفان، وإنزال الناس منازلهم، واستحباب ترك ذبح الحلوب إذا وجد غيرها، والنهي عن ذبحها نهي إرشاد لا كراهة فيه. وعن ابن عباس مرفوعا: «إذا أصبتم مثل هذا، فضربتم بأيديكم فقولوا: بسم الله وببركة الله، وإذا شبعتم فقولوا: الحمد لله الذي أشبعنا، وأروانا، وأنعم علينا، وأفضل، فإن هذا كفاف هذا. قال ابن القيم: كل أحد يسأل عن تنعمه الذي كان فيه، هل ناله من حل أو لا؟ وإذا خلص من ذلك يسأل هل قام بواجب الشكر فاستعان به على الطاعة أو لا؟



عن خالد بن عمير العدوي، قال: خطبنا عتبة بن غزوان، وكان أميرا على البصرة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما، لا يدرك لها قعرا، والله لتملأن أفعجبتم؟! ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا. رواه مسلم.
----------------
قوله: «آذنت» هو بمد الألف وذال معجمة غير مشددة، أي: أعلمت. وقوله: «بصرم» هو بضم الصاد، أي: بانقطاعها وفنائها. ... وقوله: «وولت حذاء» هو بحاء مهملة مفتوحة، ثم ذال معجمة مشددة، ثم ألف ممدودة، أي: سريعة. و «الصبابة» بضم الصاد المهملة وهي: البقية اليسيرة. وقوله: «يتصابها» هو بتشديد الباء قبل الهاء، أي: يجمعها. و «الكظيظ» : الكثير الممتلىء. وقوله: «قرحت» هو بفتح القاف وكسر الراء، أي صار فيها قروح. في هذا الحديث: فوائد كثيرة، من الترغيب والترهيب، والوعظ والتذكير، وعمق النار، وسعة الجنة وغير ذلك.



عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: أخرجت لنا عائشة رضي الله عنها كساء وإزارا غليظا، قالت: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين. متفق عليه.
----------------
فيه: إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن الدنيا، واكتفاؤه بما تيسر من اللباس. وفيه: تهييج للمتبعين سبيله على ذلك.



عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، وهذا السمر، حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط. متفق عليه.
----------------
«الحبلة» بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة: وهي والسمر، نوعان معروفان من شجر البادية. قوله: «إلا ورق الحبلة وهذا السمر» في رواية للبخاري: «إلا الحبلة وورق السمر» : وهذه الغزوة تسمى غزوة الخبط. وفيه: ما كان الصحابة عليه من الضيق في أول الإسلام امتحانا ليظهر صدقهم، قال الله تعالى: {آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [العنكبوت (1: 3) ] . قال الشاعر: لولا اشتعال النار في جزل الفضاء ... ?? ... ما كان يعرف طيب نشر العود ... ???



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» . متفق عليه.
----------------
قال أهل اللغة والغريب: معنى «قوتا» أي: ما يسد الرمق. معنى الحديث: طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن، ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتبسم حين رآني، وعرف ما في وجهي وما في نفسي، ثم قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق» ومضى فاتبعته، فدخل فاستأذن، فأذن لي فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟» قالوا: أهداه لك فلان - أو فلانة - قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي» قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها. فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاءوا وأمرني فكنت أنا أعطيهم؛ وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن. ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا واستأذنوا، فأذن ... لهم وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «خذ فأعطهم» قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: «أبا هر» . قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت، فقال «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا! قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله، وسمى وشرب الفضلة. رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث من الفوائد: استحباب الشرب من قعود. وفيه: معجزة عظيمة من علامات النبوة. وفيه: جواز الشبع. وفيه: أن كتمان الحاجة والتلويح بها أولى من إظهارها. وفيه: كرم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيثاره على نفسه، وأن ساقي القوم آخرهم شربا. وفيه: استحباب الحمد على النعم والتسمية عند الشرب.


عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع. رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: صبر الصحابة رضي الله عنهم على الفقر والجوع تتميما لهجرتهم إلى الله ورسوله. وفيه: ثباتهم على دينهم بخلاف من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه.



عن عائشة رضي الله عنها، قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير. متفق عليه.
----------------
قال العلماء: الحكمة في عدوله - صلى الله عليه وسلم - عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود، إما لبيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم، أو خشي أنهم لا يأخذون ثمنا فلم يرد التضييق عليهم. وذكر ابن الطلاع: أن أبا بكر إفتك الدرع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: رهن النبي - صلى الله عليه وسلم - درعه بشعير، ومشيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد سمعته يقول: «ما أصبح لآل محمد صاع ولا أمسى» وإنهم لتسعة أبيات. رواه البخاري.
----------------
«الإهالة» بكسر الهمزة: الشحم الذائب. و «السنخة» بالنون والخاء المعجمة: وهي المتغيرة. فيه: إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن المشتهيات، واجتزاؤه بما يسد الحاجة من القوت. وفيه: تسلية لذوي الفقر والحاجة من أمته. قوله: وإنهم لتسعة أبيات. قال الحافظ: ومناسبة ذكر أنس لهذا القدر مع ما قبله، الإشارة إلى سبب قوله - صلى الله عليه وسلم - هذا، وأنه لم يقله متضجرا، ولا شاكيا، وإنما قاله معتذرا عن إجابة دعوى اليهودي، ولرهنه درعه. وفي الحديث: جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم. واستنبط منه جواز معاملة من أكثر ماله حرام. وفيه: جواز بيع السلاح، ورهنه، وإجازته، وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيا. وفيه: ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع، والزهد في الدنيا، والتقلل منها مع قدرته عليها، والكرم الذي أفضى به إلى عدم الادخار، والصبر على ضيق العيش. وفيه: فضيلة لأزواجه وصبرهن معه على ذلك.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم منها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. رواه البخاري.
----------------
فيه: فضيلة الصحابة رضي الله عنهم، وصبرهم على الفقر، وضيق الحال، والاجتزاء من اللباس على ما يستر العورة، وقد أثابهم الله على ذلك فاستخلفهم في الأرض، ومكن لهم دينهم وبدلهم من بعد فقرهم غنى، ومن بعد خوفهم أمنا مع ما أعد الله لهم في الآخرة من الثواب في الجنة.



عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدم حشوه من ليف. رواه البخاري.
----------------
فيه: عدم مبالاته - صلى الله عليه وسلم - بمستلذات الدنيا، كما قال: «ما لي وللدنيا، إنما مثلي في الدنيا كراكب قال في ظل دوحة، ثم راح، وتركها» .



عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل من الأنصار، فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أخا الأنصار، كيف أخي سعد بن عبادة؟» فقال: صالح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يعوده منكم؟» فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال، ولا خفاف، ولا قلانس، ولا قمص، نمشي في تلك السباخ، حتى جئناه، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين معه. رواه مسلم.
----------------
فيه: تواضعه - صلى الله عليه وسلم - واستحباب السؤال عن المريض وعيادته. وفيه: دلالة على الاقتصار على قليل الملبوس. وفيه: إكرام الوفد، وإنزال الناس منازلهم.



عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» قال عمران: فما أدري قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين أو ثلاثا «ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» . متفق عليه.
----------------
القرن: أهل زمان واحد متقارب، وقرنه - صلى الله عليه وسلم - هم أصحابه، ثم قرن التابعين، ثم أتباع التابعين، ثم فشت البدع، وامتحن أهل العلم، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وكثرة شهادة الزور، والخيانة، واتباع الشهوات، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه.

امانى يسرى محمد 02-12-2021 02:21 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق
قال الله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود (6) ] .
----------------
أي: هو المتكفل بأرزاق المخلوقات في البر والبحر. قال مجاهد: ما جاءها من رزق فمن الله عز وجل.





قال تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة (273) ] .
----------------
أي: الأولى بالصدقات الفقراء المقيمون على طاعة الله، المتعففون عن السؤال. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: استغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.





قال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [الفرقان (67) ] .
----------------
أي: الإنفاق بين الإسراف والإقتار هو القوام الذي تقوم به معيشة الإنسان بحسب حاله، وخير الأمور أوساطها.





قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} [الذاريات (56، 57) ] .
----------------
أي: ما خلق الله الجن والإنس إلا لأجل عبادته وحده، لا شريك له، وليس محتاجا إليهم كما يحتاج السادة إلى عبيدهم، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل، ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك» . رواه أحمد. وفي بعض الكتب الإلهية: ابن آدم خلقتك لعبادتي، فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل خير، وإن فتك فاتك كل خير، وأنا أحب إليك من كل شيء» .





عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» . متفق عليه.
----------------
«العرض» بفتح العين والراء: هو المال. أي: ليس حقيقة الغنى كثرة المال مع الحرص، وإنما الغني من استغنى بما آتاه الله، وقنع به، وإنما كان الممدوح غنى النفس، لأنها حينئذ تكف عن بث المطامع فتعز. وقال الشاعر: ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... ?? ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر ... ??? وقال بعض العارفين: رضينا بقسمة الجبار فينا ... ?? ... لنا علم وللجهل مال ... ???? فإن المال يفنى عن قريب ... ??? ... وإن العلم كنز لا يزال ... ??





عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه» . رواه مسلم.
----------------
الكفاف: ما كف عن السؤال مع القناعة. وفي الحديث: شرف هذه الحال على الفقر المسهي، والغنى المطغي.





عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: «يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيما ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله. فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي. متفق عليه.
----------------
«يرزأ» براء ثم زاي ثم همزة؛ أي: لم يأخذ من أحد شيئا، وأصل الرزء: النقصان، أي: لم ينقص أحدا شيئا بالأخذ منه، و «إشراف النفس» : تطلعها وطمعها بالشيء. و «سخاوة النفس» : هي عدم الإشراف إلى الشيء، والطمع فيه، والمبالاة به والشره. قال الحافظ: إنما امتنع حكيم من أخذ العطاء، مع أنه حقه، لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا، فيعتاد الأخذ فيتجاوز به إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما لا يريبه خوف ما يريبه.




عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره! قال: كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه. متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: ما كان فيه الصحابة رضي الله عنهم من الشدة والضيق، فصبروا حتى كانت العقبى الطيبة لهم في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا ... يوقنون} [السجدة (24) ] . وفيه: كراهية إفشاء العمل الصالح إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة.




عن عمرو بن تغلب - بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالا، وترك رجالا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني إنما أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب» قال عمرو بن تغلب: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم. رواه البخاري.
----------------
«الهلع» : هو أشد الجزع، وقيل: الضجر. في هذا الحديث: ائتلاف من يخشى جزعه، أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من يتبعه. وفيه: أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في الآخرة. وفيه: أن الناس جبلوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته، إلا من شاء الله. وفيه: أن المنع قد يكون خيرا للمنوع، كما قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} [البقرة (216) ] . وفيه: الاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه.





عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله» . متفق عليه. وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أخصر.
----------------
اليد العليا: المنفقة؛ والسفلى: السائلة، ومعنى: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» ، أي: أفضلها ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال، ومن يستعفف عن سؤال الناس «يعفه الله» ، أي: يرزقه العفة، ومن يستغن ولا يسأل الناس يغنه الله.





عن أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا، فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته» . رواه مسلم.
----------------
فيه: النهي عن الإلحاح في السؤال، وأنه لا يبارك له فيما أعطي، وقد قال الله تعالى مادحا أقواما لتعففهم: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة (273) ] .





عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله» فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس وتطيعوا الله» وأسر كلمة خفيفة «ولا تسألوا الناس شيئا» . فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه. رواه مسلم.
----------------
فيه: الحث على مكارم الأخلاق، والترفع عن تحمل منن الخلق، وتعظيم الصبر على مضض الحاجات، والاستغناء عن الناس، وعزة النفس. وفيه: التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن سؤال الناس أموالهم، فحملوه على عمومه. وفيه: التنزه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا.




عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم» . متفق عليه.
----------------
«المزعة» بضم الميم وإسكان الزاي وبالعين المهملة: القطعة. فيه: النهي عن السؤال من غير ضرورة، وأنه يحشر يوم القيامة ووجهه عظم لا لحم عليه.





عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة» . متفق عليه.
----------------
قال الحافظ: وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعا: «يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي» .





عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا؛ فليستقل أو ليستكثر» . رواه مسلم.
----------------
فيه: تحريم السؤال من غير حاجة ظاهرة، وأنه كلما كثر سؤاله كثر عذابه.





عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد منه» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
«الكد» : الخدش ونحوه. فيه: قبح السؤال، ورخص في سؤال السلطان، لأن للسائل في بيت المال حق وكذلك السؤال للضرورة.





عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح غريب) .
----------------
«يوشك» بكسر الشين: أي يسرع. قال وهب بن منبه لرجل يأتي الملوك: ويحك، تأتي من يغلق عنك بابه، وتدع من يفتح لك بابه.





عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا، وأتكفل له بالجنة؟» فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------






عن أبي بشر قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» ثم قال: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتا» . رواه مسلم.
----------------
«الحمالة» بفتح الحاء: أن يقع قتال ونحوه بين فريقين، فيصلح إنسان بينهم على مال يتحمله ويلتزمه على نفسه. و «الجائحة» الآفة تصيب مال الإنسان. و «القوام» بكسر القاف وفتحها: هو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه. و «السداد» بكسر السين: ما يسد حاجة المعوز ويكفيه، و «الفاقة» : الفقر. و «الحجى» : العقل. في هذا الحديث: تحريم السؤال إلا في غرم، أو جائحة، أو فاقة.




عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس» . متفق عليه.
----------------
أي: ليس المسكين الكامل المسكنة الممدوح هذا الطواف، ولك المسكين المتعفف الذي لا يجد غني يغنيه عن المسألة، ولا يفطن له، لكتم حاله، فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس، ولا يستطيع ضربا في الأرض، {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} .






الكلم الطيب

امانى يسرى محمد 10-09-2022 12:56 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب جواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع إليه




عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر عن عمر - رضي الله عنهم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال: «خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه فتموله، فإن شئت كله، وإن شئت تصدق به، وما لا، فلا تتبعه نفسك» قال سالم: فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا، ولا يرد شيئا ... أعطيه. متفق عليه.
----------------
(مشرف) : بالشين المعجمة: أي متطلع إليه. قال البخاري: باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة، ولا إشراف نفس {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات (19) ] . وذكر الحديث: قال الحافظ: وفي الحديث أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره أحوج إليه منه، وإن رد عطية الإمام ليس من الأدب.




باب الحث على الأكل من عمل يده




قال الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة (10) ] .
----------------
هذا أمر إباحة بعد النهي عن البيع، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين.



عن أبي عبد الله الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه» . رواه البخاري. ***



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه» . متفق عليه.

----------------
فيه: الحض على التعفف عن المسألة، والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشاق، لما يدخل على السائل من ذل السؤال، وعلى المسؤول من الحرج.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان داود - عليه السلام - لا يأكل إلا من عمل يده» . رواه البخاري.

----------------
كان داود عليه السلام ملكا نبيا، وكان ينسج الدروع ويبيعها، ولا يأكل إلا من ثمنها.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان زكريا - عليه السلام - نجارا» . رواه مسلم.
----------------
فيه: جواز الصنائع، وأن النجارة صناعة فاضلة وأنها لا تسقط المروءة.



عن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ال: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده» . رواه البخاري.

----------------
الاكتساب لا ينافي التوكل، فقد كان للجنيد دكان في البزازين، وكان يرخي ستره عليه، فيصلي ما بين الظهر والعصر، وكان إبراهيم بن أدهم يكثر الكسب وينفق منه ضرورته، ويتصدق بباقيه، وكان أحب طرقه إليه حفظ البساتين وخدمتها، لأنه تتم له فيها الخلوة. وفي الحديث الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الكسب أطيب؟ قال: «عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور» .




ايمن الشبراوي 13-09-2022 09:39 AM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
هل صليت علي النبي محمد اليوم

ايمن الشبراوي 13-09-2022 09:40 AM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
والصلاه والسلام على اشرف المرسلين

ايمن الشبراوي 13-09-2022 09:41 AM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
وجاءت سكرة الموت بالحق

امانى يسرى محمد 07-12-2022 02:38 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
قال الله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} [سبأ (39) ] .
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
أي: ما أنفقتم في رضا الله عز وجل فهز يخلفه في الدنيا بالمال، أو بالقناعة، وفي الآخرة بالجزاء المضاعف، قال الله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [البقرة (245) ] .



قال تعالى: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} [البقرة (272) ] .
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
أي: ما تنفقوا من خير فثوابه لأنفسكم، فلا تمنوا به، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله. قال عطاء: إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله. {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم} ثوابه. {وأنتم لا تظلمون} أي: لا تنقصون.



قال تعالى: {وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة (273) ] .
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
أي: فيجازيكم بقدره.

https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25

عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها» . متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
ومعناه: ينبغي أن لا يغبط أحد إلا على إحدى هاتين الخصلتين. الحكمة: العلم. وضابطها ما منع الجهل، وزجر عن القبيح، والعلم النافع هو القرآن والسنة.



عن ابن مسعود - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: ... «فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر» . رواه البخاري.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
فيه: التحريض على ما يمكن تقديمه من المال في وجوه البر لينتفع به في الآخرة.



عن عدي بن حاتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» . متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
فيه: أن الصدقة تقي من النار، ولو كانت قليلة، وفي الحديث الآخر: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» .



عن جابر - رضي الله عنه - قال: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قط، فقال: لا. متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
كان - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق بالرد فإن كان عنده المسؤول، وساغ الإعطاء أعطى وإلا وعد كما قال تعالى: وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا} [الإسراء (28) ] .

https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» . متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
فيه: الحض على الإنفاق ورجاء قبول دعوة الملك.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك» . متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
الإنفاق الممدوح: ما كان في الطاعات، وعلى العيال والضيفان.



عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» . متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
المراد: الإطعام على وجه الصدقة، والهدية، والضيافة، ونحو ذلك. وقوله: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» . المراد به: إفشاء السلام على من لقيت. وفيه: حض على ائتلاف القلوب واستجلاب مودتها.


عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربعون خصلة: أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها؛ رجاء ثوابها وتصديق موعودها، إلا أدخله الله تعالى بها الجنة» . رواه البخاري. وقد سبق بيان هذا الحديث في باب بيان كثرة طرق الخير.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
في هذا الحديث: أن الإنسان ينبغي له أن يحرص على فعل الخير ولو كان قليلا، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق» . قال ابن بطال: ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عالما بالأربعين، وإنما لم يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها، وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهدا في غيرها من أبواب البر.



عن أبي أمامة صدي بن عجلان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى» . رواه مسلم.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
الفضل: ما زاد على ما تدعو إليه حاجة الإنسان لنفسه ولمن يمونه من زوجة، وعبد، ودابة، وقريب؛ فلا يلام على إمساك ما يكف به الحاجة لذلك

https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25

عن أنس - رضي الله عنه - قال: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل، فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها. رواه مسلم.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
في هذا الحديث: جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم ترغيبا في الإسلام. وفيه: كمال معرفته - صلى الله عليه وسلم - بدواء كل داء.



عن عمر - رضي الله عنه - قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسما، فقلت: يا رسول الله، لغير هؤلاء كانوا أحق به منهم؟ فقال: «إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني، ولست بباخل» . رواه مسلم.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
في هذا الحديث: ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من عظيم الخلق، والصبر، والحلم، والإعراض عن الجاهلين.



عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: بينما هو يسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مقفله من حنين، فعلقه الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا» . رواه البخاري.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
«مقفله» أي: حال رجوعه. و «السمرة» : شجرة. و «العضاه» : شجر له شوك. في هذا الحديث: ذم البخل، والكذب، والجبن. وفيه: ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الحلم وحسن الخلق، والصبر على جفاة الأعراب، وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله - عز وجل -» . رواه مسلم.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
في هذا الحديث: أن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده، لما تدفعه عنه الصدقة من الآفات، وتنزل بسبها البركات. وفيه: أن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في قلوب الناس، وأن من تواضع رفعه الله في الدنيا والآخرة.



عن أبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر - أو كلمة نحوها - وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما، ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا، ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
قوله: «ما نقص مال عبد من صدقة» . يشهد له قوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} [سبأ (39) ] . قوله: «ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا» ، يشهد له قوله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى (43) ] . قوله: «ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر» وهذا مشاهد بالحس ويشهد له قوله تعالى {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر (15) ] . قوله: «إنما الدنيا لأربعة ... » إلخ فالأول علم وعمل صالحا. والثاني: علم وعزم على العمل الصالح لو قدر، فأجرهما سواء والثالث: لم يعلم ولم يعمل في ماله صالحا. والرابع: لم يعلم وعزم على العمل السيئ، لو قدر على مال فوزهما سواء. وقال بعض العارفين: أربعة تعجبت من شأنهم ... ?? ... فالعين في فكرتهم ساهرة ... ??? فواحد دنياه مبسوطة ... ?? ... قد أوتي الدنيا مع الآخرة ... ?? وآخر دنياه مقبوضة ... ???? ... وبعدها آخرة وافرة ... ????? وثالث دنياه مبسوطة ... ?? ... ليست له من بعده آخرة ... ??? ورابع أسقط من بينهم ... ?? ... ليست له دنيا ولا آخرة ... ??? قال الله تعالى: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} [الإسراء (21) ] .

https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25

عن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما بقي منها؟» قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: «بقي كلها غير كتفها» . رواه الترمذي، وقال: «حديث صحيح» .
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
ومعناه: تصدقوا بها إلا كتفها. فقال: بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها. فيه: تحريض على الصدقة والاهتمام بها، وألا يكثر المرء ما أنفقه فيها.



عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا توكي فيوكي الله عليك» . وفي رواية: «أنفقي أو انفحي، أو انضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك» . متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
و «انفحي» بالحاء المهملة، وهو بمعنى «أنفقي» وكذلك «انضحي» . في هذا الحديث: أن الجزاء من جنس العمل، وأن من منع ما عنده من المال قطع الله عنه مادة الرزق، وهذا مفهوم قوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} [سبأ (39) ] . وفيه: الحث على الإنفاق في وجوهه ثقة بالله تعالى.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مثل البخيل والمنفق، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت - أو وفرت - على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل، فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع» . متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
و «الجبة» : الدرع؛ ومعناه أن المنفق كلما أنفق سبغت، وطالت حتى تجر وراءه، وتخفي رجليه وأثر مشيه وخطواته. القبض والشح من جبلة الإنسان قال الله تعالى: {وكان الإنسان ... قتورا} [الإسراء (100) ] ، والنفقة تستوعب عيوبه. وفي الحديث: وعد للمنفق بالبركة والصيانة من البلاء والبخيل بضد ذلك. قال الله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} ... [الحشر (9) ] .



عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل» . متفق عليه.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif
«الفلو» بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، ويقال أيضا: بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو: وهو المهر. فيه: أن الله لا يقبل الصدقة إلا من الكسب الطيب، وهو الحلال. وفي رواية: «ولا يصعد إلى الله إلا الطيب. قوله: «بيمينه» . قال الترمذي: قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: نؤمن بهذه الأحاديث، ولا نتوهم فيها تشبيها ولا نقول كيف، هكذا روي عن مالك، وابن عيينة، وابن المبارك، وغيرهم.



عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة، اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها، فقال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه» . رواه مسلم.
http://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gifhttp://www.bntpal.com/up/uploads/bnt...1943838291.gif

«الحرة» الأرض الملبسة حجارة سوداء. و «الشرجة» بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء وبالجيم: هي مسيل الماء. في هذا الحديث: أن الصدقة تنتج البركة والمعونة من الله. وفي الحديث الآخر: «ما نقصت صدقة من مال بل تزيده، بل تزيده»




تطريز رياض الصالحين
موقع الكلم الطيب



امانى يسرى محمد 30-01-2023 12:02 PM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
باب النهي عن البخل والشح



قال الله تعالى: {وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردى} [الليل (8: 11) ] .

----------------
البخل: معروف، والشح أبلغ من البخل؛ لأنه يبخل بما عنده، ويطلب ما ليس له. وقوله تعالى: {وأما من بخل} ، أي: بالإنفاق في الخيرات، {واستغنى} ، أي: بالدنيا عن الآخرة، {وكذب بالحسنى} ، أي: بالجزاء في الدار الآخرة، {فسنيسره} نهيئه {للعسرى} لطريق الشر، وهي الأعمال السيئة الموجبة للنار، {وما يغني عنه ماله} الذي يبخل به {إذا تردى} إذا مات، وهو في جهنم.





قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [التغابن (16) ] .
----------------
أي: ومن سلم من الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم، {فأولئك هم المفلحون} ، أي: الفائزون. قال ابن زيد وغيره: من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه، ولم يمنع الزكاة المفروضة فقد برئ من شح النفس. وقال ابن مسعود: شح النفس: أكل مال الناس بالباطل. أما منع الإنسان ماله فبخل، وهو قبيح. قال ابن عطية: شح النفس فقر لا يذهبه غنى المال بل يزيده.









عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» . رواه مسلم.
----------------
أي: استحلوا ما حرم الله عليهم حرصا على المال، كما احتالوا على ما حرم الله عيهم من الشحوم، فأذابوها فباعوها واحتالوا لصيد السمك فحبلوا له يوم الجمعة وأخذوه يوم الأحد، وغير ذلك مما استحلوا به محارمهم وسفكوا به دماءهم.








https://akhawat.islamway.net/forum/a...6d5bccfc1adb25


باب الإيثار والمواساة



قال الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر (9) ] .
----------------
يعني: فاقة وحاجة، أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم.





قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} ... [الدهر (8) ] . إلى آخر الآيات

----------------
يعني: ويطعمون الطعام وهم يحبونه، ويشتهونه، مسكينا، ويتيما، وأسيرا، وإن كان كافرا، لوجه الله تعالى لا لحظ النفس، وخوفا من عذاب يوم القيامة، فوقاهم الله شر ذلك اليوم، ولقاهم نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم، وجزاهم بما صبروا على ترك الشهوات، وأداء الواجبات جنة وحريرا.









عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يضيف هذا الليلة؟» فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني. قال: فعلليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء فنوميهم، وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل. فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين، فلما أصبح غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة» . متفق عليه.
----------------
هذا الحديث: أخرجه البخاري في التفسير، وفي فضائل الأنصار. وفيه: استحباب الإيثار على النفس ولو كان محتاجا، وكذلك على العيال إذا لم يضرهم.









عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية» . المراد بذلك: الحض على المكارم، والتقنع بالكفاية، وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما، وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر. وعند الطبراني: «كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين» . الحديث. فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ من بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما زاد زادت البركة. وفيه: إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصل معها البركة. وفيه: أنه ينبغي للمرء أن لا يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه، فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء.









عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له» . فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. رواه مسلم.

----------------
في هذا الحديث: الأمر بالمواساة من الفاضل، وهو كحديث: إنك يا ابن آدم إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول.









عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن أمرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببردة منسوجة، فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال فلان: اكسنيها ما أحسنها! فقال: «نعم» فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه: فقال له القوم: ما أحسنت! لبسها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجا إليها، ثم سألته وعلمت أنه لا يرد سائلا، فقال: إني والله ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنه. رواه البخاري.
----------------

في هذا الحديث: جواز إعداد الشيء قبل الحاجة إليه. وفيه: حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وسعة جوده وقبول الهدية.









عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» . متفق عليه.
----------------
«أرملوا» : فرغ زادهم أو قارب الفراغ. في الحديث: فضيلة الأشعريين، وفضيلة الإيثار، والمواساة، وفضيلة خلط الأزواد عند الحاجة.



الكلم الطيب

موبيليا هب 31-01-2023 08:23 AM

رد: تطريز رياض الصالحين
 
احسنت اخى الكريم وبارك الله فيك...مشكورررررررررررر


الساعة الآن 05:52 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام