اتّقوا ذلكم اليوم العظيم والهول الجسيم، اتّقوا ذلكم الموقف الذي ستقدَّمون فيه للمسألة والمحاسبة، وسيُوقَف كلّ منكم فيه بين يدي الله مُتخلِّياً عنه فيه أقربُ قريب وأصدق صديق، كما قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37]
يقول عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- ويروي حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الكَيِّس مَن دان نفسَه وعمل لِما بعد الموت، والْعاجز مَن أَتبع نفسَه هواها وتمنّى على الله الأماني".
فبعد الحساب وقراءة الكتاب ينقسم النّاس قسمين:
مسروراً يتلألأ وجهه حبوراً وبهجة, آخذاً كتابه بيمينه, يرفعه لمن حوله قائلاً: (هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ) [الحاقة: من الآية] أي: هلُّموا تعالوا انظروا حسن نتيجة محاسبتي، ونقاءَ صحيفتي، وما تقرّر في مصيري النّهائي (هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:19-24].
وآخَر حزِناً يتحسّر من فشله في المحاسبة ويدعو بالويل والثبور مُتحسِّراً ومتوجِّعاً على عظيم مال وكبير سلطانٍ لم ينفعاه، ويتمنّى أنَّه لم يَرَ صحيفة أعماله، وألاَّ يراها أحد، قوله: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) [الحاقة:25-29].
{يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} [عبس - 34]
متاع الدنيا قليل ، ويوم الحساب حق ولابد من حتمية وقوعه ...
صوت الصيحة.. تصم لهولها الأسماع ويفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ، لعجزهم عن مساعدته ، ولكل واحد منهم شغل شاغل وخطب هائل يكفيه ، وإنشغاله بنفسه لما يرى من حوادث مذهلة تأخذه كاملا فكرا وقلبا .. تأمل الآيات {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} يا لهول هذا اليوم !!!...
ثلاثة أماكن لا يذكر فيها المرء إلا نفسه :
١- عند الميزان حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخف
٢- وعند الصراط حتى ينظر أيجتازه أم لا
٣- وعند الصحف حتى ينظر بيمينه أم بالشمال ..
اللهم سلم سلم
ليس الخوف أن يحرمك الله وأنت تطيعه ، إنما الخوف أن يعطيك الله وأنت تعصيه.. !! يسبغ الله عليك النعم ويمنعك الشكر
كم من مستدرج بالإحسان إليه ، وكم مفتون بثناء الناس عليه ، وكم مغرور بستر الله عليه !!! كيف لايوصف بالاستدراج من يعمل ليثبت جاهه ويظهره ، ويمضي عمره ليقال : هذا فلان ؟! كلما أحدث خطيئة جدد الله له نعمة ، وأنساه الإستغفار من تلك الخطيئة {سنستدرجهم من حيث لايعلمون}
أيها المظلوم ... ثق بربك الذي يقول {وأملي لهم إن كيدي متين} لايُخترق ، ولا يُحاط ، ولا يُقاوم ...
التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد ; 07-02-2025 الساعة 09:09 AM
يموت أبو سلمة -رضي الله عنه-؛ فتحزن لفراقه أُم سلمة -رضي الله عنها- حزنًا شديدًا، وتقول: أيّ المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟ أوّل بيت هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي لا تدري أن الله سيحدث أمرًا، فيتزوجها خير الورى -صلى الله عليه وسلم- لتصبح أُمًّا للمؤمنين وزوجة لسيد المرسلين.
أم حبيبة -رضي الله عنها- يُطلّقها زوجها وهي في بلاد الغربة في الحبشة؛ فتحزن وتتألم، فالطلاق غصّة في حلوق المطلقات، لكنّها لا تعلم أن الله قد أحدث أمرًا؛ فيتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتحظى بهذا الشرف العظيم.
في الحديبية يتذمّر المسلمون من بنود الاتفاق ويرون فيه ضعفًا ودنية وهم لا يعلمون أن العليم الخبير سيجعل من هذه الدنية فتوحات هنية.
يُعذّب بلالٌ ويُسحب في الرمضاء ويُوضَع على صدره الصخرة العظيمة، وهو يردد "أَحدٌ أحدٌ"؛ لأنه يؤمن أن الله سيحدث بعد ذلك أمرًا؛ فتمر الأيام ليصعد فوق الكعبة رغم أنوف المشركين ويرفع نداء الحق وهم أذلة صاغرون.
يُمتحن الإمام أحمد ويُؤذَى ويُجلَد ويُسجن ويهدد وتستمر محنته من خليفة إلى خليفة، لكنه موقن أن الله سيحدث بعد ذلك أمرًا؛ فيأتي الفرج وتنتصر السنة، ويعلو الإمام أحمد ويرتفع اسمه إلى يومنا هذا، ويذهب خصومه في مزبلة التاريخ.
(لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)[الطلاق:1]. إنها حقيقة قرآنية تبعث في القلوب الطمأنينة والسعادة، حقيقة تتلقاها القلوب الفَزِعَة فإذا هي في جوّ من الأمن والسكينة، وتتلقاها النفوس القانطة فإذا بشعاع الأمل يسري في كيانها.
حقيقة لا يُوقن بها إلا مَن رضي بالله حقَّ الرضا، وحقّق صِدْق التوكل عليه، وتفويض الأمور إليه، واليقين والثقة بوعده وإحسان الظن به -جل وعلا-، وأنه لا يريد بعباده إلا الخير والصلاح.
حقيقة نحتاجها في زمنٍ كثرت فيه المصائب والمشكلات، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، والتي أدَّت إلى ظهور كثير من الأمراض النفسية المعقَّدة من قلق واكتئاب ووساوس وأوهام.
إن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية, والفاجعة المهلكة لآماله وحياته, فإذا بذلك المقدور مِنْحَة في ثوب مِحْنة, وعطية في رداء بلية, وفوائد لأقوام ظنوها مصائب, وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب! ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
في مجتمعاتنا اليوم فتنٌ وابتلاءات، أحداثٌ وتداعيات، صراعٌ وجولات، استفزازات وتحديات.. نغرق في قراءة الأحداث، وتشغلنا التحليلات، وننسى قول خالقنا: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)[الطلاق:1].
ويبقى الأمل مادامت الحياة، فسوف يبدل الحال، وتهدأ النفس، وينشرح الصدر، ويسهل الأمر، وتحل العقد وتنفرج الأزمة: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)[الطلاق:1]، (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ)[المائدة:52]، فلا تغضب، ولا تنزعج، ولا تتشاءم فكل لحظة ألم، وكل أزمة لا بد أن تنفرج بتوفيق الله، وكل خسارة لا بد أن تُعوّض إذا توكّلت على الله؛ فالدنيا حافلة بالأمل والألم، وبالمكسب والخسارة، وبالفرح والغضب، ليس هناك سعادة دائمة، وليس هناك شقاء مستمر، ونصوص القرآن تضمنت (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح:5]، و(سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق:7].
إلى كل من يضايقه البلاء والوباء والغلاء ويقهره كيد الأعداء، بشّر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال، وبشّر القحط بماء زلال يُلاحقه في أعماق الرمال، والفقير بمال يزيل عنه الإملاق، فارحل بقلبك إذا الهم برك، واشرح صدرك عند ضيق المعترك، ولا تأسف على ما مضى ومن هلك، واعلم أنه لا يدوم شيء مع دوران الفلك، وعسى أن تكون الشدة أرفق بك، والمصيبة خيرًا لك، أحسن الظن ربربك فهو القائل: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء".
ولنُرَبِّ أنفسنا على الرضا بالأقدار, والنظر للحياة من زاوية الأمل, والاعتقاد بأن الأيام القادمة تحمل معها ألوانًا من السعادة والفرح والبهجة والأرزاق. (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)[الطلاق:1]؛ فلا تشغل بالك، ولا تتعب خيالك، فأمر الله أقرب من ذلك، وربنا كل يوم هو في شأن، وإذا أراد شيئًا فإنما يقول له: كن، فيكون.
نحن في دنيا ، قد يقابلنا فيها أمراض ، مصائب ، فقر ، مشكلات .. فاصبر ياعزيزي لاشيء في الدنيا يدوم و لا تدري ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .. تأمل قول الله تعالى : (وفتح قريب) (وبشر المؤمنين) (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) كم هي جميلة تلك البشائر التي تساق لنفوسنا و تجدد بها الأمل !!..
هذه الآية كفيلة بأن تهزم اليأس ، تفاءل بها و ازرعها أملا في قلبك ، وإن بلغ ألمك مداه ، كم مرة ضاقت ثم فرجت ؟ وكم مرة أظلمت ثم أنورت ؟!.. روعة الفرج تأتيك فجأة من حيث لا تدرك ، فالله وحده تكفل برزقك ومسقبلك .. لاتحزن وربك الله ، ثق به وستأتيك البشائر
ليحذر الإنسان الهاجر للسجود في الدنيا من هذا المشهد المخيف ..
" تَرهقهم ذلّـة ما لهم من الله من عاصم " قال سليمان التيمي : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مـذلـتـه . ˮنايف الفيصل
من صرفه الكبر عن وضع جبهته على الأرض، تواضعاً لله وإقراراً بعبوديته، حيل بينه وبين السجود في الآخرة تبكيتاً وتأديباً
﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾: - وهم سالمون: أي مع صحتهم وسلامتهم . - قال ابن عباس رضي الله عنه: نزلت في صلاة الرجل يسمع الأذان فلا يُجيب النداء. (فتح الباري لابن رجب؛ ٤/٩)
حافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة
﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ هل هذه الآية دالة على كفر تارك الصلاة أنهم أمروا بالسجود ولم يستجيبوا؟ ج/ هي أحد الأدلة الكثيرة، ومن الأدلة ما هو أصرح منها في الدلالة.
ــــ ˮعبد الله العواجي“
سجودك طواعية في حياتك ينجيك يوم القيامة ياعزيزي ، وستستطيع السجود عندما تدعى له .. حافظ على صلاتك قبل مماتك ، فإن تحت الثرى من يتمنى العودة ليصلي ركعة واحده ، ولكن لايستطيع .. اسجد الآن واقترب .
الذنوب ذل في الدنيا ، ودركات مظلمة في الآخرة ، فاحذرها . طهر نفسك بالطاعة والتقوى التي تجعلك عزيزا ، وترفعك درجات {وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون} لكل أمر وقت وزمن فإن فات .. فاتتك الغنيمة .. وإن أغلق الباب .. فلن تنفعك طرقات الندم!!!
التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد ; 20-02-2025 الساعة 09:25 AM