إيقاعه على الأرض؛ بل المعنى ألقوه في ارض بعيدة. " / د.عبدالمحسن المطيري
لم يكن أخوة يوسف لتهضم معهم فكرة القتل الشنيعة لولا تلطيفها بفكرة التوبة من بعدها ! ..
ذلك أسلوب ومدخل الشيطان مع الصالحين .. إعمل المعصية ثم تب ..
احذر زخرفة القبح ووساوس الشيطان التي تسول لك سهولة التوبة بعد المعصية ، فإنك إن عصيت أنساك أن تتوب .. ,,,,,,,,,,,,,,
إذا تمكن الحسد من قلب المرء أعماه عن بشاعة أي جرم يرتكبه لتحقيق غايته ولو مع أقرب قريب
لما قوي الحسد وبلغ النهاية قالوا لا بد من تبعيد يوسف عن أبيه ، وذلك لا يحصل إلا بأحد طريقين : القتل أو التغريب إلى أرض يحصل اليأس من اجتماعه مع أبيه ، ولا وجه في الشر يبلغه الحاسد أعظم من ذلك . ثم ذكروا العلة فيه وهي قولهم : ( يخل لكم وجه أبيكم ) والمعنى أن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه فإذا أفقده أقبل علينا بالميل والمحبة ( وتكونوا من بعده قوما صالحين ) وفيه وجوه :
الأول : أنهم علموا أن ذلك الذي عزموا عليه من الكبائر فقالوا : إذا فعلنا ذلك تبنا إلى الله ونصير من القوم الصالحين .
والثاني : أنه ليس المقصود ههنا صلاح الدين بل المعنى يصلح شأنكم عند أبيكم ويصير أبوكم محبا لكم مشتغلا بشأنكم . الثالث : المراد أنكم بسبب هذه الوحشة صرتم مشوشين لا تتفرغون لإصلاح مهمة ، فإذا زالت هذه الوحشة تفرغتم لإصلاح مهماتكم
التفسير الكبير اسلام ويب
...............
لقد كادوا ليوسف ليخل لهم وجه أبيهم ولكن (وتولى عنهم وقال ياأسفى على يوسف ..)
الحب لايموت وإن مات جسد الحبيب ومن يستخدم حيل الشر والمكر لايوفق أبدا بمسعاه ، وسيرجع أمره بالخسران ..
,,,,,,,,,,,,,,
احذر تفضيل أحدهم على الآخر لأن ذلك يثير الكراهية والحقد بين الأخوه .. فهل ندرك مافي نفوس أبنائنا ؟ ! ..
لقد أوشك أبناء نبي أن يقتلوا نبيا ... والله غالب على أمره ...
,,,,,,,,,,,,
خيانات الأقارب خلَّدها القرآن لعظم شأنها وبشاعة سلوكها .. هذه طعنات في خاصرة "تاريخ العلاقات".
(قال قائل منهم لاتقتلوا يوسف..)
كان مجرد اقتراح لكنه غير مسار القصة !
لقد ضاقت عليه الخيارات فاختار أقلها فسادا .. لم يقل (الجب)بل قال (غيابة الجب) فقد أجبره وحشية الآخر أن تتوحش لغته حتى تناسب طرحهم ! ..
مابين (اقتلوا يوسف) و(لا تقتلوا يوسف)
دارت أظلم إتفاقية .
.شردت حياة صبي بريء .. وأحرقت قلب شيخ كبير .. ودمرت أحلام أسرة هانئة .. وكان يوسف منهمك في طفولته لايدري مايخطط له ..
هل كان يتصور الأخوة وهم يخططون أن أفكارهم وهمساتهم سيفضحها الله في كتاب مقدس وفي سورة تحمل اسم ذلك الأخ البريء؟!!
ورغم كل مافعلوه .. فقد تبوأ يوسف النبوة والوزارة .
ألقوه في غيابة الجب لكن رفعه الله ...
من كان الله معه .. فمم يخاف ؟!!..
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف القائل هو يهوذا ، وهو أكبر ولد يعقوب ; قاله ابن عباس . وقيل : روبيل ، وهو ابن خالته ، وهو الذي قال : " فلن أبرح الأرض " الآية . وقيل : شمعون .
وألقوه في غيابة الجب قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة في غيابة الجب . وقرأ أهل المدينة " في غيابات الجب " واختار أبو عبيد التوحيد ; لأنه على موضع واحد ألقوه فيه ، وأنكر الجمع لهذا . قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة ; " وغيابات " على الجمع يجوز من وجهين : حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلانات ، يريد عشية وأصيلا ، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلا ; فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة . والآخر - أن يكون في الجب غيابات ( جماعة ) .
وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا ; وجمع الجب جببة وجباب وأجباب ; وجمع بين الغيابة والجب لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . قيل : هو بئر بيت المقدس ، وقيل : هو بالأردن ; قاله وهب بن منبه . مقاتل : وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب .
الثانية : قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين جزم على جواب الأمر . وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة : " تلتقطه " بالتاء ، وهذا محمول على المعنى ; لأن بعض السيارة سيارة
ولم يقل شرق ولا أخذت . والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر ; وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود ; فإن من التقطه من السيارة يحمله إلى موضع بعيد ; وكان هذا وجها في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم ، فربما لا يأذن لهم أبوهم ، وربما يطلع على قصدهم .
الثالثة : وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولا ولا آخرا ; لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم ، بل كانوا مسلمين ، فارتكبوا معصية ثم تابوا . وقيل : كانوا أنبياء ، ولا يستحيل في العقل زلة نبي ، فكانت هذه زلة منهم ; وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمناه . وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله ; وهذا أشبه ، والله أعلم .
الرابعة : قال ابن وهب قال مالك : طرح يوسف في الجب وهو غلام ، وكذلك روى ابن القاسم عنه ، يعني أنه كان صغيرا ; والدليل عليه قوله تعالى : لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة قال : ولا يلتقط إلا الصغير ; وقوله : وأخاف أن يأكله الذئب وذلك أمر يختص بالصغار ; وقولهم : أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون .
الخامسة : الالتقاط تناول الشيء من الطريق ; ومنه اللقيط واللقطة ، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة ، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة ; قال ابن عرفة : الالتقاط [ ص: 119 ] وجود الشيء على غير طلب ، ومنه قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة أي يجده من غير أن يحتسبه . وقد اختلف العلماء في اللقيط ; فقيل : أصله الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ; وروي عن الحسن بن علي أنه قضى بأن اللقيط حر ، وتلا وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وإلى هذا ذهب أشهب صاحب مالك ; وهو قول عمر بن الخطاب ، وكذلك روي عن علي وجماعة . وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك ، وإن نوى الحسبة فهو حر . وقال مالك في موطئه : الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر ، وأن ولاءه لجماعة المسلمين ، هم يرثونه ويعقلون عنه ، وبه قال الشافعي ; واحتج بقوله - عليه السلام - : وإنما الولاء لمن أعتق قال : فنفى الولاء عن غير المعتق . واتفق مالك والشافعي وأصحابهما على أن اللقيط لا يوالي أحدا ، ولا يرثه أحد بالولاء . وقال أبو حنيفة وأصحابه وأكثر الكوفيين : اللقيط يوالي من شاء ، فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه ; وعند أبي حنيفة له أن ينتقل بولائه حيث شاء ، ما لم يعقل عنه الذي والاه ، فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل عنه بولائه أبدا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن علي - رضي الله عنه - : المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي الذي التقطه والاه ، وإن أحب أن يوالي غيره والاه ; ونحوه عن عطاء ، وهو قول ابن شهاب وطائفة من أهل المدينة ، وهو حر . قال ابن العربي : إنما كان أصل اللقيط الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ، فقضى بالغالب ، كما حكم أنه مسلم أخذا بالغالب ; فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون ، قال ابن القاسم : يحكم بالأغلب ; فإن وجد عليه زي اليهود فهو يهودي ، وإن وجد عليه زي النصارى فهو نصراني ، وإلا فهو مسلم ، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام . وقال غيره : لو لم يكن فيها إلا مسلم واحد قضي للقيط بالإسلام تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه ، وهو مقتضى قولأشهب ; قال أشهب : هو مسلم أبدا ، لأني أجعله مسلما على كل حال ، كما أجعله حرا على كل حال . واختلف الفقهاء في المنبوذ تدل البينة على أنه عبد ; فقالت طائفة من أهل المدينة : لا يقبل قولها في ذلك ، وإلى هذا ذهب أشهب لقول عمر : هو حر ; ومن قضي بحريته لم تقبل البينة في أنه عبد . وقال ابن القاسم : تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفي .
السادسة : قال مالك في اللقيط : إذا أنفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدا ، وإن لم يكن طرحه ولكنه ضل منه فلا شيء [ ص: 120 ] على الأب ، والملتقط متطوع بالنفقة . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقيط فهو متطوع ، إلا أن يأمره الحاكم . وقال الأوزاعي : كل من أنفق على من لا تجب عليه نفقة رجع بما أنفق . وقال الشافعي : إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال ، فإن لم يكن ففيه قولان : أحدهما - يستقرض له في ذمته . والثاني - يقسط على المسلمين من غير عوض .
السابعة : وأما اللقطة والضوال فقد اختلف العلماء في حكمهما ; فقالت طائفة من أهل العلم : اللقطة والضوال سواء في المعنى ، والحكم فيهما سواء ; وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي ، وأنكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام - أن الضالة لا تكون إلا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان - وقال هذا غلط ; واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك للمسلمين : إن أمكم ضلت قلادتها فأطلق ذلك على القلادة .
الثامنة : أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا أو شيئا لا بقاء لها فإنها تعرف حولا كاملا ، وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها ، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له ، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها ، فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع ; ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة ، ولا تصرف قبل الحول . وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها .
التاسعة : واختلف الفقهاء في الأفضل من تركها أو أخذها ; فمن ذلك أن في الحديث دليلا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلا . وقال في الشاة : ( لك أو لأخيك أو للذئب ) يحضه على أخذها ، ولم يقل في شيء دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه . ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال في ضالة الإبل ، والله أعلم . وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة ، إن شاء أخذها وإن شاء تركها ; هذا قول إسماعيل بن إسحاق - رحمه الله - . وقال المزني عن الشافعي : لا أحب لأحد ترك اللقطة إن وجدها إذا كان أمينا عليها ; قال : وسواء قليل اللقطة وكثيرها .
العاشرة : روى الأئمة مالك وغيره عن زيد بن خالد الجهني قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا [ ص: 121 ] فشأنك بها قال : فضالة الغنم يا رسول الله ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب قال : فضالة الإبل ؟ قال : ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها . وفي حديث أبي قال : احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ففي هذا الحديث زيادة العدد ; خرجه مسلم وغيره . وأجمع العلماء أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلها عليها ; فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها دفعت له ; قال ابن القاسم : يجبر على دفعها ; فإن جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا ، وهل يحلف مع الأوصاف أو لا ؟ قولان : الأول لأشهب ، والثاني لابن القاسم ، ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تدفع له إلا إذا أقام بينة أنها له ; وهو بخلاف نص الحديث ; ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى ; فإنه يستحقها بالبينة على كل حال ; ولما جاز سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فإنه تأخير البيان عن وقت الحاجة . والله أعلم .
الحادية عشرة : نص الحديث على الإبل والغنم وبين حكمهما ، وسكت عما عداهما من الحيوان . وقد اختلف علماؤنا في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم ؟ قولان ; وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال والحمير ، وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط ، وقال أشهب وابن كنانة : لا تلتقط ; وقول ابن القاسم أصح ; لقوله - عليه السلام - : احفظ على أخيك المؤمن ضالته .
الثانية عشرة : واختلف العلماء في النفقة على الضوال ; فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم : إن أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة ، وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره ; قال : وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن . وقال الشافعي : إذا أنفق على الضوال من أخذها فهو متطوع ; حكاه عنه [ ص: 122 ] الربيع . وقال المزني عنه : إذا أمره الحاكم بالنفقة كانت دينا ، وما ادعى قبل منه إذا كان مثله قصدا . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقطة والإبل بغير أمر القاضي فهو متطوع ، وإن أنفق بأمر القاضي فذلك دين على صاحبها إذا جاء ، وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها ، والنفقة عليها ثلاثة أيام ونحوها ، حتى يأمر القاضي ببيع الشاة وما أشبهها ويقضي بالنفقة .
الثالثة عشرة : ليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة بعد التعريف : فاستمتع بها أو فشأنك بها أو فهي لك أو فاستنفقها أو ثم كلها أو فهو مال الله يؤتيه من يشاء على ما في صحيح مسلم وغيره ، ما يدل على التمليك ، وسقوط الضمان عن الملتقط إذا جاء ربها ; فإن في حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه في رواية ثم كلها ، فإن جاء صاحبها فأدها إليه . خرجه البخاري ومسلم . وأجمع العلماء على أن صاحبها متى جاء فهو أحق بها ، إلا ما ذهب إليه داود من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف ; لتلك الظواهر ، ولا التفات لقوله ; لمخالفة الناس ، ولقوله - عليه السلام - : فأدها إليه .
(فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)
منهج يعقوب عليه السلام في التعامل مع مشكلة أبنائه
من المشكلات التي تؤرِّق كثيرًا من الأسر: ما يُسببه الشباب مع الآباء من مشكلات قد تَعصف بالأسرة وبمستقبل هؤلاء الشباب، وقد تفشَّت هذه الظاهرة في الوقت الحاضر بشكل كبير، خرَج فيه الشباب عن طَوع الآباء، بل قد يخرج بعضهم عن ارتباطه بأسرته، والأكثر من ذلك ما قد يحدث من عداء بينهم.
وتَنبع هذه المشكلات في الأصل من الفجوة في التصور والتفكير بين الأهل والأبناء؛ إذ يعتقد الشباب في هذه المرحلة العمرية أنهم في سنٍّ تُمكنهم من اتخاذ قراراتهم الشخصية والاجتماعية بأنفسهم دون مساعدة الأهل، بينما لا يرضى الأهل بإعطائهم حريةَ الاختيار والتصرف.
وتزداد مشكلة الانحراف في التصور والانحراف في الخلق، والانحراف في التفكير - لدى كثيرٍ من الشباب، بسبب كثيرٍ من وسائل الإعلام - لا كل وسائل الإعلام - التي ضاعت فيها الأخلاق وفسَدت فيها العقائد؛ حيث تعرض المشاهد الإباحية والأفكار الفاسدة، وليس لدى الشباب الرصيد الكافي من الخبرة، أو ليس عنده رصيد أصلًا في أن يدفع نفسه بعيدًا عن ذلك، أو يُبيِّن زيفه.
هذه الفَجوة التي يصل فيها قول الأبناء: "إن آباءَهم كانوا يعيشون في عصور بالية، لا تناسب عصرهم وتقدُّمهم الآن": ﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8].
وإذا عرَضنا مثل هذه المشكلات على كتاب الله: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، نجد المشكلة والحل في سورة يوسف عليه السلام.
ولا شك أن الإسلام يحل جميع المشاكل، فالإسلام إذا طُبِّق تطبيقًا صحيحًا، فإنه لا تبقى معه مشكلة في الحياة، ومن ذلك مشاكل الشباب في هذا العصر.
إن المتأمل في سورة يوسف عليه السلام، لَيَجِدُ العجب العجاب في قصة يوسف وإخوته وأبيهم، هذه القصة يرويها لنا ربُّ العزة؛ لنتعلم منها، ونفهَم طبيعة الحياة التي خلقها الله، وما بها من نواميس، ويعلِّمنا الله كيف يكون منهجه في التعامل معها؛ لذلك كان قوله عز وجل في سورة يوسف: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3]، وقوله:﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِي ﴾ [يوسف: 7].
ونحن في هذا المقال لا نسرد القصة أو نفسِّر الآيات، ولكننا سنتوقف عند بعض المواقف من القصة، نتأمل من خلالها كيف كان منهج نبي الله يعقوب عليه السلام في التعامل مع مشكلته مع أبنائه، هذه المشكلة التي قد نرى جوانبَ منها في كثير من الأُسر المسلمة في وقتنا الحاضر، والتي قد تؤرِّق مضاجع الأسرة، ثم نبحث لها عن حلول عند المتخصصين في علوم النفس والاجتماع وما إلى ذلك.
مشكلة نبي الله يعقوب عليه السلام مع أبنائه الكبار: هيَّا بنا لنرى مشكلة نبي الله يعقوب عليه السلام مع أبنائه الكبار، عشرة أبناء في ريعان الشباب والفتوة، هؤلاء الشباب قد عبروا عن تصوُّرهم لمشكلتهم مع أبيهم بقولهم:﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8].
هذا التصور الذي عبَّر عنه هؤلاء الأبناء عن أبيهم بالقول:﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8]، وهو نبي مرسل من رب العالمين.
هل نرى فظاعة هذا التصور الذي لا يتقبله أيُّ أبٍ من أبنائه، وبُعدَ الهُوة بينهما؛ مما يدل على ضخامة هذه المشكلة؟ ومما يؤكد عمق هذه المشكلة في نفوس هؤلاء الأبناء، ما فكروا فيه بقولهم بعد ذلك: ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9].
إن حقد القلوب ولَّد كلَّ هذه التصرفات لدى إخوة يوسف لمجرد شعورهم بحب أبيهم لأخوَيْهم الصغيرين، وهذا قد يحدث في كثير من الأُسر.
وهذا ما كان يخشاه يعقوب عليه السلام وحذَّر منه يوسفَ: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5].
وقد ظل هذا الحقد متوقدًا في قلوب هؤلاء الفتية عشرات السنين؛ إذ كان ردُّهم على يوسف بعد أن وضع السقاية في رحل أخيه: ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77].
بل ظل اتهامهم لأبيهم بما لا يليق: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف: 85]، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [يوسف: 95].
هذه المشكلة في بيت النبوة، بيت يعقوب عليه السلام، وهذا كان مختصرًا لها نستشفه من كتاب الله الذي أرسله إلينا نتعلم منه.
منهج يعقوب عليه السلام في التعامل مع تصرفات أبنائه: ولكن كيف كان تصرُّف يعقوب عليه السلام حيال هذه المشكلة على مدار عشرات السنين؟! إنه العجب بالنسبة إلينا، فلم يَرِدْ في سرد القرآن الكريم لهذه المشكلة أن يعقوب عليه السلام قد بادر بعقاب أبنائه الشباب المندفع في فعله وتصرفاته بأي عقاب بدني أو لفظي، أو بالإبعاد عنه، أو بأي شكل من الأشكال، كما قد يفعل الآباء الآن، إنما كان كلُّ ما ذكره لنا كتاب الله في تصرف يعقوب عليه السلام، هو قوله: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].
وقد تكرر هذا القول مرتين بينهما عشرات السنين، الأولى: عندما ذكر له أبناؤه أن الذئب قد أكل يوسف، والأخرى: عندما ذكروا له أن أخاهم بنيامين قد أخذه ملك مصر، وفي هذه المرة قال: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
هذا هو منهج يعقوب عليه السلام في الرد على تصرف أبنائه، فيه عتاب رقيق مهذب، بل في قمة التهذيب: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾، فليس فيه تجريح ولا توبيخ لأشخاصهم، كما يفعل الكثير من الآباء مع أبنائهم عند قيامهم بتصرفات غير لائقة.
ثم يعقُب هذا القولَ: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾، لم يقل: فصبر فقط، بل جميل أيضًا، ما أحلى هذا! إنه صبر من نوع خاص، إنه جَمِيلٌ، فهل لنا أن نتعلم ذلك ونُمارسه مع أبنائنا في مثل هذه المواقف؟!
ثم يختم هذا بالاستعانة بالله: ﴿ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾. الله، الله، إنه الملاذ في كنَفِ الرحمن، ورضا نفس، تشعر النفس معه بالراحة والطمأنينة والسكينة، رغم المصاب الجلل.
وفي القول الآخر: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾: إنه الاعتقاد الراسخ في تحقيق لَمِّ شمل الأسرة بعد هذا الفراق، والأمل في الله والثقة في رحمته.
إن يعقوب عليه السلام بشر يعاني مما يعاني منه غيرُه من هذه المشكلة: ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]، ولكنه يلوذ بكنَفِ الله ويناجيه: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
إن اللجوء إلى الله والاستعانة به، بل إن الشكوى إلى الله لا إلى غيره، هي من صلب العبادة والتوحيد، وعلى الرغم من أن هؤلاء الأبناء الشباب هم الذين سببوا هذه المشاكل وهم الذين قاموا بها، فإن يعقوب عليه السلام يدعو أبناءه للقيام بحل هذه المشاكل: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
وهي وسيلة ناجحة لإصلاحهم، وفي نفس الوقت يدعوهم لعدم اليأس، وأن الأمر بيد الله: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
بل كان يُشعرهم بحبه لهم وخوفه عليهم رغم ما فعلوه، وكان هذا جليًّا في قوله لهم عند دخول مصر: ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].
مدى نجاح منهج نبي الله يعقوب عليه السلام في التعامل مع تصرفات أبنائه: إن معاملة نبي الله يعقوب لأبنائه بهذا المنهج طول هذه السنين، كان نهايته اعترافهم بأخطائهم فقالوا لأخيهم يوسف: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 91].
هذا منهج التعامل مع الشباب، يحتاج إلى الصبر والاستعانة بالله، والدعاء لهم بالهداية، مع استمرار التوجيه دون تنفيرٍ, وعدم القسوة عليهم؛ حتى لا يزداد نفورُهم؛ لأن هذه القسوة تقوي الشيطان عليهم، بل قد يهربوا إلى مَن يقودهم من شياطين الإنس، ويجب ألا ينتابنا اليأس من الأخذ بأيديهم مهما طال الزمن، ولنُحسن الظن بالله في صلاحهم: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾.
قميص يوسف طاهر لم يدنسه الذئب ، لكن من دنسه هم أخوته !
ما أشد الألم في ظلم ذوي القربى !..
ياللوعة قلب الأب وهو يرى قميص ابنه ملطخا بالدم ..
لا أدري كيف ملك يعقوب عليه السلام لسانه وعينيه في هذا الموقف!
بل قال (فصبر جميل) الجميل
في المصائب أن قلبك يكون فيها أكثر استدراكا لمعاني الربوبية ، حتى يصبح الصبر المر جميلا . الصالحون يزدادون بالبلاء جمالا .. إنه الإيمان ..
وما حيلتك أيها المكروب إلا الصبر؟!
وإذا نفد صبرك اطلب من الله أن يمدك بصبر آخر . فصبر جميل .. قلها لنفسك واجه بها أحزانك ، أعلنها في روحك تشعر بلذة الصبر ومعنى الرضا ...
(بل سولت لكم أنفسكم أمرا)
إذ كيف يأكله الذئب ولم تسجد له الكواكب بعد كما في الرؤيا ؟!.
كل الذين نبث لهم شكوانا لن يعلموا بحقيقة مافي قلوبنا ، وحده الله هو العليم ..
قال يعقوب(إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) ثمة أوجاع لاتشكى إلا لله ، إذ يكفي أن تقول له يارب أنا أتألم . وذلك سرا وحصرا بدمعات في سجدات لله ...
جاء القرآن الكريم لتبشير المؤمنين بالخير العظيم من ربِّ العالمين، وعلى نهج القرآن كان النبي صلى الله عليه وسلَّم؛ فلقد كان يعلِّم أصحابه رضي الله عنهم أن يستبشروا بالخير والفضل.
وجاءت الرؤيا الصالحة من الله لتبشير المؤمنين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اقترب الزمان، لم تكدْ رؤيا المسلم تكذب، وأصْدَقُكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بُشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يُحدِّث المرء نفسه، فإنْ رأى أحدكم ما يكرَه، فليَقُم فليُصلِّ، ولا يُحدِّث بها الناس))[1].
وفي لفظ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لم يبقَ مِن النبوة إلا المبشِّرات))، قالوا: وما المبشرات؟ قال: ((الرؤيا الصالحة))[2].
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم أن يَستبشروا بالخير دائمًا؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجِعْرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: ألا تُنجز لي ما وعدتَني؟
فقال له: ((أبشر))، فقال: قد أكثرتَ عليَّ مِن أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: ((ردَّ البُشرى، فاقبلا أنتما))، قالا: قَبلْنا[3].
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: جاء نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا بني تميم، أبشروا))، قالوا: بشَّرتنا فأَعطِنا، فتغيَّر وجهه، فجاءه أهل اليمن، فقال: ((يا أهل اليمن، اقبلوا البشرى إذ لم يَقبلها بنو تميم))، قالوا: قبلنا[4].
بل كان صلى الله عليه وسلم يحثُّهم على تبشير الناس بالخير؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعَث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: ((بشِّروا ولا تُنفِّروا، ويسِّروا ولا تُعسِّروا))[5].
••••
أصناف المُبشَّرين في كتاب الله تعالى:
بشَّر الله تعالى في كتابه الكريم صنوفًا من الناس:
أولهم: المؤمنون:
لقد بشَّر الله عباده المؤمنين كثيرًا في كتابه الكريم؛ وفي آيات أربع مِن كتاب الله تعالى تنتهي الآية بقول الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، بشَّرهم بماذا؟ لم يذكر رب العالمين؛ ليدل على عِظَم البشارة.
بشَّرهم الله تعالى بالفضل الكبير منه سبحانه وتعالى؛ فقال سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 47].
وبشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذه الأمة بالنصر والظفَر، قال خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردةً، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا مِن المُشركين شدةً، فقلتُ: يا رسول الله، ألا تدعو الله، فقعَد وهو محمر وجهه، فقال: ((لقد كان مَن قبلكم ليُمْشَطُ بمِشَاط الحديد، ما دون عظامه مِن لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينِه، ويُوضَع المنشار على مَفرِق رأسه، فيُشَقُّ باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله، والذئب على غنمه))، وفي رواية: ((ولكنَّكم تستعجلون))[6].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله زوى لي الأرض، فرأيتُ مَشارقها ومغاربها، وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها..))[7].
وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبَر إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، عزًّا يُعزُّ الله به الإسلام، وذلًّا يذلُّ الله به الكفر))[8].
وعن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بشِّر هذه الأمة بالسناء، والنصر، والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب))[9].
2- البشارة بأن مع العسر يُسرًا، وبعد الشدة فرجًا:
لا بدَّ في الحياة الدنيا من بلايا وملمات، ومحنٍ واختبارات، فهذه طبيعتها، وتلك سنتها، وما خلق الله الحياة إلا لابتلاء العباد بمَقارع الدهر ونوائبه؛ قال الله تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2].
لكن المؤمنين لما حلَّت بهم الشدائد، استبشَروا بقرب الفرج، وعلموا أن بعد العسر يسرًا، ولكل ضيق مخرجًا، ولكل همٍّ فرجًا؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [يوسف: 110].
لما اشتدَّ الظلام، علمنا أن الفجر قاب قوسين أو أدنى، ولما عَظُم البلاء واشتد الخطب، علمنا أن الغمة ستزول عما قريب، ولما اشتد ظلم الطغاة وبطش العتاة، علمنا أنَّ الجبار مُنتقم عاجلًا غير آجِل.
فالصالحون دائمًا إذا أصابتهم بلية، عَلِموا أنها لا تدوم؛ قال الله: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا ﴾ [آل عمران: 140]، فالله يكشف البلايا، ويَعلم الخفايا، قال الله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [فاطر: 44].
فدومًا تفاءل خيرًا، وأبشر برًّا، واعلم أن الله رحيم بعباده، لطيف بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: ((ألا أُعلِّمك كلمات ينفعك الله بهن؟))، فقلت: بلى، فقال: ((احفظ الله يحفظْك، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا))[10].
قال الشافعي رحمه الله:
ولرُبَّ نازلة يَضيق لها الفتى
ذرعًا، وعند الله منها المخرَجُ
ضاقت فلمَّا استحكمت حلقاتُها
فُرجت وكنتُ أظنُّها لا تُفرَجُ
3- البشارة بالمغفرة للمؤمنين:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [يس: 11].
4- البشارة بالجنة للمؤمنين:
بشَّر الله تعالى المؤمنين بأعظم بشارة لهم؛ وهي دخول جنات النعيم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [البقرة: 25]، وقال الله سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [يونس: 2].
قال الطبري [11]: اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ﴿ قَدَمَ صِدْقٍ ﴾، قال: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول مَن قال: معناه أن لهم أعمالًا صالحةً عند الله يَستوجبون بها منه الثواب.
وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: خرجتُ ليلةً من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، وليس معه إنسان، قال: فظننتُ أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفتَ فرآني، فقال: ((من هذا؟))، قلت: أبو ذر، جعَلني الله فداءك، قال: ((يا أبا ذرٍّ، تعاله))، قال: فمشيت معه ساعةً، فقال لي: ((اجلس ها هنا))، قال: فأجلَسَني في قاع حوله حجارة، فقال لي: ((اجلِس ها هنا حتى أرجع إليك))، قال: فانطلَقَ في الحرَّة حتى لا أراه، فلبث عني فأطال اللبث، ثم إني سمعته وهو مقبل وهو يقول: ((وإن سرق، وإن زنى)).
قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلتُ: يا نبي الله، جعلني الله فداءك، مَن تكلم في جانب الحرة، ما سمعتُ أحدًا يَرجِع إليك شيئًا؟
قال: ((ذلك جبريل عليه السلام، عرض لي في جانب الحرة، قال: بشِّر أمَّتَك أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، قلت: يا جبريل، وإن سرق، وإن زنى؟ قال: نعم، قال: قلت: وإن سرَق وإن زنى؟ قال: نعم، وإن شرب الخمر))[12].
قال الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 3]، والبشارة إنما تكون بالمسرات، وإنما جاء هذا على سبيل التهكُّم بهم؛ بشِّر هؤلاء الكفرة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم، وكان وكان، فأين هو؟ قال ((في النار))، قال: فكأنه وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حيثما مررتَ بقبرِ مُشركٍ فبشِّره بالنار)).
قال: فأسلم الأعرابي بعد، وقال: لقد كلَّفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبًا، ما مررتُ بقبر كافر إلا بشَّرتُه بالنار[13].
1-"وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا" كل من اقترب من النبي صلى الله عليه وسلم يجد النور و دفء اﻹيمان في كلماته وسنته وهديه.. / د. أبو بكر القاضي 2-[ وداعيا إلى الله بإذنه ] دعوتك الناس لله ، فضل امتنه الله عليك ما كل أحد يوفق له إﻻ من وفقه الله وكل أمر كان لله باركه الله / مها العنزي 3-يكفي أهل الذكر والتسبيح فضلا وأجرا هذه الآية{ اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) }/ محمد الربيعة
4- حين وصف الله القمر قال : ﴿ قمرًا منيرًا ﴾ وحين وصف الشمس قال : ﴿ سراجًا وهّاجًا ﴾ ، أما حين وصف النبي ﷺ قال : ﴿ سراجًا منيرًا ﴾../ فرائد قرآنية
1-﴿وَبَشّرِ المُؤْمِنِين﴾ إذا أتتك بشرى من عبد تغمرك السعادة فكيف إذا كان المبَشِّر من بيده خزائن السماء والأرض ؟! اطمئن تدبريات
2-( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) "هنيئا لمن تولى الله بشارته بنفسه، وخلد البشارة في كتابه، اللهم اجعلنا من أهل الإيمان…." / د.نوال العيد
3-( وفتح قريب ) ( وبشر المؤمنين ) ( لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " كم هي جميلة تلك البشائر التي تساق لنفوسنا ، وتجدد بها اﻷمل ." / روائع القرآن
4-أبشر بأعظم بشاره أنزلها ربك آمرا نبيك ﷺ أن يبشر بها المؤمنين ﴿وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا﴾ فحقق الأيمان في قلبك.. . /فوائد القرآن
5-﴿وبشر المؤمنين﴾ إن لكم في أفق الغيب أقدار سعيدة وعطايا جزيلة وأيام سعد وهناء جميلة فما بعد عسر أيامكم إﻻ يسر الكريم فأبشروا/ روائع القرآن 6-}وبشِّر المؤمنين{ ورد لفظ (بشِّر) في القرآن باشتقاقاتها أكثر من مائة مرة، فأين عناية بعض الدعاة بمثل هذا؛ ليرفعوا النفوس بالأمل والتفاؤل؟/ أ.د.ناصر العمر
7- ﴿وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا﴾ هذه من أصول الدعوة إلى الله، تبشير المؤمنين وتحبيبهم لتأليف قلوبهم . / تدبر