أن تنظُرَ لكلّ ما هو جميلٌ.. أن تلتَقط الجانبَ المضيء.. أن تستخرج أفضلَ ما في الناس..
﴿أولئكَ الذينَ نتَقبّلُ عنهم (أحسنَ) ما عملوا﴾..
إنه لقرآنٌ كريمٌ.. يُعطيك الكثيرَ ولو أعطيته القليل: ﴿اقرأ، وربُّك الأكرم﴾..
يكادُ يضيءُ لك من قبل أن تشتغلَ به: ﴿يكاد زيتها يضيءُ ولو لم تَمسسه نار﴾..
"وَإِنْ بَدَتْ بعضُ أعمالنا آثمَةً في أعين الناس.. ألهمنا الإيمانَ بأنها عندكَ طاهرةٌ نقيّةٌ يا الله.."
قد يكونُ من الحكْمة أحيانا أن لا تُغْلقَ جميعَ الأبواب.. فإنك لا تَدري كيف تَتَبدّل الأمور..
﴿عسى اللهُ أن يجعلَ بينكُم وبين الذين عاديتم منهم مَودّةً﴾..
جَاءَ بعد آيات الإفك قولُه ﷻ: ﴿ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته..﴾
أنت في فضل عظيم إن لم تَتكلّم في أعراض الناس.. إن لم تُسِئ الظنَّ..
أنت في نعمة عظيمة إن لم تكسر قلبا.. إن لم تخذلْ أحدا.. إن لم تَجرح رُوحا..
وكلُّ ضيقٍ بكَ يتَّسِعُ..
﴿فأْووا إلى الكهفِ.. ينشُر لكم ربُّكم من رحمته﴾..
﴿الذين يُنفقون في السّراء والضراء﴾
الإنفاقُ في الضراء: أن تبذل وأنت محتاج.. أنت تبتسم وأنت حزين.. أن تمسح دموع غيرك ودموعك في عينيك.. أن تسلي عن المحزون وأنت أحوج منه.. أن تُشرق بالنُّور رغم كلّ شيء..
كثيرٌ ممن تلتقيهم في حياتك عابرون.. ستراهم مرةً واحدة.. ولن يكون هناك لقاءٌ ثان.. ف
احرص على ترك أثر جميل، وشعور صادق..
وفي الحديث: "أَحبُّ الأعمالِ إلى الله ﷻ سرورٌ تُدخلُه على مسلمٍ."
لمّا نظرتُ في القرآن؛ أراني الله ﷻ أن كُلَّ آيةٍ منهُ تُبْقِي الضّميرَ حيّا..
المَعْرفة تَفيضُ بالجَمال والدّهشة.. والحقُّ آسر.. ونحن لا نَملكُ مشاعرَنا حين يُلامِسُ الإلهامُ قلوبَنا..
﴿وإذا سَمعوا ما أُنزل إلى الرسول؛ ترى أعينَهم تفيضُ من الدّمع مما عرَفوا من الحقّ﴾..
ويَبْقى أنّ من أَصدق وأبلغ كلمات التّسليم والرضا بالقضاء؛ قولُ الحبيب ﷺ: "ولا نَقولُ إلا ما يُرضِي ربَّنا.."
حينَ يكون التَّديُّن مزيجا من الحَنان والشُّعور والأخلاق.
. ﴿وحنانا من لّدنا، وزكاةً، وكان تقيّا • وبَرّا بوالديه﴾..
قَدَّمَ الله ﷻ حُبَّه للمؤمنين على مَحبّتهم له: ﴿يُحبّهم ويُحبّونه﴾؛
كُن أنت المُبادر.. بادِر أنت بالحب.. بالعطاء.. بصنائع المعروف..
أشرِق أنت أولا؛ يشرق لك ما حولك..
يرى الشيخُ محمد أكرم النّدوي أنّ المرادَ بقوله تعالى: ﴿وإذا النُّفوسُ زُوِّجَتْ﴾؛ هو أن الله ﷻ يَجْمع الإنسانَ بشريكه الذي يُناسبه في الآخرَة. وفي ذلك أبلغُ العزاء لمن لم يجدْ شريكَ الرُّوح الذي يَستحقّه في هذه الحياة.. وما عند الله خيرٌ وأبقى..
جَمالُ الرُّوح ﴿ولأَمةٌ مؤمنة﴾؛ قبلَ جمال الظاهر ﴿خيرٌ من مشركة، ولو أعجبَتْكم﴾.. وعَالَمُ المعنى ﴿ما كذَبَ الفؤادُ﴾؛ قبل المُشاهَد والمحسوس ﴿ما رَأَى﴾.. وتوهجُّ القَلبِ ﴿وجعلنا له نورا﴾؛ قبل حركة الجوارح ﴿يمشي به﴾..
ثمّ يأتيك في الوقت المناسب.. يسعى إليك.. ولو من بعيد.. ومن حيثُ لا تَحْتسِب..
﴿وجاءَ رجلٌ من أقصا المدينة يسعى؛ قال: يا موسى..﴾..
عَلَّمني القرآنُ أن جبرَ قلوب الناس.. والتّلَطُّف بمشاعرهم.. والتّرفّق بعواطفهم؛ من أجَلّ ما يُتَقرّبُ به إلى الله ﷻ ﴿ذلك أدنى أنْ تَقَرَّ أعينُهنّ، ولا يحْزَنَّ، ويرضَيْن﴾..
تزدادُ قناعتي أن الإنسانَ كلما ترَقّى في العلم..
ازدادت لديه القدرةُ على التماس الأعذار للنّاس وتَفَهُّمهم..
وتلك من أعظم عطايا التَّعلم.
أنظرُ للخلف.. ألتفت للوراء.. أتأمل الأحداث..
السنين.. المواقف.. مفترق الطريق.. الذكريات؛ فلا أجد إلا..
﴿فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا..﴾..
بعضُ النّاس لا عوض عنهم.. ولا يُمكن لأحد أنْ يأخذ مكانهم..
﴿وحَرَّمْنا عليه المراضِعَ من قبلُ﴾..
القرآن العظيم لا يكتفي بأن يُوجّهَك لحُسن الخُلق [=﴿ولو كنتَ فظّا﴾]، بل يريدُ منك قدرا زائدا على حسن الخلق؛ وهو أن تكون رقيقَ القلب، مرهفَ المشاعر [=﴿غليظ القلب﴾].
حينَ نُظهِر الاهتمامَ.. ونُظْهر الحرصَ لمن نُحبّ؛ نحن بذلك نُشبع حاجةً في أعماق النفس.. حاجة للبذل والعطاء.. حاجة للعناية والشّعور بالآخر.. ﴿إلا حاجةً في نَفْس يعقوب قضاها﴾..
وقد يبعثُ الله لك من يأخذ بقلبك.. فتأوي إليه.. ﴿آوى إليه أخاه﴾.. مَنْ يكونُ وجودُه سببا لئلا تحزن.. ﴿إنّي أنا أخوك؛ فلا تبتئس﴾.. من يكون وجوده كفيلا بأن تَنسى ما مَضى من آلام السّنين.
. ﴿فلا تبتئِس بما كانوا يعملون﴾..
﴿وإذا خاطبَهم الجاهلون؛ قالوا سلاما﴾..
لا يتَوقّفُون كثيرا بل يَنْصَرفون بأدب؛ لأنّ في الحياة الكثيرَ من الجَمال..
الكثير ممَّا يستحقّ أن تلتفتَ إليه.. وتعيشَ لأجله..
شَتّان بين مَنْ لم يَخُض التجربة، واكتفى بالتّنظير، وبين مَنْ عاش الموقفَ بكلّيته، وخاض التجربةَ بتفاصيلها.. ﴿قالت: فذلكُنّ الذي لمتُنّني فيه﴾.
يُحبّك حقّا مَن يُضَحّي لأجلك.. ﴿أنا راودتُه عن نفسه، وإنه لمن الصَّادقين﴾.. يُحبّك حقّا من يحرص على أن تَفْهَمه.. وعلى أن تكون صورتُه في عينيكَ طاهرةً نقيّةً ..﴿ذلك ليَعْلَمَ أنّي لم أَخُنْه بالغيب﴾..
. 1﴿ولتعرفنَّهُم في لحن القول [والله يعلم أعمالكم]﴾.
٢. ﴿فامتحنوهن [الله أعلم بإيمانهن]﴾.
٣. ﴿.. من فتياتكم المؤمنات [والله أعلم بإيمانكم]﴾. .
هذه الآياتُ -فيما أحسب- تعالجُ "وَهْمَ المعرفة"؛
إنّها تنتقد -بالإشارة- "الوثوقية العالية"، وتلمح لإشكالية القطع واليقين.
وكان دائما علينا أن نسعى ونحاولَ ما استطعنا .. وأما النتائج فالله كفيلٌ بها ..
تلك النتائج التي قد لا نرى ثمارها في حياتنا ..
ولكنها قطعا سَتُرى هناكَ .. فما كان الله ليضيع إيمانَنا ..
﴿وأن سعيَه سوف يُرى﴾..
لا تدري.. لعلّ بعضَ أقدارِك الجميلة.. مَخْبوءةٌ لك الآن..
لعلها في مكان ما في هذا العالم..
(وكان تحته كنزٌ لهما)..
تنتظر أن تكشفَ عن نفسها حين تكون مستعدا لها..
فالأشياء في وقتها أجمل..
(فأراد ربُّك أن يبلغا أشُدّهما، ويستَخْرجا كنزَهُما رحمةً من ربك)..
لم يمتدح القرآنُ الإنسانَ بصفاته "الموروثة"،
وإنما جعل معيار المفاضلة=الصفات المكتسبة؛
فهو لا يمدح الذكاء، وإنما السعي: ﴿ومن يخرج من بيته﴾،
ولا يعلي من شأن النسب: ﴿ولولا رهطك﴾، وإنما التقوى: ﴿إن أكرمكم عند الله﴾،
ويقدم جمال الروح: ﴿ولأمة مؤمنة﴾ على الشكل: ﴿ولو أعجبتكم﴾.
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)
يجب علي المرء الا ييأس إذا ضاع شيء منه أوشخص أو سعادة ؛
كل شيء يعود مره أخرى أفضل.
فكل شيء يمضي وفقا للقوانين التي هي أكبر من بصيرتنا
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا )
عن أن حاجةَ الإنسان لمَنْ يَفهَمُه قد تفوقُ حاجتَه لمن يُحِبّه..
يكتب جورج أوروِل: "ربما لم يرغب الإنسانُ أن يكون محبوبا، بقدر رغبته في أن يكون مفهوما."
وقد يتجَلّى اللّطفُ الإلهي.. في إنسان قلْبه عليك.. حريص عليك أكثر من نفسك؛
قال الألوسي في تفسير قوله ﷻ: ﴿النّبيُ أولى بالمؤمنين من أنفُسهم﴾: "أشَدّ ولايَةً ونُصْرَةً لهم منها"..
تلك الروحُ منحةٌ من السماء.. تَسْتند عليها في مَتاهة الدّنيا
لابد من فكرة كبيرة.. تملأ عليك حياتَك.. معنى أعلى.. تسير نحوه.. تتذكّره.. فتصبر.. وتصابر.. وتهون -في الطريق إليه- ساعةُ العُسرة..
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)
تُعَلّمك الحياةُ بطريقتها.. المؤلمة أحيانا.. أن القليل فقط هم مَن يستمرون معك إلى أقصى النهاية.. نادرون من ترى فيهم
"معنى" قول الله ﷻ.. ﴿وهي تجري بهم في موج كالجبال، ونادى نوحٌ ابنَه﴾..
ما معنى السّعادة إن لم تُشاركها.. ﴿وأْتوني بأهلكم "أجمعين"﴾..
فحتى أعلى النّعيم -الجنة- إنما يكتمل بحضور من نُحبّ.. ﴿ألحَقنا بهم ذريتَهم﴾..
وإنّ من جليل النعم أن يكون هناك من تعود إليه لتقاسمه مسرّاتك.. ﴿وينقلبُ "إلى أهلِه" مسرورا﴾..
أن تَتمسّك بشعورك.. وصوت قَلبك.. ولو كنت وحدك.. ﴿إنّي لَأَجدُ ريحَ يوسف﴾..
مهما قالوا.. ومهما ظنّوا.. ﴿قالوا: تالله إنَك لفي ضلالك القديم﴾..
سورة يوسف.. السورة التي تُبكيني.. وتُسليني..
السورة التي رأيتُ فيها النفسَ الإنسانية في تناقضاتها..
المشاعر في أوجها.. الحسد.. الحب.. الوفاء.. الفراق.. واللقاء.. السورة التي علّمتني أنه لا حزنَ يدوم..
ولا سعادة تكتمل.. ﴿فاطرَ السماوات والأرض؛ أنت وليي في الدنيا والآخرة﴾..
فلما كبرت؛ أدركت أن هذا الأسلوب التربوي المؤثر= أشار إليه القرآن في قوله ﷻ: ﴿لستُن كأحد من النّساء﴾؛
فهو يدل والله أعلم على أن من أبلغ الوعظ، وأوقعه في النفس= أن تُذَكّر الشخص بمقامه.. أن تُعيدَه إلى نفسه.. وأن تُعرِّفَهُ من يكُون..
أشعر أن الصمتَ.. وإرجاء الردّ إلى وقت آخر.. قد يكون أجدر من الردّ البارد، أو الذي لا يناسب حجم الشكوى أو شعور الطرف الآخر.. وقد لاحظت في رسائل ريلكه (Rilke) أنه كان يتأخر في الردّ والإجابة عن بعض الرسائل حتى يكون قلبُه حاضرا (heartfelt response).. ورسالتُه مناسبةً لشعور المُرسِل.
تُفرّقنا الحياة.. ويُوحِّدُنا الشُّعور..
أقدارُك المخبوءة لك في ضمير الغيب.. مهما ظننت أنّك بعيدٌ عنها.. ﴿فألقيه في اليمّ﴾..
ستكونُ لك يوما ما.. ﴿فردَدناه﴾..
وما جمَعه الله لا يُفرّقُه إنسان..
يُلهمني قولُ الله تعالى (يُحبهم ويُحبونه) إذ فيه "يُقَدّم" الله محبّتَه للمؤمنين على محبّتهم له..
وفي السنة أن عائشة كانت إذا هَوِيت الشيءَ تابَعها عليه ï·؛؛ من هذه الإشارات أفهَمُ أن تكون أنت المبادر بالشعور..
أن تكون لك اليد العليا في الحب.. أن تكون مُحبّا.. ولو لم تكن محبوبا.
كلّ نهاية.. هي بداية جديدة..
(وإن يتفرّقا؛ يُغن الله كلا من سَعته، وكان الله واسعا حكيما)
الآية التي كلما قرأتها.. كانت كأنها المرة الأولى..
من أبلغ ما أنت قارئ في المواساة.. (فإنّ مع العسر يسرا)
قيل إن المَعيّةَ(مع) بين العسر واليسر علاقةٌ حتمية..
جعلها الله كالسّبب مع المُسَببِ..
فالمِحْنةُ إذن سببٌ للمِنْحة..
الرضا.. باب الحرية الأعظم.
في أحيان كثيرة لا يكون بمقدورك أن تفعل شيئا لمن يلجأ إليك..
ولكنك تستطيع دائما أن تُشعِرَه بأنك معه.. أنك حاضر..
أن تخفف عنه؛ كلماته لأبي بكر في الغار..(لا تحزن إن الله معنا).
تشير لهذا المعنى..
فلم يكن هناك غير الكلمات.. والتضامن..
مغرمٌ بالقول القائل إن (ما) في: (وربك يخلق ما يشاء ويختار "ما" كان لهم الخيرة)
هي "ما الموصولة"، وليست "النافية"؛فيكون المعنى إن الله يختار لنا ما فيه الخير..
وإذا كان بعض علماء الفيزياء النظرية يرون أن "جمال النظرية دليل صحتها"، فإنني أرى أن جمال هذا الوجه التفسيري دليل قوته.
تتكرر فكرة "الخوف" عند موسى: (فخرج منها خائفا) و( لمّا خفتُكم)، والذي قد يكون منشؤه (على نظرية فرويد) تجربته الصعبة في الطفولة: (فألقيه في اليم)
وعليه، فالذي جعله يسكن عند شعيب، ويضحي بعشر سنين..
ربما يكون الأمان الذي وجده: (قال: لا تخف)
الأمان أقوى الروابط الإنسانية.
تُعدّ رؤيةُ الله..(تحيّتهم يوم يلقونه) أعلى درجات النعيم.. إذ فيها يلتقي الغيب مع الشهادة.. وتنعم برؤية الرب الذي طالما دعوته..
ويمكن فهم "فكرة" الرؤية، من خلال تأمل الطبيعة البشرية..
فالإنسان مهما تحدّث واستمع إلى مَنْ يُحب.. يبقى أن رؤيته هي أجمل وأعلى درجات اللقاء والحضور.
لما أعطى يوسفُ القميصَ لإخوته؛ طلب منهم الإتيانَ بأهلهم جميعا: (وأتوني بأهلكم) ولم يطلب منهم أن يأتوا بأبيه، بل جَزَمَ بأنه آت: (يأتِ بصيرا)
قال الألوسي هنا: "والجزم بأنه من الآتين لا محالة وُثُوقا بمحبّته."
فعلا.. من يُريدك سيطير إليك من غير أن تطلبه.. ستقوده روحُه إليك..
أفكارُك المتناثرة هنا وهناك.. مشاعرُك المتناقضة.. وأجزاءُ روحك المُبَعْثرة:
(وفجّرنا الأرضَ "عيونا")
لعلها تجتمعُ وتنتظم لك في وقتها المناسب: (فالتقى الماءُ على أمرٍ قد قُدِرَ)
إنها إضاءاتٌ من النور الأعلى.. قد تعدل ُالعمرَ كلَه..
مِنْ هدايات القرآن العظيمة التي تستحقّ التأمل طويلا= فكرةُ "التمييز" الدقيق بين المقامات، ومهارة "التفريق"؛ تأمل هذا المبدأ في قوله تعالى (وإن جاهداك على أن تُشركَ بي ما ليس لك به علم؛ فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا) فالاختلاف الفكري الشديد لم يمنع من المصاحبة بالمعروف..
عن تلك الإشارة التي تنتظرها من الله.. عن تلك الومضة من نوره (وأوحينا إليه؛ لتُنبّئَنّهم بأمرهم هذا، وهم لا يشعرون)
النهاية.. (وإن يتفرّقا؛ يُغن الله كلاً). قد تكون أفضلَ بكثير من الاستمرار في حياة بلا معنى.. (فتذروها كالمُعلّقة).
من دروس سورة الكهف.. أنه مهما كنت مندفعا.. وصاحبَ طموح.. ومشروع واضح.. (لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا).. ربما تجبرك
الظروف على التوقف.. والتراجع للوراء.. (فارتدّا على آثارهما قصصا) فالنجاحُ لا يعني بالضرورة أن تتقدم للأمام.. والحياةُ ليست دائما خطّا مستقيما..
الآيةُ التي تَحْملها في قلبك دائما.. لاسيما في الأوقات التي لا يفهمك فيها من أمامك.. لأنك لا تستطيع أن تشرح: (يا أخت هارون). أو لأنهم لم يمروا بتجربتك: (فذلكُن الذي لمتُنّني فيه).. الآيةُ هي قولُ الله تعالى لكن الله يشهد فحسبك أن الله يعلم.. وكفى بالله شهيدا..
ويبقى أن الدّعاء هو العالَمُ الأَرحَب.. والرّابطة الوُثْقى..
قيل إن الكنز المذكور في قوله تعالى (وكان تحته كنز لهما)كان لوحا مكتوبا عليه أشياء؛ منها: "وعجبتُ لمَن يؤمن بالقدر كيف يحزن".. نعم؛ ربما يكون القول بعيدا دلالةً، ولكنني مؤمن بأن هذا المعنى كنزٌ.. فالتسليم لله "هو الطريقة الإنسانية الوحيدة للخروج من ظروف الحياة".. كما قال علي عزت..
إن الله مع المُنكَسِرَة قلوبُهم..
لأن الكلمات قد لا تُسعف.. ولأنك قد تعجز عن التعبير.. (ولا ينطلقُ لساني).. أو لأنك لا تعلم إن كان ما تطلبه خيرا.. (ويدْعُ الإنسان بالشر دعاءَه بالخير)
كان الأجدر أحيانا أن تترك تفاصيل التدبير لله؛ وصف أيوب حاله لربه.. ولم يُحدد ماذا يريد.. إنما قال: (وأنت أرحم الراحمين)
يظل النجمُ نجما متعاليا..جميلا في كل حين.. (ولقد زيّنا السماءَ الدنيا بمصابيح).. ولكن الحاجة له تزداد إذا جنّ الليل.. وتهت في المسير..(وبالنجم هم يهتدون).. وهكذا رفيق الروح؛ مكانته عالية لا تتغير.. ولكنك بحاجته أكثر إذا أضعت طريقَك في متاهة الدنيا..
عظيمةٌ هذه الآيةُ.. بما فيها من سَكينة.. بما فيها من عَزاء.. (فأينما تُوَلوا؛ فثَمّ وجهُ الله)الطّرق التي سلَكناها.. القرارات التي اتخذناها.. والحياة بأسرها.. كلها كانت طريقا إليه
أتأمّلُ قولَ الله تعالى (واعلموا أن الله يحولُ بين المرء وقَلبِه). فأجد تفسيرَ الكثير مما كنتُ أشاهده ويَعْسر علي فهمه: كيف يتقلّب حالُ الإنسان وشعوره.. كيف ينصرف قلبُه عن أمور أحبّها.. وكيف يُقبل على غيرها.. في شتى أمور الحياة.. ولله الحكمة البالغة..
التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد ; 22-02-2020 الساعة 12:32 PM
نحن لا نختار حين نُحِبّ.. (لو أنفَقْتَ ما في الأرض جميعا ما ألّفتَ بين قلوبهم، ولكنّ الله ألّفَ بينهم)
الأشياء التي تُؤثّر في أعماقنا.. تبقى معنا طويلا.. والمواقف التي تُغير مجرى حياتنا من الصعب نسيانها؛ أتأمل هذا حين أقرأ (فعرفهم، وهم له منكرون)؛ فربما يكون سبب عدم تَذَكّرهم ليوسف هو أنه لم يَعْنِ لهم شيئا.. كان حدثا ومضى.. أما هو فلم يستطع نسيان ذلك الموقف.. غفرَ ولكن لم ينس..
الوحدة.. إما أن تكون بسبب فراق من تُحِبّ: (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) وإما بسبب أنه ليس عندك رفيقٌ يشاركك الدرب أصلا، وهذه الوحدة تمثّلت -كما يُخيّل إلي- في غربة يوسف: (وقالت اخرج عليهن)وإما تكون بسبب وجودك مع شريك لا تنتمي له إطلاقا؛ كآسية: (رب ابنِ لي عندك بيتا)
كل حسابات البشر وسعيهم في جانب.. والتوفيق الإلهي والبركة التي يمن بها الله من يشاء في جانب آخر.. لا أملّ من تأمل هذا المعنى حين أقرأ (فألقيَ السحرُة سُجدا)، وتعليق الألوسي: "فيه إشارةٌ إلى أن الله يَمُن على من يشاء بالتوفيق والوصول إليه سبحانه في أقصر وقت".. باب الله واسع..
من سنن الحياة.. أن الأشياء التي تُفيدنا.. والتي هي في صالحنا.. ليست هي -بالضرورة- ما نحب ونرتاح لفعله.. (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون).
المُحبّ.. ومَنْ تَعلّق قلبُه.. يرى ما لايراه غيرُه في محبوبه.. ويلتقط حتى أبعد الإشارات؛ قيل إن النار لم تظهر إلا لموسى، ولم يرها غيرُه ممن كان معه.. (إني آنَستُ نارا)..
ما لا يعني لك شيئا، ولا يُمثّل لك أيّ قيمة.. (قالوا أضغاث أحلام).. قد يعني الكثير.. بل ويكون الحياةَ لآخرين.. (قال: تزرعون سبع سنين دأبا).
نقرأ قولَهُ صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء؛ تركُه ما لا يعنيه".. فندعوه (. اللهم أرنا ما يعنينا حقا.. أرنا الأشياء التي تستحقّ.)
كثير من سعي الإنسان= هو من أجل الحصول على "المعنى".. إذ إنه هو الذي يضفي قيمةً لهذه الحياة.. ومن أجلى صور المعنى وجود "الحب" -بأنواعه وصوره المختلفة- وحضوره في حياتك.. وقد كان الأستاذ مطاوع يقول: "مهما كانت متاعبُنا؛ فإن مشَاكلَ الحُبّ أقل إِيلاماً من مشَاكل الحياة الخالية منه."
(فلا تُشْمِتْ بي الأعداء). لأن الشّماتةَ لا تكون من صديق.. الصّديق تكون معه كما "أنت"
(وأنه هو أضحك وأبكى).. لأن الحياةَ لا تكتمل إلا بذلك.. "التناقض" من صميم إنسانيّتنا..
في تعبير القرآن (وجعلناكم شعوبا وقبائل؛ لتعارفوا) الكثيرُ مما يستدعي الانتباه؛ فالتعارف هو أساس الفهم، والتراحم، والتجارب تخبرنا أننا أقدر على الرحمة حين نفهم الطرف الآخر، وظروفه، ومنطلقاته.. وكأن رسالتها: تعارفوا لتتراحموا، وليعذر بعضُكم بعضا..
(فرَجَعناك). لأن "ما جمعَهُ الله لا يُفرّقُهُ إنسان"..
يتكرر ذكر الموت في القرآن؛ ليذكرك بأهمية الحياة، فمعرفتك بأنك ستموت تدفعك لأن تعيش حياة كاملة، وبجدية.. ومن هنا نفهم هذا التكرار بشكل أكثر إيجابية..
من أجمل وأعمق ما كُتِبَ حول قصّة تضحية إبراهيم بابنه، المذكورة في التوراة والقرآن= تحليلُ كيركجارد في كتابه (خوف ورعدة)، ومن أفكاره أن القصة رمزٌ للإنسان الذي يرى طموحاتِه وآمالَه تتلاشى أمامه في لحظات، ولكنه مع ذلك يحافظ على إيمانه، ويقينه بوعد الله الجميل.
قرأتُ في سنين مضت "أنّ في كل إنسان تعرفه.. إنسانا آخر لا تعرفه".. ثم أثبتت لي التجاربُ صحتها.. ولعله أيضا الدرس المستفاد من سورة الكهف؛ فالخضر الذي أنكر عليه موسى بداية: (لقد جئت شيئا نكرا).. لم يكن بالنسبة لموسى -فيما أحسب- هو الخضر الذي ودّعه في الختام: (وما فعلته عن أمري)
حين أقرأُ قولَه تعالى (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن "وفدا". يُخَيّل إليّ أن القرآن كأنه يُوجّهنا للتركيز على أنفسنا، مُنافسَتها، وعدم الالتفات كثيرا لما يفعله الآخرون، بل الدعاء لهم بالخير؛ لأن القمةَ تتسع لجميع الناجحين..
أظنّ أن القرآنَ حين يقولُ: (انظر كيف كذبوا على أنفُسِهمْ)
يريدُ منّا أن نسعى لنكون صادقين.. صادقين مع أنفسنا قبل كل شيء.. بالحقائق حلوها ومرّها..
وهذا الصدق مع النفس سينعكس على صدقنا مع من حولنا..
لا تدري.. حتى الأشياء التي يستحيل -عقلا- اجتماعهما.. (لا الشمسُ ينبغي لها أن تِدركَ القمرَ)
ربما يُقَدّرُ لهما اللقاءُ يوما..(وجُمِع الشمس والقمر) فهو على جمعهم إذا يشاء قدير..
يأنس الإنسان باهتمام من حوله به.. وسؤالهم عنه.. ولكن فرق بين كل تلك المؤازرة.. وبين كلمة واحدة ممن يُحبّ؛
في سياق (قريب من هذا) كان ميخائيل نعيمة يقول: "بل ماذا أصنع بقلبي؛ ترتمي عليه القلوب وهو لما يجد بعدُ قلبا يرتمي عليه".. .
فقَلب الغريب أتى سائلا.. وقلبك مَرّ مرورَ الكرام..*
نفس الشيء؛ تراه من منظور واحد فوضى واضطرابا.. (أخرقتها لتغرق أهلها؟)..
وتراه من زاوية أخرى اتّساقا وانتظاما.. (أما السفينة فكانت لمساكين)..
الرسالة التي أفهمها من قوله تعالى"وأَحْبِب من شئتَ.. فَإنّك مُفارقُه"..
وقوله.. "إِذَا أَحَبَ الرَجلُ أَخَاهُ فَليُخبره"..
ألا تدّخرَ الكلمة الطيبة.. أن تُعبّرَ عما تشعر.. أن تخبر من أحببت أنك تُحبّهم..
وألا تُؤجّل حبّ اليوم إلى الغد.. فأنت لن تعبرَ الدنيا إلا مرّة واحدة..
حتى وإن لم يُِقدّر لنا اللقاء.. ولو فرّقتنا الدنيا.. يهمني أن تعلم مكانتك عندي.. (ذلك ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب)
. أن تتصافح أرواحُنا.. ولو من بعيد..
لا نَعرف.. ولكنّنا على يقين.. (إنّكَ كنتَ بنا بصيرا)
ليست البلاغة منحصرةً بجمال الألفاظ والتراكيب.. وإنما هي المعاني الروحية التي تسري لأعماق النفس الإنسانية..
(وقل لهم "في أنفسهم" قولا بليغا)
فكرةُ سورة الكهف..
أن جنّةَ الإنسان في قلبه.. ومَنْ وجد تلك الجنة -وهي رحلة طويلة- لم تَضِقْ عليه هذه الدنيا.. وتجاوزَ الزمانَ والمكان..
(فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته)
سورة الضحى..
التي تفيضُ بالأمل والظن الجميل.. فتبدأ بالنور والإشراق: (والضحى).. ثم تخبرك أن المستقبلَ أفضل: (وللآخرةُ خيرٌ لك)
هي نفسها التي تشير لتراجيديا الفقر: (عائلا)، ومأساة الجهل: (ضالا)
إنها النظرة المتوازنة للحياة.. ما بين التفاؤل السطحي.. والتشاؤم المُقْعِد..
من أوّل ما يتبادر لي حين أقرأ قوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم؛ حتى يتبين لهم أنه الحق)
كلماتُ إيمانويل كانت -في خاتمة نقد العقل العملي-:
"شيئان يملآن العقل بإعجاب وإجلال يتجددان كلما تأمّلَ المرءُ فيهما: السماء ذات النجوم من فوقي، والقانون الأخلاقي في داخلي."
لا يُعَوّض الحبَ الأول.. (وإن يتفرّقا). ولا يُنْسيهِ.. إلا حبّ أكبر منه.. (يُغْن الله كلاّ)
علّمتني سورةُ يوسف بإشاراتها الممتدة..
أن البحثَ عن الحب فطرةٌ في الإنسان.. أن الحب حاجة.. ومعنى سام نبيل.. ربما لا تُعَوّضه الدنيا بأسرها (امرأة "العزيز")
وأن كثيرا من مآسي هذا العالم.. علاجها الحب.. والقدرة على الحُب (ليوسف وأخوه أَحَبّ إلى أبينا منا)
ثم تأَمّلتُ طويلا.. لماذا في سورة الطلاق بالتحديد.. نجد كل تلك المواساة مخرجا) (ويرزقه) (فهو حسبه )بعد( عسر يسرا)
هل لأن الفراق -مهما تعددت أسبابه- موجع.. أم لأن النهايات مؤلمة..
فكان لابد من كل ذلك الحنان في السورة..
الإيمان بالله.. يعني الإيمان بالمعجزات..
إن من العقل والأخلاق لسحرا.. وكثيرا ما يكون الذي يجذبك في الشخص، ليس أمرا ماديا.. وإنما هو معنى قائم فيه.. معنى لا يرى وإنما يُحسّ؛
تأمل قوله تعالى (فلما رأينه؛ أكبرنه)
وتعليق الرازي: "وعندي أنه يحتمل ... أنهن إنما أكبرنه لأنهن رأين عليه نور النبوة، وسيما الرسالة، وآثار الخضوع."
اللهُمّ ما زَوَيْتَ عني ممَا أُحِبّ.. فَاجعَلهُ فَرَاغا لِي فيمَا تُحِبّ..
اللهم بَصّرنا بمواطن النّظام.. بين كلّ ذاك الاضطراب..
......................
الصحبةُ الصّادقةُ.. مواساةٌ تُلامس القلبَ.. (إذ يقولُ لصاحبه: لا تَحزنْ؛ إن الله مَعنا)..
وكل تلك المسافات الشاسعة: "المرءُ يحبُّ القومَ ولمَّا يلحقْ بهم".. يختصرها الحب.. يُقرّبها الحب.. "فقال : المرءُ مع من أحبَّ."
ثم يأتيكَ اللّطفُ الخفيّ من نفسِ الباب الذي ظننته لا يُفْتح.. (ويرزقْه من حيثُ لا يَحْتسب)..
وقد يَصْرفُ الله عنك: (قالوا: أضغاث أحلام) الشخصَ الذي تَقصده: (يا أيها الملأ؛ أفتوني في رؤياي) لا تبتَئس.. فإن الله -إذْ صَرفه عنك- لرُبّما
يُهيّئُ الأسبابَ لظهور الشخص المناسب: (يوسف: أيّها الصّديق؛ أفتنا)
الإنفاق في الضراء: (الذين ينفقون في السراء والضراء) هو أن تحتفظ بإنسانيّتك رغم كل شيء.. أن يبقى ضميرُك حيّا رغم قسوة الظروف..
اشتغالُ الإنسان بفكرة تملك عليه قلبَه، وهدفٍ سام يبذل فيه فكرَهُ ووقتَه= من أهمّ الأمور التي تساعده على التّماسك، وتجاوز المحن، والثبات عند تقلبات الحياة، وإني لألمحُ جزءا من هذا المعنى في قوله تعالى : (فإذا فرغت فانصب ) إذ يوجهنا للعمل المتواصل، وقد جاء في سياق التفاؤل وشرح الصدر.
إنسان قريب من قلبك وروحك، يشاركُك رحلةَ الحياة، ويُثير فيك الأسئلة؛ من نِعم الله التي تُعينك على نوائب الدّهر، وكذلك على الوصول إلى الحقيقة؛ تأمّل كيف أنّ القرآن قَدَّمَ التفكرَ بمعيّة شخص آخر على تَفَكّر الشخص وحيدا منفردا: (أنْ تقوموا لله مثنى وفُرادى، ثم تتفكّروا)
علّمني القرآنُ أن التعليمَ الأكثر تأثيرا: (هل أتّبعك على أن تُعَلّمنِ مما عُلّمتَ)؛ إنما يتأتى من خلال الصُّحبة: (تُصاحبني) التي تتمثل فيها المواقف الأخلاقية واقعا مشاهَدا.
الخضرُ رمزٌ لأولئك الأشخاص النادرين الذين يجمعنا الله بهم، ويضعهم في طريقنا كالنور الممتد، ثم لا يلبثون معنا طويلا، ولكنهم لا يفارقوننا ( قال: هذا فراق بيني وبينك) إلا وقد ازددنا بصيرةً وفهما لحقيقة هذه الحياة: (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا)..
واسي غيرَك رغمَ انكسار قلبك..(إذْ يقول لصاحبه: لا تحزن؛ إن الله معنا)..
لما قال فرعون: (لأظنك يا موسى مسحورا) رد عليه موسى بلفظ الظن: (لأظنك يا فرعون مثبورا) رغم أنه "ربّما" كان يعلم مصيرَ فرعون يقينا. ولعل من أسباب مراعاته لهذه الجزئية=هو ألا يترك المجال لفرعون كي يتفوق عليه أخلاقيا؛ فالتفوُق الأخلاقي أساس كل نهضة، والحجة الأخلاقية أقوى الحجج.
يُلهمني كثيرا وصفُ الله تعالى للمؤمنين والمؤمنات -على سبيل المدح لهم- بالسياحة: (السائحون) و (سائحاتٍ)، والذي يشملُ أمورا منها: السير في الأرض، والتفكر المستمر؛ وكأن على الإنسان أن يبقى في سير متواصل، وألا يرضى بالسكون في رحلة الحياة..
الشخص الذي لا يقومُ مقامَه أحد.. ولا يكون عنه عوض.. ويبقى في القلب وإن رَحَل؛ قال النبي تعالى عن خديجة: "ما أبدلني الله خيرا منها.."
(فأرسلهُ معي ردءا يصدقني). يُؤْمِنُ بي.. يُقْبِل عليّ إذا انفَضَّ الناسُ من حولي.. يرى في ما لا يراه غيرُه.. يُبصرُ ما لا أُبصرهُ في نفسي.. ينهَض بي إذا عثرت.. ويُشاركني تفاصيلَ الطّريق..
ولرُبّما كان التَّخَلي أعلى درجات الحُب.. ما تَركك إلا لأنه أحبّك.. (فإذا خفتِ عليه؛ فألقيه)..
ربما يصحّ أن نَفهم قوله تعالى (والطّيباتُ للطّيبين، والطَيّبونَ للطّيبات) من خلال كلام الإمام الغزالي في الإحياء: "فإنّ شبيهَ الشيء يَنْجذبُ إليه بالطبع، والأشباهُ الباطنة خفية، ولها أسباب دقيقة، ليس في قوة البشر الاطلاعُ عليها."