منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com//index.php)
-   المنتدى العام والهادف (http://forum.islamstory.com//forumdisplay.php?f=104)
-   -   لماذا تأخر النصر؟! (http://forum.islamstory.com//showthread.php?t=121948)

امانى يسرى محمد 20-02-2020 12:14 PM

لماذا تأخر النصر؟!
 

الحمد لله وبعد؛ لا تمرُّ الحياة بلا نِزاعات، وأكثر النزاعات بين الحق والباطل، وهى منذ خلَق الله تعالى آدم وإبليس.


الحقُّ والباطل في صراع إلى يوم القيامة، لا يُنكِر هذا عاقل، والكل يتمنى النصر، وعلى العاقل أن يكون دائمًا إلى جوار الحق الظاهر البيِّن مِن غير شُبهة، لا يتأخرنَّ عن نصرته، ولا يَسكتنُّ فيُعطي الباطل قوة وإن لم يكن معه.

لكن كثيرًا مِن الناس وقد طلبوا النصرة فلم يُعطَوها، واستَنصروا فلم يُنصَروا فتعجَّبوا، أو سار فيهم الشك أنهم ليسوا على الحق، ويسألون لم تأخَّر النصر؟ وهم لم يأخذوا بأسباب النصرة!

إن هذه الفترة التي يمر بها العالم الإسلامي تُوضِّح بالفعل الواقع لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم)) ففي كل دولة من الدول الإسلامي برز الصراع الأيديولوجي والفكري والمنهجي، وتمَّت بالمنازعات العسكرية التي تبنَّتها أفكار وقرارات الإدارات الغربية التي تُحارب التوجُّه الإسلامي في كل مكان، ولقد كان تقرير مؤسَّسة راند لعام 2007 الشرارة التي انطلقت منها الحلول العسكرية بجوار الحلول الفكرية المزعومة لدى الإدارة الأمريكية للقضاء على التيارات الإسلامية في العالم الإسلامي بحُجَّة الإرهاب والتطرف، وأصبحت تلك الثقافة هي ثقافة المجتمعات المسلمة، تبنى ذلك فيها الليبراليون والعلمانيون المنتسبون إلى الإسلام وهو مِن أفكارهم براء.

والمسلمون يتساءلون: لم يتأخَّر النصر؟! إن كانت النصرة من الله فلننظر ماذا اشترط لها الله تعالى؟ فهل تستطيع تحصيل ما وعد دون تنفيذ ما به اشترط؟

إن الله تعالى خاطب المسلمين المؤمنين مثبتًا لهم قائلاً: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ [آل عمران: 139]، ووعدهم بنَصرِه فقال لهم: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].

هناك شروط وأسباب غفل عنها الناس فلم يُعطَوا النصر، وأعظمها وأهمُّها:
إخلاص نيتهم لله تعالى؛ فالعبادات كلها لا تُقبَل إلا بالإخلاص، والله تعالى حين فرض على نبيه -صلى الله عليه وسلم- الجهاد قال له: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ [الأنفال: 39]، وقد وضَّح الرسول ذلك فقال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))، فلم تَطلُب النصرة؟ هل ليقال: جاهَدَ وحارَبَ ونشَرَ الإسلام؟ أم ذلك كله لله؟

والله تعالى يقول: ﴿ كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾ [الصف: 14] فمِن الناس مَن كان بظاهرِه مع أهل الله وبباطنِه يَرجو المدح، وهذان لا يَجتمعان، ويرجو بباطنه غير أهل الحق، وهذا هو النفاق.

ثانيًا - الثقة في الله تعالى:
إنكم لا تُنصَرون بعدد ولا عدة وإنما تنصرون من السماء، لم يكن العدد يومًا من الأيام دليلاً على الحق، فأي طائفة مِن الطوائف لا يدلُّ اجتماعُهم على عدد كبير على أنهم أهل الحق والسنَّة والسبيل القويم، بل العِبرة بأعمال العباد وبما يَعتقِدون، ألم تر إلى قول الله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، وقال: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، وقال: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤتى بالنبي وليس معه أحد)).

إننا نُحرَم النصر لأنَّنا نظنُّ أننا كثيرون، وأعدادنا تكفي لفعل ما نريد، بل علينا أن نقول: إننا نُنصر ويَبلغ حقُّنا أطراف الدنيا، ويقضي الله حاجاتنا ويَمنع عنا الظلم والقهر والطغيان؛ للحق الذى معنا وإن قلَّت أعدادُنا.

ثالثًا - الترابُط وترك التنازع:
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا ﴾ [الأنفال: 46]، لنُخلِّ التنازُع والتناحر جانبًا، وهذا لا يعني ترك التناصُح، بل التناصُح واجب مطلوب، لكن لا يؤدينَّ شيء بيننا إلى التنازع فستُرفع النصرات، وسنُحرَم العزة؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾.


إن أعظم القواعد التي استخدمها أهل الباطل قديمًا وحديثًا هي "فرِّق تَسُدْ" استَخدَمَها اليهود وما زالوا، وكل المراكز البحثية التي تتحكَّم في صناعة القرارات الغربية تجاه العالم الإسلامي تُوصي بتمزيقِهم شذرًا؛ لأنهم يَعرِفون أن اتِّحادنا على الحق يقتلهم ويُهلِكُم ويُنهيهم.

رابعًا - الصبر وإن طالت الفترة:
تأخُّر النصر ابتلاء؛ لأن المسلم لا تُهمُّه الفترات، هو يعيش يَطلُب الحق ويدعو إليه ويُؤمِن به منتظرًا النتيجة متى جاءت، فإن جاءت في حياته فبها ونعمت، وإلا فأجره إن لم يَصخَب ويسخط معلومٌ محفوظ، ولذا قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرُوا ﴾ بعد أن أمَر بتركِ النِّزاعات.

وتكلَّم عن الشهداء الذين لم يُدرِكوا ساعة النصر التي طالَما حلموا بها وطلبوها فقال: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ [آل عمران: 169]؛ نعم عند الله هم أحياء، يُرزَقون وينعمون ويتمنون أن يلحَقَ بهم إخوانُهم.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والجهاد ماض في أمتى..)) الحديث.. فالقضية ليست قضية موعد انتصار، بل ما دامت الدنيا أنت في عمل فلا تَستعجِل، وكل شيء عند الله بمقدار.

خامسًا - الثقة بالموعود:
الشك والرَّيب يَحرم العبد النصرة، والنصر لن يتحقق إلا إذا حان موعدُه في علم الله لا في تقديرنا القاصر، ولن يتحقَّق النصر إلا بعد الإيمان الجازم بوعد الله، ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، أما من عنده شك وريبة فلا يستحق النصر.

وانظر في قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]، وتفكَّر في كونِ وعد الله تعالى للمؤمنين ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]، والآية الكريمة جاءت بمجموعة من الصفات لا بدَّ مِن تحقُّقها حتى يكون التمكين.

سادسًا - أن نَنصُر الله تعالى؛ ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]:
إن كثيرًا منا لا يتورَّع عن السكوت أمام المنكر وهو يستطيع الكلام، إنها التنازلات التي تقع من البعض - بعض الأفراد أو بعض التيارات - مِن أجل بعض المُصطلحات الوافدة التي لا علاقة لها بدفع المنكر والأمر بالمعروف ونصرة الدِّين مثل مصطلح التعايش والاحتواء والوطنية... إلخ.

لم يَسكُت النبي -صلى الله عليه وسلم- رغم أنه كان في المعركة حين قال له الصحابة: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط"، كان من المعقول أن يَسكُت أو أن يفعل لهم ما يريدون حتى تنتهى المعركة بسلام، لكن ذلك لم يمنعه أن يقول لهم: ((لقد قلتم ما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة)).

أما التنازلات التي تَحدُث من البعض بحجة الواقع ومُجاراة الأمور فهي سبب من أسباب تأخُّر النصر، بل كن واضحًا مع الناس حتى لا تتَّهم بعد ذلك بالخداع والنفاق فتصد عن سبيل الله بفعلك.

سابعًا - الثبات:
لا تكن مُترددًا أبدًا ما دمت على الحق؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].

يَنبغي على طالب الحق أن يُفكِّر دائمًا في كل ما مِن شأنه أن يُساعدك على إيصال الحق، أهل الباطل يُفكرون ليل نهار لا ينامون، معهم إمكاناتُهم لا يتأخَّرون عن تطويرها واستِخدامها، فلمَ نرضى نحن الدنيَّة في إمكاناتنا وندَّعي الضعف ولنا عقولنا وجوارحنا والله معنا، فقط اثبت على ما معك وابدأ التغيير، قال الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60] انظر إلى الآية قال: ﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾، لكن ثباتُك يُزلزل أهل الباطل، فاستعن بالله ولا تعجز.

ثامنًا - أن يكون الهدف من النصرة إقامة الشريعة:
ألم ترَ إلى قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [الحج: 41] تفكَّر في كل الدول الماضية التي قامَت وتمكَّنت ولم تُقِمِ الشريعة أو أخذوا بعض الكتاب وتركوا البعض، لم يُكتَب لها إلا الخزي؛ ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [البقرة: 85].


ويتأخَّر النصرُ لأن بعض الأفراد أو التيارات ربما لم يكن صريحًا مع نفسه في هذه النُّقطة بالذات فيتأخَّر النصر بسببِه، إننا نحن المسلمين لو أخَذنا بما يجب علينا مِن أسباب النصر نُصرنا وكل آية ممَّا مرَّ ذكَره تستحق النظر والتدبُّر، وسُنَّة الله تعالى في الكون لا تتخلَّف ﴿ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ﴾ [غافر: 85]، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.



د. محمود عبدالله طراد
شبكة الألوكه




الساعة الآن 11:37 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام